آخر 10 مشاركات
مهجورة في الجنة(162) للكاتبة:Susan Stephens (كاملة+الرابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          مُعَلقّة بـ أسّتَار السّمَاءْ~ (3) *مميزة & مكتملة* سلسلة البَتلَاتْ الموءوُدة. (الكاتـب : البَتلَاتْ الموءوُدة - )           »          حروف كتبت في الذاكرة (الكاتـب : كلبهار - )           »          بأمر الحب * مميزة & مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          قبلة الغريب (67) للكاتبة Julie Kistler .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          قلبه لا يراني (130) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة مع الروابط عيدية عيد الفطر المبارك* (الكاتـب : Gege86 - )           »          صديق أم حبيب...؟ الجزء الثانى من سلسلة عائلة المافيا للكاتبة Jules Bennett .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          نيكو (175) للكاتبة: Sarah Castille (الجزء الأول من سلسلة دمار وانتقام) كاملة+روابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          مدونتي (◠‿◠) تفتقر الى حضوركم ✍ ☂ ✍ (الكاتـب : اشرف سامر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

Like Tree83Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-02-25, 09:58 PM   #31

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,965
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الثاني




نشعر بالخطر من بعيد
بل أحياناً نراه رؤى العين
ولا نصدق إحساسنا حتى نقع في الفخ
فخ لا قيام لنا بعده...


الماضي... قبل سنوات..


تقف بجوار والدتها تتأمل ما حولها بملل نادمة على قرارها الذي اتخذته رغبة منها في التقرب من والدتها فعلًا تعرف أنه لن يجعلها أقرب لمن رفضتها منذ الولادة، أخذت تطالع الضيوف وهي تتأفف في سرها، تفكر بابنتي عمها (نادين ورنا)، بالتأكيد هما الآن مجتمعتان وتتناولان الدولمة التي أعدتها زوجة عمها (والدة رنا)، وبالتأكيد تستمتعان بالحديث والنميمة وربما تطلبان من أحد الشباب أن يأخذهما في نزهة بالسيارة وبالطبع لا أحد يرفض طلبًا لأميرات عائلة الأمير بينما هي حبست نفسها هنا مع أشخاص لا يناسبونها ولا يشبهونها في شيء. صدق والدها عندما قال إن هذا المجتمع كاذب منافق، عالم لا يلائمها، وهي كوالدها وعائلة أبيها رغم غناهم وأموالهم الكثيرة التي تمنحهم كل سبل الرفاهية، يميلون للبساطة والعفوية. لكن الآن… تأففت من جديد، فكل ما يحيطها متكلف، من الزينة للطعام وحتى الأشخاص أنفسهم.
" ابسطي وجهك المجعد هذا…"
وبختها والدتها بهمس مغتاظ مع ابتسامة زائفة:" لو كان شقيقك هنا لالتفّ عليهم جميعًا تكلم وضحك مع هذا وذاك ونجح في أن يبهرهم بحديثه ولباقته…"
ثم أضافت بفم معوج:" لكن أنتِ…"
وتابعت وهي تنظر أمامها بحدة، متجاهلة لمعة الدموع في عينيها:" ماذا أقول على الزمن الذي رماني عليك…"
أشاحت بوجهها تمسح دموعها وتخبر قلبها ألا يتأثر فهي معتادة، أليس كذلك؟ ربتت على صدرها بحركة مواسية تواسي نفسها كما اعتادت كلما جرحتها والدتها بحديثها مهما حاولت ومهما فعلت لن تنال رضاها أبدًا.
تجد نفسها بطفولية تراقب بنات عمها وعلاقتهن بأمهاتهن كلما كانت معهن تدقق في كل تصرف يصدر من زوجتي عمها تجاه أبنائهن، وخاصة البنات، فتأكل الغيرة قلبها متمنية لو نالت اهتمامًا من أمها أقل مما تراه… فقط القليل الذي يرضي قلبها. جدتها لا تتأخر عليها تعطيها كل ما تريد وأكثر لكن يبقى بداخلها شعور الغيرة والرغبة في اهتمام أمها فدور الأم في حياة ابنتها مختلف ولن يقدر أي شخص على إعطاء الابنة ما تمنحه الأم. دائمًا ما تسأل نفسها: لماذا لا تحبها أمها؟ ماذا فعلت حتى لا تنال منها ما تحتاجه كل فتاة من والدتها؟ هل صعب عليها منحها حضنًا دافئًا، قبلة صغيرة ترفع من معنوياتها مع تربيتة صغيرة على ظهرها وكلمات داعمة؟ هل هذا صعب؟
بحزن واضح للعيان رفعت نظرها عندما شعرت بأنها مراقبة لتقع عيناها في عينيه نظرة واحدة منه إليها جمدتها في مكانها اهتزت الأرض تحت قدميها وشعور غريب غير مبرر راودها، لا تعرف ماذا رأت لكن ما رأته أرعبها وقد شعرت أن هاتين العينين ستطاردانها طويلًا... شعورها هذا تسبب بارتجاف جسدها وقد تعالت دقات قلبها بنبضات متسارعة وضاق نفسها ولم تعد تقدر على الوقوف ماذا بها؟ وأي شعور هذا الذي راودها في ثانية؟ كيف تصنفه وأين تضعه في سلم المشاعر الإنسانية!!!
مدت كفها تمسك بذراع والدتها حتى لا تقع أرضاً مغشياً عليها وتنال من الأخيرة ما لا يحمد عقباه...
******

الوقت الحاضر...

دخلت للمنزل متوجسة كعادتها كلما وطئت قدميها أرض هذا البيت القديم، بزواياه التي يسكنها أفراد غير مرئيين لها عكس صاحبة البيت التي تعايشت معهم أكثر مما عايشت البشر، إنسانة حباها الله بقدرات خارقة وكشف المستور وتحت يديها خلق آخر يسيرون خلفها.. كانت عيناها تحوم حول المكان تقرأ بسرها آيات قرآنية مما تحفظ، تبحث عن ضالتها وكلها يرتجف بخوف مفضوح، خاطبها صوت ذو نبرة عالية قوية من الغرفة المقابلة لمكانها قائلاً:" ادخلي يا أم الدكتورة..."
ارتعش جسدها وهي تهمس بسرها:" ما أدراها هذه أنها أنا؟"
سألت نفسها لتجيبها بعد ثانية باستهزاء:" هه يا لغبائي بالتأكيد هم من أخبروها.."
ثم أخذت تنظر للبيت تهمس بسرها:" والله الدخول لها أشبه بدخول كهف مظلم، والخروج منه بعقل كامل معجزة.."
سارت بخطوات وجلة خائفة تقدم خطوة وتعود خطوة حتى شعرت بدفعة قوية ترميها للداخل فاهتز جسدها بفعل الدفعة لتنظر خلفها دون أن ترى شيئًا فهمست بذعر:" سلام قولًا من رب رحيم.."
وقفت توازن جسدها الثقيل والرعب بداخلها يزداد والجالسة في مكانها تقرأ كتابها القابع في حضنها وتراقبها بنصف عين وملل مما يحدث أمامها ويتكرر معها كلما أتت إليها لا هي تركتها في حالها ولا هي توقفت عن هذا الخوف الذي لا داعي له فقد أخبرتها ألف مرة أنهم لا يؤذون وأنهم جن مسلم لكن لا فائدة ما زالت ترتعب منهم... قالت ميثاء بملل من الوضع:" كل مرة تأتين ترتعبين فيها وكأنك دخلت لبيت الشيطان.. بات الأمر مملًا يا أم الدكتورة.."
أجابتها أم جيهان بصوت مرتعش وكلها يرتعش والأفكار التي تخطر على بالها مرعبة لمن مثلها:" يا ابنتي أنا امرأة كبيرة فخافي الله بي.."
" وهل طلبت منك القدوم يا خالة؟؟"
ردت ببرود وعادت لقراءة الكتاب متجاهلة إياها؛ فسألتها أم جيهان وهي تلتفت حولها بذات الخوف الساكن بداخلها:" أين هم؟"
لم ترد المعنية بل تابعت ما تقرأ وبعد دقائق شعرت بهم الأخرى دهرًا وضعت ميثاء الكتاب في حجرها مغلقة إياه بأصبعها وكفها الآخر فوقه قائلة بهدوء ودون انتظار لما ستقوله الجالسة أمامها تنتظرها:" لن أقدر على مساعدتك يا خالة كما أخبرتك أكثر من مرة فأنا لست خطابة."
أجابتها الأخرى وهي تقترب منها بتوسل تسحب كفها القابع فوق الكتاب بقوة تشدد عليه:" أنتِ أفضل من ألف خاطبة يا بنت يا ميثاء، هل أعرفك اليوم؟ أنت تملكين قدرة على فعل المستحيل"
تنهدت الأخرى وهي تقول ببرود وقد ملت التبرير فالناس لا تقتنع إلا بما تريد:" استغفري ربك يا خالة ما أنا إلا عبد مأمور، ثم مساعدتي لكم لا تصل للغيب وكل ما فعلته سابقًا أني رشحت الفتيات لعوائل الشباب اللذين يأتونني ولم أتدخل بأكثر من ذلك.."
" لكنهم قادرين على فك عقدة ابنتي، يفك الله عنك كل كرب... ساعديني يا ابنتي فجيهان بلغت الثامنة والثلاثون ولم يعد يتقدم لها إلا من يرغب بالتعدد وهي ترفض بحجة أنهم لا يستحقونها.."
نبرتها المتوسلة جعلت ميثاء تناظرها بهدوء ثم قالت بخفوت يائس:" لأنها تعرف قيمتها جيداً يا خالة، فلم تقللين أنتِ منها؟"
تغضنت ملامح الأكبر سناً باستهجان قائلة:" وهل توجد أم تقلل من ابنتها؟؟ أنا أريد لها الستر ليس إلا.."
تنهدت ميثاء بهدوء وقالت:" ونصيبها لن يمسكه أحد لكن لو الله قدر لها عدم الزواج ماذا سيحدث؟"
شهقت أم جيهان مستنكرة الحديث:" استغفري ربك (فالج ما رضيناه) * ما هذا الحديث الشؤم وأنا التي جئتك أستجير بك.."
*أي ان ما قالته لا يرضون به*
تنهدت ميثاء تجيبها بملل من هذا الحديث الذي يتكرر متسائلة لما الناس يعاملونها على أنها حلالة للمصائب أو أنها تملك قوة خارقة وما هي إلا إنسانة امتلكت ما لم يملكوه لسبب لا يعلمه إلا الله لكنها ليست بعالمة للغيب وكل شيء وأي شيء حدث كان بمشيئة الله وما كانت إلا سببا به.. هي مثل الطبيب يعالج المريض بما يعرفه من علم ينفع به الناس والباقي بإذن الله، هي لا تتسبب بحمل أنثى ولا شفاء المرء لا تملك ما ينسبونه لها وليتهم يقتنعون ويعودون لربهم:" وما المطلوب مني يا خالة؟"
سألتها ميثاء بهدوء ضجر فردت الأخرى بتوسل:" اقترحيها على عائلة تناسب طموحها.."
تغضنت ملامح ميثاء قائلة:" يا خالة هذا الأسلوب لا يرضي الدكتورة..."
نظرات المرأة أوجعت قلبها فذكرت نفسها أنها مثل أمها وعند الخاطر الأخير تغضنت ملامحها بحزن رقيق فتنهدت تقول باستسلام:" حسنا سأفعل ما أقدر عليه ولكن لا تتأملي كثيراً.."
لكن الأخرى لم تعتقها بل قالت بمكر مفضوح:" سمعت أن هناك من جاءك يبحث عن عروس.."
لعنت بسرها تلك الفتانة التي نقلت ما حدث أمامها قبل أيام وتذكرت تلك المرأة الغنية التي جاءتها مع سليمة سيدة تعمل في المنازل وهي من أهل المنطقة وعندما سألتها صاحبة المنزل التي تعمل به عن شخص يساعدها في إيجاد عروس لابنها فرشحتها سليمة للسيدة الغنية التي لم تؤخر خبراً وجاءتها لتقابلها وتسألها عن الفتيات وما عرفته بطريقتها الخاصة جعلها تجيبها برد قاطع أنها لا تعرف أحداً ولن تتورط معها، إجابة أزعجت السيدة التي أجابتها بغرور أنها ستجد من هم أفضل منها لمساعدتها فيما تصبو إليه، فاكتفت هي بالرد عليها ببرود ونبرة العارف (يبتلي الله عباده اختبارًا لهم، إن قبلوا البلاء يكافئوا، وإن رفضوه يعاقبون في الدنيا قبل الآخرة، السؤال هنا هل رضيت بما ابتلاك الله به.؟؟؟)
شحبت المرأة مصدومة مما تسمع وركزت نظرها عليها بتساؤل عما تعنيه بكلماتها هذه رغم أنها بداخلها فهمت ما قصدته الأخرى، لترد عليها ميثاء بابتسامة مردفه بيقين (يبدو أنك لم ترضي بالبلاء، ولهذا قررت رميه على غيرك..)
قفزت المرأة واقفة برعب وهي تلتفت حول نفسها تنظر لما قد يحيطها ويجعل الشابة الجالسة أمامها تقول ما قالته بتلك اللهجة المتيقنة ولدقائق ظلت المرأة واقفة مصدومة تنظر لها برهبة تسألها بعينيها كيف عرفت ما عرفته فردت بذات الابتسامة التي لم تصل لعينيها، كانت حركة مقصودة ولها فيها غاية وصلت للأخيرة التي غادرت بعدها بثواني بخوف امتزج بالغضب بينما تخرج النار من عينيها وأنفها، تجاهلتها وتجاهلت الأمر برمته، ثم وجهت الحديث لسليمة قائلة (لا تورطي نفسك لأجل مكسب زائل، ولا تكوني سببًا في إيذاء شخص وإن دون قصد..)
تجمدت سليمة مكانها تريد أن تسألها عن معنى حديثها لكنها جبنت لتتركها بعد ذلك فارة بجلدها تركض خلف سيدتها بينما استمرت هي بمراقبة المرأتان بنظرات غامضة...
عادت ميثاء من تلك الذكرى متسائلة في سرها إن كانت سليمة أخبرت أم الدكتورة فعلاً، وهل هي رسالة أن نصيب جيهان مع ابن تلك المرأة؟ طالعت والدة الدكتورة بنظرة عميقة مفكرة إن كان هذا قدر الدكتورة فلن تنفع كل محاولاتها سواءً لإيقافه أو منعه لكنها على الأقل لن يكون لها دور في هذه القصة بأي شكل من الأشكال:" لا أعرف ماذا وصلك بالضبط لكنه غير صحيح.."
طالعتها أم جيهان بضيق وانتفضت واقفة بغضب وهي تلملم عباءتها وتعدلها من عند رأسها قائلة:" هكذا إذاً.. "
******


هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
قديم 05-02-25, 10:10 PM   #32

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,965
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي



رنين الهاتف أزعجه بإلحاحه فرفعه ينظر إليه بعينين مغمضتين ليقرأ اسم لؤي وهو شبه غافي فتح الاتصال يرد عليه بصوت ناعس:" ماذا هناك يا ****..."
رد لؤي منزعجًا من الشتيمة يكره هذه الألفاظ ولا يحب استخدامها لكن صديقه يرفض أن يقتنع ويراه "متفزلكاً " يدعي ما لا يملكه:" لسانك هذا سأقطعه لك ذات يوم... هيا استيقظ الساعة الآن الخامسة عصرًا.."
أبعد الهاتف عن أذنه ينظر للوقت ثم أعاده قائلاً:" وماذا يعني؟"
بملل رد الآخر:" معناه استيقظ وقابلني في الكوفي ****..."
وأغلق الهاتف دون أن ينتظر رده.. رمى مؤيد الهاتف جانباً وعدل من وضعه للجلوس وأخذ ينظر لما حوله باختناق.. يخنقه هذا البيت رغم كل رفاهيته وجماله الذي يحسده الجميع عليه، لكنه لا يطيقه، يشعره بالفشل، بقلة القيمة والأهمية وأنه حشرة لا يستحق أن يكون له مكان فيه.. شعور عرفه منذ سنوات ويزداد عمقا بمرور السنين، شعور سكنه منذ شعر بتخلي والده عنه وابتعاد أبناء عمومته عنه عكس علاقتهم مع شهد ورغم كل ما فعلته والدته لم تقدر على أن تمحي هذا الشعور من داخله ربما لأنها هي الأخرى دخيلة على أهل هذا البيت فأهله لم يعتبروها يومًا واحدة منهم ولا هي فعلت.. ذكر نفسه بسخرية مريرة فنال هو الآخر لقب المنبوذ بالتبعية بسببها هي وبسبب أفعالها...
رفع رأسه قليلاً ينظر للصورة العائلية التي التقطوها بناءً على طلب جدته وعلقت في غرف البيت بناءً على طلبها أيضاً.. ولكنه احتفظ بها ولم يرمها كما فعلت والدته التي أخرجتالصورة بعد موت جدته من غرفتها التي تشغلها بمفردها ومنذ سنوات.. وله سبب واحد فقط في احتفاظه بهاوكان ذلك رغبة منه في التدقيق بالتعابير المرسومة على كل وجه من الوجوه التي تحتلها.. يرى الحزن والخيبة في عيني شهد.. الوجع والحب في عيني جدته.. الغرور في عيني والدته.. أما عيني والده فهي مزيج من كل هذا... أما هو فعيناه كانتا خاليتين من المشاعر كصحراء قاحلة أو بئر جف ماؤه لم يعرف الحب الحقيقي لم يجربه ولم يحط بالاهتمام الذي يجعله شخصاً جيدًا وحقيقي كشهد التي نالت كل الحب والدلال من والدهما وجدتهما لذا كان الشخص الوحيد بينهم الخاوي تماماً من أي صفة تجعله شخصاً حقيقياً وليس خيالاً كما هو الآن، كان مجرد فرع زائد وجوده يكمل نموذجية الصورة ومثاليتها حتى بات ما هو عليه اليوم شخص أناني حقير لا يهمه إلا نفسه. لكن ورغم هذا الشعور إلا أنه ما يزال يشعر بالغربة بينهم؟ لم لا ينتمي لهم؟؟ لم لا يكون كما يريد أباه.؟ لا يعرف ولم يعد يريد أن يعرف بل أن الأمر ذاته لم يعد مهمًا فهو مؤيد بكل سواده وغله وحقده وهم بكل مثاليتهم وطيبتهم.. لا تعجبه نفسه لكنه لن يتغير خاصةً وأن كل من حوله بأخطائهم وبذنوبهم لم يتغيروا فلم يطلبون منه التغيير بحجة أن ما هو عليه هو الأسوأ.. من الأسوأ بينهم؟ لا يعرف.. من أجبر!! أم من صمت!! أم من خذل!! حتى الجدة لم تكن البريئة تماماً.. جميعهم ظالمون؛ جميعهم يحملون أوزارهم وأوزار من ولدوا وهم يحملون اسم هذه العائلة.. رمى اللحاف تاركاً التكييف يعمل وأفكاره تدور في رحاها لكنه يتجاهلها باقتدار... يهرب منها ومن نفسه قبلها...
*
انتهى من ارتداء ثيابه وتأكد من هندامه وتحرك مغادراً غرفته ليقول مخاطباً أول من وجدها في طريقه من العاملات في المنزل قائلا:" لتنظف إحداكن الغرفة لا أريد أن أعود وأجدها كما هي.."
أومأت برأسها وهمست بكلمة حاضر وتحركت مبتعدة عن طريقه بينما هو نزل السلم واتجه يميناً حيث يجلس والداه، لم يلق السلام ولم يوجه حديثاً لوالده فالعلاقة بينهما دائماً متوترة وما حدث فجراً تذكره وهو يأخذ حمامه؛ قال لوالدته:" أمي أريد مالاً.."
نظرت إخلاص نحو زوجها الجالس قربها ثم لابنها قائلة:" حاضر يا حبيبي.."
تحركت إخلاص لتجلب المال ليتحدث رضوان هذه المرة دون أن يبعد نظره عن الكتاب الذي بين يديه، كتاب قانوني فهو رفيق درب والده الذي يقرأ كل جديد يتعلق بالقانون وكل هذا ليكون الأفضل في عمله خاصة أنه الآن يعمل كقاضي في المحكمة الجنائية العليا:" ألم يحن الوقت لتبدأ في العمل؟"
ببرود أجابه مخفضاً نظره أرضاً رافضاً حتى أن ينظر إليه وهو يرد عليه:" ولم أعمل والشركة تعطينا الأرباح شهرياً ولي حصة فيها!"
رفع رضوان رأسه نحوه ينظر لوقفته ولامبالاته وحالته التي تزداد سوءاً وقال بنبرة ساخرة حملت القهر وامتلئت بالأسى رغم أنه تحدث بهدوء مخفياً كل ما يشعر به اتجاه ابن لم يجد فيه ما تمناه:" أباك لم يمت بعد لترثه حياً.. "
تجاهل مؤيد والده ولم يرد وكأنه لا يحادثه بل أشاح بنظره جانباً بتجاهل واضح متظاهراً أنه لم يسمع شيئاً.. التفت عندما أتاه صوت حركة والدته خلفه، أخذ المال الذي مدته له والدته التي قالت ما إن غادر ابنها مغلقاً الباب خلفه:" رضوان اترك ابني وكف عن تشددك المغيظ.."
أغلق الكتاب بحدة ووقف ليغادر وهو يقول بحسرة:" معك حق، هو ابنك وليس ابني فأنا ليس لي إلا شهد..."
ولم يعلم رضوان الذي نطق كلماته من حسرته أن مؤيد كان قد عاد ليأخذ هاتفه الذي نسيه في غرفته وسمع ما قاله أباه فتضخم الكره والحقد في قلبه..
*****
يراقبها من مكانه وهو يقف يستند على دفة الباب، يراقب خلجاتها وملامحها الجذابة لطالما امتلكت شهد سحرًا يجذب الرجال نحوها وضعفًا فطرياً ظاهراً وقوة مخفية وعينين فيهما حزن شفاف يحرك رجولتهم مع لمسة من أنوثة تجبر الرجل بداخلهم على التحرك ليحمي هذه الأنثى الرقيقة أمور جذبت الجنس الأخر لها وجعلتها تعاني فكل تجربة تمر بها تنتهي بجرح غائر لا تداويه الأيام بل تخفيه صاحبته في داخلها وتظهر تلك القوة المخفية وتدعي أنها على قيد الحياة وأنها كما هي ولم تتغير..
اخفض رأسه وذلك الشعور يعاود غزوه فلم يستطع أن ينسى أنه ذات يوم كان ممن خذولها رغم أن لا ذنب له فيما حدث لكنه يحمل نفسه بعض المسؤولية ورغم ذلك لم يتجرأ على التقدم إليها ومساعدتها وتحقيق طلب جدتهم في أن يتزوجها.. كان أكثر من تأملت فيه خيراًوالسبب أنها رأت في حنانه وقدرته على الاحتواء سبباً لنجاح علاقته بها لكنه لم يقدر ليس بسبب ما عاشته شهد بل بسبب شعوره العادي جداً نحوها، وبسبب آخر اكتشفه قبل أعوام قليلة... أجبر نفسه على الخروج من أفكاره وعدل وقفته طارقاً الباب فالتفتت نحوه تمنحه ابتسامة هادئة جميلة ككل ما فيها ليقول ساخراً يشاكسها كأخ:" تشتكين لخالي وفي الحقيقة أنتِ آخر من يغادر المكتب.."
عادت لعملها وهي تجيبه ببساطة بينما تجمع أوراقها وما تزال محتفظة بابتسامتها الخفيفة التي لم تصل لعينيها هذه المرة وإن احتفظت صاحبتهما بذلك الحزن الشفاف الذي يسكنهما ولا يغادرهما:" لا أستطيع إخباره أن العمل يخفف عني الاختناق الذي أشعر به وأنا في القصر.."
ثم أضافت وهي ترفع رأسها نحوه تقول ساخرة:" الناس تهرب لبيوتها وأنا أهرب من بيتي.."
لم يسأل ولم يستفسر عن الجديد فقد اعتاد على حياة سكان القصر بل قال:" يجب أن تعتادي يا شهد، كما أن الهرب ليس بحل.."
لم ترد بل غيرت الموضوع قائلة وهي تغلق حقيبتها التي تحوي على ملفات القضايا وسارت لتجلب حقيبة يدها:" كيف حال عمتي؟ لم أتصل بها منذ يومين.."
أجابها يساعدها في الهرب من حديث لا فائدة منه، مجرد شكوى منها وصمت منه:" بخير الحمد لله لكنها مشتاقة ليحيى وأبنائه وتطالبه بالعودة ولكن.."
هز كتفه بلا فائدة؛ سألته وهي تنظر إليه:" ألا يتصل بها؟"
ابتسم تلك الابتسامة التي تعرف أن خلفها ما هو سوى سخرية وفقدان أمل في أخيه قائلاً:" يتصل يوميًا لكن العودة لا، يتحجج بألف أمر ولا أعرف هل نصدقه ونمحنه العذر أم نكذبه، فليس من المنطقي ألا يجد أسبوعاً في العام ليعود فيه ويرى والدته..."
كان قد جلس على الأريكة التي تكفي أربع أشخاص، والتي وضعتها للعملاء، فجلست قربه قائلة بنبرة باردة:" لا أعرف كيف تتحمله رنا، إنها تشبه النسمة الهادئة برقتها وهدوئها.."
تنهد قائلاً بنبرة عادية:" ربما ما يحتاجه هو أنثى مثلها هادئة رقيقة مطيعة تناسب شخصيته المتسلطة.."
يحيى شقيق سراج الأصغر منه بأربع سنوات ورغم تشابهما بالكثير من الأمور لكن ابن عمتها الثاني مختلف عن الأكبر سناً:" ما يزال غاضبا ...؟"
سألته فنفى برأسه قائلاً وهو يمد كفه على ظهر الأريكة:" لا، فقد أرضاه خالي بإدارة الفرع الخارجي، وحقق له مطلبه في أن يسافر ويدرس على حساب الشركة ويكون مديرها هناك.."
عادت لتسأله بفضول:" وعلاقته مع بهاء ما تزال باردة ورسمية؟"
أومأ برأسه وبدأ في شرح وجهة نظر أخيه فرغم اختلاف وجهات النظر لكنه أكثر من يفهمه ويفهم كيف يعمل عقله:" إنه يراه مغتصبًا لحقه.."
مطت شفتها بعبوس قائلة:" لا أفهم تفكيره ففي النهاية نسبة عمي أكبر من نسبة عمتي وطبيعي أن يسلم الشركة لأحد أبنائه أو أبناء أخيه، وليس من حق أخاك أن يعترض.."
" هو يرى أنه تعب وعمل ودرس مثله مثلهم، ومسألة النسب هذه ليست محل نقاش ففي النهاية الشركة شركة عائلية وبالتالي من يديرها لابد أن يكون الأكبر سناً والأكثر خبرة وهذا الأمر ينطبق عليه هو فهو يكبر بهاء عمراً وعمل قبلهم جميعاً مع أبي وأخوالي عندما كان أبي حياً.."
سألته مستغربة حديثه وكأنه غير محسوب في هذه النقاش:" ولم لم تطالب أنت بحقك وأنت تكبره سناً وقد عملت أيضاًمثلهم جميعاً بل وكنت أول من عمل في الشركة قبلهم جميعاً وقبل يحيى حتى؟"
أجابها بقناعة راسخة في نفسه فهو لا يفضل العمل المكتبي الذي يشعر أنه يقيده بل يحب أن يعمل حراً ويقابل الناس ويساعدهم :" لأني لستُ رجل أعمال بل رجل قانون أفهم أكثر في الحقوق وتقسيمها ولن أتشاجر على منصب لن يرفع أو يقلل من شأني، وهذا الأمر لم يلفت انتباهي وأنا أصغر عمراًوأقل خبرة وليس الآن بعد أن صنعت لنفسي اسماً ومكانةً أفتخر بها لأنها نتيجة تعبي وجهدي لسنوات.."
كلما تحدث تراقبه بذلك الانبهار الطفولي الذي تشعر به في حضوره فلطالما كان رجلاً حقيقياً وذو معدن أصيل تشعر أن أمثاله انقرضوا أشخاص يرضون بالقليل ويقدمون الكثير دون أن ينتظروا مقابلاً لذلك.. همست بغيظ من أخيه وفخراً به فخراً لا يملك من يعرفه إلا ويشعر به نحوه:" ليته مثلك.."
ابتسم لها قائلاً بتصالح مع النفس وقناعة راسخة:" المشكلة أن كل شخص يرى الأمر من زاويته هو فقط ينظر لتعبه وجهده وكل ما فعله ولا يهتم بالحقائق أو ينظر لتعب الآخرين وجهدهم وكل ما عانوه ليصلوا لما وصلوا له متجاهلاً حقيقة أن بهاء للآن ليس مديراً فعلياً بل هو ما يزال يعمل تحت يدي خالي فضل.."
كان حديثه واضحاً والمقصود به أخاه، لكنها أيضاً رأت نفسها بين السطور؛ رأت مشاعرها التي تتألم وتعيش الأسى لهذه اللحظة لا تنظر إلا لوجعها وأساها.. لا ترى ما يعانيه من حولها ليس لقلة إدراك منها؛ بل لأنها ما عادت تملك طاقة أو قدرة على احتواء غيرها خاصةً أنها في أمس الحاجة لأن تجد من يحتويها.. نظرت لابن عمتها عزيزة الأم التي تعرفها وأخذت تتأمله بنظرة مدققة انتبه لها وتظاهر بأنه لم يفعل كانت قد تمنته زوجاً لها ذات يوم حتى سقطت أحلامها في بئر عميق جفت فيه المياه، حطمت ضلوعها بسقطتها تلك وماتت روحها في ذلك البئر حتى انتشلوا جسدها منه وتركوا روحها خلفهم.. شبح أيامها يخبرها أنها لا تستحقه لا تستحق رجلاً رائعاً مثله تحتاج لمن ينتقم منها لمن يأخذ بثأر الآخرين منها لهذا لا تحاول جذبه نحوها لا تحاول أن تجعله يوافق على الطلب الجماهيري فيتزوجها وبالتالي ينتشلها من قاعها المظلم.. مد كفه نحوها قائلاً لتنتبه أنه وقف يحادثها بينما هي غاصت في أفكارها:" هيا شهد لنغادر فلا يصح بقاؤك لهذا الوقت.."
مدت كفها ووضعته في خاصته تبادل ابتسامته الصادقة بأخرى مزيفة وعقلها يسألها لما قلبها العصي لم يختاره بدلاً عن آخر جرحها حتى تفنن في ذلك..
*******
خلع النظارة ودلك ما بين عينيه بإرهاق يحسب الوقت بعقله وكم بقي عليه حتى يعود للمنزل لمسؤوليات أخرى مرمية على عاتقه وتخلى الجميع عنها، مسؤوليات تحل وتسهل لو قسمت بين أفراد ذلك البيت لكن أراد الله أن يبتليه بها جميعها ويحملها كلها على عاتقه.. دق هاتفه فرفعه ينظر لاسم المتصل ورد ببرود:" السلام عليكم..."
لم ترد على سلامه بل صاحت باستنكار غاضب فأبعد الهاتف عن أذنه وقد تجاهل الطرف الآخر الرد على السلام كعادة حفظها منها:" خالد هل أوقفت بطاقتي الائتمانية؟"
رد بهدوء غير مبالي بغضبها:" طلبت منك مجالسة الأطفال اليوم فقط، أبي وأمي مسافران وأنا مشغول كثيراً فقومي بوظيفتك ولو مرة لينا.."
بنفس الغضب والاستنكار تابعت صراخها:" لكن ما دخل بطاقتي في كل هذا ثم الخدم موجودون لمراعاتهم حتى عودتي!!"
ابتسم ساخراً يردعليها ببرود يتمسك به حتى لا تظهر الحقيقة التي يخفيها خلف هذه الواجهة:" عودتك التي ستكون بعد عودتي ولن تقل عن الواحدة فجراً.."
جزت على أسنانها بغضب منه وقد سرق منها الفرصة في الذهاب لتلك الحفلة التي تتحضر لها منذ فترة، همت بمتابعة صراخها فقاطعها خالد قائلاً بنبرة قاطعة:" لينا عودي للمنزل وابقي مع الأطفال، هم يعرفون كيف يعتنون بأنفسهم كل ما عليك فعله البقاء معهم.."
أغلقت الهاتف في وجهه كناية عن رفضها لقراره فتنهد مستسلمًا ولم يجد بدًا من الاتصال بصغاره أبعد الهاتف عن أذنه متجاهلاً وغير مبالي بفعلتها فالعلاقة بينهما باردة كطبيعة هذا البلد، أخذ يبحث عن اسم ابنه الأكبر والذي اضطر أن يشتري له هاتفاً ليتواصل معه في الكثير من الحالات المشابهة لهذه الموقف رغم أنه لا يفضل أن يمتلك طفل في العاشرة من عمره هاتفاً وإن كان دون إنترنت لكنه فعل يرفضه لكن كما يقولون (المضطر يركب الصعب..) اتصل به وخلال ثواني جاءه الصوت الطفولي لفادي قائلاً يطمئنه من قبل أن يسأل:" بابا لا تقلق نحن بخير.."
تألم قلبه على صغيره فقال بابتسامة مرتجفة على هذا الصغير الذي كبر قبل أوانه:" آسف حبيبي تأخرت في العمل لكن ماما ستصل قريبا..."
لم يتلق ردًا من صغيره وبعد ثواني قال فادي بنبرة قلقة:" ماغي ارتفعت حرارتها قليلاً بابا.."
سأله بخوف:" هل هي بخير...؟"
أجابه الآخر وهو يضع كفه على رأس شقيقته يتأكد من حرارتها:" اتصلت بالدكتور ميشيل وحضر وفحصها وقال إنها حمى عادية وكتب لها دواء فطلبت من أحد العمال أن يشتريه وقبل قليل أعطيتها إياه وهي نائمة الآن.."
تألم قلبه، توجع على حظ أبنائه لكن ما بيده ليفعله وهذا نصيبه ونصيبهم اكتفى بالقول بصوت مختنق:" أحسنت بابا أنت أفضل أخ في الدنيا.."
فتبسم الصغير فخوراً بنفسه سعيداً بمدح أباه ليسأله والده:" أين فريد...؟"
نظر لأخيه ورد قائلاً:" إنه جالس مع عمي حليم.."
حمل آخر يضاف إلى أحماله الثقيلة.. حمل ثقيل بثقل الأيام التي يعيشها...قال بعد صمت:" حسناً حبيبي اعتني بنفسك وبإخوتك وأنا سأحاول أن آتي بأسرع وقت ممكن.."
" حسناً بابا إلى اللقاء."
أغلق الاتصاللكن لم تنغلق أوجاعه ولا تضحياته وكل الذنب ذنبه هو من تساهل من صمت وتجاوز حتى اعتبر الجميع أن صمته حق لهم فنال منهم الطعنات التي حولته لما هو عليه الآن إنسان نصف حي ونصف ميت..
******
أغلقت لينا الهاتف بغضب وقربها صديقتها التي تنظر لعقد ألماسي تسألها بفضول:" ماذا سيحدث الان؟"
نظرت لها لينا لثواني ثم قالت:" نذهب.."
قاطعتها الأخرى تقول باستهجان:" نذهب للحفل دون هدية.!!"
سارت لينا تسبقها قائلة:" بل نذهب للبيت فخالد لا يغضب إلا نادراً لكن لو غضب..."
ابتسمت صديقتها ساخرة وهي تقول:" هل بتنا نخاف من السيد خالد...؟"
لم تلتفت نحوها تكمل سيرها بغضب وصوت كعب حذائها يطرق الأرض بحدة:" أنتِ لا تعرفين زوجي فلا تتحدثي بما تجهلينه "
لم تصمت الأخرى بل همست لها بصوت خافت:" وافقي على العرض الذي عرضته عليك وستعيشين كالملكات ودون منة من أحد.."
ببرود أجابتها وهي تضغط على زر إغلاق باب المصعد:" لست ع*** مثلك ..."
اشتعل وجه الأخرى بغضب وحقد وقد ألجمها جواب لينا تماما لكن في سرها كانت تقسم أن تنتقم منها وتجعلها تدفع ثمن كلماتها هذه غالياً..
******
مررت كفها على تلك الخطوط التي تزداد ظهوراً في وجهها تخاطب الزمن زمن عاشته دون أن تشعر به ولم تر من الحياة الكثير...أين كانت وأين أصبحت؟ كيف مضت أعوامها الثمانية والثلاثون؟ هل هي من أنجبت أربع مرات وفقدت أكبرهم والثاني زواجه بعد يومين؟ هل هي من تملك ابنتين قريباً ستزفهما؟ لا تصدق أنها عاشت كل هذا وأكثر ومن في سنها لتوها تبدأ حياتها لكن هي... ابتسمت بسخرية ودمعة حارة تنزل متعرجة بسبب تلك الخطوط فتزيد انهمار دموعها بالوجع الصارخ بداخلها..
تذكرت حياتها الماضية.. والداها، عائلتها التي كانت مكونة من ست أفراد قبل مغادرتها؛ والديها وأربعة أبناء، ولد يكبرها وبنت تكبرها ثم هي وأخت تصغرها بعامين.. كانوا في حالة من الفقر المدقع، أب يعمل يوم ويجلس ثلاثة أو أربعة أيام.. يجوعون ولا يجدون ما يأكلونه ولكن هذا لا يمنع من الإنجاب، والإنجاب، والإنجاب مرة تلو الأخرى، فالفقر لا يعني ألا يمارسون حقهم الوحيد في الحياة ويتمتعون به وبسبب الفقر حرمت هي وأشقائها من المدرسة رغم كونها مجانية.. حرموا من العيش كالأطفال، فلم تمارس طفولتها كما يجب رغم أنه حق من حقوقها.. لم تنس يومًا كيف كانوا يجلسون حول السفرة الفارغة من أي شيء مفيد؛ فقط ماء وخبز وطماطم وبعض الخضروات وإن عمل والدهم وجدوا الأرز والمرق وكانوا يعتبرونه يوم عيد.. جاعت كثيراً وحرمت من الكثير لكن لو عاد بها الزمن لفضلت كل هذا على الزواج..
دموع أخرى تزاحم القديمة وهذه المرة تذكرها ببداية مأساتها عندما قرر والدها أنه حان الوقت ليستر على أبنائه فزوج شقيقتها الكبرى وهي في الرابعة عشر من عمرها لابن عمها وزوج شقيقها الكبير ابن السابعة عشر من فتاة في الرابعة عشر لتتزوج هي بعده ببضعة أشهر فيعتبرونها أكثرهم حظاً، الوحيدة التي وقعت على كنز قارون كما أخبرتها أمها يوم زفافها وهي تراها تبكي بفجيعة ورعب من قادم لا تعرفه لكنها شعرت به وداخلها ينبئها بالشر الذي يحيط بها.. ابتسمت بمرارة فأي حظ هذا الذي يزوج طفلة في الثانية عشر لعجوز يكبرها بثلاثين عاماً، رجل يفوق والدها عمراً، مسحت دموعها المنهمرة بقوة لكنها فشلت أن تمنع غيرها من الجريان على خديها مفكرة أن الجميع ما زالوا يحسدونها على ما نالت.. (عشق الشيخ) حظ آخر رموها به حين قالوا إن الشيخ يعشقها فهي الأصغر سناً والأكثر جمالاً بين زوجاته فتسأل نفسها بمرارة عن أي عشق يتحدثون؟ وما هذا الذي يرمونها به!! يقولون إنه يهواها.. ولا يعلمون أن الشيخ لا يحب إلا نفسه، ولأنه لم ينل عطفها كماحدث مع زوجتيه السابقتين بات يشتريها بماله يريد أن يملكها ويسجنها في قفصه الذهبي لتكون أسيرة له وعندما فشل فعل ما صدم الجميع أغرقها أكثر بماله والذهب عل عينيها تمتلئ حباً له، ودلال يغدقه طلباً لودها الذي لم يناله حتى وصل به الأمر أن بنى لها هذا البيت بل وسجله باسمها فعلة وجدها الجميع تصريحاً بالحب وهي عرفت أنه يشتريها وهي تبيع كل هذا وتشتري حرية ولو دفعت روحها ثمناً لهذه الحرية..
نداء باسمها وصوت إغلاق الباب جعلها تغسل وجهها بسرعة وترتدي ثيابها وقبل أن تتحرك عادت لتطالع وجهها للمرة الأخير؛ تحركت وهي تأخذ نفساً وتطلقه وتكرر ذلك لعدة ثواني قبل أن تفتح باب الحمام وعندها تجمدت مكانها وهي ترى سجانها يقف أمامهاونظراته نحوها نظرة رجل يرغب بزوجته نظرة تكرهها تمقتها ولكنها أجبرت نفسها على الابتسام واقتربت منه تساعده على خلع عباءته ليهمس في أذنها قائلا:" تزدادين حلاوة يا من سمي القمر على اسمه فالسنين لا تزيدك إلا توهجاً.."
أخفضت رأسها بشبه ابتسامة فيها انكسار ورفض أكثر منه رضا بغزله أو تصريحه بحسنها لكنها عادت لترفع رأسها وتتحرك نحوه فالليلة هي ليلته عندها ليلة تتمنى لو تحدث معجزة فتتخلص منها وللأبد...
******
دخل المنزل فوجده مظلماً وكأن لا أحد يسكنه وكأن الأفراد الذين يسكنونه موتى لا رائحة طعام لا صوت ضحكات أطفال تملؤه بالحياة لا شيء فقط الظلام هو ما يستقبله مهما كان الوقت الذي عاد به، كم كان يتمنى في السابق أن يجد زوجة تستقبله، أم تنتظره أو حتى تقلق عليه عند تأخره في العودة لكن لا.. فوالده غارق في أعماله فلا يبالي بأحد إلا العمل، أمه حاولت في بداية زواجها لفت انتباه زوجها لها لكن بمرور الوقت يئست منه فتركت كل شيء حرفياً حتى هو وأخيه تركتهما للخادمات مرت السنين والكل لاهٍ، وعندما قرر الزواج اختار والداه له زوجته لينا، إنسانة لا تهتم إلا بنفسها تربت مثله على يد الخادمات لكنها قررت أن تسير على خطى والديها في الغرور والتعالي وترك أبنائها ليتربوا بعيداً عنها.. خلع النظارة واضعاً إياها في جيب الحقيبة ثم بدأ بفك ربطة عنقه واتجه نحو غرفة أخيه فوجده غارقًا في النوم ظل يراقبه من بعيد بألم وحسرة يسأل نفسه ذات السؤال منذ سنوات (ما ذنبه؟ ما ذنب حليم بما أصابه...؟) شقيقه الذي لم يعرف -رغم ظروفه- حنان الأب ومحبة الأم.. فأمه كانت أول من نبذته بل إنها تعاملت معه كنكرة.. تحرك مقترباً منه ومال مقبلاً رأسه قبلة اعتذار فهو الآخر مقصر في حقه لكن هل يقدر فاقد الشيء على منحه؟؟ سؤال لم يجد له إجابة فتوقف عن طرحه لكنه يجاهد نفسه ليكون أفضل حتى لا يقع فيما وقع فيه غيره، يحارب نفسه ووقته ليخلق لهم بعض ما تتمناه نفسه.. غطاه وقبل رأسه مجدداً ثم تركه وغادر الغرفة ليقابل الممرض في طريقه فأخذ يسأله عن صحته وطعامه وبعد أن سمع إجاباته قال:" أيدن اعتني به جيداً.."
أجابه الآخر بعملية:" لا تقلق سيدي..."
تحرك أيدن نحو غرفة أخيه فتابعه بنظره متسائلًا بتهكم؛ هل يأمن الغريب ولا يأمن لأهله...!! لكن لم العجب وهل الحياة منحته سببًا ليثق بأهله ويخون الغريب فمنذ صغره وهو يثق بهؤلاء الغرباء ويأمن لهم أكثر من أبيه وأمه..
اتجه خالد نحو الدرج الذي يقسم الطابق الأول إلى قسمين، الجانب الأيسر يحتوي على غرفتي نوم إحداهما لأخيه والأخرى لأيدن ومطبخ في نهاية الرواق؛ تفصل بين الغرف والمطبخ حديقة داخلية محاطة بزجاج عازل للصوت وضد الكسر فتدخل أشعة الشمس لبهو المنزل تمنح البيت بعض الحياة.. والجانب الأيمن فيه ثلاث غرف إحداهما لوالده والأخرى لوالدته، والثالثة كانت له قبل أن يستقل في شقته، ومقابل الحديقة الداخلية تقع غرفة الطعام وغرفة للضيوف.. وصل للدور الثاني وتحرك نحو شقته الصغيرة تقابلها شقة بنفس الحجم ويفصل بينهما سلم آخر يأخذهم للسطح.. دخل فاستقبله الصمت أيضاً، هز رأسه بيأس وتحرك نحو غرفة أبنائه الثلاثة فوجد كل منهم نائم على سريره بسلام، وضع حقيبته أرضاً وتحرك يغطي فريد الذي رمى اللحاف وقبله، وفعل المثل مع ماغي بينما فادي استيقظ على صوت حركة والده الطفيفة فابنه ذو نوم خفيف يصحو من أقل حركة، عكس فريد الذي لو قامت الحرب لا يستيقظ قال فادي يفرك عينيه بنعاس:" أتيت بابا.."
اتجه نحوه قائلاً:" نعم حبيبي وصلت قبل قليل.."
جلس قائلاً يجبر نفسه على التحدث فهو لم يغفو إلا قبل قليل:" الخادمة أحضرت لنا العشاء وتركت حصتك في الميكروويف.."
خفق قلبه بألم قبل رأسه وأرجع رأسه على الوسادة يخبره بألم فضحته حروفه وعينيه وهو يمسد شعره بحنو:" يا بابا أنا أعتني بنفسي فلا تشغل نفسك بي..."
هز رأسه برفض قائلاً بنعاس:" لا بابا لن أنساك.. فكما تعتني أنت بنا، أعتني أنا بك.."
وخزت الدموع عينيه وغصة تستحكم حلقه والكلمات تختنق في جوفه فلم يقدر إلا على تقبيل جبهته شكرًا واعتزازًا وفخرًا بابن كبر قبل أوانه وما أن تأكد من نومه هو الأخر غادر الغرفة وأغلق الباب خلفه ليتوقف في منتصف الصالة وهو يجد زوجته تقف أمام باب غرفتهما لا تستر جسدها إلا بقطعة واحدة لم تترك شيئا للمخيلة لكنها لم تحرك فيه شعرة؛ مر وقت لم يقربها فيه ورغم حاجة جسده لا يشعر بالرغبة في التقرب منها حتى وإن فعلت أكثر مما تفعل الآن، عافها جسده منذ زمن وروحه تشمئز منها أكمل طريقه نحو الغرفة متجاهلًا إياها تماماً فقالت وهي تتبعه مخاطبه إياه بسخرية:" الا تؤلمك رجولتك وأنت لا تقربني منذ أشهر.."
لم يجبها بشيء بل لم يكلف نفسه عناء الالتفات إليها فاقتربت تلمس ظهره ليتشنج جسده برفض تلقائي لم يقدر على السيطرة عليه:" بدأت أشك في ميولك خالد.."
أجابها ببرود دون أن يستدير نحوها أو حتى يبعد يدها:" لا يهمني شكك بي فأنا أخاف ربي ولست وضيعاً لأفعل ما يخالف فطرتي"
أكملت بنفس الأسلوب وهي تتعمد أن تهينيه فتجبره على إثبات نفسه فهي تحتاج العلاقة الجسدية وتشتاق لها:" إذاً تفعلها مع غيري.."
رد بذات البرود فهو يعرف كيف تفكر وما تريد دفعه إليه بهذا القول:" أيضاً لست أنا الذي أزني لأرضي جسدي الفاني وأغضب رب العباد..."
" أوووف خالد هل ستظل تعاقبني على ما طلبته؟"
صرخت بغضب لم تقدر على السيطرة عليه، هذه المرة التفت نحوها يجيبها بنبرة ضائقة من استسهالها بكل شيء:" لا أعاقبك على طلبك الذي يصنف في ديننا أنه فعل محرم حتى وإن كان بيننا كأزواج، أعاقبك على تساهلك في أمر دينك وتبنيك أفكارًا لا تناسبه.."
شمخت بغرور تجيبه بقناعات تجعله يشمئز منها أكثر ويرفضها أكثر:" هذه ترهات فلا يوجد حدود بين الرجل وزوجته وما طلبته حقي ورفضك له حقك لأنك لا تحب هذا وإن كنت أحبه.."
لن تفهمه أبدا ولا تحاول أن تفعل ذلك حتى هو ليس بالرجل الملتزم لكنه يجاهد نفسه يحاول أن يتعلم ويعلم أبناءه على تعاليم دينهم فهو لم يجد من يدله بل إنه تفاجئ عندما علم أنه مسلم وظن لسنوات أنهم مسيحيون كأهل هذا البلد، حتى صدمه والده -الذي لم يره يوما يسجد أو يصوم- أنهم مسلمون عندما سأله عن أمر يخص المسيحية فاستغرب يومها والده منه وسأله قائلاً (ولما تسأل عن المسيحية ونحن مسلمون؟؟)
صدم مما سمعه فظل ينظر لوالده لفترة حتى نطق بتخبط (لكنك لا تصلي كما يفعل المسلمون ولم أرى ماما تفعل..)
ليأتيه الرد غير المبرر له لا وقتها ولا الآن (الصلاة أمر بيني وبين ربي ولا دخل لك به..) وعندما يئس أن ينال من والده إجابة ترضي فضوله قرر أن يبحث ويقرأ ويسأل ذوي الاختصاص.. ورغم أن الإسلام هنا محارب بشكل واضح وإن قالوا عكس ذلك لكنه استطاع أن يعرف ما يحتاجه ويتعلمه بمرور الوقت، وتمنى أنه عندما يتزوج أن يجد امرأته مثله بنفس افكاره وبدلا من ذلك ابتلاه ربه بهذه التي لا تعلم شيئاً عن دينها، ورغم ذلك لم يحاسبها بل حاول الأخذ بيدها حتى يئس منها ليفعل هذا مع أبنائه فقد أصر على تعليمهم اللغة العربية وساعدهم على حفظ القرآن وهو معهم علمهم الكثير مما تعلمه وعندما يسألونه ولا يعرف يخبرهم أنه سيسأل ويرد عليهم استمر هكذا حتى وصل لما وصل إليه من معرفة لكنه يعلم أنه ما يزال في بداية طريقه وأمامه هو وأبناؤه الكثير ليتعلموه وطريقهم الذي يسيرون فيه طويل.. طريق تمنى لو سار فيه مع والديه، لكنهم لم يجدوا الأمر يستحق..
أجاب بعد صمت:" لن نتفق يا لينا أبداً لذا حتى تفهمي وجهة نظري لا حقوق لك عندي..."
جزت على أسنانها هامسة لنفسها وحتى ما قاله لها لم يقنعها رغم يقينها أنه لا يكذب:" أنا لي طرقي في الحصول على حاجتي فهل يخونني ليحصل على ما يريد..."
******
" هل جاء أبي؟"
سألت ملاك شقيقتها الجالسة على سريرها تقلب بملل في هاتف قمر الذي استعارته منها بالخفاء فلو علم والدها أو عدنان لأقاموا عليها الحد أومأت ملك برأسها بـ (نعم) دون كلام لتعاود ملاك سؤالها:" وكيف كان؟"
رفعت ملك نظرها عن هاتفها قائلة:" ما بك متوترة هكذا؟"
تأففت قائلة:" الحذاء ضيق عليّ لن أتحمله طوال الحفل ففكرت بتبديله لكن تعرفين قوانين والدك الخروج من المنزل كل بضعة شهور ولأهم الأمور..."
" أخبرتك أنه ضيق لكنك عاندتِ كعادتك تحملي إذا..."
ردت عليها وهي تعود لما تفعله عقلها مشغول بألف شيء، إحساسها ينبئها بشيء سيء يقترب منها ولا تدري كنهه؛ ماذا تفعل وتتخلص من هذا الشعور؛ أيضاً بعد انتهاء حفل زفاف عدنان سيبدؤون في التحضير لزواجها هي.. صحيح لم يحددوا موعداً لكنها تعلم أن فترة السنتين اللتان بقيت فيهم معقود قرانها دون زواج لم يكن لأنهم أشفقوا عليها من دراستها بل لأنهم لم يستطيعوا إجبار سلطان على الزواج ولو فعلوا لكانت الآن حامل بابنها الثاني.. شعور بالمرارة راودها وهي تفكر بتقرب سلطان منها بعلاقة حقيقة تعرف أنه سيحدث وإن تأخر قليلاً ولا تعرف كيف ستعيش معه وهو غارق في هوى شقيقتها، كما أن مشاعرها تجاهه لا ترقى حتى لإعجاب أو قبول هي تراه أقرب لأخ منه لزوج ولا تعرف أيضاً كيف ستتعامل معه لو حدث وتم الزواج بينهما، وهل من الممكن أن تتغير مشاعرها فتحبه وتغار من أخرى تسكن أضلعه.. يقين بداخلها يعلمها أن ملاك ستكون دائماً بينهما لن ينساها هو وإن حدث لن تقدر هي على التعايش وتصديق عكس ما رأته لسنوات كانت هي الشاهدة على قصة حب بدأت وانتهت من طرفه هو فقط..
رفعت رأسها تناظر أختها المتوترة وهي تجوب الغرفة بتوتر واضح عادة مزعجة تمتلكها ملاك كلما قلقت أو أرادت شيئاً ولا تعرف كيف تناله تجوب الغرفة وهي تعض على أصابعها بتفكير عميق أخذت تتأملها بنظرة خاصة تتأمل جمالها وحسنها الذي يزهو كل عام كلما كبرت قليلاً يشرق جمالها أكثر ومع شخصيتها المجنونة فهي تخطف أنظار من حولها نحوها وتجبرهم على الإعجاب بها والوقوع في سحرها...
أدارت رأسها عن شقيقتها ووجهت نظراتها نحو السقف متذكرة الماضي وكيف أنقلب الحال بصدفة قدرية؛ كانت ملاك في الرابعة عشر من عمرها عندما أصدر الأمر بشكل نهائي بدلاً من مجرد أحاديث، وقد قرروا أنها لسلطان لتتبدل ملاك وتتحول لأخرى خاصة مع الأخير ودون تبرير وكلما سألتها عن السبب لا تجيبها تكتفي بالصمت ونظرة حزينة تسكن أحداقها... شيء ما حدث لا تعرفه، هو ما جعل شقيقتها تكره سلطان بعد أن كانت لا تفارقه ولا تتوقف عن الحديث عنه، في السادسة عشر من عمرها بدأ سلطان يرسل لها الرسائل ويسمعها عذب الحديث وبدلا من الرضوخ تنفر أكثر وتكرهه أكثر وأكثر وهو يقع في غرامها أكثر وأكثر وأكثر، حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي زوجت فيه هي لسلطان واضطر الأخير لكتم مشاعره التي تظهر في كل لحظة وأي مكان تظهر فيه ملاك بحسنها وسحرها الذي لا تملكه هي ولن تملكه يوما..
هزة خفيفة بكف ملاك التي جاورتها على سريرها أخرجتها من شرودها فالتفت نحوها دون حديث فقط عينيها كانتا تحملان شيئاً غامضاً لم تستطع الأخرى تفسيره لكنها تجاهلته وهي تقول:" لنذهب عند أبي نستأذنه ما دام دخل عند قمر فسيكون هادئاً.. "
لم تجبها ظلت ترمق شقيقتها بذات النظرات الغامضة مفكرة بقمر هذه المرة، والدتها التي تراها أتعس الناس وإن ظنها الجميع ملكة متوجة على عرش الشيخ وقلبه الكل يحسدها على عشق الشيخ لها لدرجة أن يبني لها بيتًا مستقلًا وهو الأمر الذي لم يفعله مع زوجتيه بل ويسجله باسمها، كلها ادلة تدعم عشق الشيخ لأصغر زوجاته، لكنها ترى شيئاً آخر ترى تملكاً ورغبة بالسيطرة يفرضها الشيخ على قمر، ولأنالقمر لم ينزل لأرض الشيخ حاول الشيخ الصعود إليه حتى ينال الرضا واللجوء إليه يغرق القمر بالهدايا ولكن بقي القمر حزيناً وحيداً يدور حول الشمس دون أن تطاله نورها.. حسد الجميع القمر والأخير حزين وحيد وتعيس.. ضربة من ملاك جعلتها تناظرها بغيظ والأولى تقول بغيظ أكبر من غيضها من الحذاء الضيق وكل ما في حياتها من أمور تدفعها نحو الهاوية:" أنا أحادثك وأنت لا تردين..."
تنهدت ملك بقلة حيلة وقالت:" ابتعدي عن الشيخ يا ملاك ولا تزيدي نقاطك السوداء لديه.."
ضربة أخرى نالتها منها لم تردها أو تجيبها بكلمة واحدة، اكتفت بدفعها عن السرير وعادت بجسدها للخلف لتستلقي وتسحب اللحاف تتغطى به حتى رأسها، في حركة أعلمت شقيقتها أن الحديث انتهى فزفرت ملاك بانزعاج لترمي هي الأخرى نفسها على سريرها رأسها ونصف جسدها على السرير وساقيها على الأرض تنظر للسقف وهي تحلم بمن ينتشلها من هذا البيت ويريحها للأبد منهم..
******
طلب لنفسه "شيشة" ليدخن وصديقه جالس بقربه عابس غير راضٍ فقال مؤيد:" كف عن عبوسك يا لؤي.."
أجابه الآخر وملامحه محافظة على عبوسها وعدم رضاه يظهر في حروفه التي خرجت بحدة:" أنت لا تسمع إلا لنفسك مؤيد، أقول لك لا أريد الذهاب لا أرتاح لهذا الشاب وأنت مصر على أخذي معك كأني حقيبة تنقلها معك كما تشاء.."
جاء النادل ووضع الشيشة بجواره وأشعل الجمر ليأخذ مؤيد الخرطوم من يد النادل قبل أن يغادر ليقول ببرود:" لا تتصرف كالنساء يا لؤي، أشعر وغير مرتاح هذه أحاديث النساء وليس الرجال.."
رمقه لؤي بنظرة ضجرة مخفياً ما يدور في باله واكتفى بالقول:" وأنا لن أذهب وجد غيري ليرافقك..."
لف مؤيد الخرطوم حول "الشيشة" ومال بجسده نحو صديقه قائلاً:" لا تختبر معزتك عندي يا لؤي فلو لم توافق على مرافقتي سأنسى صداقتنا التي دامت أعواماً.. "
لم يرد الآخر ظل نظره معلقاً بنظر مؤيد ثم قال بعدها وهو يقف منهياً الحديث ومتخذاً قرارًا حقيقياً لأول مرة:" إذاً لتنتهي هذه الصداقة المشؤمة..."
وتحرك مبتعداً عن الطاولة فشتم مؤيد صديقه بكلمة نابئة يلعن في سره عناده وعزة نفسه، قفز من كرسيه يلحق بالآخر وأمام بوابة المقهى أوقفه قائلاً:" توقف يا مجنون هل ستنهي صداقتنا لأجل سبب تافه..؟"
ظل لؤي محافظاً على صمته ثم قال بتجهم:" أنا لن اذهب ..."
أجابه مؤيد بمسكنة:" وتتركني بمفردي.."
ابتسم الآخر بسخرية قائلاً:" أتركك!! أخاف عليهم منك وليس عليك يا حبيبي.."
تجاهل مؤيد الرد وسحبه يعيده للجلسة والأخر يجلس على مضض فأخذ الخرطوم وسحب نفساً وقال مستفسراً:" هل لي أن افهم سبب رفضك للذهاب؟"
رد لؤي وهو منزعج من الرائحة لكنه يحتفظ برأيه لنفسه:" شيء ما لا يريحني به نظراته وتصرفاته لو لم أرى بعيني ما يفعله مع النساء لشككت بميوله..."
اتسعت عينا مؤيد ثم انفجر ضاحكاً وقال من بين ضحكاته:" يا الله أنت مجنون تماماً.. "
لم يبالِ الآخر بسخريته ولا ضحكه الذي لفتت الأنظار نحوهم بل أردف:" لا يريحني يا مؤيد فهل تقتنع وتتركنا من هذه الرحلة المشؤومة.."
أجابه مؤيد بإصرار:" بل سنذهب لتتأكد بنفسك من ميوله..."
أشاح لؤي بنظره صامتاً وداخله يقين أن هذه الرحلة المشؤومة لن تنتهي على خير.
******
أخذ من يدها الصينية ووضعها على الطاولة المستديرة قائلاً وهو يتأملها في الثوب البيتي ذو الحمالات الرقيقة وألوانه الصيفية ومع لون بشرتها جعلتها كالشمس المنيرة، تحركت تجلب خبز التنور فتلقاه منها أيضاً قائلاً:" لا أحد ينافسك بالخبز فالقرص عريض وخفيف كما أحبه بالضبط ليس كما تعده أم ضرغام أشعر أني آكل عجيناً وليس خبزاً.."
لم ترد على مدحه لها وذمه لضرتها زوجته الثانية وأم أبنائه، هكذا هو الشيخ يسمع من معه أجمل الكلمات وفي ظهره يطعنه بذميم الصفات صفة أخرى تضاف لصفات زوجها المذمومة ولكنها كأي زوجة صالحة تصمت فلا تفضل أن تصدق حديثه كما تفعل زوجته الأولى درئاً لغضبه ولا تجاريه كما تفعل زوجته الثانية فتذم من يذمه رغبة في نيل رضاه بل تكتفي بالصمت وعدم مجاراته في الحديث.. الصمت صفة اكتسبتها بمرور الأيام أثناء عيشها في هذا البيت وقد تعلمت سريعاً أن الحياة فيه تحتاج إلى الدهاء والكثير من الفطنة، صفات كثيرة اكتسبتها بل أجبرت على اكتسابها ولم تكن تملكها قبل أن تطأ قدمها هنا فقد أتته طفلة لم تبلغ إلا قبل أربعة أشهر لكن بالنسبة لوالدها كانت أكثر من كافية ليراها مؤهلة للزواج.. وبمرور الوقت باتت كثيرة الصمت والتجاهل وعدم التدخل بشيء، صفات اكتسبتها بفعل التجارب والمواقف التي وقعت بها مواقف حاولت أن تبعد بناتها عنها لكن كان لهن نصيبًا منها حتى تعلمن هن أيضاً كيف يتجنبن.. ملاك بصوتها ولسانها الطويل وملك بصمتها وتجاهلها لمن حولها.. قال الشيخ وهو يضع لقمة في فمه:" حددت مع أخي موعد زفاف سلطان وملك وقررنا أن يكون بعد شهر من الآن.."
رفعت نظرها نحوه وقد أثار اهتمامها اخيرًا فناظرها الشيخ بشيء من الانزعاج فهي لا تهتم إلا لو كان الحديث يخص أبناءها أما هو ومهما فعل لها يبقى صفر على الشمال لا أهمية له في حساباتها حتى حقوقه تمنحها له دون رضا مجبرة وساكنة تلك الفاتنة التي يزيدها العمر جمالاً فيغار ويخاف من أن يأتي اليوم الذي تتركه فيه وكم يتمنى لو يقدر على منعها من الزواج بعد وفاته لكنه يعلم أيضاً أن من لم يملكها وهو حي لن يملكها وهو ميت.. سألته عندما لاحظت صمته:" هل وافق سلطان؟"
أجابها بلا اهتمام:" لم نسأله سيخبره والده بقرارنا.."
صوت خافت ساخر هو كل ما صدر منها سمعه الآخر وتجاهله.. بينما كانت تفكر وهي تنظر للشيخ بنظرة عميقة، كم هو متجبر وكيف يحكم مصير الجميع فقط لأنه شيخ عشيرتهم وأوامره يجب أن تطاع، كم تتمنى لو تحدث معجزة ويأتي من يكسر أمراً من أوامره ويفعل الشيء الصحيح كما يجب وليس ما أمر به بطغيان ... قال يقطع عليها أفكارها:" هناك من تقدم لملاك "
ولثاني مرة يلفت انتباهها فسألته باهتمام يغيظه:" من هذا؟"
رد بنبرة لا مكترثة:" شاب من عشيرتنا يعمل في مركز المحافظة ويأتي في العطل فقط، لديه بيت يسكنه هناك لذا ستبتعد عنا وهذا هو الأفضل لها فهي لن ترضى أن تتزوج قريباً منا كما إنه يجب أن تبتعد عن زوج شقيقتها..."
وعند ذكر الأخير ازداد القهر بداخلها والحنق منه ومن تصرفاته لم تنس له أنه عقد قران ابنتها دون الرجوع إليها ودون علمها وقد تفاجأت يومها بدخول ابنتيها ملاك غاضبة بوجه مكدوم وعرج واضح والأخرى شاحبة مصدومة لتنهار الصغرى ما إن رأتها وغرقت الأخرى بالأسى على نفسها تبكي نفسها ووجعها وكسرها الذي يتفننون به.. وعندما سألتهما عما حدث كانت صدمتها كبيرة وهي تسمع من ملاك ما حدث.. لم تعرف يومها على ماذا تغضب وماذا تستنكر... زواج ملك مجبرة أم ضربهم لملاك فقط لأنها رفضت وعبرت عن رفضها.. قالت بانزعاج لم تقدر على السيطرة عليه أو إخفاءه كما اعتادت أن تفعل:" وذنب من هذا؟"
نظر إليهابحدة يقول بصرامة وغضب:" ذنبك لأنك لم تربي ابنتك جيداً.."
ردت كأن معين صبرها قد فاض بما احتواه لسنين توقفت عن عدها فأجابته بسخرية ووجع:" مع الأسف أنا لم أربيها فقد أعطيتها لزوجتك الأولى لتربيها أنا ربيت ملك فقط.."
صمت وهي تضعه في مكانه تحجمه وتتركه يتلوى بغضبه غير قادر على التعبير عنه كما يجب، هدر فيها بغضبه:" كانت عامين فقط أم أنك نسيتِ ماذا فعلتِ بعد ولادتك لملك؟"
ردت بقوة تغضبه منها ومن التوحش الذي بات يسكنها منذ ثمانية عشر عاماً يزداد كل يوم وكل لحظة ولا يظهر إلا لو تعلق الأمر ببناتها:" لم ولن أنسى فقد كان التصرف الذي وضع كل واحد منكم في مكانه الذي يجب أن يكون فيه منذ البداية.."
اشتعلت عيناه بغضبه من هذه المرأة التي يخافها.. نعم الشيخ يخاف هذه التي تصغره بثلاثين عاماً بقوتها المخفية ولسانها وأجوبتها الحاضرة عندما يتعلق الأمر بأبنائها وخاصة الفتاتين، تتحول للبوة قادرة على قتل الجميع دون أن يرف لها جفن، يخاف أنثى أضعف منه بكثير ولكنها تملك ما يدفعها لقتله ألف مرة.. بداخلها كره يعلمه جيداً يراه في عينيها كل يوم وكل لحظة قضاها معها ولكنه أيضاً يحمل بداخله الكثير ضدها رغم عشقه لها فلم ينس لها أنها من أجبرته على أن تكمل البنتين دراستهما وتأخر زواجهما وهو الذي لم تدرس له بنت ولم تبق في منزله بعد بلوغها؛ لكن قمر وقفت في وجهه مرتين وكلتاهما كانت لأجل بناتها حتى عدنان لم ينل منها هذا الاهتمام ربما لأنه ولد والولد في عرفهم مدلل وربما لأنها أدركت مبكراً أن عدنان ضاع من بين يديها ولم يبق لها إلا الصغيرتين فحمتهما مرارًا وتكرارًا في العلن وفي الخفاء، نجحت قمر في ما فشلت به زوجتيه ليس إخضاعه وإنما قدرتها على إقناعه بل وإجباره على ما لا يريد ولا يعرف هل لأنه فعلاً ضعيف أمامها أم خوفه من تنفيذ وعدها الذي أخبرته به بعد زواج ملك من سلطان..
عادت تسأله عن العريس قائلة بنبرة هادئة تخفي اضطرابها الداخلي خائفة أن ينلن بناتها نصيبها؛ مرتعبة أن يعشن بقية حياتهن مثلها مجبرات على التعايش والاستسلام:" أخبرني المزيد عن العريس وسأتحدث معها لو أعجبني.."
" ماذا تعنين؟"
سألها باستهجان فحديثها معناه أن رأيه غير مهم وأنها المتحكمة الأولى والأخيرة في حياة بناتها وردها والذي قالته وهي تشمخ برأسها أكد له ذلك:" أعني إن أعجبني وكان مناسباً لها سأخبرها وهي من ستقرر لن تجبر على شيء لا تريده إن وافقت كان بها وإن رفضته وتقول لهم لا نصيب لكم عندنا.."
صرخ فيها بحدة رجت البيت فقفزت البنات برعب من صوت صراخ والدهن:" هل ستسيرين المنزل على مزاجك وأكون (طرطوراً) * لحضرتك؟"

