14-02-24, 01:46 AM | #1 | |||||||
| حنينٌ بقلبي *مكتملة* , بسم الله الرحمن الرحيم * * مساءَ الحنين والقلوب قدْ تهافت مساءَ أول لنقل هذا ولأنني أضعتَ البوصلةُ هذا لأنني قد ولدت عمر الغياب بالعبيرِ مهرولاً أتيتُ بالركض ! أعلمَ أتعبتكم بالأسئلة وثورة الحماس وشعلة الاحتراق لنمضي معًا في رحلةٍ جديدةٍ نبحرُ أنا وأنتمْ عنْ الروضِ الأزهرَ - فالصيفُ كطيفِ حلمٍ جميلٍ مرَ بهمْ - والريحُ عاتيةٌ فدنيا مغيمةٍ - وجوّ أجـمــلَ أقبلتْ كفرحة طفلةٍ مثل النوارس تحلقُ في السماء … * تنويه: الرواية غير حصرية لروايتي أتيت هذه المرة برفقة الرواية الخامسة اليوم أولـى الحنين. لعلي ألاقي بين قلوبكم حنين كرمكم الفائض. وإنّ كان بالنظر أتلهف لردة قراءتكم الأولى بين الاستناد والاتكاء ستتلقى أكبر قدر من إحتوائكنَ لها. * * * ونظرتْ في عينِ السماءِ ولأنها تستعجلُ الرحيلَ ولأنها عاشقة المستحيلِ لنْ ينتهيَ البحرُ لنْ ينسلخَ الليلُ عنْ حلتهِ ولأنهُ الخليل انشقَ عنْ مطرِ غمامي ولأنهُ منْ الناظرينَ فما بحرًا لا قرارَ لهُ وموسمًا عاصفًا فالأمواجُ نازفةٌ فيصحو الأفقُ كمَ يغرقُ اللحنُ وكنهي السكون والظماءْ وسؤالَ الشاطئِ عنْ موعدٍ إلى وطنكَ: حنينٌ بقلبي. * * * مقدمة ٢٣ . ١٢ . ١٤٤٥ هـ ٧ . ١٢ . ٢٠٢٣ م هذه الرواية ليست الرواية مثل أخواتها السابقات المواجع والظنون، أزهرت بهطولك، من يقنع الظلال أنك في أهدابي، على ضِفَّة لوحة انتظار! وفي لحظات تحيك بهما الأشواق، هذه تحمل من كلماتها وحروفها تسكن عن المرأة، والحب، والحرب، والكثير من السهر ليالي التي كتبت منها. هي أتت أحداثها أولاً فضل من الله الهام جديد من كلمتان من مقطع أنشودة اثرت فيني الذكريات وجعلتني أرى تلك الأحداث. اسمها هذا المرة هي اختارت نفسها بنفسها، في ذات الموعد الذي في أعلاه كان أولى فصولها تمت كتابتها، وهذا عزم الكبار أن وجدت الإرادة فلا خيار لك إلا صعود السلالم النجاح. أمل من الله العزيز الحكيم أن يوفقني فيها إليكم تتوق: حنينٌ بقلبي. ٩:٣٢ صَ. * * تمهيد أول حروف سكنت في لوعتها، وغربت ذكريات مع لهفة التلاق .. رحلت في شفتيها حديثٍ حزينٌ جريحٌ، لم تعلم بأن ليلها سيقصر ويطولُ، لم تعلم ماهية الألم والشوق، سلام على من أتوق إليه، السلام عليك أيها القلب، من أنا؟ ومن أكون؟ -وآخر ذاكري حين أفيقُ. أي منطـقٍ وأي حكمةٍ تأمرها التنفس في مكان على وجه الأرض أشبه بمنزل صغير كانت مستلقية بانكسارٍ على السرير، ترمي جميع الكتب بانهيار تصرخ بمليء صوتها -كلكم كــذابيـين، كلكم، مستحيل أخذه، مستحيل! تنهّدت بحزن وهي تتأمل انهيارها المفجع -تكفين يا حنين، اقبلي فيه، عشانك توك بعمر ١٩ ، عشان شروق، تعرفين أبونا، ما اختاروك إلا بالاسم، دخيلك، شيخ القبيلة كيف بترفضينه؟ حنين -ما أبيه، أنا باقي أبي أتعلم وأكمل دراستي، عندي أكبر مني، فتون و رحيل، وأنتِ تغريد، وش معنى إلا أنا أصغركم حنين! ليـه، وش مقصره في أبوكم ذا، يعني عشان ربي ما عطاه عيال يبيعنا كِذا كما الشاة، ما أبي أتزوج، تكفين تغريد، تكفين، وإلا عشان بنات الوافي، لا بد ما نقصر عن الوصف، تكفين يا تغريـد، والله لا أذبح نفسي لو أتزوج منه، تكفيــن انقذيني، شفتي كتبي، طالعي فيها، طالعي، ماهو كافي بالغصب الوحيدة اللي كملت فيكم تعليم، يبي يحرمني، ليه؟ تغريد تحاول أن تضمها إلى صدرها تربت على شعرها وبنبرة حانية -اششش، حنين دخيلك قصري صوتك، دخيلك خبرك أبوك ما عاد له عقل تكفين، أهِدي يا روحي. حنين بالبكاء .. بقلبها الأنين -يعني عشان بنات الوافي، تكفين يا تغريد، الله يخليك، طيب وش رأيك فتون تصلح له، كبير، حرام عليكم، مانيب بايره يوم ترموني كِذا! فتح الباب الخشب المهترئ .. حدق بأنظار الصارمة -وينك يا بنت؟ وراه هالصوت! حنين تقدمت إليه بجنون -يبه دخيلك، قله البنت ما تفكر بالزواج. * * كانت آخر الذكرى .. وأول ما أفيقُ. بعمق الخدر المتسلل عبر عروقه استرخى مغمضٌ عينيه، ينفلت من بين أصابعه بضع وعاء من بقايا المحلول الأبيض فيه، ليستقر في النهاية بين قدمي على أرضية السيارة المنطلقة بأقصى سرعة تلتهم الطريق المفتوح أمامها .. كل الأصوات والموجودات في لحظة حوله تلاشت، وكأنها برهة سكون .. انفرجت بعدها على صورة وحي عقله .. كل أبواب الخيال .. الهواء البارد المتدافع من النافذة المفتوحة إلى جواره يستقبلُ وجهه مستمتعًا للطماته، تبدو أنفاسه مؤهلة لاحتوائه. هذا الطيرُ الصغير الأزرق في الأفق من خلف سحبٍ رمادية بدد جناحيه تكاثفها، رأه مقتربًا مني .. ولا يفصل بيننا غيرُ فراغ -أبو قلب، أبو قلب، لحق .. لحق صرخات محذرة لم يعرها اهتمام قبل لحظات من دوي ارتطام مرتفع؛ رج كل كيانه معه. شظايا الزجاج المهشم كذرات لؤلؤ، وصوتٍ من بعيد -حنين بتعــرس لشيخ القبيلة، وليلة عرسها أنوار احتفال على بيت الوافي. -أبو قلب! أنت تسمعني؟ أقول لك حنين هل آخر ذكرى يا حنينٌ. روابط الفصول الفصل الأول ج1.. المشاركة التالية. الفصل الأول ج2 الفصل الثاني الفصل الثالث الفصل الرابع الفصل الخامس الفصل السادس الفصل السابع الفصل الثامن الفصل التاسع الفصل العاشر الفصل الحادي عشر الفصل الثاني عشر الفصل الثالث عشر الفصل الرابع عشر الفصل الخامس عشر الفصل السادس عشر الفصل السابع عشر الفصل الثامن عشر الفصل التاسع عشر الفصل العشرون،والواحد والعشرون الفصل الثاني والعشرون الفصل الثالث والعشرون، والرابع والعشرون الفصل الخامس والعشرون الفصل السادس والعشرون الفصل السابع والعشرون الفصل الثامن والعشرون الفصل التاسع والعشرون الفصل الثلاثون الفصل الواحد والثلاثون الفصل الثاني والثلاثون الفصل الثالث والثلاثون الفصل الأخير الموعد كل الأربعاء ليلًا. التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 19-08-24 الساعة 08:34 PM | |||||||
14-02-24, 03:38 AM | #2 | |||||||
