آخر 10 مشاركات
88 - البحار الساخر - روبن دونالد - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          أحلام حياتي ... "متميزة"و"مكتملة" (الكاتـب : athenadelta - )           »          صبراً يا غازية (3) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ودارتـــــــــ الأيـــــــــــــام .... " مكتملة " (الكاتـب : أناناسة - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          إعدام الزيزفون *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          111 - قتلتها ابتسامة - ليندسى ارمستر ونغ - روايات احلام (الكاتـب : samahss - )           »          بأمر الحب * مميزة & مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree7219Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم يوم أمس, 11:06 PM   #1741

نهى_الجنحاني

? العضوٌ??? » 517593
?  التسِجيلٌ » Mar 2024
? مشَارَ?اتْي » 799
?  نُقآطِيْ » نهى_الجنحاني is on a distinguished road
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قسيس مشاهدة المشاركة
ياعسل اجل الصباح رباح لاتضغطي على نفسك اهم شي يطلع بالجمال المعهود والفحامة المنشوده
تسلمي يا حبيبتي لهذا أساسا ما نزّلته مثل ما هو عندي أساسا لأنّه حاليّا مكتوب قدّامي عبارة عن مسودّة، محتاجة كمان شويّة وقت وكثير تعديلات، لو عليّ أنصحكم تقرؤوه في الغد، أمّا أنا فسأنهيه اللّيلة على كلّ حال وأنشره متى انتهيت ♡♡


KoToK, قسيس, Gogo 2002 and 2 others like this.

نهى_الجنحاني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم اليوم, 03:42 AM   #1742

نهى_الجنحاني

? العضوٌ??? » 517593
?  التسِجيلٌ » Mar 2024
? مشَارَ?اتْي » 799
?  نُقآطِيْ » نهى_الجنحاني is on a distinguished road
افتراضي



الفصل الثّاني والثلاثون





وضع عمر جان على سريره برفق شديد، ثمّ نظر طويلا إليه ممرّرا يده على شعره برفق، يدرس كلّ ما تشوّه من وجهه البريء من أثر المخدّر، لكنّه ازدرد ريقه بسرعة ململما نفسه والتفت نحو الفتاتين خلفه قائلا دون النّظر لكلتيهما:

_سأترككما لتناما.

ثمّ أضاف مخاطبا ألماس أكثر من حنين:

_الجناح هنا مستقلّ تماما لذلك تستطيعان أخذ راحتكما تماما، ومع ذلك إن احتجتما إلى شيء فأخبراني على الفور بذلك.

_حسنا لا تقلق أخي.

قالت حنين مبتسمة، فهزّ رأسه راميا نظرة أخيرة إلى ابنه، ثمّ توجّه نحو الباب لكنّ ألماس قاطعته:

_سيّد عمر.

التفت إليها مقطبا بوجه مليء بالتّعب، فتردّدت قليلا بعد أن نادته، لكنّها قالت أخيرا تشير إلى الهاتف في يدها مضيفة:

_سيّد عمر، حين كنتما تتحدّثان.. هنالك أمر أظنّ يجب أن تراه.

قطب عمر بشدّة بينما اقتربت منه معطية هاتفها له بحذر، فأخذه عمر عاقدا حاجبيه تماما، ثمّ اتّسعت عينيه حين رأى الفيديو الّذي اشتغل أمامه:

"فضيحة!

فضيحة!

فضيحة."

أكمل عمر مشاهدة الفيديو بوجه أسود غائم وألماس تنظر بحذر إليه لا تعلم إن أحسنت بجعله يشاهد ذلك بعد كلّ ما حدث في ليلة كتلك، لكنّها قالت بصوت خافت:

_الفيديو ضبابيّ ولا يظهر من فيه تماما لكن.. أظنّ..

سكتت ألماس مجدّدا حين ازداد وجه عمر المرهق إرهاقا وتعبا، لكن ولدهشتها، سقط جفنيه قليلا وأعاد الهاتف إليها قائلا باختصار وثقة:

_إنّها خالتي.

ارتفع حاجبي ألماس وقد كانت تنتظر أن يستنفر الدّنيا حين يدرك ذلك، لكنّ عمر أصابه برود غريب لحظتها من شدّة التّعب، وقد بدت تعابيره كأنّما تقول: "فلتنفجر الدّنيا كلّها لن أهتمّ".

تمتم أخيرا قائلا بخفوت وبجفون ساقطة من التّعب:

_شكرا على إخباري، تصبحون على خير مجدّدا.

ثمّ خرج دون النّظر أمامه تاركا ألماس تتابعه بعينين متّسعتين بشدّة، وحنين تشدّها من ذراعها سائلة:

_ماذا حدث؟

لكنّ ألماس لم تجبها وهي تتابع عمر، وأعطتها الهاتف بصمت لتتفرّج حنين على محتواه بنفسها.

نزل عمر إلى الأسفل يجرّ قدميه بوجه خلى من التّعابير والمشاعر وقد استنزفت اللّيلة طاقته كلّها، لكنّه توقّف مجدّدا مقطبا حين سمع صوتا يأتي من المطبخ، فاقترب منه بحذر، لكنّه سرعان ما رمى حذره جانبا عند باب المطبخ ينظر إلى خديجة ترفع عينيها المتّسعتين إليه.

ارتجف جفن عمر برؤيتها للحظة ساكنا قليلا، في حين اقتربت خديجة ناحيته وهي ترى مقدار التّعب المرتسم على وجهه بعينين امتلأتا على الفور، لكنّها أمسكت تلك المرّة دموعها بصعوبة إلى أن أصبحت أمامه، بينما وقف هو ساكنا تماما، ثمّ سألها بحنجرة محشرجة:

_متى أتيتِ؟

_منذ قليل، وسأبقى هنا اللّيلة.

أجابته بصوت اختنق دموعا فارتجف جفنه أضعافا، واحمرّت عينيه يصارع الارتياح الشّديد الّذي شعر به لمجيئها ناظرا بعيدا وقائلا:

_أحمد عاد، من الأفضل أن تعودي إلى البيت لم يعد هنالك داعٍ أن تبقي هنا.

احمرّت عينيها هي الأخرى، لكنّها انفعلت تلك المرّة:

_لستَ أنتَ من ستحدّد لي أين أبقى وأين لا أبقى! إلّا إن كنتَ ستطردني من بيتك طبعا!!

همّ بالكلام مجيبا، لكنّه توقّف فجأة كأنّما لم يجد القدرة على النّطق حتّى بطريقة قطّعت قلب خديجة، وقد فهمت أنّ إرهاقه قد قتل فيه حتّى قدرته على الغضب، فلم تجد نفسها إلّا وقد احتضنته بقوّة وحنان شديدين هامسة:

_أعلم يا ابني الجميل، لا شيء يشبه أن يُختبر المرء في أولاده، ولا أن يعيش حسرة البعد عنه.

أغمض عمر عينيه بقوّة شادّا على شفتيه رغم تحجّره، في حين أضافت تمسح على ظهره بحنان شديد رغم شعورها بعدم تركه لنفسه في حضنها:

_كلّ شيء سيمرّ، كلّه سيمرّ يا حبيبي صدّقني، مثلما مرّ علاج جنّات وعادت لنا بخير وسلامة، جان أيضا سيصبح بخير.

شدّ على شفتيه أكثر بصمت وبعينين ميّتتين رغم أنّ كلماتها أتت كالدّواء عليه، كان يشعر فعلا كطفل يحتاج إلى تطمين لحظتها حتّى لو كان كاذبا.

ابتعدت قليلا محتضنة وجهه بحنان من جديد مبتسمة له بعينين محمرّين بشدّة، ثمّ أشارت إلى طاولة المطبخ أخيرا قائلة برفق:

_حضّرتُ لك العشاء، هيّا تعال لتأكل شيئا.

_لا أ..