*طرطور.. أي شخص تسيره زوجته*

بكل ما تحمله بداخلها من طاقة تحثها على الهدوء تحدثت بنبرة لا تشيء بالنار المتقدة في جوفها:" قررت زواج ملك رغم علمك برغبتي التي وافقت عليها بنفسك وقلت لنفسي إقناعها بما لا يقنع طفل أنه لا بأس وأن الأمر كله قسمة ونصيب لكن..."
وصمتت لتنظر له ببرود تكمل حديثها بكلمات مبطنة واضحة المعنى:" وكما أخبرتك سابقاً وأعيدهاعليك ثانيةً.. بناتي خط أحمر يكفي عدنان وضياعه.."
والمواجهة كانت صامتة.. مواجهة بين رجل لا يرد له طلب ولكنه يخسر أمام أنثى أجادت فن التلاعب به وامرأة لا تملك ما تخسره وقد خسرت الكثير ولم يبق لها إلا القليل فتحارب بكل سلاح تملكه ولا تبالي إن هي انتصرت بشرف أم لا.. والحقيقة كانت هي الطرف الأضعف في هذه الحرب وقد خسرت حربها منذ زمن فروحها سلمتها لهم منذ زمن وقلبها مات منذ سنوات توقفت عن عدها فحربها هذه المرة تخص غيرها تخص من جلبتهم للحياة بقرار صدر منهم وليس منها فلو ترك لها الأمر لم تكن تتمنى لهم هذه الحياة.. أما خصمها فكان يريد امتلاكها، أسرها في قفصه الذهبي ولا يعلم أنها منحته صك ملكيتها للأبد.. ملكية جسد مات ولم يدفن بعد وملكية روح تنازع وكل هذا لأجل ابنتيها وفقط.. تنهد الشيخ وقد استسلم أولاً فالاستلام في عرفه هو تحضير لمواجهة جديدة خسرها منذ الآن إن كان خصمه هو القمر الذي لن يصل إليه أبداً:" الشاب خريج جامعة ويعمل في شركة خاصة ويملك بيتاً خاصاً به ظروفه المادية جيدة.."
لم تبالي بكل هذه المميزات كان يعنيها أمر آخر:" أخلاقه كيف هي؟"
قال بانزعاج لم يخفيه:" إنه رجل لا يعيبه شيء..."
ببرود ردت:" هذا في عرفكم لكن في عرفي فالأهم أخلاقه ودينه..."
كانت تتحداه وكان يدرك أنه ضعيف أمامها هي تنكر عشقه لها ولا تصدق أن من هو مثله يعشق امرأة ويضعف أمامها متجاهلة أنه منحها حقوقًا لم يمنحها لسواها كهذا الحق مناقشته ومجابهته الرأس بالرأس:" سأطلب من عدنان أن يسأل عنه.."
" لا.."
رفضت بحزم وأردفت متجاهلة نظراته الغاضبة مدركة أنها تجاوزت كل الخطوط لهذه الليلة التي تأبى أن تنتهي:" سأطلب من آدم أن يسأل عنه.."
صاح فيها بحدة لا يستسيغ حديثها:" هل تثقين بابن أخيك ولا تثقين بابنك...!!"
لم ترد ظلتعلى صمتها وعينيها تؤكد له أن رأيها لن يتغير، ونعم هي لا تثق بابنها الذي كلما كبر كلما زاد مجوناً حتى ما عادت تعرفه ومهما تأملت فيه خيراً يصدمها بدناءته وحمله لصفاتهم المقيتة لكن آدمتعرفه جيداً رأته يكبر أمام أنظارها وها هو شاب يسر القلب والعين.. فشقيقها فعل ما صدمها هي شخصياً فرغم صغر سنه عند إنجابه لابنه لكنه فعل ما عجز عنه والدهم وقد وعد أن يربي أبناءه جيداً ينصفهم ويحبهم ويحيطهم بكل ما يحتاجونه ليكبروا ويكونوا أبناءً يفخر فيهم ونجح في ذلك.. أنجب ولدان وبنتان وقد رباهم أفضل تربية واهتم بأدق التفاصيل، فعل لأبنائه ما لم يفعل له بل إنه ساعد أخويه بعد ذلك على أن يسيرا بدربه وها هم أبناء أشقائها رجال يشد بهم الظهر وكانت تفكر أن تزوج ملاك لسلطان فهو الوحيد القادر على لجمها وتحمل طباعها الصعبة وتزويج ملك لآدم ابن شقيقها.. لكن جاء الشيخ ليهدم المعبد على رأسها بقراره الجائر وسوء اختياراته والتي لا تقع فيها سواها هي وبناتها.. ردت ببرود وهي تميل حاملة الصينية:" سأخبر آدم ليسأل عنه ولن نفتح هذا الموضوع يا شيخ حتى أسمع ما يرضيني.."
اتسعت عينيه بغضب لم تبالي به وهي تغادر الغرفة حاملة الصينية التي لم يأكلوا منها إلا القليل وما أن فتحت الباب وجدت ابنتيها تقفان تناظرانها ويبدو أنهما سمعتا كل شيء فقالت موجهة الحديث لهما:" اذهبا لغرفتكما..."
تحركتا بسرعة دون اعتراض فملامح قمر كانت واجمة غاضبة وكأنها خرجت من معركة انهزمت فيها ألف مرة.. لتتجه هي الأخرى نحو المطبخ واضعة الصينية على أول ما قابلها تستند بذراعيها على رخام المطبخ بتعب، هذه المواجهات تتعبها تتركها مهزومة وحيدة كما هي.. تظهر هشاشتها التي تخفيها حتى لا تأكلها الضباع الساكنة في هذه الغابة المسمى اعتباطاً بمنزل.. دمعت عينها وهي تتذكر نهاية حديثها مع الشيخ مدركة أنها وصلت لمرحلة لم تعد تأمن بها ابنها على شقيقاته، تأمن للغريب ولا تأمن لابنها.. كيف أوصلوها لهذه المرحلة!! كيف استطاعوا أن يخرجوا منها أسوء شخصياتها؟! امرأة لا تثق بأحد تحارب في ألف جبهة وتخسر كل مواجهة وإن كان الظاهر أنها كسبت الحرب، تعود منها وقد خسرت جزءًا منها.. جزء من براءتها وصفاء قلبها.. ليتهم يعتقونها مما يحملونها إياه؛ ليتهم يتركوها لتنعم بباقي أيامها؛ ليتها تموت ولكن حتى الموت ليس رحمة لها.. فكيف تموت وتترك بضعة منها على الأرض تواجهان الصعاب بمفردهما:" لم أفهم شيئًا مما سمعت هل فهمتِ أنتِ؟"
همستها ملاك بتساؤل لملك التي لم تمنحها رداً فعقلها مشغول بمن تركنها خلفهن قمر تخسر، تخسر الكثير وأولهم نفسها وروحها.. الجميع يظنونها المنتصرة والملكة المتوجة ولا يعلمون أنها ليست إلا جارية ارتدت ثياب الملكات...
******



هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
قديم 05-02-25, 10:22 PM   #33

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,965
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي


حرت واللي حيرتني أنت
ضعت واللي ضيعتني أنت
فرح أنت.. حزن أنت..
تعذبني وأكول(أقول) للناس مو أنت


يستمع لكلمات الأغنية التي تصف حالته تحكي حكايته معها فيرددها قلبه ومشاعره التي تحكمهما هي بقبضتها الصغيرة.. أسند رأسه للخلف يستمع لهيثم وذلك الشجن الذي يسكن صوته فيتسأل كيف يتمكن من أن يصف شعوراً يسكنه بنبرة صوته الرخيمة، هل الوجع مفضوح؟ أم هل العشق هو مفضوح؟ أم أن وجع العاشق عندما يفوق الحد يفضح صاحبه بالعينين ونبرة الصوت وحركة الجسد!!
أغمض عينيه فراها أمامه فراشة زاهية الألوان ترفرف حوله، كانت ذات يوم تنشر عبيرها حوله فقط تخبره أنه أكثر من تحب.. الصغيرة التي تربت على يديه وأمام عينيه.. طفلة سلمتها قمر له ذات يوم تخبره بثقة لم تمنحها لسواه رغم أنه طفل لا يكبر ابنتها إلا بستة أعوام (هي أختك وفي رقبتك..) أمنته قمر بابنتيها ولم تعرف أن أحدهما ستسلبه قلبه والأخرى ستكون نصيبه.. لسنوات كانتا هكذا، أختان له مع شقيقته سجى خاصة أنها في عمر ملاك فكان يعاملهما كما يعامل شقيقته.. بحب؛ باهتمام؛ ورعاية لكل ما يخصهما، كان يرى أنهما تستحقان هذا فرغم كثرة أشقائهن لكنهم جميعاً ذو طباع جافة وعقول متحجرة ثم قرروا أن تكون ملاك عروسه المستقبلية في عادة اكتشف مقتها عندما أصاب سهم القدر قلبه واختار له من بين الجميع أختها لتكون عروسته.. ابتسم بألم وعينين دامعتان متذكراً رفضها المقيت له، إهانته، استباحت قلبه ورمت روحه دون رحمه متناسية كل ما فعله لأجلها وكيف كان لها أباً وأخاً وصديقاً:" كالعادة تبكي على اللبن المسكوب..."
التفت نحو أخيه الذي اقترب يغلق الهاتف قائلاً بضيق:" كرهت هيثم بسببك.."
وأضاف بغضب يرمي الهاتف عليه:" كف عما تفعل وانظر لنفسك قليلاً.. "
لم يجبه عدل جلسته فقط وظل محتفظاً بصمته وعندما لم يبتعد أخاه نظر نحوه ينتظر ما سيقوله فلم يتأخر الآخر الذي قال:" أبي يريدك.."
أومأ دون رد وتحرك نحو باب الغرفة والآخر يتابعه بسخط وغضب موجها لتلك الحقيرة أكثر من شقيقه لكنه مجبر على كتم مشاعره فإن صمت له سلطان -وهذا ما لن يحدث- لن تصمت هي له ولا حتى والدتها؛ تبعه وهو يغلق باب الغرفة خلفه ينظر لمن ينزل بصمت وهو خائف عليه مما سيسمعه، مشفقاً عليه مما هرب منه لمدة عامين وها هو يتحقق وقد قرروا نيابةً عنه مصيره وهو أكثر من يعرف ماذا تعني تلك لشقيقه.. أكثر من يدرك مدى الحب الذي يكنه الأحمق لها، لكنها متجبرة حقيرة لم تبالي بقلبه وهي ترفضه بإهانة وكأنها تلفظ كلباً أجرباً.. شتمها في سره عند الخاطرة الأخيرة.. لم يكره أحداً كما كرهها لم يحقد على بشر كما يحقد عليها تلك الباغية..
وصلا لغرفة والديهما فطرق سلطان الباب عند وصول أخيه يقف خلفه، أتاه صوت والده يأذن له بالدخول فدخل ملقياً السلام على والديه، ووالدته تنظر له بنظرات غريبة توجس منها ليزداد توجسه وهو يلمح جمود ملامح والده، جلس أرضاً إلى جانب أبيه الأيمن وقال:" أخبرني أخي أنك تريدني خيراً أبتي..."
نظر الأب لابنه الآخر الذي أغلق الباب خلفه وظل واقفاً في مكانه يراقب الوضع بصمت، التفت سلطان نحوه مستفهمًا فأشاح الآخر بنظره عنه ليتحدث الأب قائلاً:" حددت اليوم مع عمك موعد زفافك.."
هل ضربه والده على رأسه أم قتله بسيف مثلوم؟؟ ما هذه الطعنة التي تلقاها في صدره!! لما يشعر أن جرحه قد نكئ ودمائه تنزف مغرقة الأرض حوله؟ لما يشعر أن خلاياه تهتز رفضاً لهذا القرار الجائر قرار تهرب منه أعواماً خوفاً من أن يأتي...؟؟؟
أشاح بوجهه دون رد لتأتي الضربة التي أردته قتيلاً، ضربة كانت أقسى من سابقتها بل من سبقتها كانت قبلة محبة مقارنةً بها:" هناك من تقدم لملاك.."
اسمها المحرم ذكره في بيتهم منذ فعلت فعلتها المشؤومة ها هو ينطق من جديد.. لكن ليته لم يسمع تردد صدى حروفه في أرجاء الغرفة؛ ليته فقد السمع ولم يسمع ليته مات؛ ليته هرب؛ ليته رضي بالذل على هذا الشعور الذي يعيشه الآن؛ نظر لوالده بعينين تمزجان الدمع بالغضب والحرقة بالنار والوجع بالرغبة بالقتل مشاعر ليست من حقه فقد سلب هذا الحق منه منذ عامين منذ وقفت تصرخ برفضها له منذ تجبرت فتجبر قلبه لدقائق وعاد بعدها حزيناً نادماً على ما فعله بنفسه والآن هو مجبراً أن يكون زوج شقيقتها أي أنها محرمة عليه إلى الأبد ولو طلق الأخرى؛ ولو حدثت معجزة أنقذته من هذا الزواج ستبقى أنثى محرمة عليه، وعليه التعايش مع هذه الحقيقة الجائرة في حق قلبه وعليه أن يعد نفسه ليوم تزف فيه أمامه دون أن يملك الحق في الصراخ بحقه فيها..
تولت والدته الحديث بحدة وقد صمت والده مشفقاً وأخاه بين مشفق ومغتاظ وغاضب بينما الأولى كانت كارهة رافضة لكل ما يحدث:" لو لا ما حدث، حتى ملك لم أكن أريدها أن تدخل منزلي لكن شاء الله أن تتزوجها لذا اسمعني يا ابن بطني.."
نظر لوالدته بملامح واجمة طغى الحزن عليها والأولى تردف بقوة متجاهلة نظرات ابنها فعليه أن يعي ويفهم الحقيقة الواضحة للجميع إلا هو ما يزال يرفض الاستسلام لها:" عليك أن تنسى الكبرى وتعيش مع الصغرى وينتهي الأمر ولتتزوج هذه الفاجرة ونتخلص منها.."
" أمي..."
صاح باستنكار لا يعرف على ماذا يعترض على وصفها أم على زواجها، فقد قفز واقفاً كالملدوغ مع صرخته، والفكرة تقتله فكيف لو صارت بموضع التنفيذ.. ثم هرب فعل ما يقدر عليه تحرك بسرعة مغادراً هرباً منهم ليأتيه صوت والده:" سلطان.. زواجك بعد شهر حضر نفسك.."
ووالدته لم تصمت لم تتركه إلا وهي تمثل بجثته بقولها القاسي دون مراعاة أنها تقتله بدلاً من أن تشفيه من دائه:" وعندما تتزوج ونتخلص منها سأكون أول من يبارك لها زواجها بل وسأرقص في زفافها أيضاً.. "
قاسية هي قاسية بل قاتلة للمشاعر لا تتركه إلا وهو مذبوح من الوريد للوريد..

