06-12-24, 07:40 PM | #304 | ||||
| الفـــــصـــــل الـــــثــــانـــــي "حطام" الجزء السادس عشر * * * * " في عودةٍ للماضي.. تحديدًا أواخر 2015م " في إحدى أيام الصيف، وتحت أشعة الشمس الحارقة.. خلف قصر والدي، تحديدًا في مواقف السيارات الخلفية كنت واقفةً أمام الباب الخلفي لسيارة بسام، منتظرةً نزوله.. ترجل بسام بثوبه المتسخ، وعصبته التي تتحلق حول رأسه وجبينه الذي يتصبب عرقًا. ابتسم ابتسامةً عذبة، بسمةٌ لها لطف النسمة.. بادلته ابتسامته، بأخرى تنضح بشوق فؤادي لرؤيته. اقترب بحماسة وفتح الباب، فتراجعت خطواتٍ للوراء.. حينها رأيت أكثر المناظر انتعاشًا، كانت سيارته مملؤةً بالبطيخ والشمام وبعضٌ من الفواكه الموسمية الطازجة.. صفقتُ وضحكت بحماسة، فضحك بسام بملء قلبه.. وقف بجانب البطيخ ولمسه ثم قال: ها كيفني معاك؟ مدلعك ولا لا؟ غطيت فمي بكفي وابتسمت ابتسامة خجلة، كمرآة تعكس البراءة. أحمّر خداي، وتاهت نظراتي.. اقترب بسام، ثم أحكم بإصبعيه على أنفي ملاطفًا إياي.. بسام: ما حبيت أخلي شي على خاطرك، أعرف تحبين هالحركات.. أجبته هامسةً بخجلٍ يخالطه ضحكة: شكرًا مره.. ابتعدت عنه هاربةً من مزحه الثقيل مع أنفي، ثم مسحت على أنفي مرارًا لأزيل عنه الألم.. ضحك بسام على نظراتي التي تحولت في غضون ثواني لشرسة: لا تناظريني كذا يا ورعه أبعدت يدي عن أنفي وتقدمت له: مين الورعه؟؟؟ نظر لي بسام من الأعلى بتصنع ليشير إلى قصر قامتي بقربه: تعالي فوق كلميني ما أسمعك.. ضربته على صدره بقوه فحاول أن يتلوى بكذب كي يوهمني بقوة قبضتي: يا بنت اللذينا اااااهخخخخ أغاضني كذبه فضربته على كتفه فبدأ يضحك بصوتٍ عالٍ ممسكًا بطنه بينما يدس رأسه بين ذراعيه.. وقع على الأرض منفجرًا من الضحك، فوقفت فوقه أراقبه محاولةً كتم ضحكاتي. تقدم والدي إلينا مواريًا ابتسامته، ومحاولًا رسم انطباع جاد على ملامحه.. تحدث بصوته الثخين والذي تلحن الحكمة نغماته: اتركوا هالحركات.. الصلاة يا بسام يلا.. نهض بسام ونفض عنه الغبار، أزال عصبته عن رأسه فتناثر شعره الرطب على وجهه.. وقفت أنا مجاورةً الهناء، اتأمل من أراه مستقبلي.. ضوئي الموعود، في آخر النفق. لم أكن قادرةً حينها على كتمان المودة، فكانت ابتسامتي خير برهان على صدق شعوري. تنبه لي بسام ونظر لي ثم ابتسم بدفء، وحين أدار والدي ظهره متجهًا للمسجد.. أهداني بسام قبلةً تطير في الهواء وأتبعها بغمزة سريعة، ثم ضحك بخفة ليلحق أبي هو الآخر لأداء صلاة العصر. راقبته خطواته، حسبتها، وحفظت لحنها المتناغم مع صوت العشب الندي. حينها شعرت بأن كل المجرة، تدور حوله هو.. شمسي هو، تلك التي أطمع أن أذوب في قربها دون كلل. ولكنني، لم أكن الوحيدة التي أرادت أن تفوز به.. فحين أقشعر بدني، علمت أن عينًا تطارد لحظاتي الدافئة مع بسام.. التفت خلفي، فوجدت رنا واقفة على عتبة الباب بعينيّ نسرٍ ينوي الانقضاض على فريسته. وما أن وقعت عيني بعينها حتى تبدلت ملامحها إلى ملامحٍ يملؤها الود.. لم أغفل قط عن رغباتها المفضوحة، ولأن غرور الصغر يملي على المرء الاندفاع في كافة قراراته وتصرفاته. توجهتُ لها باندفاع، وما إن اقتربت منها حتى سألتها: ليش كنتي تناظرين كذا؟! رفعت رنا حاجبًا وضحكت بسخرية: كيف؟! تحدثت بدافع الغيرة التي أخذت تلتهم خاطري: رنا.. بطلي حركاتك هذي سامعة؟؟؟ عقدت رنا حواجبها واقتربت مني أكثر لتتحدث وهي تصر أسنانها بغضب: أقسم بالله إنك أنانية.. الحين فجأة تبينه وتحبينه؟؟ كنتي طول وقتك تقولين إنك ما تبين الزواج ولا راح تتزوجين.. الحين صار بسام حلو بعيونك وتبينه؟؟ لمن صرت أنا أبيه؟؟ استشطت غضبًا وصفعتها بكامل قوتي.. ثم تحدثت بصوت عالٍ بغية احراجها: لا تفكرين حتى تجيبين طاريه بهذي الطريقة.. رفعتُ ظاهر كفي بوجهها ثم قلت: ناظري.. هذا الخاتم يعني إنه حقي أنا.. أبعدت كفي لأتمعن في انطباعات وجهها وأغذي قهري: ومستحيل .. مستحيل اسمح لأي أحد ياخذه مني أو حتى بس يفكر فكرة بس!! بطلي تتكلمين كأن لك الحق واني سرقتك شي يخصك.. تسارعت أنفاس رنا بقهر وبدأت الدموع تلهب خدها بنيران الحسد، تحسست موضع صفعتي وجرحها الغائر ثم تحدثت: أنا أختك الصغيرة! المفروض تبديني على نفسك مو العكس!! نظرت لها باستحقار شديد، ثم تركتها خلفي لبضع خطوات.. ولكنني وقفت والتفت لها كي اطلق الرصاصة الأخيرة: بسام حب حياتي، وأنا كمان كذا بالنسبة له.. إذا انتي ما تمنيتي لي الخير.. مستحيل اعتبرك اختي أصلًا. دخلت داخل المنزل، خلعت حذائي وحملته بيدي ومشيت حافية القدمين متوجهةً لغرفتي بالأعلى.. ولكن قبل أن أصل للمصعد، هرعت إلي مربيتي مريم حاملة بين يديها رداء الصلاة.. عقدت حاجبي ومددت يدي حين ناولتني إياه. مريم: البسي مشعل موجود.. هززت رأسي بخفة وارتديت ذلك الرداء الملون بلون الزهر.. رفعته عند قدمي وضغطت المصعد. انتظرت لبرهة، فانفتح باب المصعد ببطء كاشفًا عن ظلٍ طويلٍ خلفه.. كلما ابتعدتْ جهتا الباب عن بعضهما، كلما بان عرض كتفيَّ ذلك الرجل الذي ظننت ألّا نهاية له. كان مشعل واقفًا، بكامل هيبته.. حاضرًا بصمته المعتاد، وجبروت ملامحه وصرامتها. لم أتمكن من تمييز نظراته، فقد كانت نظارته السوداء التي تطابق لون لحيته الكثيفة، تحجب بوابة تفسير غموض انطباعاته. كان مشعل يرتدي ثوبًا ناصع البياض، ويعتلي رأسه شماغ أبيض. وقفنا أمام بعضينا بحيرة كبيرة، لم أستطع التحرك بعيدًا لشدة ارتباكي.. ولم يستطع هو بدوره الخروج. قرر المصعد زيادة حرج تلك اللحظة فأغلق أبوابه في وجهينا.. هرعت بسرعة وضغطت الزر كي يعود ليفتح أبوابه وابتعدت قليلًا بينما أهمس: معليش.. خرج مشعل ووقف مقابلًا لي. أدخل جواله في جيبه، ثم خلع نظاراته.. مشعل: كيف حالك؟ رفعت عيني من القاع، لأنظر إلى القمة.. نظرت بكامل الاستغراب. هل نطق توًا؟! هل سألني فعلًا عن حالي؟ سبحان من أنطقك يا حجرًا يستعصي أن يلين.. أجبت بتردد: ا.. الحمدلله هز رأسه مجاملةً وأدار ظهره ولكنني رفعت صوتي لأجذب انتباهه مجددًا.. لطالما كنت أشعر بأن مشعل، ليس إلا روحًا وحيدة.. فزاعةٌ لا يتجرأ أحدٌ الحديث معها. جزءٌ مني، كان يرأف به.. ذلك الجزء الذي جعلني ارتبك، وأعود لأسأله بنبرةٍ عالية ولكنها مرتجفة: و… وأنت كيفك؟ التفت لي مشعل باستغراب، نظر لي مطولًا.. اعتقدتُ حينها أن ****ب الساعة قد تعثرت بهذه اللحظة، وهذه النظرات.. كانت الكلمات تفيض من عينينا، وتُسمع وإن لم تساعدها أصواتنا. وأهم ما حكته لي عينا مشعل، ألمه.. ألمٌ يشكوه ولا يُعلم مصدره.. وعتبٌ لم أكن لأتصور سببه، لومٌ وحسرات.. علمتُ فقط أنني سببها. حاولت كسر جمود تلك اللحظة وابتسمت بهدوء: كيف جدتي؟ استدار مشعل لي حتى أصبح مقابلي، ثم رد ببرود: كويسه، تسلم على الجميع.. هززت رأسي، ثم عاودت ضغط زر المصعد.. مشعل: توصين شي؟ نظرت له وابتسمت له بود: سلامتك.. توقف لوهله وراقبني بينما أدخل المصعد، ودعني بنظراتٍ صارمة، ولكنها تخبئ خلفها أوجاعه. أشاح بصره وكأنه يلوح لي برمش عينه، بالوداع.. ******** ما إن غربت شمس ذاك اليوم، وأسدل الليل ظلامه على مهل.. حتى بدأ صخب مدينة الرياض في أن يدوي في الأرجاء. العيش هنا صيفًا، يعني أن تتوارى في ظل الليل قدر الإمكان.. وأن تُعلم الليل معنى الجنون، وتجرده من سكونه. أن تنسى وجه الشمس الودود، وتتمكن من أن تجاريها حتى الشتاء القادم. كنتُ أتمشى في حديقة منزل والدي باحثةً عن نسمة تلاطف القلب، بينما أحمل بيدي كتابي الدراسي وأحوم حول نفسي محاولةً حفظ إحدى قصائد المعلقات.. رددتُ بهمس بينما أعلق عيني في السماء البديعة، محاولة استذكار ما حفظته توًا: " وليلٌ كموجِ البحر أَرْخَى... اممم.. علي سُدُوْلَه.... عَلَيَّ.. عليَّ.." تنهدت بملل، ثم فتحت كتابي بخيبة أمل من عقلي الذي أصبح مشتتًا.. ولكنني سمعت صوتًا خلفي، صوتًا رقيقًا يحلق في الجو كحمامة سلام، تطير لتستقر في قلبي العاشق.. أكمل بسام القصيدة: "...عليَّ بأنواع الهموم ليبتَلِي" التفت بسرعة ثم ابتسمت لرؤيته، ولكنني شعرتُ بالخجل يتسلل لوجنتي ليفضحني. اقترب بسام بخطواتٍ بطيئة، ثم سحب الكتاب من يدي وألقى نظرةً عليه.. بسام بتمعن: اختبار تحصيلي هاه؟... همست بخجل: إ.. إيه. رفع عينيه عن الكتاب، عينيه.. تلك التي سأحفظ نظراتها عن ظهر قلب مدى حياتي. ابتسم بود: عندك أخطاء خلي أسمع لك.. التفتُ يمنةً وشمالًا، بارتباك.. ضحك بسام بخفة: تراك زوجتي.. بس عمي محبكها شويتين.. عقدت حاجبيّ ونظرت له: أبوي معه حق لسى ما سوينا زواج.. ضحك بسام ثم جلس على الكرسي خلفه: لا تخافين هذانا بالحديقة وقدام الكل.. ولا سوينا شي غلط. نظرت له باقتناع ولكنني عاندت وبقيت واقفة.. نظر لي