همّ يجيب رافضا فقاطعته بصرامة:

_ستأكل غصبا عنك! هذا يكفي! ما هذا؟! كيف ستحمي أبناءكَ إن لم تتعلّم إلى اليوم كيف تعتني بنفسكَ أنت؟! أساسا نحفت..

_خالتي!

_ماذا؟!!

احتدّت بعينين متّسعتين رغم احمرارهما الشّديد، فتنهّد عمر بعمق أمامها، ثمّ قال بخفوت مشيرا إلى الطّاولة:

_حسنا تعالي، أساسا أريد أن أتحدّث إليكِ قليلا.

_خيرا إن شاء الله.

قالت بقلق متقدّمة معه، فسحب لها كرسيّا ثمّ جلس هو الآخر ببطء أمامها. نظر إلى عينيها المتّسعتين القلقتين قليلا، ثمّ غامت عينيه سائلا:

_لما لم تخبريني بأمر الصّور الّتي وصلتكم يوم الزّفاف؟

أشاحت خديجة عينيها عنه بضيق شديد ناظرة بعيدا، فقال بإرهاق:

_خالتي!

أجابته بضيق شديد وقد أصبحت تشمئزّ تماما من الحديث في الأمر:

_ما الفرق إن عرفتَ أو لم تعرف؟ وإن وضعوا أمامنا ألف صورة مدلّسة ما كان يجب أن نصدّق.

_هنالك فرق.

أجابها بجديّة وتعب، وبعينين تلتمعان بسواد مستتر خلف ارهاقه:

_هنالك فرق كبير، أنا أمضيتُ سنينا لا أفهم من أين بدأ هذا الأمر، على الأقلّ حين عرفتُ صرتُ الآن أفهم.

احمرّت عيني خديجة بشدّة ناظرة نحوه، في حين هزّ رأسه مستطردا بضيق:

_أيّا يكن، أخبريني الآن أنتِ.. بعد أن عرفتِ الحقيقة، ألم تتكهّني من يكون مرسل الصّور؟

نظرت بعيدا عنه متمتمة:

_لا، لم أتكهّن.

_خالتي!

ناداها بخفوت موسّعا عينيه، فنظرت إليه متمتمة:

_حسنا تكهّنت! من سيكون غير تلك الحيّة المسمّمة المقطّرة؟

بلّل عمر شفتيه يقابلها النّظر بعينيه المتعبتين، ثمّ سألها:

_وأنتِ.. بعد أن عرفتِ، ألم تفعلي شيئا؟

اتّسعت عينيها وتخضّب وجهها مستنكرة:

_من؟ أنا؟ أبدا لم..

_خالتي!

حذّرها مجدّدا موسّعا عينيه بصرامة تلك المرّة، فنظرت بعيدا بضيق، ثمّ تمتمت:

_حسنا، قد أكون ذهبتُ للحديث معها بكلمة أو كلمتين..

_كلمة أو كلمتين؟ بعد أن عرفتِ الحقيقة كاملة! ذهبتِ وتكلّمتِ معها بكلمتين؟!

سألها رافعا حاجبيه، فانفعلت حين حاصرها:

_نعــــم مــــاذا؟! فهمنا أنّكَ غاضب وعذرناك لكن هل ستجلس أمامي وتحاسبني كأنّني طفلة أيضا؟! تأدّب وتذكّر مع من تتكلّم!

نظر إليها بعينيه المتعبتين شادّا على شفتيه قليلا، ثمّ تمتم بخفوت متعب:

_العفو، العفو يا خالتي طبعا..

ثمّ أضاف يرمقها بجفون ساقطين من التّعب:

_لكنّكِ لم تغيّري أساليبكِ رغم السّنين أيضا، حين تُحاصرين مازلتِ تهاجمين بضراوة.

لعبت خديجة بعينيها هنا وهناك بعيدا عنه قليلا، ثمّ نظرت إليه قائلة:

_حسنا أنا.. فعلتُ أكثر من الحديث قليلا.

تنهّد عمر بنفس طويل مجدّدا، ثمّ نظر إليها سائلا بجفون ساقطة:

_ماذا فعلتِ بالضّبط؟

قالت تلعب بعينيها:

_قد أكون.. شتمتها بكلمتين، و.. جذبتها من شعرها.. وصفعتها مرّة أو مرّتين..

رمقها عمر بنظرة طويلة خالية من التّعبير جعلتها تضيف منفعلة:

_ولستُ نادمة على ذلك أبدا فلا تنظر إليّ هكذا!

لكنّه ظلّ يرمقها بصمت كذلك للحظات، ثمّ ولصدمتها وجدت شفتيه تميلان بابتسامة صغيرة هامسا بصوت بلا روح:

_سلمت يداكِ.

اتّسعت عيني خديجة بغير تصديق:

_ماذا قلت؟!

لكنّ عمر رفع حاجبيه قائلا حين رآها ستنفجر ضاجكة:

_إيّاكِ أن تضحكي لأنّ الأمر ليس مضحكا! ما فعلتهِ اسمه اعتداء يا خالتي، كانت تستطيع أن تشتكي عليكِ لو أرادت!

رفعت كتفيها ببرود مجيبة بزهوّ:

_وأنا ربّيتُ ولدين كالأسود من أكبر رجال قوانين سيدافعان عنّيّ.

فضحك عمر هو حينها بأعصاب قد تلفت، لتضحك معه بعينين التمعتا ألما وقد ظنّت نفسها ستنسى شكل ضحكته، وأمسكت وجهه من جديد بكفّها الحنون هامسة:

_أسأل الله ألّا تفارق الضّحكة وجهكَ أبدا يا بنيّ.

ابتسم بتعب دون أن يجيبها، ثمّ تنهّد مضيفا بعينين متعبتين:

_هيّا.. إن كنتِ ستبقين هنا يا فلتنامي.

_ليس قبل أن تأكل!

_خالتي..

قال بتضجّر فانفعلت من جديد:

_ماذا؟ خالتي خالتي خالتي!!! كلّ ما تكلّمتُ تقول خالتي!! لعلّكَ تظنّ نفسكَ ستخيفني!! بالأمس فقط كنتَ بهذا الحجم..

_حسنا حسنا!!

قاطعها بتعب شديد:

_سآكل قليلا فقط لا تفتحي هذه الاسطوانة رجاءً.

_عديم التّربية.

همست مبتسمة وفاتحة الغطاء عن شربة من العدس وقائلة:

_حضّرتُ لكَ شربة من العدس ستجعلكَ تقوم تتنطّط في الغد كالأسد.

رمقها عمر بعمق شزرا وقد كانت تعلم أنّه لا يحبّها أبدا، لكنّها ابتسمت ببراءة هامسة:

_كُلْهَا هذه المرّة وستغيّر رأيك صدّقني، جرّب وسترى.

فهزّ رأسه بيأس مجدّدا متمتما:

_ما شاء الله لم تتغيّري أبدا...




****




بعد صلاة الفجر، وقبل أن تلحق الشّمس بالبزوغ، قاد عمر السيارة بصمت نحو بيت حنين، تجاوره الأخيرة شاردة، وتجلس ألماس في الخلف يتشاركون جميعهم صمتا خفيفا مع نسمة الفجر الدّاخلة من نافذة عمر الّتي يفتحها قليلا.

رفع عمر نظره إلى ألماس من مرآة السيّارة فتقابلت نظراته معها لأقلّ من الثانية، فأشاحت عنه بسرعة، لكنّه سألها بخفوت حين رآها تلفّ سترته الكبيرة عليها حول جسدها أكثر:

_هل أغلق النّافذة؟ تشعرين بالبرد؟

_لا شكرا لك، نسمة الفجر جميلة.

أجابته بخفوت، فهزّ رأسه ناظرا أمامه من جديد هو الآخر، لكنّ عينيه ظلّتا تخونانه نحوها كلّ فينة وأخرى دون شعور كحاله منذ أوّل الطّريق.