*******

التفتت مع صوت إغلاق الباب بقوة تسأل زوجة أخيها مستفسرة:" من الذي خرج وضرب الباب بقوة وكأنه يتشاجر معه!!"
أجابتها افتكار وهي ترتب لها ثيابها في الحقائب قبل أن يذهبوا غداً لصفها في بيت زوجها:" لابد أنه سلطان..."
نظرت سجى لزوجة أخيها تسألها باستغراب:" سلطان!! تقصدين أخي؟"
أجابتها الأخرى وهي تستقيم لتجلب بقية الثياب وترتبها بطريقة معينة:" نعم أخاك فقد جننته ابنة قمر.."
سألتها بعينيها عما تقصد وما دخل ملاك بالأمر صاحبة الاسم الممنوع نطقه في منزلهم، فأجابتها الأخرى قائلة شارحة ما سمعته من زوجها:" عمك حدد موعد زواج سلطان من ملك ويبدو أن عمي أخبره بذلك فجنن جنونه.."
ظلت سجى ترمق زوجة أخيها بصمت لتردف الأخرى باستهزاء دون النظر إليها تكمل عملها ولسانها لا يتوقف عن الحديث:" لعبها عمك جيداً زوجك لعدنان وزوج سلطان لملك بعد أن رفضته تلك المشعوذة.."
وأكملت وهي تنظر لأخت زوجها الصغيرة بنظرة رافضة لما يحدث:" وأخاك بدلاً من أن يحمد ربه كونه تخلص من المجنونة وأخذ التي يستطيع أن يديرها بأصبعه الصغير، يبكي على التي ستجعله خاتماً بإصبعها الصغير.."
لم ترد تنظر لزوجة أخيها وبنت خالتها وهي تعرف سبب غضبها جيداً وتدرك أنها تريد ملك لتنتقم منها على رفض سلطان لشقيقتها لكن ما لا تدركه أن ملك هادئة طيبة لكنها ليست بالضعيفة لم تنجب قمر ابنة ضعيفة، الفرق بين الكبرى والصغرى أن الأخيرة تمتلك صبراً أكبر وذكاءً أكبر لكن لو أسيئ إليها فهي مرعبة أكثر من قمر وملاك؛ قاطعت أفكارها زوجة أخيها قائلة وكأنها سمعت ما يدور في فكرها:" هه وكأننا نقدر أن نثق بأبناء قمر حتى هذه الفأرة أخاف أن تدير أخاك بأصبعها الصغير وتفعل ما فشل الجميع به.."
ثم أردفت وهي تقترب منها قائلة:" لكن لا تثقي بأهل ذلك البيت.. من قدرت على الشيخ بكل جبروته لن تتركك لتسيطري على ابنها فاحذري منها ومن بناتها.."
كأنها وجدت فرصتها لتنفث حقدها وغيرتها من قمر وبناتها فهن لطالما شكلن لها ولشقيقاتها عقدة نفسية لم تعرف لها يوماً سبباً، ليأتي رفض سلطان لشقيقتها مضيفاً سبباً آخر لتزيد في حقدها وغلها الذي تعبر عنه بلسانها السليط:" وعدنان هذا ليس أفضل منهن بل هو الأسوأ.."
أشاحت سجى بنظرها وقد وصل الحديث لعدنان والأخرى تتابع حديثها بينما هي تحركت لتجمع عطورها لتهمس ما أن توقفت:" عدنان ليس بهذا السوء.."
أجابتها الأخرى بضحكة ساخرة ولم ترد، لتلتفت إليها سجى قائلة بضيق:" ماذا تريدين يا افتكار من كل هذا الحديث الذي لا أرى له أي فائدة!!!"
رمقتها افتكار بعبوس قائلة وهي ترمي فستاناً أخرجته قبل ثوان على السرير:" أقول هذا لأحذرك منهم ومن مكرهم.. الشيخ دفع فيك مبلغاً وقدره ليصمت الأفواه التي تتحدث عن ابنه.."
أشاحت سجى برأسها تقول بضعف:" ليس هناك إلا الكلام ليس عليه أي دليل..."
لكن الأخرى لم تصمت حتى وهي ترى أخت زوجها قد تغيرت ملامحها بحزن واضح:" لا نار دون دخان يا سجى افهمي هذا جيداً، عدنان هذا لا أسلم له حيوان وليس زوجة.."
لم تجبها... لم تقدر على منحها إجابة اكتفت بالصمت وسموم افتكار تغزو عقلها وقلبها..

******
تراقب الجالستان تدرسان وتهتم بهما فلم يبق وقت على امتحاناتهما وكلتاهما ترغب بدخول كلية الطب، درة هي السبب في ذلك وهند تتبعها كما اعتادت منذ دخلت أثنى عشر عاماً لتكونا أختين فدرة قطعت وعدًا لشقيقتها قبل أعوام وهند قررت أن تتبعها حتى لا تفارق صديقة عمرها.. نظرت سماح لدرة تتأملها بمحبة هذه الطفلة التي أحبتها منذ وقعت عينيها عليها قبل اثني عشر عاماً، لن تنسى ذلك اليوم والأختان تقفان أمام بابها تاج تحمل الصغيرة ذات الست سنوات بين ذراعيها تحميها من مجهول والخوف في عيني الأختان واضح لكن الكبرى حملت عينيها القوة والمكر والدهاء وكذلك الغيرة والحسد وحتى المقت لكل ما حولها.. قرأتها بوضوح ولم يحتج الأمر الكثير لتفهم أي إنسانة هي تاج.. يومها كادت ترفض إبقاءهم لديها؛ لكن نظرة من درة التي رفعت رأسها نحوها تتوسلها بصمت بعينين أجهدهما قلة الطعام وقلة النوم والمرض وهي تضع إصبعها في فمها تمضغه بقوة عله يسكت جوعها.. نظرة أشعلت أمومتها وتعاطف قلبها مع الصغيرة التي أسرتها بنظراتها البريئة، رأت فيها ابنتها فرضخ قلبها لها رضخ وتبناها احتواها بلهفة وكأنها امرأة حرمت من الأمومة رغم أنها أم لأربع أبناء.. استحوذت الصغيرة على اهتمامها ومحبتها حتى أنها طلبت أكثر من مرة من تاج أن تتركها لها وكانت ترفض في بادئ الأمر حتى استلمت مرة بسبب انشغالها بالعمل فاستغلت الفرصة لتضم درة لحضنها وتتخذها ابنة ثانية لها..
" خالة..."
نادتها درة بصوتها الخافت الناعم فابتسمت لها سماح بمحبة قائلة:" عيوني.."
بخجل رقيق ردت وهي تعدل حجابها الذي لا تخلعه إلا في غرفة هند:" لتسلم عيونك خالة..."
كم تمنت لو تناديها الصغيرة أمي لكنه كان أمراًمن أمور كثيرة مرفوضة، سألتها درة قائلة:" هل سيتأخر عمي الشيخ؟"
" لما تسألين حبيبتي؟"
سألتها مستغربة السؤال فردت قائلة بذات الخجل وتلكؤ واضح:" تاج أمرتني أن أصعد ما أن يصل عمي الشيخ أو يوسف تقول لا يصح وجودي وهما هنا.."
آخ من تاج وتناقضات تاج.. فكرت وهي تنظر لابنة قلبها لكن عقلها يفكر في تاج وما تخفيه تاج وكل تناقضات تلك الفتاة.. ابتسمت وردت بهدوء دون أن تظهر رفضها لحديث تاج:" لا أعلم صغيرتي لكن غرفة هند فارغة وتستطيعين أخذ راحتك.."
هزت رأسها برفض:" تاج لن توافق وأنا لا أريد إغضابها مني..."
أومأت برأسها دون كلام ثم تركتهما متجهة نحو المطبخ لتميل هند الصامتة منذ بداية الحديث قائلة:" خيراً إن شاء الله، ماذا حدث الآن لتصدر الملكة تاج أوامرها الجديدة؟"
عادت درة لكتابها دون أن تجيبها فهي لا تملك جواباً لسؤالها أو بالأحرى هناك ما لا تستطيع قوله كتشكيك تاج بنية أصحاب هذا البيت وعدم ثقتها فيهم؛ فقد سبق وأخبرتها أنها كبرت ولم تعد صغيرة لتتصرف كما لو أنها صاحبة بيت وخاصة أن يوسف وأباه يعيشون هنا فهل تضمن ألا يؤذيها أحدهما.. كلمات تاج صدمتها يومها وجعلتها غير قادرة على الحديث لا تجد رداًولا كلاماً يقال فأختها بكل بساطة كانت تطعن في شرف من آووهم لسنوات ولكنها بنفس الوقت لم تستطع أن تكذبها فما تراه تاج في البيوت وتسرد عليها بعضه يجعلها تخاف وتنظر لكل تصرف تفعله لذلك وجدت نفسها رغم عدم اقتناعها تنفذ ما أمرتها به تاج وقررت أن تصعد قبل قدومهم، وكأنهم خرجوا من تفكيرها فقد أتاها صوت الشيخ فقفزت تحمل كتبها ملقية السلام على هند التي لم تجد حتى وقتاً لتقول شيئاً واتجهت درة نحو المطبخ تودع سماح وتغادر من الباب الثاني للمطبخ والذي يقابل السلم الداخلي للمنزل والذي ينتهي عند السطح.. ظلت سماح واقفة في مكانها تتأمل درة بنظرة مفكرة لا تعرف هل تشكر تاج أم توبخها؟ لتتسأل بخوف هل تعلم تاج شيئاً؟ لترد على سؤالها برعب (ستكون كارثة لو كانت تاج تعلم بالذي يخفونه...)
غادرت المطبخ على صوت عارف الذي دخل بهيبة وحوله هالة من الاحترام والإجلال.. مرتدياً جلبابه حاملاً بيده سبحته التي لا يتركها فيظهر في صورة شيخ مؤمن يتقي الله في حرماته..
******
يدخن سيجارته بشراهة ينفث غضبه حزنه وجعه فيها يحاول أن يسيطر على أفكاره ولا يقدر يريد أن يهرب من الجنون الذي يسيطر عليه ولا ينجح بل خياله يشطح ليصور له أموراً تزيده جنوناً فلا يجد غير السيجارة لينفث فيها غضبه.. السماء كانت صافية لهذه الليلة، اختفى قمرها وسافرت نجومها، حتى النوم جافاه كحبيبته التي تجافيه منذ سنوات، القاسية مفترسة (كلقوة) تتلذذ بلحم فريستها وقسوتها لا شيء أمام ما يعيشه وقد أتاهأسوء خبر ليقضي على المتبقي من عقله ويقضي على أي رغبة في النوم قد تتملكه.. خطبتها هي كابوسه الأزلي فهناك من رآها من جديد وتمناها آخر مرة أخرى هناك من وجدها عروسة مناسبة له أما هو العاشق المجنون فنصيبه محكوم بالسواد والوجع نصيبه مع شقيقتها التي لا يراها إلا كأخت له فأي عذاب هذا الذي يعيشه..
رمى عقب السيجارة أرضاً يدوسها بقدمه ورأسه ينحي على السور المنخفض لسطح منزلهم، يستند على السور الحجري وحرارته التي يحتفظ بها منذ ساعات النهار تلسع جبهته لكنها تمنحه بعض السكينة التي لا يعرفها منذ عامين من رفضته وتباهت بذلك.. منذ إهانته وقللت من قيمته وعاملته كمن لا يرقى لها ولمكانتها العظيمة.. هل هو السبب؟! هل أشعرها أنها غالية فتكبرت عليه؟؟ أم أنه كان يستحق ما فعلته به؟ هل هو كما يخبره أخاه أفضل منها وهي من خسرت؟ إذاً لم النار تشتعل في روحه هو؛ ولم الغضب من نصيبه هو؛ ولم الغيرة تحرق أضلاعه هو...؟ بينما هي ملكة تتسيد الأرض والسماء.. تتغلى فتسرق قلب السلطان ويتمناها الملك ويطلبها الأمير، ولا ينالها إلا من يكسب قلبها القاسي.. أما هو فليحترق بناره وليذهب للجحيم ولن يبالي أحداً به... كان بعد كل فكرة تخطر على باله يضرب رأسه ضربة أقوى من التي سبقتها وعند آخر فكرة رفع رأسه ليضربه بأقوى ما يقدر عليه لكن الضربة كانت أخف من سابقاتها وقد سقط رأسه على كف حال بين جبهته وبين الجدار؛ لم ينتبه له في خضم أفكاره وجحيمه الخاص فرفع رأسه ليجد أباه يقف بقربه يرمقه بغضب زاحم الحزن في عينيه.. ابتعد يمسح الدماء بطرف كم قميصه فقال والده يسأله:" هل ملك بهذا السوء؟"
رد وهو يشيح بنظره:" بل قلبي هو السيئ..."
" ستحبها.."
قالها والده بتقرير فأجابه وعينيه في عيني الآخر هذه المرة:" لن أفعل، لن أنساها وكيف أفعل وشقيقتها أمامي تقاسمني النفس والغرفة والحياة هل تستحق الصغيرة هذا العذاب؟"
ظل السؤال معلقاً بينهما لفترة فأردف يسأل من جديد بعد أن تجاهل والده الإجابة:" أنا أستحق كل ما ينالني ولأذهب للجحيم لكن ألم تفكروا بها هي؟ ما ذنبها هي بكل هذا؟ لم تجبرونها على العيش مع رجل لا يريدها وهناك آخر يقبل الأرض التي تسير عليها؛ هل أنتم حقاً بهذه القسوة يا أبي...؟"
حل الصمت بينهما من جديد لا يخترقه إلا نسمات صيفية خفيفة ليقول والده بعد ذلك بهدوء ونبرة جامدة:" كان يجب أن نفعل هذا أم تعجبك إهانتها لنا جميعاً وكسرها لكمتنا؟"
ابتسم بقهر والتفت برأسه بعيداً عن مرمى نظر الآخر وقال:" ليتني لم أضعف ولم أترك غروري وغضبي يحركني ليتني ذكرت نفسي أن الصغيرة لا تستحق مني أن أرميها في جحيمي والقاسية تفر بجلدها رغم سوء فعلتها..."
" أفهم شعورك هذا..."
قال والده الذي كان ينظر إلى المنازل الممتدة على طول الأفق فنظر سلطان نحوه والأول يكمل:" أحببت في بداية شبابي ولم أستطع الزواج منها فقد خطبها غيري سابقاً إياي وانتهى الأمر بي متزوجاً بوالدتك..."
قال بيقين ونبرة العاشق الغارق تصل لقلبه قبل أذنيه تواسيه بتفهم فلا يفهم جنون العشق إلا من غرق فيه:" نبرة صوتك تشي بحقيقة أنك لم تنسها رغم زواجك بأمي وإنجابك منها خمس أبناء..."
نظره لم يحد عن وجه والده وهو يتحدث بخفوت حزين فالتفت إليه والده يقول:" ستتعلم كيف تتعايش وكيف تحب مرة تلو الأخرى..."
ابتسم بسخرية كانت موجهة لنفسه وهو يقول:" ابنك يا أبي مختلف عنكم بشهادتكم أنتم، وقلبي الذي تعلق بها لن ينساها ولو مر ألف عام.."
ليحل الصمت بينهما لا يقطعه حتى مرور النسمات الخفيفة فالابن نطق بالحقيقة التي ينكرونها، أنهم جناة في حق القلوب وحق من لم يجدن أباً أو أخاً ليحميهن من عواصف الحياة..

******
صعدت للغرفة التي تتشاركها مع شقيقتها غرفة صغيرة مبنية على سطح البيت وبشكل طولي كانت ذات يوم مخزناً حولته سماح لتكون غرفةً لهما، غرفة تم تعدليها أكثر من مرة حتى وصلت لما هي عليه الآن فقد قطعتا جزءاً منها ليصبح مطبخاً وبني خارجاً الحمام بملحقاته وتم طلاء الغرفة من الداخل بعد أشهر من انتقالهما له وتحديداً بعد أول راتب نالته تاج... فشقيقتها عملت في البيوت منذ كانت في السادسة عشر؛ اثني عشر عاماً قضتهم في العمل كخادمة.. أعوام تحولت فيهم تاج إلى أخرى لا تعرف هل هي حقيقتها أم أن الحياة جعلتها أقسى وأكثر شراً...فهي أكثر كائن حي عرفته في حياتها متناقض بكل شيء، إنسانة تملك ألف وجه تحير أي منهم هو وجهها الحقيقي.. فقد علمتها تاج كيفية الوضوء والصلاة لكنها لم ترها تصلي يوماً.. تراها تخاف من الله ومع ذلك تعصيه بوضوح.. تعرف الحلال وتميز عنه الحرام ورغم هذا تفعل كل ما يطرأ على بالها دون تمييز أو اهتمام بالحرام والحلال.. تخاف عليها من أقل نسمة ولكنها تسير بخطى ثابتة نحو الجحيم، تنصحها ولا تفعل شيئاً من نصائحها، تخبرها؛ تحذرها؛ تمنعها وهي تفعل العكس.. ولولا سماح لم تكن ستكون هكذا أكثر التزاماً أكثر خوفاً من الله، فلو ظلت على تربية تاج المتناقضة لكانت الآن تغرق في بحر الخطيئة..
دخلت فوجدت الضوء مطفياً عدا ضوء خفيف موضوع على الطاولة يظهر صينية مغطاة فعرفت أن تاج تعشت وتركت لها حصتها.. سارت نحوها تغطيها فسحبت تاج اللحاف تغطي جسدها حتى رقبتها تضم ساقيها لجسدها... فكرت وهي تراقبها أن شقيقتها حتى في نومها تعيش كافة تناقضاتها من يراها يقول أنها لن تستيقظ لو قامت القيامة لا يعرفون أنها تنام بنصف عقل وعين واحدة فلم تغفو يوماً غفوةً كاملة لم تأخذ كفايتها من النوم لم تترك نفسها يوما تستسلم له، الشك والحذر دائماً حاضرين.. وأول ما تبادر به هو الشك والثاني الحذر، مهما قدم لها الناس من حولها لا تثق بهم ولا تترك الحذر تضل كاللبوة تحوم حول من يهمها أمرهم ولا تتركهم إلا والطرف الآخر ميت..
التفت ليقع نظرها على المرآة المكسورة والمعلقة والتي تستخدمها تاج منذ سنوات، مرآة وجدتها شقيقتها ذات مرة مرمية على الأرض.. يومها وقفت أمامها تنظر إليها بتمعن لدقائق ثم مالت عليها وحملتها جالبة إياها معهما للمنزل، وعندما سألتها ما حاجتها بمرآة مكسورة صمتت وردت أغرب رد ولكنه ليس عجيباً أو غريباً عن شخصيتها (إنها تذكرني بنفسي مكسورة ومحطمة وأعكس صوراً مشوهة ولكن هذه أنا..)
اتجهت نحو الطاولة ورفعت الصينية لتبتسم بحزن رقيق فأمامها كان الرز واللبن مع حبات من التمر وجبة تأكلها تاج لتذكر نفسها بماضي لا تتذكره هي وهذهأكثر تناقضات تاج إخافة... فالماضي المخفي لها هو اللغز الذي يرعبها رغم كونه شبه مجهول لها..
******
فجرًا
نفس الغابة التي تحدثت عنها شقيقتها وذات اليمامتين المحلقتين، تراهما وتشعر بأحدهما فلا تعلم هل هي مجرد مشاهد أو أنها رؤى لمستقبل سيتحقق لا محالة ولما تشعر أن تلك اليمامة الشقية تشبهها... تتسأل بسرها لما تحلقان بسعادة؟ لماتبدوان حلوات لهذه الدرجة؟ هل هكذا يراهن البشر بهجة للعين...!!
تبلدت السماء فجأة رفعت رأسها نحوها تسأل نفسها ماذا حدث؟ لما بدأت الأمطار تهطل عليها تغرقهما وتثقل أجنحتهما؟؟ أخذت تبحث عن أرض تحميهما؛ عن مكان يؤويهما عندما سقطت صديقتها بحجرة ساقطة من السماء وقد تبدل المطر من قطرات ماء خفيفة لحجارة مؤذية.. صرخت بجزع وخوف وأخذت تحوم حول جسد رفيقتها التي سقطت بفعل جراحها، تبكيها تندب حظها.. ازدادت السماء تبلداً وانهمر المطر بقوة يضرب جسد اليمامة فيهزها يميناً ويساراً لا تستطيع أن تطير ولا تقدر على الهبوط ضائعة خائفة وحيدة ومكسورة.. تريد نصفها، رفيقة كفاحها ولا تقدر لا على الاقتراب وإنقاذها ولا على الهرب وتركها..
كف يختطفها مبعداً إياها عن رفيقة دربها، تنقر الكف تعضه تصرخ بصاحب الكف أن يتركها، لكنه لا يستجيب.. ترى نفسها بين كفيه يحبسها في راحة يده حتى أدخلها لبيت بأسوار مرتفعة مخيفة ثم حبسها في قفص من ذهب يخنقها ويزيدها خوفاً، فتطير ذهاباً وإياباً كالمجنونة ترتطم بقضبان القفص من كل الجهات ولا طريق للنفاذ ولا حياة لمن تنادي...يضيق عليها القفص بقضبانه وصوت دافئ يناديها أن تتوقف عما تفعل أن ترحم نفسها وترحمه مما تفعل.. لا تستجيب تستمر بما تفعل حتى ينال منها التعب فتسقط على أرض القفص مهزومة حزينة ووحيدة ودمعة تغافلها ساقطة تبكيها.. بكت اليمامة ومعها أغرقت وسادتها بدموعها...
استيقظت بشهقة عالية مع هزة ملك التي اقتربت منها تحضنها هامسة:" بسم الله عليك... بسم الله..."
حضنت ملاك شقيقتها بقوة تذرف الدموع الصامتة دون كلام فقط صوت شهقاتها تخرج متزامنة مع تسارع أنفاسها وارتفاع صدرها وانخفاضه بقوة.. الحلم مخيف وتفاصيله مرعبة تقبض قلبها، تشعر أن اليمامتين تمثلها وأختها، تشعر أن شيئاً سيئاً سيحدث مما سيتسبب بفراقهما، وتخاف من أن يتحقق الحلم، ترتعب من الفكرة.. فالفراق هو ما لا تريده ولا تتمناه؛ لن تتحمل أن تفترق عن رفيقة أيامها.. ليتها تموت قبل أن يحدث هذا.. فالعيش في هذا البيت خانق بوجود ملك فكيف لو تركتها بمفردها وغادرت هل سيأخذها سلطان ويبتعد بها؟؟ لا يا الله ليموت ولا يعذبها هكذا..
" ما بكما؟"
صوت قمر القلق يصلهما فيخرجهما من شرودهما وضياعهما كل منهما في عالمها.. اقتربت قمر منهما بقلب أم يرتجف خوفاً على بناتها، قلبها ينبئها بشيء سيئ لا تدرك ماهيته لكنه يزداد قوة خاصة مع الحلم الذي قصته عليها ملك قبل ساعات.. لا تعرف ماذا تفعل وكيف تبعد وسوسة الشيطان فلا تجد أمامها إلا الدعاءعله يدفع البلاء عنها وعن بناتها..
ابتعدت ملك وجلست مكانها قمر تحضن ابنتها التي ابتعدت لثواني عنها ثم استلقت على السرير ورأسها في حضن والدتها ترمي أحمالها عليها، دون إدراك منها؛ دون وعيها الحي وشعورها الدائم بأن قمر تفضل أختها عليها.. كانت بفطرتها تعود لحضن والدتها حيث أمانها ودفئها، ورائحة قمر بعطر المسك برائحته الخفيفة الذي لا تتركه ولا تستخدم غيره يغزو خياشيمها فيمدها بدفق من القوة يعيد لها بعض تماسكها يذكرها بأن لها أماً ستحميها.. مدت قمر كفها نحو ملك تطلب منها الاقتراب دون كلام، شفتيها لا تكفان عن قراءة آية الكرسي ويدها تمشط خصلات ملاك وقلبها يلهج بالدعاء أن يدفع الله عنهم البلاء.. نقلت نظرها بين ابنتيها اللتان ورثتا جمالها وحظها وتخاف أن ترثا لعنتها أيضاً، هما روحها التي تحوم حولها؛ وجودهما يحيها فتعيش معهما ما حرمت منه.. لا تعتبرهم مجرد أبناء بل حياة منحها الله لها على أربع مرات.. أخذ منها أكبرهم وترك لها ثلاثة لتعيش في كل واحد منهم ما يعيشه، تشعر أن الله وهبها إياهم ووهبها الشعور الحي الذي يخصهم لذلك تشارك مشاعر الخوف مع ابنتيها لكن عدنان همهما الذي كبر وكبرت معه مشاكله.. قبل أعوام كانت تتجاهل ما تراه منه وتقول طيش شباب لكن الآن تشعر أن ابنها فيه شيء مختلف لا تدركه أو بالأحرى تخاف أن تدرك ماهيته وليخيب الله ظنها وليكون ما تظنه مجرد شكوك لا صحة لها.. همست لهما وكأنها تحادث نفسها قبلهما:" مهما حدث و ما سيحدث ومهما كان مستقبلنا سنقاوم سنكون أقوى لا أريد ضعفا واستسلاماً.."
لم تردا عليها، نبرة صوتها المرتعشة أخبرتهما أنها الأخرى تشعر بما تشعرا به والخوف لا يسكنهما فقط بل يسكن قلب من أنجبتهما...

*******
صباحا

أخيراً ستخرج..
همستها بسرها وهي تقف أمام المرآة فالخروج من المنزل بالنسبة لها نجاة فبخروجها تعود للتنفس؛ تشعر بآدميتها وتعود إنسانة حقيقية غير التي تتركها خلفها.. يجبرونها على أن تكون غير ما هي عليه فالضغط الممارس عليها بات خانقاً مؤلماً مستنزفا لكرامتها، هي لا تملك إلا عزة نفسها وكرامة يدوسونها بأقدامهم كل يوم بمحاولاتهم للتقليل من شأنها ولومها على ما لا تستطيع... رنة هاتفها لفتت انتباهها أنها نسيته على مكتبها فتحركت نحوه لترى ما وصلها والتي لم تكن إلا رسالة من هبة والتي كتبت لها (عمة أنا قررت)
وفي رسالة أخرى كتبت (أريد الطلاق..)
ضيقت ما بين حاجبيها وكتبت باستفهام (هكذا فجأة!!! ماذا حدث معك؟؟)
انتظرت لثواني وهي ترى كلمة تكتب تحت اسمها على الواتساب، حتى جاءها الرد (البارحة أتى إلينا وليته لم يأتي تشاجر معي لأني لم أشتري لوالدته هديه كما فعلت مع أمي، أخبرته أنه كان عيد ميلادها فأجاب ما تحضرينه لوالدتك تحضرين ما يزيده ثمنا لوالدتي..)
ثم أرسلت مضيفة (أشعر بالاختناق يا عمة، أبي وقف معه وأهانني أمامه ووالدتي وبختني تقول إن من حقه أن يغضب، لم لا يفهمون أنا أعمل كممرضة ولست مديرة بنك والمال الذي أناله من حقي وأصرفه كما أريد..)
جزت على أسنانها بغيظ وغضب هذه الفتاة تذكرها كثيراً بنفسها نفس الظلم ونفس الإهانات تتلاقها ابنة الرابعة والعشرين نالتها هي وهي ابنة السادسة والعشرين كانت حينها في بداية حياتها المهنية ومهما كان المبلغ الذي تناله لم يكن كالمبلغ الذي يظنونها تقبضه كراتب شهري، متجاهلين أن الحكومة لا تدفع كثيراً والمبلغ الذي يحسدونها عليه لا يبقى منه غير نصفه أو ربعه في النهاية بسبب أمور إدارية لا منطقية هذا غير الخصم الذي ينالونه لأتفه الأسباب وغير الضرائب التي تأخذها الحكومة فلا يبقى من المبلغ إلا القليل والجميع يظنونها تغرف من بنك الرافدين.. كتبت ترد على الأخرى (تعالي عندنا مساءً لنتحدث ونرى قرارك هذا)
وأغلقت الهاتف واضعة إياه في حقيبتها مغادرة غرفتها لتسمع صوت والد هبة يتحدث مع والدتها وصوته الصارخ حتى وهو يتحدث يصلها واضحاً فقررت ألا تلقي السلام وتهرب منه فأمامها مواجهة أخرى لأجل هبة لكن اسمها الذي نطقه الأخير يلحقه كلمة عريس جعلتها تعدل عن رأيها وتسير نحو غرفة الضيوف.. قالت ما إن وصلت عندهم ودون إلقاء السلام:" سمعت اسمي خيراً إن شاء الله..."
التفتا نحوها لتقول والدتها بسعادة جمة وكأنها نالت الجائزة الكبرى في الدنيا:" تعالي يا جيهان واسمعي هناك من طلب يدك من أخيك.."
ارتفع حاجبها بشك وعدم الاطمئنان يزحف نحو قلبها المتخم بالشكوك نحو أي سعادة من هذا النوع فشقيقها ومن أتوا من طرفه مصائب لا تتمناها لعدوها، لتكمل والدتها قائلة:" إنه الحاج أبو هلال ..."
ابتسمت بسخرية ورفعت نظرها باتجاه أخيها قائلة باستهزاء لم تقدر على السيطرة عليه:" والله!!! قل غيرها يا رجل.."
ناظرها بانزعاج قائلاً يوجه حديثه نحو والدتها:" هل سمعتها؟ ها هي تستهزأ وتدلل كبنت العشرين!!"
كتفت ذراعيها تقول:" حقي.. الحق الذي شرعه الله لي اعترض على شرع الله..."
أجابها بنزق وهو يشير نحوها يقول بنبرة مستنكراً حديثها الذي يراه غير منطقي:" وهل تظنين نفسك ستجدين رجلاً لم يتزوج من قبل.."
ببرود ردت عليه:" فأوافق على أبو هلال أبخل خلق الله متزوج مرتين وطلق بسبب بخله الذي يعرفه الغريب قبل القريب؛ ولديه خمس أبناء ويكبرني بثلاثين عاما، رجل في السبعين ماله ومال الزواج فليعمل لآخرته بدلاً من الركض خلف نزواته وصبيانيته.."
لتكمل بملل:" عندما تقرر أن تتحدث وتأتي لي بخاطب اختر شخصاً مناسباً وقل شيئاً منطقياً بالله عليك فقد مللت من هذا الكلام الذي لا يقنع طفلاً في الروضة.."
أشاح بنظره عنها بغضب فقالت والدتها التي تنظر لكل منهما بحيرة عاجزة:" لا يعيبه شيء يا ابنتي، ففي النها..."
قاطعتها بنزق متململ:" في النهاية رجل أليس كذلك؟! وكل ما قلته لم تسمعيه...!!"
لتضيف بغضب:" حسناً أضيفي لكل ما قلته أنه رجل طماع، يريد أن يتزوجني لأصرف عليه رغم أنه يكنز مبالغ طائلة على قلبه دون أن يصرف منهم ديناراً.."
صرخ أخاها بغضبه وحديثها لا يروق له:" وهل ستبقين هكذا كالحمل الثقيل على قلوبنا؟"
شهقت والدته وهمست تعاتبه بينما اشتعلت عينيها بنار الجحيم قادرة على إحراقه وقالت بصوت ارتفعت نبرته رغماً عنها:" هذا عندما تكون حضرتك تصرف علي، عندما أمد يدي لك لأخذ منك مالاً وليس العكس فأنتم من تستلفون من الدكتورة ولا تعيدون ديونكم أنتم من تحتاجون لي بمرضكم وتلجئون لي ولمعارفي وليس العكس فإن كان هناك أحد حمل على الآخر فهو أنتم الحمل الثقيل الذي ابتليت به في الدنيا..."
صرخ بحدة موجها حديثه لوالدته:" أتسمعين مدللتك كيف تعايرني بأنها تسلفني بعض المال..."
ردت بسخرية:" تقصد بعض الملايين، فأنت وحدك وبآخر مرة استلفت مني مبلغاً ضخماً لتشتري سيارة ولم أر ولا مليون من الثلاثين مليوناً التي استلفتها مني..."
هدر قائلاً بغرور لا تعرف من اين يأتي به:" سأعيدهم اليوم وجميعاً..."
ابتسمت ساخرة وهي توجه حديثها له ببرود:" أعصابك حتى لا ينخلع عرق لحضرتك فلم تعد صغيراً ولا ينفعك الصراخ والمبلغ استعوضت الله به.."
ثم نظرت لوالدتها قائلة:" هذا الموضوع ينتهي اليوم وإلا لن أصمت لهم..."
غادرت ترتجف غضباً تكاد تنفث النار من أنفها لا تعرف لم يدفعونها لم لا تطيقه!! ولم هي ما زالت تنتظر منها أشياء لم يفعلوها عندما كانت فعلاً بحاجة لهم!! ولم لا تقتنع أنهم ليسوا سنداً لها وأن شهادتها التي تفخر بها وعملها هما سندها الحقيقي...!!
توقفت تسند بكفها على الحائط تتنفس بحدة تغمض عينيها لثواني تستجمع فيه نفسها لتبتسم بسخرية مريرة على حظها فالمبلغ الذي جمعته لتشتري شقة في أحد المجمعات السكنية الحديثة منحته إياه وتنازلت عن حلمها بامتلاك شقة تخصها وحدها ولا يمنون عليها كل حين رغم أن البيت الذي تسكنه مع والدتها اصبح لها بعد أن اشترت حصصهم وهو مسجل باسمها في الشهر ال****ي؛ لكنها تأملت أن تشتري شقة أخرى وتنتفع بها أو تسكنها وتنازلت عن المال بعد أن توسطت والدتهما ووافقت على مضض لأجل خاطرها فقط، ورغم كل هذا لم ترى ولا ربع الثمن رغم مرور الأشهر، أما السيارة فقد اشتراها منذ فترة وها هو يتبختر بها بغرور وكأنه ملك زمانه.. وها هي قد اضطرت لتدخل بجمعية بنصف راتبها حتى تجمع المبلغ من جديد وتحقق حلماً آخر مؤجلاً.. ومع كل ما تفعله لهم وكل ما تنازلت عنه لا يأتي بعيونهم؛ مازالوا يعاملونها كبيت الوقف الذي يقف في منتصف الشارع العام وعليهم إزالته ليفتحوا الطريق..
*********
نظر لساعته أمامه ساعتين على موعد محاضرته يستطيع أن يراها ويتحدث معها قبل أن يعود للجامعة، ابتسم بشوق جارف يشده نحوها فهو لا يسير على قدميه بل قلبه هو من يركض يسابق للوصول إليها، أحبها وأحبته؛ أوجعها وأوجعته؛ خذلها وخذلته؛ كسرها وكسرته ألف مرة...عاشا كل المشاعر معاً وظل الحب بكل جنونه حياً بداخلهما، لا الزواج نفعه ولا الهرب منها حتى استسلم لهواها الذي يبحر فيه بسفينة معطوبة ولم يجد ملكاً يستولي عليها ولا رجلاً صالحاً ينقذه مما هو فيه.. رآها تقف بعيداً فلمعت عينيه بعشق جارف سرعان ما تحول لغضب يكتسح ثباته وعقله وعشقاً كان يتغنى به قبل ثواني.. الغيرة أم الشك هو ما يشعر به أم أنه التملك المجنون المرضي كما يصفه سراج...!! مشاعره معها دائماً ما تكون كالبحر الهائج لا تصفو ولا تهدأ.. سار يقترب منها لتصله ضحكتها ونظرات الآخر تكاد تأكلها، ألا ترى العمياء أم إنها تتعمد ذلك لإثارة غيرته -وإن كانت لا تعلم بقدومه -أم تشتاق لرجل يملأ حياتها وأيامها العجاف...؟!
توقف عند الخاطرة الأخيرة وعاد ذلك الشيطان الذي يعربد في علاقتهما منذ الأزل يذكره بوسوسة شيطانية بكذبتها القديمة يعيد عليه ما حدث بينهما وكسر كل جميل جمعهما لا يعرف هل يجب عليه أن ينصر شياطينه للمرة المليار أم يتقدم ويوقف هذا (الزاحف) ويترك لقلبه القيادة ولو لمرة.. ليتابع سيره ليلقي السلام ما إن وصل لديهما فالتفتا نحوه الأول بلا مبالاة وهي باستغراب ترجمته سريعاً بسؤال صريح وقح مثلها:" ماذا تفعل هنا؟"
نظر للآخر الذي أخذ ينظر لهاتفه بتجاهل متعمد؛ تيسير.. ذلك المتحذلق الذي تجادل معه قبل يومين، عدوه اللدود منذ سنوات ولم يتفقا يوماً واحداً.. تجاهله هو الآخر ووجه حديثه لشهد قائلاً:" جئت لأراك..."
ناظرته بشك وقالت بلا مبالاة يعرف أنها تتصنعها فهو يكاد يجزم أن خفقاتها تدوي في أذنيه:" حقاً.."
أومأ مؤكدا لتساؤلها البارد بظاهره والمحترق بنار الشوق في مضمونه فمن يعرفها أكثر منه هو حبيبها ووجعها.. عادت بنظرها لمن كان يحادثها قبل أن يصل هذا المتحذلق قائلة بابتسامة:" شكرا لك أستاذ تيسير على النصيحة وسأشاور موكلي وادعي لي حتى يوافق على المقترح.."
بابتسامة عريضة شقت وجه تيسير وأمير يناظره بضيق فهذا الزاحف يزحف نحوها بوضوح تام لا يعلم هل هي حقاً لا ترى هذا أم أنها تتعمده:" لن تعدمي الحيلة ست شهد فأنت ما شاء الله محامية يخاف منها..."
ضحكت ضحكة جعلت المراقب لهما يناظرها بحدة وغضب تجاهلته وكأنها لم تشعر بالنار التي تخرج من كل خلاياه وتحرقها بلسعاتها ليستأذن تيسير قائلاً:" سأذهب فلدي تبليغ سأسلمه للمُبلغ وبعدها سأخرج للمؤسسة ****..."
باهتمام -لا داعي له- عرف أنها تتعمده لتثير غضبه، والآخر أيضاً ما الداعي ليخبرها بقصة حياته ومشاويره غير المهمة:" اوه كل هذا.. والله نحن المحامون لنا الجنة..."
قال بمسكنة جعلت أمير يرغب بضربه على راسه:" أريتِ كم أتعب؟؟"
ربت أمير على كتفه بخشونة وقد ارتفع ضغطه من الفيلم الهابط الذي يعرض أمامه:" سلامتك يا حبيبي أوصل شكواك للنقابة يا عيوني..."
ثم أردف بحدة وهو يطرده بكل وقاحة:" والآن هل تستطيع أن تذهب لمشاوريك المهمة عندي حديث مهم مع شهد..."
وتعمد أن ينطق اسمها مجرداً دون صفتها العملية والمتمثلة بكلمة (ست) التي تنادى بها المحاميات، فأجابه المعني وهو يبعد كفه وينفض مكانها بحركة مقللة:" سأغادر لأن عندي عمل مهم كما تعلم فأنا لست متفرغاً مثل أحدهم..."
بابتسامة مستفزة رد أمير:" نعم فكما تعلم نحن الأساتذة الجامعيون ليس لدينا عمل ولا شؤون مهمة ونقضي جل أوقاتنا في (الزحف) على النساء.."
اتسعت عينا شهد للإهانة الواضحة التي وجهها أمير لتيسير، فنظرت بسرعة نحو الأخير الذي ناظر خصمه بغضب وهو يجز على أسنانه غير قادر على فعل ما يريده حقاً وهو لكمه على وجهه الذي يتباهى به، فكل تصرف محسوب عليه خاصة في المحكمة فهو يحتاج (لتزكية)* ولن يفسد عمل سنوات لأجل هذا التافه فقال بغضب مكتوم:" لن أرد عليك ولن أنزل لمقامك.."
باستفزاز متعمد قال أمير مبتسماً:" لن تقدر فمقامي عال لن يصل إليه إلا من يستحق.."
جزت شهد على أسنانها وهي تشعر بغضب جارف من تصرفاته فقالت مقاطعة هذه الحرب التافهة:" أستاذ تيسير أعتذر من حضرتك ولا تؤاخذه إنه لا يقصد..."
لم يجبها بل ظل نظره مسلطاً على أمير لفترة ثم التفت إليها يرسم ابتسامة مصطنعة قائلاً:" ليس لك ذنب بقلة أدب الصغار..."
أوبس لقد تم تفعيل لسان المحاميين الذي يقصف ولا يبالي فكان دور المعني بالحديث أن تشتعل عينيه بالغضب وهم بالتحدث عندما ناظرته هي بحدة مهددة ثم قالت بابتسامة حلوة كحلاوتها التي تقتله توجهها لهذا الزاحف الذي لا يعرف ماذا به يستحق أن تبتسم له:" مع ذلك أعتذر منك فلا تأخذ ببالك.."
لم يرد اكتفى تيسير بتتبع حسنها الذي لفت انتباهه منذ تخرجت وبدأت تعمل مع سراج في مكتبه فكان يتقرب منها بحذر فقد لاحظ كالجميع تجنبها للتعامل الخاص مع الرجال كما سمع هو الآخر بقصتها فكان ينتظر الوقت المناسب ليتقرب منها والتعرف عليها.. ودعها مجدداً دون أن يولي الآخر بالًا والذي قال ما إن ابتعد الآخر عن أنظارهم:" هذا الزاحف دمه أثقل من الزواحف الحقيقة.."
التفتت نحوه مكتفةً ذراعيها:" ما الذي جاء بك إلى هنا أمير...؟"
" أجبتك لكن عقلك مع هذا الزاحف..."
رد بغضب لتجيبه بغضب مشابهه:" أولًا تأدب وأنت تتحدث، ثم ما هذا المصطلح الطفولي الذي يسقط من فمك كل ثانية، ثانيًا أخبرني ماذا تريد مني فعلي العودة لعملي فأنا لست فارغة مثلك؟"
رد بتهكم وغيرة:" نعم صحيح فأنا ليس لي عمل سوى حضرتك ومعجبيك..."
لن ينسى؛ لن يسامح وإن ادعى العكس؛ لن يتركها تعيش؛ ولن يسمح لنفسه أيضاً بالمضي قدماً ويعيش حياته... وهي لن تقبل أن يدخل حياتها من جديد فهي لم تعد العاشقة التي تسير خلفه منتظرة إشارته بل كبرت وفهمت أن من في مثل حالاتها يُنظر لهن بتقليل وحتى وإن وجدن من يعشقهن لن ينسى لهن التجربة الفاشلة التي مرت بهن.. لذا قالت بصوت خافت ونبرة مرتعشة تظهر مدى وجعها منه وجرحها الذي لا يتركه ليشفي فيأتي ينكئه كي يعاود النزيف:" لن تنسى يا أمير ولن تسامح وأنا لم أعد تلك الغبية التي تنتظرك فدعني بحالي وامضي في حالك."
كانت خطوة هي التي خطتها عندما أمسكها من ذراعها يقول بغضب:" جربت وابتعدت وتزوجت ولم أنسَ ولم أغفر ولن أفعل لكن عقابك سيكون معي..."
أبعدت كفه دون أن تنظر إليه وقالت بحزن:" والحياة عاقبتني قبل أن أخطئ حتى.. لذا ها أنا أخبرك حقك سقط يا أمير.. الحب والعقاب انتهيا منذ زمن منذ اليوم الذي تزوجت فيه.."
وغادرت تاركة إياه يحارب شياطينه وطواحين غضبه وحزنه وهو يسأل نفسه ذات الاسئلة التي لم يجد لها حلولاً ترضي عقله وقلبه معاً.. ماذا يفعل لينالها أو ماذا يفعل لينساها أو على الأقل يتخطى تجربتها...!!
أما هي فمسحت دمعات سقطت ترثي حباً يسكنها ولن يعتقها إلا بموتها:" لن ينسى كذبتي.. ولن يسامحني، وأنا لا أستحق ما يفعله بي، فقد نلت من العقاب أضعاف ذنوبي..."
*******
مساءً
تقدم من عمه يعاونه يمسك بكفه ويسير معه نحو بيت قمر، فقال الأخير موجها حديثه إليه:" هل أخبرك أباك بموعد زواجك ؟"
اكتفى بإيماءة بسيطة برأسه ها هم يحددون موعد زواجه دون الرجوع إليه أو مشاورته حتى بل قرروا وعليه هو التنفيذ فقط، قرأ عمه ما يدور في عقله فقال بتجبر:" لو بقينا عليك لظلت البنت معلقة لعشرين عامًا قادمًا..."
اكتفى بالصمت ولم يقل شيئاً فلم يعد هناك ما يقال والقرار قد صدر وبدأ التنفيذ به، لكن عمه لم يرضا بهذا الصمت فقال باستهجان:" لم أسمع قولك سلطان.."
رد بخفوت:" ما زالت صغيرة لهذا كنتُ أؤجل الأمر..."
يعرف أن حديثه ما هو إلا حجة فقال بحدة:" إنها في الثامنة عشر أي صغيرة هذه التي تتكلم عنها!!! أمها كانت تحمل ملاك بين ذراعيها عندما كانت في عمرها..."
وهل ينسى!! كان طفلًا في السادسة عندما رآها وانبهر بجمالها ولم يعلم أنها ستكون لعنته الأبدية حينها، كان سعيداً بها عكس عدنان الواجم بغضب وغيره لا تفسير له خاصة أنه لا يعامل قمر كأم له، ربما هي غيرة طبيعية وربما حقد أزلي ينمو في قلب الكبير تجاه شقيقاته.. قاطع عمه ذكرياته عندما سأله:" زواج عدنان بعد غد فهل انتهيتم من التجهيزات؟"
" نعم كل شيء جاهز اتفقنا مع الطباخ واشترينا الذبائح وما يحتاجه الطباخ، كذلك اشترينا الأواني وستحضر يوم الحفل، فلا تشغل بالك عمي..."
أومأ برضا واستمر الصمت بينهما لفترة حتى قال عمه: "أتعرف أن قمر وبناتها لهن معزة خاصة بقلبي؟"
لم يصدقه بالتأكيد لن يفعل.. فهو الشاهد على العكس، فأفعال عمه لا تدل على هذا فلم يقبل أي منهما يوما؛ لم يعتنِ بواحدة مرضت أو يهتم بدرجاتهن أو يخاف عليهن؛ هو من فعل كل هذا بالنيابة عنه وبأمر منه هو وبسبب ثقة قمر به.. إن كان هناك شخص يحب الفتاتين حقاً فهي قمر التي رأت في هذا البيت الكثير ولأجلهما فقط بقيت وتحملت كل شيء.. هو الشاهد على الظلم وعلى تجبر أهل هذا البيت فعمه معروف بطبعه الصعب وغير المتساهل مع أحد حتى أبنائه الرجال لم يتساهل مع أي منهم رغم أنه يعتبر نفسه قد منح أبناؤه الرجال مساحتهم الواسعة وأن ما يفعله مع البنات هو من حرصه وخوفه وحفاظاً عليهن لكنه يرفض الاقتناع أن الزمن تغير وأن ما يفعله سيأتي بنتائج عكسية.. ليقول عمه عندما لم يسمع جواباً منه:" لهذا لطالما أردتك لإحداهن وظللت مصراً عليك حتى بعد ما حدث.."
أراد قول شيء يتحجج ربما.. يتهرب ربما لكن صوت صراخ قادم من بيت قمر والذي ظهر لهما قاطع حديثهما وكان الصوت الصارخ لعذابه الأبدي.. لملاك..
******
أنهت عملها في العيادة وعليها العودة للمنزل لكن العودة اليوم بالذات ثقيلة على قلبها فوالدتها لم تكف عن الاتصال بها طوال اليوم لتوبخها على حديثها مع أخيها الأكبر بأسلوب تراه وقحاً لكنها تتجاهل أنهم يضغطون عليها حتى يخرجوا منها أسوء طباعها وما أن تعود لن تعتقها ولن تتركها حتى لتلتقط أنفاسها... كما أن هبة اتصلت بها منذ ساعة تخبرها بأنها ستمر عليهم وتريدها أن تنهي الأمر مع والدها فقد اتخذت قرارها بل وأخبرت خطيبها بذلك..
تنهدت بأسى الوضع يزداد تعقيدًا فبعد ما حدث صباحًا لن يستمع أخاها لها وسيقول أنها تغار من ابنته لأنها ستتزوج رغم أنها تصغرها بسنوات كثيرة، سيسمعها الكثير الذي سيؤلمها وبالطبع لن تصمت على حديثه وسترد وسيزداد الأمر سوءًا.. ضغطت بقوة على جبهتها عل الصداع يخف، طرق على الباب جعلها تعدل من وقفتها تأذن للطارق بالدخول لتنشرح ملامحها ما إن رأت ابن أخيها شقيق هبة وهو يقول:" مرحبا يا جميلة الجميلات.."
" ادخل يا مشاكس..."
تحرك باسل للداخل وأغلق الباب خلفه واقترب منها يقبل خدها بقوة أضحكتها وأبعدت عنها شبح الحزن وهو يمنحها بابتسامته وتصرفاته بعض المواساة.. فأجمل ما في حياتها الكئيبة هم أبناء أشقائها وشقيقاتها، الذين يلتفون حولها يطبطبون على أوجاعها يمنحونها أصدق المشاعر التي تروي جفاف روحها.. سألته بينما تحركت لتجلب له ما يشربه وهو اتخذ كرسياً خلف مكتبها ليجلس عليه: " لماذا جئت؟"
رد عليها بسؤال:" وماذا تظننين.؟؟"
نظرت إليه من فوق كتفها باستهزاء قائلة:" والدك بعثك لتقنع عمتك العانس بالموافقة على الأستاذ أبو هلال ..."
حك رأسه بخجل قائلاً:" والله قلت له أنه غير مناسب لكنه يقول إنه رجل وأنها ستعرف كيف تلفه حول أصبعها.."
ضحكت ساخرة من التشبيه السخيف الذي يستخدمونه لإقناع البنات بالعريس وقالت وهي تقدم له العصير وتجلس خلف مكتبها:" من هذه التي تقدر على أبو هلال!!"
شاركها الضحك ثم قال لها بتردد:" للصدق يا عمة لا أعرف لم ترفضين ولا تغضبي مني، لكنك لن تجدي رجلاً لم يسبق له الزواج ليتزوجك.."
تنهدت.. هي تعلم هذه الحقيقة ولا تحتاج لأحد لان يذكرها بها ليكمل باسل حديثه قائلاً ببعض التردد:" الشباب هنا يتزوجون مبكراً وإن تأخروا لسن السابعة والعشرين هذه تعتبر كارثة أما لو وصل للثلاثين فيتعاملون معه مثل كائن فضائي أو حيوان نادر السلالة يجب تلقيحه بأسرع وقت ممكن واي طريقة ممكنة.."
ضحكت على تشبيه وقالت بابتسامة:" يا حبيبي أنا لا أنتظر فارسًا أو معجزة، كل ما أريده أن أحظى برجل حقيقي، رجل أكمل باقي حياتي معه فما لم أرضى به لنفسي وأنا أصغر سناً وأقل نضجاً لن أرضاه الآن فقط لأنال لقب زوجة فلان.."
تنهد يقول:" معك حق لكن يا عمة..."
قاطعته قائلة:" أعرف يا عيون عمتك ما تريد قوله لأني أعرفه قبلك وأفهمه لكن ها أنا أخبرك ولتنقله بالحرف لوالدك أنا لن أرضى بأقل من رجل حقيقي أكمل باقي حياتي معه.."
" حسناً وماذا سأقول لأبي؟"
سألها بقلق فردت ببرود:" قل له ما قلته لك للتو أو قل له لم تقبل أن أفتح الموضوع معها أو ألمح للأمر حتى.."
أومأ عارفاً أن القصة ستنتهي بتوبيخ كبير وإهانة معتادة، فوالده لن يسمع منه هذا الكلام بل سيتهمه أنه يحابي عمته ولأجلها يكذب عليه وأنه لم يخبرها حتى وكل هذا الحديث اخترعه هو، قال باستسلام:" هيا لأوصلك وليرحمني الله من أبي..."
همت بالتحدث ليقاطعها اتصال من هبة فردت باسمة لتتسع عينيها والأولى تصرخ فيها مستنجدة:" عمة أنجديني..."
انتهى الفصل
لا تبخلو على كاتبتنا بتعليقاتكم حبيباتي




هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
قديم 06-02-25, 01:53 PM   #34

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,136
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

مسا الورد
فصل تخفة تحفة ولازالت الامور غامضة بناضيها وبحاضرها
ميثاء ماةبعرف حبيت هالبنت جدا جدا
جيهان ونظىة جاهلة للبنت الغير متزوحة وللاسف من اقرب المقربين ياللي رغم نجاحها بيعايروها حبيت قوتها رغم الغصة بقلبها هبة يا خوفي عليها الله يستر
مؤيد ما فيي الا لوم اخلاص الانانية ولوم والدو ياللي تركو الها تربيه ولومو لاحساس مؤيد بالاقصاء والنبذ من عيلتو بكن للاسف مؤيد بعد ما نصج بس ترك الحقد الحسد ياكلوا بر وحو ومشي بطريق زادو كلام والدو عنو بس خوف وائل بقدوم مصيبة هل صح وهل راح تنتهي هالرحلة بكارثة اللهويستر
خالد تربع بقلبي من اول ظهور مع ابنو فادي واخوه رحيم
عبء كبير عليه لينا هل ممكن تتخطى كل حدود الشرع ويا ترى هل فيي لوم خالد لمنع حق من حقوق الزوجة عليه وهوي وصالها وباترى شو طليها المنافي للشرع ليش خايفة عليه وعا اولادو
درة والشيخ عارف واخفاء سماح مصيبة قام فيها مدعي التقوى ويا ترى يوسف بيعرف الله يشتر
تاح وماضي قاسي عا طفلة خلاها تنتهج درب الضلال رغم توحيهها لاختها عالطريق الصح شو شافت بصغرها قلبي عندها
قمر طفلة انقادت لمصير سئ وللاسف كان للتكن ثك عبودية حبيت اصرارها عا مصلحة بناتها وعدم تكرار تجربتها معن وظنها بعدنان شو هوي
سلطان وحع من نوع اخر بس السؤال ليش ملاك فجأة نفرت منو ملاك وملك وسلطان ثالوث شائك وملك زواجها كنو مو سهل ابدا عليها ولا عليه والخلم ياللي عم يرادود الاختين شو تأويلو وهل راح تم الامور عاخير ناطرة عا اعصابي
شهد وامير وقصة تانية شكلها لسبب ما تزوجت غيرو ومو قادر يسامحها
اللزج تيسير منك لله
سراج تربع بقلبي وبحيى وصدمة زواجو وعيشتو بالخارج
اليوم اسحاق والياس ما ظهروا القصل ولا احلى باحداث كشوقة خلتني اترقب القادم ومسار الحبكة بشوق ابدعت وابهرت تسلم ايدك يارب

هاجر جوده likes this.

Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-02-25, 07:51 PM   #35

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,136
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

مسا الورد
ما بعرف ليش استبدلت اسم امير ويحيى باليلس واسحاق العنب عالعمر ????????????????????


Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-25, 09:50 PM   #36

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,965
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثالث


لكل حقيقة وجهان
وجه أبيض وآخر أسود
ولكن في الزاوية
يقف وجه آخر مخفي لا يراه أحد...
هو الوجه الرمادي
الوجه الذي يحمل نصف الحقيقة، وثلاث أرباعها (وهم) من نسج الشياطين..



الماضي... قبل عامين..

جالسون في مضيف الشيخ المفتوح للجميع، يتحدث عمه وأبيه عن أمور العشيرة وجديدها وهو يستمع لحديثهما بكل احترام كما أعتاد بينما يصب لهما القهوة العربية من الدلة كما تعلم منذ صغره وبأتباع العادات العشائرية التي تميز أبناء العشائر عن غيرهم؛ عمه الشيخ مُضر شيخ العشيرة الذي لم يُقرب أحد من أبنائه له ولم يحدد لهذه اللحظة الشيخ القادم بعده فرشح الأغلبية أبيه كونه أخ الشيخ وأبن الشيخ السابق ولم يبقى من أخوة الشيخ سواه وكونه أيضًا كبر بين الشيوخ وتعلم الكثير منهم وطبعه الهادئ والحكيم وجعله مقربًا من أخيه الذي يكبرها بقرابة العشرين عاما.. أما هو فوالده قربه منه ومن عمه رغم كونه الأبن الأوسط وهناك شقيقيه الأكبر منه سنًا وآخر يصغره لكن أباه اختاره هو من بين الجميع ليعده لمنصب لا يريده فهو يفضل الابتعاد عن القرية ونزاعات العشيرة ومشاكل الناس ولا يرى نفسه في منصب يعده له والده لأسباب تخص الأخير يجهل معظمها ويعلم بعضا منها.. لكنه بنفس الوقت لا يستطيع رد والده وأن كان مجبرًا.. حادثه عمه فرفع رأسه نحوه باحترام يرد عليه بأدب فابتسم الشيخ له ابتسامة واسعة عميقة وقال يخاطبه:" أتعرف يا سلطان.. أنا أرى فيك صفات الشيخ.."
لأول مرة يتحدث عمه عن هذا الأمر بهذا الوضح يخبره بطريقة مموهة لكنها واضحة له أنه يريده أن يكون الشيخ التالي للعشيرة لقد سمع منهما تلميحات سابقة ظنها مجرد حديث عابر متجاهلًا أنهما لا يتحدثان إلا عن قصد ونية ليأتي هذا الحديث ينحر أحلامه في الابتعاد عن القرية والعيش في المدينة، قال بنبرة خافتة:" العذر منك عماه لكني لا أرى نفسي جديرا بهذا المنصب العشيرة تحتاج لرجل حكيم يعرف كيف يديرها.."
ابتسم الشيخ محادثا اخيه:" أرأيت حسن اختياري.."
واضاف ونظره مسلط على سلطان الذي اخفض نظره أرضًا وكل ما يريده أن يهرب مما يخططون له:" ذكي ولماح ويفهمها سريعا.."
رد والده بصوت باسم فخور ونظره عليه:" منذ ولد وأنا أراه مختلفًا عن أخوته.."
أومأ عمه مستحسنًا الحديث وأردف:" سلطان أنا وأبيك تناقشنا بالأمر وأتخذنا قرارنا.. أنت ستكون الشيخ القادم.."
تلجلج ولم يعرف ماذا يقول، أراد أن ينطق أن يرفض لكن الكلمات تحجرت في صدره، ينظر لعمه غير مصدق أنه تنازل عن شيء تمسك به لسنوات، المنصب الذي يرفض التخلي عنه رغم كبر سنه ومرضه وصحته التي تتدهور كل يوم يتمسك به بعناد كأنه أحتكره لنفسه.. نظر لوالده الذي قال بصوت واضح مجبرًا إياه على الانتباه له ولحديثه:" العشيرة تحتاج لدماء شابة تحتوي صغار السن لذلك عمك اختار هذا اليوم للحديث معك حتى نبدأ بتعليمك كل ما تحتاجه.."
لقد قرر عمه.. اختار مصيره دون الرجوع اليه.. حتى أبيه لم يستشيره كما قال عمه قبل قليل بل أخبره بقراره فوافق والده برضا ففي النهاية المنصب للشيخ مُضر وهو حر في اختيار من يخلفه والأخير لا يهمه إلا امر واحد.. ألا تضيع المشيخة من بين يديه.. هو لا يريد المشيخة ولم يفكر بها يوما يسمع الجميع يتمناها فيراهم حمقى فالمشيخة ليست المنصب الجميل ولا المركز السامي الذي لابد من الحصول عليه ليعلو شأنك، بل هي مسؤولية وأمانة لا يجب أن تقع إلا بيد من يستطيع أن يكون أمينا صادقا ورجل حقيقي رغم أن الحقيقة عكس ذلك تماما وعمه أكبر دليل..
هم بالحديث يريد أن يرفض هذا القرار ليقاطعه السلام الذي ألقاه رجل من كبار العشيرة مع فردين عرفهما جيدا فالصغير كان زميلًا له أيام المدرسة والأخر قابله كثيرا في المناسبات ينوب عن ابيه في أحيان ويحضر مع الاخير أحيان أخرى.. وقف مع أبيه يتلقون السلام ويرحبون بالضيوف..
*

بدأ الترحيب بالضيوف والكلام المعتاد في السؤال عن الحال، بينما كان هو يقف يقدم القهوة فمد فنجال القهوة للرجل الاكبر سنا لكن الاخير لم يمد كفه بل قال بنبرة قوية تليق بابن العشائر:" لن نشرب قهوتكم يا شيخ حتى تستجيب لطلبنا.."
موقف ليس بالجديد عليهم لكن لما يشعر بالقلق منه لما يشعر أن الأمر يعنيه، سمع عمه يقول بثبات يليق بالشيخ:" طلباتكم على العين والرأس لكن الضيافة لا علاقة لها يا حاج.."
قال الرجل دون أن يمد يده للقهوة:" لن نشرب قهوتكم يا شيخ فقد جئناكم طالبين يد ابنتكم وكلنا أمل في أن توافقوا.."
نظروا لبعضهم البعض بينما أهتزت دله القهوة في يده ليسأله الشيخ مُضر وهو ينظر له بنظرة مترددة:" أتعني الصغرى!!"
ابتسم الرجل قائلا:" بل الكبرى يا شيخ.."
" ملاك.."
همس باسمها بخفوت وارتعش قلبه بخوف لم يقدر على السيطرة عليه، هل سيفقدها بهذا الشكل الجائر أم أنه سيضطر ليتصرف تصرفا لا ترضاه نفسه وهي ستكرهه أكثر بسببه، اتجه بنظر لعمه الذي قال:" لكن يا حاج البنت محيرة لابن عمها.."
واشار نحوه ليقول الرجل باستنكار متجاهلا حديثه:" يبدو أنك ترفضنا يا شيخ بطريقة لبقة!!"
" ما عاش ولا كان يا حاج من يرفضكم لكن فعلا ابنتي مسماة لأبن عمها سلطان.."
قالها مشيرا نحوه ليتحدث ابن الرجل قائلا:" اهل بيتنا قالوا إن البنت في الثامنة عشر من عمرها فلما لم يتزوجوا للآن أن كانت فعلا له أو على الأقل عقدتم قرآنهما...!!"
احجمهم بكلماته التي نطقها بنبرة هادئة قوية، فقال والد سلطان بدبلوماسية:" الفتاة لم تنهي دراستها بعد ولم نرد أن نشغلها عنها فكما تعلم بنات هذا الوقت يريدن الدراسة.."
قاطعه الرجل الأكبر سنا قائلا بنبرة حاسمة:" ومنذ متى البنات يسرن على هواهن...؟"
حل الصمت بينهم والرجل يضربهم ضربة قوية على رؤوسهم يجبرهم على شيء سيخسر فيه الجميع.. قال الشيخ مُضر بقوة بعد صمت ونظره على الرجل بينما يوجهه حديثه لسلطان:" اتصل بعدنان وأخبره أن يذهب لبيت أمه ويحضر أخته لنعقد قرانكما وأذهب أنت لشيخ *** واحضره بسرعة الى هنا.."
واضاف بنبرة صارمة صلبة:" وليشرفنا الحاج بأن يكون شاهدا على عقد قرانكما.."
ضّل سلطان في مكانه جامدا لا يعرف ماذا يفعل هل يتحرك ويحضر الشيخ؟؟
هل يقفز فرحا بقرب نيله لها؟!
أم يتوجس من القادم...؟؟
ماذا يفعل أي شعور يجب أن يركن اليه؟؟
لكن في النهاية كان عليه التحرك يغادر مستأذنا بصوت خافت ضائع لم يهتم أن كانوا سمعوه أم لا.. رفع الهاتف ما أن خرج يتصل بالذي رد سريعا:" ماذا هناك سلطان هل يريدني أبي؟"
قال دون أن يرد على سؤاله ونظره على المضيف:" أين أنت؟ ما زلت في بيت قمر؟"
اجابه عدنان بنعم، ليكمل وهو ينظر للأرض تحته والتي يشعر أنها تهتز تحت اقدامه:" أحضر ملاك لمضيف الشيخ حالًا.."
توجس الاخر فقال متسائلًا:" ماذا حدث؟؟ ثم منذ متى تدخل النساء للمضيف؟؟"
قال بنبرة قوية:" سنعقد قراننا الان فاحضرها دون كثرة كلام فالوضع سيء جدا ولا يحتمل اسئلة لا طائل منها.."
واغلق الهاتف ما ان أنهي الاتصال تاركا عدنان ينظر لهاتفه بتوجس ثم قفز من سريره وغادر غرفته سريعا متجها لغرفة شقيقته وفتح الباب دون طرق على فصرخت ملاك بحدة:" عدنان كم مرة أخبرتك أن تطرق الباب قبل دخولك لغرفتنا لم نعد صغيرتان لتدخل علينا هكذا.."
عدلت ملك من وضعيتها فقد كانت مستلقية على السرير وقد ارتفع ثوبها البتي لفوق ركبتها فتحركت بسرعة تعدل ثوبها بخجل تجاهله الذي نظر لها ثم لملاك قائلا:" أين قمر؟"
إجابته ملك:" ماما ذهبت لأمي الحاجة لتأخذها للطبيب فاليوم موعدها.."
لم يهتم للتبرير وقال موجها الحديث لملاك التي عادت تكمل تظفير شعرها بجديلة طويلة:" قومي وأرتدي عباءتك علينا الخروج.."
نظرت ملاك نحوه بصدمة ثم نحو ملك التي شاركتها الصدمة ثم عادت بنظرها لعدنان تسأله بريبة:" من أين هبط عليك هذا الاهتمام؟ ثم منذ متى تخرج معنا؟ وهل تذكرت الآن فقط أن لك شقيقات لا يخرجن إلا للفواتح؟"
" لن نخرج بل سنذهب للمضيف أبي يريدك.."
نطقها بتذمر رافض لما يحدث ولا يفهمه أي عقد قرآن هذا الذي خرج فجأة، سألته ملك بخوف وهي تنزل من سريرها وتتحرك صوب شقيقتها الجامدة تطالع شقيقهما بريبة وخوف:" أبي يريدها لماذا ماذا حدث...؟"
أجاب بملل من كثرة الكلام الذي لا طائل منه:" اوووف ما هذا التحقيق؟"
ثم وجه حديثه لملاك قائلا:" هيا استعدي لنغادر.."
لم تتحرك أي منهما فعاد يقول باستهانة وهو ينظر لها بشماتة لم ينجح في اخفائها فلطالما حمل حقدا عليهما حقد لم يعرف سببه يوما هو فقط رفض لهما ولكل ما تنالانه بسبب قمر:" ستذهب لتعقد قرانها وفي المضيف.. بنت قمر حقا لطالما كنتِ محظوظة كأمك.."
اتسعت الاعين بصدمة لثواني قبل أن تصيح ملاك برفض وهي تنتفض بجنون:" ما هذا الجنون؟؟ هل هي لعبة؟ تقررون عني وتحددون الموعد ثم تأتون لتخبروني وكأنني دمية تلعبون بها وتقررون عنها!"
بينما قالت ملك بعدم رضا لما يحدث بنبرة هادئة مستنكرة:" كيف ستعقد قرانها دون وجود امي؟؟"
صاحت ملاك فيها بغضب ناري وعينيها تطلقان شرارات حارقة وهي تنظر لشقيقتها الواقفة بجانبها:" هل هذا كل ما يهمك؟؟ عدم حضور قمر...!!"
ردت ملك بهدوء تحاول أن تهدأ شقيقتها وتمتص غضبها:" تعرفين أنك مسماة له وأن زواجك منه ما هي إلا مسألة وقت..."
كانت كلماتها كنار حارقة في جسد ملاك زادت في اشتعال غضبها بدلا من تهدئتها فصاحت باستنكار:" وأنا!! أين أنا من هذا كله؟! أليس لي رأي أو قرار!! ألم يسمعوني وأنا أقول (لا) مليون مرة!! أم انهم اصموا اذانهم عن حديثي المتجبرون عديمو الرحمة..."
لم تجد ملك وقت لترد أو تخرسها إذ أنقض عليها عدنان يقول بحدة:" وهل لك رأيك بعد رأينا يا وقحة...؟"
أبعدت كفه بمساعدة ملك التي تصيح به أن يفلت شقيقتها بينما صاحت ملاك بحدة:" لي رأي حقي الذي منحني إياه الله أم أنكم لا تعرفون الله إلا فيما يخصكم...؟؟"
قبل أن يرد عدنان جاء صوت من خارج وكان لأخيهم من أبيهم يقول بغضب موجها الكلام لعدنان:" عدنان أين أنت؟ هيا استعجلا فالجميع ينتظركم.."
خرجت ملاك بعد أن دفعت عدنان عن طريقها تتبعها ملك التي تحاول أن تثنيها عما تريد فعله تحاول أن تجعلها تصمت ولا تزيد في الحديث الذي سينتهي بضربهم لها، لن يبالي أي منهم برأيهن فالرأي الأول والأخير للشيخ، لكن ملاك لم تسمع ولم تبالي بشيء لا تريد ولا يهمها إلا أن تعبر عن رأيها والرفض هو قرارها النهائي لن تمنح سلطان ملكيتها ولو كان أخر رجل على هذه الأرض:" أنا غير موافقة أذهب وأخبر أباك بهذا.."
اشتعلت عينا أخيها بنار حارقة أرعبتها والتي تقف خلفها خاصة مع تقدمه كالثور الهائج نحوها يشدها من شعرها بقوة نحوه:" أعيدي ما قلته لم اسمع.."
التهديد في صوته هزها وانتفضت له نواجدها لكنها قالت بعناد تلبسها:" لست موافق..."
لم تنطق الحرف الاخير إلا وكانت ضربته تسدد لفمها بقوة فسقطت للخلف على ملك التي صرخت برعب وبكاء تسند شقيقتها بعجز فساقيها لم تعودا تحملانها وقد شلها خوفها منهم فهم لا يتفاهمون والضرب هو وسيلتهم لجعلهن يرضخن لهم.. الضرب لأي شيء ولأي سبب لا يهم.. نزف أنف ملاك من شدة الضربة وشعرت أن وجهها قد شل تماما، حاولت الكلام لكن لم تقدر وكفها على أنفها تحاول أن توقف النزيف لكن الأخر لم يعتقها بل تحرك نحوها من جديد يسحبها ويجبرها على الوقوف ليسدد لها الضربات وهي تصرخ برفضها بصوت باكي وملك تتوسله هي الاخرى ببكاء أن يترك شقيقتها ولكن دون فائدة، تحاول فكها من بين يديه لكنه لم يتركها ولم يبالي إلا بأن تنطق كلمة الموافقة التي أبت نطقها.. وعندما يئست ملك من أن يستجيب لها تحركت نحو عدنان المراقب متأملة فيه أن يحمي شقيقته لكنه ناظرها ببرود وقال بلا مبالاة:" تستحق حتى تتعلم الادب .."
اتسعت عينيا ملك ونظرت لمن سحب ملاك من شعرها يشدها نحو باب البيت فلم تستطع ترك شقيقتها بمفردها بينهم ليستفردوا بها والله اعلم ماذا ستنال منهم غير الضرب، فأخذت أول شيء وجدته امامها وارتدته كيفما أتفق تركض خلفهم تشاهد أخيها يسحب شقيقتها كالشاة من شعرها دون رحمة، ربما ينال الحيوان منهم بعض العطف لكن هن لا.. فلا تعاطف ينلنه وليس لهن عندهم أي حق فهن غير مهمات لهم.. رأيته وهو يترك شعر ملاك ويمسك بذراعها تاركا بصماته عليه وقد ازرق موضع كفه ككدمة ضلت ترافقها طويلا ركضت ملك خلفهم تصرخ فيه متوسلة إياه أن يترك ملاك ويرحمها مما يفعله به، وملاك تحاول أن تحرر نفسها لكنه كان كالموت الذي لا فرار منه.. يصرخ في ملك يأمرها بالعودة لكنها لم تستجب بل ضلت تتبعه تتوسله، حتى توقف من تلقاء نفسه وهو يجد سلطان أمامه ينظر لهم بصدمة مما يراه فالعروس لم يترك فيها عظمة واحدة سليمة كانت تنزف والمقاومة لا تزيد جراحها إلا نزفا.. تحركت ملك نحوه ترجوه ببكاء والدموع تغرق وجهها تنطق بكلمات متبعثرة لا تعرف ماذا تقول والرعب قد تمكن منها:" سلطان.. سيقتلها... أرجوك سلطان أنقذها.."
كانت خطوة تلك التي خطاها نحوهم عندما صاحت ملاك من شدة ألمها وحرقة قلبها على ما تعانيه بسببهم:" أقتل نفسي ولا أتزوجك يا سلطان.."
تسمر تلك الخطوة التي خطاها وهو يرى في عينها كرها يتجسد في عينيها الجميلتين كره غرق به ولم ينجو منه حتى بعد مضي السنوات. عضت ملاك كف أخيها الممسك بذراعها فصرخ من شدة الالم يبعد رأسها عن كفه مفلتا إياها واستغلت الفرصة راكضة صوب المضيف تدخل بهيئتها الرثة والجروح تملا وجهها وانفها المكدوم والدم يغطي فمها وذقنها.. ووجهت حديثها للشيخ الذي جلبوه ليعقد قرانها وليس لأبيها وقد أدركت أنه لن ينصفها فقد عرفت منذ سنوات أن حياتها غير مهمة لهم قرارتها غير مسموعة وأن قتلها هو الشرف الوحيد الذي يتطلعون له:" أخبرك يا شيخ أني غير موافقة ولو سمعت موافقتي فأعلم أني نطقتها بالإجبار وتحت التهديد وأعلم أنك لو عقدت قراني فانت تشارك في جريمة لن يعاقبكم عليها القانون بل رب العباد وأنتم تشاركون في زنا تحت مسمى الزواج فهذا الزواج باطل ولو عَقد قراني بدل الشيخ عشرة فأنا غير موافقة ولست مقتنعة فواجهوا ربكم الذي لا تعرفونه.."
كانت وقحة تعلم ففي عرفهم هي أنثى لم تتربى ولم تجد من يلجمها ويحد من ثورتها لذا هي الفاسقة التي تستحق الموت ففي قوانينهم هي الهجينة التي يجب وأدها.. فليفعلوا هذا فليدفنوها حية.. ليريحوها من هذه الحياة وليرفعوا اسمهم عاليا، لكنها لن ترضى بهذا الزواج ولو دفنت حية.. لن ترضى بسلطان زوجا لها أبدًا ومهما فعلوا ومهما حدث.. الصمت يحل في المضيف لا تقطعه إلا أنفاس غاضبة ونسمات العصر تهب حولهم، وخلفها يقف عاشق نحر على يدها وأخت لم تجد ما تسند نفسها به فسقطت على الأرض التي كانت ارحم لها من الذين يحملون دمها توسدت ترابها فتلقاها بمحبة ومنحها أمان لم تعرفه يومًا.. قطع المأذون الصمت قائلا:" أعذرني يا شيخ لكني لن أشارك في هذا الإثم.."
لم ينظر له والدها بل ضّل نظره معلقا بها فرأى في عينيها نظرة يعرفها جيدا نظرة تشبه نظرات من انجبتها نظرة تمرد وقوة نظرة انسانة لا تخاف الموت نظرة من لا يملك غاليا فوق التراب... ليقول الشيخ ما زلزل الارض تحت اقدام ثلاث افراد كانت هي اولهم:" لن تخرج يا شيخ حتى تعقد قران ابن أخي على ابنتي.."
قال الشيخ باستنكار:" لا يجوز يا شيخ.."
قاطعه قائلا بعد أن اشاح بنظره منها إليه:" سنزوج ابنتي الصغرى لابن أخي سلطان وأريدك أن تعقد القران حالا.."
واضاف:" أما الكبرى فلن تتزوج ابدا ومحرم عليها الزواج ومن سيخطبها سيرد ولو كان ابن الملوك..."
اتسعت العيون بصدمة من هذا القرار غير المتوقع بينما التفت ملاك نحو ملك الجامدة بشحوب تتوسد الارض ثم الى سلطان الذي يقف بجمود في عينيه نظرة لم تراها يوما نظرة عاتبة غاضبة وكرامة نحرت على يديها..
*
وبعد ساعة كانت قمر تقف بينهم بصدمة لا تعرف ماذا تقول أو تفعل تحضن الصغرى المنهارة تبكي وقد وافقت مجبرة وقد اجبرها ألف سبب وسبب؛ تحكي لها ما حدث من بين شهقاتها والكبرى تعالجها الممرضة التي جلبتها لها قبل قليل ثم يحيد نظرها لابنها الذي يقف بلا مبالاة قتلتها، لم تهتز منه شعرة رغم كل ما حدث غاضب نعم لكن غضبه مختلف تماما عن السبب الذي تمنته هي بداخلها غضبه نابع من تنازل الشيخ عن دم شقيقته التي يراها عاهرة تستحق الدفن بينما هي تقف حائرة منهارة كحال يمامتها غاضبة مثل ابنها واجمة كحال التي لم تنطق بحرف منذ دخلت.. مشتتة هي بين ابنائها روحها المقسمة الى أربع اقسام زرعت فيهم... جزء منها دفنته مع بكرها؛ وبقي ثلاثة أجزاء كل جزء يعيش مأساته بأهوائه وضياعه الخاص به وها قد بدأت ساعة أيامها بالتحرك؛ تدق معلنة عن بداية الضياع وبدأت حبات الرمل بالتساقط بسقوط الصغرى في فخ العادات وسقوط الكبرى في فخ النبذ أما الابن الذي كان يجب أن تشد به أزرها غارق من رأسه حتى أخمص قدميه في القذارة، أبناءها يتسربون من بين يديها كحبات الرمل وقد انهارت أحلامها بفعل الواقع وسواده...

*****

كانت قمر تقف في غرفتها بثياب النوم واضعة روب الحرير الطويل فوق ما ترتديه تعطي ظهرها للباب عندما دخل عليها الشيخ يناظرها بنظرات تعرفها وأن لم تراها لكنها لا تبالي بها ومنذ متى للجارية حق في التقرير مصيرها.. لم تلفت اليه ولم تسأله، لم تطلب منه تفسيرا لكل ما حدث، كانت متيقنة من اسبابه تعرفها وأن لم ينطق بها وعندما نطقت قالت ما جعله يتجمد في مكانه بصدمة وقد تيقن أنها ستنفذ وعدها مهما طال الزمن:" أقسم بربي وربك الذي لم تخافه يومًا يا شيخ.. اليوم الذي تعود فيه أحد أبنتيّ مكسورة سيكون هو اليوم الذي سأتخلص فيه منك وللأبد وقل قمر قالتها.."
التفت اليه تكمل حديثها وعينيها لا تتزحزحان عن خاصتيه:" في ذلك اليوم الذي انتظره أكثر من موتك هو اليوم الذي ستحرم فيه عليّ الى يوم يبعثون.."
ثم اردفت وهي تخبره بتجبر علمها إياه الزمن:" وليلتي هذه أتنازل عنها فأذهب لزوجتيك الآخرتين وقل لهما قمر تنازلت عني اليوم لكما.."
سارت نحو الحمام تغلق بابه خلفها بحدة منهية الحديث وقد طردته حرفيا.. وفي الداخل وقفت تستند بظهرها على الباب منتظرة مغادرته وقد اتخذت قرارها النهائي هي ستمنحهم آخر فرصهم وبعدها لن تنتظر شيئا ستأخذ بناتها وتترك لهم البيت ليهدم فوق رؤوسهم.
******




التعديل الأخير تم بواسطة هاجر جوده ; 08-02-25 الساعة 11:02 PM
هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
قديم 08-02-25, 10:05 PM   #37

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,965
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي


الوقت الحاضر

توقف أمام منزله مضيقا عينيه وهو يرى شابا في مثل عمره أو يكبره بقليل، يستند على سيارته ويقف أمام منزلهم.. ثواني كل ما احتاجه الشيطان ليبدأ وسوسته له ويصور له امورا سيئة يخبره بكلمات تدوي في أذنيه كدوي طبول الحرب، يرى بعين خياله أحداهما تقف أمام هذا الشاب تمنحه ما يريد بفجور.. سار نحوه بخطوات سريعة حادة يلجم نفسه بالقوة يريد أن يثبت ما يدور في فكره قبل أن ينفذ ما يحرضه شيطانه عليه.. ألقى عليه سلاما باردا مما جعل الاخر يلتفت نحوه يرد السلام ولم يهتم كثيرا بملامحه المتجهمة الخطرة فهو معتاد على تقلبات الناس.. سأله عدنان عن سبب تواجده هنا بنبرة شرسة جعلته يتوجس منه، لكنه رد موضحا بنبرة هادئة يتحاشى اغضابه أكثر مما هو عليه:" أنا مندوب توصيل وجئت لتسليم طلبكم.."
نظر عدنان للكيس القابع في يد المندوب وقال بشك وعدم تصديق:" لم يردنا أي أتصال.."
أجابه الشاب مستغربا حدته غير المفسرة:" ردت السيدة قبل قليل وقالت إنها خارجة لتستلمه.؟"
رمقه عدنان بنظرة شك واضحة لم تخفى عن الاخر وعقله يؤكد له سوء افعال بنات قمر اللتان تدعيان الشرف وهن لا يملك منه ذرة بل يكاد يجزم أنه عشيق أحداهما وبما أن الصغرى متزوجة فلم تبقى إلا تلك المصيبة، (اكيد رفضت سلطان لهذا السبب) همس في سره ونظراته تشتعل بغضب والشياطين تتقافز أمام ناظريه.. ليقول بعدها بحدة:" أعطني هذا وقل لي المبلغ"
باستغراب نظر له الشاب لكنه أخبره بالمبلغ مستسلما وراغبا بأن ينفذ بجلده من هذا المجنون، منحه عدنان المبلغ باقتضاب، فارتفع حاجبي الشاب باستهجان من أفعاله وأخذ المبلغ وغادر المكان.. أما الآخر فكان بداخله يعربد الشيطان يصور له الكثير من الامور التي يعرفها.. فتح الكيس لتتسع عينيه بما راه وشكه يتحول ليقين صوره شيطانه..
*
" دائما تضعينني في هذه المواقف، لديك طلبية أعطيهم رقم واحد من أخوتك، لما تمنحينهم رقمي!! والله لو عرف الشيخ لقطعنا نحن الثلاثة.."
قالت قمر بحدة لملاك التي اجابتها بحماس:" قمر تعرفين أسبابي جيدا، وتعرفين إذا أخبرتهم سيحققون معي كمجرمة ولن يضل أحد لن يعرف أننا نطلب طلبات وكأنها عار ثم أنتِ أمي ان لم أطلب منك أطلب ممن...؟؟"
رمقتها قمر بعيون ضيقة قائلة:" الآن اصبحت أمك!!"
ضحكت ملاك وقفزت تقبلها وتدلل عليها فهزت قمر رأسها بيأس مستسلم قائلة وهي ترتدي عباءتها:" والدك لا يوافق على أن أخرج وانت تضعيني في مواقف تافهة مثلك.."
تجاهلت انها نعتتها بالتفاهة وقبلتها بقوة وبدلال قائلة:" هيا يا قمورة المندوب يقف بالباب وهذا المبلغ بيدي.."
قالت قمر بتنهيدة يائسة:" لا أحد سيورطنا في المصائب سواك هاتي المبلغ لأخرج للرجل.."
كانت خطوتين تلك التي خطتها قمر قبل أن يفتح الباب بحدة وكأن اعصارًا أقتحم منزلهم وعدنان يتجه نحو ملاك ودون كلام أو تنبيه يجرها من شعرها صارخًا فيها بغضب وكأنه يجر حيوان لا يملك نحوه أي شفقة:" ايتها **** هل تستدعين عشيقك لباب البيت يا ***"
كان يصرخ ويشتم في صوت واحد دون أن يأخذ نفسًا، يزمج كحيوان مفترس جائع يعربد بجنونه وصراخه يهز أركان البيت، حاولت ملاك أن تبعد نفسها عنه بقوة وقمر وملك تقفان مصدومات لا يفهمن ماذا يحدث وجننه هكذا حتى انتبهت قمر لمعنى كلامه فتحركت نحوهما بعد ان جمعت شتات نفسها، تصيح فيه وهي تحاول ان تفك شعر أبنتها من قبضته دون فائدة:" أترك اختك يا مجنون اتركها.."
دفع والدته صائحا فيها:" ابتعدي يا قمر لأربيها فقد فشلتم أنتم في تربيتها وتركتموها تسرح وتمرح مع عشيقها.."
صاحت ملاك مدافعة عن نفسها بعيون باكية:" أي جنون هذا؟ أي عشيق هذا الذي تتحدث عنه يا مجن.."
وقبل أن تكمل عبارتها اعطها ضربة على وجهها دفعتها ارضا على صرخة ملك، وملاك تسقط عند قدميها فانحت تحضن شقيقتها وعدنان يصيح ساخرا:" من جرأتك ووقاحتك جعلته يجلب قميص نومك يا ****.."
اتسعت الاعين بصدمة مما يسمعهن الكلام الفاحش الذي خرق طبلة الاذن والتهمة الشنيعة التي يلصقها بمن تحمل دمه ليردف عدنان صارخا غير مبالي بحالة الصمت التي عمت المكان بعد قنبلته التي القاها بفجور يشبهه، هجم مجددا على ملاك لتتحرك قمر من صدمتها وتحول بينه وبين شقيقته:" هل وصل بك الفجور لهذا الحد أن تجلبيه للبيت يا بنت***.."
والشتيمة هذه المرة كانت من نصيب قمر ايضا لتصيح فيه وهي تدفعه بعيدا عن شقيقتيه دون فائدة:" توقف واسمع اولا.. "
لم يبالي بصراخها بل دفعها فضرب ظهرها بالحائط ليهجم على شقيقته التي حضنتها ملك تحميها وهي تصرخ مدافعة عنها:" عدنان بالله عليك ماذا تقول ملاك لن تفعل ذلك ابدا.."
ركضت قمر نحوهم بعد ان افقدتها دفعته توازنها قائلة تحمي ابنتها من الثور الهائج:" توقف والا.."
وقبل أن تكمل جملتها كان يدفعها من جديد فضرب جسدها بالأريكة هذه المرة، صرخت قمر بألم من شدة الضربة وثلاث دفعات قوية من رجل يفوقها قوة زلزلت ثباتها واسقطتها ارضا.. ركضت اليها ملك وقد تركت شقيقتها ليفترسها من يكنى بأخ وأبن أمهما:" ماما أنت بخير...؟"
لم تملك القدرة على الرد وهي تشعر أن كل ما حولها يدور بها أما ملك ضلت تنقل أنظارها بين شقيقتها المكومة أرضًا صامتة بعجز والتهمة توجع كرامتها، وبين أمها التي تمسك رأسها وظهرها بضعف تنظر لهما بحيرة لا تعرف أين تذهب ومن تساعد، وخوفها من عدنان الذي يهم بالانقضاض على ملاك يمنعها من الإيتاء باي ردة فعل... لتتنفس الصعداء سريعا وهي تجد من يبعده عن شقيقتها ينقذها من بين يده، من يكافئه بل يفوقه قوة جاء منقذهما الدائم يحميهما من الضباع يلقبون عبثا بالعائلة.. سقطت دمعاتها المتحجرة في عينيها لتستلم لضعفها فمالت نحو والدتها تحضنها تتوسلها بخفوت ضائع كضياعهن إلا تفقد وعيها وهي تستمد من حضن والدتها بعض الأمان تهمس لها تسألها بنبرة باكية أن كانت بخير بينما لم تملك قمر القوة لتتحدث فاكتفت بإمساك كف أبنتها تضغط عليه تخبرها أنها بخير تدعمها بصمت وتعب.. لقد تعبت وما عادت تملك قوة لحروبهم الازلية.. رفعت رأسها بضعف عندما صاح سلطان في أبنها بحدة يدفعه بعيدا عن ملاك فبكت بدموع صامتة:" هل جنت يا هذا؟ كيف تضربها بهذا الشكل؟"
دفعه عدنان صائحا بغضبه الأهوج:" أنها سافلة تواعد حبيبها وتجعله يأتي للبيت.. هذه الفاجرة عديمة التربية، تخرج له في منتصف الليل والباقي تعرفه فلن يجتمعا ليتسامرا ويتحدثان في التاريخ والادب.."
حل الصمت مليئ بشحنات متطايرة من الغضب والصدمة الأب يقف عند الباب يضرب بكفه على كفه الأخر يستند على عصاه وقد مال جسده بضعف نحو دكة الباب لكن ما قاله جعل الشياطين تستعمر في روحه، شهقت قمر ترغب بالدفاع عن أبنتها لكن لسانها شل تماما والظلم يتجسد بحقيقته المرعبة أمام عينيها الزاغتين.. قطع سلطان الصمت عندما قال بتأكيد وقوة بل وثقة وهو يشدد على كل حرف ينطقه ثقة نبعت من معرفته الحقيقية بأبنتي عمه فلن يشك بهما ولو رأى بعينيه:" ما تقوله جنون، ملاك لن تفعلها ولو انقلبت الدنيا، كلا شقيقتيك تربيتا أمام عيني ولم أرى منهما فعلا واحدا يجعلني أشك بهما أما قولك هذا فهو بهتان وقذف فأتقي الله بأختك.."
ذلك الدفاع الواثق منحها القوة وقد عاد لها الشعور بالأمان الذي كان يمنحه لها سابقا أمان أخ لم تعرف سواه.. فصاحت وهي تجبر نفسها على الوقوف والدفاع عن نفسها وشرفها الذي لوثه من يجب أن يحميه وما تشعر به الآن من ألم لا يعادل شعورها بالوجع والخذلان بسبب هذه التهمة الشنيعة التي أشعلت غضبها من هذا الافتراء الذي رميت به دون وجه حق:" لأنه حقير يرميني بحقارته.."
" كفى.."
صاح الشيخ منهيا الحديث ومتدخلا بعد أن تماسك بصعوبة لتصيح ملاك بدورها بقهر وقد ارتعشت نظراتها من شدة الظلم الذي يقع عليها وقد تأملت منذ رأته يقف هناك أن يصرخ بابنه ويدافع عنها لكن الصرخة جاءت متأخرة.. متأخرة جدا:" الان تطالبنا بالصمت! الآن!! وعندما كان هذا المجنون يريد قتلي لم تتدخل بل كنت تقف كملك الموت ينتظر أن يقضي الوحش عليّ فتقبض روحي براحة فأنا لا أسوي مقام كلب أجرب عندكم.. "
اشتعلت عينا والدها بالغضب منها ومن سلاطة لسانها وقدرتها على تحوير الحقائق فصاح فيها وهو يتحرك نحوها بحركة بطيئة ونطق بنبرة متشددة:" من هذا الشاب الذي يتحدث عنه شقيقك؟"
هزت رأسها بعدم تصديق وقد طفرت الدموع من عينيها لتصرخ بحدة ونبرة مبحوحة وهي تجبر نفسها على الوقوف فجسدها كله يؤلمها:" هل هذا كل ما يهمك؟؟"
تمايلت بضعف تسقط جانبا ليتلقفها سلطان بين ذراعيه وما ان انتبهت لوضعها بين ذراعيه تسمع لدقات قلبه العالية فلا تعرف هل تأثرا بها وبقربها منه كما كان يخبرها سابقا، ام بسبب ما يحدث.. ابعدته بدفعة ضعيفة قائلة بهمس وصله وحده لتهرب من ارتباك شعرت به للحظة فحاربته بطريقتها التي تعرفها:" لا تلعب دور البطل الاسطوري الآن دفاعك عني لا يغير من الحقائق وحضرتك لست إلا جاني آخر فلن أنسى لك أنى ضربت بسببك قبل عامين.."
ترميه بسهامها المسمومة المتطايرة دون أن تبالي أين تصيبه في قلبه أو جسده أو روحه، غير مهم فالمهم أن تصيبه أن تقتله وأن تتركه ينزف بعد كل مواجهة تجمعهما؛ لم يرد اكتفى بأن رمقها بنظراته العاتبة التي لم تنزل من عينيه منذ عامين:" أنه مندوب"
قالت قمر بضعف وملك تساعدها لتجلس على الاريكة:" مندوب؟"
سأل الشيخ بعدم فهم فقال سلطان شارحًا:" رجل توصيل يقوم بتوصيل الاشياء التي نطلبها من الانترنيت.."
فهم المعنى فنظر لأبنته يصيح فيها:" ومنذ متى نطلب من الخارج...؟"
أبعدت سلطان عنها بضعف وعينيها ترمق والدها بنظرات كره لم تستطع اخفاءها ولم ترد فتولت قمر الحديث مجددا قائلة بضعف:" استأذنتني قبل أن تطلب وكنتُ سأخرج له.."
لتكمل وهي تنظر لأبنها بغضب:" قبل أن يدخل هذا المجنون كالثور دون كلام.."
" قمر.."
صاح عدنان باستهجان لعنته بالثور متناسيا كل ما قاله وشتمه لها بعباراته القذرة، فصاحت به رغم تعبها:" أن لم يكن لي احترام لديك كوني والدتك احترم والدك على الاقل فعلى ما يبدو أن حقي فيك سقط فقط لأني لم ارضعك واربيك أم أن من فعلت ذلك نيابة عني نسيت أن تعلمك الاحترام.."
صمت عدنان مجبرا وهي تجابهه بنظراتها الغاضبة مدافعة عن ابنتها فقط كالعادة؛ نظر الشيخ لها يقول بحدة مستنكر:" وهل نسيت أنتِ احترام زوجك فتخرجين للرجل دون أذن مني، أليس هناك رجل يملأ عينك يا قمر...؟"
ببرود اجابته وقوة لا أحد ينافسها بها مستعدة لان تقف أمام أي إعصار هائج لأجل بناتها ولن تخافه، فهل ستخاف من هذا الواقف يرمقها بغيرة وغضب؛ ردت عليه بلا مبالاة وهي أكثر من تكره تجبرهم وتحويرهم للحقائق فالضرب في عرفهم شيء عادي وحقوقهم واجبة التنفيذ لكن حقها وحق بناتها مهدور:" ومنذ متى كان لنا رجال يديرون شؤوننا...؟"
كابنتها ناكرة للجميل ولا ترى إلا ما تريد أن تراه... فكر الشيخ وهو يطالعها بنظراته التي تزداد غضبا بعد كل كلمة تنطقها، وقد تحولت عينيه لجمرتين من نار تجاهلتهم قمر التي أشارت لملك لتساعد شقيقتها في الجلوس بقربها، بينما تحدث سلطان بعتاب رقيق:" لو اتصلتِ بي يا قمر.."
ابتسمت بوجهه ابتسامة حقيقة ومحبة صادقة تكنها له، فهذا البيت لا يعرف معنى الرجولة فقط هو من جاء استثناءً لهذه القاعدة.. قالت بهمس وهي تحضن ملاك تخفيها في صدرها ولو قدرت لأخفتهما في روحها وقلبها:" أنت لا تقصر.. لكني أعلم أنك بهذا الوقت تكون مع عمك فلم أرد أن أشغلك.."
ثم مالت على ملاك التي جلست بجوارها تسألها بصوت خافت تطمئن عليها:" أنت بخير حبيبتي؟"
نظرت لها ملاك بعيون تحمل بداخلها ألف شعور وكل شعور يزاحم البقية حتى في مشاعرها صاخبة مجنونة ولا تهدأ ترد على الشعور بألف مثله.. فكرت قمر وهي تطالعها بعيون لمعت بالدموع والخوف عليها، بينما هزت الاخرى رأسها بنعم ضعيفة، وقد كانت في أضعف حالاتها الضرب أعتاده جسدها لكن نفسها الأبية لم تعتاد الاهانة ولن تفعل.. اخفت وجهها في صدر قمر تتلمس منها الدفء تتهرب مما يدور في داخلها من مشاعر تعربد وتهز ثوابتها.. قبلت قمر رأسها ثم نظرت لملك قائلة:" خذي أختك لغرفتها وأعتني بها حبيبتي ولا تخرجا حتى أناديكما.."
ردت ملك بقلق وهي تنقل نظرها بينهما:" لكن ماما.."
ربتت على خدها قائلة:" أنا بخير يا عيون أمك خذي أختك هيا تحركي.."
اومأت تمد كفها نحو ملاك التي همست هي الاخرى بكلمة "ماما " وشعورها بها حقيقي هذه المرة.. ثم تحركت مبتعدة عن حضن قمر وامسكت بكف شقيقتها.. سارتا تمران بالقرب من سلطان الذي كان يقف قريبا من ملاك نظراته لا تنزل عنها خوفه عليها واضح في عينيه في رجفة شفتيه وحركة يديه.. ابتسمت ملك ابتسامة صغيرة لم يلمحها أحد ولا تعرف هل يجب أن تغار على زوجها الذي لا يراها؟؟ ام تشعر بالغضب لنفس السبب؟؟ لكن مشاعرها فاترة فيما يخصه، حتى ابتسامتها الان لم تكن حزينة بل كانت مشفقة متألمة عليه وكم تمنت ان ترى ملاك ما ترفض ان تراه وتسأل نفسها لماذا لا ترى شقيقتها حبه وولهه بها الظاهران للأعمى..
القت السلام بخفوت فرده بخجل وهو يشيح بنظره عن ملاك بحركة لم تهتم بها، فعلى ما يبدو سيبقى سلطان في نظرها الاخ الذي تمنته ولم تناله، ولأجله فقط تنازلت ووافقت عليه ارتضيت به زوجا حتى لا يُكسر برفضها، لم تنسى ذلك اليوم الذي نظرت فيه إليه وهي تتوسد الارض باستسلام يومها أرادت أن تصرخ بالرفض أن تعبر ولو لمرة عن رأيها وليضربوها بل ليقتلوها لن تبالي.. لكن نظرة واحدة منها له ومنعها قلبها.. رفض عقلها وقلبها على حد سواء فعلها أن تهينه برفض اخر، "انه سلطان" همس قلبها معترضا وصرخ عقلها رافضا.. هل تهينه هل تجرأ على فعلها؟ فرفض ملاك له سيصنف على أنه ثورة، لكن رفضها له بنفس الوقت لن يصنف إلا على أنه عيب فيه، فوجدت نفسها تميل للموافقة ترضى بهذا المنصب رغم حزنها رغم المها رضيت أن تُكسر ولا يُكسر هو بيدها هي هذه المرة، ومرت السنوات وضل سلطان بمرتبة الاخ الذي لم ولن ترزق بمثله.. مرتبة سيبقى بها ابد الزمان ولو انجبت منه عشر اطفال.. فعلاقتهما محكوم عليها بالفشل من قبل أن تبدأ ورغم ذلك يتعمى الجميع عن هذه الحقيقة الواضحة...
*
نظرت قمر باتجاه عدنان وصرخت فيه بغضب شديد وحرقة قلب على ابن تمنته أن يكون لها عونا لها فكان أسوء مما تخيلت بل فاق أبيه سوءًا:" حتى متى هذه التصرفات الرعناء...؟"
اجابها صارخا:" عندما تكفين عن الدفاع عنهن وتبرئة ساحتهن وكأنهن ملائكة بينما هن.."
" اخرس.."
لطمته بظهر كفها على فمه صارخة فيه بحدة، فنظر لها مصدوما وصدمة الباقين لم تكن أقل من صدمته فقد كانت المرة الاولى التي تضربه فيها لأول مرة تتصرف كأم معه تمارس عليه حق سلبوه منها طفلة وأن كان هذا الحق عبارة عن لطمة توقفه عند حده وقد تجاوز كل الخطوط وبات كالكلب المسعور وظيفته عض اليد التي تمد اليه.. ثم أردفت بصرخة أخرسته تماما أما هي فقد ثارت ثائرتها، وغضبها كان موجها لنفسها قبله، وأخرى لهذا الجالس يستند بعصاه قبلهما ولكل من ظلمها واجبرها على البقاء في مكان لا يناسبها:" شقيقاتك مثل الذهب ومن سيجلب سيرتهن على لسانه ولو بحرف واحد مسيء سأقطعه له ولو كان هذا الشخص أنت أو أبيك.."
اشتعلت أعين الاب وابنه فبدأ نسخة طبق الاصل وأن أختلف السبب، فقال الشيخ بعتاب وغضب رغم النبرة الخافتة:" باتت بناتك الآن أهم من ابنك وأبيه..!!!"
استنكاره زادها كرها له فأجابته بغضب هي الأخرى قائلة بغصة وصوت بح:" نعم يا شيخ هن الأهم لأنهن مكسورات الجناح مظلومات من الجميع وأولهم أباهن وأخيهن الذي تستنكر عليّ الآن أن أقدمهن عليه رغم أنهن فقط من يشعرنني بأمومة سلبتموها مني تجبرا وظلما.."
كانت ترسل بنظراتها ألف حديث مكتوم كانت تحارب في الجبهة بمفردها لكنها أعتى من ألف جندي أجلد من قائد عاش حياته في الحروب هي امرأة لا تملك في الدنيا إلا بناتها اللواتي يمارس عليهن أعنف وأسوء الاساليب فقط لشكوك حقيرة تدور في عقولهم المظلمة؛ قال سلطان قاطعا هذا الحديث الصامت:" يا قمر خروجك حتى أنت غير مناسب في هذا الوقت.."
تغيرت لهجتها ونظراتها وهي تنتقل بحديثها لسلطان:" أعرف لكن ماذا بيدي أن أفعل وعلى من أعتمد؟ أبني الذي انجبته غير موجود أغلب الوقت وأن تواجد يكون ك...."
صمتت تترك جملتها مفتوحة لكن المعنى وصل واضحا لثلاثتهم والكلمة لم تحتاج للتكملة فهي واضحة جدا مما أشعل نار الغضب في قلب المعني الذي قال بحقد لا يعرف سببه؛ غيرة وكره تربى عليهما بل ورضعهما والضحية المرأة التي أنجبته والتي لا تكبره إلا بخمسة عشر عاما رقما يثير الضحك والسخرية لكنه يزيده مقتًا لهذه المرأة النارية الجالسة ترمقه بتوبيخ وتأنيب لم يبالي بهما وهو يراها أقل من أن تمارس امومتها المزعومة والتي تنازلت عنها بنفسها.. لذا صاح بحقده وغله الذي تراهما بقلبها قبل عينيها:" أنت دائما تقفين معهن رغم كل ما فعلن.."
رمقته بنظرة نارية قائلة:" قل لي فعلة واحدة تحسب عليهن حتى في مصائبهن أنتم من تحدوهن على السوء.."
هم بالدفاع وتذكيرها بما يراه ذنوبا تستحق الجلد بل والقتل عليها، لكنها قاطعته قبل أن يتحدث تصيح فيه زاجرة إياه من التمادي:" إذا ذكرت فعلة ملاك قبل عامين أذكرك أن أخاك ضربها وجرها كالماعز وأنت وقفت كالطود تراقب دون حراك تركته يضربها يكسرها ويلجم حتى حقها وبدلا من أن تصمتوا وتستروا فضيحتكم بحقها تلومونها على دفاعها عن حقها.."
وصاحت بكل ما يعتمر في قلبها من قهر:" ماذا تريدون منهن أن يفعلن وأنتم تعاملونهن أسوء من معاملتكم للحيوانات التي تملك مكانة أعلى منهن في هذا البيت.."
" قمر..."
زجرها الشيخ بصيحة فناظرته بنظرة قوية غير مبالية بصرخته وقالت وهي تستقيم واقفة:" قلتها واعيدها بناتي خط أحمر فلا تحدوني على ما لن تتحملوه مني.. "
خطت خطوتين ليتناهى لمسامعها صوت تمزق قماش وشهقة مع صرخة صدرت من ملاك التي خرجت على صوت تمزيق الفستان:" فستاني.."
التفت ببطء تنظر للقماش الممزق وقد رمي أرضًا بحركة كانت واضحة لها.. رفعت نظراتها نحو الشيخ فرأى فيهما جمودًا وتهديدًا مبطنا كانت تخبره بنظراتها أنها وصلت لنقطة اللا رجوع وأن لحظاته معها باتت معدودة وعندما تكلمت كانت تؤكد ذلك وكان صوتها باردا ونظراتها أكثر برودة.. برودة وصلت له ليرتجف جسده دون شعور منه" أتعرف بما اشبه علاقتنا...؟؟"
نطقت سؤالها بنبرة مرعبة لمن يعرفها منذ سنوات هي أنثى تربت على يده رآها بكل حالتها عرفها كما يعرف كف يده، هي ابنته وزوجته هي انثى تملك ما تفردت به وهو وحده يعرفها.. طال صمتها لتردف بعدها دون انتظار كلمة من الثلاثة المترقب لما ستقوله وقد تحولت نبرتها لتصبح صقيعيه مرعبة:" اشبهها بجسر طويل قديم تقف أنت وحاشيتك على حدود طرفه بينما أقف مع بناتي على الطرف الاخر.."
اشتعلت عينيها بنار أحرقت الجبل الجليدي الذي يقف عليه، وهي تتمتم مردفه بنبرة نارية مشتعلة وكأنها عادت لتلك التي اللحظة التي قطعت فيها لحمه ذات يوم دفاعًا عن حقوقها:" هذا الجسر تصدع بفعل الزلازل الكثيرة التي مرت عليه على مدى عصور ولا يحتاج إلا هزة اخرى صغيرة لتنهي هذا التصدع الذي أعتاد الجميع على رؤيته ويتجاهلونه باقتدار ظانين أنه سيستمر هكذا متصدعا ولكن قوي ويتحمل كثرة دعسهم عليهم لا يعلمون أنه وبكل مرة يخطون عليه تتفتت حجارته وتهزمه كثرة العواصف التي تمر عليه وأن وقوفه صامدا للآن ما هي إلا فرصة ليرى أعمى البصر والبصيرة تصدعاته.. "
استدارت تعطيه ظهرها قائلة:" وعندما ينهار ويتحطم الطريق الوحيد الواصل بيننا وتنقطع أي علاقة كانت تربطنا يومًا ما أعرف أن لا عودة بيننا كن يقينا حينها أن اليمامات اللواتي تأسرهن في قفصك الذهبي سيحلقن عاليا وبعيدا عنك وعن حاشيتك.."
ونظرت له من خلف كتفها مردفه:" حتى يأتي اليوم الذي تطلبنا به تتوسل منا الصفح.."
وبشبه ابتسامة همست:" وليبقى السؤال حتى حينها معلقا بيننا... هل سنصفح أم لا؟ هل تملك في قلوبنا ما يشفع لك ويمنحنا القوة للصفح أم لا؟"
وسحبت ملاك الباكية تشدها نحو غرفتها والاخرى تصرخ باكية بقهر بكاء لم تتوقف عنه حتى وخطبة قمر تأسرهم جميعا بعمقها:" قمر فستاني انه غالي الثمن جمعت ثمنه من مصروفي.. قمر اسمعيني.."
علمت المعنية ان ابنتها لا تبكي الفستان بل تبكي فجيعتها المستمرة بعائلتها التي لا يزداد افرادها إلا سوءًا الانسان يأمن بأهله يشد ظهره بهم لكن ماذا عنهن ومن يشبهن بمن يشدن أزرهن!!! هل سيبقن هكذا مكشوفات لكل عابر سبيل.. ولكل كلب لا يعرف حرمة أو صلة دم...؟
اغلقت الباب دافعة ملاك نحو ملك التي استقبلتها بأحضانها تشاركها البكاء والوجع تتقاسم معها قدر كتب عليهما.. تبكي عوضا تمنته ولم تناله ولن تناله ما دمن هنا بينما استندت قمر على الباب تراقبهما بعيون تشاركهما البكاء دون دموع، فالدموع نضبت منذ زمن طويل منذ عرفت أنها لا تشفع ولا تظهرك إلا ضعيفا وفريسة سهلة لمفترس لا يريد إلا ضعفك ويأسك فيقتات عليك كطعام يشبع جوعه، قلت بنبرة خافتة ولكنها حملت قوة جعلتهما تتركان بعضهما وتنظران لها بعيون مازالت تصب دموعها:" بعد زواج عدنان سنغادر هذا البيت وللأبد.."

******

فتحت باب السيارة قافزة منها ما أن قلل باسل سرعة السيارة دون أن تبالي بسلامتها وكل ما كان يشغلها هي هبة وفقط ركضت نحو منزل شقيقها بسرعة متجاهلة الانظار التي توجهت نحوها وحتى نداء ابن أخيها لم تلتف له طرقت الباب بقوة حتى فتحته لها زوجة أخيها المنهارة من البكاء وجهها شاحب جسدها يرتعش بوضوح لم تبالي بها بل رمقتها بنظرة غاضبة رافضة لهذا الضعف الذي يتملكها دائما في حضور زوجها نظرة لم تستطع اخفائها او السيطرة عليها.. دخلت ضاربة كتف الاخرى بقوة تكمل طريقها نحو وجهة بعينها دون أن يؤثر بها دموع الاخرى التي تنساب دون توقف؛ لقد كرهتها منذ زمن كرهت ضعفها خضوعها لزوجها واستسلامها المقيت حتى فيما يخص ابنائها.. صرخت باسم هبة وهي تسير بسرعة نحو غرفة الاخيرة لتقف ما أن لمحت زوج ووالد هبة يقفون في منتصف الصالة تحركت مجددا لكن هذه المرة باتجاه شقيقها تقول بقوة وغضب لم تشي به نبرتها الخافتة:" لا أعرف كيف ستقابل ربك وأنت تجرم في حق أبنتك بهذا الشكل تسلمها لهذا الحقير الذي يضربها ويهينها أمامك وبدلا من أن تكسر له صف أسنانه تنصفه عليها ..."
نظراته نحوها كانت مخيفة فعينيه حملت وعيدا مرعبا كان ليخفيها في وقت آخر لكنها لم تبالي فالجحيم كان يشتعل بداخلها كانت أكثر جنونا من أن تبالي بغضبه وصمته الذي يجب أن تخافه اكملت كلامها ما إن صارت أمامه تجابهه بقوتها قوة منحتها لها الحياة بعد ألف ضربة وألف حرب خاضتها بمفردها قوة تخيف أشباه الرجال:" يومًا ما ستعود لك محطمة مكسورة القلب والخاطر ستقف أمامك وتخبرك (لن أسامحك أبي).."
واضافت وعينيها ترميه بنيرانها او بالقليل مما يستعمر في روحها:" فقط أتمنى أن يمد الله بعمري لأرى هذا اليوم وأنت تواجه ذنبك الأعظم المتمثل بها.."
في خضم حديثها الغاضب لم تنتبه للتي خرجت تنظر لها نظرات صامتة وبداخلها أعجاب كبير يتنامى لم تستطع اخفائه حتى في حالتها هذه.. معجبة بامرأة صلبة شامخة.. فقد بدأت لها في تلك اللحظات بشعرها الطويل ولونه المميز كمحاربة قديمة خرجت من كتاب الأساطير، محاربة عظيمة لم تواجه الاعداء بل واجهت ما هو أصعب، واجهت نفسها قبل أن تواجه غيرها، محاربة خرجت من كل حروبها منتصرة:" عمتي.."
نادتها بصوت متعب ضعيف فالتفت اليها لتشهق بفزع وهي ترى تلك الملامح الجميلة قد ضاعت تماما تحت الكدمات والدماء تحمل ذراعها بإرهاق تستند بجسدها المتعب على الباب خلفها.. رفعت هبة رأسها رغم الألم الذي شعرت به تناديها من جديد فقد بدأ اسم عمتها ترنيمة امان لها لتنتبه جيهان لتلك العلامات على رقبة هبة وقد افصحت عن جريمة أخرى كادت تنجح لولا ستر الله فعلى ما يبدو أن أخيها حاول خنق ابنته التفت نحوه قائلة وقد اشتد غضبها فلمن تلجأ المرأة أن كان من أنجبها لا يشعر بها:" والله لن اصمت لك بعد الآن وانا من سأسجنك وبنفسي.."
شهقة زوجة اخيها لم تردعها واقتراب ابن أخيها الذي خرج من صدمته ومنظر شقيقته يقتله يقول بتوسل واستنكار بينما يمسك بهبة يسندها:" عمة ماذا تقولين هل هل ستسجنين أبي...!!"
ناظرته بحدة جعلته يبتلع لسانه، لكن المعني لم يتحرك بل قال بجمود مهدد:" أكسر لك ساقك قبل أن تخطي أنت وهي خطوة خارج هذا البيت.."
نظرت نحو الزوج الذي منحها ابتسامة مقيتة وهو يتابع بصمت كمتفرج على فيلم سخيف ورغم سخفه يعجبه بل ويضحك عليه، رمقته بنظرة كارهة شاتمة إياه بسرها لكن العتب ليس عليه بل على من أدخله لبيته وزوجه أبنته.. عادت بنظرها لأخيها قائلة بتشدد:" جرب حظك معي وأقسم أن تنام الليلة في السجن.."
كانت تتحداه وكان يدرك أنها قادرة على فعلها، فلم يعد هناك ما يردعها أو يخيفها؛ منذ زمن طويل توقفوا عن عد ايامه فقدوا جيهان الهادئة المطيعة؛ فمن تقف أمامه الآن أخرى صنعتها الأيام وربما هم من صنعوها بطريقة ما؛ أخرى تجابههم بقوة ألف رجل ولا تحني رأسها حتى لخاطر والدتهم؛ أخرى هي مرآتهم التي تظهر لهم أسوء صفاتهم دون مجاملة..
تركته وسارت نحو باب غرفة هبة وعندما وصلت لها مدت جيهان كفها نحوها بينما نقلت هبة نظرها بينهم وكلها يرتجف خوفا تعبا ورغبة بالخلاص بين عمة تتخذها قدوة تحبها تحترمها تأمنها ثم تحيد بنظرها الى أب أنجبها رباها وأن بقسوة وبأفكار عفا عليها الزمن لكنه أباها وسيبقى هكذا للأبد؛ وأن عتبت عليه؛ وأن احزنتها أفعاله سيبقى والدها.. لتنقل نظرها لأمها بضعفها واستسلامها رضوخها حتى تطبعوا بصفاتها وباتوا نسخة مصغرة عنها.. وأخيرا لأخيها الذي يقف عاجزا مثلها مرتعبا وكم بدا لها صورة طبق الاصل لها ولضعفها واستسلامها الذي تكرهه هذه التي لم تعيد كفها بعد..
عادت لتنظر لكف عمتها ثم لأخيها الواقف لا يعرف اي جهة يختار هل ينصف شقيقته ويغضب والده؛ أم يقف مع الاخير وبداخله متقين من ظلم والده وتجبره، رأت في عينيه تجسيدا حيا لمشاعرها وضياعها هي وهو كلاهما يقف عاجزا عن الإيتاء بأي ردة فعل.. نعم استنجدت بعمتها لكن الطرف الأخر هو والدها.. فالظالم هنا جزء منها جزء لا فكاك لها منه.. تساءلت للحظة هل لو كانت سمحت له بقتلها خنقا وتموت على يده هل سيكون ذلك أكثر ألما لها ام له.. لو تركته يقتلها هل ستكون الخاتمة المناسبة لحكايتهم..!!
مازال كف عمتها ممدود ينتظرها.. وما زالت هي واقفة في مكان لم تتزحزح خطوة لا نحوها ولا عادت للخلف.. كانت جيهان تنتظر ردة فعلها رافضة بداخلها أن تطالبها حتى بالتقدم وردة الفعل جاءتها بسقوط جسد هبة أرضا وصرخة باسل ب(اسم) شقيقته وهو ينتفض يسبقها متوسدا الارض حاضنا بقوة جسد جسد التي غابت عن الوعي وهو يضرب خدها يحاول افاقتها وجيهان تراقب الموقف بجمود مرتعب وقد نسيت أنها طبيبة..

******

" دكتورة الفتاة تعرضت لعنف منزلي وأثار الضرب واضحة جدا والتقرير الطبي سيحتوي على كافة التفاصيل لذا أسمحي لي سأبلغ الشرطة وارجو تعاونك.."
قالت الطبيبة الشابة موجهها حديثها لجيهان بامتعاض وغضب لم تقدر على السيطرة عليه رغم أنها ليست أول أو آخر حالة ستراها وستجبر على الصمت بشأنها بينما كانت الأكبر سنا والأكثر خبرة تنظر لها وتدقق فيها شابة تخرجت قبل عامين تعمل في الطوارئ كطبيبة متدربة بالتأكيد رأت الكثير من العجائب التي تحدث في المشفى لكن مازالت تلك الشعلة المسماة دماء الشباب الحارة بداخلها لم تنطفئ، لم تمر بعد بتلك الضربات الكبيرة التي تعلمها متى تستلم ومتى تناور ومتى تحارب.. اجابتها جيهان بتعب قائلة:" شرطة!! حقا يا جمانة!! هل تخدعين نفسك أم تسخرين مني؟! أي شرطة وأي بلاغ هذا الذي تتحدثين عنه!!"
اتسعت عينا المعنية وهدرت بحدة:" هل ستخافين وتخبئين الامر لأنه شقيقك؟"
سألتها بحدة مكتفة ذراعيها برفض لما تقوله فأجبتها بسخرية مريرة لم تستطع أن تخفيها لتشي بها نظراتها نبرتها وحتى لغة جسدها:" أخاف وأخبئ الأمر!!!"
ثم أضافت وهي تدلك جبهتها بإرهاق:" لا يا حبيبتي الأمر ليس كذلك، بل لأني أعرف القانون جيدا وكيف يطبق في بلدنا وأعرف جيدا كيف سيتم التعامل مع هذه الحالة.."
لم تقتنع الاخرى تقول محاولة اثنائها عن ترك حق الفتاة:" يا دكتورة نحن نعيش في المدينة وال..."
قاطعتها قائلة:" أعمل هنا منذ سنوات ولم ارى ما تقولين عنه أما أنت فتأخذك الحمية وفورة الشباب مازالت في داخلك فالواقع يقول عكس هذا لا مدينة ولا قرية هي الحكم بيننا بل العقول فمادامت العقول هي من تتصرف لن يتغير شيء وسنبقى نحارب طواحين الهواء وأصواتنا ستبقى مطموسة ولو صرخنا بمكبر الصوت.."
ثم اضافت بنبرة حزينة والارهاق نال منها ولم تعد قادرة على الوقوف لكنها تتجلد تجبر نفسها على البقاء صامدة قوية:" أتظنين أني أحب أن أترك المسكينة هنا بهذا الشكل دون أن أخذ بحقها ممن ظلمها؟ لا والله فلو الأمر بيدي كنت فعلت ما لا يخطر على بالك لكن لن يتضرر من كل هذا سواها.."
واضافت تقول بنبرة هادئة تعطي نصيحتها لهذه الشابة الصغيرة:" خذيها مني جمانة فالحياة ستعلمك في لحظة واحدة ما تجاهلته لسنوات ستعلمك أن عليك أن تخفي رأسك في مثل هذه الحالات نجاة لك وللضحية أن تتظاهري بأنك لم تري شيئا حتى لا تورطي نفسك وعائلتك بشيء أكبر منكم.."
وما أن انهت ما قالته استدارت تاركة الطبيبة الشابة وتحركت تدخل للغرفة، بينما بقيت الطبيبة تنظر لظهرها بغضب رافضة هذا القرار وبداخلها رغبة في أخبار الشرطة وتحطيم رأس من ضرب الفتاة ولو كان والدها لكن لا الفتاة ولا والدتها ولا أخاها شعرت أنهم ينون إبلاغ الشرطة لذا رأت أن التحدث مع الدكتورة جيهان هو الاسلم لكنها صدمتها بقرارها الذي تراه محاباة لأخيها على حساب أبنة أخيها.. فكرت أن تثور وتذهب وتبلغ الشرطة باعتبارها الطبيبة التي استلمتها وفحصتها ثم توقفت للحظة تفكر وماذا بعد؟ هل ينفع هذا؟ وماذا ستجني هي من ذلك؟ استدارت ثم وقفت تنظر من خلف كتفها للباب المغلق مدققة ومفكرة بالقرار الافضل لتشعر في لحظة بالخوف وقررت عدم التدخل.. هزت كتفها تهمس بسرها لتنقع نفسها بقرارها المتذبذب بين رغبة بنصر الحق وبين خوف لينتصر الاخير في حربها.. (ليس لي دخل..)

*******

تنظر للسقف بملامح جامدة دون أن تشي ملامحها بما تفكر به ولا ما يدور في خلدها، لأول مرة لم تبالي بولولة والدتها ولا صمت اخيها الحزين.. تغرق نفسها بمأساتها بسلبيتها برضوخ تعرف أنه السبب بكل ما أصابها وخوف غير مبرر زرع بداخلها خوف لا مبرر له.. خوف زرعه والديها في داخلها من ألا تتزوج وتصبح كعمتها كبيت الوقف كما وصفت والدتها الأخيرة ذات مرة.. شدها عقلها لذكرى ما حدث فبعد تفكير وبعد ما حدث البارحة ارسلت لخطيبها رسالة مفادها بسيط والرد عليه تمنته ابسط مما حدث... (أريد أن ننهي ما بيننا وننفصل بتحضر)
لم تعلم أن التحضر لم يطرق باب من ارتبطت به في لحظة خوف من عنوسة باتت تدق بابها كونها باتت في الرابعة والعشرين دون زواج.. والرد المنتظر لم يأتي برسالة أو مكالمة رغم أنه قرأ الرسالة التي ارسلتها له لكنه جاء على هيئة غول غاضب هجم على بيتهم بجنون يصارع لينقض على فريسته التي تجرأت وطالبت بحقها اوقفه والدها يسـأله عن سبب غضبه فأخبره بصراخ أصم أذنيها رغم اختباءها في غرفتها خوفا منه..
اغمضت عينها تغرس بعقلها الباطن نظرة والدها الذي اقتحم عليها الغرفة، نظرة مشتعلة بغضب مرعب واقترابه منها ثم سحبها من شعرها يصرخ فيها أن تنفي ما يقوله زوجها خافت منه صدقا فعلت.. فقد اختفت ملامح والدها التي كانت ذات تتغزل بها وتصفها بالوسيمة اختفت وحل محلها ملامح شيطانية مسودة مرعبة.. للحظة فكرت بالتراجع أرادت أن تتراجع وتقول (لا.. أنه يكذب)
تمنت لو انها تملك قوة بشبيه بقوة جيهان.. أن تملك روحها المتمردة جنونها دفاعها المستميت عن حقها غير مبالية إلا بنفسها وسعادتها؛ وفي لحظة تمرد اجابته وصورة عمتها بعنفوانها تتجسد أمام ناظريها وقد تأملت أن تفعل ما تريد مثل قدوتها (أريد أن أتطلق منه هذا الارتباط ف..)
لم تكمل جملتها فقد اسكتتها لطمة والدها على وجهها بكفه الكبير ولم يتوقف الامر عند هذه اللطمة بل أخذ يضربها وزوجها المصون يقف يراقبه بسعادة وتشفي..
أذنيها مازالتا تطنان بالكلمات التي نطقها أبيها، كل كلمة وكل حرف انغرست غرسا في قلبها قبل عقلها؛ حاولت أن تنقذ نفسها من بين يديه لكن عبثا تحاول فوجدت نفسها تخبره بجنون تمكن منها هي الاخرى وكان الجنون عدوى ينتقل بينهما (اقتلني وارحمني... اقتلني.)
أستجاب لطلبها وأمسك برقبتها يضغط بقوة أصابعه تتحرك لتزيد من ضغطها نسي أنها ابنته.. وقد تمكن الشيطان منه كليا.. لحظات ولم تعد قادرة على أخذ نفسها فأخذت تضرب ذراعيه ليتركها ترفس بساقيها الارض تتوسله بعينها.. يتحرك جسدها دون أرادة منها وعندما تركها سقط جسدها أرضا تستلقي على الارض الباردة بينما يرتفع صدرها وينخفض بقوة.. تركها فجأة كما بدأ.. لا تعرف هل تعب أم عاد له عقله ولا يهم فمجرد النية أن يقتل ابنته مرعبة لها فعلة كشفت لها أنها غير مهمة له وأنها مجرد قطعة أثاث لا أهمية لها في حياتهم فقرر التخلص منها ورميها لغيره..
بعد ثواني غادر والدها الغرفة يغلق بابها خلفها بحدة كلماته الغاضبة لم تصل لها فقد كانت مشغولة بمأساتها.. فاخذت برعب تضم ساقيها لصدرها وتنام على الأرض كجنين في بطن امه وتمنت حقا في تلك اللحظات لو انها تعود أو لا تنجبها أمها لهذه الدنيا جسدها يرتجف كمن اصابها مس شيطاني وعقلها لا ينفك يكرر عليها ما حدث وصوت صراخه الذي لا تفهمه يصلها مشوشا وفي لحظة سطعت صورة عمتها في عقلها الضبابي صورة منحتها القليل من القوة فاستقامت واقفة بإرهاق واخذت الهاتف واتصلت بها مستنجدة.. واتت كملكة متوجة كفارسة اصيلة محاربة لا يزيدها الزمن إلا قوة..
وقفت جيهان بملامح جامدة مكتفة ذراعيها لصدرها تتابع المنظر المتوقع.. أم هبة تبكي وتندب حظها وحظ أبنتها؛ هبة في صمت مميت وجسد متيبس وحالة نفسية سيئة؛ باسل صامت هو الاخر لا يعرف ماذا يفعل وداخلها مشفق عليه هو بالذات أكثر من يثير شفقتها.. عادت بنظرها لهبة مفكرة لو تركت لنفسها العنان وسمحت لذلك الشيطان الذي يتراقص أمام ناظريها بتنفيذ ما يأمرها به لكان شقيقها وذلك الحقير الآن يباتون في الحجز ولن تتركهم يفلتون من فعلتهم حتى يتعلموا درسهم.. لكن الامر ليس بهذه البساطة الأمر أكثر تعقيدا وأكثر صعوبة لا نفسها ولا اخلاقها ستسمح لها بحبس شقيقها كما أن الضحية لن تفعلها وايضا هي تعلمت الدرس جيدا ومنذ سنوات الشرطة لن تفعل شيئا سوى زيادة الامر سوءا فتدخلهم سيعني حبس الفاعل لبضعة ايام ثم يتم إطلاق سراحه مع وعد بعدم التعرض يتم نقضه ما أن يصل لبيته فيقتل ضحيته وهذه المرة قتلا حقيقيا لا مجازيا فقد تجرأت الجارية وعصت اوامر سيدها..
تنهدت بتعب ونادت على باسل الذي رفع رأسه نحوها وليته لم يفعل فعينيه كانتا لوحة تجسدت فيها كل معاني الالم والوجع الضياع والخوف، اشاحت بنظرها عنه متهربة من النظر اليه لا تعلم شفقة عليه ام غضبا منه:" جهز السيارة سآخذ أختك لبيتي.."
جاءها الجواب من آخر شخص توقعته أن يتحدث ولم تكن سوى والدة هبة التي قالت باستنكار فناظرتها بجمود:" أليس لها بيت وأهل لتأخذيها لبيت جدتها.."
بملامحها الجامدة ردت وبنبرة ميتة شبه موبخه:" ما شاء الله وأخيرا سمعنا لك صوتا وظهر أن عندك لسان يعرف كيف يتحدث لكن يوقفني سؤال عجيب لم أجد له إجابة أين كانت هذه القوة والصوت العالي عندما كانت أبنتك تضرب فقط لأنها طالبت بحقها وأرادت الطلاق؟ أين كان صوتك هذا عندما كانت تخنق على يدي والدها.."
الجمتها بالرد فعادت المعينية بضعة خطوات للخلف قائلة بلجلجة مدافعة دفاعا واهيا:" هي.. هي من تطاولت عليه.. ثم... ثم البنت ليس لها إلا بيت زوجها وكلنا ضربنا وصبرنا وبنينا البيوت بدلا من هدهمها لسبب تافه.."
شخرت هبة ساخرة بفعل لم تقدر على السيطرة عليه لتقول جيهان بذات السخرية:" ها قد اتاك الجواب.."
ثم اضافت تقول بقرف:" ولا أعلم متى بات الضرب سببا تافه للطلاق حتى دينكم الذي تنسبون إليه دون أن تنفذوا ما يأمركم به حقا لا يقر بالضرب لكن ماذا نقول إلا حسبنا الله.."
اقتربت من هبة تسألها بلطف وقلبها مشفق عليها متوجع لأجلها:" هل أسندك.؟"
هزت هبة براسها رافضة فمالت جيهان على ذراع الاخرى تسحب أبره المصل واضعة مكانه قطنة امسكتها هبة بكفها الاخر دون أن تنطق بحرف حتى حروف الوجع البسيط لم يصدر منها وقد كان ألم الإبره رقيقا مقارنة بما تشعر به انزلت هبة ساقيها عن السرير ولم تؤتي بأي حركة اخرى ثم سألت بنبرة ميتة لا روح فيها:" لماذا حرم الله الانتحار...؟"
سالت ونظرها مسلط على الفراغ دون أن تلتقي عينيها بعيني عمتها، تريد جوابا منها هي.. هي وحدها من تحتاجها أو ربما تحتاج قوتها ورغم هذا لم تستطع أن تنظر نحوها فضعفها كان مقيتا وهي تقارنه بقوة الأخيرة.. ردت عليها جيهان بنبرة مختنقة تشعر بما يعتمر بقلب ابنة شقيقها وسبق لها وعاشت ذات الحرقة والوجع وأن كان والدها أكثر رحمة ولم يمد يده عليها يوما لكن ضرباته لقلبها كانت كثيرة جدا حتى توقفت عن عدها ووجع الضربات لا تقاس إلا بأثارها الباقية في ارواحنا:" لأننا نعيش برحمته.. نحيا أيامنا برحمته.. ننتظر الموت لأننا نعرف أن رحمته لا حدود لها.. فهل يستحق ما يدفعنا إلى الانتحار أن نرمي أنفسنا بعيدا عن رحمته؟؟"
هذه المرة التفت نحوها لتلتقي اعينهما.. في عيون العمة كانت هناك طاقة متجددة من القوة والامل والقدرة على الوقوف من جديد وأن قتلتها الحياة بضرباتها، أما في عينيها هي فقد حملتا ضعفها ورضوخها واستسلامها واملها المنحور.. ولأنها لم تقتنع بما قالته جيهان فوجعها كان أكبر من أي نصيحة وأي حديث فكلام عمتها رأته فلسفة عقيمة لواقع مميت ونظرة بسيطة لحقيقة مخيفة وهي كانت أضعف من تؤمن بحديث فلسفي هي تحتاج شيء اخر تجهله ولا تعرف الطريق اليه وضعت قدمها على الارض فارتجفت من برودة الارض ومدت كفها لعمتها تقول بهمس:" خذيني من هنا عمة.."