وأطال النظر، ولم تزل تلك الابتسامة عن شفتيه. استسلمت لقلبي، كالعادة.. وجلست في الكرسي المقابل له. بسام: شطوره.. نظرت له بغضب وقلت له بانفعال: كم مره قلت لك أكره هالكلمة.. انفجر بسام ضحكًا: ليش طيب.. أنتي شطوره.. أشحت بصري عنه وتمتمت: بزر عنده.. أننن شطوره.. بسام – بصرامة-: خلاص عاد عن الحلطمة.. يلا وش هالتسيب سمعي لي يا طالبة. أعدت بصري له: بسااااام !! ضحك بسام: هههههه خلاص خلاص والله.. يلا سمعي حبيبتي. أنزلتُ بصري خجلًا، وخانني عقلي في تذكر مستهل القصيدة.. لم يذكر لي عقلي، سوى كلمة .. " حبيبتي.." بصوت بسام الشجي. بسام: تذكرت صح، تو عندك غلط.. خل أعدل لك.. ( وليلٍ) تنوين بالكسر مو بالضم.. عاندته وقلت بكبرياء: طيب قلتها كذا أنا.. ضحك بسام بخفة دون أن يجادلني، ثم أردف: أقول اسمعي وعدلي هذا اختبار مو لعب.. يلا سمعي زين.. هززت رأسي وقلت: وليلٍ كموجِ البحر أَرْخَى علي سُدُوْلَه.. أوقفني بسام: لحظة لحظة.. من وين جبتي علي هذي شوهتي قصيدة الرجال.. وقفت محاولةً المغادرة ولكنه مد يده بسرعة، وأجلسني بينما يضحك: ياليل الدراما والله أمزح معك أقعدي.. لم استطع كبح ابتسامتي على سخافة هذه اللحظة.. بسام: يلا عيدي.. وتكفين بدون كلمة علي هذي في البيت الثاني.. تنهدت وأعدت سردها: وليلٍ كموجِ البحر أَرْخَى سُدُوْلَه.. عليَّ … ب…بأنواع الهموم ليبتَلِي.. بسام: برااافو يلا كملي.. فركت فروة شعري محاولة تذكر البيت التالي: فقلتُ له.. لمَا تَمَطَّى بصُلْبِهِ.. وأردفَ أَعْجَازاً.... وَنَاءَ... بِكَلْكَلِ... بسام: حلوين اللي بعد.. قلت بتمعن محاولةً استيعاب معنى الأبيات لأتذكرها: ألاَ أيها الليل الطويل ألا انجلي.. بصبحٍ، وما الإصباحُ منِكَ بأَمثلِ.. نظر لي بسام لأكمل القصيدة.. ولكنني بادلته النظرة بحيرة والاسئلة تتوارد في خاطري.. شاركته أفكاري بسرعة تعبر عن مدى ارتياحي: هذا البيت يحزن.. بسام: شكله هذا الوحيد اللي فهمتيه أصلًا.. ضحكتُ بخفة: افف وبعدين معاك! صمتُ لوهلة ثم نظرت للسماء متأملة وأردفت: أيش ممكن يوصل الإنسان لهذي المرحلة؟! بسام: بزر أنتي بكرا تعرفين إن الحياة صعبة.. نظرت له بجدية: اسأل جد.. تنهد بسام ثم أجاب: عمري ما فكرت.. أعدت بصري للأفق: دايم أفكر.. هل ممكن الإنسان يوصل لهذي المرحلة من التعاسة، ولا هذي مبالغة الأدب.. تحدث بسام بنبرة جادة، لمست فيها إعجابه: عشان كذا تزوجتك.. أعدت بصري له، نظرت بحماسٍ منتظرةً تكملة جملته.. بسام: دايم أهرب من مواجهة هذي الأسئلة، أحاول دايم أبقى على السطح لأني أخاف من العمق.. – وجه نظره لي وكأنه يود أن يقفز إلى أعمق نقطة من محيط أفكاري الغريبة- لكن أنتي شجاعة.. عميقة وحساسة.. وتشوفين الأشياء بقلبك الحنون ثم توزنين مشاعرك برزانة عقلك.. أنتي مزيج حلو بين العاطفة والعقل، شخصية مستحيل أحد ما يتمنى يستكشفها ويعيش