شيء ما في وجه هذه الفتاة يحسّن من حالته، وجهها يثير نوعا من الطّمأنينة والأمان فيمن ينظر إليه، الأمر يبدو له هبة من الله لها، في كلّ مرّة يقابلها فيها يكون في أسوء حالاته، لكن لا يعرف كيف يجدها في كلّ مرّة كالشعلة المضيئة وسط الظلام الذي يحيطه، أو كالمخدّر يخدّر ثورة روحه، يسكّنه، يهدّئه، دون أن تحتاج أن تفعل الكثير ولا أن تقول الكثير، وجودها في حدّ ذاته كاف...

في جمالها شيء مختلف، غير متكلّف ولا مصطنع، لا تضع أيّا من أدوات التّجميل لكنّ وجهها كان صافي البشرة كبشرة الأطفال، عينيها كبيرتين ولونهما البنيّ الفاتح يبرقان بلمعة ساحرة، ورموشها كثيفة وطويلة ممّا يجعل وضع أيّ زينة عليهما جريمة في حقّهما، وفي كلّ مرّة تحاول أن تبدو غاضبة أو تبرقه بهما يشعر برغبة في الابتسام، كانت تبدو له كجنّات حين تغضب منه حين يرفض لها طلبا.

جمالها كان جمالا طبيعيّا بلا تدخّل ولا تصنّع، لم تكن أجمل ممّن رأى من النّساء نعم، لكنّ أيّا منهنّ لم تجذب عينه بطريقتها منذ سنوات طويلة نسي عدّها.

فعمر منذ طلاقه كان محطّ أنظار للنّساء من حوله، حتّى اللاتي هنّ أجمل من ألماس وحتّى اللّاتي تصغرنها سنّا أيضا، وهو لم يكن أعمى كان يرى ذلك جيّدا، وكان مدركا في نفس الوقت لاحتياجه لامرأة تملأ حياته، لكنّ عمر لم يكن برجل يتزوّج لمجرّد الحاجة، ولا من النّوع الّذي ينجذب لامرأة لمجرّد أنّها جميلة أو صغيرة، ولا كان يلتفت إلى أيّ تفاصيل خارجيّة كهذه.

عمر كان رجل حبّ، ينظر إلى المرأة حين يتحرّك قلبه لها، ومتى تحدّث قلبه، لا يلتفت بعدها إلى أيّ تفاصيل أو فوارق أخرى، لكنّه وقد تزوّج هيفاء بدافع من قلبه فقط في سنّ صغير، دون أن يسمع لعقله أو لأيّ شيء آخر، ثمّ وقد تصارع طول سنين زواجه منها وسط خلافاتهما الّتي لم تتقلّص يوما، وختمها بصدمته الكبيرة فيها، كلّ ذلك وضع جليدا صلبا أحاط قلبه بشدّة، ولم تقدر يوما امرأة على أن تذيبه من حوله أيّا كان شخصها أو شكلها أو تودّدها إليه.

لكن الآن.. ولأوّل مرّة بدأ يشعر بالحرارة تحيط قلبه من جديد، وتبدأ في إذابة بعض من جليده، وهذا لم يثر في داخله سوى شعورا من الحذر وعقله يهتف فيه:

"لا تدخل نفسكَ في متاهات كهذه الآن! أنتَ لا تملك الآن الوقت لهذا! حياتكَ وحياة أولادكَ كلّها مقلوبة رأسا على عقب! لا ينقص سوى أن تذيب جليد قلبكَ الآن وتضيع داخلها أكثر!"

قلبه من تحت الجليد:

"عفوا لكن حياتكَ أساسا مقلوبة منذ سنوات رأسا على عقب ولا تتحسّن، ولا أضمن أيضا أنّها ستتحسّن، هل ستنتظر إلى أن أتجمّد تماما وأنسى طعم الحبّ والحياة؟"

عقله:

"حتّى لو أردتَ العودة للحياة فليس الآن ولا مع هذه الفتاة! ألا ترى الفوارق بينكما؟! حسنا أنتَ لا تُعْطِي بَالًا لتفاصيل كهذه حين يتحدّث الغبيّ قلبك! لكن ربّما هي تعطي بالًا لذلك؟ ربّما هي تريد أن تبني حياتها مع رجل يقربها في السنّ وليس له أولاد كمراد مثلا؟ ألم ترى دموعها من أجله ولا تفكيرها فيه دونا عن الجميع قبل قليل؟"

ازدادت الحرارة انتشارا في داخله، وبدأ الجليد يذوب من جديد من حول قلبه مجدّدا فهتف عقله:

"هذا ما أخاف منه! أن تدخل في متاهات كهذه أيضا وسط كلّ الفوضى الّتي في حياتك وتزيدها تعقيدا! عمر! انتهى!"

شدّ على فكّه ناظرا من جديد أمامه، وظلّ صامتا وهو يقود سيّارته بوجه لا يوحي بالصّراع الدّائر في داخله، لكنّه ما أن دار بسيّارته في احدى المفترقات حتى هتفت حنين مستفيقة من شرودها وقد تجاوزا المفترق الّذي يأخذ إلى بيت ألماس:

_كنّا سنوصل ألماس أوّلا أخي.

قطب عمر جبينه مستفيقا من شروده هو الآخر ناظرا أمامه، ثمّ قال بضيق شديد:

_لقد شردت تماما.

أخفض في السرعة ينوي العودة، فقالت ألماس بسرعة:

_لا بأس سيّد عمر، أوصلني في طريق العودة.

_كيف لا بأس؟

سأل مقطبا ينظر إليها من المرآة الأماميّة وسألها مضيّقا عينيه:

_هل تريدين الذهاب إلى بيت السيّد مراد في هذه السّاعة من الفجر؟

ارتبكت ألماس للحظة من نبرة سؤاله الغريبة، فسبقتها حنين قائلة ببساطة:

_أين المشكلة أخي؟ لا أحد سيستنكر مجيئها فهي دائما تأتي للمبيت عندي أساسا.

ارتفع حاجبي عمر ناظرا إليها من المرآة من جديد بنظرة اشتعل لها وجهها متمتما:

_دائما؟! للمبيت؟!

ثمّ هزّ رأسه متمتما ومسرعا من جديد:

_حسنا إذن طالما دائما ما تبيت!

نظرت حنين إليه مقطبة، ثمّ إلى ألماس خلفها التي أكل النار وجهها بريبة، وبحثت بكلّ غباء عن الشيء الخطأ الذي قالته لكنّها لم تجد! بينما التقت نظرات عمر بألماس ثانية من مرآة السيارة فرماها بنظرة حادّة ثمّ أشاح عنها بسرعة.

اضطربت ألماس من نظرته ومن تعابيره التي تغيّرت فجأة.

كانت تشعر أحيانا أنّ الرجل الّذي أمامها يملك وجهين لا وجها واحدا، وجه طفل صغير مليء بالمشاعر ولطيف، ووجه قاض حازم وصارم، واثنيهما ليسا بقناعين، اثنيهما وجهيه، واثنيهما هو، لكنّ الأسوأ، أنّ اثنيهما يشعرانها باضطراب لا تفهم كنهه، الأوّل يحرّك فيها مشاعر الحنان والاحتواء، والثاني يرهبها ويشعرها كأنّها طفلة تقف في حضرة أبيها.

فكّرت بلا وعي:

"هذا الرجل إذا دخل إلى حياة امرأة، استطاع أن يكون لها ابنا وأبا وزوجا وحبيبا، استطاع أن يكون لها وطنا..."

استنكرت ألماس تفكيرها حين رصدته فخاطبت نفسها بحدّة:

"فليكن هذا الرجل ما يكون لامرأته، ما دخلكِ أنتِ؟ ثمّ هذا الرجل إذا اختار امرأة فلن يختارها مثلكِ على كلّ حال، سيختارها امرأة وليست طفلة، وهو يتصرّف معكِ دائما كأنّما يراكِ طفلة."