*******

صاحت قمر بانزعاج من استمرارها في البكاء دون توقف وأن كانت تعلم أن البكاء ليس لأجل الفستان:" توقفي عن البكاء.."
شهقت ملاك باكية وهي تقول بألم:" كسروا فرحتي كلما أفعل شيء لأفرح به نفسي يكسروا فرحتي لماذا ماذا فعلت لهم وحتى متى سنبقى تحت رحمتهم لا حق لنا ولا كرامة نضرب ونضرب.. أحيانا على أتفه الاسباب ودائما دون اسباب منطقية الا أنهم يرونها سبب كافي للضرب وللإهانة لماذا لماذا؟؟"
تصرخ بآخر كلمة بينما صمتت قمر ولم ترد كانت تعاني من صداع قوي بسبب الضربة التي نالتها من عدنان هذا دون أن تذكر الضربات التي تشعرها موجهة لروحها والتي قتلتها بصمت اقتربت منها ملاك هامسة بتوسل قطع قلبها:" ماما خذينا من هنا أبعدينا عنهم أقسم أنى أختنق بصمت، وكل ما أفعله فقط لأنقذ نفسي.. "
سحبتها قمر لحضنها تحضنها بقوة، ابنتها الضعيفة التي تدعي القوة لا تناديها بأمي إلا وهي في أضعف حالتها لا تصرح بانتمائها اليها إلا وقد كسروا فيها شيئا كبيرا حطموها حطموا قلبها شخصيتها وكلها ولم يبقى منها الا لسان يدافع عن بقايا من الرماد هو كل ما بقي منها رفعت رأسها بعد أن قبلت رأس ملاك لترى الاخرى تبكي بصمت فقط دموعها تغرق وجهها حتى وهي تسحب أنفاسها لتشهق بعضا مما يعتمر فيها، مدت كفها نحوها تناديها فأقتربت منها تتلمس دفء وحنان والدتها.. وقمر تسأل نفسها ماذا تفعل؟ كيف تنجو بهما؟ كيف تريحهما تنقذهما من هذه المأساة؟ بكت بصمت تشارك بناتها دموعهن واوجاعهن لتهمس واعدة اياهن:" سآخذك غدا لتشتري فستانا آخر نكاية بهم وكل ما تريدينه.."
واضافت بتوعد:" وسأنقذكما ولو كلفني الامر روحي.."
كانت تعدهما بالكثير تمنحهما وعودا لا تعلم أن كانت قادرة على الإيفاء بها لكنه بصيص الأمل في شارع مظلم.. همست ملاك قائلة:" لا أريد وليذهب هو وزواجه للجحيم.."
أبعدتها قليلا تقول بقوة ناهرة:" ملاك يبقى شقيقك فلا تنسي هذا.."
بقوة مشابهة اجابتها:" هو ليس أخي.. الاخ هو من يسند اخته يثق بها يخاف عليها فيحميها من نفسه قبل الاخرين ما يفعله ابن الشيخ لا يسمى أخوة.."
الجمتها وهي تنسبه لأبيه تكسرها بالحقيقة أن عدنان ليس ابنها نعم أنجبته لكنها لم ترضعه ولم يتربى على يديها تمحي نسبه اليها وان كان أبن رحمها فهو ليس أبنها.. هو أبن من ارضعته وزرعت فيه اسوء صفاتها.. هو ابن الرجل الذي لا يهمه الا نفسه وما تريده نفسه.. ببساطة عدنان لم ولن يكون ابنها وأن حمله رحمها تسع أشهر وتحملت ساعات لتلده سالما..

*******
صباحا

نظرت اليه من مكانها وهي تراه يتعطر وقد حدد لحيته الطويلة وارتدى لباسا جديدا تصرفات تعرف ما خلفها جيدا هناك زواج جديد.. قد يتبادر سؤال للذهن ما شعورها في هذه اللحظة وهي ترى زوجها يتحضر ليخرج لعروسه؟ سؤال تطرحه على نفسها كل مرة وفي كل مرة تجد أجابه تختلف عن الأخرى، في المرة الاولى كانت هناك نار حارقة تكوي جوفها بلهيبها الذي لم ينطفئ حتى تم الطلاق.. في المرة الثانية بكت وصرخت حتى بح صوتها.. في الثالثة تجمدت ولم تعطي ردة فعل كانت كقطعة خشب مرمية في النهر وتستقر على سطح الماء تجذب النظر وتحسد لأنها مستقرة على سطحه عائمة بسكون، وما خفي عن النظر كان يتأكل بفعل الماء ويتقشر لحائه ساقطا في جوفه حتى ابتلعه النهر الجاري... في الرابعة والخامسة وما تلتها كان الحريق أخف وطئه أقل سعيرا، وبعدها لم تعد تبالي فقد وصلت لمرحلة اللامبالاة؛ قررت أن تلتفت لما بين يدها أبنائها وعملها وقفت على قدميها واعتمدت على نفسها عملت في المحل الذي ورثته من والدها وهي تقف بين الرجال بقوة وتجبر ثم تعود لبيتها فتعلم أولادها تدفعهم للأمام تزرع فيهم الرجولة والاخلاق والمروءة تحثهم على أن يكونوا رجالا تدللهم دون أفراط تراعيهم بعيونها حتى غدوا ما هم عليه الان.. وعند النوم تستلقي تنظر لظهره -الذي يعطيه لها- بجمود فقد قتل مشاعرها مرارا وتكرار، وهي لم تعد امرأة ترضيه وهي رضيت بهذا.. إما الآن وبعد أكثر من ثلاثين عاما على زواجهم وقرابة العشرين عاما منذ عودتهم للعراق فهي تطالعه ببرود ترمقه بلامبالاة وداخلها.....
لا شيء..
الكلمة الصحيحة في حالاتها هي لا شيء.. كأنها تتابع مسلسلا سخيفا تشفق على بطلته لكن مشاعرها لا تتأثر لا تدخل في معضلة اللوم أو العتاب تنسى الامر بمجرد انتهاء الحلقة ولكنها مستمرة بمتابعة المسلسل رغم سخفه ليس حبا أو شغفا بل فضولا لمعرفة النهاية..
نظر لها عارف قائلا دون أن ينتبه لها لنظراتها لكل ما يخصها، يحادثها بجمود فهي لم تعد تهمه بشيء منذ سنوات هي الان مجرد واجهة ترضي شيئا في نفسه:" الليلة سأبيت في المسجد أريد أن اعتكف في هذه الليلة فقد مضت فترة من آخر مرة.."
أرادت أن تضحك ضحكة عالية ساخرة، أرادت أن تخبره أنه يكذب وأنه كاذب فاشل امامها على الأقل.. أرادت وأرادت ولكنها صمتت وأكتفت بقول:" حسنا.."
وغادرت تتركه خلفها وهو الاخر غير مبالي يعرف أنها تعرف، تعرف ما يجهله الجميع؛ أمور كثيرة تعرفها سماح وتصمت عنها وهو لم يعد يبالي بها.. لقد شاخت سماح وصارت جدة ولم تعد تناسبه ولا تقدر على منحه ما يريد لذلك وليعف نفسه يتزوج بمن تصغره سنا وتناسب طلباته..
*
تطلعت سماح في يوسف الخارج من غرفته يرتدي ساعته وسألته بقلق:" بني إلى أين تذهب في هذا الوقت المبكر..؟"
اجابها بابتسامة:" صباح الخير امي.."
ردت عليه التحية فمال مقبلا رأسها وقال:" لا تقلقي اماه، بدأت الامتحانات كما تعرفين وأنا بالفعل متأخر.."
" حسنا حبيبي لكن تناول شيئا أولا وبعدها غادر.."
قالت بعدم رضا على مغادرته دون طعام فقال شارحا:" اعذريني يا غالية، والله متأخر.. أولا يجب أن أذهب للجنة الإمتحانية وبعدها سأراقب على أحد القاعات ولن أعود حتى وقت متأخر "
لم يعجبها قوله لكنها صمتت فعمله بالنسبة إليه خط أحمر، تحرك ملقيا الوداع ليتوقف في منتصف السلم ممسكنا بالدربزين قائلا:" أمي متى تبدأ امتحانات هند؟"
" بعد اسبوعين لماذا؟"
رد وقد عاد يصعد ما قطعه:" حتى ارى اموري واتفق مع شقيقيّ فلن نتركهما تذهبان في سيارة اجرة.."
ابتسمت برضا قائلة:" كنت محتارة في هذا الشأن فلن اطمئن عليهن بالذهاب كل يوم مع سائق وكنت أفكر بتأجير أبو رضا رجل نعرفه ونعرف أخلاقه.."
رد قائلا:" لا داعي أماه حتى موعد الامتحانات الوزارية ستكون امتحانات الجامعة انتهت وأستطيع ان أنظم اموري وأن ضاقت الأمور يذهب حسام أو رفعت بالنيابة عني.."
ابتسمت ابتسامة عريضة وقالت:" ليحفظكم الله لي ولهما.."
واضافت بنبرة ذات مغزى:" خاصة أنك لم تنسى درة وحسبت حسابها مع شقيقتك؟"
أرتفع حاجبه قائلا باستهجان لما قالته:" والله وما العجيب فما قلت؟ الفتاة تعيش معنا فبالتأكيد لن أفكر بهند واتركها.."
قالت وهي تسبقه نازلة:" من طريقة تعاملك معها أرى العكس تماما.."
مط شفته بعبوس لاحقا بها وقال:" هي طويلة اللسان وترد الكلمة بعشرة.."
نظرت اليه من خلف كتفها قائلة باستنكار:" درة!!! الفتاة لا ترد ولا تتكلم لكنك تتعمد أغاضتها هل تصمت لك؟ لم أربيها على أن تصمت لاحد وأن كان أنت.."
عند هذه النقطة بالذات قال بصراحته المزعجة:" وهذا سبب انزعاجي أنك تتعاملين معها وكأنك أمها فعلا والفتاة لا نعلم لها أصل ولا فصل.."
وقفت والتفت بكلها عند نهاية السلم وقالت بجدية:" هل تثق بأمك أم لا؟"
اومأ دون تردد ب(نعم) فأكملت قائلة:" وأمك تخبرك أن البنتين بنات أصل صحيح تاج لا يعجبني الكثير من أفعالها وتصرفاتها الغامضة تتركني متوجسة منها لكن للحق لم أرى منها سوءًا يوما ومنذ سنوات تعمل وتكد لتطعم شقيقتها من المال الحلال.."
تنهد قائلا:" لا أعرف لما تحبينها وأختها قد أتفهم محبتك لدرة كونك ربيتها مع هند لكن تاج.."
ردت وهي تتابع سيرها:" تاج بالذات لا أحد يعرف ماذا رأت لتكون هكذا أكاد أجزم أنها رأت الكثير مما جعلها كاللبوة تنقض على أي شخص قد يتعرض لها أو لأختها بسوء يكفي حالاتهما التي رأيتها بنفسك عند قدومها قبل سنوات لتجعلني أحبها.."
وهل ينسى ذلك اليوم؟ لم ينسى يوما نظرة النمرة الشرسة في عيني تاج ولا نظرة البراءة والخوف في أحداق درة.. لم ينسى لليوم الحالة التي وصلتا بها الى هنا، ومازال لا يقدر على استيعاب كيف عاشتا في الشارع لشهرين وما مرتا به خلال تلك الفترة.. تنهد قائلا وهو يسبق والدته:" حسنا أمي الحديث عن ساكنات السطح لن ينتهي وأنا لدي عمل كثير.."
لم تجبه بقيت في مكانها تراقبه وهو يرتدي حذائه ثم غادر مودعا وضلت في مكانها وعقلها أخذ يقلب كلمات أبنها مفكرة بتاج وشقيقتها، الفتاتين تكبران وتزدادان جمالًا باتتا كقنبلتين موقوتتين في بيتها لكنها لا تملك القوة على أن تطلب منهما المغادرة رغم علمها أن تاج قادرة على تأجير بيت ولو بمساعدتها لكن هناك ما يمنعها لا تعرف هل شفقة أم محبتها لدرة التي تراها كابنة لها.. همست تحدث نفسها:" إلا يكفي يا سماح طلب رفعت أن يتزوج تاج هل تنتظرين أن يحدث ما تخشينه؟"
" أمي هل تحدثين نفسك..؟؟"
انتبهت على صوت هند التي نزلت تفرك عينيها بنعاس فالتفت اليها قائلة:" استيقظتِ باكرا.."
اجابتها الاخرى بنعاس وهي تسبقها للمطبخ:" درة قررت أن نبكر ساعة عن الموعد السابق حتى نراجع المواد مراجعة أخيرة.."
" جيد.."
قالتها بخفوت فنظرت لها هند قائلة:" ماما لم تجيبي على سؤالي.."
ردت عليها بهدوء وهي تبدأ بتنظيف المطبخ:" أفكر بيوسف سيبلغ التاسعة والعشرين ولم يتزوج بعد.."
ضحكت باستهزاء صامت ثم قالت وهي تضع في فمها قطعة خيار:" إلا تعلمين حقا لماذا يؤجل هذا الأمر!!"
رمقتها بنظرة غاضبة تجاهلتها الأخرى وهي تجلس على الطاولة لتناول طعامها لتسمع صوت والدها المغادر فقالت بلا مبالاة تسأل عنه بفضول لا اهتمام:" لماذا خرج مبكرًا؟"
اكتفت سماح بالقول:" لديه عمل.."
أومأت هند دون كلام فأمر والدها لا يعينها فالأخير أشبه بضيف ويعتبر المنزل فندق يأتيه لينام فقط حتى طعامه ترسله والدتها له في الجامع في بعض الاحيان حتى اعتادت على ذلك بل جميعهم اعتادوا أن والدهم غير موجود في حياتهم تعايشوا منذ سنوات على عدم وجوده معهم اعتادوا لدرجة انهم باتوا يتعاملون مع وجوده كزيادة عدد لا أكثر وواجه تكمل منظرهم الاجتماعي فهل من المنطقي أن يغيب الاب عن بيته واسرته من الصباح حتى وقت متأخر ولا يعود الا للنوم...!!

*******
رن هاتفها للمرة الخامسة وهي تتجاهله تماما، يرن باتصال كامل حتى ينقطع وهي تنظر اليه ببرود ولا ترد حتى ضاق الامر بوالدتها التي قالت بانزعاج:" ردي على شقيقك إلا يكفي تهدديك له بانه لو جاء فستتصلين بالشرطة، ردي وطمئنيه على أبنته.."
نظرت لوالدتها وسخرت هامسة تهز راسها باستنكار:" هه... أبنته.. سأبكي من شدة التأثر.."
صاحت ولدتها فيها وهي تنتبه لتمتمتها التي لم تصل لمسامعها:" ماذا قلت جيهان أرفعي صوتك لأسمع.."
لم ترد عليها ضلت ترمقها بنظرات غامضة وهي تتكتف بهدوء مغيظ ثم بهدوء أنزلت نظرها تعاود تناول فطورها ببرود فتأججت عينيا والدتها بالغضب صائحة:" أن لم تحترمي أخيك احترمني أنا.."
بذات البرود قالت وهي تقضم لقمة صغيرة:" وماذا فعلتُ ؟"
صاحت والدتها بحدة:" تتجاهلينني.."
ردت بصوت ثابت:" لا اتجاهلك فقط أتناول طعامي بصمت وهدوء أم أن الاكل بات من المحرمات في هذا البيت..؟"
اتسعت عينيّ الأم تصيح باسم ابنتها باستنكار تكره أسلوبها البارد هذا الذي تتبعه عندما تكون في اقصى مراحل الغضب لكن بدلا من الانفجار تتظاهر بالعكس فتقتل المقابل كمدا.. تكاد تشد شعرها غيظا من أبنتها وبرودها الذي يتلبسها فلو ثارت جيهان بثوراتها التي اعتادوها منها في السنوات الاخيرة ارحم لها من هذا الصمت والتجاهل الذي تدعيه عالمة أن خلفه باركانا سينفجر في وجههم قريبا:" جيهان.."
نظرت لوالدتها رامية شطيرتها في الصحن قائلة:" ماذا؟ ماذا فعلت؟ أبنك من حقه ان يدخل بيتي ويهدنني ويتوعد وأنت تصمتين له وتسكتين أما أنا فصمتي يغضبك ويرفع ضغطك ماذا أفعل؟ قولي لي ماذا افعل؟ بالله عليكم ارحموني..."
الجمتها بردها الهادئ رغم ان جملتها تحولت لشبه صرخة وجع في نهايتها، لتقول الأخيرة بتلجج متردد خوفا من ابنتها رغم علمها أن جيهان لن تؤذيها ابدا:" أنت أغضبته أخذت ابنته وترفضين أعادتها ثم هذا بيته ايضا وليس بيتك فقط.."
بسخرية ردت:" وهل اخذتها من المالديف الفتاة كانت ستموت بين يديه يا أمي ابنك كاد أن يقتلها ثم هذا المنزل كان سابقا لهم قبل أن يقرروا إن عليهم بيع البيت ولم يمضي شهر على وفاة أبيهم وتقسيم الحصص بينهم لأن لكل منهم مصيبة ظهرت فجأة بعد الجنازة متجاهلين حزننا وأن لا مكان لنا سوى هذا البيت فاضطرت أن أستدين لأدفع لهم قيمة حصصهم حتى لا تغادري بيتك الذي بكيتي عليه أسبوع رافضة الانتقال لبيت أصغر وأجدد.."
وأضافت بحسرة:" دين لم ينتهي إلا منذ عامين فقط.."
ردت الاخرى بصوت خافت ضعيف:" يبقى بيت أبيهم وأمهم.."
ضربت الطاولة بقوة صائحة وقد تبخر الهدوء الذي تدعيه منذ استيقظت وارتدت واجهة التحضر هي حقيقتها واجهة يجبرونها على التخلص منها لتعيش بينهم فلا التحضر ولا الهدوء ينفعها وهي معهم:" بل بيتي أنا.. أصبح هذا البيت بيتي باسمي كاملا فحتى حصتك تنازلتِ عنها لهم لذا هذا البيت بيتي أنا وليس بيته ولا بيت أحد منهم، فلا تحدوني على ما لا أريد.."
عضت والدتها شفتها تكتم كلاما ترغب بقوله بحركة تحفظها ابنتها.. فقالت جيهان وهي تقف وقد سدت نفسها من هذا الحديث الذي يعاد ويتكرر كلما حدثت مصيبة لتنتهي بأمر واحد أنها ناكرة للجميل وحقيرة وغير محترمة صفات لا تحملها لكنهم الصقوها بها:" تحدثي أمي دافعي عن ابنائك وأمدحي خصالهم غير الموجودة حتى بينما أنا من أمنحك نصف راتبي وأهتم بك وأرعاك ليس لي إلا حق واحد حق أيجاد زوج يحمل همي.."
ضربت صدرها تضيف بحرقة:" همي الذي أحمله منذ سنوات ولم أترك أحد منكم يحمله عني، وبدلا من تركي أعيش تجبروني على ما لا اطيقه تخرجون اسوء ما بي ثم تتهمونني أنها صفاتي التي أخبئها.."
وبكل قهر همست بخفوت بدموع تجمعت في عينيها:" أحاول وأحاول ولا شيء فأنتم لا ترون إلا ما تريدون أن ترونه كل شيء يطمس عندما أقف في وجوهكم أخبركم الحقيقة التي تعرفونها جيدا وتخافون منها ولكني المكروهة لأني اواجهكم بها.."
اخرستها تماما بصدق حديثها وقوة نبرتها فهذه هي جيهان أشبه بمرآته تعكس حقيقتهم بينما غادرت جيهان تضرب الارض من شدة غضبها واتجهت لغرفتها حيث ترقد هبة، تركتها تتابع حركاتها الغاضبة بعيون غامت حزنا لا تعرف على ماذا وعلى من.. دخلت عليها لتجدها مستلقية تنظر للسقف بوجوم فربتت على شعرها قائلة بصوت خافت مشفق وقد تحولت ملامحها من الغضب للحزن والشفقة عليها:" حبيبتي أنا معك، وما تريدينه سيحصل.."
ردت هبة بخفوت مستسلم:" ما يريدونه هو ما سيحصل في النهاية ليس لي أي حق أو عقل لأقرر فأنا ناقصة عقل ودين.."
اجلستها بحدة فخرج منها صوتا متألما وجسدها كلها يؤلمها بينما جيهان تقول بقوة غاضبة وغير راضية عن هذا الاستسلام أكثر شيء تمقته في الدنيا هو الاستسلام دون خوض الحرب ألف مرة وأن هزمت حينها تكون على الأقل هزيمة بشرف:" استسلمتِ من الآن وقبل أن تخوضي حربك حتى!!! "
نظرت هبة لعمتها تخبرها بذات الخفوت المستسلم:" لست قوية مثلك عمتي حتى جدي رغم شخصيته الصعبة وتفكيره القديم كان يصل لك ويتوقف عالما أنه لن يقدر على كسرك أنت مختلفة عمة أنت قادرة على أن تخرجي من كل حرب منتصرة وأن خسرتها أنت قوية بنفسك برضاك بقدرك تخلقين من مصابك ألف حل وأنا يا عمة لا أملك أي من هذا.."
امسك جيهان بذقن هبة بقوة تضغط على خدها ببهامها حتى اوجعتها فصدرت منها أنة خافتة:" وهل ولدت هكذا؟ هل خرجت من بطن أمي قوية ولا أخافّ!!"
صمتت تنتظر الأخرى لترد ولكن لا شيء لم تنل منها إلا نظرة أكثر ضعفا زادتها غضبا:" لا بل الحياة علمتني أن احارب نفسي لو احتاج الامر لذا أنفضي ضعفك واستسلامك المقيت هذا"
أبعدت كف عمتها تخبرها بهمس ضائع:" لن أقدر أنت تملكين الإرادة وانا لا املكها.. قلبك قوي وقلبي ضعيف.. روحك روح محاربة وروحي روح جارية.."
اتسعت عينا جيهان وهي ترى انكسار الاخرى الجلي في عينيّ هبة التي اكملت حديثها قائلة بنبرة ميتة ارعبت التي تطالعها بصدمة:" لطالما رأيتُ فيكِ صفات لم أراها في امرأة اخرى.. أراك أشبه بمحاربة تحارب حتى آخر رمق ولا تستسلم حتى للموت بل حتى الموت تستقبله وهي شامخة.."
لم تجد جيهان قولا لتقوله تشاهد الاخرى التي عادت تتسطح على السرير بملامح واجمة وقد فزع قلبها من ضيق ألم به بينما اخذت هبة تنظر للسقف ثم همست منهية الحوار بعبارة أكثر ضعفا واستسلاما كانت أشبه بوداع مبكر لمريض أخبروه أن أيامه في الدنيا معدودة:" سأعود بمجرد أن أستطيع التحرك وسأتزوج منه وليفعل بي ما يشاء فلم يعد يفرق معي شيء ستكون حياتي وباقي أيامي كما يريدون هم.."
رجفة سيطرت على جسد جيهان وهي ترى هبة في هيئة لم تعهدها منها من قبل كانت مكسورة محطمة ولا تعرف لما شعرت أن استسلامها هذا سيدفعون ثمنه باهظا..

******

"الم تصل الست مريهان بعد؟ لم يبقى على الامتحان الكثير.."
سأل يوسف زميله الواقف يتحضر للخروج فرد الاخر قائلا:" لا لم تأتي ولن تفعل فقد اتصلت البارحة واعتذرت عن الحضور.."
استغرب فالأستاذة معروفة بدقتها وعدم تأخرها فعاد يسأل مستغربا:" لماذا هل حدث معها شيء..؟"
رفع الأخر رأسه نحو يقول مبتسما كونه يمتلك خبرا حصريا:" سمعت أنها ستتطلق.."
عقد حاجبيه باستهجان قائلا:" ولما أراك سعيدا هكذا؟ ثم كيف علمت بهذا الأمر...؟!"
أجاب الأخر ببساطة مطلقة لا تعجب يوسف الذي يكره التدخل بشؤون الاخرين ويكره الفضول يفضل الفكر الغربي بما يخص الخصوصية لكن العيش في العراق أشبه بالعيش في غرفة واحدة يشاركك بها الشعب بأكمله:" سمعتها تتحدث مع الدكتورة احلام ثم لا شيء يبقى سرا في الجامعة.."
هز رأسه بلا معنى ولا اهتمام بكل ما سمعه وعاد لأوراقه ليقول متسائلا بعدها بلحظة وهو يعاود رفع رأسه نحو زميله:" إذا من سيكون معي في القاعة الإمتحانية؟"
اتسعت ابتسامة الآخر ففهم يوسف ليقول ببرود مغتاظ:" ألم يجدوا سواك..!!!"
رمقه الاخر بعدم رضا ثم قال بفضوله الذي يكرهه يوسف لكنه يتحمله لأنه يعرفه منذ أيام الدراسة وقد تخرجا وهما الاول والثاني على الدفعة وتوظفا في هذه الكلية معا بالواسطة كما أنه شخص طيب رغم فضوله وتدخله بما لا يعينه:" إذا متى سنفرح بك يا استاذ...؟؟"
اجابه ببرود:" ما دخلك أنت بزواجي؟"
جلس على الكرسي الفارغ قائلا وهو يميل على سطح المكتب:" هل ما زلت معها؟"
تأفف يوسف وتجاهله فأكمل الاخر:" الفتيات عليك كالذباب وأنت أخترت أقلهن جمالًا.."
لم يرد بشيء ضل محتفظا بصمته المتجاهل والاخر يتابع وغير مهتم انه لا يتلقى ردا على ما يقوله:" لا ارها تناسبك أنت بغرورك وتسلط تحتاج امرأة توازيك غرورا تحجم من تسلطك المغيض أما أسراء فلا فهي ضعيفة أمامك ولا تناسب حتى تطلعاتك؛ ارى علاقتكما علاقة فاشلة.."
" استاذ حمد لم أتدخل يوما بعلاقتك مع زوجتك لا قبل زواجكما ولا الان فلما تسمح لنفسك بالتدخل في شؤوني!!"
تحدث يوسف بحدة واسلوب قاسي استقبله الاخر بانزعاج قائلا:" أنا صديقك ولي حق أن أنصحك.."
ببرود قال وهو يرفع أوراقه ويضعها في الدرج قبل أن يغادر:" شكرا لك لكني لم اطلب منك أي نصيحة، عندما أطلبها امنحها لي.."

******
تراقب الخيمة وهي تنصب بملامح كارهة، لأول مرة تشعر بكل هذا الكره والحقد نحوهم... عشرون عاما هي سنوات عمرها سنوات يفترض أن تكون من أجمل سنين عمرها لكن قدرها حكم أن تولد في هذا البيت عاشت فيه ورأت فيه الكثير، كثيرا ما ضربت بلا سبب فقط لأنها من وجهة نظرهم أخطأت حتى ملك بكل هدوءها ورقتها لم تنجو منهم ومن جنونهم فالأخطاء في عرفهم لا تصدر إلا منهن اما هم فكل افعالهم صواب..
مررت كفها على الكدمة التي تزين خدها وابتسمت بسخرية، فعلت أمرًا قد يراه الجميع عاديا وطبيعيا لكن من وجهة نظر أشباه الرجال الذين تنتمي لهم بدمائها كان الفعل مصيبة فالرجل المسكين بات عشيقها وصارت هي فتاة سيئة الأخلاق وكأنها لم تتربى على يديهم ولكن صدق من قال كل يرى الناس بعين طبعه وعدنان بالذات يثبت هذا المثل كليا فكونه عديم الاخلاق يراها مثلهم تبيع نفسها وكل مبادئها لأجل نزوة، لا يدري أنها تفرق عنهم والفرق بينها وبينهم أنها تعرف حدودها ليس خوفا منهم بل عن قناعة ففي مجتمعهم الصغير تسمع وترى ما لا يخطر على بال ففهمت منذ سنوات أن البنت محاسبة على كل تصرف يصدر منها وأكثر ما ينزل من قيمة الفتاة هي ثقتها برجل ان تثق حمقاء برجل وتأمنه على نفسها فسيكون أول من يعيرها بذلك أن تسلم له قلبها أو جسدها لا يفرق ففي عرفه ستكون عديمة التربية.. فالحب كذبة والرجولة كذلك ملخص الحياة ببساطتها وتعقيداتها:" تؤلمك.."
سألتها ملك التي وقفت بجوارها تنظر لموضع كفها الذي لم يرتفع عن مكانه وكأنها نسته هناك وغاصت في بحرها الهائج هزت ملاك رأسها نافية تجيبها بصوت ساخر ونبرة قاسية وعينيها على الرجال وهم ينصبون الخيمة لحنة الرجال الليلة فحملت عينيها كرها واضحا قرأته شقيقتها بسهولة:" لا.. فقد اعتاد جسدي على الضرب ولم يعد يؤلم كما كان في الماضي.."
صمتت وشاركتها ملك الصمت فهي الأخرى فيها ما يكفها الوضع يتأزم وحتى مرونتها وقدرتها على التعايش قاربت على النفاذ لم تعد قادرة على العيش في هذه الاجواء من الشك والريبة والاحقاد تريد أن تعيش بهدوء بعيدا عن هذه النفوس المريضة تحتاج الى الهدوء تتمنى لو كانت فتاة عادية تشاهد فيلما دون أن تتهم بأنها تفعل ذلك لسبب مشبوه تريد أن ترتدي ما يعجبها فقط لأنها يعجبها وليس شكا بها وكونها تفعلها لتجذب الرجال لها كما يخبرونها، تريد أن تنطلق وتكمل دراستها، تريد أن تحيا بشكل حقيقي بعيدا عن كل ما يحدث.. سألتها ملاك التي التفت اليها وقد انتبهت على شرود شقيقتها:" ما بكِ انت؟ هل عاد ذلك الحلم..؟"
هزت رأسها نافية ثم اردفت بحزن:" اتصلت بصديقاتي ادعوهن للزفاف فاعتذرن لأنهن مشغولات بالامتحانات.."
لم تجد ملاك ما تقوله وهي ترى الحزن مرسوم على ملامح شقيقتها لتردف ملك بنبرة متحسرة حسرة اخفتها في قلبها منذ تخرجت قبل عام من المدرسة:" لو كانوا سمحوا لي بالدراسة لكنت الآن احضر للامتحانات أنا الأخرى.."
" ألن تنسي..؟"
باستنكار همست ملاك يائسة فنفت ملك برأسها.. هل ينسى الأنسان نفسه؟ وحلمها كان نفسها كان هي بصورة مختلفة كانت تعيش على الاحلام والتي تعينها على التعايش مع أهل هذا البيت الخانق وتساعدها على التحمل والصبر والتجلد، همست بحسرة وغيرة لم تقدر على السيطرة عليها:" سمر في كلية الهندسة.."
واردفت بحزن:" كان حلمي أن أدخل الهندسة وأصبح مهندسة معمارية.."
شخرت ملاك بسخرية مريرة قائلة:" نعم وتحتكين بالرجال كل يوم والله ليدفنوك حية ويحسبون الله لم يخلقك.."
غصة مريرة استحكمتها مالهم يحبسونها في زجاجة ويطلبون منها التنفس كيف تتنفس والهواء محجوب عنها... ظالمون هم في كل افعالهم ورغم هذا لا تقدر على كرههم مجبرة هي على ودهم مجبرة على مراعاة صلة قرابة لم يراعوها هم.. قالت بنبرة حزينة:" أتمنى أن تفي قمر بوعدها وتنقذنا.."
لتسألها ملاك بهدوء مخفية مشاعر اخرى تحجبها عن الجميع:" ألا تريدين الزواج من سلطان؟"
التفت بنظرها لها وهي تجيبها بمرارة:" أتزوج من وهو لا يراني اكثر من اخت ..!!"
" أنا اسفة.."
همست ملاك باعتذار صادق وأدركت ملك أن الاعتذار كان لسبب واحد لأنها لم تقدر على الزواج منه لم تستطع أن تجبر نفسها لترضخ لهم، هو يريد مالا تقدر على منحه له وهي تريد منه شيء واحد فقط بخل به عليها.. سألتها ملك السؤال الوحيد الذي لم تجد له يوما إجابة:" لماذا تكرهينه؟ كان أقرب شخص لك سابقا وكنت ترينه أهم شخص على الارض.."
بعد ثواني من التردد في منح شقيقتها الاجابة او جزء منها ردت ملاك بنبرة خافتة حزينة وكأن المعني سلبها شيئا غالي:" لأنه أخذ مني أخي.."
لم تفهم مقصدها طالعتها بنظرات متسائلة وهمت بسؤالها لكن صوت الهلاهل قاطعها فقالت ملك موجهة حديثها لملاك:" يبدو أنهن جلبن جهاز العروس لا اعرف لما كل هذا التأخير وجهازها جاهز منذ شهر، ألم يكن باستطاعتهن جلبه قبل بضعة أيام؟؟ "
اجابتها الأخرى باستهزاء:" هه وكيف يجلطوننا افتكار وخالتها فهما لن ترتاح حتى تتسببان بموتنا؟"
ثم سحبتها قائلة:" هيا لنذهب للبيت الكبير.."
لتردف متسائلة:" أين قمر..؟"
ردت ملك التي سحبت حجابها لترتديه قائلة:" غادرت للمنزل الكبير مبكرا حتى تكون في استقبالهن عند وصولهن.."
غادرتا تركضان نحو البيت الكبير وبداخلهن لم تكن فرحة أخوات العريس بل أشبه بشعور غريب تائه لا أرض له ولا سكنا..

*******
استقبلت قمر أهل العروس والذين يسكنون في المنزل المجاور لمنزل الشيخ لا يفصل بينهم إلا جدار، بابتسامة هادئة وعيون جامدة.. لم تحمل بداخلها فرحة أم العريس كانت تشعر أنه حق آخر سلب منها وهذه المرة بيد من حملته لأشهر ولم يذق حليبها يومًا، نظرت لضرتها وأم عدنان بالرضاعة فها هي تستقبل أهل العروس وكأنها أمه الحقيقة رغم كرهها الواضح لها لكنها ارضعت عدنان بل وربته مع ابنها الذي ولد قبله بشهرين فقط، نعم لم تكن له نعمة الأم من وجهة نظرها لكن للحق ضرتها أحبت عدنان حتى أنه رفض أن ينتقل معها بعد أن بنى لها الشيح البيت وأصر على البقاء مع أمه الثانية ولولا أنها تحايلت على الشيخ ما كان عدنان سكن لديها ولو لساعة وها هو بعد زواجه أصر على البقاء هنا قريبا من الأم التي يعرفها..
وقفت جانبا تشاهد ضرتها وبنات زوجها وزوجات ابنائه يرددون الهوسات الشعبية وتشاركهن شقيقات وبنات خالة العروس لتلتفت عندما نادتها ضرتها الأولى وامها الثانية فاقترب منها قائلة:" ناديتني يمة.."
اعتادت على هذا.. تناديها ب(يمة) بلقب تجدها هي الاجدر به فقد تبنتها ضرتها وهي صغيرة لا تعرف شيئا علمتها ما لم تعلمها إياه والدتها، راعتها في كل مرة انجبت فيها وفي كل حالتها فملكت الحاجة أم ضياء قلبها وأصبحت أما لها اومأت الحاجة ام ضياء قائلة:" اضحكي يا بنت أنت أم العريس.."
اجابتها بمرارة وقد عادت بنظرها لضرتها الثانية التي تتصرف كأم العريس:" ومنذ متى وأنا أقرب للعريس؟"
ابتلعت الأخرى ريقها بشفقة وعيون متألمة على حالها ولم تجد ما تقوله بينما اكملت قمر قائلة بحزن وهي تشير برأسها نحو ضرتها الثانية:" هي من أرضعته وربيته وكبر بين ابنائها حتى غرفته في بيتي لم يقبل أن يبقى فيها وعندما انتقل كان مجبرا على السكن معنا.."
شدت أم ضياء على كفها قائلة:" لكنك ستبقين أمه يا قمر وهذه حقيقة لا يمكن لأحد انكارها أو تغيرها مهما فعل.."
هزت رأسها قائلة:" لا هو أعترف بذلك ولا حتى بقايا مشاعري امومة مطمورة تخصه اعترفت بهذا وكل يوم يسلب مني حق وشعور أم تحمل لابنها.."
واشارت لضرتها قائلة:" وهذا ما هو إلا حق آخر سلب مني.."
لتضيف وهي تتذكر ما حدث البارحة وكيف نامت وبناتها والدموع في اعينهن وحسرة قلب لا تنتهي:" أفعاله حولته لنسخة عن أبيه بغضبه وتجبره يا يمة..."
" قمر.."
نهرتها بحدة خافتة لم تصل للواتي يحتفلن لكن قمر لم تعد تبالي وقد عيل صبرها وما عادت تملك ما يصبرها على ما يجعلونها تعيشه وقد طال الضرر بناتها ايضا وحق تلو الأخر يسلب منهن فهل تقف متكتفة تراقب ما يحدث بصمت؛ لتقول لضرتها بإصرار وقرار سبق واتخذته ولن تعود فيه:" بعد زواجه سأتطلق من الشيخ وأطلق ملك من سلطان وأذهب لمنزل أخي فبعد ما فعله البارحة بشقيقته لم اعد أأمن عليهما معهم.."
اتسعت عينا الحاجة وتجعد وجهها برعب أكثر من تجعده الذي يظهر سنها الذي يقرب السبعين وقالت برفض:" جننت يا قمر.."
لتجيبها بهدوء ونظرها على الأم الثانية التي عرفتها:" بل لم أعقل إلا الآن.."
قالت أم ضياء باستهجان وهي تنظر لابتعاد النسوة نحو غرفة العريس لوضع جهاز العروسة:" تخربين بيت أبنتك وبيتك وتقول عقلت أين العقل فيما تقولينه..؟؟"
قالت بقوة رغم انخفاض نبرتها لتنظر للخارج عندما سمعت الهوسة المرحبة بأخت العريس (سون درب لاخت الولد خلوها تلعب جولة..):" وهل العقل أن أبقي مع رجل لا أطيقه؟! رجل سرق طفولتي وشبابي!!"
لتضيف بنبرة متوجعة ونظرها لا يرفع عن الجمع:" وهل أزوج أبنتي لرجل يعشق شقيقتها وأجبرت عليه ورضيت به خوفا منكم وشفقة عليه؟"
ابتسمت بحزن وهي ترى ملاك ترقص بوسط الهوسات والأغاني التي ارتفعت من الدي جي الصغير الذي رفعته أحداهن:" ها هي الكبرى ضربها عدنان قبل ساعات دون ذنب ورغم ذلك ترقص مخفية وجعها ونافضة حزنها ترقص بجنون تترك أوجاعها وتنفض ضعف تجبرونها عليه.. فماذا تريدون من قمر وبناتها أكثر من هذا يا حاجة؟؟"
اخفضت رأسها مردفه:" لم يبقى في العمر أكثر مما ذهب يا حاجة.."
ضغطت ام ضياء على كفها فالتفت نحوها لتقول الأولى:" لن يقبل الشيخ بقرارك هذا يا قمر.."
سحبت كفها واخذت تمسح دموعها وهي تقول بنبرة لا مكترثة:" لم يعد يهم فرأيه لن يقدم ولن يؤخر من الأمر شيئا وقد اتخذت قراري ولو فعل شيئا حينها سترون قمر لم تعرفوها يوما لن يتوقف الامر عند الفضائح سأحيل أيامكم لجحيم يا حاجة.."
تعمدت قول كلمة (حاجة) في اخر حديثها كانت توصل لها إصرارها على قرارها.. كانت تتحدث بخفوت لكن نبرتها مهددة قوية كانت نبرة امرأة لم تعد تملك ما تخسره؛ امرأة منحت ولم يعد لديها المزيد لتقدمه امرأة خسرت ولا تريد ان تخسر المزيد.. هل هكذا ستنتهي القصة قصة الشيخ الذي أسر القمر ولم ينله ولم يملكه وهو بين يده؟؟ هل ستنتهي بهذا الشكل بفضيحة تصل للقاصي والداني ...؟؟
دخلت ملك تقول بهدوئها المعهود وابتسامة خافتة لم تصل لعينيها لا تشبه فرحة أخت بأخيها بل حتى ليست فرحة غريبة كانت أشبه بمجاملة تقدمها مجبرة:" السلام عليكم كيف حالك يمة "
وجهت الحديث لزوجة ابيها التي نظرت لها ولم تملك القوة لتجيبها وقد سلبتها قمر كل قواها بحديثها، لتقول ملك لقمر:" ماما البنات يسألن عن الفرشة التي سيفرشونها على السرير.."
اومأت ووقفت لتتحرك متجهة لخزانة ضرتها وتفتحها ساحبة الفراش الجديد الذي أشترته قبل فترة، وضعته أرضا وضلت تنظر له بصمت ثم قالت موجهة الحديث لملك:" هذا هو خذيه.."
" ألن تدخلي..؟"
سألتها باستغراب لترد الاخرى قائلة بنبرة جامدة وأن لم يفت ابنتها بكاءها:" بلى.. سآتي بعد قليل.."
*
وفي غرفة العريس مالت أحداهن على من جاورتها هامسة:" له حق سلطان أن يجن بها انظري لها كيف ترقص وكيف يتراقص شعرها بدلال حولها.."
" افسحي لي الطريق قليلا يا نجاة.."
تحركت المعنية مفزوعة وهي تسمع صوت ملك التي دخلت حاملة صندوق كبير وضعف حجمها مرتين من الورق المقوى مربع الشكل وبداخله الفرشة ويبدو أنها سمعت ما قالته لكنها لم تبالي فقد ابتسمت لأختها التي نادتها:" تعالي وأرقصي يا بنت.."
هزت رأسها رافضة بخجل لكن ملاك لم تهتم برفضها بل اقتربت وأخذت منها الصندوق ومنحته لنجاة وسحبت شقيقتها التي ضحكت بخفوت خجل.. حركت ملاك كتفها بدلال تدعوها لتشاركها الرقص فمالت ملك قليلا بجسدها تشاركها الرقصة بدلال رقيق يليق بها جاذبة الانظار لها بكل هذا الدلال الذي تملكه والجمال فكانت هي وملاك كفراشتين زاهتين.. كلتاهما ترتدي فستانا جميلا بنفس التصميم ولكن بألوان مختلفة تعكس شخصيتهما.. ومن بعيد راقبتهما قمر بقلب منقبض تقرأ عليهما من آيات الكتاب الحكيم تخاف عليهما من الحسد وقلبها يلهج لله أن يحفظهما لها..

