10-08-24, 07:34 PM | #311 | |||||
| اقتباس:
مساء الخيرات حبيبتي آمال ❤❤❤ سعيدة أنّ الجزء من الفصل أعجبكِ ❤ (ولنسعد نحن بصفاء الأجواء بينهما ولنبدأ في شحذ رصيد لاحمد بقلوبنا علنا تصفح عنه تماما): يا حبيبتي أنا الّي قاهرني انّكم كلّ ما تلمّوا رصيد لأحمد أنسفه أنا في الجزء الّي بعده، ابقي سامحيه من أجلي وخلاص وسعيدة أكثر أكثر بطريقة تفاعلكِ مع شخصيّة نسرين، نسرين فعلا هي أكثر شخصيّة كتبتها، وكتبتها باستمتاع شديد جدّا، وأصلا لمّا تعترضني شخصيّة مثل نسرين في حياتي أفعلُ مثلكِ تماما، لا أحكم عليها بل أحاول أن أفهمها، وأساسا أمثال نسرين عادة يكونون فقط متعطّشين لمن يفهمهم ويقبلهم كما هم، لكن عليّ الإجزام أنّ التّعامل معهم ليس أبدا سهلا... حبيبتي، سأنزل الجزء الثّاني من الفصل بعد لحظات، وسأنتظر تعليقكِ عليه لأجيبكِ عنهما باستفاضة أكبر... لكِ كلّ الحبّ الّذي تعطينه باستفاضة وأكثر ❤❤❤ | |||||
10-08-24, 07:35 PM | #312 | ||||
| في هذا الجزء من الفصل إن شاء الله سأشرح باستفاضة دواخل حنين وشخصيّتها وعقدها، ولهذا طال معي جدّا، سيكون من الجميل أن تقرؤوا بتمهّل قراءة ممتعة الفصل الثّاني عشر: الجزء الثّاني. الباب الخامس: بعد شهرين. للحب خصائص عجيبة، أغربها في تناقضها، ففي الحب قوّة ليست كأي قوة، وفي الحب ضعف يسحبنا إلى القاع أحيانا، في الحب نضحي شجعانا في تمهيد طريقنا نحو من نحب، وفيه نصبح جبناء خوفا من الفراق والفقد، في الحب سكرة غادرة لمن ترك نفسه لها، وفيه استفاقة تأتي كالصفعة على خدودنا، يرفعنا إلى عالم وردي من الأحلام نحلق فيه بأجنحة من الوهم، ثم يتركنا فجأة لنسقط من نفس الارتفاع مرتطمين بقسوة الواقع... كذلك حلّقت حنين في عالم كهذا أنساها نفسها، أنساها واقعها، أنساها سبب وجودها في ذلك البيت، أنساها أن هيفاء والدتها، جعلها لا تعِي أنها مثلما كانت تزداد علاقتها بأحمد عمقا يوما بعد يوم، كانت تزداد سلسلة كذبها خطورة أكثر فأكثر، و كانت تزداد صعوبة قول الحقيقة مع مرور كل يوم، لكنها كانت تسبح في عالم الوهم و لم تعِ مقدار غرقها إلا عندما تلقت صفعة أيقظت عقلها الذي أسكره الحب و أغشاه، و أيقظ منطقها الذي نام طويلا متدثرا بمشاعرها، لتفتح عينيها للمرّة الأولى منذ اعترافها بحبها واعية بأي ورطة أوقعت نفسها عندما سمحت لماء الحب بالجريان بينهما قبل أن توضح الحقيقة و تكشفها... ارتعدت الشوكة التي في يد حنين حتّى سقطت من يدها على طاولة العشاء التي يترأسها رضا والد عمر ويشاركهُ إياها بقيّة أفراد العائلة، لم تقدر حنين أن ترفع رأسها لتنظر إلى أحمد، بينما نظرت نحوها جميع الأعين الجالسة من الصوت الذي أحدثته، ثمّ عادت للالتفات إلى أحمد من جديد الذي يتناقش مع عمر منذ بداية العشاء بانفعال: _عَقْدُنَا مع "حامد" سينتهي يا عمر، ولا أريد أن نتناقش في هذا أكثر، وإن كانت طريقتي في إدارة المكتب لا تعجبك، فتفضّل أنتَ واستلم الإدارة ودعني أنا أذهب إلى القضاء. انفعل عمر بسخط: _أنتَ تعرف أنّني لا أرى مشكلة في إدارتكَ للمكتب ولم أشكّك يوما أنّكَ تديره كأفضل ما يكون! أنا أتحدّث عن "حامد" الآن! هذا الرّجل لا يعمل في مكتبنا منذ أيّام قليلة، بينكم عقد دام سنينا وسار بطريقة مثاليّة، بل وبيننا صداقة طويلة، لماذا تفسخ عقده وتطرده تماما عند أوّل زلل قام به أنا لا أفهم؟! ازدادت عيني أحمد قساوة، ليقول مشدّدا على كلماته: _لأنّني لا أعمل مع رجل قادر على أن يكذب عليّ ويدير أشياءً خلف ظهري يا عمر! ثمّ لو كان صديقنا فعلا كما تقول ويحترم صداقتنا لما أخفى علينا عملهُ خارج نطاق عقدنا، سمّنِي عديم الشفقة أو سمّنِي ما شئت، لكنني لا أسامح من يخدعني لأنّني لا أثق فيه مجدّدا، وأنا لا أريد رؤية ذلك الرّجل في حدود مكتبنا مجدّدا والأمر منته بالنّسبة لي! انفعل عمر مجدّدا وقد كان يكره هذه الشدّة فيه: _الرّجل احتاج إلى نقود من أجل عائلته يا أحمد لقد شرح لك واعتذر!! _لو أخبرني أنّه احتاج نقودا كنتُ ساعدته وهو يعرف ذلك جيّدا! لكنّه اختار بدلا من ذلك أن يكذب، وأنا لا أثق فيمن يكذب ولا أعرف كيف أبني علاقة أو عملا مع من لا أثق فيهم، والآن من الأفضل أن نغلق هذا الموضوع هنا فقد ضايقنا الجميع على العشاء. قال أحمد ملاحظا شحوب حنين التي تنظر إلى الصحن أمامها بعينين شاخصتين، وكان سيناديها لولا أن عمّه رضا الذي كان يراقب نقاشهما وانفعال جميع الجالسين بصمت قد قاطعه، ليخاطبه ككلّ مرّة بكلمات قصيرة وبليغة: _شِدَّتُكَ هذه يا أحمد، إِمَّا ستكسرك يوما أو ستكسر من حولك، تذكّر هذا جيدا... نظر أحمد إلى عمّهِ بصمت دون أن يجيبه، ففهم رضا من عينيه أن كلماته لم تلقَ صدًى في رأسه، فهزّ رأسه بأسف مُفكّرًا أن الحياة تُعَلّمُ بالضّرب من لا يتعلم بالنصيحة، لذلك كان واثقا أن الحياة ستريه يوما بطريقتها وجود ألوان كثيرة غير الأبيض والأسود، وأعدادا لا نهائيّة ما بين الواحد والصفر... _من بعد اذنكم جميعا. قالت حنين بصوت هامس واقفة من مكانها معلنة انتهاء عشاءها الذي لم يبدأ بعد، فنظر إليها أحمد مقطبا وقد شعر بالقلق من شحوبها الغريب ومن عينيها اللتين تهربان منه بغرابة سائلا: _إلى أين؟ أنتِ لم تأكلي شيئا. قالت خديجة بضيق: _لقد أذهبتم شهيّة الفتاة بعراككم طبعا، قلتُ لكم ألف مرة ألّا تتناقشا في العمل على العشاء. أجابت حنين بصوت ضعيف أحمد الذي ظلّ ينظر إليها بقلق: _أشعر ببعض التعب ولست جائعة. قالت حنين دون أن تنظر إلى عيني أيّ منهم مُنسحبة من هناك بصدر ضيق، وقد تَبِعَتها جميع الأعين بقلق ودهشة، بينما تبعتها عينين وحيدتين متفهّمتين. اتجهت حنين إلى الخارج هاربة بساقين خاويتين، وهي تشعر أن صخرة قاسية سقطت على رأسها قبل قليل أيقظتها من حلم جميل، رفعت الغشاوة التي غطت بصيرتها كاشفة لها عن الورطة التي نسيتها، أو بالأصحّ تناستها، والّتي تزداد كلّ يوم مدى وعيها لخطورتها... جلست على المقعد في الحديقة، ونظرت إلى الخاتم الذي حاوط اصبعها بوجه بارد ومُبيضّ وبعينين التمعتا دموعا متذكّرة ما حدث بعد تلك الليلة، وقد كان كلّ شيء مختصرا وسريعا بطريقة عجيبة، أحمد أصرّ أن يتحدّث على الفور إلى والدها كي يكون تعرّفهما حسب الأصول، فأصرّت على أحمد أن تتّصل هي بأبيها قبله وقد كانت تريد أن تخبره أوّلا بكلّ شيء، ثمّ مَاطَلَتْ كثيرا قبل أن تتّصل جُبنًا، إلى أن فقد أحمد صبره عليها فاضطرّت على الاتّصال... كانت قد بقيت صامتة طويلا في الهاتف بخوف شديد، إلى أن أتاها صوت أبيها معنّفا أنّه لا يملك اليوم كلّه وأنّه سيدخل إلى عمليّة قريبا، فأخبرته بصوت أكلهُ الخجل والخوف أنّ هنالك من تقدّم لها... عمّ الصّمت طويلا جدّا بعدها، ثمّ خرج صوته جامدا: _ألم نتّفق أن تنسي أمر الزّواج هذا قبل الشّهادة؟ ارتجف قلب حنين خوفا وانغلقت حنجرتها تماما، فهي قد أطاعته دائما في هذا الأمر ولم تفتح قلبها أبدا، لكنّ أحمد دخل كالزّوبعة إليها أسقط أوامر أبيها أرضا. كان صمتها كافٍ ليوسف ليفهم أنّ قلب ابنته قد مال، ارتجف قلبه، وأصابه شعور غريب بالضّيق والغيرة والغضب سويّا، لكنّه تكتّم على مشاعره بسرعة كعادته ولم يترك منها سوى الغضب وسألها بحدّة: _من أين عرفته؟ ما اسمه وما اسم عائلته؟ طرق قلب حنين بشدّة خوفا وقد حانت اللّحظة، فقالت بخفوت شديد: _أ.. أحمد ال.. أحمد الأكرميّ. ارتعشت يدُ حنين تماما حتّى بات الهاتف يرتجف بشدّة في يدها تنتظر أن يشكّ إن كان يقرب لأمّها بصلة، وتفكّر كيف ستأتي بالجرأة لتصارحه بكلّ ما حدث في الأشهر الأخيرة دون علمه، وهي واثقة أنّه سيجنّ عليها تماما ويقاطعها لفترة طويلة، لكنّ يوسف فاجأها قائلا بجديّة موتّرة: _"الأكرميّ" عرشٌ كبير ومنتشر جدّا في الجنوب، كان لي صديقان من الجيش والعمل يحملان هذا اللّقب، ماذا يفعل؟ هل هو معكِ في المشفى؟ ارتجفت حنين تماما، مفكّرة حينها أنّ الرّجل الّذي يجنّ لمجرّد ذكر اسم "حياة" في البيت، والّذي غيّر لها اسمها فقط لمجرّد أنّ أمّها قد اختارته لها، فهو إمّا لم ينبش خلفها أبدا بعد تطليقهِ لها وقد كانت شهيرة بين الجميع بصوتها وباسم شهرتها، أو أنّه يعرف، لكنّه لم يعطِ احتمالا لكون اللّقب واسع ومنتشر، وفي نفس الوقت لم يشكّ أبدا في جرأة حنين للذّهاب خلف والدتها، لكنّ حنين لم تركّز في أيّ من هذه الخيارات هي الصّحيحة، بقدر ما ركّزت في خيار الجبن والهرب، وبأن لا تضطرّ إخبار والدها بكلّ ما حدث، فقد كانت واثقة إن فعلت أنّه سيقاطعها أشهرا على ذلك وستنسى تماما فكرة الزّواج من أحمد سوى في أحلامها... ارتبكت بشدّة، الكذب لم يكن يوما من خياراتها المفضّلة، لكنّها باتت تختاره كثيرا في الفترة الأخيرة وهذا كان يؤرق ضميرها بشدّة، وسوس لها الشّيطان أنّ معرفة أبيها بهويّة زوجة ابن عمّ من يتقدّم لخطبتها ليست أبدا واجبة، أو هكذا أقنعت نفسها حين أصبحت فكرة خسارة أحمد في المقايضة... تصارعت مع نفسها كثيرا إلى أن قالت أخيرا بارتباك شديد وبفؤاد ارتجف خوفا: _لا.. هو.. ابن عمّ.. ابن عمّ.. ابن عمّ صاحب البيت الّذي استأجرته. قطب يوسف بشدّة سائلا بحدّة أكبر: _وماذا يفعل هذا الأحمد في حياته؟ أين رآكِ؟ في البيت؟ هل أنتم في نفس البيت؟!! ازداد ارتباك حنين من نبرته المحتدّة وأسرعت شارحة باضطراب: _لا! أعني بلى! أعني أنا أقطن في مسكن مستقلّ عن بيتهم كما أخبرتكَ من قبل، وهو محاميّ وناجح ومحترم، كلّهم عائلة محترمة. سكت والدها قليلا تأتيها فقط أنفاسهُ السّاخنة الموتّرة، ثمّ سألها بشدّة: _هل أنتِ على علاقة به؟! انفعلت بسرعة وخوف: _لا لا أبدا! هو فقط أرسل لي.. أعني أخبرني أنّه يريد التعرّف عليك وها أنا أخبرك. انفعل صارخا فجأة: _لقد تقدّم لكِ آخرين أيضا من قبل لكنّكِ لم تتّصلي لتخبريني بهم، ما الّذي اختلف هذه المــــرّة؟ أخذ قلبها يخفق بشدّة أكبر مرتجفة تماما وصدرها يهتزّ فوقا وتحتا، لم تستطع أن تجيبه، تخاف ألّا يصدّق أنّها ليست على علاقة به ويعاقبها أيضا على ذلك... طال الصّمت كثيرا حتّى باتت واثقة أنّه سيرفضه تماما، لكنّهُ وعلى نحو فاجأها سائلا بحدّة: _أنتِ ماذا تريدين؟ طالما اتّصلتِ فماذا تريدين؟ ارتجف كلّ جسد حنين حينها، واجتمعت الدّموع في عينيها لا تعرف ما تجيب، تتمنّى حينها حقّا لو كانت والدتها في حياتها لتقوم هي بهذا الدّور عنها، لكنّها ابتلعت ريقها بصعوبة وتمتمت بصوت شديد الخفوت: _مثلما تريد أنت. عمّ صمت طويل جدّا بعدها كاد يتوقّف فيه قلب حنين، إلى أن قال بصوت حادّ وضيّق: _أنا مشغول تماما هذه الفترة، سأرسل مراد ليتعرّف عليه ويسأل عنه، ثمّ سنرى. كادت حنين تبكي من كبر توتّرها، تريد اخبارهُ أيضا بكلّ ما حدث، وبأنّه ابن عمّ طليق والدتها لكنّها عجزت تماما، وقبل أن تتكلّم مجدّدا أضاف بحسم: _وابدئي بالبحث على الفور على مسكن جديد. _لماذا؟! سألت منفعلة فانفعل بحنق: _لمــــاذا برأيـــك؟! فارتبكت بسرعة قائلة: _أنا فقط قصدتُ أنّني في.. في بيت منفصل.. أ.. أعني.. أعني حسنا كما تريد... وهكذا انتهت المكالمة، ليرسل بعدها مراد بالفعل قبلهُ بأسبوع من مجيئه ليتعرّف على أحمد... أمّا مراد، فوبّخ حنين بشدّة على إخفائها الأمر إلّا أنّهما منذ طفولتهما كانا غطاءً وسترا لأسرار بعض، ورغم ضيقه الشّديد، إلّا أنّه تقابل مع أحمد بالفعل، فالتقت طاقتهما على الفور وسرعان ما انسجمت أرواحهما ووثق به مراد جدّا، ثمّ وبطبعه العاشق فهم بسهولة أنّ أحمد عاشق لحنين وغارق فيها غرقا، وعى بذلك أكثر من حنين وأحمد نفسهما... لذلك بعد أن أخذ وعدا من حنين بمصارحة كلّ من أحمد ويوسف في القريب العاجل، أكّد لعمّه أنّه قابله وسأل عنه وأنّه سيكون خير زوج لحنين، ثمّ أتى والدها من السّفر ليوم واحد فقط عقدا فيها خطبتهما في نطاق ضيّق جدّا وعاد من فوره ليلحق عمليّة طارئة... وأمّا عمر، فحين فهم أنّ حنين لم تخبر أباها عنه أيضا، ورغم أنّه كان واثقا كون يوسف لن يتعرّف عليه إن رآه، إلّا أنّه تحجّج يوم الخطبة بسفريّة طارئة ولم يحضر كي لا يوتّر حنين ويترك لها المساحة لتخبرهما متى أصبحت جاهزة، لكنّ أحمد غضب منه كثيرا جدّا على ذلك... وفي الأخير حضر الخطبة فقط رضا وخديجة من جهة أحمد، ويوسف واسمهان ومراد ونسرين من جهتها هي، ثمّ تمّ كلّ شيء على وجه السرعة وعاد والدها للسّفر من الغد من جديد. أمّا الآن.. وبينما هي جالسة تنظر إلى الخاتم في اصبعها تساءلت للمرّة الألف: "كيف سمحت لنفسها أن تضع هذا الخاتم في اصبعها قبل أن تكشف كلّ أسرارها إليه؟ كيف سمحت لنفسها بالتفكير بالزواج منه ومشاركته حياتها وهي لم تشاركه حتّى هويّتها وسبب وجودها هناك؟ متى أصبحت فتاة كهذه؟ هل أصبحت مُستهترة إلى درجة بناء علاقة عميقة كالزّواج فوق أسس من الكذب والخداع؟ تكذب عليه من جهة وعلى والدها من جهة؟" لم تجد إجابة لأسئلتها رغم أنها تتلخّص في كلمتين: "عقدة عدم استحقاق الحبّ"... الطّفل يفقه الأشياء الماديّة برؤيتها وبلمسها، لكنّه يفقهُ المشاعر بتلقّيها وممارستها، فحين يتلقّى الطّفل الحبّ، يتعلّم كيف يُحِبُّ ويُحَبّ، وأوّل مُعلّم للحبّ في حياة الإنسان هما الوالدين عامّة والأمّ خاصّة، لذلك إذا ما نُبِذَ وتُرِكَ الإنسان من قبل أمّه يتشوّه مفهوم الحبّ عنده، فلا يتعلّم كيف يحبّ نفسه، ولا يتعلّم كيف يثق في نفسه، فيصبح مخوّلا أن تسكن في روحه "عقدة عدم استحقاق الحبّ": ينزرع شعورٌ في داخله أنّهُ كائن لا يستحقّ الحبّ، وأنّ جميع الناس قادرين على هجره وتركه أمام أوّل بادرة أو تصرّف أو حتّى كلمة خاطئة، فإن كانت التي أنجبته استطاعت تركه، فمن ذا الذي سيحبّه إلى درجة أنّهُ لن يستطيع تركه؟ كذلك عانت حنين من هذا منذ وعت على نفسها وفهمت أنّ أمّها تركتها طفلة، فبُنِيَتْ ثقتها بنفسها بطريقة مشوّهة، ولهذا السّبب لم تُدْخِلْ إلى دائرة محبّيها الكثيرين، كانت قد اكتفت بعائلتها الصّغيرة، وكان هوسها كلّه يدور حولهم... وأمّا والدها بطبعه القاسي فلم يزد من عقدتها إلا تعقّدا، لم يكن يعرف أنّ الفتاة كائن من العاطفة تُسقى بالكلمات العذبة لتكبر ثقتها بنفسها، وأنّ اكتفاؤها واعتزازها بذاتها إنّما تأخذه من العاطفة الّتي يصدّرهُ هو بالذّات إليها. يوسف كان يحبّها نعم.. لكنّه لم يكن يعرف كيف يصدّر حبّه أبدا، كان يرهبها أكثر من كلّ شيء، ويعاقبها بشدّة على أصغر شيء، ويقاطعها أكثر بكثير ممّا يكلّمها، فأرضعها الخوف عند التّعامل معه رضاعة... كانت المرّات الّتي تحدّث فيهم بعاطفة معها تكادُ تُعَدّ بأصابع اليد، ودائما ما تكون في مناسبات تأتي خلف نجاحها في شيء، إمّا في الثانوية العامّة، أو في كسبها للطبّ كتوجيه لها، أو في تميّزها وكسبها الرّتبة الأولى في الجامعة... طلب منها عدم التّفكير في الزّواج وهي تدرس فأطاعته بلا مساءلة، بل وأغلقت على قلبها بالأقفال والسّلاسل، أطاعته في كلّ شيء تقريبا إلّا حين يكون الأمر متعلّق بالتّغطية على نسرين أو حمايتها من عقابه، وعلى الرّغم من ذلك كان دائما صعب الإرضاء وكثير الغضب، ثمّ حين ضغطت على نفسها في دورة الاختصاص ودرست ليلا نهارا لترضيه، انهارت من التّعب في الأخير ولم تحصّل مجموعا يخوّلها اختيار الجراحة كما أراد، فقاطعها على ذلك شهرين كاملين... وبذلك، دائما ما صدّر لها شعورا أنّها إن لم تكن مثاليّة، فهي إذن منبوذة ومرفوضة وغير محبوبة، وكانت تتحاسب على أصغر خطأ تخطئه كأنّما أخطأت خطأ جسيما، يُقاطعها عليه أسابيعا أحيانا حتّى وهي تعتذر مرارا وتكرارا، كان يحاسبها على الخطأ الصّغير تماما كالكبير وفي عقله أنّ ذلك سيجعلها لا تخطئ مجدّدا نفس الخطأ، لم يكن يعرف أنّ احتواء الأخطاء أشدّ قوّة من العقاب عليه، وأنّ الحديث الليّن للّذي يعترف بخطئه كان ليكون أشدّ بلاغة من الغلظة والقسوة، هكذا تربّى وهكذا مع الأسف ربّى... أمّا في الصّداقات، فحنين منذ مراهقتها لم تعرف كيف تتوفّق أيضا، كانت تُصَدِّرُ الحبّ دائما دون أن تستورده، وكانت تعطي دون أن تأخذ، وتبذل دون أن تطلب، تسرع لتتصالحَ أمام أصغر شرخ، وتعتذر أمام أصغر جرح، حتّى لو كانت هي التي انجرحت، لأنّها تخاف إن لم تفعل أن تفقد حبّهم، أو أن يقصينها، أو أن يبعدنها، أو أن يتركنها، أفلم تتركها أمّها؟ إذن إن لم تبذل كلّ ما تملك، وإن لم تكن ملاكا منزّلا خاليا من العيوب فهي قابلة للتّرك... ومن يعانون هذه العقدة عادة لا يعرفون قيمتهم، لأنهم لا يبتعدون ليروا مدى عزّتهم، لا يجازفون بالابتعاد، ولا يأخذون مواقفا عند الغضب، ولا يقاطعون عندما يؤذون، لأنهم يخافون إذا ما فعلوا أن يخسروا، فيسارعون دائما في التنازل كي لا يفقدوا، فَيُعَوِّدُونَ الآخرين على أن يكونوا دائما هم المتنازلين، ثمّ يظنون أنّ الآخرين لا يَتَنَازَلُونَ لهم إلّا لأنهم لا يستحقّون... أوّل ما يفعله الحبّ في الإنسان حين يسقط فيه، هو إخراج أعمق العُقَدِ المدفونة في روحه، وأعمق عقدة لحنين كانت تلك التي تركتها فيها هيفاء ومن ثمّ يوسف، فخرجت من كيانها ما أن وقعت في حبّ أحمد، وما أن أدخلت أحمد إلى دائرة أحبّتها الضيّقة، تلك التي تحميها بروحها، وبالتالي حتى لو صدّق عقلها أنَّهُ يُحِبُّهَا، فروحها لم تصدّق أبدا رغم أنّ الحبّ كان جليّا في كلّ تصرّفاته، وحركاته وسكناته، وحتى أسرع نظراته، ليس لأنّها عمياء ولم تر، بل لأنها لا تُحِبُّ نفسها حَقَّ قدرهَا، والذي لا يحبُّ نفسه لا يعرف كيف يستقبل الحبّ... "إذا عرفَ أنّني كذبتُ على الجميع منذ أتيت، وأنني قلتُ أنّ والدتي متوفّات بينما هي جالسة معي على نفس الطاولة، ثمّ ألحقتها بسلسلة كذبات لأخفي كذبتي الأولى فسيراني مخادعة، سأسقط من نظره، سيتراجع عنّي، وسيتركني..." هكذا بدأ الأمر معها في البداية فخافت المصارحة، والخوف إذا ما لم يُوَاجَهْ في مهده ازداد سيطه، أمّا أحمد بطبعه الشّديد الّذي يخفيه خلف روحه الخفيفة، فلم يَزِدْ من وحش خوفها إلّا تضخّما، كان كخطّ مستقيم كأنّما لم يعرف يوما اعوجاجا، مباشرا، واضحا، صريحا، مندفعا، ولا يعرف اللّف ولا الدوران، ويتوقّع من جميع الناس المثل، وإذا لم يجد المثل يرحل ويقصي ويحكم بلا ذرّة رحمة ولا ذرّة ندم، كوالدها تماما... رسمَ لَهَا حُدُودَهُ وخطوطهُ الحمراء منذ أوّل جلسة جلسا فيها، أخبرها عن الأشياء الّتي قد يتجاوز عنها والأشياء الّتي لا يرحم فيها، وأصرّ مرارا وتكرارا أنّ الكذب خطّ أحمر عنده لا يسامح أو يتسامح فيه أيّا كان السّبب خلفه فجبُنت وانغلقت تماما، وقد كان يشبه أباها جدّا في هذه النّاحية، فوجدت نفسها تتصرّف معه تماما كما هي مع أبيها... لكنّها الآن تساءلت، حين صمتت وتركت نفسها لتيّار المشاعر والحبّ معه، إلى متى كانت تنوي أن تخفي هويّتها، فأتتها الإجابة حارقة جدّا لها: "إلى القدر الّذي تستطيعين، هكذا كنتِ دائما، تهربين من المواجهة طالما تستطيعين، ولا تواجهين إلّا حين تضطرّين..." _هل أنتِ بخير؟ سأل عمر بصوت متفهّم جالسا قبالة حنين في الحديقة، بينما انتفضت حنين تمسح دموعها بسرعة رافعة عينيها مُتفاجئة بوجوده، ثم لتجتمع فيهما الدّموع مجددا وقد رأت نظرته التي تعني أنه فهم جيدا ما أصابها على العشاء. جلس عمر قبالتها مُتنهّدا، ثمّ قال بعد صمت قصير: _أنا آسف. نظرت حنين إليه مقطبة بتساؤل، فأضاف بأسف: _كان عليّ أن أنظر إلى أبعد من قدميّ، حين أحضرتكِ إلى هنا بهذه الطّريقة لم يخطر على بالي ولو لثانية أنّكِ قد تقعين في وضع كهذا. أجابته بحزن: _بل أنا الآسفة أخي.. هذا خطئي وحدي وورّطتُكَ فيهِ معي، ما كان يجب أن أخطو خطوة واحدة تجاه أحمد قبل أن أوضح من أكون وأوضح سبب وجودي في هذا البيت، لكنّني.. لكنّني.. قالت حنين لتوقفها غصّة في حلقها، فأسعفها عمر الّذي تعرّف على طبعها كفاية ليفهم: _لا داعي أن تشرحي لي فأنا أعرفكِ، كما أنّني أفهم جيّدا كم من الصعب التعامل مع رجل بطبع أحمد، رجل يتعامل مع الحياة كقاعة محكمة، عندما يُثبت الذنب على أحدهم يُخرجُ الحكم كما هوَ مسنون في قوانينه، وأحد أشدّ القوانين صرامة عند أحمد هو الكذب. ارتجفت حنين وقد شعرت بالخوف يجثم على صدرها، وقالت بألم: _أتعرف أكثر ما يخيفني يا أخي؟ هزّ عمر رأسه مُتسائلا بصمت، فأجابت بألم: _أنني ما عدتُ أعرف نفسي، لو.. لو أنّني مازلت حنين القديمة، لما تحمّلتُ هذا الشعور الذي أعيشه الآن لثانية واحدة، ولذهبتُ وأخبرته كلّ الحقيقة فورا متحملة مسؤوليّة أي شيء يحدث بعدها، لكنت تحملته بدون أن أشتكي بكلمة، لكنني أشعر بخوف يربط يدي ولساني، أشعر بجبن شديد لم أعهدهُ في نفسي بهذه الدّرجة سوى.. سوى مع أبي. ابتسم عمر بخفوت وأجابها: _إنّهُ خوف الفقد في الحبّ يا حنين، يفوق هذا الشّعور أحيانا الشّجاعة وحتّى الشّعور بالذنب، الضعف والجبن هما ضريبتا الحبّ الكبرى، ومع الأسف والدكِ غذّى فيكِ هذين الشّعورين أيضا. سكتت حنين قليلا تنظر إلى عينيه الّتين تلمعان بكلمة "لكن"، فتمتمت: _لكنّكَ ستقول أنّ الحبّ أطهر من أن نتحجج به لنبرّر أخطاءنا. اتّسعت ابتسامته مشيرا بعينيه بتأكيد، فأردفت تخاطب نفسها أكثر مما تخاطبه: _أعلم.. لطالما رأيتُ أنّ هذه مشكلة الجميع أساسا، نجعل من الحبّ شمّاعة لأخطائنا، إن ضعفنا نتحجج بالحبّ، وإن كذبنا نتحجّج بالحب، إن تخلّينا على كبريائنا نتحجّج بالحبّ، وحتّى إن خالفنا الله مع من نُحب نتحجّج بالحبّ رغم أن الحبّ بريء من كلّ هذا، الحبّ أطهر بكثير من أن نتحجج به ونجعلهُ شماعة لأخطائنا... ابتسمَ عمر ينظر إليها بشفقة، فأمثالها من النّاس هُمْ أكثر من يَتَألّمُونَ حين يُخْطِؤُون، لأنّهم أشجع من أن يبرّروا أخطاءهم لِيُرِيحُوا ضمائرهم، وأجبن من أن يتقدّموا ليَتواجهُوا مع أثمانها، فيقفون في لعنة المنتصف! فلا هم يستمتعون بالسّعادة المتاحة لهم من الخطأ، ولا هم يجازفون بخسارة تلك السّعادة المشوّهة من بين أيديهم. هزّ رأسه أخيرا مجيبا بابتسامة صغيرة: _علينا أن نواجه هذا الضعف طبعا لا أن ننساق خلفه. هزّت حنين رأسها بألم وقالت: _وهذا يعني أن عليّ أن أخبر أحمد من أكون، وعاجلا غير آجل. _طبعا. أجابها عمر بتأكيد، ثم أضاف بسرعة عندما رأى الخوف الذي في عينيها: _أحمد أيضا يحبّكِ يا حنين، حسنا! بمعرفتي له لن أقول أنّه سيمرر الأمر بسهولة، لكن مثلما أضعفكِ الحبّ فلا بدّ سيليّن من شدّته أيضا. هزّت حنين رأسها بيأس شديد، فهي في قرارة نفسها لا تؤمن أنه يحبّها لتؤمن بأن يليّنه الحبّ، فقالت وقد اجتمعت الدموع في عينيها: _أنت أيضا تعرف يا أخي أن أحمد قادر على أن يدعس على كل مشاعره وضعفه حين يشعر أنه مخدوع، أو عندما يفقد ثقته في الذي أمامه، لم أحتج الكثير من الوقت لأفهم طبعه هذا. أحابها بقوة وتشجيع: _سيتفهم مع الوقت يا حنين، سيفهم أنّ ليس من السّهل على أيّ انسان أن يقول ببساطة أنه دخل إلى بيت أمه الّتي تركته كطبيب لأخته ليتعرف عليها ثمّ ادّعى أنّها ميّتة في وجودها، أحمد ذكيّ لدرجة أن يفهم هذا حين يهدئ غضبه، أنتِ أخبريه بالحقيقة بنفسكِ كي تكون أخفّ، وسأكون بجانبكِ لا تقلقي. نظرت إليه بخوف شديد قائلة: _سيغضب منكَ أيضا كثيرا أخي، وكلّه بسببي. ابتسم عمر مُطَمْئِنًا وقائلا بثقة: _لا تقلقي بشأني، الرّابط الّذي بيني وبين أحمد والمواقف الّتي تجمعنا تجعلنا نتجاوز عثرة كهذه بيسر، فكّري في نفسكِ فقط أنتِ ولا تخافِي، أخبريه وأخبري أباكِ وسأكون بجواركِ لا تقلقي. ابتسمت حنين بين دموعها مطمئنّة بكلماته وقالت بنبرة صادقة: _أعلم أنّك ستكون، شكرا أخي.. هزّ عمر رأسه بابتسامة صادقة شاركته إياها... نظرت بحزن وذنب إليه حين شرد بعيدا ترى تعابيره المتعبة الّتي حفرت نفسها على وجهه، فهي تدرك أنّه تحمّل الصّدمات الّتي عاشها بعد ذهابها إليه من أجل ابنته، فعاد كلّ ما كبته عليه الآن، ثمّ كانت ترى بعين الشّمس ورغم نكرانه أنّه مازال لم يتخلّص من حبّ والدتها رغم كلّ شيء، كأنّما اجتمع الحبّ والكره عليه سويّا فلم يستطع التّخلّص من اثنيهما، وأمّا هيفاء فقد زادت الأمر صعوبة عليه باستفزازها الصّامت له، وقد زالت كلّ حدوده عليها فأصبحت تقوم بكلّ ما كان يمنعه عنها، وهو مازال يغار عليها غصبا عنه ولا يحتمل ذلك إلى يومها، لكنّها تعرف أيضا أنّ الرجال الذين مثل عمر لا يأخذون قرارات كبيرة كالطّلاق بسهولة، لكنّهم حين يأخذونها لا يتراجعون عنها أبدا مهما خلّفت فيهم من دمار أو ألم... _أخي. نادته مجدّدا فنظر إليها مقطبا، فقالت بحزن وصدق: _أنا حقا آسفة على كلّ شيء، حتّى على معرفتكَ بنا الّتي تسبّبت في انفصالك عن أمّي، رغم كلّ شيء أنا حقّا لم أرد يوما أن أحطّم حياتكم، وخاصّة لم أرد أن أكون سببا في تحطيم حياة أولادكم، فجان وجنّات تأثّرا بشدّة حتّى رغم مكابرة جان وتصرّفه النّاضج مع الأمر... ابتسمَ عمر ينظر إليها بحزن، ثمّ هزّ رأسه قائلا بصدق: _لهذا السبب أنا سعيد أنكِ ستتزوّجين أخي، أنتِ فتاة طيّبة يا حنين، قلبكِ لا يعرف الكره ولا الحقد، صدّقيني قليلون هم الناس الذين ينجحون في كسب هذه المعركة في حياة. _معركة؟ سألتهُ بحيرة وإحراج، فأردف عمر مبتسما: _أن تحافظي على قلبكِ نقيّا رغم السوء والظّلم والقبح الذين تتعرّضين لهم، قليلون من يكسبون هذه المعركة لكنّهم محظوظين أيضا، لأنّهم يعيشون بسلام داخليّ لا يعرفه من يحملون الحقد في قلوبهم. ابتسمت حنين بحرج، فاتّسعت ابتسامته قائلا: _وأخي أيضا لديه قلب كالذّهب، أنتِ لا تنظري إلى شدّته أبدا. ابتسمت بألم وأجابتهُ بخجل وحبّ شعّ في عينيها: _أعلم، ولهذا السّبب أحببتهُ أساسا، ثمّ أشاحت عنه بحرج فابتسم هازّا رأسه. استطرد بعد لحظات: _بالنّسبة إلى جان، أنا أيضا لاحظتُ تأثّره الذي يخفيه، وهذا أحد أسباب اصراري عليكِ أن تطيلي بقاءك معنا، جان لم يكن يوما طفلا اجتماعيا على الاطلاق، لكنني للمرّة الأولى أراهُ يتعلّق بشخص كما تعلّق بكِ، وأنتِ أيضا تعلّقتِ به كثيرا أرى هذا جيّدا. ابتسمت حنين بتأثّر شديد في حين أردف عمر بضيق وغضب شديدين من والد حنين يخفيه بصعوبة شديدة احتراما لها: _كما أنّني لا أخفيكِ يا حنين لستُ مرتاحا أبدا لفكرة خروجكِ من هنا للعيش في بيت لا تعرفين من فيه فقط لمجرّد ألّا تكوني قريبة من أحمد! أنا حقّا لا أفهم والدكِ أبدا، ألا يعرفُ ما حدث معكِ آخر مرّة؟! ماذا يعني أن يخرجكِ من بيت آمن للعيش وحدكِ مع أناس لا تعرفينهم لمجرّد ألّا تكوني بجانب أحمد كأنّه لا يعرفكِ أبدا؟! _أرجوكَ لا تفعل أنتَ أيضا يا أخي. قالت حنين برجاء وتعب حقيقيّين: _أساسا أحمد يضغط عليّ كأنّني أنا من أريد الذّهاب وليس أبي، وأنا ألهي أبي من الجهة الأخرى منذ فترة وقد بدأ يفقد صبره وقريبا سينفجر، فلا تفعل أنتَ أيضا لو سمحت! تنهّد عمر رافعا يده باستسلام وقائلا: _حسنا، حسنا! أستطيع أن أتوقّع إلى أيّ مدى أحمد لا بدّ يضغط عليكِ لذلك لن أضغط أكثر، ثمّ ابتسم قائلا بثقة ساخرة: _ثمّ إن كنتُ أعرف أخي قليلا، فهو لن يسمح بذهابكِ من هنا بكلّ الطّرق أنا واثق من ذلك. نظرت إليه شزرا على نبرته السّاخرة فضحك بخفوت قائلا: _صدّقيني.. لذلك لستُ أقلق كثيرا من رحيلك، وبصراحة أرجو المعذرة منكِ، لكنّني لن ألومه لأنّني لو كنتُ مكانه كنتُ سأفعل نفس الشّيء. نظرت إليه بشرّ قائلة باستفزاز متعمّد: _حسنا ولو كانت جنّات مكاني؟ وتقطن في نفس البيت مع خطيبها هل كنتَ ستتكلّم بكلّ هذه الحكمة أيضا؟! أمسكت حنين ضحكتها بصعوبة أمام ملامح عمر التي ضاقت تماما منفعلا: _لا عزيزتي هي لن تكون مكانكِ أبدا لأنّها لن تُخطب أساسا، أنا لن أزوّج جنّات أبدا هي ستبقى بجانبي. ضحكت حنين مهمهمة بسخرية: _سأذكّرك بهذا وأنا أحمل طرحة أختي في زفافها إن شاء الله. رمقها شزرا وقائلا: _لولا أنّني أعلم أنّكِ تتعمّدين استفزازي لكنتُ عرفتُ كيف أجيبكِ. ضحكت حنين، في حين ابتسم عمر مستطردا من جديد: _لكن اتركي المزاح على جنب، أنا لو كنتُ مكان والدكِ لكنت وثقتُ بابنتي أوّلا، خاصّة لو كبرت وشابهت أختها الكبيرة كما أتمنّى، ثمّ لكنتُ فكّرتُ في أمانها قبل أن أفكّر في أيّ شيء آخر. أشاحت حنين عنه بضيق شديد، ثمّ تمتمت بذنب شديد: _في ماذا تتمنّى أن تشبهني أخي؟ أنا أكذب على أبي منذ أشهر أساسا. ابتسم بخفوت مجيبا: _في قلبها الأبيض، في ضميرها الحيّ، في مروءتها، في احساسها بالمسؤوليّة، في خوفها من الله ومراعاته دون أن تحتاج رقابة من أحد، في تسامحها الّذي لا حدّ له مع الجميع عدى نفسها. ارتجف صدر حنين وقد كانت تنظر إلى نفسها مجمع السّوء كلّه حينها، فرفعت نظره إليها وسألته مختنقة: _لو كانت جنّات مكاني.. هل كنتَ ستسامحها أخي؟ تنهّد مجدّدا عائدا إلى الخلف قليلا، سكتَ لثوان، ثمّ أجابها بصدق: _تريدين الصّدق؟ كنتُ سأغضب جدّا، كثيرا جدّا أيضا، لكن عدم المسامحة مع أبنائي ليست خيارا بالنّسبة لي يا حنين.. ثمّ قبل كلّ هذا أتعرفين ماذا كنتُ سأفعل؟ هزّت رأسها بالرّفض بخفوت، فأضاف بابتسامة صغيرة: _كنتُ سأسأل نفسي لماذا لم تشعر ابنتي بالأمان تجاهي، لماذا شعرت أنّها مضطرّة على الكذب عليّ؟ كنتُ سأحاسب نفسي أوّلا أين أخطأتُ بالضّبط حتّى تضطرّ ابنتي على الكذب عليّ، ثمّ أسألها حين يهدأ غضبي لأفهم... ضغطت على شفتيها بضيق شديد واثقة أنّ والدها لن يفعل أيّ شيء من هذا، هو فقط سيسدّد لها صفعات متتالية قد يظلّ أثرها على وجهها أيّاما، ثمّ سيقسم أنّها لن تتزوّج من أحمد حتّى تنطبق السّماء على الأرض... سألته مجدّدا: _لو كنتَ مكان أحمد حسنا؟ تنهّد عمر بعمق أكبر، لكنّه قبل أن يجيبها قاطعهما رنين هاتفها، فأمسكت الهاتف تنوي اغلاق الخطّ لكنّها قطبت جبينها بقلق حين وجدت اسم نسرين يشعّ على الشاشة، فاعتذرت من عمر بعينيها وردّت على الهاتف، ليأتيها صوت نسرين الباكي موقعا قلبها أرضا: _حنين، الحقيني يا حنين! صرخت حنين بفزع: _نسريــــن؟! ماذا حدث؟! ماذا هناك؟! أتاها صوت نسرين الباكي والمقطّع من جديد: _لقد.. لقد.. الشرطة.. أخذتني الشرطة. _مـــــاذا؟! صرخت حنين هابّة من مكانها، فوقفَ عمر من مكانه بقلق هو الآخر بينما تمتمت حنين قائلة: _أ.. أين أنتِ؟! أخبرتها نسرين بصوت اختنقَ دموعا عن مكان مركز الشرطة الذي احتجزت فيه، وما أن أغلقت الهاتف حتى سألها عمر بقلق: _ماذا حدث يا حنين؟! أجابته حنين باضطراب: _لا.. لا أدري.. قالت أنّ الشرطة أخذتها لكنني لم أفهم شيئا. همّت بالرّكض نحو الخارج فقطع عمر طريقها بسرعة قائلا: _توقّفي! إلى أين تظنّين نفسكِ ذاهبة بهذا الوقت؟ _إليها طبعا! أجابته بانفعال تريد تجاوزه، فأوقفها ثانية قائلا بانفعال: _توقّفي! ابقي أنتِ وسأذهب أنا ثمّ سأتصل بكِ. نظرت إليه قائلة بانفعال حاسم: _مستحيل! أنا سأذهب لن أتركها! كان عمر يعرف أنّ الأمر حين يتعلّق بنسرين تفقد حنين بوصلتها تماما، فهزّ رأسه باستياء مُخرجا مفتاح سيارته من جيبه وأشار إليها قائلا: _حسنا.. حسنا هيا سنذهب سويّا! لم تفكّر حنين لجزء من الثانية، بل أسرعت راكضة نحو سيارة عمر وعقلها يكاد يجنّ خوفا ويخلق مئات السيناريوهات كلّ واحدة منها أسوء من التي قبلها. **** وقفت حنين تقطع بهو مركز الشرطة جيئة وذهابا في توتّر شديد، بينما يرمقها بعض أعوان الشرطة بانزعاج، نظرت إلى ساعتها من جديد لتتأفّف وقد مرّت أكثر من نصف ساعة منذ دخل عمر إلى أخد غرف المركز دون أن يخرج، كادت تفقد صبرها عدّة مرات وتقتحم الغرفة من فرط توتّرها إلى أن انفتح الباب أخيرا وقد طلّ منه عمر ومن خلفه نسرين سويا. ما أن رأتها نسرين حتى هبّت راكضة وباكية إلى حضنها، فاحتضنتها حنين بقوة حامدة الله على سلامتها وقد كاد يصيبها الجنون خوفا عليها، ثمّ عادت إلى الخلف تحتضن وجهها بين يديها وتتفقّدها فاهتزّت حين وعت حينها لمظهرها. نظرت حنين بعينين متّسعتين إلى الأصباغ الكثيرة التي تلطّخُ وجهها والّتي ساحت بالأكمل، ثم إلى ثوب السهرة القصير جدّا والممزّق والمتّسخ، وصولا إلى ركبتيها التي امتلأتا دماءً، اتسعت عيني حنين أكثر وقد ألجمها مظهرها هامسة باختناق: _ما هذا الحال؟! ما هذا الحال يا نسرين؟! ازدادت الدموع غزارة في عيني نسرين، فسألت حنين بفزع: _ هل فعل بكِ أحدهم شيئا؟! _ لا! لا! قالت نسرين لاهثة، بينما اقترب عمر بسرعة مُخاطبا حنين: _ليس الآن يا حنين. قال نازعا عنه سترتهُ ومُعطيا إياها إلى نسرين مُضيفا: _هيا ارتدي هذه ولنذهب أوّلا من هنا، سأوصلكما ثمّ عليّ أن أعود من جديد. أخذت نسرين السترة من عمر بيد مرتعشة وارتدتها بسرعة تَلفّ بها نفسها، ثم دون أن تنظر نحو حنين مشت بسرعة خلف عمر إلى أن ركبوا السيارة من جديد. **** ضغطت حنين على جبينها وقد أصابها صداعٌ شديد، ثم صرخت من جديد في نسرين التي تجلس مُنكمشة في الكرسيّ الخلفيّ للسيارة: _أنتِ هل تريدين قتلـــي؟! ما الذي تريدينه بالضبط؟! ما الذي تفعلينه في سهرة يخرج منها مخدّرات؟! وكيف؟ كيف دخلتِ في شجــــار؟! وما هذه الثّياب الّتي ترتدينهــــــا؟!! وكيف وصلتِ إلى هذا الحــــــال؟!! انتحبت نسرين من جديد بصمت، فاهتزّت حنين بكليتيها فجأة متلفّتة نحوها بفزع شديد، ثمّ سحبتها إليها صارخة: _أرني ذراعيكِ!! أرني ذراعــــــيكِ!! _ماذا تفعلين يا حنيـــن؟ هتفت نسرين باكية فصرخت حنين بجنون: _أرني ذراعــــــيكِ حــــــالّا!! سحبت نسرين سترة عمر بين بكائها لا تفهم ما تريده لتتفقّد حنين ذراعيها شبرا شبرا تتأكّد من عدم وجود أثر إبر، ثمّ تنظر إلى عينيها سائلة: _أخبريني الحقيقة أنتِ هل تتعاطين؟!! اتّسعت عيني نسرين بفزع هاتفة: _يا حنين هل جننتِ؟!! أمسكت بذراعها بقوّة شديدة صارخة بفزع: _جنـــــنتُ نعم جننت!! تكلّمي فورا هل تتعاطيـــــن؟! _لا أتعاطى طبعـــــــا! لقد قاموا بتحليل لي أساسا لو كنتُ أتعاطى لما تركوني! أقسم لك ألا تصدّقين! اسألي السيّد عمر إن أردتِ!! نظرت حنين إلى عمر بانفعال شديد فأشار لها بعينيه أنّ تحليلها خرج نظيفا، فعادت حنين إلى كرسيّها لاهثة بصدر يهتزّ فوقا وتحتا بفزع يزداد بدل أن ينقص، ثمّ أمسكت جبينها من جديد وتمتمت بتعب شديد: _هذا يكفي! أنا لن أحتمل أكثر من هذا، لن أستطيع مجابهتكِ بعد اليوم، أنا سأحكي لأبي عن كلّ شيء وسأسحب يدي منك، هذا يكفي! انتفضت نسرين في الخلف مُقتربة من حنين وصرخت باكية: _لا يا حنين! لا أرجوكِ لا تفعلي، أبي سيقتلني! _سيقتلك؟! أنا من سأقتلك وليس أبي! صرخت حنين، ثمّ أمسكت جبينها من جديد وهي تعرف أنها لا تستطيع إخبار يوسف أساسا لأنّه سيقتلها فعلا وليس مجازا، فصرخت من جديد قائلة: _أنا ماذا أفعل بكِ؟! ماذا أفعل؟! مــــاذا أفعـــــــل؟! _ حنين. ناداها عمر بهدوء وهو يقود السيارة بصمت منذ انطلقوا، فنظرت إليه كأنّما تذكّرت وجوده حينها فقط، فأخفضت من صوتها بسرعة مُعتذرة بحرج شديد: _آسفة أخي، أنا حقّا آسفة! هزّ عمر رأسه بهدوء قائلا: _ليس من أجل ذلك، لكن هاتفكِ يرنّ. نظرت حنين إلى هاتفها الموضوع على الوضع الصّامت، فدقّ قلبها بقوّة وهي تنظر إلى اسم "أحمد" يشعّ على شاشته، بينما انتفضت نسرين خلفها سائلة: _أبي؟! مراد؟! تقدّمت نسرين إلى الأمام فرأت اسمَ "أحمد"، فانتفضت من جديد قائلة: _حنين أرجوكِ لا تخبريه بما حدث الليلة، أرجوك!! نظرت حنين إليها بحدّة، فصرخت نسرين باكية من جديد: _أرجوكِ يا حنين! أرجوكِ لا تخبريه بشيء فهو أصبح على صلة دائمة بمراد وسيخبره! توتّرت حنين تنظر نحوها بحدّة، ثمّ نظرت إلى عمر قائلة بصوت منخفض: _هلّا أوقفتَ السيّارة أخي؟ نظر عمر أمامه بلا تعبير للحظات، ثمّ أوقف السيّارة على جنب بصمت، فردّت حنين على الفور بيد مرتعشة على الهاتف ليأتيها صوت أحمد: _حنين. _نعم. أجابته باضطراب وقد التصقت يد نسرين بقميصها تترجّاها بهمس. _ماذا تفعلين؟ اضطربت حنين من ضغط نسرين عليها فلم تستطع أن تتكلّم، فلم تجبه، فأردف أحمد سائلا: _ما بكِ؟! لقد قلقتُ على حالكِ على العشاء، لم تأكلي شيئا، هل حدث شيء؟! أجابتهُ بصوت مضطرب: _ لا، لا شيء، فقط كنتُ مُتعبة جدّا، لذلك.. توقّفت حنين مُختنقة، فسكتَ أحمد لثوان، ثم قال بنبرة رخيمة: _حسنا، طالما مُتعبة سأتركك لتنامي الآن، لكن.. غزت بعض الجديّة نبرته حين أضاف: _لكنني أريدُ أن أراكِ لنتحدّث قليلا في الغد يا حنين.. همست حنين بصوت ضعيف: _ح.. حسنا. _تصبحين على خير الآن إذن. أجابتهُ بنفس الصوت: _ وأنت بخير. شعرت حنين بغضب كبير يعتريها، فآخر ما كانت تريده هي أن تتورّط بكذبة أخرى مع أحمد، نظرت إلى عمر فرماها بنظرة سريعة مؤنّبة، فأشاحت بعينيها عنه بخجل وصمت، لكنّه استطردَ سائلا بهدوء: _إلى أين سنذهب؟ همست نسرين من الخلف بصوت منخفض باك: _خُذني إلى بيتي. نظرت إليها حنين بعينين تشتعلان شررا، ثم رمت بيدها إلى الخلف تفتكّ حقيبة يدها، قاومت نسرين لكنّ حنين أخذتها منها بالقوّة، ثم سحبت منها مفتاح بيتها وسيّارتها وبطاقتها البنكيّة قائلة بقوة: _انزلي أمامي فورا! قالت نازلة بغضب، ثم فتحت الباب الخلفيّ مُنزلة نسرين هي الأخرى، ثم هزّت بيدها الكرتَ والمفاتيح صارخة: _والآن أمامكِ حلّ من اثنين، إمّا أن تتخلّي عن هذه وتعودين إلى المبيت الجامعيّ وسأبعث لكِ ما يكفيكِ من المصروف من عندي كلّ شهر، أو سأخبر أبي بكلّ شيء وتحمّلي مسؤوليّتكِ بنفسك لأنّني أنا لن أتحمّل مسؤوليّة هذا بعد الآن أبدا! تجمّدت نسرين تنظر إلى عيني حنين الجادّتين الغاضبتين، وإلى الكرت ومفاتيح بيتها، نزلت الدموع من عيني نسرين بصمت تنظر إليها برجاء، لكنّ حنين كانت جادّة وحازمة كما لم تكن يوما... حين فهمت نسرين أنّ حنين جادّة تماما اشتعلت عينيها على الفور قائلة: _أخبريه!! أخبريه الآن بكلّ شيء وسأخبره أنا أيضا بكلّ ما تخفينه عنه! تجمّدت حنين للحظة ناظرة إليها بجفون مرتجفة، كأنّما تلقّت طعنة في كرامتها وقلبها، وقد أوجعها أكثر من كلّ شيء حينها أنّها بخطئها قد أصبحت مثالا سيّئا لأختها وهي الّتي أمضت كلّ حياتها تحاول أن تكون لها مثالا حسنا، فهزّت رأسها بجنون مخرجة هاتفها وكتبت رقم يوسف متّصلة على الفور، ثمّ نظرت إلى عينيها اللّتين شخصتا بشدّة قائلة بصوت اختنق قهرا ودموعا: _سأخبرهُ بنفسي والآن أساسا أنتِ ماذا ظننتِ؟! إن كنتِ تظنّين أنّكِ ستلوين يدي بسبب خطئي فأنتِ لم تعرفيني أبدا يا نسرين، أنا أخسر أبي وأحمد وعشق حياتي وزواجي كلّه ولا أترككِ يوما في هذه القذارة أكثر!! _حنين حسنا! حنين حسنا أغلقي! حنين أغلقــــي!! أغلقي أنا آســــفة أغلقــــــي! ثمّ افتكّت الهاتف بسرعة منها مغلقة بنفسها وصارخة: _حنين ماذا تفعليـــــــن؟! أبي سيقتلكِ يا غبيّة ولن تري أحمد إلّا في منـــــامكِ! _لا يهمّنـــــــي!! إن كنتُ سأخسركِ مقابله فلا يهمّنــــي!! صرخت حنين بقوّة شديدة، ثمّ تسنّدت على السيّارة بجانبها تلهث وبكت بقهر شديد، تشعر بغضب شديد من نفسها ومن عجزها ومن تورّطها بكذبة خلف أخرى ومن كلّ شيء يحدث حولها، فبكت نسرين معها ملتاعة لدموعها: _حسنا يا حنين أنا آسفة لا تبكي! أنا آسفة لم أكن سأفعل أساسا أقسم لكِ، ألا تعرفينني أقول كلاما غبيّا حين أجنّ؟! أقسم أنّني كنتُ أقول فقط ولم أكن لأفعل أبدا أقسم لكِ! شهقت حنين باكية بقوّة أكبر ومتمتمة بقهر: _أخبريه أساسا لأنّني لم أستطع أنا لو سمحتِ، أخبريه ولأخسرهم جميعا سويّا لكنّني لن أخسركِ أنتِ يا نسرين. _يا حنين لا! أنا آسفة! آسفة جدّا! هتفت ملتاعة وقد كانت غير متعوّدة على رؤية حنين منهارة أبدا، لأنّ الأخيرة ترفض دائما أن تظهر لها ضعفها، وحين ازداد بكاء حنين أخذت مفاتيحها وكرتها منها ورمتهم أرضا منفعلة بلوعة: _ها انظري! لا أريدها، لا أريدها كلّها أنا آسفة، لم أقصد أبدا يا أختي لا أريدها، فقط لا تبكي أنتِ. هتفت بلوعة شديدة لوصول حنين لذلك الحال بسببها، وأخذت تعتذر مرارا وتكرارا وحنين فقط تهتزّ بكاءً وقد فاض منها كلّ شيء، فاحتضنتا بعض بقوّة باكيتان سويّا لا يعرفان على ماذا أو لماذا، في حين وقف عمر خارج السيّارة من زاوية ينظر إليهما بصمت دون أن يتدخّل بكلمة، وصدره يهتزّ ألما ويتمتم بشيء واحد: "آه يا هيفاء! إن أصابتكِ آهاتهما فستنهيكِ يا هيفاء..." **** بعد ثورة الدّموع تلك، ركب ثلاثتهم السيّارة من جديد وقد عمّ الصّمت للحظات ووجه حنين امتلأ خزيا وخجلا من عمر، لكنّها ما أن نظرت إليه حتّى قاطعها بخفوت: _إن اعتذرتِ ثانية فسأنزلكما. ابتسمت حنين بشفتين مرتعشتين، ثمّ هزّت رأسها شاكرة بصمت، فتجاوز ذلك سائلا: _إلى أين؟ سكتت قليلا، ثمّ تمتمت بصوت خفيض: _فلنأخذها إلى بيتها الآن أخي إن لم يكن لديكَ مانع. _أنا تحت أمركما. أجابها بهدوء مشغّلا السيّارة ومنطلقا من فوره، وكذلك مرّ الطّريق بصمت إلى أن وصلوها أمام بيتها وقد أرهقوا تماما بعد الانفجار الّذي حدث. مدّت حنين المفاتيح والكرت ناحية نسرين دون أن تنظر إليها، فتمتمت نسرين بندم: _أنا آسفة حقّا يا حنين. دمعت عيني حنين من جديد دون أن تتلفّت إليها، فانتظرتها نسرين قليلا أن تقول شيئا، ثمّ شكرت عمر واعتذرت بخفوت ونزلت، لتتبعها عيني حنين بدموع اجتمعت تماما، ثمّ اتّكأت على النّافذة بجانبها تبكي بصمت حين انطلق عمر من جديد عائدا. أوقف عمر بعد نصف ساعة السيّارة أمام البيت، ثمّ تنهّد معطيا علبة المحارم إلى حنين التي لم تتوقّف عن البكاء طول الطريق، فالتقطت واحدة بصمت ماسحة دموعها، ثمّ نظرت إليه بخجل قائلة: _أنا.. _ستعتذرين مجدّدا حقّا؟ قاطعها مبتسما بخفوت، فارتعشت شفتيها قائلة بخجل حقيقيّ: _أشعر حقّا بالخزي منكَ من كلّ ما حدث! أنا حقّا آسفة، أعتذر منك وشكرا ج.... قاطعها ثانية بجديّة: _حنين أنتِ ابنتي كم مرّة عليّ أن أقول هذا؟ وفوق هذا أنقذتِ حياة ابنتي وفعلتِ معي ما لا أستطيع دفعه لكِ مهما فعلتُ معكِ، وفوق كلّ هذا ستصبحين زوجة أخي! طبعا كنتُ سأذهب معكِ هذا واجبي أساسا طالما أنتِ في حمايتي. هزّت رأسها بتأثّر وشكر، ثمّ زادت الدّموع اجتماعا في عينيها من جديد، وتمتمت بصوت مختنق: _أنا حقّا لم أعد أعرف ما يجب أن أفعل معها أخي. نظر إليها عمر مُقطبا بضيق وقد أضافت بحيرة وعجز: _أنا فقط ظننتُ أنني سأستطيع حلّ الأمر بنفسي كما تعوّدت معها لكن.. لكن هذه المرّة فهمتُ أن الأمر بدأ يتخطّاني، من جهة أخرى لو سمِعَ مراد سيجنّ، ولو أخبرتُ أبي.. اختنقت قائلة: _لا أريد حتى أن أتخيّل ردّ فعله! نظر عمر أمامه بضيق قليلا، ثمّ نظر إليها قائلا بجديّة: _إذا أردتِ، أستطيع أن أتدخّل بنفسي في الأمر.. نظرت حنين نحوه مقطبة، ثمّ تمتمت بين دموعها قائلة بقلق: _طبعا أخي فقط.. انّها مجنونة تماما أخشى أن تتصرّف معك ب.. قاطعها مبتسما: _أنتِ لأنّكِ لم تضطرّيني أن أريكِ يوما وجهي الآخر لذلك لا تعرفينني حقّا يا حنين.. وأنا لم أتدخّل إلى اليوم لأنّني أشعر أنّني لا أملك سلطة عليها، لكن لو شئتني أنتِ أن أتدخّل فسأفعل متى شئتِ ولن تأخذ في يدي ساعة. أضاف مبتسما بسخرية: _أنا تعاملتُ سنينا مع النّسخة الكبرى منها، هل ستُعجزني هيفاء "جُونْيُورْ"؟ ضحكت حنين بين دموعها، فابتسم عمر قائلا: _ها هكذا! توقّفي عن البكاء وإيّاكِ أن تشعري أنّكِ وحيدة، أنا هنا وبمقام أبيكِ. سكت قليلا إلى أن هدأت تعابيرها، ثمّ أضاف بجديّة ولطف: _وأحمد أيضا هنا يا حنين، وهو يدير أوضاعا كهذه أفضل منّي بكثير. أشاحت عنه بسرعة وخجل وقد فهمت أنّه يقصد مكالمتها معه قبل قليل، فأضاف عمر بجديّة: _لذلك لا تكذبي عليه يا حنين، لا تكرّري ما فعلتهِ الليلة ثانية لو مهما حدث! ضغطت على شفتيها المرتعشتين تنظر بعيدا عنه، إلّا أنّ عمر أردف بنفس الجديّة: _لا أعرف كيف أشرح لكِ مدى حساسيّة هذا الأمر عند أحمد لكن.. ألم تسألينني قبل قليل لو كنتُ مكان أحمد ماذا كنتُ سأفعل؟ سأسألكِ أنا قبلها سؤالا.. نظرت إليه من جديد، فأردف سائلا بجديّة: _أنتِ إلى أيّ مدى كنتِ تحتملين رؤية مريض أو جريح أو حتّى ميّت قبل دراستكِ للطبّ؟ رمشت بعدم فهم، لكنّها أجابت بصوت محشرج: _لم أكن أحتمل أبدا. هزّ رأسه وأردف سائلا: _ والآن؟ فبلّلت شفتيها مجيبة: _يبقى دائما للموت هيبته طبعا، لكنّ عملي في المشفى جعلني غصبا عنّي أألف رؤية كلّ هذا وأتقبّله! هزّ رأسه ثانية قائلا بجديّة: _أنتم الأطبّاء تألفون رؤية المرض ورؤية الجروح وحتّى الموت لأنّكم تتواجهون معه كلّ يوم، أمّا نحن رجال القانون فنألف الغدر والخيانة والتّلاعب والكذب والتّحايل يا حنين، لأنّنا أيضا نراه كلّ يوم وبدرجة لا تتخيّلينها! كلّ يوم تمرّ على أيدينا مئات القضايا لا تخلو جميعها ممّا يشيب له شعر الرّأس من كذب وخيانة وطعن في الظّهر، ولد يغدر بأبيه وأب يسرق ابنه وأخ يطعن أخيه وزوجة تخون زوجها وزوج يتلاعب بزوجته فيسرق أملاكها ثمّ يتركها، بل وحتّى هذا لا شيء لأنّنا أحيانا نرى أشياء أشدّ حقارة من هذه لن أعرف حتّى كيف أحكيها لكِ لو أردت، وكلّهم يقفون أمامنا في المحكمة يقسمون بالله وبرؤوس كلّ أحبّتهم أنّهم صادقين حتّى والأدلّة أمامنا تبيّن بما لا يدعو للشكّ أنّهم كاذبين، نحن نمضي ساعات يومنا كلّها يا حنين نتعامل مع هذا! ومن كثرة رؤيتنا له غصبا عنّا أيضا نألفه، ولهذا أغلبنا في حياتنا الخاصّة نتعب كثيرا لنكون متوازنين غير شكّاكين مهووسين، صدّقيني نتعب كثيرا، ولهذا السّبب بالضّبط نطالب بالصّدق من المقرّبين إلينا تحت أيّ شرط أو ظرف! تجمّدت حنين مكانها تسمعه بصمت مطبق وبوجه أصبح شاحبا تماما، في حين ابتسم عمر ابتسامة لم تصل إلى عينيه ناظرا أمامه ومردفا بصدق: _لا تنظري إليّ هادئا مقارنة بأحمد فتظنّي أنّني كنتُ أفرق عنه كثيرا، أنا كنتُ مندفعا أكثر منه وكدتُ أجنّن والدتكِ حرفيّا خاصّة في السّنوات الأولى من زواجنا، ولن آكل حقّها في هذا رغم كلّ شيء، بقدر ما جنّنتني أنا أيضا جنّنتها، هي أيضا تحمّلت منّي الكثير وتنازلت كثيرا حتّى استطاعت أن تساير طبعي الصّعب، وأنا حاصرتها وضيّقتُ عليها الخناق جدّا وأغلقتُ عليها بحدود كثيرة خاصّة وأنّ هذا لا يتماشى مع طبعها المتمرّد أبدا، لذلك تعبت جدّا حتّى استطاعت مسايرتي. نظر إليها من جديد مردفا بجديّة ولطف وقد أصبح وجهها أحمرا قانيا: _لو لم أكن أراكِ بمقام ابنتي يا حنين لما قلتُ لكِ هذا الكلام أبدا، لذلك أنا آسف إن.. _العفو أخي ما هذا الكلام! قاطعته حنين بخجل كبير مردفة بصدق: _بل شكرا لك لأنّك قلتَ هذا الكلام لي، ومعك حقّ في كلّ كلمة قلتها، أنا فقط حين ترجّتني.. أعني حين يتعلّق الأمر بنسرين أفقد بوصلتي تماما. _أرى هذا. قالها بابتسامة صغيرة مضيفا: _إن كنتِ لا تريدين أن تخبريه عمّا حدث مع نسرين فهذا حقّكِ أساسا، لا تخبريه بكلّ شيء، كان يكفي أن تقولي أنّ أختكِ وقعت في مشكلة وأنكِ ذهبتِ إليها! وأنّها ترجّتكِ ألّا تخبري أحدا بها، أحمد يستطيع أن يفهم هذا ويحترمه لكنّه لن يفهم أبدا غير هذا، وإجابةً على سؤالكِ، لو كنتُ مكانه وبكلّ أمانة يا حنين أنا أيضا ما كنتُ أبدا لأتقبّل غير هذا. سكنت حنين تنظر أمامها للحظة، ثمّ قالت بعزم اختلط بخوف شديد: _غدا سأخبره بكلّ شيء، إن كان من أجل ما حدث اللّيلة أو من أجل أمّي. نظر عمر إلى عينيها الخائفتين الدامعتين وقد كان واضحا أنّها خائفة من ردّ فعله تجاهه هو أيضا، فهزّ رأسه مشجّعا بلطف: _حسنا يا حنين، تحدّثي معه في الغد ولا تقلقي بشأني أبدا، أنا أعرف جيّدا كيف أحلّ أموري مع أحمد. ابتسمت بامتنان شديد بين دموعها قائلة: _حسنا، شكرا جزيلا لك. ابتسم عمر، ثم هزّ رأسه مُستطردا: _لقد انتصفَ الليل، انزلي أنت الآن، وأنا عليّ أن أعود إلى المركز لأحلّ هذا الأمر من جذوره. همّت بشكره من جديد، فقاطعها بابتسامة ملولة: _توقّفي عن الشكر وإلّا سأتراجع. فابتسمت حنين قائلة: _حسنا، تصبح على خير. قالت تفتح باب السيارة ثم توقّفت ناظرة إليه بانزعاج: _يا إلهي لقد بقيت سترتكَ عند نسرين. تنهّد عمر بنفاد صبر قائلا: _فَدَاكُمَا سُتْرَتِي، هيّا يا حنين.. تصبحين على خير. ابتسمت حنين باستسلام مسلّمة عليه من جديد ثم نزلت، فانطلقَ هو بسيارته راحلا. توقّفت حنين تنظر إلى البيت لثوان فوجدتهُ غارقا في ظلامه، فدخلت تُسرع الخطى إلى أن وصلت قرب مسكنها، نظرت حولها نظرة سريعة، ثمّ التفتت على مهل إلى نافذة غرفة مكتب أحمد المطلّة على باب مسكنها تدعو الله أن يكون قد أنهى عمله وذهب للنّوم، لكنّها تجمّدت حين رأته من خلف النّافذة يقف على ضوء خافت ينظر نحوها وقد استطاعت أن ترى ملامحه الغائمة من على بعد أمتار عديدة… وقفت حنين للحظات عديدة متجمّدة مكانها تبادله النّظر بوجه قد شحب حتّى بات أبيضا، ثمّ بيدين مضطربتين أسرعت تخرج المفتاح وتفتح الباب داخلة مسكنها بسرعة وهامسة بسخط: _لا! يا إلهي، لا! ثمّ أخرجت هاتفها بسرعة تهتف لنفسها بغضب شديد: _غبيّة! غبيّة! لماذا لم تخبريه وطاوعت عقل نسرين؟! غبـــيّة! وقبل أن تلحق بالضّغط على اسمه لتتّصل به توقّف نبض قلبها وهي تنظر إلى اسمه يشعّ على هاتفها، أخذت نفسا عميقا ثمّ ردّت بسرعة، فسألها على الفور بنبرة منخفضة وحادّة: _أنتِ هل كنتِ في الخارج؟ تمتمت مجيبة باضطراب لم تستطع اخفاءه: _نعم. _أين كنتِ؟! _مع نسرين، ذهبتُ إلى نسرين لأنّني.. _حـين اتّصلت بكِ أيـن كنتِ؟! قاطعها بحدّة فأغمضت عينيها وقد راودتها الرّغبة في البكاء، ثمّ أجابت بصوت مرتعش: _مع نسرين، أنا كنتُ سأخبرك لكن، أنا.. لكنّها قبل أن تكمل كلماتها كان قد أغلق الخطّ في وجهها، تجمّدت حنين للحظات ناظرة بغير تصديق للشّاشة تتأكّد أنّه بالفعل قد أغلق الخطّ، ثمّ اجتمعت الدّموع في عينيها متّصلة به من جديد، لكنّه لم يجب على اتّصالها فرمت الهاتف على الفراش هاتفة بغضب واضطراب شديدين: _ أوف حنيــــن! أوف! أوف!! **** وقفت حنين أمام بيت أحمد بأعصاب منفلتة تماما بعد مرور ليلة ونهار كاملين دون أن يردّ عليها، وقد أمضت ليلة كاملة بلا نوم، ثمّ مرّت من الصباح الباكر على بيته فأخبرتها خديجة أنّه قد خرج مع الفجر ولم يعد، حاولت الاتّصال به مجدّدا ولم يردّ، ثمّ ذهبت على ذلك الحال إلى المشفى ليمرّ عليها نهار العمل ثقيلا إلى درجة أنها شعرت أنّه لن ينتهِ أبدا، بينما لم تترك الهاتف من يدها دقيقة واحدة، تارة تتفقّد إن كان قد اتّصل وتارة تحاول الاتّصال من جديد فلا يعود إليها. _حنين ما بكِ واقفة هنا يا ابنتي؟ سألت خديجة بقلق تنظر إلى حنين تقف في حديقة بيتهم تائهة بوجه شاحب، فتيقّظت حنين ناظرة نحوها وقائلة باضطراب: _لا لا شيء يا خالتي، أنا فقط.. فقط اتصّلت بأحمد ولم يجب، هل هو في البيت؟ قطبت خديجة وقد بدى واضحا لها منذ رأت أحمد فجرا في حالة عصبيّة شديدة أنّهما متخاصمان، لكنّها دارت معرفتها وأجابتها مبتسمة: _ربّما لم ير الهاتف، انّه يعمل يا ابنتي، اذهبي إليه إلى غرفة مكتبه. تردّدت حنين للحظة، لكنّها كانت قد وصلت إلى آخر درجات الصّبر بعد اليوم الذي أمضته فهزّت رأسها موافقة بصمت، ثمّ دخلت تحت نظرات خديجة القلقة بخطوات متردّدة إلى أن وصلت أمام باب غرفته، تردّدت للحظات ثمّ طرقت على الباب، وما أن سمعت صوته مناديا بالدّخول حتّى دخلت على مهل، لتجده واقفا عند النّافذة يبادلها النّظر بعينين غائمتين غضبا أسرتا البرودة إلى صدرها وقد بدى واضحا أنّه قد سمع صوتها. جمّدتها نظرته مكانها، فهذه لم تكن المرّة الأولى التي يرمقها فيها بغضب، لكن هذه المرّة بدت مختلفة تماما، فقد بدى في يوم وليلة كأنّما قد بنى آلاف المسافات ومئات الحواجز بينهما. دخلت حنين متقدّمة ببضع خطوات وقد واصل النّظر إليها بصمت أوصل توتّرها إلى أقصاه، ثمّ سألت بصوت محشرج: _ أتّصل بك منذ الأمس لماذا لا تردّ؟! رفع حاجبيه باستهجان حانق: _هل تسألين حقّا؟! _أحمد! أنتَ أغلقتَ الهاتف في وجهي قبل حتّى أن تسمح لي بالكلام، ثمّ لم تردّ عليّ حتّى لأشرح لك ما حدث. _لأنّه لا يهمّني ما حدث. أجابها ببرود نزل على ساقيها كالجليد، فسألت باضطراب شديد: _ كيف يعني؟ _أعني ما سمعتيه، لا يهمّني أبدا ما حدث، ما يهمّني أنّكِ كذبتِ عليّ. _ أنا لم أكذب. _ حنـــين! احتدّ بغضب هذه المرّة، ثمّ أردف ضاغطا على كلماته بحنق: _إنّ ما يغضبني أكثر من الكذب، هو التّلاعب بالحقيقة حتّى لا تظهر في شكل كذب! زاد البرد في الانتشار في أطراف حنين في حين أردف هاتفا بقسوة: _أنتِ كنتِ تعرفين جيّدا أنّني كنتُ أظنكِ هنــا! سألتكِ ماذا تفعلين فسكــتِّ! سألتكِ ما بكِ فسكــتِّ! قلتُ لكِ سأترككِ لتنامي فسكــتِّ! إن لم يكن هذا كذبا فماذا يكــون؟! ابتلعت حنين ريقها بصعوبة ضاغطة على شفتيها تقاوم رغبتها في البكاء، ثمّ قالت بصوت محشرج: _حسنا معكَ حقّ، أنا آسفة، دعني فقط أخبرك عمّا حدث، لقد اتّصلت بي نسرين.. _ لا يهمّنـي! هتف مقاطعا بحدّة فهتفت بانفعال: _ يا أحمد استمع إليّ ماذا يحدث معــــك! _ لا أريد أن أسمع شيئا! _ أحمـــد! _ لا أريـــد أن أسمـــع شـــيئا! صرخ بقوّة هزّت أوصالها وجمّدتها مكانها. وقفت تنظر إليه بعينين شاخصتين إلى أقصاهما وبوجه أصبح أبيضا كالعاج وقد بدى لها للحظة كأنّها لا تعرف هذا الرّجل الذي أمامها أبدا. بادلها النّظر بنفس العينين الغائمتين ثمّ قال بحدّة: _أنا أوضحتُ لكِ مرارا مدى حساسيّتي تجاه الكذب يا حنين! أخبرتكِ مرارا أنّه خطّ أحمر بالنّسبة لي! أخبرتكِ أنّني قد أمرّر أيّ خطأ ترتكبينه طالما أنتِ صادقة معي! لكن يبدو أنّكِ لم تفهمي مدى جديّة الأمر بالنّسبة لي! _ بلى! تمتمت بصوت كأنّما خرج من قاع بئر وبعينين امتلأتا دموعا خارجين عن سلطة مقاومتها: _بلى يا أحمد لكنّك لا تستمع إليّ لتفهم! _لأنّه لا يوجد شيء لأفهمه. قاطعها محتدّا: _ستقولين نسرين لديها مشكلة، نسرين أوقعت نفسها في مصيبة جديدة، نسرين اتّصلت بكِ فتوقّف العالم من حولكِ، أليس هذا ما ستقولينه؟! ارتعش فم حنين وجفّ تماما تنظر إليه بصمت، فهزّ رأسه آخذا إجابته من صمتها، ثمّ أردف بنفس الحدّة والبرود: _وما ستقولينه أيّا كان لن يغيّر من حقيقة أنّكِ كذبتِ عليّ شيئا!! تجمّدت حنين مكانها تنظر إلى عينيه اللتين وضعتا آلاف الحواجز أمامهما يصعب إسقاطهما أيّما قالت أو فعلت، وما أن همّت بالكلام مجدّدا حتّى قاطعها بنبرة قاطعة زرعتها مكانها زرعا: _انتهى يا حنين. شخصت بعينيها وقد نزلت كلماته كالصّاعقة على رأسها وضاع تماما كلّ ما أرادت قوله، في حين أردف هو بنفس النّبرة: _أنا آسف لكنّني لا أظنّ أنّني أستطيع المضيّ قدما في هذه العلاقة أكثر. شعرت حنين بالاختناق رامشة بعينيها أمامه مرّات عديدة تحاول الاستيعاب وهي تزدرد ريقها بصعوبة، تشعر كأنّ قطارا قد دهسها بكلماته فتركها مهشّمة أمامه لا تقدر على حراك، وفي لحظات وبكلمات قليلة منه تأكّدت كلّ مخاوفها العميقة أنّها غير صالحة للحبّ، وأنّها قابلة للتّرك. نسيت تماما كلّ لمحة حبّ بدرت منه وشعرت كأنّما كان فقط يتلكّأ منتظرا سببا ليتركها، وأنّه ما أن وجد السّبب حتّى اغتنمه مقرّرا انهاء علاقتهما لأنّه لم يعد يريدها، تأكّدت في تلك اللّحظة وبتلك الطّريقة الحاسمة التي تكلّم بها كلّ ما كانت تحاول انكاره تجاه نفسها، تأكّدت أنّها لا تستحقّ الحبّ! وكم كان الشّعور فضيعا! انفتح جرح طفولتها العميق بكلماته فشعرت بألم حقيقيّ وعضويّ في صدرها لا فقط مجازيّ، لكنّها لم تستطع تحديد العضو الّذي آلمها، حتّى رغبت بالضّغط على صدرها كأنّما ستوقف بالضّغط ألمه، لكنّ جرح كرامتها لم يسمح لها أن تفعل أمامه فهزّت عينيها حابسة أنفاسها للحظات، ثمّ فتحت فمها ملتقطة بعض الهواء كأنما هو نفس الحياة، ورفعت ذقنها المرتعش بما تبقّى لها من كبرياء قائلة بصوت مرتعش: _ طبعا! طبعا هذا حقّك! ثمّ سحبت على مهل تحت عينيه الغائمتين الخاتم من اصبعها ووضعته ببطء شديد على الطّاولة بجانبها، ثمّ أولته بظهرها بسرعة خارجة وتاركة العنان لدموعها، وتركته واقفا ينظر إلى الخاتم بعينين احمرّتا بشدّة وازدادتا غضبا وحدّة… خرجت حنين مسرعة دون النّظر حولها مبتعدة عن طريق خديجة وعمر الواقفين في الخارج، قطب عمر بشدّة ناظرا إليها في حين همّت خديجة بالذّهاب نحوها فأمسكها عمر سريعا هامسا: _اتركيها الآن يا خالتي. توقّفت خديجة تنظر إليها بانفعال شديد، ثمّ همّت بالسّير نحو مكتب أحمد فأمسكها عمر مجدّدا قائلا: _يا خالتي توقّفي! لا تتدخّلي! _كيف لا أتدخّل! ألم ترَ في أيّ حالة خرجت؟ حسنا اذهب إليه أنت! _لن نتدخّل لا أنا ولا أنتِ! ليس الآن على الأقلّ. أجابها بجديّة، فوقفت متململة مكانها بانفعال وقلق، ثمّ نظرت من جديد إلى عمر منفعلة بشدّة: _أساسا كان واضحا من تجوّله كقنبلة قابلة للانفجار! لا أعرف من أين أتيتَ أنت وأخوك بهذه الطّباع التي لا تحتمل! أنا هل ربّيتكما هكذا؟ _وأنا ما دخلي الآن! سأل عمر مقطبا فهتفت خديجة بانزعاج: _اثنيكما متشابهان وفظّان وقاسيان ولا تجيدان التّعامل باللّين! _لا حول ولا قوّة إلّا بالله! أخي يتخاصم مع خطيبته لماذا آكل التّوبيخ أنا؟ سأل بيأس فهتفت في وجهه بغضب أكبر: _وأنتَ أيضا لا تخبرني عمّا حدث بينكَ وبين هيفاء! في ليلة ونهار أعلنت عن قرارك بالطّلاق كأنّك تعلن عن قرار في المحكمة ولم تسمح لأحد أن يسألكَ حتّى عن السّبب أو يقترب منك، قلت لك ليلتها اهدأ وتحكّم في غضبك لكنّك أسوء من أخيك رغم أنّك تدّعي العكس. غام وجه عمر تماما ناظرا نحوها وقائلا بضيق شديد: _ خالتي رجاءً لا تبدئي من جديد. فانفعلت بحدّة أكبر: _سأبدأ! سأبدأ ولن أنتهي! ثمّ تسألني لماذا أنعتك بهذا الكلام وأنتَ حتّى لا تسمح لأحد بالكلام معك! تنهّد عمر بنفاد صبر، فاقتربت خديجة ممسكة بذراعه ونظرت إلى عينيه بطريقة جعلته يقطب مرتابا، ثمّ سألته بانفعال وقلق شديدين: _أخبرني الحقيقة يا بنيّ! هل دخلت امرأة أخرى إلى حياتك؟ _ خالتي ماذا تقولين أنتِ؟!! هل جننتِ؟! هتف عمر بغضب شديد: _ما الذي يحدث معكِ حتّى تسألينني وتسألين أحمد كلّ مرّة هذا السّؤال؟!! أجابته بنفس الانفعال: _وكيف تريدني أن أفكّر حين أراك تصرّ على تحطيم عائلتك دون أن تشرح لأيّ منّا شيئا!! أنت هل تظنّني عمياء؟ منذ أشهر وفي يوم وليلة بتّ لا تقترب من هيفاء ولا تكلّمها!! ثمّ فجأة أعلنتَ عن طلاقك منها رغم رفضها ولم تشرح أو تسمع لأيّ منّا!! رمقها بغضب شديد مجيبا: _ظننتكم تعرفونني بما يكفي لتعرفوا أنّني ما كنتُ لآخذ قرارا كهذا وأفرّق أولادي عن والدتهم إلّا لأسباب كافية! وهذه الأسباب تعنيني أنا وهيفاء وفقط، فرجاءً لا أريد أن أسمع شيئا عن هذا الموضوع مجدّدا! رجـــاءً كفــــى! _أنتَ هل تصرخ في وجهي؟! هتفت بعينين اجتمعت الدّموع فيهما فتمتم بسخط: _لا! لا! فقاطعته بين دموعها: _بلى! كلّ ما تكلّمتُ تقول كفــى!! وأخوك يقول كفـــى!! أنا كلّ ما أريده أن أراك أنتَ وأخوك تعيشان في هناء!! أنا أنقهر حين أراكما هكذا لما لا تفهمان! اثنيكما تخفيان عنّي مشاكلكما ثمّ أنقهر وأنا أراكما تتألّمان أمام عيني وأنا لا أفهم حتّى ما الذي يذيب فؤاديكما!! أشاح عمر عنها بضيق حين انهمرت الدموع من عينيها في حين استرسلت باكية بقهر حقيقيّ: _أنتَ هل تظنّني لا أرى أنّك لا تنام جيّدا منذ رحلت زوجتك؟ هل تظنّني لا أرى الألم الذي في عينيك حين تدّعي أنّك بخير؟ أم يظنّ أخوك هو الآخر أنّني لا أرى كيف أمضى ليلة الأمس كاملة يمشي ويجيء بعصبيّة دون أن ينام غمضة واحدة؟ وإن حاولتُ الذّهاب والحديث إليه الآن فسيقول لا شيء ويخرج دون أن يشرح كلمة واحدة! _حسنا توقّفي عن البكاء رجاءً.. قال عمر بضيق مقتربا منها وممسكا بذراعيها برفق فأبعدته بغضب هاتفة: _ابتعد عنّي! أنا تعبتُ منكما! تعـــبت!! اقترب عمر منها من جديد بابتسامة معتذرة ماسحا دموعها بيديه وقائلا: _حسنا أنا آسف! لقد أنجبت أختكِ فظّا كتوما وبقيت مسؤوليّته في رقبتك، هل سترمينني بعد أن ربّيتني كلّ هذه السّنين؟ رمقته بحدّة رغم أنّها لانت أمام احتضانه قائلة بحدّة: _إيّاكَ أن تقول هذا ثانية! أنتَ أيضا ابني! فابتسم عمر ماسحا دموعها من جديد وقارصا وجنتها قائلا بحنان: _حاضر يا خديجة، إلّا دموعك الغالية يا خديجة! إلّا لآلئك الغالية هذه لا أريد أن أراها تُهْدَرْ!! كتمت خديجة ابتسامة كادت تشقّ ثغرها ثمّ قالت بحدّة مصطنعة: _ابتعد عنّي يا محتال! وقبل أن يجيبها نظر اثنيهما بانفعال نحو غرفة مكتب أحمد التي أتى منها صوت سقوط شيء وتكسّره، فنظرت إليه من جديد بعينين همّت الدّموع بالاجتماع فيهما من جديد، فقال عمر بسرعة: _حسنا لا تبكي من جديد! ثمّ أردف بضيق: _فقط من أجل لآلئك الغالية هذه سأمرّ عليه الآن. ابتسمت خديجة ابتسامة ملأت وجهها كلّه وتبخّرت الدّموع على الفور من عينيها، فرمقها عمر شزرا قائلا بحدّة مصطنعة: _ بل أنتِ المحتالة يا خالتي... لكنّها وقفت تنظر إليه برجاء بريء، فابتسم عمر بيأس ذاهبا نحو مكتب أحمد… **** وقف عمر أمام المكتب لثوان حاكّا ذقنه ومفكّرا: "مكتوبٌ علينا أن نتلقّى لكمتين من أخينا الصّغير أيضا، ماذا نفعل؟ فلنتوكّل على الله..." ثمّ دخل بحذر فالتفت الأخير إليه بحدّة وبعينين غائمتين، ثمّ عاد ينظر إلى النّافذة زامّا على شفتيه بقوّة من جديد. سكت عمر قليلا مقطبا ينتظر أن ينفعل عليه غاضبا، وحين لم يفعل سأله مضيّقا عينيه: _هل أنت بخير؟ داوم أحمد النّظر إلى الخارج بغضب شديد دون أن يجيبه، ثمّ رمى نظرة سريعة نحو الطّاولة لينظر عمر إلى موقع نظره، فقطب بشدّة حين رأى الخاتم عليها، ثمّ التفت إليه من جديد متفحّصا إيّاه، وسأله: _هل انفصلتما؟! هزّ أحمد رأسه هزّة بسيطة وهو يداوم الضّغط على فكّه بصمت. ضيّق عمر عينيه أكثر حين فهم أنّ أحمد ليس غاضبا منه، فاستنتج أنّ حنين أخبرته فقط بأمر ذهابهما إلى نسرين وكذبها عليه في الأمس فكان كافيا ليجنّ أحمد، فلم تلحق حتّى إخباره بأمر هيفاء من أجل أن ينفصلا... تنهّد عمر يهزّ رأسه بضيق شديد وقال: _أحمد، لو أنّك.. _عمر! قاطعه أحمد بضيق شديد غير قادر على سماع شيء، ثمّ أضاف بضيق شديد: _رجاءً لا تتدخّلوا جميعا! هذا بيني وبين حنين. نظر عمر إليه بتفهّم دون أن يتضايق من ردّ فعله وقد توقّعه، ثمّ هزّ رأسه قائلا بهدوء: _طبعا أخي، سأنبّه على خالتي أيضا لا تقلق، لكن فقط.. فقط نصيحة من أخيك الكبير إن شئت خذ بها أو ارمها. سكت قليلا، فالتفت أحمد إليه بعينيه الغائمتين مقطبا، فأردف عمر: _لا تكن قاطعا بهذا الشّكل، ففي العلاقات إن لم تكن مرنا فَسَتَكْسِرُ وسَتَنْكَسِر، ثمّ أنتَ لم تقع في الحبّ من قبل لذلك ربّما لا تعرف هذا.. ابتسم عمر ابتسامة حزينة مشيرا إلى صدره بأصبعيه مردفا: _ حين تقول انتهى فهو لا ينتهي هنا بكبسة زرّ! حتّى لو كنتَ محقّا في أسبابك من الأرض إلى السّماء! الأمر ليس بتلك السّهولة أبدا.. ليته كان، لكنّه ليس كذلك مع الأسف.. أنتَ غاضب الآن ولن تفهم ما أقوله، لكن حين تعي ما أقوله حاول أن تستمع وتتفهّم وتسامح وتتجاوز، لأنّك مهما كنتَ مثاليّا فأنتَ أيضا بشر ويوما ما قد تخطئ خطأ لا يغتفر، وحينها قد لا تجد من يسمعك ومن يتجاوز عنك! زاد أحمد الشدّ على فكّه ناظرا إليه بجمود، فبدى واضحا لعمر أنّ كلامه الآن لا يصل إليه وهو غاضب، لكنّه تأمّل أن يستوعبه حين يهدأ، فهزّ رأسه بهدوء، ثمّ خرج بصمت تاركا إيّاه مع نفسه... نهاية الفصل الثّاني عشر. | ||||
11-08-24, 12:23 AM | #316 | ||||
| فصلل روووعه شرح تفاصيل كثيرة بس صراحة احمد مستفزز جدا جدا يعني ماسمعها حتى وهي كذبة صغيرة كيف بيكون ردة فعلة بالكذبة الاعظم ههههه وحتى وان كان الكذب مشكله بس هو شخصية صعب جدا وغير متسامح بس متحمسة لردة فعله لمن ينصدم بالحقيقة الكامله وقصتها مع امها اتمنى بتعذب بتأنيب الضمير وتعاقبه حنين ويعاني فترررة وههههههه شكرا تسلمم اناملك الساحرة | ||||
11-08-24, 01:00 AM | #317 | |||||
| اقتباس:
حبيبة قلبي مريم إن شاء الله طول الفصل عوّضك على الانتظار أسبوع شكرا جدّا حبيبتي ❤ آه فهمت انّكم تقصدوا أحمد بالصّعب، أنا يمكن لأنّي رأيت الّي أسوأ منّه بالدّنيا فحسّيته طبيعيّ نوع أحمد هذا هو المندفع السّريع في كلّ مشاعره الإجابيّة والسلبيّة، يعني الّي بيشعل نار في دقيقة، وغالبا هذا النّوع يكون مندفع في كلّ شيء حتّى في حبّه، لهذا ترينه مباشرا حتّى في طريقة طرح حبّه على حنين... وميزة هذا النّوع في المشاكل انّه يندفع ويغضب ويصرخ بسرعة وياخذ قرارات كبيرة كالإنفصال، ثمّ يرجع يندم بنفس السّرعة أيضا، يعني لو ادّبستِ لا قدّر الله في هذا النّوع في حياتك أحسن شيء تعملين انّك تتركيه وما تحكيش معه وهو غاضب، لأنّه لمّا ناره تبرد ممكن جدّا وعــــادي يرجع يحكي معك كأنّه ما صار شيء أصلا وينسى فعلا (هذه ميزتهم الوحيدة أساسا، انّهم ينسون تماما ولا يمسكون في قلوبهم لأنّهم يردّون الفعل على الفور ) لكن أحمد اتغيّر جدّا في الحاضر، لهذا السّبب في مقدّمة الرّواية سَخَرَ من الّذين أطلقوا عليه كنية "الجثّة" لأنّه بارد في ردود أفعاله، سخر منهم لأنّه يعرف انّه في الماضي كان العكس تماما، وهذا تمّ ذكره في مقدّمة الرّواية... (كيف بيكون ردة فعلة بالكذبة الاعظم): هي حنين لأنّها فهمت طبعه هذا خافت جدّا أن تخبره، يعني كانت واثقة انّه سيتركها لو عرف، وفعلا كان سيتركها لو عرف، لكن كان حيدور ويرجع وهذا حنين الّي ما تقدر تشوفو... (اتمنى بتعذب بتأنيب الضمير وتعاقبه حنين ويعاني فترررة): لا حبيبتي من ناحية تأنيب الضّمير ما تقلقيش، هذا النّوع أيضا الّي لاعبها مثاليّ وما يغلطش، هو أكثر نوع يتعذّب لمّا يغلط، لهذا السّبب ترينه في الحاضر حتّى رغم شكّه في كون حنين وعمر أبرياء يرفض فكرة انّه ظلمهم، لأنّه لو صدّق فهو لن يستحمل من نفسه خطأ جسيما كهذا... | |||||
11-08-24, 01:54 AM | #318 | |||||
| اقتباس:
ايوة وعوضني جدا جدا بس بسب الاخبار عن غزة فقدت حماسي اليوم والا الفصل يجنن ويسعدك ربي والله احب لمن يكون الفصل طويل ويجي على قد الحماس وتحسي بالهناء لمن تقرئيه وان الكاتب حب يبسطك ويخليك تغوص وماتكون قلق انه فجئة وبينتهي وينقطع الشغف ..... على سيرة اني ارتبط بشخص زي أحمد ان شاء الله ربي لايقول هههههه حاليا يمكن لمن يتغير بعدين اغير رأيي وارجع اكرش عليه بس بالنسبة لي صعب جدا لانه حتى ماسمعها وكان مستفز بطريقة لمن فصلها من الكلام وهمش رأيها حسيته طفولي او شخص مثلا طائش بالله احس انه هذا من اقل سوء فهم بيكون يطلق تصدقي حسيت بنفس احساس حنين لمن حست انه مش متمسك فيها قوي احس الحب العميق والقوي مابيتخلى بهذه السرعه بس يمكن للاحداث بقية وبنفهم احمد اكثرر | |||||
11-08-24, 02:41 AM | #319 | |||||
| اقتباس:
فكّ الله كرب أهلنا في غزّة يا ربّ... ربّنا ينصرهم ويزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم، ويشهد الله أنّنا بقلوبنا وأفئدتنا كلّها معهم... حبيبتي ربّنا يا ربّ يرزقك بلّي يفهمك ويركب معك ويحبّك مثل ما انتِ، هذا أهمّ شيء في الموضوع... أحمد فعلا بشخصيّته هذه عليكِ أن تقولي لا قدّر الله انّه يجمعك به، لأنّه النّوع الّي لا يعرف يرحم الضّعف ويحتوي الغلط صعب جدّا تقدري تبني علاقة معه، فقط أحمد هو نفسه قاعد يكتشف نفسه مع حنين، يعني هو قاعد يتعامل مع علاقة الحبّ تماما مثل العمل أو كأنّها قضيّة، الّي رح يغيّرو ويخلّيه يفهم انّه العلاقات ما تمشيش بهذه الطّريقة هو الحبّ، يعني سيفهم طبعا انّه العلاقة لا تمشي ب 1+1=2، لكن المشكلة انّه لحتّى يوصل هو يفهم هذا الشّيء حنين ستكون فقدت أمانها كلّه معه، يعني سيفهم متأخّر جدّا... المهمّ... حبيبتي هذا نقاش كبير جدّا، سنكمله حين تكتمل صورة أحمد في أذهانكم... أنا على فكرة كنت متوقّعة جدّا ردود فعلكم هذه تجاهه وحتى تجاه حنين، يعني الموضوع مش مقلقني بالعكس، انعكاس المشاهد عليكم قاعد يوصل مثل ما أردته تماما، لأنّني أكره جدّا رسم صور أبطال مثاليّة، يعني لمّا رسمت الشّخصيّات أصررت انّي أرسم شخصيّات معقّدة أو تحمل طباع خاطئة مقتبسة كلّها من الواقع، ثمّ أطرح الحلول، وكلّ هذا من أجل أن أوصل رسالات معيّنة وإلّا فسأكون أرسم فانتازيا وفقط... سعيدة انّه الفصل أعجبك، ونلتقي قريبا حبيبتي ❤ | |||||
11-08-24, 07:55 AM | #320 | ||||||
| ◇ هجوم ◇ ((( يا الهي احتاج حقا الى كوباً من القهوة بل برميلاً كاملاً اشعر بالارهاق. سمعتُ صوت رسالة من إحدى تطبيقات التواصل الاجتماعي فتحت الرسالة تنهد بصوت عالي وقلت: لاصدق لستُ مستعدة لمقابلة المجنون الاخر يكفي مجنوناً واحداً تباً له اقسم ان اجبره ان يعوضني عن برميل قهوتي. قمتُ بالاستعاد بسرعة لمقابلة المجنون اعرف انه سريع الغضب ولن يدع لي فرص لأشرح الامر له وكنتُ متيقنة عن الموضوع الذي سوف يحدثني عنه ، فأنا اصحبت اعرفه واعرف كيف يفكر ذلك الاحمق !! توجهت الى المقهى الذي اخبرني عنه في الرسالة دخلت ، مرة اقل من دقيقة وانا ابحث عنه وجدته وتوجهت اليه... لم أكد ان اجلس حتى بدأ بالهجوم أحمد : لماذا الى الان لم تقرأي الجزء الجديد ؟؟؟ انا ( KoToK) : لأنني......... وكالعادة هو وأسلوبه البغيض قاطعني احمد : ألا تعلمي ان الجزء نزل من يوم الجمعة انت حقا لا تراعي مشاعر الاخرين فعزيزتنا نهى تكون متحمسة ؟؟ قلت متعجبة منه: انا لا اراعي .......... قاطعني مرةً اخرى قائلاً : انتِ حقا فتاة حمقاء......... حقا سئمتُ منه وهذه المرة قاطعته قائلة : كفى تباً لك و لأسلوبك الاحمق هذا دعني اشرح لك اولاً بسبب اسلوبك هذا فقد خسرت الكثير ، ثانياً لماذا لا تعطي للشخص فقط بعض الدقائق لكي يشرح لك ، ثالثاً انا ونهى اصدقاء لا دخل لك بيننا ثم ان عزيزتي نهى ليست مثلك ، انت حقا تغيرت كثيرا عن الماضي. صمتُ قليلا لكي يستوعب كلامي ثم تابعت: انا هذه الفترة جدا مشغولة و فقط اريد ان انهي اشغالي لكي اتفرغ تمام للجزء فهمت يا..كنتُ اريد ان اقول يا احمق بس نظرةً منه جعلتني ابتلعها احمد : حسن هذا هو السبب .... قاطعته هذه المرةِ ايضا لكي يشعر كما شعرت حنين في الجزء السابق عندما قاطع كلامها آلف المرات : و عقاباً لك وبسبب استعجالك لي سوف تدعوني الى كوب قهوة وقطعة من الحلوى ايضاً. قال متعجباً : ماذا ماذا ماذا ؟؟ قلت وانا غمز له : نعم وايضا بسبب ما فعلته اخر مرة مع حبيبتي حنين وكان اسم حنين مفعول السحر فمجرد ان قلت اسمها تبدلت ملامحهُ واظهر اجمل ابتسامة ........ ))) وبس والله هادا كلو عشان اقول اني ما قرأت البار ^_^" حبيبتي نهى مجرد ما افضى اقرأ أن شاء الله ~_~ اكيد ح يكون ابداع ماشاء الله~_~ ♡♡♡♡♡♡♡ | ||||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
رومانسيّة، اجتماعيّة، بوليسيّة |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|