لكنّ تفكيرها هذا ما زاد ضيقها إلا ضيقا، في حين هتف عقلها صادحا:

"ثمّ إن نظر أو لم ينظر، هذا الرّجل مخطر ألماس! ليس كمراد أبدا، العلاقة معه ليست آمنة أبدا، الدّخول والخروج من رجل مثله ليست سهلة بالطّريقة الّتي دخلتِ وخرجتِ فيها من مراد، إنّه من نوع الرّجال الّذين أقسمتِ ألّا تقتربي منهم أبدا! إنّه مثله.. يشبهه بشكل كبير.."

ارتجّت عينيها ألما وحذرا، وهزّت رأسها بالرّفض بصوت صدح من جديد:

"لا ليس مثله! هو قويّ ومسيطر ومهيمن نعم! لكنّه يملك أقوى عاطفة رأيتِها على رجل من قبل أيضا!"

"هذا غباء! بل مثله تماما، أمثالُهُ يَمْلِكُونَ عاطفة قويّة نعم لكن ذلك فقط طالما يسيطرونَ عليكِ، لكن يوم يفقدون السّيطرة، يعرفون كيف يصبحون طغاة وقساة أيضا! ألم تري كيف أصبح حين فقد عقله؟ أنتِ نفسكِ خِفتِ في لحظة منه! لأنّه أصبح نسخة منه! ألماس! لا هو سينظر إليكِ ولا أنتِ إن نظر يجب أن تفعلي! انتهى!!"

ثمّ نظرت إلى الطريق من النافذة ثانية دون أن تنظر إليه مجدّدا تماما كما فعل هو تماما.

أوقف عمر السيّارة بعد دقائق، ثمّ التفت نحو حنين سائلا:

_هل أنتِ واثقة أنّكِ تريدين الحديث معهما وحدكِ؟

_نعم.

قالت حنين بثقة تخفي بها قلقها، ثمّ أردفت:

_إذا احتاج الأمر تدخّلك فسأخبرك، لا تقلق.

_حسنا سأنتظركِ في السيّارة إذن، خذي وقتكِ.

قال مبتسما بخفوت، ثمّ نظر شزرا إلى ألماس التي خرجت من السيّارة بسرعة سابقة حنين نحو البيت دون أن ترمي نحوه التفاتة واحدة.





****



_أحمد! خيرا إن شاء الله؟ لماذا أرسلتَ إلينا جميعا لنلتقي في هذا الوقت الباكر ما الأمر؟

سألته أسيل الّتي تجاوره في قاعة الاجتماعات الجديدة في مكتبه الّذي يجهّزه منذ عودته، ويجاورها مجموعة من المحامين الّذين يعملون معه وأتوا تحت طلبه، بينما يقابل أسيل صديقه أمين الّذي ناداه أيضا.

أجابها أحمد متمتما وعينيه مركّزتين تماما في الملفّ دون أن ينظر إليها:

_انتظري لحظة إلى أن يأتي آخر من تبقّى وسأخبركم.

رمقته أسيل بضيق، بينما ظلّ أحمد مركّزا في الملفّ أمامه ولم يرفع عينيه إلّا حين دخل آخر محاميّ من المجموعة داقّا الباب طالبا الإذن بالدّخول، فأشار آذنا له، ثمّ أغلق الملفّ حينها ناظرا إلى الجميع ملتفّين حول الطّاولة قليلا، ثمّ قال بجديّة:

_أوّلا، أشكركم لأنّكم أتيتم جميعا مبكّرا كما طلبتُ منكم على نحو مفاجئ.

سكت قليلا، ثمّ أردف بجديّة أكبر:

_أنا.. جمعتكم اليوم لأخبركم بشيئين مهمّين.. أوّلهما.. أنّني سأؤجّل لمدّة من الزّمن افتتاح مكتب المحاماة هذا كما هو متّفق أن يُفتتح آخر هذا الشّهر.

تمتم الجميع متفاجئين بشدّة، بينما اتّسعت عيني أسيل أضعاف الجميع، لكنّ أحمد أنهى كلامه كأنّما لم يرى أو يسمع أيّا من استنكارهم بجديّة أبلغ:

_أمّا ثاني شيء، فهو أنّني سأطلب منكم جميعا عدم قبول أيّ قضايا أخرى لفترة من الزّمن لتركّزوا جهودكم جميعا على قضيّة واحدة أريد توكيلكم إيّاها، وطبعا حقوقكم الماليّة ستكون محفوظة جميعا على حسابي وعلى آخر ملّيم.

نظر إليه البعض متفاجئين، والآخرين قلقين وحذرين، وأسيل بجانبه بعينين مشتعلتين وهي تكاد تقسم من أجل من قد يفعل أحمد شيئا مجنونا كهذا.

تكلّم أحد المحامين بقلق:

_سيّد أحمد، أعني.. إن كان الأمر حول قضيّة أس..

قاطعه أحمد بثقة:

_قضيّتي مع أسد الأسمر لن أُدْخِلَ أحدا فيها وسأتحمّل كلّ مخاطرها بنفسي كما سبق وقلتُ لكم.. وأساسا، هنالك رجل سيعمل معي فيها يستطيع تعويض فريق بأكمله فلا تقلقوا أبدا.

قطب الجميع يتساءلون عن ماهية هذا الرّجل الّذي يتكلّم أحمد عنه، لكنّ أحمد تجاوز ذلك قائلا:

_ما أريد تكليفكم به ليس له علاقة بالقضيّة أبدا، بل أريدكم أن تتكتّفوا جميعا للبحث عن فتاة مختفية منذ سنوات، وتقريبا لا نملك حولها أيّ أثر.

ارتفعت حواجب الجميع متفاجئين، في حين سألت أسيل قاطبة بشدّة ومنفعلة:

_من هذه الفتاة؟

أجاب أحمد دون أن ينظر إليها:

_اسمها "نسرين الصّادق"، وسأعطيكم كلّ المعلومات عنها أساسا إذا ما قبلتم بهذا الأمر، لكنّني أوّلا أريد سماع رأيكم.

احتدّت تعابير أسيل أضعافا حين تعرّفت على لقب حنين وانفعلت:

_ماذا يعني هذا يا أحمد؟ هل ستوقف حقّا فريقا كاملا من أكبر المحامين عن العمل من أجل البحث عن فتاة ضائعة؟

رمقها أحمد حينها بنظرة صارمة وحانقة أخرستها على الفور، وقد فهمت أنّها تجاوزت حدّها بنبرتها أمام الجميع، وحين سكتت تماما معتذرة بعينيها، نظر أحمد نحو الجميع من جديد مستأنفا كلامه بجديّة أكبر:

_أنا لن أجبر أحدا منكم على أيّ شيء، لكم تمام الحقّ في القبول أو الرّفض، المهمّ أنّني أحتاج أن تخبرونني الآن بقراركم لأنّ الأمر لا يحتاج تأجيلا.

عمّ السّكوت قليلا داخل قاعة الاجتماعات والجميع ينظرون إلى بعضهم البعض بحيرة، في حين جلس أحمد عائدا في الخلف قليلا وواضعا ذراعه على الطّاولة ينظر إليهم جميعا بهدوء شديد وبوجه خال من أيّ تعبير، إلى أن كان أمين أوّل من تكلّم قائلا:

_أنا معك.

نظر أحمد إليه هازّا رأسه له بشكر وبلا تعبير، ليبدأ من بعد أمين الجميع يوافقون واحدا خلف الآخر، إلى أن بقي شخصين فقط على الطّاولة لم يوافقا، أسيل الّتي باتت تشتعل بأكملها بجانبه من الحنق، ومحاميّ سأله بحيرة:

_أنا أيضا موافق فقط.. إن كنتَ لن تفتح الآن مكتب محاماتك الّذي نجهّز له منذ أشهر، أين سنعمل جميعنا وفي أيّ مقرّ؟

مالت شفتي أحمد حينها بابتسامة صغيرة قائلا:

_سؤال جميل أحسنت.