*******

" حاضر يا بهاء غدا سآتي للشركة..."
قالها سراج الذي ينتظر خارج قاعة المحاكمة بانتظار خاله:" لا تتأخر سراج لك فترة لم تأتي للشركة.."
قال سراج وهو ينتظر خاله:" شهد موجودة وتذهب لكم مرتين في الشهر والقسم القانوني التابع لمكتبنا لا يقصر وكل الأخبار تصلني أول بأول.."
رد بهاء الذي شكر السكرتيرة بهزة من رأسه:" أنت غير؛ شهد لا تقصر والحق يقال لكن أنت مختلف أستطيع ان اتناقش معك بحرية كما أني اشتقت لأخي الكبير.."
ضحك سراج قائلا:" أنت ولسانك هذا وتتعجب من وقوع الفتيات بغرامك يا مثالي.."
رد الاخر بانزعاج:" هل تعلمت أنت الآخر هذا اللقب من المزعج آصف..؟؟"
انتبه سراج لخروج خاله يتحدث مع المدعي العام ليقول لبهاء بابتسامة:" انه يليق بك ايها المثالي وهيا اذهب الان وسآتي لكم مساءً فقد اشتقت لخالي وسنتحدث ونتناقش بكل ما تريده.."
ضحك بهاء واغلق الهاتف بعد أن ودعه بينما تحرك سراج نحو رضوان وأنتظر على مقربة منهم حتى انتهوا فتقدم ملقيا السلام ليبتسم رضوان ببشاشة قائلا:" اهلا بالأستاذ سراج.."
بمحبة خاصة يكنها لخاله قال بابتسامة عريضة:" أهلا بك سيادة القاضي.."
بعد دقائق ابتعد المدعي العام وتحرك رضوان وبجانبه سراج ليقول الاول:" أراك هنا.."
ابتسم ورد قائلا:" كان لدي عمل فقلت أمر عليك لألقي السلام.."
" خيرا فعلت.."
همس بها رضوان بمحبة ليسأله سراج الذي انتبه لملامحه فلم تكن منشرحة كعادته رغم التعب الواضح عليه فقال متسائلا:" اراك مهموما خيرا.."
اجابه بهدوء:" تعرفني لا أحب هذا النوع من القضايا ومضطر لتطبيق القانون ولو كنت غير مقتنع به.."
" وما هي القضية...؟"
رد رضوان وهو يشير على غرفته:" تعال لنتحدث في مكتبي.."
بعد دقائق من السير يتحدثان بأمور عامة وصلا لمكتب رضوان ففتح الحارس الواقف على باب غرفته الباب وضرب لهما التحية ليقول رضوان الذي اتخذ مكانه خلف المكتب بينما جلس سراج امامه:" قضية اغتصاب لفتاة في الثالثة عشر والرجل في الواحد والثلاثين متزوج ولديه أطفال.."
قالها بانزعاج وأسى وهو يتذكر نظرات الفتاة المرتعبة والقضية لم تكن ستصل الى المحكمة لولا ان الفتاة تعرضت لنزيف كاد أن يودي بحياتها فاضطرت عائلتها لنقلها للمشفى وبعد فحص الطبيب لها فهم كل ما حدث مما اضطره أن يبلغ الشرطة والتي بدورها نقلت القضية للمحكمة.. قصة مكررة وحالات مكررة ولا حل حقيقي يرحم الضحية؛ فالفتاة ومنذ ما حدث لها وهي مصابة بالخرس وترتجف كلما اقترب منها رجل وعائلتها غاضبة ترغب بأمران لا ثالث لهما طمس ما حدث وتعويضا بما يعادل شرفهم المهدور.. أكمل قائلا بنبرة أظهرت مدى استيائه:" القضية انتهت بأن يتم الزواج بين الفتاة والرجل الذي هو ضعف عمرها.."
ثم تنهد مردفا:" وطبعا لن يتوقف الامر عند هنا بل هناك جلسة عشائرية ستعقد خلال يومين، والضحية هنا هي الفتاة.."
لم يرد سراج وهو ينظر لخاله الذي قال يسند ظهره للخلف:" وكما العادة لا تروقيني هذه الحلول وأرفض أن أكون طرفا فيها ولكن هذا عملي لذا لا أملك شيئا لأفعله اكتفي بالصمت وأنا أراهم يسلمون الضحية للجاني ليغتصبها وهذه المرة على مرأى ومسمع منا.."
تنهد سراج قائلا بكدر:" كان حديث زملائي المحامين في لقائنا الأسبوعي على الغداء عن هذا الأمر وهذه المادة بالذات.."
شبك رضوان اصابعه وقال يسأله:" وأنت ما رأيك..؟"
ابتسم على السؤال الذي اعيد عليه للمرة الثانية خلال يومين:" رأيي من رأيك وأنا ضده تماما لكن لا شيء بيدي كما قلت فالواقع يختلف عن الكلام.."
تنهد رضوان قائلا:" أتعرف ما يزعجني في كل هذا.."
لم يرد سراج بل اكمل رضوان قائلا:" أن هناك من يرى هذا الحل هو الحل الصحيح فلا تعلم من ينصف الجاني أم المجني عليه.."
اسند سراج ظهره للخلف قائلا:" المادة ظاهرها أنصاف للفتاة وإنقاذها من مصير أسوء وهذا جزء من الحقيقة فمجتمعنا لن يتعامل مع من في مثل هذه الحالة معاملة سوية بل ستكون عرضة لأكثر من حادث وبذات الوقت تسليمها لمغتصبها فعل غير منطقي وكما وصفته حضرتك قبل قليل تسليمها لمغتصبها ليغتصبها كل يوم ولكن هذه المرة على مرأى ومسمع من الجميع.."
عقب رضوان على كلامه بأسى:" والأغلبية تعيش حياة مزرية من ضرب وأهانه وقد تنتهي بالطلاق بعد انتهاء المدة القانونية أي أننا حرفيا لم نفعل شيئا.."
ليكمل عنه سراج قائلا:" كما أن المادة ذاتها مكتوبة بطريقة مريبة وفيها ثغرة لا منطقية.."
اومأ رضوان على ما قاله سراج وقال:" وهذه المشكلة التي يرفض المشرع أو مؤيدي هذه المادة أن يقتنعوا بها.."
استمر النقاش بينهما لفترة حتى قال رضوان ضاحكا وهو ينظر لساعته:" جيد أن لا قضايا لدي يا فتى الحديث معك لا يمل منه.."
شاركه سراج الضحك واستقام واقفا مع وقفة خاله ليقول سراج بعدها:" تعال لتتغدى عندنا ونمر على شهد أيضا.."
أومأ رضوان مستحسنا الاقتراح فمؤيد سافر وزوجته المصون بالتأكيد مشغولة بأمر ما فكل أمورها أهم منه ومن أبنته..

*******
" ألن تكف عن العبوس يا لؤي سنصل وأنت ما زلت غاضبا.."
قالها مؤيد بملل من صديقه الذي جاء معهم مجبرًا ليرد لؤي وهو يدير المقود:" غير مرتاح لهذه الرحلة لكنك مصر على الذهاب لا أفهم سبب اصرارك على الحضور وأنت لا تعرفه إلا منذ بضعة اشهر ماذا كنت ستفعل لو كنت تعرفه منذ سنوات..!!"
تأفف مؤيد الذي يسند رأسه للخلف بعد أن قاد لنصف الطريق واعطى السيارة للؤي ليقود بالنيابة عنه باقي الطريق قائلا:" أريد أن أحضر حفل زواج جنوبي يا صاح فلا تكن مزعجا ومملا لقد بتَ لا تطاق.."
لم يعقب على كلامه فهو غير مقتنع به ولن يفعل ليعود مؤيد مردفا:" ها هم أصدقائنا جاءوا معنا ولم يشتكي أي واحد منهم إلا أنت عابس كالأطفال.."
لم يرد لؤي فرمقه مؤيد بنظرة طويلة وهو يتذكر كيف تعارفا ولا يعرف ما الذي رآه فيه وجعله يطلب صداقته فقد كان لؤي شاب من عائلة بسيطة تعرف عليه في الجامعة بينما هو ابن القاضي المعروف بنزاهته وسمعته الطيبة فكل من سمع لقبه سأله عن أبيه لكن تقاطع طريقه مع لؤي لكن ليعترف انه يرتاح معه ويحب ما يصبح عليه وهو معه..

******
اغلقت قمر الهاتف فاقتربت منها ملاك تسألها:" مع من كنت تتحدثين؟"
اجابتها قمر التي تبحث في هاتفها بتصنع:" مع أدم.. طلبت منه أن يأخذنا للسوق عصرا.."
اتسعت عينا ملاك وسريعا نظرت خلفها لتتنهد براحة عندما وجدت المكان فارغا وقالت بصوت خافت مستنكرة فعلة والدتها:" ألم تجدي إلا أدم لتطلبي منه أخذنا قمر؟"
التفت قمر برأسها نحوها واجابتها ببرود:" وبمن أتصل؟ سلطان مثلا؟ لأجرحها أكثر وهي تراه لا يزيح نظره عن اختها.."
جزت ملاك على اسنانها بغيظ:" لعنه الله لا تذكريه امامي لكن أدم ايضا ليس خيارا جيدا وأنت تفتحين عليهما الجروح لا هو نسى ولا هي.."
قالت قمر سريعا:" سأطلقها من سلطان وأزوجها له لن اتركهما يتعذبان وعدتهما وحان الوقت لأبرى بوعدي.."
اخبرتها بما يدور في ذهنها لتجيبها ملاك بسخرية:" هذا أن طلقك الشيخ خوفًا من الفضيحة التي يعلم أنك ستفتعلينها ووافق سلطان على تطليقها وطبعا كلا الامران يقتربان من المستحيل ولكن نقول لو حدث فالشيخ لن يقبل بابن أخيك زوجا لأي منا بل لن يسمح لنا بأن نخطو خطوة واحدة خارج هذا البيت.."
ظلت قمر على صمتها لتسالها بعدها بهدوء مستفز:" وأين قوتك التي تتظاهرين بها؟"
اجابتها أبنتها بالحقيقة التي تدركانها جيدا:" قوتي كقوة أمي مجرد زوبعة في فنجان أنال بسببها الضرب أما الحرية فهي عشم إبليس في الجنة.."
لو ضربتها لم تكن ستتألم بهذا الشكل وهي تضع امامها الحقيقة بدون رتوش فقد وضعتها ملاك امام مرآتها مظهره ما خلف قناعها هي والواقفة امامها ليستا بالقوة التي تظهرانها بل هما أضعف مخلوقات الله على الأرض كل ما تدعيانه هو للمحافظة على بقايا انسانيتهن المداسة تحت اقدامهم.. لكن ما لا تعلمه أبنتها أنها لم تعد تملك قوة للبقاء في هذا المنزل.. قوتها المدعية على وشك النفاذ وتحتاج للتحرر وستحاول أن تفعلها ولو أستلزم الأمر أن تموت، لم تصمت ملاك بل قالت مردفه:" أتصلي به وأخبريه إلا يأتي ولنطلب من عدنان أن يأخذنا.."
رفض قمر قائلة:" لن يقبل بعد ما حدث البارحة ثم أني لا أثق بأحد غير أدم كنت أثق به وبسلطان لكن سلطان بات وجعا لكليكما ولي قبلكما.."
لم تجد ملاك ما تقوله لكنها لا تستطيع أن تتخيل قدوم آدم لهم وأخذهم للسوق قمر تلعب بالنار والتي لن تحرق سواهم..
******
نظرت ملك للخارج حيث يقف آدم مع عدنان وحدثت ملاك الواقفة قربها تنظر لهما بوجوم:" ألم تجد قمر إلا آدم لتطلب منه أخذنا للسوق؟ لماذا لم تتصل بغيره من أبناء أخوالي...؟"
إجابتها الأخرى بوجومها وعناد قمر يرفع ضغطها ويجعلها تشتعل بنارها المستعرة:" أنها تخطط لتطليقك من سلطان وتزويجك من آدم.."
اصدرت ملك صوتا ساخرا وقالت:" ما شاء الله وأنا الدمية التي اشتروها ينقلونها من ملكية سلطان لملكية آدم.."
لفت ملاك رأسها صوب أختها قائلة بتأنيب ولوم:" أنتِ رضيت بهذا الدور، لما لم ترفضيه منذ البداية"
تأففت ملك قائلة:" بالله عليك هل سنعيد وما قلته ألف مرة!! كيف أهينه هكذا؟ إلا يكفي ما فعلته أنت به؟! في النهاية يبقى هو سلطان الأخ الوحيد الذي نعرفه.."
تألمت ملاك عند ذكر الصفة التي لطالما أرادتها له ولكنه رفضها ورماها في وجهها مطالبا بصفة تمقتها لكنها باقتدار تجاهلت ألمها قائلة وقد التفت نحوها:" بل قولي خفتِ أن يضربوك "
اجابتها ببرود:" وكأني لم اجربه من قبل لأخافه! ضربتُ بدون سبب ألف مرة ولسبب تافه عشرات المرات فماذا سيفعلون لو رفضته يقتلوني...؟؟"
عادت ملك بنظرها نحو الخارج مردفه بغصة:" وليتهم يفعلونها ويريحوننا من هذه الحياة.."
" هيا أنت وهي لن نجعل ابن خالكم ينتظر أكثر.."
قالت قمر التي خرجت من غرفتها تلف حجابها لتقول ملك باعتراض وانزعاج:" قمر لماذا تفعلين هذا؟ الم تجدي سواه ليأخذنا؟"
" لن يتحمل أحد دلالكن سواه.. "
اجابتها قمر وهي تهم بفتح الباب لتوقفها ملك التي قالت:" لما لم تطلبي من سلطان أن يأخذنا؟"
نظرت قمر لها ثم لملاك التي اشاحت بنظرها لتعود بأنظارها لملك غير قادرة على الاجابة لكن ملك هي من تحدثت ساخرة:" خائفة على مشاعري وهو ينظر لأختي بينما لا يلقي على زوجته والتي هي انا بالمناسبة أي نظرة!!"
كان دور قمر لتشيح بنظرها لكن ملك أردفت قائلة:" والله يا ماما وجوده ونظراته أرحم عليّ من وجود آدم كلما رأيته يؤلمني قلبي.."
مسحت قمر دمعة سقطت على خد ابنتها وقالت:" يا روح أمك أنا أفعل ما فيه مصلحتك.."
هزت رأسها برفض لما تسمعه قائلة:" بل تعدميننا نحن الاثنين ماما.."
ثم أردفت بتوسل:" دعيه يمضي بطريقه عامين مر على عقد قراني وهو يرفض الزواج دعيه ليتزوج ويجد من تسعد قلبه.."
ماذا تفعل قمر هل تقتل نفسها ليرتاحوا منها؟ هل الموت راحة ام عذاب لم تعد تعرف.. قالت بخفوت تتهرب من نظرات ابنتيها المسلطتان عليها ينتظران ما ستقوله:" هيا أنه ينتظرنا منذ وقت.."
وغادرت تسبقهما ليستقبلها ابن أخيها بابتسامة مرتجفة وعينيه تبحثان عن حلم كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق ليأتي الواقع فيحطم الحلم بحقيقته المؤلمة.. رآها تخرج برأس منخفض والعيون تأبى أن ترتفع لتقع في خاصتيه علها تريح القلب المشتاق لتلك الالوان التي حلم ذات يوم بالتعرف عليها لونا تلو الأخر، دقق فيها يتابع خطواتها البطيئة بقلب يخفق في صدره وجرح غائر يرفض أن يشفى مازالت جميلة حلوة هادئة وديعة كحمامة رقيقة كزهرة الجوري الزاهية، لا يعرف أن كان قد أحبها أم لا لكنها كانت بالنسبة له ولفترة حلما تمناه أن يكون واقعا رآها زوجته وأم ابنائه.. خطط لكل شيء من اللحظة التي يعقد فيه قرانهما وما سبقه.. حلم أن يشيخ معها، رسم الكثير من الأمنيات.. وكلها تحطمت بخبر عقد قرانها على ابن عمها؛ خبر صدمهم ولم يستوعبوا كيف ومتى حدث وقد نالوا موافقة مبدئية من الشيخ نفسه وعندما سمع ما حدث جن جنونه ليزداد جنونه وهو يسمع من قمر تفاصيل ما حدث صدمته لم تغلب غضبه ورغبته بالفتك بهم استغلوها أسوء استغلال عاملوها كبهيمة وقرروا بالنيابة عنها ورغم غضبه وثورته لم يقدر على فعل شيء فقد سقط حقه والدها وزوجها لابن أخيه وأي تدخل منه لن يكون بصالحه وحتى الاتفاق المبرم بينهم لم يعد يجدي نفعا، القت ملاك السلام فرده بابتسامة بلاستيكية وعينيه على ملك التي وقفت خلف قمر التي قالت موجهة الحديث لعدنان:" هل أنهيت أمورك..؟"
نظر لها وما زال بداخله غضب كبير منها وذكرى ضربها له لم ينساها فأجاب بجفاف:" نعم.."
أومأت بيأس وأكتفت بصمت حزين فالمسافة بينها وبينه أبعد من بعد السماء عن الارض.. ركبت بجانب ابن أخيها فبيتها هو الأقرب لبوابة المنزل الرئيسي وطريقه الترابي سمح بدخول السيارة لتقف أمام باب بيتها فمنزلها يعتبر بعيد نسبيا عن البيت الكبير فالمسافة الفاصلة بينهما تكفي لبيتين فهذه الارض تم شراءها في السنوات الأخيرة وكان الغرض منها بناء منازل لأبناء الشيخ لكن الأخير قبل عندما طلبت منه أن يبني لها منزلا مستقلا لكنه قبوله لم يكن سهلا بل بعد سلسلة طويلة من الاحاديث والخطط والمشاكل؛ ما أن شغل أدم السيارة جاءهم صوت سلطان مناديا على قمر فمدت رأسها من نافذة السيارة ليقترب الأخير وبادر قائلا بعتاب وهو يسرق نظرة الى المقعد الخلفي:" قمر لما لم تخبريني برغبتك في الخروج للسوق؟"
سألها دون مقدمات لتجيبه قمر بابتسامة متوترة:" أعرف أنك مشغول فحنة العريس الليلة كما أن لديكم عمل كثير فقلت اتصل بأدم أفضل.."
رمقه أدم بنظرة عدائية تجاهلها سلطان وقال:" كنت ساجد فرصة لأه.."
قاطعه أدم يقول بهجوم:" وأين المشكلة أن طلبت مني؟"
يتفهمه ويتفهم هجومه عليه لذا تحدث بهدوء:" ليست هناك مشكلة بالطبع ففيك كل الخير فقط أقول لم يكن هناك حاجة لإزعاجك.."
هم بالرد لكن قمر ضغطت على كفه الموضوع على الصندوق الفاصل بين مقعدهما قائلة:" فيك الخير سلطان ولا تقصر أدم كان لديه عمل في السوق لهذا وافق على اخذنا معه.."
أومأ براسه وابتعد فحرك ادم السيارة مبتعدا ليقول عدنان باستفزاز متعمد:" ما هذه الحرية؟؟ تسمح لزوجتك بالذهاب مع خطيبها السابق.."
لم يرد عليه اكتفى بالصمت ونظره يتابع السيارة التي انعطفت يمينا بعيدا عن مرمى نظره.. نعم الامر لا يعجبه فرجولته ترفض أن يقترب أحد من نسائه خاصة رجل كان يوما خطيب زوجته لكن قلبه الاحمق يدافع عنه بل ويمنحه الأعذار بغباء..

******
تقلب هاتفها بملل ثم تعود بنظرها لأبنائها حيث يلعبون في القسم المخصص للأطفال في هذا المجمع التجاري الذي أصر خالد على أن تذهب إليه مع الصغار بدلا من الخروج مع صديقتها بمفردهما فأجبرت وجلبتهم معها رغم امتعاضها من ذلك فهي تكره الخروج مع الأطفال وتشعر أنهم يعيقون حركتها.. قالت الجالسة بجانبها بامتعاض وعينيها على الصغار:" لا أفهم لما احضرتهم معنا!! أنهم يقيدون الحركة وها نحن مجبرات على البقاء هنا في هذا المكان الممل.."
اجابتها لينا بنبرة غامضة لم تتبين منها صديقتها ما يخفى وراها بينما نظرها مسلط على أبنائها وخاصة فادي الذي يلاعب ماغي مفكرة كم يشبه أباه:" خالد طلب مني احضارهم فقد وعدهم بأن يخرج معهم اليوم لكن عمي طلب منه الذهاب للشركة فاضطررت للموافقة وجلبهم الى هنا بالنيابة عنه.."
مطت الاخرى بعبوس ثم قالت بصوت خافت:" ومنذ متى يأمن عليهم معك..؟"
التفت نحوها بحدة تناظرها بنظرة غاضبة فضحكت الأخرى قائلة:" امزح امزح .."
لم تصدقها مدركة بداخلها أن صديقتها ماتيلدا كاذبة.. لم تستلم ماتي بل قالت تسألها بخبث متعمد:" لم تخبريني ماذا حدث معك، هل ذاب واستسلم ام...؟"
وتركت باقي جملتها مفتوحة لتلتقط لينا المكر في عينيها فأجابتها ببرود:" الأمر لا يعنيك.."
ضحكت ماتي ضحكة عالية مستفزة لترمقها لينا بضيق بينما الاولى تقول بسخرية شابتها الشماتة:" إذا فشلتِ ولم يرضخ لجمالك.."
رد لينا بحدة:" لا دخل لك ماتي.."
مالت عليها ماتيلدا قائلة بذات النبرة الخبيثة الشيطانية التي تدعو للسقوط في الخطيئة:" الحل موجود وأنت من ترفضه.. قلت لك سابقا أنه سيحقق لك كل خيالاتك لكنك تحبين أن تلعبي دور الشريفة.."
مالت لينا نحوها تجيبها ضاغطة على حروف جملتها:" وأنا لن أخون خالد.."
" هل وقعنا في حبه...؟"
سألتها بمكر وعيون تلمع بخبث لتشيح لينا بوجهها مفكرة، من يعرف خالد ولا يحبه هو رجل رائع حنون ويعرف كيف يغدق امرأته بحبه يعطيها كل ما تريده مراعي حتى في لحظاتهم الخاصة كل شيء فيه رائع فقط هذا التزمت الذي يلتزم به ويتخذه أسلوب حياة حتى في اشد اللحظات عاطفية التي تجمعهما؛ فينما هي تريد اشياء معينة لتزيدها رضا في تلك اللحظات وتريدها منه هو خصيصا لكنه يرفضها ويتحجج بالإسلام ويتفلسف بالحلال والحرام أمورا تمقتها ولا تقنعها ليته فقط يستمع لها ويترك لها الفرصة لتريه كمية المتعة التي سينالها هو قبلها لكنه عنيد عنيد لدرجة مغيظة..
قاطعت ماتيلدا افكارها قائلة بخبث كشيطان يوسوس لبشري ضعيف عارفا بكل ثغراته:" ليلة من المتعة دون مشاعر؛ دون حب، فقط المتعة الخالصة والحصول على ما تريدينه وبمختلف الوسائل ولن يعلم أحد.. فكري لين فكري جيدا تخيلي فقط صراختك في تلك اللحظات تخيلي كمية السعادة والانتشاء الذي سينالك منها.."
ابتلعت لينا ريقها وصور معينة تتوارد في خيالها صور جعلت حرارتها ترتفع ورغبة قوية تجتاحها.. ابتلعت ريقها بقوة وبشكل واضح لم يفت التي تراقبها بتدقيق لم تنتبه له في خضم صراعها بين رغبة وبين عقل تاه وقلب رافض.. ثم انتفضت بسرعة كالملسوعة ووقفت بحدة حتى أن الكرسي الذي كانت تشغله سقط أرضا دون أن تنتبه له وهي تصيح بحدة في ابنائها الذين نظروا لها باستغراب.. بدأت تضعف ضعفا قرأته الاخرى بيسر فابتسمت بخبث لم تنتبه له لينا في خضم ما تعيشه فقالت بحشرجة:" ماتي أن لم تكفي عن هذا سأنهي صداقتنا وهذه المرة افعلها حقا.."
وتحركت تسحب ماغي من شقيقها وتضمها لصدرها كأن ابنتها حصنها المنيع أما فادي وفريد فكانا يتابعان والدتهما باستغراب وقد شعرا بتوتر الأجواء بشرارات غير مفهومة لهما وغادروا مع والدتهم دون نقاش بعد ما أن امرتهم تحت انظار التي رفعت هاتفها تكتب رسالة:" الفأر بدأ يسقط ليستعد القط للحظة الحاسمة.."

*******
اعطت حفيدتها الدواء تخبرها:" هبة يا أبنتي أسمعي كلامي ودوريه في عقلك جيدا أنا جدتك وأريد مصلحتك.. "
لم تجبها بحرف ولم تنظر لها ولو بنظرة واحدة اكتفت بأن اخذت منها كوب الماء والحبة بينما أردفت الجدة بسرعة:" لا تسمعي لعمتك وجنونها كل الرجال عندما يغضبون يضربون زوجاتهم لكن هذا لا يعني هذا انهم لا يحبون زوجاتهم.."
تجاهلتها تماما ولم تمنحها ولو ردا صغيرا بل عادت واستلقت على السرير تعطيها ظهرها لكن جدتها لم تستلم بل قالت:" المرأة ليس لها إلا بيتها وزوجها مهما حدث بينهما والداخل بينهم لا يخرج منها إلا بمشاكل.."
واردفت بحزن:" عمتك ترفض أن تقتنع إن المرأة لا يرفع مقامها إلا رجل مهما حصلت على شهادات ومهما وصلت بالمناصب هكذا خلقنا الله صبورات محبات وأكثر تحملا لهذا جعل الحمل خاصا بالمرأة.."
تثرثر وتتحدث والمعنية صامتة تنظر للجدار المقابل لها بنظرة خاوية تستمع لها وتفهم كل جملة تقولها ففي النهاية هي ذاتها الجمل التي سمعتها من والدتها عندما تمت خطبتها حينها أرادت أن ترفض فلم تشعر نحوه لا بالراحة ولا القبول المتوقع لكن والدها لم يستمع لها ووافق على العريس الذي يكبرها بأربعة عشر عاما ويعمل كميكانيكي ويعيش في بيت عائلة لكنه لم يبالي بشهادتها ولا عملها ولا احلامها بل هي نفسها كإنسانة لم يهتم ويراعيها كما يجب فكل ما أهتم لها انها وصلت للرابعة والعشرين دون زواج وخوف كبير يكبر بداخله كلما كبرت في السن..
سكتت جدتها عندما طرق جرس البيت فلم تتحرك وهي تسمع جدتها تقول:" بسم الله من هذا الذي سياتي لنا الآن...؟؟"
وأردفت تحدث نفسها:" جيهان لن تعود الآن فقد غادرت للعيادة قبل ساعة.."
اضافت عندما لم تجد إجابة من هبة:" لم أعد قوية وهاتان الساقين لم تعودا تحملاني.."
وأيضا لم تنل أي رد على حديثها فالمعنية بالكلام كانت تأخذ استراحة بل تشبع من أيام الراحة والهناء.. تقضي أيامها بعيدة عن الجحيم حتى تعود له ليستقبلاها الموت برحابة صدر.. فتحت أم جيهان الباب لتدخل سليمة قائلة وهي تقبل وجنتا أم جيهان بقوة:" كيف حالك يا أم الدكتورة والله اشتقنا لم نعد نراك.."
اجابتها الاخرى وهي تبعدها عنها:" أهدي يا سليمه واتركي لي فرصة للكلام.."
لم تمنحها الاخرى أي فرصة وهي تدخل وتتحرك لتجلس على الأريكة تقول:" اشتقت لك فقلت آتي وأراك وأطمئن على الدكتورة.."
واضافت وعينيها تبحث في المكان:" هل هي في هنا لنسلم عليها؟"
ولم تمنح صاحبة البيت لترد أذ أردفت وفي نيتها أمر بعيد عن حديثها الظاهر:" هل هناك اخبار سعيدة؟"
والسؤال جعل المعنية تنسى كل شيء وأكتفت بتنهيدة عميقة وسارت تجلس بجانبها قائلة بحسرة:" من أين يا حسرة البنت ضاع شبابها دون رجل أو ولد تصلب به طولها.."
ربتت الاخرى على ساقها بمواساة كاذبة:" الخير فيمَ اختاره الله يا حاجة أدعي لها فقط.."
تنهيدة اطول وأعمق من سابقتها صدرت من أم جيهان التي قالت:" والله أدعو وأفعل كل ما أسمع انه يفتح القسمة لكن العين عليها لا تترك لها حظا ولا نصيبا ليعمي الله عنها العين فقط وسترين كيف ستفتح قسمتها.."
ناظرتها سليمة بغيظ وهي تسمع مدحها لابنتها فمهما ملكت ومهما وصلت تبقى انثى ناقصة لم تنجح في أسهل امر في الحياة الزواج لكنها مالت على أم جيهان تقول بنبرة خافتة كأنها تسرها سرًا:" ولما لم تذهبي لميثاء لتقرأ عليها أو تكتب لها حجابا يفك قسمتها هذه البنت زوجت أكثر من فتاة.."
هزت يديها بحسرة قائلة:" اسكتي أذهب اليها فتعاند وتقول إنها لا تزوج الفتيات وأنها فقط ترشحهن للنساء اللواتي يبحثن عن عرائس والباقي قسمة ونصيب.."
ردت الأخرى ترمي فوق النار المستعرة المزيد من النفط لتشعلها أكثر وأكثر:" تبعد عنها العين يا حاجة فهي تفعل ذلك حتى لا يقال عنها أنها مثل أبيها.."
" إلا أعرفها خبيثة مثله.."
ردت أم جيهان بنبرة ساخطة فاتسعت ابتسامة سليمة التي قالت بتمثيل متقن:" كنت اتمنى أن أفرح بالدكتورة فهي تستحق والله وقلبي يدعو لها ليل نهار.."
لتضيف وهي ترى الاخرى تمسح عينيها بطرف شيلتها الخاصة بالنساء كبيرات السن والتي ما زالت ام الدكتورة ترتديها وترفض تبديلها بالحجاب:" هناك من حدثني عن رغبته بتزويج أبنه.."
وكما توقعت لفتت انتباهها بحديثها لتردف قائلة:" الرجل ما شاء الله مال وجمال ومنصب ويعيش في الخارج لكن حظه قليل فقد طلق زوجته منذ سنوات وأقسم أنه لن يتزوج إلا من بلده.."
ثم نظر لها بخبث تسألها بنبرة متصنعة:" هل تعرفين فتاة مناسبة؟؟"
سألتها أم جيهان بلهفة ولم تنتبه للتي خرجت تقف عند الباب تراقب ما يحدث باستغراب:" كم عمره؟"
ابتسمت سليمة قائلة:" عمره اربعين عاما فقط.."
واردفت بمكر وملامح لفتت انتباه هبة التي تقف بعيدا تراقب الدهاء الواضح على ملامحها بينما جدتها لا تراه وقد أعمتها رغبتها في تزويج ابنتها:" لماذا يا حاجة؟ هل لديك عروس مناسبة له.. !!"
امسكت بيدها الحاجة قائلة بلهفة متجاهلة سؤالها:" هل لديك صورة له وهل له شروط معينة؟"
بادعاء وتمثيل متقن قالت سليمة وكأنها انتبهت الان فقط لما فعلته وصدمت به:" يا حاجة هل تقصدين ما فهمته!!"
اومأت الحاجة لتقول سليمة وهي تقف:" يا حاجة لا تورطيني مع الجماعة يريدونها صغيرة لتدلل أبنهم.."
امسكت الحاجة بكفها توقفها عن المغادرة قائلة نبرة مترجية:" بل يحتاج انسانة رزينة تفهمه وتحتويه.."
رفضت سليمة بإصرار متقن ثم بعد دقائق ادعت الاستسلام قائلة:" فقط لأنك غالية علي سأفعل وسأخبر والدته بالدكتورة ولكن.."
وتركت الجملة مفتوحة لتقول أم جيهان بابتسامة عريضة وأمل كبير بدأ يقتحم قلبها:" سيكون من نصيبها أن شاء الله انت فقط قولي يا الله.."
هزت رأسها بقنوت وغادرت مودعة لتوقفها والدة جيهان قائلة:" لم تجيبيني هل عندك صورة له؟"
ضيقت هبة من بعيد ما بين حاجبيها بفضول وقد اخفضت جدتها صوتها لتبتسم سليمة لها قائلة :" بالطبع يا حاجة عندي لكن.."
وتظاهرت أنها لا تقدر على منحها إياها لتقول الاخرى بلهفة:" أريني إياها.."
تصنعت سليمة التردد في اخراج الصورة ثم الاستسلام التام وهي تمد الصورة لها لتشهق والدة جيهان وهي ترى الشاب بل رجل يملا القلب والعين لتهمس داعية ان يكون من نصيب ابنتها:" ما شاء الله لا قوة الا بالله.."
ابتسمت سليمة بظفر وقالت بصوت منخفض:" هل تبقيها عندك لتراها الدكتورة وتعيديها لي غدا؟"
اومأت الاخرى بحماس وتركت سليمة الصورة عندها لتغادر بعدها بهدوء عكس ما دخلت به.. وما أن أُغلق الباب خلف ظهرها رفعت هاتفها تتصل بمن وصتها أن تبحث عن عروس لأبنها وقد رشحت لها جيهان فهي المناسبة تماما للعريس وظروفه ووافقتها المرأة بعد تفكير قصير فطلبت منها الذهاب ورمي الطعم وهذا ما فعلته قبل قليل:" سيدتي غمزت الصنارة والصيد أقترب من اليد.."
ضحكت السيدة قائلة:" ماكرة حقا ونجحت فعلا كما قلتِ.."
واضافت بترغيب:" ولك حلاوة معتبرة فقط ليتم الأمر.."
صاحت سليمة قائلة:" سيتم أن شاء الله سيتم كما تأملين فقط اتكلي على الله وعليّ والدكتورة ستكون من نصيبكم.."
اغلقت السيدة الهاتف واتصلت بزوجها الذي رد سريعا يسألها ماذا حدث، فردت وهي تضع ساقا على الأخرى:" كل شيء تمام حضر نفسك للقدوم لعقد القران فلا أريد أن نتأخر أكثر من هذا.."

*******
كتب على هاتفه ردا على الرسالة التي وصلته الان (ما عندي قلته يا اسراء فلا تناقشي أكثر.)
جاءه الرد سريعا مغتاظا وبوجوه غاضبة تسبقه (كيف هذا يا يوسف لما تمنعني من الذهاب للحفلة مع أمي؟)
ابتسم ساخرة وكتب لها (لأني اعرف نوع الحفلات التي تذهب لها والدتك..)
ووجه يبتسم ابتسامة ساخرة جانبية.. اغلق هاتفه دون أن ينظر لردها رغم الأشعار الذي وصله لكنه تجاهله بتعمد؛ ركن سيارته عندما وصل للشارع وتحرك نحو محل الادوات المنزلية الذي يديره عمه وأبناء عمه الثلاثة.. بحث بعينيه عن أصغر أبناء عمه وصديقه الوحيد لكنه لم يره ليتحرك لنهاية المحل حيث يتوقع أن يجد عمه وفعلا وجده هناك يقوم بترتيب البضاعة؛ ضل واقفا في مكانه يراقبه ويعقد المقارنة الدائمة بينه وبين أبيه كلما رأى عمه تنعقد هذه المقارنة التي لم تكن يوما في صالح الأخير كم يختلفان رغم أنهما شقيقان وولدا من بطن واحدة لكن من يراهما لا يقول ذلك فلا الشكل ولا الصفات تشابهت فبينما كد عمه وتعب طوال سنوات عمره حتى وصل لهذا العمر، ليربي ابنائه الثلاثة على اخلاق شبه انعدمت في هذا الزمن بينما والده..
هز رأسه بأسى ينفض افكاره هربا، وعند هذه النقطة بالذات ألقى السلام ينهي الابحار في أفكاره التي لا فائدة منها؛ يوقف وساوسه قبل أن يخوض في أرض ضحلة لا يطيقها ويعرف أنه سيغرق بها:" السلام عليكم..."
قالها بصوت جهوري جعل عنه يلتفت نحوه بترحيب حار ومحبة صادقة يستشعرها كلما أقترب من دائرته؛ محبة أب لم يعرفه فقد كبر وهو لا يرى إلا أمه أمامه أما أبيه فلا يعرفه.. لم يكن يوما قريبا منه أو من أخوته حتى بات مجرد ضيف غير مرغوب به بينهم حياه عمه ببشاشة:" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اهلا بك نورت المحل يا ولد.."
ضحك يوسف بصدق قائلا وهو يمد كفه يسلم على عمه الذي سحبه يربت على ظهره:" والله لا أرضاها إلا منك يا عماه.."
ابتسم له عمه يبعده قليلا بينما يقول:" شاهين ذهب ليجلب لنا العشاء أجلس لن يتأخر.."
أومأ برأسه وقال مستفسرا وهو ينظر حوله:" أين أيمن وبشير...؟"
اجابه عمه وهو يتخذ مقعده خلف الطاولة الواقعة قرب الباب:" أيمن سافر ليتفق على البضاعة الجديدة، وبشير أستأذن مني قبل دقائق ليذهب لمنزله ليرتاح.."
هز راسه بتفهم بدخول شاهين الذي قال بمشاكسة:" يوسف عندنا يا مرحبا يا مرحبا فقط قل أي نور هذا الذي جلبك عندنا؟"
ضحك يوسف وحياه بمزاح ثقيل كعادتهما كلما اجتمعا..
*
كان شاهين يرتب الاواني على الأرض ويساعده يوسف بينما يحادث عمه وهو يجيبه على اسئلته ليسأله شاهين وهو يضع أول لقمة بفمه:" هل بدأت شقيقتك امتحاناتها..؟"
اجابه المعنى وهو يتخذ مكانه قرب عمه يجلس على الأرض ببساطة لا يفعلها في مكان اخر هنا فقط يخلع يوسف عنه رداءه الذي يشتهر به هنا يكون شخصا آخر أقل هموما وأكثر بساطة يحب الجو الذي يضيفه وجود هؤلاء الناس في حياته.. لذا معهم يكون آخر لا يعرفه سواهم:" لم يبقى الا أيام قليلة.."
" وكيف أمورها يقولون المواد باتت صعبة.."
سأله عمه ليجيبه الآخر بسخرية مضحكة:" لا تخف عليها معها اينشتاين بنفسه.."
ضحك شاهين بينما يبتلع لقمته وهو يعرف من يقصد بينما تجعد جبين عمه باستفسار فرد يوسف شارحا وهو يضحك بانطلاق:" لا أعرف أن كنت تتذكرها الفتاة التي تسكن سطح منزلنا مع اختها.."
اومأ عمه قائلا:" بلى اتذكرهما أمازالتا تسكن عندكم..؟"
اومأ قائلا:" نعم أمي متعلقة بالصغرى وتعاملها مثلما تعامل هند بل تتشاجر مع أي شخص يسمعها حرفا.."
" كله خير وعمل صالح ليجعله شفاعة لها دنيا واخرة."
قالها عمه ليكتفي يوسف بكلمة(آمين..)
*
كان يقف بجوار شاهين يساعده في ترتيب المخزن ليلتفت نحوه فجأة قائلا:" ما بك يا ولد..؟"
ابتسم شاهين على تقليده لأبيه ولم يرد ثم قال بعد ذلك عندما تكتف يوسف منتظرا الرد:" كف عن اسلوب المفتشين هذا.."
بدا أن هناك شيء يشغله ففضل يوسف الصمت منتظرا إياه حتى يأتيه من نفسه ويبلغه بكل ما بداخله.. بادر يوسف يخبر صديقه وابن عمه بالسبب الذي جلبه وهو يمد كارتون ممتلئ لشاهين الذي استلمه منه ووضعه في مكانه وأخذ يدقق في الاعداد:" قررت مفاتحة أمي بموضوع أسراء.."
شد انتباه الاخر الذي التفت نحوه قائلا بهدوء:" ووالدتها!!!"
لم يجب يوسف والسؤال كان أطول من تلك الكلمة الواضحة، السؤال كان عن سبب التأجيل للآن رغم علاقتهما التي بدأت منذ خمس سنوات:" أنت تورط نفسك يا صديقي.."
قالها شاهين قبل أن يتركه ليكمل عمله وكانت هذه الجملة هي ذاتها ما تدور في عقله منذ اتخذ قراره..

******
" المسكين لا يستطيع أن ينظر لك عينيه تفضحه.. "
قالتها ملاك هامسة لشقيقتها الصامتة منذ خرجن من منزل والدهن وطوال الفترة التي قضينها في السوق وحتى هذه اللحظة وهم في طريق العودة؛ فكانت طوال الوقت تشيح بنظرها عنه تتهرب من النظر اليه تدعي أنها لا تراه لا تنتبه لعينه المتابعين لها بخلسة وقد رأت في عينيه ما شاركتهما به عينيها.. فالعيون حملت وجعا وخيبة واعجابا قتل في مهده.. تحكي العيون ما في الصدور لا تخفيه بل تفضحه دون كلمات فقط القلب يتلقى الحروف المفضوحة ويسجلها نبضاته الثائرة... لم ترد لم تجد ما تقوله والموقف اخرسها تماما حتى رغبتها في أن تأمرها بالصمت لم تقدر على النطق بها.. هو وهي حكاية حكم عليها بالإعدام قبل بدايتها قصة تمنت أن تنتهي نهاية غير التي انتهت بها قصة منذ بدايتها كانت صادمة لها للان تذكر صدمتها فلم تصدق يوم سمعت بموافقة والدها عليه وتمت بينهما خطوبة بسيطة وارتدت خاتمه خطوبة استمرت عدة أشهر وقد كان الاتفاق أن يتم عقد القران بعد تخرجها من الثانوية، لم تتواصل معه ولم يحاول هو التقرب منها كانت مجرد نظرات وابتسامات.. أفعال بسيطة تغزو أنوثتها فتنتشي؛ الحب لم تعرفه لكنها عاشت تلك الفترة بسكينة وقبول كانت تشعر به نحوه وقد أدركت رغم المدة القليلة أنه عوضها الجميل في الدنيا انه سيأتي ليطبطب جراحها الكثيرة..
تنهدت بخفوت حزين التقطته أذناه عينيه لا تنظر لها لكن كل خليه فيه تشعر بها وكل صوت تصدره يتلقى صداه في قلبه قبل اذنيه.. أحبها!!! لا لم يفعل هو ارتضى بها زوجة أعجب بها وتمناها هذا أقرب وصف لمشاعره نحوها لهذا اتى اليوم ليعذب نفسه كما أخبره أخيه لا بل جاء لينهي بقايا الأعجاب والحلم الجميل الذي عاشه عله يمضي قدما ويرضى بالعروس التي رشحتها له والدته، لكن بعد هذا اللقاء شعر أنه لن يتجاوزها مطلقا ستضل دائما بداخله في ركن خاص بها انشئه لها من اللحظة التي اخبرته قمر برغبتها في أن يرتبط بابنتها.. ستبقى هناك في ركنها الخاص الذي بناه لها في قلبه لتبقى حلما لن يطاله ابدا والامر لا يتعلق بالحب وصخب المشاعر بل لان بعض الاحلام لا تموت تدفن وهي حيه وتبقى ابد الدهر تنازع سكرات الموت وهكذا شعوره نحوه حلم ينازع ولن يموت الا بموته:" وصلنا.. شكرا لك حبيبي.."
على صوت عمته اوقف السيارة وقد شرد في افكاره لكنه تمكن من رسم ابتسامة باردة مجاملة لها لم تصل لعينيه رأتها قمر ليشفق قلبها عليه وهمت بأن تخبره بقرارها لكنها توقفت وبداخلها صوت يخبرها إلا تعيد خطأها السابق وتأمله بشيء لم يحدث بعد.. فلتتطلق هي وأبنتها أولًا ثم تفاتحه بالأمر من جديد، لن تخذله مجددا بأمنياتها ليأتي الواقع ويرمي امنياتها في جحيمه.. ابتسمت شاكرة اياه ثم التفت قائلة:" بنات لا تنسين شيء تأكدن جيدا أنكن اخذتن كل شيء.."
قالت ملاك مخاطبة آدم:" آدم من فضلك افتح الصندوق.."
أمتثل دون كلام ينظر من المرآة الامامية المعلقة للتي تقف خارجا تنتظره، فتح الغطاء فمالت تأخذ المشتريات وعينيه تسمرتا عليها لا تعتقانها ولا تتركانها حينها وكأنها شعرت به رفعت ملك رأسها فالتقت عينيهما بنظرة ابلغ من ألف جملة تقال؛ نظرة فيها عتب كبير؛ لؤم على ضعفها ورضوخها لهم؛ وداع قرأته بيسر ومشاعر شبيه بمشاعرها اجبرت على الاختباء.. اسبلت عينيها واشاحت برأسها لتصدم عينيها بنظرة مفترسة وشاب بعمر عدنان يدقق نظراته عليها لكن النظرات ارعبتها واهتز شيء بداخلها.. شيء غير مفهوم وغير مفسر لكنه شعور بالرهبة مع انقباض في القلب.. شيء فيه لم يريحها لا تعلم هل نظراته المسلطة عليها بوقاحة أم ملامحه التي رغم وسامتها الظاهرة أخفت خطرا قرأته بإحساسها.. هربت من نظراته وتحركت نحو البيت هربا بخطوات سريعة ولاذت بغرفتها تتنفس بحدة وصدرها يعلو ويهبط فوضعت كفها على قلبها هامسة:" اعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم اعوذ بالله.."