معاها بقية حياته بكل متعة.. أنهى حديثه بابتسامة، وكأنه يضع نقطة أخر السطر، أو بالأصح وكأنه يغرزها بقلبي ليشير للعالم أنه ملكٌ له وحده. شعرتُ برغبة عارمه في أن احتضنه، ولكن خجلي قيدني في مكاني ونهاني.. ابتسمت بخجل وأشحت بصري، ثم غطيت وجهي بطرحتي المنسدلة من قمة رأسي. ضحك بسام بخفة وأسند رأسه لظهر الكرسي: يا حلوك وأنتي مستحية.. أجبته: بسااااام خلاص عاد.. بسام: مب على كيفك! زوجتي حلالي بتغزل فيك إلى بكرا.. شعرت بأن بسام، عانقني بكلماته وجاد عليَّ بنسمة برد تلطف هذه الأجواء الحارة.. استمرت لحظات الصمت، معبرةً عن خجلنا.. ولكن.. قطع تلك اللحظة اللطيفة، صافرات إنذار.. صرخاتٌ تنبئ بوقوع مصيبة، مأساوية ومرعبة.. رأيت رنا تركض بضياع في الحديقة وتصرخ باسم بسام.. رنا: بسساااااااااااااامممم!!!!!!! وقفت متتبعة مسار ركضها العشوائي، بكل رعب.. توقفت رنا في منتصف الحديقة، ثم خرت على الأرض بينما تسابق شهقاتها أنفاسها ركضت إليها بسرعة ولحقني بسام.. نزلت أرضًا وهززتها: ايش فيه؟؟ كانت آثار الصدمة، تشوه ملامحها الودودة.. تتقطب بحبالها الصوتية.. وتصفق بفكيها ببعضهما. ظلت رنا تبكي بحرقة، وبنظراتٍ مرعوبة. وما هي ثوانٍ حتى خرجت أم مشعل خلفها وورائها الخادمة التي تحمل عباءاتنا.. وقفت أم مشعل بكل جبروتها، على رغم من الخوف الملموس في عينيها.. أم مشعل: أبوكم صار عليه حادث.. كانت تلك الجملة، بمثابة صاعقةٍ ضربت رأسي. شلتني الصدمة عن التحرك.. قلت وأنا مبهوتة: ابوي؟! ايش صار عليه؟؟ أم مشعل: بالعمليات الآن.. – التفتت لبسام بينما تحاول ضبط نفسها- بسرعة بنوجه له. توجهت لابنتها وساعدتها في ارتداء عباءتها.. التقفت عباءتي ولبستها على عجل ولحقت ببسام الذي كان بدوره هو أيضًا مرعوبًا.. فتح بسام السيارة، ودخل بسرعة وركبت أنا في المقعد الخلفي.. ظللت ارتجف في صمتٍ يختلط بأكثر أفكاري سوداوية. التفت لي بسام وتحدث بنبرة حائرة: لا تخافين إن شاء الله إنه بخير .. لم أكن قادرةً على سماعه، فقد كانت أفكاري تصرخ بملء حنجرتها داخل رأسي حتى أصَمّتْ أذنيَّ. بقيت في دوامة الصدمة، واضعة أسوء الأحداث المحتملة لوضع والدي.. لم أعِ دخول أم مشعل ورنا للسيارة على رغم من نواح رنا المدوي، ولا تحرك السيارة وسرعتها.. عشت الغربة في تلك اللحظة، لم أرَ الطرقات كالمعتاد، مررت بها وكأنني لا أعرفها أو أتذكرها.. كل شيء بدا غريبًا وكأنني أغفو وما يحدث الآن كابوسٌ أجول داخله بلا وجهة أو مشاعر. كانت الرحلة سريعة كالبرق، وكأنني في كوكبٍ بعيد يطير فيه الزمن بلا هوادة. على أعتاب المستشفى، ترجلت وكأنني ثملة.. أترنح بلا وعيٍ أو شعور بمن حولي. كان تركيزي بظهر بسام الذي يسبقني، كنت ألحق به لاستدل الوجهة. وصلنا لممر طويل تسبقنا أصوات النواح فيه خطواتنا. حين وصلنا رأيتُ امرأةً أظنها في الأربعينات من عمرها، تنوح