ثمّ أضاف بثقة:

_سنعمل في مكتب عمّي رحمه الله الّذي يديره حاليّا أخي، أعني السيّد عمر الأكرميّ وهو غنيّ عن التّعريف هنا كما أظنّ.

اتّسعت أعين الجميع بلا استثناء، الّذين كانوا مدركين بوجود مشاكل بينهما رغم عدم علمهم بسببها، وعلى رأسهم أسيل وأمين الّذي صدما تماما، لكنّ أيّا منهم لم يتجرّأ على التّعليق على ذلك.

قال أحمد من جديد بثقة متجاوزا تعابيرهم المصدومة جميعا:

_سنكون ضيوفا عندهم لفترة من الزّمن، بعدها سنفتتح هذا المكتب إن شاء الله.

زادت تعابير الجميع تفاجأً، في حين تكلّم أمين أخيرا بعينين تكادان تخرجان من محجرهما، خاصّة أنّه كان شاهدا بنفسه على تصارعهما قبل ساعات فقط:

_هل السيّد عمر على علم بذلك حسنا؟

رمقه أحمد بنظرة جانبيّة كافية ليفهم أمين الإجابة، فرمقه بتحذير لكنّ أحمد نظر نحو الجميع من جديد قائلا:

_أنا شريك في ذلك المكتب أيضا كما تعرفون لا أحتاج إذنا من أحد، يعني لا مشكلة تذكر.

نظر الجميع إلى بعضهم من جديد، ثمّ رفعوا جميعا أكتافهم موافقين ليقول أحمد حينها مستطردا:

_حسنا إذن، أشكركم على موافقتكم جميعا وأنا سأكون مشرفا على رحلة البحث هذه، وسأشرح لكلّ منكم ما المطلوب منكم تماما معطيا إيّاكم كلّ التّفاصيل، لكن في الوقت الحاليّ، سأرجو منكم لملمة ملفّاتكم للقضايا الّتي تتولّونها في الوقت الحاليّ لنقوم بنقلتنا جميعا إلى مكتب عمّي اليوم قبل الغد.

هزّ الجميع رأسهم موافقين مجدّدا وقائمين جميعا من أماكنهم، ثمّ خارجين الواحد تلو الآخر متوشوشين من قرارات أحمد الجديدة والغريبة، في حين ظلّ أمين وأسيل فقط على الطّاولة يحدقون أحمد وينتظرون خروج الجميع، وبالفعل ما أن خرج آخر رجل منهم حتّى كانت أسيل أوّل من انفعلت بحنق:

_أنتَ ماذا تفعل يا أحمد؟ ماذا يعني أن توقف مكتب عملكَ كلّه الّذي عملنا عليه ليلا نهارا لتبحث عن قريبة تلك المرأة؟

أدار أحمد نظره نحو أسيل ببطء وحنق شديدين، ثمّ قال بنبرة صارمة فاقدة الصّبر:

_هذه آخر مرّة تتحدّثين فيها معي بهذه النّبرة المحاسبة يا أسيل! هل هذا واضح؟!

ارتعدت جفون أسيل بعصبيّة شديدة منفعلة:

_أحمد ماذا يحدث معك؟!

_ما يحدث معي أنّني هنا رئيسكِ في العمل ولستُ قريبكِ فلا تتجاوزي حدودكِ!

أجابها بصرامة فاتّسعت عيني أسيل تماما، ثمّ انفجرت:

_ماذا يحدث معكَ يا أحمد هل جنّنتكَ تلك المرأة؟!! ماذا يحدث معك منذ عادت إلى حياتكَ يا أحمد ألم يكفكَ كلّ ما..

_أسيـــل!!

قاطعها هاتفا بصرامة وحنق شديدين، ثمّ أردف بتحذير صارم لا لين فيه:

_تلك المرأة اسمها "حنين"! هذا أوّلا! وحين تذكرينها اذكريها باحترام، هذا ثانيا! أو برأيي.. لا تذكريها أبدا إن كنتِ تريدين الاستمرار في العمل هنا وهذا ثالثا!

سكنت أسيل أمامه كأنّما بعينين شاخصتين شاحبة تماما، لكنّ وجه أحمد حادّ التّعابير أخرسها تماما، فقامت من كرسيّها بحنق حتّى كادت تسقطه إلى الخلف ثمّ خرجت كالسّهم من المكتب تطرق الأرض بكعبها بقوّة تكاد تثقبها وأحمد يتابعها بعينين باردتين، فتكلّم أمين حينها:

_ألم تكن قاسيا قليلا؟

حرّك أحمد رأسه بضيق شديد، ثمّ تمتم بحنق:

_باتت تتجاوز حدودها كثيرا! أساسا أمّي أصرّت أن تعمل معي هنا ووضعتها في رقبتي ولم أعرف كيف أتخلّص منها، لولا أنّها قريبتي..

سكت أحمد مجدّدا بضيق شديد، فتنهّد أمين معه، لكنّه سرعان ما استطرد بما يشغبه حقّا:

_أيّا يكن لكن أحمد! عمر سيقتلك حين يعرف هل أنتَ واعٍ بذلك؟!

ضحك أحمد ضحكة لا متعة فيها ناظرا إليه وقائلا:

_عمر لا يحتاج سببا ليقتلني أساسا..

سكت قليلا، ثمّ أضاف أمام نظرات أمين المستهجنة:

_هو بحاجتي لكنّه لن يطلب ذلك، لذلك أفضل طريقة هي أن أفرض نفسي عليه فرضا الآن، وليقتلني في الأثناء لا مشكلة، سخّرتُ هذا الفريق للعمل في البحث عن نسرين من أجله في درجة ثانية أساسا.

سكنَ أمين قليلا، ثمّ غمزه سائلا:

_ومن أجل من في درجة أولى حسنا؟

مالت شفتي أحمد ناظرا إليه بعينين تشتعلان نارا وألما، فابتسم الأخير باتّساع متأثّرا بشدّة أن عاد يرى دلالة حياة على صديقة أخيرا قائلا:

_يا أخي إن كنتَ محترقا فاحترق، وإن كنتَ متعبا فاتعب، أو أيّا كان شعورك فليكن! المهمّ أنّني أخيرا رأيتُ عليكَ دلالة حياة منذ عدتَ من سفركَ وهذا يكفيني!

رمقه أحمد بتضجّر مزيّف، ثمّ أعاد نظره إلى الملفّ من جديد متمتما:

_بالله عليكَ توقّف عن الكلام الشّاعريّ هذا ولا تخنقني...





****





عاد عمر برأسه في السيّارة إلى الخلف قليلا محاولا إيقاف عقله عن الغليان قليلا، ولم ينجح أبدا، تحرّك بعدم ارتياح مكانه، ثمّ رفع بعد دقائق نظره إلى بيت مراد بضيق، مستهجنا الضّيق الدّخيل الذي زار صدره فجأة، والذي يعرف اسمه حقّ المعرفة لولا أنّه كاد ينساهُ مع مرور السنين، فصرخ في نفسه بسخط:

"قُلنا لا تهذِي! ثمّ هل هذا وقته لأجل الله؟!!"

هزّ رأسه أخيرا بضيق، وخرج من السيّارة مقرّرا أخذ نفس عميق خارجا عسى عقله يعود إليه، لكنّه ما أن مشى خطوتين حتى لمح خيالا، فالتفت نحو الباب مقطبا ليجد ألماس تقف عند الباب الخارجيّ متخفّية عنه بالجدار وقد رفعت عينين متّسعتين نحوهُ هي الأخرى حين رأته.

ارتبكت ألماس تنظر نحوه بصمت، فقطب عمر سائلا:

_ألم تدخلي؟

هزّت ألماس رأسها بالرّفض هزّة خفيفة جدّا بصمت وإحراج، ثمّ خرجت الخطوتين اللتين دخلتهما متخفّية عنه، بينما سألها مستنكرا:

_طالما لن تدخلي لما لم تتركيني أوصلكِ؟!

_لم.. لم أرد أن أتعبكَ بقطع الطريق مرّتين.

رفع حاجبيه ينظر إليها ترتعد بردا وهي ما تزال تتشبّث في سترته وسألها باستهجان:

_ففكّرتِ أن تقفي في هذا البرد في الباب منتظرة؟

أشاحت عنه ألماس بضيق دون أن تجيبه، فأشار إلى السيّارة قائلا:

_حسنا، عودي إلى السيّارة على الأقلّ.

_أنا بخير هكذا.

أجابته دون أن تنظر إليه، فنظر إليها بضيق لم يغادره، ثمّ هزّ كتفيه قائلا ببرود:

_كما تريدين.

اتّكأ على مقدّمة سيّارته ينظر إلى الطريق للحظات متجاهلا إياها، لكنّه سرعان ما نظر إليها من جديد وهي تحتضن نفسها داخل السترة التي أغرقتها، وسألها بلا تعبير:

_لماذا لم تدخلي؟

سكتت قليلا، ثمّ أجابته متمتمة:

_دخولي لم يكن ليكون مناسبا في هذا الوقت.

رفع حاجبه ينظر إليها، ثمّ تمتم متهكّما:

_ طبعا!

نظرت إليه بحدّة سائلة:

_ ماذا تقصد؟

_ لا شيء.

أجابها ببرود ناظرا إلى الطريق من جديد، فازدادت حدّة نبرتها قائلة:

_حين تسألني عن شيء أقوله لكَ فورا بلا لفّ أو دوران فلا تحدّثني بالتلميحات لأنني لا أحبّها!

نظر إلى وجهها الذي احمرّ غضبا بلا تعبير للحظات، ثمّ هزّ رأسه قائلا ببرود حمل الحدّة في طيّاته:

_حسنا إذن سأخبركِ ما قصدت! الغير مناسب يا آنسة ليس دخولكِ للبيت في هذا الوقت إجبارا، بل مبيتكِ الدائم في بيت خطيبكِ هو ما يسمّى بالغير مناسب.

اتّسعت عيني ألماس واحمرّ وجهها حتّى شعرت بالنار قد اشتعلت فيه، بينما شعر عمر بضيق شديد يجتاحه على الفور وقد فقد السيطرة على نفسه على غير عادته، فأردف بضيق شديد دون أن ينظر إليها:

_أنتِ لا تهتمّي لي! لقد بقي تفكير عقلي قديما ولم يتجدّد مع الجيل الجديد.

أجابته بانفعال ما أن وجدت صوتها الذي أكله الخجل:

_لا يوجد تفكير قديم وجديد في أمر كهذا، وأنا أبيت عند حنين فقط حين يكون مراد مناوبا!

سكتت قليلا بوجه احمرّ خجلا، ثمّ نظرت بعيدا عن عينيه الثّاقبتين الموجّهتين إليها مضيفة بصدق:

_مرّتين فقط ب.. بقيتُ في وجوده وذلك لأنّني.. لأنّني..

قطب عمر رافعا حاجبه ينظر إلى وجهها الّذي احتقن من الدّماء، وبدى واضحا له أنّها سكتت للحظة تتوقّع منه يتكلّم قائلا "أنّها ليست مجبرة على الشّرح له"، لكنّ عمر ظلّ يرمقها صامتا تماما بطريقة وتّرتها، فأكملت بانفعال:

_لأنّني أخافُ جدّا من الرّعد! لذلك بقيتُ مع حنين هنا في وجوده مرّتين فقط!!

ازداد حاجب عمر ارتفاعا، وكادت تميل شفتيه بابتسامة وهو ينظر إليها كأنّما يدقّق في لوحة نادرة أمامه.

شفافيّتها وصدقها وملامحها الّتي تُقرأ ككتاب مفتوح شيء لم يصادفه منذ سنين، إن لم يقل أنّه لم يصادفه على الإطلاق. هذه الفتاة رغم نضجها وبطريقة ما ظلّت طفلة ولم تكبر، لم توسّخ الدّنيا روحها أبدا.. أيقن ذلك وهو ينظر إليها.

لكنّه تجاوز تفكيره ذاك وسألها رافعا حاجبه:

_هل تخافين من الرّعد؟

انفعلت من نبرته السّاخرة رافعة وجهها المحمرّ إليه وقد كانت حانقة من نفسها على إسهابها في الشّرح له:

_نعم أخاف من الرّعد! ما الغريب في ذلك؟!

ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثغر عمر أربكت أوصالها، وهزّ رأسه هزّة خفيفة متمتما:

_لا أبدا، ابنتي أيضا تخاف الرّعد في الحقيقة، فقط هي معذورة لأنّها في الحادية عشر كما تعلمين.

قالها بنبرة متسلّية، فاحمرّ وجهها أضعافا تنظر إليه بحدّة فاتّسعت ابتسامته يتفحّصها بعينيه قليلا إلى أن هربت بعينيها عنه مجدّدا مضطربة تماما.

طال الصمت قليلا، فقطعه عمر بعد لحظات بصوت متّزن:

_لقد عاملتكِ بفظاظة البارحة، أشكركِ على محاولتكِ إدارتي وأرجو أن لا تؤاخذيني.

نظرت إليه مقطبة وقد صدح صوت فيها بقوّة:

"ألم أقل لكِ أنّه ليس مثله؟ هو لا يعتذر لأحد أبدا مهما أخطأ! كان جبّارا فقط لا يحمل أيّا من العواطف النّبيلة الأخرى!"

أردف أمام صمتها بلطف:

_أنا عادة لا أعامل من يدخل إلى بيتي بفظاظة، لكنّنا دائما ما نتقابل في أوقات غريبة.

أجابته بلا تفكير:

_بل في أوقات شديدة، وفي الأوقات الشديدة يتصرّف الإنسان على طبعه.

انعقد جبينه سائلا:

_تعنين أنّني فظّ بطبعي؟

هزّت رأسها بالرفض القاطع بسرعة قائلة:

_لا أنا لم أقصد هذا طبعا!

أجابها بابتسامة ساخرة:

_لا تهتمّي أنا تعوّدت، على الأقلّ "فظّ" أفضل من "جبان".

ازداد احمرار ألماس حتى شعرت بجسدها يحترق، بينما ابتسمَ للحظة ينظر إليها تهرب بعينيها بإحراج، ثمّ أجابت أخيرا بلطف:

_العفو، أنا لم أغضب أساسا، بل حتى أنّني أحترم.

قطب جبينه متسائلا، فأردفت بابتسامة غزاها بعض الحزن:

_أعني.. أَنْ أَرَى أبا حريصا على أبنائه، هذا أكثر ما أحترمه في حياتي.

ضيّق عينيه قليلا ناظرا إليها، ثمّ سألها بفضول بات يشتعل مؤخّرا فيه تجاهها بطريقة عكس طباعه تماما:

_والدكِ؟

سألها باختصار فاتّسعت عينيها ناظرة إليه بوجه غامت تعابيره تماما وغزاها ألم عظيم، ففهم أنّه ضغط على الزرّ الصّحيح رغم أنّها سرعان ما انغلقت من جديد على كلّ لغة جسدها وعينيها وحتّى كلامها، لكنّه قبل أن يتكلّم أو تتكلّم قطب عمر رافعا عينيه حين شعر بمراقبة أحد لهما، ليرى مراد واقفا عند الشّرفة ينظر إليهما مقطبا.