*******
دخلت للمنزل بعينين مغلقتان ورغبة قوية تداهمها أن تنام ولا تستيقظ إلا بعد عشر سنوات أو مئة عام.. تأخذ خلال هذه المدة كفايتها من النوم وتستيقظ في عالم وزمان آخر... تحركت نحو غرفتها مفكرة أن اليوم كان مرهقا جدا وأنها ضلت لساعات واقفة على قدميها بسبب حادث سيارة فدخلت عمليتين جراحتين احتاجا منها كل طاقتها التي انتهت تقريبا ولم يبقى ما يكفي إلا للصلاة.. لكن امنيتها تم القضاء عليها ما أن رأت والدتها تستقبلها بابتسامة عريضة توجست منها خيفة فعادت للوراء قائلة:" هل هناك كارثة تنتظرني...؟؟"
ضربتها والدتها بخفة على كتفها قائلة:" تقطعين الخمير بوجهك هذا وتشاؤمك.."
تعدتها قائلة:" أعيش معكم منذ ثمانية وثلاثون عاما وكل مرة أرى أحد منكم يستقبلني أعرف أن خلف هذا الاستقبال كارثة ستقع على رأسي وسبحان الله لم يخيب الله أملى ابدا.."
لحقتها والدتها قائلة بعبوس طفيف واستنكار:" أتقولين عنا شئم يا ابنة بطني!! لا فائدة منك لسانك الطويل.."
التفت برأسها تنظر لها من خلف كتفها قائلة:" لم أقل أنكم شئم قلت إنكم تنتظروني بالكوارث أي تجلبوها لي بسبق أصرار وترصد.. ثم أنا لم أولد بلسان طويل فحسب ذاكرتي أني كنت ولمنتصف العشرينات صامتة وهادئة وأتقبل ما تريدونه برضوخ حتى كلية الطب لم أدخلها بمزاجي بل لأني نلت معدلا يؤهلني لها وبناء على طلب والدي رحمه الله.."
أجابتها والدتها وهي تراها تخلع سترتها:" وهل يتركك لجنونك بترك الدراسة والتعلم الطهي.."
ناظرتها بابتسامة باردة لتردف والدتها متجاهلة نظراتها:" والآن ها أنت دكتورة تملئين العين ومكانة يحسدك عليها الجميع.."
اتجهت نحو الخزانة تخرج منها ثوب بيتي تجيبها ببرود:" وماذا نالت الدكتورة من المكانة واللقب أليس هذا قولكم لي بكل مناسبة!!"
واحتفظت بالكثير داخلها لنفسها فلا تريد أن تذكرها أنهم تقريبا يعيشون على راتبها منذ سنوات، فوالدتها بالذات تعتمد عليها بالكامل حتى أن اشقائها توقفوا عن الأنفاق على والدتهم وتركوا الامر على عاتقها وهي فعلا لا تشتكي لكنهم من يجبرونها على تذكيرهم بذلك، وحتى هم دائمي الإستلاف منها بكل فرصة ممكنة فعملها كأستاذة جامعية تداوم يومين في الجامعة وتعمل كطبيبة في المشفى ولديها عيادة وكلهم جاءوا نتيجة جهدها وتعبها وحبها للدراسة التي لولا ولعها وشغفها الغريب بالدراسة لما وصلت لكل هذا لكن كل هذا الذي امامها وكل انجازاتها لا فائدة منها في نظرهم القاصر، فأن تنال شهادة الدكتوراه شيء عادي وأن تتفوق شيء طبيعي وأن تصعد في المراكز الوظيفية شيء رائع لكن غير مهم المهم أن تتزوج وأن تجد رجلا تكنى باسمه.. والحقيقة هي لا يهمها الأمر لا تراه كما يرونه هم، الزواج مهم هذا حقيقية لا يمكن أنكارها والانتماء لرجل يكملك غريزة أوجدها الله بداخل كل أنثى، فلا الرجل يكتمل دون أنثى ولا المرأة تكتمل دون رجل.. لكنها تعلمت أن الانسان لا ينال كل شيء، وأن أي شيء في الحياة لا يحصل إلا لسبب ومصلحة يقدرها الله؛ فأن لم تتزوج لابد ان هناك حكمة تجهلها.. وللعجب الجميع يتجاهل هذه الحقيقة رغم أنهم ينطقونها بكل مجلس وعند كل حديث وكأننا ندور في دائرة مغلقة يعلمون يتحدثون ثم يتجاهلون كل شيء وصلتَ له بفضل الله أولا وجهدك ثانيا ولا يركزون إلا على ما ينقصك وما لم تناله.. وهي تعلمت منذ سنوات ان تشكر الله وان تقتنع بقسمتها من الحياة، الله قسم لها الكثير ذكاء ووظيفة ومركز اجتماعي والكثير من الانجازات، حتى التعب تحبه ولا تستنكره كغيرها.. كل هذا تراه نعم مّنَ الله عليها فأن سقطت نعمة لن يقلل منها ولن تكون ناقصة كما يخبرونها هي راضية فهل يرضون هم؟؟
" ماذا هناك أمي فهذه النظرات خلفها عريس.."
ضحكت والدتها قائلة وقد نسيت كل غضبها:" ألن تبدلي ملابسك؟"
ارتفع حاجبيها تجيبها:" امي انا في الثامنة والثلاثون وليس في الثالثة، فلو سمحتي اخرجي لأبدل ملابسي واصلي.."
لكن والدتها لم تتزحزح قيد أنملة بل قالت بسعادة عاتية أدركت جيهان أن خلفها كارثة فهمست في سرها (استر يا ستار..) كانت والدتها تتحدث بسعادة جلبت الابتسامة لشفتي جيهان بينما تخرج الصورة من المخبئ السري للنساء ومدتها لها قائلة:" أنظري ومتعي نظرك.."
ارتفع حاجبها الايمن فهذه العبارة جديدة على قاموسها العملي المليء بالعرسان من العجيب للأعجب للعاهات لكنها استجابت واخذت من يدها الصورة ونظرت لها وكانت نظرة واحدة فقط قبل أن يخفق قلبها بنبضة غريبة نبضة بداية قصة حب ستخلد في تاريخها الزاخر بالإنجازات..

*******
بإرهاق ولج لمنزله فك ربطة عنقه وتنهد يحرك رقبته يمينا ويسارا بتعب فهو لم يتصور أن العمل سيأخذ منه كل هذا الوقت إما والده الذي طلبه اليوم فقد غادر الشركة ما ان وصل هو وقد أخبره أنه مسافر ليقضي أمرًا آخر، وبلغه بما صدمه أخبره أن لديه رحلة قصيرة للعراق خلال الايام المقبلة دون تحديد الموعد، لذلك يريد أن يتولى عنه كل شيء خلال هذه الفترة حتى لا يتراكم عليه العمل عند عودته.. الامر الذي استغربه تماما، فسفر والدته قبل أسبوعين بمفردها والان والده، ماذا حل بالدنيا فجأة؟ فوالديه ومنذ سنوات يرفضان العودة لبلدهم ولو بزيارة قصيرة حتى عندما توفت جدته لأبيه لم يسافروا واكتفوا بالاتصال والتعزية الباردة الأمر الذي استهجنه هو ذاته، وقتها فكر بالسفر لأعمامه والوقوف معهم بالنيابة عن والديه حتى وهو لا يتذكر جدته هذا فقد سافروا وكان صغير جدا بالكاد كان عمره حينها أربع سنوات، لكن والديه رفضا الأمر تماما خاصة أن تلك الفترة كان الوضع الأمني سيء جدا لكنه يشعر منذ فترة انهم يخططون لأمر ما لا يعرفه لكنه بالتأكيد لن يكون خيرا.. شخر بسخرية من هذا التفكير الذي يلازمه كلما تعلق الامر بوالديه، الشخص الطبيعي يشعر بالأمان مع والديه ولو ألقوه في المحيط بينما هو لا يثق بهما مقدار ذرة ولو كان واقفًا على اليابسة..
سار الرواق بخطوات بطيئة وقد فضحه تعبه وارهاقه.. وكعادته اتجه نحو غرفه أخيه في الطابق الأرضي أولا فوجده نائما بسكون كعادته، نظر للساعة مستغربا فقد كان الوقت مبكر جدا على موعد نومه.. نادى على أيدن الذي اقترب منه شبه راكض وسأل ما ان وقف الأخير امامه:" لماذا هو نائم هل هو مريض أو يشكو من شيء؟"
رد ايدن بعملية:" لا يا سيدي.. اليوم استيقظ مبكرا وبعد الغداء قال إنه يرغب بالنوم فتركته لينام بعد أن اعطيته العلاج.."
نظر لساعته وأردف:" كنت سأوقظه بعد قليل ليتناول العشاء ودوائه.."
أومأ خالد ثم عادد ليسأله:" ومنذ متى وهو نائم أخاف إلا يستطيع النوم في وقته المعتاد.."
" نام منذ ساعتين وسأوقظه بعد دقائق وأن تأخر عن العاشرة سأعطيه منوم.."
استنكر خالد قائلا:" منوم أيدن.."
ابتسم الاخر بعملية قائلا:" لا تقلق سيدي أنا أعرف ما يناسبه ولن أعطيه جرعة كبيرة فقط ما يكفي لينام بالمقدار الذي يحتاجه.."
نظر من خلف كتفه لأخيه وقال:" حسنا أن استيقظ أخبرني فلم أجالسه منذ أيام ولابد أنه يشتكي من ذلك.."
أكد أيدن قائلا:" أنه فعلا مشتاق لحضرتك.. "
أومأ براسه ثم تحرك يصعد شقته..
*
فتح باب الشقة فاستقبله ثلاث وجوه عابسة مكتفين ينظرون له بنظرة طفولية اذابت قلبه بحب واحساس بالذنب يرافقه كلما تعلق الامر بهم واليوم بالذات لأنه أخلف وعده معهم وأن كان رغما عنه، يوم واحد وحصل عليه بمعجزة لتكون اجازته لهم لكن حدث ما منع ذلك.. ابتسم لهم قائلا:" يبدو أن هناك من هو غاضب ولا يستقبلني كعادته من عند الباب.."
لم يمنحوه رد فقط نظرات صغيرته اشتعلت بتوق تخصه به وكأن الكون بأكمله يدور حوله هو، لكنها استمرت بخصامها اللذيذ مع اشقائها فسأل وهو يتكتف مقلدا إياهم:" ما بهم الحلوين ومن هذا الذي أغضبهم فأقاموا احتجاج حلو مثلهم؟"
ليجيب اوسطهم بنبرة غاضبة:" غاضبون بابا وعدتنا بالخروج وخلفت بوعدك وطلبت من ماما الخروج معنا وعندما خرجنا عدنا بسرعة ولم نقضي سوى نصف ساعة.."
تنهد بيأس من لينا وتقلباتها لكن تلك الصغيرة التي تتوسط شقيقها بشعرها الذهبي وعينيها الذهبيتين بلون يخطف قلبه جعلت ابتسامته تتسع فكم كانت حلوة وشهية وهي تكتف ذراعيها المكتنزتين.. تحرك يخطفها من على الأريكة بسرعة وقد نفض عنه كل التعب والارهاق كان يشعر به قبل دقائق فقط فهؤلاء الاشقياء وقوده هم فقط من ينعش روحه ويعيدون له بعضا من الحياة التي فقدها في مكان ما.. تعالت ضحكاتها التي تنعش روحه وشقيقيها يراقبان الكبير بابتسامة والصغير بغيرة أخذ يحادثها ويشاكسها بقبلاته فتجيبه بضحكاتها المنعشة ليقول فريد:" بابا لنطلب بيتزا ونشاهد فيلما معا ها ما رأيك؟ قل موافق لنسامحك.."
كتم ضحكته على عبارته وهو يتوقف عن ملاعبة ماغي ومال يقبل رأس الغيور فمنحه الأخير ابتسامة سعيدة راضية لهذه المكافئة التي نالها من أبيه، وربت على رأس فريد بحركة يفهمها الاخر قائلا:" بل سنشوي اللحم وتلعبون بالمسبح حتى تملون وبعدها نشاهد فيلما ونستمتع معا ولن تناموا إلا وأنتم راضون.."
اتسعت ابتسامة الصغيران، سرعان ما اختفت من على وجه الاكبر سنًا فادي يقول بحسرة وتردد:" لكن بابا المدرسة الصيفية؟"
ضربه فريد بكوعه يهمس له بغضب:" هل يجب أن تذكره يا أحمق؟"
" فريد.."
قالها بتوبيخ ليقول الصغير:" أسف بابا لكن المدرسة لن تطير ستبقى في مكانها فهي جماد والجماد لا يتحرك.."
كتم ضحكته على تفسيره وقال موجها حديثه لفادي المنتظر لقراره بغمزة مؤامرة:" لا بأس أن لم تذهبوا غدا لن ينتهي العالم وعلى رأي أخيك لن تتحرك المدرسة من مكانها.."
"لدينا دروس بابا.."
قالها فادي بعبوس ليجيبه خالد:" لا بأس الدروس يمكن لها ان تعاد هيا اذهبا وتجهزا.."
قفز فريد بفرحة وركض نحو غرفته ليصيح خالد به مستفهمًا:" فريد ماذا هناك؟"
اخرج رأسه فقط يجيب ابيه:" سأذهب لأحضر ملابس السباحة بابا.."
ضحك خالد ووجه حديثه لفادي قائلا:" اذهب أنت الاخر وجهز نفسك.."
رفع فادي ذراعيه نحو ماغي التي خبئت رأسها في رقبة والدها ليتحدث خالد:" سأعتني بها... اذهب حبيبي وجهز نفسك.."
تحرك الصغير دون لحظة انتظار يتبع أخيه فوصل اليه حديثهما الهادئ وكأنهما ليسا طفلان.. مشفق عليهما وهما يتصرفان بنضوج لا يناسب سنهم وقد أدركوا مبكرًا جدًا أن إلا أحد لهم إلا أباهم الذي هو الاخر مشغول بألف أمر ضائع ومشتت بين عمله وإرضاء والده وبينهم وبين عمهم الذي يحتاج معاملة خاصة، ورغم وجود أيدن الممرض والخدم لكنه يقوم بواجبات تخلى عنها والديه.. رأوا كل هذا وفهموا رغم سنوات عمرهم القليلة فقرروا بنضوج لم يتوقعه منهم ان يحملوا عنه القليل تصرف يعجبه ولا يعجبه في آن واحد، اعتمادهم على أنفسهم مبكرا مؤشر جيد فلا أحد يعرف ماذا سيحدث في المستقبل فيستطيع أن يطمئن أنهم سيكونون معا وأقوى وقادرين على إكمال حياتهم لكنه أيضا مؤشر غير صحي فعلى الطفل أن يعيش طفولته كاملة وينشأ خلالها صحيح النفس خالي من العقد النفسية ليكون في المستقبل شخصا سوي.. لكن كيف يحدث هذا وهم يرون الجميع يدورون في افلاكهم الخاصة تاركين ثلاث أطفال بمفردهم في منزل كبير..
تحرك نحو غرفته واضعا كفه على ظهره ابنته يفكر بهما فادي أبن التسع سنوات وفريد الذي يصغره بعام وشهرين فقط، حمل سريع لم يرده لكن زوجته تعمدت ذلك لتربطه بها عله ينسى لكنه لم ولن يفعل سيبقى متذكرا ما عاشه بسببها وبسبب خدعتها.. قبل خد أبنته التي وكأنها شعرت به فمدت كفها الصغير تدير رأسه نحوها تحادثه بلغتها الخاصة فابتسم لها بعفوية مفكرا أن هذه الصغيرة كانت أمنيته، فهو من طلب من لينا أن ينجبا من جديد وتمناها فتاة.. لا يعني أن شعوره بفادي وفريد أقل من شعوره نحو هذه السكرة لكنه لم يستطع أن ينسى للينا فعلتها وهي تضعها أمام الأمر الواقع عدة مرات.. فهو لم يفكر بالإنجاب مبكرا كان يريد أن يؤجلا الأمر حتى يتفقا لكنها حملت بعد أول ليلة وعندما علم بذلك كان يفكر بالطلاق لكنه تراجع لأجل ابنه وبعد عام عاشاه بين كر وفر من نفسه ومن لينا التي كانت تتعمد التقرب منه حتى لا ينفصلان حملت بفريد نتيجة ليلة نجحت فيها لينا بإغوائه بعد أشهر من محاربة نفسه حتى لا يقربها...
دخل وكانت لينا تقف أمامه بثياب منزلية بسيطة نادرًا ما ترتديها فهي متكلفة بكل شيء تحب كل ما هو لامع مكلف غالي الثمن لا تحب أي شيء لا يجعلها كالنجمة اللامعة حتى في المنزل بينما هو يحب المرأة أن تكون على طبيعتها شعرها طبيعي دون تدخل ووجه عادي كان يتمنى لو أرتبط بامرأة عادية لكن تحمل بداخلها حنانا كبيرا؛ حنان يعوضه عن البرود الذي عاشه طوال حياته وكان سيكون لها كما تتمنى وأكثر.. سلام بارد القاه فردت عليه:" عدت مبكرًا.."
قالتها لينا بتعجب فتبسم هو بسخرية بينما يضع ماغي على السرير فرفعت كفيها تناديه بعبوس غير راضي، تطالبه أن يحملها مجددا حادثها بخفوت وصوت ناعم يخصها به يشرح لها كأنه يشرح لشخص واعي فاستجابت الصغيرة له.. قال وهو يتجه نحو الخزانة وهذه المرة يحادث زوجته:" ماذا أفهم من هذا السؤال؟"
اقتربت منه واضعة كفها على ظهره تحركه بحركات مدروسة هامسة بصوت خافت حار لم يصل للصغيرة التي تراقبهما بنظراتها البريئة:" اشتقت لك خالد.."
التفت اليها يجيبها بصوت خافت ساخر:" وطلباتك؟"
تحرك كفيها تفتحان الزرين العلوين تجيبها بهمس يزداد حرارة:" لا أريدها.. أريدك أنت فقط اشتقت لك واشتاق للحظاتنا سويا.."
تطالبه بحقها وهو رغم عدم رغبته فيها أو بقربها لكنه أومأ برأسه موافقا هذا حقها شاء أم أبى، عليه أن يتنازل ليستمر المركب ما دامت تنازلت قليلا فهو لن يطلقها وله اطفال منها قرار اتخذه منذ رأى فادي نائم بين ذراعيه صحيح لم تكن الام التي يتمناها لهم لكنه لن يحرمهم منها لأجلهم لا لأجله.. قال بصوت خافت لا يحمل أي شعور أو رغبة فيها.. صوت خالي من المشاعر مجرد واجب ثقيل يقضيه:" حسنا لكن أجليها حتى ينام الصغار فقد وعدتهم بأن اقضي باقي اليوم معهم.."
قاطعته قائلة بلهفة تحارب بقربه شياطينها:" أخبرهم أن يشاهدوا فيلما و.."
قاطعها بدوره قائلا بقوة:" انجبتهم لتقيديني بهم فلما باتوا الآن حملا ثقيلا على قلبك.."
"خالد.."
همست باسمه بصوت غاضب وقد اشتعلت عينيها بغضب:" لما تذكرني بما فعلت بكل فرصة تتاح لك صحيح لم ترغب أنت بأنجابهم لكنك تحبهم.."
ابعد كفها الذي ضل مكانه يتوسد صدره:" لأنهم أبنائي وأن كنت لم أفكر بالإنجاب بل ورفضته لأني عرفت النتيجة مسبقا النتيجة التي تحدث امامنا الان فمنذ انجبتهم لتجبريني على البقاء معك وهم آخر همك وأنا من عليه أن العب الدورين معا دور الام الذي تخليت عنه منذ اللحظة الأولى لوالدتهم ودور الاب الذي العبه دون أن أجيده.."
وأضاف بقوة مشددا على حروفه التي تخرج من بين اسنانه:" رفضي للإنجاب لم يكن رفضا لهم بل رفضا لأن تكوني أنت أمهم.."
ناظرته بغضب ناري لم يبالي به بل حمل ثيابه واخرج العابا يحتفظ بهم هنا واتجه بهم لأبنته يحادثها بحب وقد تغيرت نبرته ونظراته تماما:" بابا ألعبي حتى أبدل ثيابي وأعود لك.."
بذكاء يعجبه في ثلاثتهم استجابت الصغيرة وبدأت تلعب بدميتها دون أن تهتم بوالدتها التي لا تعرفها فهي نادرا ما تقترب منها أو تلاعبها فحفظت وجهها كشخص مألوف وليس المرأة التي انجبتها فحتى الرضاعة الطبيعية رفضتها خوفا على جسدها بينما توجه خالد للحمام تاركا خلفه لينا ترغي وتزبد بغضب وكلمات صديقتها تعاد وتتكرر عليها..

******
يسبح مع صغاره وهو يضع ماغي في الحلقة العائمة يمسك بها ليتأكد من أنها لن تفلت من بين يديه ويراقب أبنائه بعينين كالصقر يوجههم فيستجيبون له بمحبة لا رهبة وثقة كسبها فالأطفال لا يصدقون إلا الأفعال ولا يستشعرون إلا اصدق المشاعر فيعرف الطفل من يحبه حقا فيميل له ومن جاء ليجامل فينفر منه.. وعلى مسافة قليلة جلس أخيه بجسده الضعيف فوزنه لا يكاد يصل للخمسين وبقع بنية داكنة تملأ جسده تظهر بوضوح على بشرته الشاحبة، عابس الوجه محتد النظرات وجسد متشنج وقال لأيدن بغضب:" أريد أن أسبح.."
اجابه أيدن قائلًا بهدوء وأن شاب نبرته صرامة يمارسها في حالات معينة:" لا يمكن.. المسبح خطر عليك.."
أشاح الاخر بنظره عابسا وعينيه معلقة بأخيه الأكبر بغيرة واضحة يريد أن يسبح يريد أن يلعب مثلهم... أخرج خالد ابنته ونادى على صغيريه قائلا:" فادي فريد هيا حتى لا تبردا.."
رد فريد بتوسل:" قليلا بعد بابا وسنخرج ارجووووووك.."
ابتسم وقال:" حسنا خمس دقائق سأبدل ملابس شقيقتكم واعود اجدكما خرجتما.."
أومأ كل منهما براسه، مر خالد من جانب أخيه فمنحه ابتسامة وتحدث معه قليلًا والأخر مستمر بعبوسه رغم محاولات خالد في جذبه لمحادثته حتة يأس منه فقال:" حليم لا تغضب هكذا عندما أعود سأساعدك لتلعب قليلا بالماء.."
لم يمنحه ردا مستمر بعبوسه ومخاصمته له، فتنهد خالد مستسلما وتابع سيره بينما ابتعد ايدن ليرد على الاتصال الذي جاءه.. لم يكد يدخل البيت عندما صرخ ابنه:" بابا .. عمي ... أ أ أنه يغرق.."

انتهى الفصل
ننتظر آراءكم و تعليقاتكم يا حلوات





التعديل الأخير تم بواسطة هاجر جوده ; 08-02-25 الساعة 11:00 PM
هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
قديم 10-02-25, 07:47 PM   #38

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,136
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

مسا الورد
فصل رهيب رهيب
سلطان خطف قلبي وصراحة ناطرة اعرف سبب رفض وكره ملاك الو وسر ذمرها لأخوها بتوقع المتوفي
قمر لبوة بدفاعها عن بناتها وللأسف ابن بالاسم فقط تربى بعيد عنها
مفكر هالشي تخلي منها عنو لهيك حقدو وغبرتو اضافوا لدلالو وسوء تربيتو نتاج ولا ابشع وتجبر بس اللوم كلو هالأب
ملك الرقيقة وشعور بالاخوة تجاه سلطان صعب تتقبل شخص عاشق لاختها وبنفسرالوقت قصة ما كملت مع ادم لوين الامور رايحة معن الله يستر وبظهور غامض وسيم ينذر بالشؤم
جيهان بمية بمبة رجل بمجتمع ذكوري بيبرر للرجل عنفو بحجة النربية او غلط الزوجة او البنت كيف طاوعو قلبو يعمل ببنتو هيك كلام جيهان معو وقوتها الله عليها وحوارخا مع الدكتورة حط ت اصبعها عالجرح للاسف القانون عاطول بينصف الاقوى وهاد بيرجع للمجتمعات الذكورية
واخيرا هبة اخدت.قرار بالهروب من جحيم أب ظالم وأم ضعيفة يا خوفي عليها من القادم
وطلب زواج فيه وراه سر كبير يا خوفي عليها
عارف بئس الزوج وارجل مدعي التدين
يوسف واسراء شو سبب عدم زواجن ووالدتها شو قصتتا
خالد الله علين أب واخ من أروع ما يكون عرف ربى فادي وفريد نضج فاق عمرن لينا وانانية تفوقت فيها عانفسها ومدعية صداقة عم تقدر تيخ سمها بادنها ولينا راح تهصع لشهوة جسدها
سراج واصاءنك عا قضية مغتصب بيتحول لزوج واغتثاب بظل القانون فهلا مجحف بخق كل فتاة
القفلة رهببة رحيم الله يسنر ابدعت ماشاء الله تسلم ايدك يارب جميلة الروح والاحساس
ا

هاجر جوده likes this.

Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-02-25, 12:40 AM   #39

ام سامي

? العضوٌ??? » 519366
?  التسِجيلٌ » Jun 2024
? مشَارَ?اتْي » 306
?  نُقآطِيْ » ام سامي is on a distinguished road
افتراضي

رواية رائعة شخصية جيهان أعجبتني لكن أتوقع الصورة التي رأتها هي صورة خالد و والده هو الذي يريدها لنفسه خيالي شطح بعيد
في الإقتباس ذكرتي حادثة اغتصاب توقعاتي ملك و المغتصب مؤيد
واصلي ننتظر جديدك

هاجر جوده likes this.

ام سامي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-25, 10:00 PM   #40

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,965
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الرابع


وبعد سقوطك أيتها اليمامة
ستسطع حقيقة النفوس
وستنكشف الحقائق
وتسقط الأقنعة
وتتعرى الأرواح
بعد سقوطك أيتها اليمامة الصغيرة
ستبدأ حكايات الوجع والأمنيات المبتورة..


قبل ثلاثة أعوام ..

وقفت قمر تراقب ابن أخيها بفخر وغصة، هذا الذي أمامها يكبر عدنان ببضعة أشهر لكن شتان بين الإثنين، فالأول درس واجتهد وحقق ما يطمح له هو ووالديه وها هو طالب جامعي وشاب محترم وخلوق يُضرب به المثل بأخلاقه وأدبه والتزامه بينما ابنها ترك المدرسة منذ سنوات مكتفياً بالابتدائية وها هي سُمعته تسوء يومًا بعد يوم، شخصية أقل ما يقال عنها سيئة بتقلباته ومزاجيته وسوء خلقه وأسلوبه الجاف الحاد مع الجميع.. وتقف هي عاجزة عن الأخذ بيده وسحبه بعيداً عن الهاوية التي يسير نحوها وهو أعمى القلب والنظر.. ففي الماضي كان صغر سنها يمنعها من تفهمه وتجد نفسها حائرة في كيفية معاملته والعكس ما حدث مع البنتين ربما لأنهما بنات فكانت تجد طريقها إليهما، لكن عدنان.. فكرت بألم وغصة تستحكم حلقها أنه الآخر لم يمنحها فرصة لتقترب منه دائما ما كان يصدها ويرفض أي محاولة منها في التقرب منه، مستنكرًا صغر سنها رافضاً أن تكون أمه في عمر اشقائه بل وتصغرهم سناً لكن ما ذنبها هي؟ هل اختارت هي هذا المصير؟ هل تزوجت بإرادتها مثلاً؟!
تنهدت بحزن يوجع قلبها مما وصلت إليه بأفكارها، انتقلت أفكارها إلى همها الآخر والأكبر وشغلها الشاغل في حياتها؛ بناتها كل ما فعلته وستفعله لأجلهن لا يهمها في الحياة إلا سعادتهن وأن يجدن رجال حقيقيون يراعون الله بهما.. مطمئنة على ملاك لأنهم اختاروا لها سلطان وكم حمدت الله على أن الشيخ اختاره هو بالذات من بين جميع أبناء اشقائه العزاب ولو كان اختار غيره لا تعلم ماذا كانت ستفعل حينها.. ولم يبقى لها إلا ملك الصغيرة تلك الفتاة الناعمة الرقيقة كالفراشة الزاهية برقتها وطيبتها وهي بهذه الشخصية الهادئة الصبورة والمتفانية لا تناسب بل لا تستحق أي من أبناء عمومتها؛ تريدها أن تخرج من المنزل وتجد نفسها مع رجل حقيقي يدعمها ويحقق لها أحلامها الصغيرة مثلها
(ومن أفضل من آدم..)
همست بسرها تحادث نفسها وعينيها لا تتزحزحان عن الغافل عنها مشغولًا بكتابه وأوراقه.. تحركت نحوه متعمدة أن تصدر صوتاً فرفع رأسه نحوها وعندما رآها قفز واقفاً يرحب بها بحفاوة أطربت قلبها وجعلتها أكثر يقيناً من حسن اختيارها له لن تندم لو كان هو زوج ابنتها مهما كانت عيوبه فهي أهون من عيوب شباب عائلة زوجها.. لن تندم أبداً وإن دفعته نحوها، لا عيب في أن تبحث لها عن رجل لن يُقلل ذلك من قيمتها أو قيمة ملك..
جلست قربه تنظر إليه تدقق في ملامحه.. وسيم بملامحه الحادة ووجهه الأسمر الذي ازداد سمرة بسبب شمسهم الحارة خاصة أنه يعمل بعد عودته من الجامعة ويصرف على نفسه منذ سنوات.. صفة أخرى تضيفها لصفاته التي تطرب قلبها كأم تمنت أن يكون ابنها بهذه المواصفات وقناعتها بأنه الأنسب لملك تزداد رسوخاً:" عمة هل هناك شيء بوجهي.؟"
سألها ضاحكاً وضحكته تبهج قلبها فابتسمت على قوله وقالت وهي تربت على خده:" كبرت يا آدم وغدوت رجلاً..."
رد بخجل رجولي يعجبها فيه:" وهل سأظل طفلًا يا عمة؟"
سألته مباشرة دون لف ودوران هي لديها سبب في قدومها لبيت شقيقها اليوم ولن تتراجع الآن وتتكلم بما لا يفيد:" حبيبي ما رأيك بملك؟"
نظر لها مستغرباً من سؤالها الذي لم يتوقعه ثم قال بصدق:" فليحفظها الله لكِ يا عمة إنها مؤدبة وخلوقة.."
" هذه صفاتها كفتاة وكزوجة كيف تراها؟؟"
ترك أوراقه في مكانها والتفت نحوها بكامل جسده يطالعها بتدقيق يريد أن يفهم ما يدور في خلدها وسبب سؤالها الغريب ثم قال يرد عليها بسؤال وقد أوشت نبرته بحيرته واستغرابه لهذا السؤال:" لما هذه الأسئلة عمة؟"
ردت عليه بخفوت لكن بصراحة توضح بها ما تريده:" لو قلت لك أنى أتمنى أن تكون ملك من نصيبك ماذا تقول؟"
اتسعت عينيه غير مصدق لما يسمعه منها ليرد بتردد:" عمه أين أنا وأين هي!! ثم كيف تريديني أن أفكر بابنة الشيخ؟"
ربتت على كفه الموضوع على ساقه قائلة:" هذا ليس جوابًا على سؤالي لذا أجبني بصراحة كما أحادثك كيف تراها كزوجة محتملة؟"
تلجلج قليلًا ثم قال بصراحة وخجل تمكن منه رغمًا عنه هو تعلم ومنذ صغره أن يحفظ عرضه وعرض الناس ولا ينظر لأنثى نظرة تقلل منه قبل أن تقلل منها لذا كان دائماً يعامل قريباته بأدب واحترام يلزم نفسه به:" الفتاة جميلة ما شاء الله وفيها الكثير من الصفات التي تعجبني.."
ابتسمت برضا وملامحه تفضحه، هذا الفتى معجب بملك أو بالأحرى يميل لها هي أكثر من تعرف كيف يعامل قريباته ولهذا اختارته من بين أبناء اشقائها فقالت بابتسامة ذات مغزى:" هل تميل لها يا ولد؟"
أومأ بخجل وأشاح بنظره متهرباً فقالت وكأنها تسره سراً:" هي لك بإذن الله، فقط أريدك أن تجتهد في دراستك وتعطيني فرصة لأتحدث بالأمر مع والدها ثم أخبركم لتأتوا وتخطبوها رسمياً.."
اتسعت عينيه بعدم تصديق مفكراً أن عمته تضعه أمام مشاعر أنكرها طويلاً.. إعجابه بابنة عمته التي لطالما لفتت نظره بهدوئها وخجلها واختلافها عن قريناتها.. لكنه لم يأمل نفسه فيها ولم يترك لنفسه مجالاً ليحلم بها وها هي عمته تمنحه إياها على طبق من ذهب، تحقق له ما تمنته نفسه سراً فهل يسهلها الله له وتكون تلك الصغيرة من نصيبه.. قرأت قمر عينيه وعدم تصديقه ومشاعره التي تزاحمت فيهما فقالت بابتسامة مؤكدة " هي لك وهذا وعد من عمتك.. ملك لك بني.."
*******
صوت الماء المتساقط في الطشت يكسر صمت الغرفة الذي سيطر عليها فبينما يغسل الشيخ يده كانت قمر تقف تصب له الماء من الدورق في عادة لم يتركها رغم وجود حمام في غرفتهما عادة أُخرى رفض التخلي عنها وتمسك بها وهو يتصرف كملك وزوجاته جواريه.. قالت قمر مباشرة بنبرة هادئة بعد أن جمعت أفكارها وعرفت كيف تبدأ حديثها:" ما رأيك بأدم ابن أخي؟"
أجاب وهو يكمل غسل كفيه دون أن يرفع نظره إليها:" شاب جيد وله مستقبل وسلطان يمدحه كثيراً.."
رفع نظره إليها قائلاً باستفسار:" لما هذا السؤال؟"
ابتسمت هامسة في سرها (بداية جيدة) لتقول مضيفة بنبرة عادية جداً دون أن تفضح سعادتها هذه:" أمه اليوم عند زيارتي لأخي لمحت لي برغبتهم بخطبة ملك.. "
رفع رأسه ينفض كفيه على الأرض في ذات اللحظة التي مدت له قمر بالمنشفة ليقول بنبرة بسيطة وكأنه لا يتحدث عن عائلتها:" ليس من مقامنا.."
لتجيبه بهدوء ونبرة غريبة تخفي خلفها غضباً عظيماً تكدسه في داخلها لتخرجه في تلك الأوقات التي تضطر فيها أن تتجرد من أنوثتها وتلبس رداء الحرب:" وهل كنتُ من مقامك عندما تقدمتم لي؟"
ناظرها بحدة لم تبالي بها لتقول مردفة بنبرة هادئة:" ملك ليست مناسبة لأي شاب من العائلة هي تحتاج لرجل يفهمها ويحتويها وبما أنك اخترت لملاك دعني أختار لملك.."
" وهل هذه مساومة؟"
سألها بصوت مهدد فردت بهدوء تحاول ألا تغضبه فإغضابه ليس من صالحها وستخسر كل ما خططت له ولأجل ملك وهي مستعدة لأن تصافح الشياطين ولا تخسر هذه الجولة:" بناتي أغلى من مجرد صفقة أساوم بها وبنصيبهن ولو أني لم أكن مقتنعة بسلطان لم يكن سيتم هذا الأمر ولو على جثتي وملك أراها مناسبة لابن أخي خاصة أنها تريد أن تكمل دراستها الجامعية فلما لا نزوجها ونترك أمرها لزوجها.."
قال بحدة رافضاً حديثها الذي سيجعله يوافق على شخص لا يرقى لهم فامسك بالموضوع الذي يثير حنقه لهذه الساعة:" الدراسة التي أجبرتني عليها.."
شمخت تجيبه ببرود وصوتها يخرج هادئاً ثابتاً:" دراستهن مهمة وهي من ستحميهن في المستقبل ولن نفتح هذا الموضوع مجدداً فالدراسة بالنسبة لي خط أحمر وقناعة لا أتنازل عنها "
اتسعت عينيه بعدم تصديق ينظر لها ولا يكاد يعرفها، هي أخرى غير التي تزوجها مختلفة عن الصبية التي لا تعي شيئاً من الدنيا لكن علمها الزمن وجعلها أقوى وأكثر بأساً وعناداً، طال لسان القمر وباتت أشجع وأكثر تهوراً وجموحاً.. السنوات تمر بينهما وقمر تصبح أشرس خاصة فيما يتعلق بملاك وملك، كل يوم يمر بينهما تتحول هي لامرأة ترعبه بحسنها وطموحها الذي لا يتوقف ليدرك بعد كل حروبه الخاسرة معها أن بقاءها هنا ليس لأجله ولا خوفاً من الطلاق بل لأجل ابنتيها.. تحدث بنبرة خافتة والسؤال كان أعمق مما بدا عليه وبفطنة التقطت قمر ذلك:" لما أنت مصرة على دراستهن وزواجهن ممن ترضينه أنتِ؟"
بدلًا من الرد الصريح قالت ترد بنبرة أهدأ مما سبقها لتحرز هدفاً في مرمى بلا حارس:" دراستهن ضمان لهن وبالتأكيد لن اتركهن يتزوجن صغيرات ويعانين أو أرميهن لأول من يطرق بابنا فلن أوافق إلا على رجال أعرف أنهما سيصونهما وتكونا بأمان معهما.."
ثم أردفت بتحدي مخفي لا يخفى عن رجل مثله:" ماذا أقول لزوجة أخي؟"
" وما المقابل؟"
سألها مباشرة فإن كانت هي لبوة فهو ثعلب ماكر.. ابتسمت ابتسامة ميتة وقالت بخفوت غير مبالي:" ما تناله كل مرة.."
وانتهت الليلة بعلاقة تقضي على ما تبقى منها؛ تسلبها جزءًا من روحها؛ قلبها وأنوثتها لترميها بعدها جثة مشوهة بلا روح ولا قلب لكن كل هذا فداءً لبناتها..
ما أن تأكدت أنه غفى أمسكت بهاتفها وهي تعدل من رداء نومها وأرسلت رسالة لزوجة أخيها كتبت فيها (حدثي أخي بالأمر ولا تجلبي اسمي بالأمر لا أريد للشيخ أن يعرف أني من شجعتك وآدم على التقدم لملك) وأغلقت الهاتف عالمة أن زوجة أخيها ستقرأ الرسالة غداً وهي عليها أن تحادث ابنتها التي ترى أنها أيضا تميل لأدم ليس حباً ولا حتى إعجاباً فبالنسبة لها آدم مجرد حلم جميل تتمناه أن يتحول لحقيقة ترى بعين الأم أن ابنتها تستلطفه وهناك قبول بينهما وهو ما شجعها على ذلك رغم أنها بداخلها مدركة أن ما تفعله جنون لكن الحرب لا تحتاج للعقلاء بل مجانين يديرونها بجنونهم وتهورهم.. توحشت عينيها عندما وقعتا على الشيخ الراقد بجانبها يشخر بصوت عالي مقيت، تكرهه ولا تطيق قربه لكن هذا القرب هو الذي يحقق لها مطالبها، جسدها الجميل الذي يملكه دون أن يفعل ويظن أنه بها يعود شاباً.. عادت لتستلقي على السرير واضعة كفها تحت خدها وتنظر للفراغ مفكرة بملاك وملك فعليها أنقاذهما فالبقاء مع هؤلاء المجرمين سيقودهن للجنون ولن تجد أفضل من سلطان وآدم لهما هما فقط القادران على إسعاد ابنتيها وإنقاذهما.. ملاك بحاجة لرجل يحبها بل يعشقها وقادر على احتواءها ومنحها الحب والتفهم اللذان تحتاجهما شخصيتها فالجميع يراها متمردة سليطة اللسان وقحة لكن هي فقط تعلم أن ما تفعله ليس إلا صراخ من يحترق ويريد من يغرقه بالماء ليطفئ ناره.. بينما ملك تحتاج لرجل هادىء متفهم وذو عقل ناضج يعلم متى يعاملها كامرأة ومتى يعاملها كطفلة.. يطفئ شوقها لأب لم تعرفه ويعرف كيف يحولها لامرأة حقيقية دون أن يكسرها أو يقتل براءتها..
********



ام سامي likes this.

هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:01 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.