بحرقة بينما يقف الطبيب قبالها بنظراتٍ خائبة.. سمعتُ كلماتٍ، لم يقوَ فؤادي على سماعها.. الطبيب: البقية في حياتك.. هوت تلك المرأة أرضًا وحاولت امرأة أخرى تصاحبها أن تهديها.. تقدم بسام لذلك الطبيب وسأله بخوف: لو سمحت عمي.. عمي سالم.. سالم آل.. تنهد الطبيب بينما ينظر بحيرة إلينا.. الطبيب: حالته صعبة.. غطت رنا وجهها وبكت بحرقة. الطبيب: باقي بالعمليات أدعوا الله.. عاد للداخل بسرعة، وأُغلق خلفه الباب وكأن ذلك الباب المنيع يخفي عنا الحقيقة البشعة.. تلك التي نتشبث أملًا أن تكون ذات وقع خفيف على أفئدتنا. كانت نظراتي تائهة، لم أكن قادرة حتى على الاطلاع على ملامح بسام فقد كان يداري ملامحه بظهره.. التفت لرنا المنهارة، ثم أم مشعل التي كانت تحمل هاتفها وتصف المكان لشخصٍ لم أهتم لمعرفة هويته. حينها، تساقطت الدموع بغزارة على خدي.. وبدأت بتذوق مرارة هذه اللحظة. استشعرت أنني توًا، بدأت تتحسن علاقتي بوالدي.. وأنني لم أكتفِ بعد من وجوده القصير في حياتي. أردت أن أصرخ، وأعبر عن حاجتي له... التفت لي بسام حين سمع شهقاتي الخفيفة. نظر لي برحمة، ثم يده بتردد ليمسك يدي.. ولكن كفًا أخرى تدخلت قبل أن يمسني بلحظات. أمسك بيد بسام واعتصرها بقوة.. رفعت بصري لأرى مشعل واقفًا بيننا، بملامحه الصارمة والواعظة.. أعاد يد بسام للخلف ونظر له بعنفٍ شديد. وبادله بسام ذات النظرات.. بينما أقبع بينهما جاهلة سبب شرارة الحرب التي أعلنها الطرفان أمامي. ******** نهاية الفصل السادس عشر ممتنة لكم جدًا وفي انتظار آرائكم عن الفصل وانطباعاتكم عن الفصل وعلاقات الماضي لشخصيات الأبطال.. | ||||
07-12-24, 11:53 PM | #306 | |||||
| اقتباس:
أهلًا وسهلًا والله العظيم من ذوقك يا عسل ❤️❤️ تخجليني دائمًا بكلماتك ولطفك. دمتي بود. | |||||
13-12-24, 03:53 AM | #307 | ||||
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله على سلامتك وعودتك بارت جميل بما تحويه الكلمة عاد الابداع والسرد الرائع لله درك استمري ونحن بعون الله تعالى ندعمك ونساندك بوركت جهودك وبارك الله فيك ولك ودمتي والجميع بخير وصحة وسلامة يارب العالمين. | ||||
15-12-24, 09:26 AM | #308 | |||||
| اقتباس:
الله يسلم قلبك من كل شر❤️❤️ سعيدة إن البارت أعجبك وممتنه جدًا لك على دعمك المستمر للرواية حقيقي أنا محظوظة فيكم ... دمتي بود ياعسل .. | |||||
17-12-24, 02:19 PM | #309 | |||||
| اقتباس:
حياك الله كاتبتنا الغالية تيرا السعادة تواجدك وإنك بخير ولله وكذلك الجميع بخير ولله الحمد اكملي لنا ماتجود به قريحتك لله درك وبارك الله فيك ولك يارب العالمين دمتي بخير يارب العالمين | |||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
رواية عناق السحاب، أثير مانع، عناق السحاب |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|