****





قبل قليل، ضمّت حنين يديها فوق ركبتيها واسمهان تمشي وتجيء بعصبيّة شديدة هاتفة من الوقت إلى الآخر:

_انسي أمر ذهابكِ إلى ذلك البيت تماما!! امحِ الفكرة من عقلكِ تماما هل فهمتِ؟!!

بينما مراد جالس وساكن مكانه يمسك عكّازه بوجه غائم وصامت، إلى أن انفعلت اسمهان فيه أيضا:

_تكلّم أنتَ أيضا وقُل شيئا لأختك! لم يبقَ سوى أن تذهب للعيش في بيت ذلك الرّجل أيضا!!

انفعلت حنين مدافعة:

_ليس في بيته بل في بيت أخي عمر..

قاطعتها مستهجنة بحنق:

_من قبل أيضا لم تكوني في بيته لكن ماذا حدث؟! ألا أعرفك أنا؟!! يومين في جواره ثمّ ستقولين:

"لقد اعتذَرَ منّي أمّي! لقد ندم جدّا أمّي!"

ثمّ ستنسين كلّ شيء كأنّه لم يجعلكِ تعيشين شيئا! لكن إن نسيتِ أنتِ فلا أنا ولا مراد سننسى يوما إلى أيّ حال أوصلكِ أمام أعيننا أفهمتِ؟!

_هذا لن يحدث.

خرج صوت حنين مكسورا حتّى أمام نفسها بطريقة زادت من اشتعال غضب اسمهان:

_اخدعي غيري بهذا الكلام!

ثمّ أشارت إلى شكلها الذّابل بحنق شديد:

_انظري إلى نفسكِ! أساسا نجح في اطفائكِ مجدّدا خلال أسابيع! أأرسلكِ إليه بيديّ؟!

انفعلت حنين برجاء يائس:

_أنا لستُ ذاهبة عنده أساسا والله!

_كفى قلتُ لكِ!

ثمّ نظرت إلى مراد بعينين يتطاير الشرّر منهما:

_وأنتَ لماذا صامت هكذا؟! ألم تكن غاضبا أكثر منّي من عودة ذلك الرّجل؟ ما الّذي جدّ فجأة؟

رفع مراد عينيه بتمهّل نحو حنين، فنظرت بدورها إليه بعينين حمراوين بشدّة.

ظلّ مراد يناظرها بعينين خاليتين من التّعابير للحظة، ثمّ قال بنبرة تماثلها:

_جان أخوها أيضا، حتّى أنّه يقربها بالدّم وليس مثلي، ما الّذي سأقوله أنا؟

_مراد!

قالتها حنين بصوت جريح، لكنّ مراد أبعد عينيه عنها بإعراض فاقتربت منه بلوعة:

_مراد لماذا تتحدّث هكذا؟ أنا متى فرّقتُ بينكَ وبين أخ حقيقيّ لي؟ متى فرّقتُ حتّى بينك وبين نس.. وبين نسرين؟

_لا تذكري اسمها أمامي الآن أيضا!

هتفت اسمهان بصوت تحشرج مرتجفا، فضغطت حنين على شفتيها قليلا تمسك دموعها، وداومت تنظر إلى مراد الّذي غامت عينيه هو أيضا، لكنّه قال بخفوت دون أن ينظر إليها:

_افعلي ما تريدين، لكن.. إن كنتُ حملتُكِ بين ذراعيّ كالعصفور كسير الجناح قبل سنين، فهذه المرّة إن حطّمتِِ قلبكِ ثانية..

قاطعته هاتفة بعينين فاضتا من الدّموع والألم:

_أنا لستُ ذاهبة إلى أحمد لماذا لا تفهمون؟ أنا نفسي لستُ سعيدة بالذّهاب إلى هناك لكنّ أخي عمر رفض! رفض أخذي لجان ماذا أفعل؟ أترك أخي للموت في منتصف علاجه؟

انفعلت اسمهان رغم اهتزازها لدموع حنين:

_وما هذا الإصرار من السيّد عمر على أخذه بيته الآن؟ ذلك الرّجل من المستحيل أن يضع حياة ابنه في خطر كهذا، ما الّذي جدّ فجأة ليصرّ على إخراجه من المركز؟

تملّكت الغصّة للحظة من حنجرة حنين تنظر إليها بألم، تتمنّى لحظتها لو تخبرها عن نسرين، تخبرها أنّهم جميعهم ظلموها بلا استثناء، تخبرها أنّها بينما هي ضائعة الله أعلم أين وبأيّ حال، ظنّوا جميعا فيها سوءً متخيّلين أنّها سافرت تتخلّع بأموال أمّها، لكنّ حنين ابتلعت كلّ ذلك كأنّما تبتلع سكاكين حادّة من حنجرتها.

تنفّست حنين بعمق، ثمّ قالت بصوت مرتجف من جديد:

_والله هو من أجبرني أنا متى كذبتُ عليكِ أمّي؟

سكنت اسمهان قليلا، ثمّ قالت بخفوت:

_حين ذهبتِ إلى بيته للمرّة الأولى مثلا؟ حين لم تخبرينا جميعا أنّه زوج أمّكِ مثلا؟

ندمت اسمهان على الفور على كلماتها ما أن رأت تعابيرها، وقد دعست على موضع ألمها تماما، لكنّها وقبل أن تتكلّم مصلحة ما قالت، قالت حنين بخفوت وارتعاد مشيرة إلى النّافذة:

_إذن اسألي السيّد عمر بنفسكِ إن أردتِ، هو.. أتى معي لمخاطبتكما بنفسه أساسا لكن.. أنا من قلتُ أنّني سأكلّمكم بنفسي، لأنّني ظننت أنّكم تثقون كفاية بي.

أكملت كلماتها بصوت جريح جعل جفن اسمهان يتحرّك مرتعشا للحظة، ثمّ سألت بصوت منخفض مقطبة كأنّما فهمت جديّة الوضع حنيها فقط:

_السيّد عمر هنا؟!

في حين وقف عمر من مكانه ذهبا نحو النّافذة، لكنّه قطب يرى ألماس تقف مع عمر متقابلين، هو على سيّارته وألماس على سيّارته هو الّتي تقابلها:

سألت اسمهان بتفاجئ مجدّدا، فتكلّم مراد بدلا منها بصوت خافت:

_نعم، يقف في الخارج.

قطبت اسمهان بحيرة، في حين جذب وجوده عين عمر فرفع عينيه إليه مقطبا.

هزّ مراد رأسه بخفوت مسلّما عليه مع تقطيبة صغيرة على جبينه، فأجابه عمر بهزّة أشدّ خفّة جعلت ألماس تلتفت هي الأخرى مقطبة، لتسكن للحظة حين التقت نظراتها بعيني مراد.

سكنت قليلا تتبيّن من جديد شعورها الغريب، وقد كادت تنسى وجوده تماما طول الوقت الّذي وقفته أمام بيته تتحدّث فيه إلى عمر.

سلّمت عليه برأسها هي الأخرى، لكنّ مراد ظلّ ساكنا قليلا، فقال عمر حينها بنبرة خالية من التّعبير:

_عودي إلى السيّارة.

نظرت بانفعال إليه، لكنّه أضاف دون أن ينظر إليها يسلّم بعينيه على اسمهان الّتي اقتربت من النّافذة هي الأخرى تنظر ناحيتهما بتفاجئ:

_من الواضح أنّ حنين لم تحلّ الأمر، عودي إلى السيّارة بينما تحدّثتُ إليها.

لكنّ ألماس سلّمت بيدها هي الأخر على اسمهان قائلة بانفعال دون أن تنظر إليه:

_لا أستطيع دون أن أسلّم على الخالة اسمهان بعد أن رأتني! عيب!

تمتم هامسا بحنق:

_لو فعلتِ شيئا واحدا بلا نقاش لتعجّبتُ أساسا.

_ماذا قلت؟

سألته ناظرة نحوه بانفعال، فنظر إليها من جديد هو أيضا قائلا:

_قلتُ سلّمي إذن وبعدها عودي فورا إلى السيّارة!

