قسم وهرة ....( عندما تكون الانوثة وسيلة الانتقام ) ...
1
فتحت ذراعيها وكإنها تحاول احتضان قطرات المطر المتساقطة من سحب فرشت اجنحتها في سماء الظهيرة مانعة الشمس من ظهورها لهذا اليوم ...
.أغمضت عينيها السوداء الواسعتين ... رافعة راسها نحو السماء وبسمة عريضة تطوف على وجهها الطفولي مظهرة الغمزتين على وجنتيها ....إنها تدور حول نفسها وهي حافية القدميين على العشب الذي توزع على مساحة شاسعة من الحقل ..
ابعثت بتنهد وكانها تحاول اخراج نفس طويل لتليه استشاق هواء اكثر..
إنها وهرة ...صبية ذات اثني عشرة ربيعا ...لم تغادر يوما البسمة شفتيها وهي بين احضان الطبيعة ..إنها لا تعرف معنى الموت والحياة وما الحب والحقد ..لكنها تعرف معنى ان تغرد الطيور وما تهمس الاشجار بحفيفها وما يدوي الرعد بصوته الجبار ...توزعت ضحكاتها الصبيانية في ارجاء المكان بين ظل الاشجار ..وقطرات الندى في سطح بعض الزهور الصغيرة التي توزعت على طرفي المجرى المائي الممدد لمزرعة والدها ( صادق جاسم ) .الذي لم يكن له اولاد إلا وهرة وشقيق يدعى (فراس ) يكبرها سبعة اعوام وشقيقة تدعى (سلمى )تكبرها اربعة اعوام ..رغم أنه تزوج بأمرئتين له من الاولى فراس وسلمى والثانية وهرة ..
جاء صوت من بعيد يناديها ..توقفت عن الدوران وعيناها ذات الاهداب الطويلة تبحث عن صاحب الصوت ..إنها تعرفه ..إنه تحسين ..إبن العم سلمان ..صبي يكبرها بعام عرفها منذ الصغر ..لعبا معا وتسكعا بين ارجاء المزارع المختلفة للمنطقة ..
اقترب تحسين بهرولته السريعة نحوها حتى توقف وقلبها ينبض دقات سريعة قائلا " وهرة ..سوف تتزوجين ب ( قسم ) ابن عشيرة جمار ...لقد سمعت في القرية من احاديث الرجال في محل القهوة ..لقد وقعت تحت حكم الفصل " ...
حكم الفصل ..هو حكم يكون بين عشيرتين متنازعتين ..يكون على العشيرة المعتديه اعطاء جزية او دية او شيء من هذا القبيل لصاحب الحق في العشيرة الاخرى لمحاولة ارضائهم او لعدم سكب دماء اكثر بين العشيرتين ..
-" ماذا يعني هذا ؟ " ..قالتها بصوت متردد خافت بعد ان غابت بسمتها واخذت تشعر بقطرات المطر كإنها حصا صغيرة توذي جسدها النحيل عند سقوطها عليه .
-" يعنى ستكونيين زوجة لقسم ..فبعد موت شقيقه حسام على يد اخيك فراس واصابة قسم باحدى كليتيه..وقعت في مصيدة الفصليه "...
حسام فتى في ريعان شبابه احب سلمى شقيقة وهرة قبل عدة اعوام وتقدم لخطبتها ولكن عشيرتها تابى ان تقبل على زواج بناتها او اولادها خارجها..فما كان من الرفض الذي واجهه حسام إلى بالاصرار والعناد على ان تكون سلمى له ولم يكف عن التقائه به من حين إلى أخر ليحاولان أيجاد طريقة لتجمعهما تحت اطار شرعي ...ومع مضي الايام ..أخذت عيون الحساد تلاحقهما وتبث باشاعات مريبة والتي ما ان وصلت على مسمع فراس شقيق سلمى إلا وان قام بقتل سلمى وهو في قمة غضبه وثورته تحت اطار غسل الشرف ..وما ان علم حسام بالامر حتى قام بشجار كبير ضد فراس حتى انتهى الامر بقتل حسام بعيار ناري على يد فراس واصابة قسم في أحدى كليتيه الذي اسرع وراء شقيقه محاولا تهدئته وايقاف الشجار ..
ومع جلسة العشيرتان المتنازعتان ..أصبح دم فراس مطلوب ..مقابل دم حسام المقتول .ووهرة مقابل اصابة قسم ..رغم ان والدها اصر كثيرا على ان لا تكون تلك الصبيه في اطار هذا الحكم الذي يعلم ما ستئول له حياة ابنته الوحيدة وما ستواجه من الذل في بيت قتل ابنهم واصيب الاخر على يد شقيقها ..ورغم محاولته الكثيرة لابعاد هذا الحكم لكن الحياة تابى لذلك الرجل المسكين ان تصغي له وهي تقسي قلوب اصحاب القتيل ..
-" لكني ما زلت صغيرة " انها فعلا محقه ..فهي لم تبلغ مبلغ النساء إلا قبل بدر واحد وهي تجهل معنى ان تكون فصلية ..او زواج ..او ما تعنى العيش بعيدة عن احضان والدتها المسكينة التي ما ان علمت بالامر حتى ودت لو تاخذ ابنتها وتهرب بعيدة ..لكن إلى أين ؟؟؟ ..وهي تعلم انها اينما تكون ..فهي ملاحقة ..وابنتها مطلوبه بحكم المتزوجة بالفصليه ..بعد ان تم عقد القرآن بين والد ابنتها و والد قسم أمام ملا العشيرتين جمعاء ..
_" لا اصدقك " قالتها وهرة لتحسين وهي تعدو راكضة تاركة اياه خلفها متجهة إلى البيت حيث والدتها لتحاول تهدئتها مما قاله وتكذيبه ايضا ..
يتبع بقلم
رشا الصيدلي
رابط تحميل الرواية كاملة ككتاب الكتروني
المحتوى المخفي لايقتبس