التمعت عيني ألماس بحنق من نبرته الآمرة تبرقه بحدّة، لكنّه ظلّ يقابلها النّظر بحسم لولا أنّ انفتاح الباب قاطع كليهما واسمهان تخرج مهلّلة:

_سيّد عمر! أهلا وسهلا شرّفتنا لماذا تقف خارجا؟!

التفت عمر إليها مسلّما بحرارة شبيهة:

_كيف حالكِ سيّدة اسمهان؟

فاستهجنت بلوم:

_لماذا لم تدخل يا بنيّ؟ هل أنتَ غريب؟

ثمّ نظرت إلى ألماس الّتي تقف خلفه بتوبيخ وألم شديدين، وهي لم ترها منذ سمعت بانفصالها عن مراد:

_وأنتِ يا ابنتي! هل تبقين في الخارج؟! هل صار البيت غريبا عليكِ بهذه السّرعة؟!

_العفو يا خالتي!

قالت ألماس مقتربة منها بحرج لتسلّم عليها لكنّ اسمهان سحبتها إلى حضنها بدفء شديد جعل عيني ألماس تلتمعان دموعا متمتمة:

_أنا آسفة يا خالتي، فقط الوقت كان مبكّرا كثيرا ف..

_وهل أنتِ غريبة؟ أنا ألم أعتبركِ دائما ابنة هذا البيت بعيدا عن كلّ شيء؟

احمرّت عيني ألماس، وتوتّرت تشعر بعيني عمر الثّاقبتان ترصدان كلّ سكناتها حتّى كاد يشعرها أنّها تحت المجهر، فهمست لأسمهان:

_سنتحدّث قريبا يا خالتي، فلأترككما وحيدين أنا الآن.

_تعالي وادخلي معنا!

_لا!

قال عمر بسرعة فالتفتت ألماس إليه منفعلة، لكنّ عمر أردف إلى اسمهان قائلا:

_أنا حقّا مستعجل سيّدة اسمهان، وسأوصل الآنسة ألماس في طريقي، هي كانت ستعود إلى السيّارة أساسا بينما تحدّثنا.

رمقته ألماس بحدّة لكنّه لم ينظر إليها فراودتها رغبة أن تبقى فقط عنادا فيه، لكنّها بالأخير سلّمت مجدّدا بعينيها على اسمهان عائدة نحو السيّارة فعلا.

نظر عمر إلى اسمهان من جديد الّتي سألته بدورها على الفور بقلق:

_ما الأمر يا بنيّ؟ حنين تقول أنّكَ تصرّ أن تسحب ابنكَ من المركز وتأخذها معك، هل هذا صحيح؟

_صحيح يا خالتي، أنا أجبرتها على المجيء عندي.

_خيرا يا بنيّ؟ من أجل ماذا تخاطر بعلاج ابنك بهذا الشكّل؟!

تنهّد عمر بعمق، لكنّه أجابها بجديّة:

_قصّة طويلة يا خالتي، فقط أخبريني أنتِ، هل تثقين بي؟

انفعلت بصدق:

_ما هذا الكلام سيّد عمر؟ وهل أنسى أنا كلّ ما فعلته مع حنين ومع مراد طول هذه السّنين دون علمهم حتّى؟ أنا مدينة لكَ حتّى النّخاع بحياة كلى ابنيّ..

_أستغفر الله.

قاطعها بسرعة مضيفا:

_ليس لي دين عند أحد أبدا، لكن فقط أريدكِ أن تثقي بي، حنين بمقام ابنتي الكبيرة، إن أتت معي فستكون في عيني كجان وجنّات.

_لا شكّ عندي يا بنيّ أساسا لكن.. أنتَ..

تردّدت قليلا، فهزّ عمر رأسه قائلا:

_أعلم ما يؤرقكِ جيّدا، لكن لا داعي أن تقلقي أبدا.

_يا بنيّ أنتَ تعرف حنين! أساسا طول هذه السّنين لم تتجاوز شيئا ممّا حدث كما تدّعي..

_أعلم.

قاطعها بثقة مضيفا:

_أنا واعٍ بكلّ شيء يا خالتي لا تقلقي، لكن.. هنالك أشياء أهمّ من أشياء في الوقت الحاليّ.. حين يحين الوقت سأشرح لكِ بنفسي كلّ شيء، لكن حنين الآن ستكون في عيني وفي مأمن عندي، فهل تثقين بي وتسلّمينني إيّاها؟

سكنت اسمهان قليلا، ثمّ أجابته بثقة:

_أنا أسلّمكَ إيّاها بلا أدنى قلق يا بنيّ! إن لم أثق بكَ ففيمن سأثق!

_العفو! العفو يا خالتي ولا تقلقي أبدا رجاءً، سأعيد أمانتكِ كما أخذتها منكِ.

سكنت اسمهان قليلا، ثمّ قالت:

_حسنا.. حسنا يا بنيّ طالما تقول ذلك فثقتي بكَ تامّة، لكن لديّ شرط أريد أن أقوله لها إن لم توافق عليه فأنا لن أتركها...














نهاية الفصل الثّاني والثّلاثين.
































قسيس likes this.

نهى_الجنحاني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم اليوم, 03:44 AM   #1743

نهى_الجنحاني

? العضوٌ??? » 517593
?  التسِجيلٌ » Mar 2024
? مشَارَ?اتْي » 799
?  نُقآطِيْ » نهى_الجنحاني is on a distinguished road
افتراضي





أعتذر جدّا عن التّأخير، يعني كان واحد من أسهل الفصول من حيث الكتابة ورغم ذلك ما عرفت خلّصه أو اكتبه،

تصبحون على خير وأتمنّى أن ينال قبولكم على كلّ حال ♡♡



قسيس likes this.

نهى_الجنحاني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم اليوم, 03:45 AM   #1744

نهى_الجنحاني

? العضوٌ??? » 517593
?  التسِجيلٌ » Mar 2024
? مشَارَ?اتْي » 799
?  نُقآطِيْ » نهى_الجنحاني is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة h.m مشاهدة المشاركة
حبيبة قلبي الحمد لله جبر الله خاطرك وأعطاك سؤلك مبارك من القلب ورزقك الله خيرها وصرف عنك شرها
نعم صدقتِ فمن رضي أرضاه الله

وبهالمناسبة الحلوة وبصبرنا على جمال روايتك حتكوني كريمة معنا وتتحفينا بفصول جديدة????
وبهالمناسب الحلو
شكراااا يا حبيبتي ♡♡♡♡♡♡

ولكِ بالمثل و أكثر، ربّنا يقدّرني وأعرف اسعدكم شكراااا ♡♡


نهى_الجنحاني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم اليوم, 03:46 AM   #1745

نهى_الجنحاني

? العضوٌ??? » 517593
?  التسِجيلٌ » Mar 2024
? مشَارَ?اتْي » 799
?  نُقآطِيْ » نهى_الجنحاني is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مريم احمدو مشاهدة المشاركة
مبرووك يانهى الله يرزقك خيرها ويكفيك شرها ويبارك لك في رزقك يارب
شكرااااا يا حبيبتي أجمعين ويعطيكِ كلّ ما تتمنّين ♡♡♡♡


نهى_الجنحاني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم اليوم, 04:20 AM   #1746

قسيس

? العضوٌ??? » 391086
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 963
?  نُقآطِيْ » قسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond reputeقسيس has a reputation beyond repute
افتراضي

اتوقع الشررط ان احمد يسكن بفندق او مايقرب منها


استغربت نظرات مراد لهالدرجة ماتعني له الماس


اتوقع مراد لدرا بالحقيقة بيحاول سرجع نسرين بس نسرين ما اتوقع بترجع له ابدا١


قسيس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
رومانسيّة، اجتماعيّة، بوليسيّة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:48 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.