| الحنين (1) - الجزء الاول الحنين (1) [الجزء الأول] * * تكتب الآن ما كانت ولا زالت تحبه..! بين اجواء كتاباتها، في غرفة تطلّ منها أشعة الشمس تمد أناملها الناعمتين فوق آلة مفاتيح الكتابة … (الكاتب لا يحتاج من هذه الحياة سوى الوحدة مقهى بعيد ودافئ، رائحة القهوة، وذكرى امرأة كان يحبها ألا يخطط للكتابة، أن يتظاهر بأنه غير مهتم، بأنه لا ينتظر شيئًا، يتأمل من حوله فقط.. ويصمت أن ينسى نفسه في المكان، يختلط مع الوجود حتى تضيع ملامحه، وتصبح كل الوجوه وجهه. أن يضيع في الأشياء، يصطدم بضجيج الشوارع، يتبخر مع الأدخنة الصاعدة، يمتزج بالهواء ويختفي. على الكاتب أن يتوه في ذاته، حتى يجد ذاته الحقيقة. تتزاحم الأفكار في مخيلتك، دعها لا تمسك القلم الآن. ) كيف تعلم عندما قرأت هذا النص، ارتشفت قليلًا من قهوة وتذكر وجه حبيبها الذي غاب من أعوام. كيف تعلم بأن صياغة الشاعرة الكويتية بشاير الشيباني تشرح كل كلمة وكل وصف مررت به بزمنٍ قديم مضى. تتوه في أي زمن تصف .. ستذكر تفاصيلها، رائحة جسدها، شمعتها بالعبير، دمعتها التي تشكل عينيها، نكهة حروف اسمها من شفتيه حينما يناديها، تذكر صوته، صوته الذي يتردد الآن في قلبها ويبتعد مثل صدى. تذكر لحظة فراقها، تحسس بقايا دموعها على كمي قميصها، أما زالت طرية. حبيبتك التي صارت حروف اسمها رموزها السرية. تكتب الآن. أنك ما زلت تحبها. * * الماضي في هدأة الليالي الصيفية، في ذاك الرصيف أنهكهم التعب، كل الحافلات مرت من هنا، تحمل وجوه تشبههم، تفتح أبوابها الصدئة المرتعشة، لا أحد يدخل إليها ولا أحد يخرج، هذا الفتور الذي يتسلق ملامحهم، جعلهم يتمسكون أكثر، أحدهنَّ بحقيبة والثانية بسلة الطعام، والثالثة تمسك الأوشحة المطرزة بأسمائهم بشغل يدوي من صناعة والدتهم. هكذا الدنيا تقصدهم كيفما تشاء. عندما هبط الجميع بصيغة الحياة تلك الفرصة التي تنتظرهم، لتلوح لهم … كقبس من النور وغصن الزيتون، و شجرة الليمون، أيها الزمان… هل بإمكانك أن تلملم شتاتها وبقايا جسدها الطفولي وأفكارها البريئة. أرجوك يا زمنها لا تصبح كحروف الْجَرّ تَجرّها إلى حافَّة الهاوية. و قبل ذلك يفيضُ بعين الواقع في منزل عمه الوافي الذي تربى على يديه، فلا يعرفه إلا هو أبيه، وبنات عمه الأربع إلا سواها، فهي حبيبته، كل مافيه يريد أن يخرجه حينما يخرج هذا الطوفان من مُقلتيه، فحينما تُصبح الهالات السوداء جزءاً من ملامحه وكأنها وطن. يشعُر بها كُلما نظر إليها، وهو يتأملها بين رحيل وفتون اللاتي إحداها تمسك إبريق سقايةٍ تسكبُ بعض قطرات الماء بزرع أوارق النعناع في الفناء الصغير كانت الساعة السادسة تماما، تنبيه على شكل زهرٍ يريد أن يلملم كسرها، ظل ينظر للبلاط بشوق لخروجها من غرفتها، يسمع صوت تغريد التي كانت تصرخ -يلا حنين ابطينا عليهم. في وسط الفتيات كان شابًّا وحيدًا، حتى جعله هكذا لا يرغب إلا في المشي معهم والمرح بين أحاديثهم الحالمة الطفولية تنهّدت فتون التي تخرج من الغرفة تنظر لحدقتي إبن عمها ⁃تعال يا خليل هالبزر عنيد! ماتبي تسري معنا، كود الله معك تكن وتجي يمنا. فاقترب منها بهدوء ⁃أنا خليل وخل ونديمها، حنين ما ودك نسري يم المزرعة؟ ها هي حنين ليلتها أمضتها وهي باكيةٌ تتكومُ على الكنبة، على الأرض، قرب السرير، فنصف مندهشةٍ مما تتسع ببياض عالمها البليد، سوداء، كومةٌ سوداء تبتلعها، تحاول أن تتناسى خوفها طفوليٌ وبثقة زائفة، ورجفة بين أصابعها يمنةً تتصفح وبرقة إخراج هذا النشيد عتيقٌ من كتاب المطالعة بصوتها الناعم رقيق على قلبه ⁃لا تخافي لا تخافي .. نخمد النار الضروسَ .. قبل أن تفنى النفوسَ .. أن كف الشهم منا .. بلسم للجرح شافي .. مما تقدم بخطواته نحوها، يرى سكونها الهادئ ⁃لفهة الهرجة خلينا مع الساري. فتون بضيق من عناد أختها الصغرى ⁃خلاص يا خليل ما عاد بها العنيد.. أسري مع أخواتي وأنا جالسة مع حنين. خليل ملأ وجهه الضيق و الكدر ⁃والله مدري اشلون بأمشي وبالحيل أعرفها.. يلا يا حنين. يا حمامة يلا. خرجت من غرفتها تبتسم طفلةً بثوبها زاهد بطباعة زهور ربيعية بشعرها الذي يتهادى بلونه الكستنائي على كتفيها. عيناها تتلألأُ بلمعة ودبيب الحماس، وبرقة ⁃حمامة. فضحكت بعذوبةٍ وهي تمسك براحة خليل الذي قرص طرف أرنبة أنفها ⁃أجل به نزيل كما ضيف يا حنين. مما ترقق صوتها أكثر ببراءة شديدة، و الفطنة حادة لعمرها الصغير ⁃حمامة، وإلا أقرأ واحفظ لا تخافي لا تخافي.. نحن ابطال المطافي.. نحن شجعان كرام... عندما نُدعى نوافي... فضحك مقهقهًا خليل -أبشري. * * بقلب المزرعة بعد أن رمى خرطوم الماء جانبًا .. فتون ⁃حنين وين بتسرين عن الوادي؟ ⁃بألعب وش فيك؟ تغريد التي تقسم نصف رغيف الخبز، بين خليل وأخواتها الأربع، وكأن فُتات خُبز يصنع لهم وجبة عظيمة تسد جوعهم ليلي ليومهم الطويل. مما قالت فتون بحنو ⁃لا تبعدين .. يله خليل خلينا نسقي النخل قبل لا يظلم علينا الليل. بهمس حانِ تردف رحيل : فتون ترى والله قلبي خايف عليها. فابتسمت لها بثقةٍ وهمس تردف فتون ⁃بنات الوافي ما علينا خوف، يلا ماعاد بقى على المغرب شيء، رحيل خليك مع حنين، لا تنسين تراها أصغرنا. رحيل ⁃زين، ولا تبطون. * * الآن، في الوقت الحاضر في جفاف العمر، قلبه بقلبها توسم! ومضة السعادة قبل ضياعهما! فأصبحت مع مرور الدهر كورقة سقطت في فصل الخريف، المفعم بالهدوء بعد عاصفة هبت على ذلك الفصل الهادئ لتعلن تلك العاصفة … فصل الشتاء القارس الصلب، القوي، أصبح خليل كالفارس الشُجاع، وأصبحت كفصل الشتاءِ بقسوة نسماته، كيف يعلم بأن أقدامه تسحقه وهو يجلس على طرف جلسة الأرضية بلونه البحر الداكن، ليس لديه أحباب إلا هي، ولا بيت يُؤويه من الطوفان؟ جئت إليها تحمل رياحُ الحنينٌ والشوق، بإيمانٌ فهل سترتاح بعض من الوقت، بعد أن وضعت الصينية القهوة، وبعض طبق عجوة المدينة ودلة القهوة وفنجانين، مع كوب زجاجي بداخله ماء بارد. فابتسمت بصوتٍ حانِ -حمدلله على سلامتك، يا ولد عمي. سكنت ضجة قلبه، والحقيقة المرَّةُ، سحب الصينية وتناول فنجان القهوة، ارتشف بسخونتها ثم أردف -الله يسلمك يا بنت عمي، إلا يا حنين عمي بعده ماهو موجود. حنين بأسفٍ وبخجلٍ تطرق رأسها للأرض -أبوي الوافي راح لمشوار من صباح، تقهوى. هكذا إذاً، فما بعد هروبه وما الذي جرى لعمه حتى يتصدد عنه، بهدوء الواثق -اشلونك؟ حنين بصوتها رقيق -حمدلله، البيت بيتك. فابتسم على ذكرى وعده الذي طرق على قلبه في هذه اللحظة، تلك الطفلة التي وعدها بغرام الحُب. يتذكر وعده بكل حرفًا.. [⁃والله يا بنت عمي، أنا لك وأنت لي يا حنين. حنين على استحياءِ طفوليٍ -اشش رحيل لا تسمعنا، ثمن تعلم علينا أبوي الوافي .. أنت صدق ماتبي تكمل الثانوية؟ ضرب على صدره -إيه مانيب مكمل، وأنت عاد يا حنين تحبين العلم والقرايه، عمي بيخليك تتركينه لا تتركين حبك للكتب. حنين بهمس باكٍ -مستحيل اترك كتبي، بس أنت بعد لا تزودها يا خليل، تكفى كمل عشاني. فابتسم بهمس حانِ -والله ما اتركه عشانك يا حنين] أما الآن عاد لوهلة يرى سكون المجلس. * * في الجهة المقابلة من منزل الوافي آل جمعان بدروب افترقت، حتى صرخت أم فتون وهي تراها وقوفها بقرب باب المجلس المفتوح بابه -حنيـن! حنين بإرتباكٍ وتبرير -يمه ما احدن بالبيت وضيفت ولد عمي خليل، بعد ما يجوز اتركه وراء الباب. أم فتون تقرص حنين بعضدها -حسابي معك بعدين. غرقت بضحكة حنين -يمه عجايب يا أم فتون ترى ما يسوى تقرصيني عشاني ضيفت ولد عمي، اقصد من عيب البدو يتركون ولد العم برا، ويتيم ومسكين، وترى دخلت خليل خبرك بكره العيد يمه، وجاء متعني مسكين، يبي أبوي. عجايب رفعت حاجبها بحدة -يتيم ومسكين، ربي رحمك إن اليوم بتغاضى عنك، قومي ازهمي أخواتك من بيت خالك عبدالحكيم. قرصت وجنتيها حنين -عجايب يمه.. تراني آخر العنقود سكر معقود.. وشوفيني اضحك ومبسوطة. عجايب بحزن وهي تحاول أن تتناسى الليلة هذه بذات -ما بعد صلاة العيد، وبالليل يا حنين. -يلا يمه بأسري أكلم أخواتي. فلم تستطع أن تخرج وهي تعلم من هو الخليل لحنين؟ مشت عجايب تقف أمام باب المجلس مباشرةً -حي الله خليل. فابتسم خليل -البقى اشلونك ياعمة؟ أم فتون -حنا بخير من الله يا ولد باتل، لعاد به المحك مرتن ثانية مع بنتي حنين وحيت هرجي. حنين تردف بداخلها بحزن -(يمه) مشت نحو غرفتها ترتدي عباءتها وسط صوت والدتها عجايب ما أن سمعت نصف الكلام ركضت وألف فكرةٍ وفكرة تدور في رأسها، تعلم بأن مجيئ خليل اليوم بذات هو امضاء العهد الذي بينهما. وهي تمسك بعباءتها على الرأس وبحجاب ونقابها، فهي حين أتت قادمة من منزل أخيها حتى ترى حنين بغطاء الوجه، وفستانها الأبيض منسدل كطفلة بريئة بجسد امرأة مُغرية، ثارت شياطين الجن والإنس، وقلب عجايب مملوء بالرعب ورأسها بالشيب لتقول بضيق -البنت عمرها ١٩، وأنت عداك العيب ما قصرت مع بنات عمك أولي وتالي، ولا قصرت مع عمك الوافي، من أول خذت بعمرك وسريت بلم الجبيل، عمك قالها لك أسري وجيب مهرها وثمن تعرس. خليل نظر لأسفل بإحترام وخشية -وش الي صاير يا عمة، ماهو من وأنا بزر حنين لولد عمها خليل، وخليل لحنين، وش الي جد بالموضوع، والمهر هذاني اجمعه يا عمة. أم فتون برحمةٍ عليه -يا ولدي، ما أبيك تتشفق على بنت عمك، وأنا والله اقولها لك اصرف النظر، ابعد عن دروب بنت عمك يا خليل. -يا عمة عيني من الله خير، هو وينه واعدني من يومين. خليل يقف خلف باب المجلس الرجال، يطارد قسوة ومرارة القدر الذي كتب نصيبه. أ هذا التاريخ الذي كان بيننا يا ابنة عماه! شرائع ديني تقول بأن خطبةً فوقَ خطبةٍ لا تجوز، في شرائع عرف الخليل الذي أقسم سيعود ويجمع ذلك المهر حتى تصبح حنينًا من نصيبه، لكن القدر رسم كلمته. أ يمضي مع أحزانه، وهل في الناس من يعطي لقدر حزنه، هل ستبقى حنين على هامش ذكرياته -الله يهدي عمك الوافي للحين ما عود ولا أدري متى بيرجع من المدينة. فابتسم خليل بصوته الهادئ -يا عمة باحتري عمي، أنتم ناقص عليكم شيء، محتاجين شيء؟ تنهدت بأسى على حال هذا اليتيم، في ثوانِ أردفت بقسوة جبلت عليها، لا بد الصعب سيصبح في يومًا ما سهلًا، ستبشره بأن دنياه ستكون ربيعٌ لكن في ديار أخرى -خليل يا عمتك، أنت تعدني مثل أمك. -شاهد الله يا عمة مثلها وزود. -ما أبيك تضيع يا عمتك، أنت من يومك كنت مثل الأخو لبنات عمك الوافي .. وعز الله كفيت ووفيت، مير يا عمتك اللي حصل وصار اصرف النظر يا خليل عنها، ولا تسأل عن السبب. هي بعدها حنين صغيرة! وإن كإنك ترد ليّ الشور مثل حسبة أمك، تغريد هي الأنسب لك. * * في مساء حار صيفي حالت بهم الظروف التي وجلت في قلبهما .. في تلك الشمال من نسائم حرارتها الصيفية، والويلات من الظروف، والوقت الفائت الذي لا يعود عندما رمى المنشفة ممتلئٍ من الزيت صرخ فيه -وش تقول؟ -أقول لك الوقت راح يطوفك .. بيت الوافي مليان رجال من شيخ القبيلة. لم يشعر إلا وهو ينوي اللحاق عليها، كيف، كيف وهو قبل يومان خطبها من أبيها الوافي، كيف يتخلى عن خطبته! كيف؟ في رحلته في طريقه الذي يمشي وكأنما ألف عام، عندما دخل لفناء الوافي فابتسم له بهدوء -اقلط يا أبو قلب. من أين تأتي بقسوة قلبك أيها الوافي أردفت بقهر -كيف وخطبتي لحنين؟ الوافي بكل برود -الله يعوضك، حياك يا ولد اقلط على العشاء زواج بنتي من شيخ جملان. يعلم أي هو جملان وأي قبيلة ينتمي. -خطبتي يا عم الوافي؟ -يا ولد مالك عندي بنيّة، رح الله يهداك وكمل دراستك. وانسى حنين إلا بنتي لا تجيب لها الطاري. -والسبب يا عم، ليه رافضني؟ يردف بقلة تهذيب -يا ولد يا تجي تبارك مثل العرب المسلمين أو عطني مقفاك. -يا عم قلبي متوسم بقلب ببنت عمي. الوافي بغضب -اقطع! يا ولد ما صار نصيب بينكم .. تعال بس بارك لشيخ جملان. (بين لحظات التجلي ولحظات الشتات هاهو خليل! روحه التي بقي بين الشعور، يسمع ثورة حزنه التي بقيت على بشرة وجهه الأسود المكتوم من الغضب، انطلقت من فوهة بركان قلبه الذي يتلظى على نارِ الهوى) وبغيرة الـرجولية يردف -السلام عليكم .. يا جماعة الخير يا المليك ما يجوز خطبتن على خطبة.. وكل ديار الوادي شرق تشهد إنها خطيبتي من صغر وغيرها خطبتها، وشهود أبوها اللي هو عمي الوافي، و شاهد الله قبلها و ثانيها أنا. الوافي -والله إني يوم تبدي هرج عمك يا ولد باتل خليل نظر لشيخ القبيلة .. يقف أمامه بثوبه المهترئ ملطخ بزيت السيارة، وبقع سوداء منتشرة على وجهه وكفيه وأسفل ثوبه الأبيض نظر شيخ القبيلة جملان ثم ابتسم للمليّك -يا الوافي دام إني ما أحدن سبقها وولد عمها وقدام الوجيه السمحة والمعشر الطيّب .. البنت من بيت الكرم والجود ولا به مانع يوم تبديني عن ولد عمها. -يا عليك في حاميات اللواحي إن مد البحر قصر! وإن هطل المطر صار -وادي يا الشيخ جملان. ضرب بحجر الوافي ثم التفت لمملك -من أول إن فاز وحل اللغز صارت من نصيبه .. وعز الله إنه الوادي يا ديار شرق. مضى عمره في بناء سفينته، وعندما انتهى جف البحر، وعندما تحطمت هطل المطر فهذا اغتراب الأربع السنون ووجدانه منقلبٌ وهكذا حياته بها منعطفاتها ومتغيراتها كثير، فلا يأس ولا حزن ولا بؤس. فهذه هي بداية من محطات حياته. -أنا قلت ما بخاطري يا الوافي، ولا تغضب من حكيي. الوافي نظر في خليل -تقدر تطوى البعد يا خليل .. متى عمرك سمعت إني موافق. علم بأن عمه سيحرجه أمام رجال الوادي شرق -ميثاقنا كان أجمع المهر يا عمي؟ وجمعت ربعه وأنت خابرني. المملك أردف بصوته الوقور -إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. الشيخ جملان فابتسم بحكمة -أنا شايف وعارف الوافي رجال طيَّب .. والمهر كم اللي ينقصك؟ خليل بضيق -أدبره يا الشيخ جملان -قلت لك كم اللي ناقصك؟ خليل -متيسره يا الشيخ، ما طرى لي طاري إنك بتصبح لي خصيم، إلا بالله ند ولأني بقدرك .. يا عمي أنا أبي أملك على بنت عمي في هالمجلس الطيَّب وباقي المهر…. -اعتبره عندك يا الوافي الوافي بتفكير يقلب زاوية الموضوع من عدة أسباب فهذا هو ابن أخيه باتل .. الذي نشأ وترعرع على يده، هذا الطفل الذي تلمذ على يدين الوافي! أتاه كشاب فتيّ كعائدٌ يطالب حنين، ابنته الصُغرى. -قلت حشمة وجيه تعنت ليّ، والشيخ جملان يأمر واحنّا ننفذ. تعال يا خليل دنق وحب رأس عمك، وأنا عارف والرأس ما يدنق سوا في سجوده. فابتسم خليل أقبل يمشي بفرحة شاب، أذاق شوقًا بقلبه المتيم، خفض جناحه وقبل رأس عمه والقى تحية. الوافي بتقريع -شكلك طبيعي يا أبو باتل، وجهك وثوبك مرقع بهالزيوت، قم اتروش هالحين وعلى بال ما يتقهون الوجيه الغانمة. نظر ليده فهو ركض بقلبه لعلَ اللحاق بحنين بمظهره كمتسول، ودهشته كمسافر، وفراسته كبدوي، ووجه أطيان كأمير، وبلاغته كمتحدث، ثم يأخذون سيفه حنين يحاربونه، قلمه كشاعر، وريشته كرسام، وصناعة يده كبحار، زرع هذا الحصاد، زرع هذا الصبر فكانت نتيجة بأنها ستكون حبيبة القلب زوجة. -أبشر ياعمي، عن إذنكم يا جماعة. الوافي نظر للملك وثم لشيخ جملان : تقهوى يا الشيخ جملان. * * تلك الأشياء التي ركضت من أجلها يا خليل، خرجت من مجلس الرجال، مشيت عبر الفناء، طرقت الباب صالة -يا عمة.. عمة عجايـب. اقتربت من خلف الباب -سم يا عمتك.. خليل! فابتسم خليل -ايه بالله خليل يا عمة أبي استأذنك أبي أتروش سريع ولا عندي ثوب جديد، إن به مجال أحد من بنات عمي يجزاهن الجنة تغسل ثوبي عساني اتزيين به قدام الشيخ جملان و الرجال والجاهة. فضربت صدرها فتون بخوف -يمه ذا من صجه خليل، لا يكون انجرح قلبه بما فيه الكفاية. أردفت عجايب : وشوله تغسل يا عمتك. بيني وبينك يا ولدي أنت طيّب؟ تبيني أكلم عمك؟ خليل بإستغراب -يا عمة وتكلمين عمي ماهو بفاضي، يقهوي الرجاجيل. تغريد التفت لوالدتها بحزن سكن في عينيها -يمه وش ذنبهم؟ يمه تكفين ردي اللي بعقل أبوي! دمعت عينيها قهرًا وكمدًا، على ضياع ابنتها : الله يعوضها أختك، شكيت يا أمك مير ما بيدنا شيء، أبوك قسم ظهرنا لا حول ولا قوة إلا بالله. * * أرض الأوتاد لوجوده المستمر الذي يمده بالوجود، لأنه البعيد الأقرب من كل شيء، لاحتياجه الدائم إليه دونما إحتياج لمناداته اسمه بلا صوت، ولصوت السباق، ليقظة أحاسيس بقلبه، ليقظة قلبه بها. لأنه العمر الذي يحب. والموت الذي لا يشتهيه إلا إذا فارقها! ولأنه الخراب الجميل بداخله و السلام في إحدى المقاهي العتيقة، الجلسة المتواضعة طاولة وكرسيان متقابلان ، يجلسان معًا ! يفر هاربًا من نفسه، من خوفه و توجسه، من الليالي السوداء الراحلة، شيئًا يختنق بعض جراح النازف من قلبه، وليل الفراق الذي أصبح طويلًا، هذا البُكاء الخفي حزنه وتحدَّى به تلك الأرض التي سُمِّيت باسمه (وتد) * * الماضي البعيد هناك بين حنين القلب ما قبل نهاية و بداية القصة جرحُ الذي تألمَ، اليتمُ الذي عاش في عين الواقع، وقفت أمه تطرق الباب، والآه الشاسعة من الجدران الأربعة التي سمعت وشهقت ومن ثم خرّت صامتة، وجهها وملامحها، من جسدها الذي لا يغطيها أي عباءة، على هيئة صرخة مكتومة، ليس لها صدى ولا ضجيج مثل طلقة، التي تخترق جدار القلب من دون ترقّب. بالغضب الذي يسبقه، والارتعاش الذي يليه، بالألم من يملك السلاح، يغلق عينيه الآن على صوتها وهو يستعيد أنفاسه الثائرة من قلبه. -أفا يا أبو وتد، تطردني وأنا اللي كنت لك المره وزوجة والأخت وصديقة، وش صار ليه ترميني كِذا في الشارع! الله يخليك يا سهم افتح الباب، فهمني بس وش صار؟ * * الآن بالوقت الحاضر (صار الأمس ذكرى يا وتد! فكيف يخون الوِدُّ والعشرة، كيف الجرح يسأل الهمُّ و الفراق، كيف!) كان يضع أصابعه بداخل إذنيه، لا يود أن يسمع ويتذكر تلك الذكريات, إلى اللا مكان واللا زمان [ حينما فجر بصراخ صم آذانيها، كان صمتٌ الثقيلٌ حوله، تلك الأطيارُ التي غادرت من أعشاشها، ينطق هذا الهم، حتى الرغبات التي فاضت ندوبه، الموسيقى المقهى تخفت حينًا، وأنفاسه تهدأ وتتلاشى تلك الذكرى. ] بداح نظر لصديقه الذي يتوارى خلف هذا السكون المخيف، بوجع يحمل نظراته القلقة، بدأ يفتش عن أي ثغرة، يحاول أن يتكلم ينزعه فقط من اللحظات الصمت -يا وتد .. يا أخوك ذبحك الهم، تكلم شإللي صاير لك؟ بوجهٍ مقهور، حزينًا مظلمًا مرعبًا أسود : وش أحكي يا بداح؟ عجزت ألقى مخرج! بداح -حطني على يمناك.. يا أخوك قلت لك لو تبيني أخوك وعضيدك .. أنا يمك. في الحقيقة لم يكن يحاول أن يتكلم، بل كان على مدى ليالٍ طويلة يحاول أن يصرخ وتنتهي محاولاته بالفشل. ليس هذا فقط الغريب في الأمر أنه وعلى مدى ليالٍ مضت كان يحاول أن يتكلم فقط، أن يصف ذلك الشيء الحاد الذي له زوايا مغروسة في قلبه. يقف في حنجرته مثل شوكة تثير الغثيان، فلا قادر على الاستفراغ ولا ابتلاعه. بوجه المكتوم مهموم وتد بصوتٍ متحشرج -بتتحمل مواجيع وتد يا بداح؟ بداح -ازهلها. وتد شخر ساخرًا -عسى قلبك يتحمل! * * الماضي البعيد كانت ذكرياته تنطق بحنينٌ قلبه! آهِ لو يدرك من اللقاء الصمت المملِّ .. أتراه لم يكن يمشي وحده وظِلُّه؟ كانت الظلمة تمتدُ إلى الأفقِ الغريب، تذكر صرخته التي هزت جدران البيت، في الظهر الذي اظلمَا وكأنما السماء تشعر بصدمات البشر. فركض سريعًا وتد بخوف -يبه يبه هد أمي .. يبه! أم وتد تبدو مشوّشة ومهزوزة أيضًا -جعل حوبتي ما تتعداك يا ظالم، تظلمني يا سهم! طنين يبلغ ذروته في الصمت، حتى فجر يصرخ -عساك تردين أولى، أنتِ مره ما تمرحين عندي الليلة، اظهري مع ولدك، أنتِ طالق، والله مانيب رجال كان جلستي ليلة عندي. بعبرة تدمع عينيه، يرى ضعف أمه، وخوفها بل ضياعها : يبه، يبه وشوله تضرب أمي. صرخ في وجهها وسحب من عضدها حتى يلقيها على الطريق تحت حرارة سكة الملساء الحارة : انطم لا اضربك يا ورع، تقلع مع أمك، وشف هاللحى إن رجعتك.. طسي شوفي بلاك بعيد عني. وتد صرخ بأبيه : ما تضـرب أمي، عباية أمي! يـبه عباية أمي. ضمت ابنها وتد بحسرة على صدرها : حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ظالم، حسبي الله ونعم الوكيل. وتد، نزع ثوبه الأبيض ووضعها فوق رأس أمه : يمه نمرح بيت جدي فيصل .. قومي يمه. أم وتد : نهاية أمك بوضعها الحزين .. وتحسب جدك فيصل يستقبلني.. قم نمرح عند أم فؤاد قوم يا وتد. نهضت أم وتد بظهر قسم (البعير) .. تمشي بحزن المترنحِ ومادت بها دنيا وأسودت كما الهموم التي تحل على قلب الإنسان فهي بلا مفر. * * نظرت في أم فؤاد التي ضيقت عيناها بضيق -الهم ذبحتس وأنتِ مالك إلا الونين عندي، ورجال ذا طيب مير عيبه واحد يا سيوف. سيوف بهم -ثلاث سنين وأنا عندك يا خالة بأرض الأوتاد أشهد لك بالخير، مير الوكاد إنه الحزن ملفاي واشقاني يا خالة أنا موافقة عسى بس أسكن هالولد الي بريته إنه ضحية، حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا سهم، حسبي الله ونعم الوكيل. -ضاع عمرك وأنتِ تحترينه، عقب العشرة يرميك رمية الكلاب وأنتِ أعز وأشرف بنات أرض الأوتاد! أنتِ نسيتِ هاك السنين يوم إنك ولدتي قلتي ما تسمينه إلا بوتد. -اشلون بأنساه يا خالة؟ أنا معك المهم رجال يصوني ويلمني من ألسنة الناس يا خالة، وش عيبه؟ نظرت وهي تلف ملفعها خلف أنفها من شدة الخيبة -ينادونه هميم بن ذهال .. أمه سعودية مير أبوه أجنبي، وشرطه إلا يبي مره سعودية.. مير كل ما تقدم رفضوه يعدونه أجنبي! فابتسمت سيوف بأمل طفيف -صارت يا خالة، علميه أن بنت فيصل موافقة عليه. * * الآن - الوقت الحاضر اليوم الأول من عيد الفطر في بيت الشعبي آل العوف في مقلط الديوان تستند بعكازها تساعدها إحدى ابنتيها غيوض -يمه احنا بالمقلط، وهذا ولد سهم مقبل علينا. -ما جاء ولدي عوف؟ جاء سبع وثمان ونص وما جاء! جات 11 .. الله يهديه مو بيجي الاعياد يوم ضحك رائف -يا مال الجنة يمه، أنا ولد ولدك حفيدك رائف بن سهم. فضحكت بوجه حفيدها رائف بن سهم -ايه ريحتك من بعيد أعرفها، مير وشوله وينه فيه أخوك وتد، وينه به؟ -ايه أخوي الله يرحمه بالجنة يا يمه، شحالك عساك غانمه؟ غيوض بحنق ترمقه -رائـف! هو وقتك. دمعت عيونها من الفراق وشدةِ الحزن -وليـدي وتد وينه؟ جيبوا لي وتد غيوض تنظر بغيظ لعيون رائف -أبشري يمه، عوف مشغول يمه خبرك بالأعياد ما يجي. رائف ابتسم لعماته الخمس -يا ما شاء الله، أجل عمتي جملا وينها؟ أردفت إحداهن، تدعى هدايف -كأنك ناسي إنها سرت بلم الكويت، أنت من دخلت العسكرية ضاعت علومك يا ولد سهم. -المهم كل عام وأنتم بخير يا عماتي، وأبوي يتعذر منكم شوي مشغول. أردفت ساخرة غيوض -أبوك، يتعذر بالجيه الله يرده لعقله وأنا عمتك .. استريح وعلمني عنك؟ أردفت أم سهم -وينه وتد؟ وراه ما يرد ليّ الصوت! غيوض -يمه وتد مات من سنين يا يمه، الله يرحمه ويغفر له. أم سهم -تفاولين على ولدي؟ هاتوا وتد، أمه سيوف علموها إنها عيدنا وراه ماتجي تتغدا معنا وتفطر وتتعشى، ازهموها. غيوض -أبشري يمه أبشري، رائف لا تنسى تمر على بيت الوافي وتعطيهم من المقسوم. رائف -ليه ما تدرين يا عمتي غيوض، أن ليلة عرس أغلى بناته البنية اللي الكل تغنى فيها من جمالها ودلالها. فضحكت غيوض بخبث -وأنت وش تبي من بنات الوادي شرق؟ اعترف يا رائف. -بعد أبو قلب الله يهديه مدري اشلون ترك بنت عمه لشيخ القبيلة! غيوض بقهر -لا يكون تقصد أصغر بناته. رائف -هالله الله .. إلا هو لكن العلم الغانم، هالخليل ماهوب بسهل أبد، امتلك زمام المجلس وقال أنا خاطبن بنت عمي وهي من صغر ليّ. فابتسمت غيوض -يمه تذكرين بنت عجايب أصغرهم. نظرت للجدار بحزن -بنت عجايب، ايه دنيا هذي تنصر وتخسر .. وعجايب ما الله رزقها بالولد مير بناتها عن عشر رجال غيوض -انشهد يمه، رائف يا عمتك وراه ما نخطب لك أكبرهم البنت حشيمة وأديبه .. وكل علم زينٍ فيها. رائف -والله ياعمة أنا من يدك هذي لذي، مير تقدرين تطاوعين قلب أم رائف. تنهد بقهرٍ -ازهلها أنا اللي بقنعها. فابتسم رائف -تم. * * صباح العيد الكارثي! أي منطـقٍ وأي حكمةٍ تأمرها التنفس في مكان على وجه الأرض أشبه بمنزل صغير كانت مستلقية بانكسارٍ على السرير، ترمي جميع الكتب بإنهيار تصرخ بمليء صوتها -كلكم كــذابيـين، كلكم، مستحيل أخذه، مستحيل! تنهّدت بحزن وهي تتأمل إنهيارها المفجع -تكفين يا حنين، اقبلي فيه، عشانك توك بعمر ١٩ ، عشان شروق، تعرفين أبونا، ما اختاروك إلا بالاسم، دخيلك، شيخ القبيلة كيف بترفضينه؟ حنين -ما أبيه، أنا باقي أبي أتعلم وأكمل دراستي، عندي أكبر مني، فتون و رحيل، وأنتِ تغريد، وش معنى إلا أنا أصغركم حنين! ليـه، وش مقصره في أبوكم ذا، يعني عشان ربي ما عطاه عيال يبيعنا كِذا كما الشاة، ما أبي أتزوج، تكفين تغريد، تكفين، وإلا عشان بنات الوافي، لا بد ما نقصر عن الوصف، تكفين يا تغريـد، والله لا أذبح نفسي لو أتزوج منه، تكفيــن انقذيني، شفتي كتبي، طالعي فيها، طالعي، ماهو كافي بالغصب الوحيدة اللي كملت فيكم تعليم، يبي يحرمني، ليه؟ تغريد تحاول أن تضمها إلى صدرها تربت على شعرها وبنبرة حانية -اششش، حنين دخيلك قصري صوتك، دخيلك خبرك أبوك ما عاد له عقل تكفين، أهِدي يا روحي. حنين بالبكاء .. بقلبها الأنين -يعني عشان بنات الوافي، تكفين يا تغريد، الله يخليك، طيب وش رأيك فتون تصلح له، كبير، حرام عليكم، مانيب بايره يوم ترموني كِذا! فتح الباب الخشب المهترئ .. حدق بأنظار الصارمة -وينك يا بنت؟ وراه هالصوت! حنين تقدمت إليه بجنون -يبه دخيلك، قله البنت ما تفكر بالزواج. الوافي -يابنت لا تزدين عن حكي أبوك. حنين ببكاء تنزل رأسها تنكب بخوف -يبه تكفى اليوم عيد .. صباحنا عيد الفطر، يبه اشلون؟ كِذا عيديتك لحنين موب تقول أنتِ لخليل ولد عمي يبه. رفعها بألم مسح دموعها واحتضنها بحنوٍ -لا تشكين بأبوك الوافي، وإن مرك واختارك من دون بنات الوادي، هو شافك زوجة عن الجميع، اشلون برد شيخ يا بنتي؟ -ماهو مهم يبه، يبه انفداك لا ترمي حنين لا تشوفني مثل الحزن والله يا الفرح عيا يبين بوجهي .. يبه أنت رحت وصليت العيد وأنا قلبي يصيح يبه. وضع أصبعه الإبهام -اصص يا حنين .. ارضي بقدرك يا أبوك يمكن لك حكمة ما ندري وش المكتوب؟ هزت رأسها بعبرة ومقلتاها الحزينتان -يبه قبل رأسها، نظر لفتون -جهزوها ليلة بتسري مع رجلها. دخلت عجايب إلى غرفة بناتها نظرت للتي تبكي الموت وكأنما علقت للقصاص، عيناها تذرفان الدموع وجه مُتعبًا كأن فتاة دفنت بجسد حي ! بحزن لتقول -خاف الله يا الوافي .. بنتك ترميها هالرمية بغضب الوافي استدار لوجه زوجته وبنبرة أمر وحكم لا نقاش فيه -لا تناشبيني بحكمي يا عجايب .. قولي سم وحاضر عجايب تحاول تلين قلب الأب الذي يعشق ويدلل فتياته الخمس، تحاول أن تبلع غصتها العالقة بحنجرتها -صغيرة عليه، كل هذا عشان نظر في استخفاف لها وبوجه الكدر أردف -ايه عشان إللي برأسي يا بنت فضل. * * السابعة مساءً قلب الديار الوادي شرق تحت أنقاض ورشة السيارات كانت آخر الذكرى .. وأول ما أفيقُ. بعمق الخدر المتسلل عبر عروقه استرخى مغمضٌ عينيه، ينفلت من بين أصابعه بضع وعاء من بقايا المحلول الأبيض فيه، ليستقر في النهاية بين قدمي على أرضية السيارة المنطلقة بأقصى سرعة تلتهم الطريق المفتوح أمامها .. كل الأصوات والموجودات في لحظة حوله تلاشت، وكأنها برهة سكون .. انفرجت بعدها على صورة وحي عقله .. كل أبواب الخيال .. الهواء البارد المتدافع من النافذة المفتوحة إلى جواره يستقبلُ وجهه مستمتعًا للطماته، تبدو أنفاسه مؤهلة لاحتوائه. هذا الطيرُ الصغير الأزرق في الأفق من خلف سحبٍ رمادية بدد جناحيه تكاثفها، رأه مقتربًا مني .. ولا يفصل بيننا غيرُ فراغ -أبو قلب، أبو قلب، لحق … لحق صرخات محذرة لم يعرها اهتمام قبل لحظات من دوي ارتطام مرتفع؛ رج كل كيانه معه. شظايا الزجاج المهشم كذرات لؤلؤ، وصوتٍ من بعيد -حنين بتعــرس لشيخ القبيلة، وليلة عرسها أنوار احتفال على بيت الوافي. -أبو قلب! أنت تسمعني؟ أقول لك حنين. رمش عيناه بخوف -وأنت وش معرفك؟ -الحين كم لك جاي من الجبيل؟ لك يومين وعمك جالس يتعذر ما يبي يقابلك.. هزلت الوافي يرد ولد باتل! من متى؟ سحب نفسه وصوت يردد بينه وبين نفسه هل آخر ذكرى يا حنينٌ. * * مساء العيد في غرفة الأخوات الخمس كانت تبكي بليل كئيب ويوم عبوس تغريد -حنين لا تفضحينا .. لا اللي رحنا صلاة العيد، ولا اللي عيدنا. وماذا عساها تقول يا تغريد النحر يوم لها، يومُ بؤسْ، يومان.. آخر ضحكةٍ، وآخر ذكرى شروق بخوف -تغريد أبوي وشوي يجي ويكلمها، وبتوقع! وهي ماغير عيونها تبكي. رحيل بتوتر -خلونا شوي .. أنا بأعرف أشلون اخرجها من هالمود. شروق بعطف مسحت على شعر حنين الطويل جدًا -الله يمسح على قلبك يا عيون أختك، بأسري أساعد فتون بالقهوة والشاي. رحيل أتسعتا ضيق عيناها، تتأكد من خلف الباب بأن لا أحد هنا، ثم اغلقت الباب اقتربت تجلس على طرف السرير تمسح بكاء أختها -حنين يا قلب رحيل اسمعي، هالحريق ليلة بنطفيه، والله ما أخليك تأخذين الشيخ ولو إنه ما أحد يرده، لكن أنتِ غير، أنتِ بنت الوادي بنت العتيق بنت الوافي أخوات فتون ورحيل وشروق وتغريد. نظرت فيها بغرق -نطفي حريق.. ابتسمت رحيل -لا تخافي .. لا تخافي تذكرينه؟ فضحكت بأمل -اشلون؟ * * (( لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم ! .. )) قطرات المطر تتساقط من السماء إلى فناء ذلك البيت العتيق المظلم بإضاءته -عيد، عـيد يا مجد ومطر. مجد بقهر -ايه عيد رفا، عارفه وأدري.. انقلعي لصحبتك حنين أبرك لك من الحنة فوق رأسي. -وين أسري لحنين وليلة عرسها! لا تقهريني؟ نهضت مجد بصدمة -عرس مين؟ أنتِ شايفة وقت عرس وبأول يوم بالعيد! هو تخبل خالي الوافي؟ رفا بحزن -هذا أنتِ قلتيها على كبره خالي تخبل، قومي.. أمي حالفة ما تسرين لحنين إلا ومجد معك. مجد بتأفف -أنا اخبر ناس يندسون بغيبوبة العيد ويتعذرون ولا لهم خلق، وأنتِ من أول يوم تبين تطبين لبيت خالي الوافي ولا وبيوم عرس بنتهم بعد! أنتِ شفتيها اليوم في صبح جايه تبشرني يا قلبي أن خليل عود! وبالليل يتم عرسها على غير خليل! ولا ومن الشيخ جملان بعد! وش من عليك حظ يا حنين يا بنت خالي؟ -خالنا من أم أمنا! يعني واجب علينا نزوره مثل ما كانت أمي تلزم، يله مجد تكفين أبي ألحق على حنين، والله أحس إنها شبت حريق بوادي شرق.. يالله تستر المجنونة ولا تذبح نفسها. * * وأن كل شيءٍ على ما يرام عناقها لتغريد التي احتضنتها، للوهلة الأولى قصة شعرها كاريه سويدي بخصلات الكستنائية، قميصها التي بلون العاجِ مطرز بدوائر بقصة بيضاوية بدلع أكمام قصيرة رحيل بجنون -يلا ما صدقت أمي عجايب بصالة. تغريد بجنون -أوعديني حنين تكونين بخير حنين بدموع ابتعدت عن تغريد -ما أوعدك يا تغريد .. تكفين قلب عجايب والوافي هونيها عليهم تكفين يا أختي. رحيل بهمس حانِ -يلا ألبسي عبايتك، بسرعة يا حنين. ترددين اسمه عشرون مرة -خليل لا جاء لا تكسرون قلبه. رحيل -همك خليل .. خالته بالجبيل لا تخافين يلا حنين مابه وقت، السيارة بعيدة عن مفرق الوادي، اعجلي تغريد بدموع -رحيل أنتِ واثقة من ذا الحل! رحيل -ايه واثقة، أختك ما تبي تعرس، والوافي لا عند والله ما أحدن ينزل الي برأسه بنرجع بعد أسبوع مثل ما اتفقنا. في كل خطوة كانت تلتف تغريد بتوتر، عندما راقبت باب صالة المغلق، وباب مجلس الرجال، في ممر بسيط، فتحت رحيل وهي ترمى الغطاء الوجه لتخبئ ملامحها سوى أنفاس حنين الخائفة من خطوة الجنونية، المرعب بأنها لم تكن مقتنعة لكن يد تغريد قابضةٌ قاطعةٌ، في لحظةِ نجاةٍ فعليةٍ، ستفعلها، ستهرب، وسيستيقظ من أقاويل الناس "عروس الوادي قد هربت في ليلة عرسها!" حنين -تراني على حد إلبكــى، أمي لا تبكيني يا تغريد، عجايب لا تبكيني بأرجع. رحيل دفعتها للخلف -اشش .. مآثم حزنك حنين، ماهو أصغرنا تأخذ بذنوبنا الكبيرة. مشيت بخطى سريعة .. حملت في ضجر شوارع الوادي فرحتها الموءودة، والخوف يلقيها في الطرقات تتمايل بفعل عباءتها الواسعة طويلةً تطوي بين يديها وترفعه، وتغيب في صمتٍ، والليلُ كان شاهدًا على ذاك المشهد! بينما إحدى المارة كان يطوف الطرقات بلا ملل ولا كلل .. تحاول أن تتجاوز ركضُ ركضةٍ مع تهور أختها رحيل، لم تشعر إنها لمستُ الفراغ من بعدها، وقدماها التي ركضت قبل قليل، سقطتا في الحذاء …. يا للهول! آثار خطواتها لقد اكتشفت عندما وصلت إلى مفترق الوادي، شعرت بالدم الذي سطر نزيفًا كانت تسير عاريةٌ القدمينِ فوق السكك! -رحيل يوجعني. رحيل -تحملي حنين .. بنمشي على أرض الوادي، خلصنا من خطر الأول وباقي المنحدر نعديه ونشوف الأمان. أنزلت رأسها المنخفض تسحب خفي حذائها (شبشب) تساعدها بارتداء الحذاء بين قدمين حنين -هذاني بأحفي عنك، يلا. * * أيتها القريبة مني البعيدة كلام البعد ! الفاصلة التي بيننا الموثق بحاضرٍ وغائبٍ في مستقبلٍ ! المنسية بأزمنة بعيدة قريبة كذكرى ففي قلب الحنينٌ وحنينٌ بقلبي، * * انتهى الجُزء الحنين الأول. #عمر_الغياب_عبير التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 28-07-24 الساعة 01:56 AM | |||||||
14-02-24, 03:58 AM | #3 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 9 والزوار 4) مَلاك, عمر الغياب+, برد الطريق, ألماسةسعود!, ام الشبل, حنين الرِيّمي, صباح مشرق, برجيت برجيت, zezeabedanaby تبهرين قلوبنا بسماحة قلبك عبيري.. ياكثر الفرحة والله.. الله يجعلها بداية خير لك يا حبيبتنا ✨❤️ وأجمل التقاطة سيلفي. | ||||
14-02-24, 07:21 PM | #5 | |||||||
| الحنين (1) - الجزء الثاني الحنين (1) [الجزء الثاني] * * هو مدرك أن كل لحظة تغلق فيه عينيه، خسارة من النور، المياه التي تتساقط على جسده، يرفع شعره الأسود الكثيف يتلقف المنشفة من حامل الباب المعلق، يمسح وجهه وجسده، سمع طرقات وفتح الباب بعد أن تناول من يد عمته ثوبٍ جديد آخر : خذ يا خليل، ذا ثوب عمك الوافي، وشماغ جديد بعد. بنبرة صوته حرجًا منها، ومن حنانها الكريم : جزاك الله خير يا عمة. ارتدى ثوب سريعًا، يعلم رائحة الزيوت لم تبعد بعد، لكن مظهره الآن أقل رحابة من قبل دقائق قليلة، ثوبًا أبيض بسيطًا عدل هندامه وشماغه الأحمر تأمل جيدًا ملامحه عبر المرآة التي كانت في منتصف الممر الفاصل ما بين مجلس الرجال و الصالة وغرفة عمه وعمته، وغرفة بنات عمه الخمس، رفع عينيه للسماء الظلمة الحالكة والأنوار المشتعلة على سور حول بيت عمه الوافي، كانت المسافة التي كانت تفصل عن وقوع الكارثة! أثناء دخوله للمجلس خليل جلس بجوار عمه، يأخذ بدلة القهوة ويدور بها أمام الجالسين بصمت. ثم عاد ليجلس بقرب عمه بجهة اليمين، ومليّك بيساره وهكذا بدأت مراسيم عقد القران، موقف صعب حينما خرج عمك وليك و ظهيرك وسندك! كان الموقف أجل من الوصف كان أكبر من الإحاطة، روحًا تنتظر بشارة قبولها ، كنت ترى بعين عمك الانكسار والخيبة، وقفت بتوتر عند نهاية طرف الباب، وشتان ما بينكما أنت يا خليل برد صاقعٌ، وهو مهما برد قلب عمك الوافي، حريق يتلظى في السعير! -عمي شبلاك؟ واقف في ذا البرد! سارا معًا، وهو يتحدث بهدوء، حينما دخلا معًا للمجلس ليجلس على ذات جلسة، نظر للمليّك ثم لشيخ القبيلة ونظرة الاخيرة كانت نصيب خليل مملك -وش صار يا أبو فتون؟ نتوكل على الله. الضيق يملأ صوته، وملامحه -والله مدري وين أودي وجهي منك يا الشيخ جملان، امسحها بوجهي وأنا عمك. بتبرير كاذب -البنت تعبانه ولا هو قاطعه خليل بثقة -ما راح يصير إلا يرضيك يا عمي، إذا ماهو ليلة نشوف يومن ثاني. كان طوال الوقت يسمع ويرى، لكن عقله يسبح للبعيد بشرود، خليل الذي وضع عضده على حجر عمه -يا عمي الوافي، رجال مابه العشاء! الوافي التفت لوجيه رجال -العشاء بمخيم الميدان .. حياكم الله يا الضيوف اقلطوا. قبل أن يقف الوافي سبقه بالوقوف خليل عند رأسه قبله وبقلق -عمي أنت بخير؟ الوافي برجفة يده، وعقله يحاول أن يثبت صدق أقاويل وصرخة عجايب التي تخبره بأن حنين هربت، طفلته المحببة المدللة هربت! إلى أين؟ وبمودة كبيرة -عمي. فتح أزرار ثوبه باختناق -أنا بخير، أشرف على العشاء يا خليل .. شوي وألحقك. -أبشر. زفر الوافي نفسًا ضيقًا، يملأ ملامح وجهه الكدر .. يشعر باللوم ؟ ماذا أفسدت قلب أباكِ يا حنين آواهٍ! من ألم يسكن حنايا القلبِ العذاب المر .. والقلب أحترق والله قلب أباك أحترق خوفًا عليك! أين تسيرين في قلب الوادي ؟ بعد خروج الرجال.. بقي المجلس فارغًا. دخلت فتون بخطوات خائفة جلست بالقرب من قدميه تحدق لعينيه شاخصة -يبه، أبو فتون. اتسعت عينيها دهشة وخوفًا -مين فكرته؟ فتون تمسد قدميه إرتباكًا وخوفًا من غضب أبيها -يبه والله ولا أحد يعرف، مثل ما أنت عارف شروق جات بتشوف حنين بسريرها تصيح من صبح عينها عيا يطفيها إلبكى يبه، دورنا بكل مكان لا هي ولا رحيل! يمكن إنها عند رفا بنت خالي عبدالحكيم. بأمل طفيف -أسري بنفسك وشوفيها، قومـي. -إن شاء الله * * بعد ساعة من انتهاء وليمة العشاء، غادر يريد الاطمئنان على عمه فملامحه لا تبشر بالخير! عندما طرق الباب فتحت تغريد -حياك يا خليل، أبوي بالمجلس. أتى لعمه يحمل بقلبه خيبة منها! دخل بخطى مثقل (آه يا حنين ما أنتِ بفاعلة بقلبه!) خليل جلس بجواره -عمي، هي حنين صدق تعبانه؟ ماهو سبب منطقي لرفضي. أردف الوافي بقهر -البنت رفضتك، ما عاد لك عندي مره. (لا تفاصيل ذلك الموقف، لا ترى! موقف قبضةٍ وهيبة، موقف يشهد حاله وحال صوت قلبه أن عقله الذي يهمس بجنون رفض للفكرة برمتها! إلا حنين لن ترفضه أبداً، ولو كان على فراش الموت! لن ترفضه يبالغ بذلك. بل أصبحت لقمةٍ سائدة لن تمر مرار الكرام، الأمر الغريب بأن حنين تلك طفلة قد رفضته! كيف؟ انتهى أخذ عطائك يا خليل! هل مللتَ وصال حنينٌ! أم هل تبدل يومنا أم أمسنا عن قلبينا! هل عادت الدنيا .. هل كرهت حضوري يا حنينٌ؟ أشتاق لطفولتنا، أشتاق لمعركة قلبي يا حنين بعد أن حطمت كل الحروب التي بيننا، بعد أن شيعت نار الفرقى!) ساعة.. فقط ساعة ذلك رجل الذي طرق باب الوافي حينها خرج نظر فيه فهمس بخبثًا -ترى أصغرهم ثنتين خرجوا بلم منحدر الوادي، يا تلحق يا ما تلحق. خليل بقهر -هربت! حنين هربت يا عمي .. اجلس وأنا بأشوف. الوافي بوجه غاضبًا أردف -حية ميتة جيبها معك، سمعت يا خليل. أغلق الباب كما قبضة وأهداب عجايب التي كانت تبكي ضياع ابنتها -ضاعت بنتي يا الوافي، ضيعت حشاشة جوفي. صرخ فيها مزمجر بوجع -اسكتي يامره، بدل ما تنوحين كان انتبهتِ عليها، مير فالحة بصياح، حسبي الله عليها من بنت، والله ثم والله لو ما رجعت ٢٤ ساعة، شيعي جنازة بنتك، سمعتي يا عجايب. لقد وقع الأمر بلا فرار يا عجايب، ابنتك الصغرى غادرتك، غادرت الوادي بأكلمه، أتت شروق بدموع تملئ مقلاتها تحمل بيدها علبة صندوق العتيق، أمسكت به عجايب وهي تشهق وهي ترى أي عذاب عانت به ابنتها، وهي ترى خصلات شعرها الكستنائية، أي منفى كنتِ وأي هروب ؟ سقطت عجايب وهي تبكي على الأرض -اغلى ما عليها قصته يا الوافي، بنتك هربت من قهر، بنتك هربت من حال اللي رميتها فيه. صرخ الوافي وهو يمسكها من عضدها بحافة الجنون يعصر الغضب وشفرة الذي بذل جهدًا بلا هوادة تذكر -بعد ما ربينا وكبرنا، هذا هي ترمي كل شيء، وش من بنية تسود بوجهي وتكسر رأسي، سمعتنا صارت بالحضيض. نظر لبناته بشرر -وينها في رحيل؟ أختكـم وينها؟ حتى تأتيه الإجابة وتزداد قروح قلبه -سرت معها، والله إنها فكرتها وإلا حنين عمرها ما عصت أبوها يا ويلكم مني، يا ويلك يا عجايب مني. * * ثلاثون دقيقة، ساعة، ساعتان وهي يجوب طرق الوادي يسير على آثار دمها، طرق تستمر والوحدة تشكل هيئة، يسكن خرائط التيه، الحبُ، وموج زادت فيض دمائه، شعر بالخوف طرق باب خالها عبدالحكيم، ستكون مؤكدًا عند صديقتها رفا. فتحت الباب مجد -مين خليل بتوتر -حنين عندكم؟ مجد بهمس خجول من خلف الباب تقول -مين أنت! أردف بملل وقلق يلعب كوتر بساقيه يحاول ثبات -ولد عمها خليل. مجد بصدمة -أساسًا حنين ما جات. خليل بأمل ضائع -ماعليه أسري تأكدي. * * في المقابل غرفة رفا ومجد فتون نظرت لرفا -وين تروح يعني؟ رفا بقلب خائفًا على رفيقة الدروب -ماقد لمحت لي شيء حنين، فتون، حتى رحيل ما قد جابت الطاري! وين يسرون بذا الليل. فتون بخوف -مجد مين؟ مجد بحزن -خليل ولد عمك جالس يبحث عن حنين! يا ويلنا وين تسري؟ رحيل وين بتسري ماعندها صحبات! فتون بدموع تملأ وجه ذات ملامحها هادئة خائفةٌ ومن ممن تخاف، بل من فرط خوفها تسكنها أبشع الأفكار والأخيلة عن أختيها فهما لم يسبقا قد افترقا! مسحت وجهها بهم و حزن رقيق -مدري، وش بقول لأبوي؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. * * قبل ساعتين حين نزلن من المنحدر، انتفض جسدها حين تذكرت كم خطوت وهما يلتقطان صوت العجوز، بذراع القاسية القوية أم فؤاد -وين مسرين يا بنات عن الوادي! بتوتر رحيل -يا خالة أبعدي عن طريقنا. أم فؤاد بصحتها وحنكتها -أنتم من بناته! حنين بنبرة صوتٍ حانِ، رق قلبها لتلك العجوز، حتى تقرصها رحيل بصمت -اصص، ناقصين أحد يدري عنا. بفراستها كبدوية كامرأة لم تخطيء يومًا -الي معتس تون علامها؟ رحيل بهدوء مرعب، أردفت بثقة مزيفة -ما بنا إلا العافية .. أبعدي عنا يا خالة. أم فؤاد -مانيب موخرتن إلا وتعلمنن عن كل شيء، حتى عبيكن به من الغبار، أحد يلحكقن أنتن! رحيل علمت بأنها لن تنفك منها، ومن شر لسانها -ايه يا خالة بنسري لبيت عمتنا بعيد عن الوادي! أم فؤاد -الكذب خيبة، تعالوا معي بوديكم بلم بيتي وتعلمنن من أنتن! رحيل تدنو لإذن حنين بهمس خائفة أن تكشف أمرهما -يا ذا نشبة، وراه ما تفارقنا ذا العجوز! حنين تشعر بالدوّار لتتمسك بعضد رحيل بضعف، وهمس حان رقيق، وعليها الأعتراف بإنها ليست شجاعة، ألم يقال لا تخافوا، والقاتل يرجفُ، بل الغريق فخوفها من بلل الليل والأمطار التي هطلت، الأرض المنزلقة تريد أن تسيطر على خوفها -رحيل خلاص هونت نرجع لبيت أبوي، أكيد رجال خرجوا. رحيل بعناد -امعصي نرجع، سوي نفسك تعبانه عشان تفكنا يا حنين. * * منذ أكثر من ساعة، يمضي عبر طرقات تائهٌ بقلقه هذا كعلامة استفهام، يقترب منه رفيق دروبه -خليل! يا أخوك وش فيك، وجهك أسود! -شياب ماهو بوقتك شياب وضع يده فوق كتف خليل، نظر إلى اللحية خليل ونظراته الهاربة حتى منه، أتظنه آت إليك يا شياب ! -وش صار على عرس بنت عمك. خليل -ما صارت من نصيبه! ناسي إنها خطيبتي. فضحك شياب باللين -والله إني قلت لمفلح إن خليل رجال، تحطه على يمناك حتى هالخبل رائف من حارة أرض الأوتاد جاي ليلة يبي يعرف العلوم، تعرفه جاهلن فيك! خليل بشك -من هو الي جاء! -رائف ولد سهم الحارة اللي بعدنا علامك، لحقت الجبيل تنسيك حواري الوادي شرق يا خليل! -ما نسيت. حزينٌ ربما يا خليل، هذا ما تشعره الآن. حنينك هربت أتعلم بإنها ستكون عروسةٍ لغيرك ربما لذلك فرت بالهروب، مضيت نحو مركز الشرطة وأنت تتأمل المبنى تعود بخطوات للوراء -أكيد بترجع مالها إلا بيت عمي وبيت خالها عبدالحكيم. * * في إحدى الاستراحات كان يركض عبر الحوش سريعًا وصل إلى أنس الذي أمسك به من ثوبه الأبيض، جلسة شبابية وأرض ذات رجلان الذين يقفان يراقبان ذلك المنظر الذي لم يروه منذ فترة، مين يقين يحصدان الشك حوله! التفت لأنس، الشمس قد قاربت للغروب -وش يبي ولد عمك ذا؟ أنس -أصبر أبي أشوف ذا رائف، خلك من ولد عمي. ابتسم وهو ينظر في صديقه ضغط على مكبر سماعة الهاتف -وش فيك، وش عندك ماترد؟ أجاب بسخريته وفكاهته -كنت أغسل أردف رائف -تغسل! -ايه -من هو اللي بالاستراحة؟ نظر لصديقه بتوتر -ها! رائف -من هو اللي بالاستراحة؟ فهمس له بنبرة خشونة هادئ، فبدأ يعرف سؤال رائف العابث يقول له أنور -يا ولد قله تونا طالعين منها. أردف بتوتر -أنا و أنور. يهمس لأنور وهو يرفع يده -عاد اعترفت. رائف بصوت أمر -المهم جاي أنا وخوياي جايني لا هم صالحين لكم ولا تصلحون لهم. أنس بكدر -أفا ليه رائف -اطلعوا من الاستراحة وفضوها وعدنا بعد العشاء إن شاء الله. -ليه مانبي نطلق الوجه، رائف بن سهم. أنور يحافظ على هدوءه -قله أبشر .. أبشر لا قلت له أبشر كِذا أمسكه من إذنه -قله أبشر وبس أردف أنس -سم أبشر رائف -يلا سلام. أنس -هلا بغضب بعد أن أغلق الهاتف نظر لأنور -ياخي خلينا نطلق الوجه حنا والله ما اروح. أنور -أنت اللي رح. -والله ما رح، رح أنت يا أنور نظر له بحدة -استح على وجهك الرجال ايش قال، قال الرجال يا الربع اطلعوا من الاستراحة .. يا أنس الرجال جايين له الضيوف استح على وجهك ورح أنس -هو يقول لا أحد يجي أنور -خلاص أنا بقعد أنا -كل أنت أحد أنور -أنا يمديني انخش، أنت ولا يمديك تطلع -ياخي كلنا، بعد شلون تقدر تنخش، علمني شلون الطريقة الخش وأنا ماقدر انخش! أنور يحرك بيده بانفعال -بنخش وبشوفه من بعيد -طيب، أنت تشوفه أصلًا من قريب عشان تشوفه من بعيد. ماني برايح كزه على ذراعه -ايه ضبطني، خلنا نضبط موترنا نخش الاستراحة اللي جنبنا وندربل ونشوف ذا اللي بيجون فابتسم أنس -أنا اللي بدربل أنت ما يمديك -ليه ما يمديني؟ فضحك أنس -ما تشوف عيونك صغار -أنت اللي ما يمديك -ليه -خشمك مو بداخل بدربل! بعد مرور نصف ساعة -اشش تعال بس تضايق أنت خشمك بيظهر قبل ما تضايق نحو باب الاستراحة المجاورة طل من باب مفتوح نصفه -تدري أن خشمك أكبر من سكة الطريق أنس -مو ناشبنا إلا أنت ياخي حط ففمك شحمة واسكت، خلني اعاين. -طيب -ترى ما أحد جاء .. امش -يلا مشوا نحو بوابة أخرى كان يطلطل من خلف الباب الأزرق فهمس أنس لأنور -جو جو يهمس أنور -سكر الباب، خشمك بعد خلاني أشوف نظر فيه باستهزاء -مسوي إنك تشوف يعني -والله مدري -شف العب يراقبان من بعيد الذين يتحركون بفعل دراجات نارية ذات عجلتان ودخولهم من بوابة الاستراحة الرئيسية إلى فناء رقص أنس فاغلق الباب استدار يحدق في عيني أنور -كيف ما يكلمنا رائف؟ ليه ما احنا موب رجاجيل؟ -دبابات. -خلنا من دبابات، قسم بالله هذا رائف وأعرفه زين -يا أنس افتح الباب خلنا نشوف دبابات نقول لك فتح الباب أنس -رح رح. التفت لأنور -متأكد -ايه روح يابن الناس خرج أنس بخطوات نحو الأرض الشاسعة، وهو يرى خطوات القادم إليه من بعيد، ذاك العناد الصلب والغرور العاجي، الذي كان يتمنى بأن صديقه لا يورثها من عمه سهم، اقترب منهم مبتسمًا بثقة -ارحـب يا جار أنور استمد ثقته من ثقة أنس -ارحـبوا .. ما شاء الله تبارك الله ارحبوا، الله حييهم أتى رائف يرتدي بنطال جينز وتي شيرت رمادي لون، وجاكيت رسميًا أسود، وسماعة كبيرة حول عنقه بلون الكحلي، بعينيه غاضب منه، وقف مذهولاً، يتمالك غيضه يتحدث بغطرسته دومًا تتشبع بها صوته -وش جابكم؟ -جابنا. أنا ما اخلي خويي رائف أمسك أنس بذراع رائف -تعال أعلمك ويشير لأنور -تعال دخلوا نحو غرفة التي كانوا بها قبل قليل رائف بصوت الذي امتلأ بالغضب واللوم، لعل خصامه لهما يجعله ينصرفان أمام عينيه -مين موصي عليكم بالقروب؟ -حنا رجال مصالح، على عز رفيق نرفعه وإلا وش رأيك يا أنور -ايه صادق رائف مرر بقبضة أصابعه ضاغطًا بشدة وتركه باسطًا -أنتم تفشلون، ايه والله أنكم تفشلون، هذولي ما يصلحون لكم ولا يصلحون لهم يا عيال أنس نظر لأنور -أنا افشل! انور -ايه بحدة أنس -تعقب وتخسي، تفشل أنت رائف وهو يصر على أسنانه -بنجلس هناك وأنتم خليكم هنا. أنور أمسكه من ذراعه -والله لا اقعد معكم، ونحكي مثل حكيكم، أنتم كيف تحكون؟ بغضب أردف رائف -لابس مثل لبسنا أنور -ماله دخل أنس رفع ثوبه الأبيض -نفس وش رائف دفعه على الحائط -هم يحكون عربي رائف بضيق وكدر -ايه مخالط انجليزي بعد أنور ضرب بقبضة أنس -اووه ⁃ how are you ⁃ I am fine are good ⁃ Chat ⁃ How are you ثم صافحه بالأنف بابتسامة أنس وجدية أنور -كيف حالك يا طويل العمر والسلامة؟ أنور -يعافيك، كيف حالك أنس -حمدلله، يا ولد جربنا ذا المرة ما أنت بخسران أنور -رائف، والله إن نطلق وجهك أنس بكدر -أفا عليك يا أبو سهم، أنس وأنور عندك بأمر أنور -يلا يلا افتح الباب نظر رائف إليهما أنور -رح رح رحب برجال أنس بضحكة -ارحبـوا أنور -يا ولد رحبهم بالإنجليزي أنس -مرحبا ومسهلا حي الله ضيوفنا كان أنس يحتضن كل الشباب، فكان أحدهم يرتدي منديلًا يضعه فوق رأسه بمزح وفكاهة -محطي صبغة، وراه غاط شعرك! -أنس أنس أنور -خلك ثقيل يا أنس! أنور احتضن شاب آخر -اوووه من أمريكا، يا مرحبا ومسهلا يالله حيه فضحك هو، من ثم أمسك به رائف غاضبًا حانقًا شد أنس من ياقة ثوبه -هذي من أولها، من أولها! رد أنس فقال له -ياخي وش سويت؟ -من أولها طقطقون على الرجاجيل! صاحيين أنتم -ياخي شفته محطه ذا اللي برأسه أنور -أنت وش قلت له -محطي مثل ربطة! سألته وش به صابغ! رائف -قولوا بس هاي أنس (بعبط) -غنوي وياي هاي هاي فضحك أنور ورائف -أنت وإياه شوي شوي خلاص، هدوء أنور فتعداهم سريعًا -يلا يلا قهوة، قهوة قهوة يا رجال ركض أنس للخيمة التي تقع بقلب الحوش الاستراحة ممسك (بالهوند) سحبه رائف من يدين أنس -ما يعرفونه! أنور -أجل وش يشربونه! رائف بملل -قهوة سوداء أنور التفت لأنس الذي يجلس بجواره -أنس يشربون قهوة سوداء! اشار له أنس -عطني إياه، حرام عليّ يجون رجاجيل ويشربون قهوتن سوداء ، إن ما عطيتهم من قهوة مهيلة حطه هنيا لا يضيع. نظر أنور -محد يقدر عليك يا أبو متعب التفت لزملاء رائف، أردف أنس -ارحبوا في ذمتي كلكم يو ويلكم ويلكم، والله إن كل واحد يسوي لكم كرامة، وبنجمعكم في حق واحد ذا الليل واطالبكم تقولون تم اردف احدهم -والله أنا دايت -هاه! -دايت أنس -مين عنده وايت؟ التفت أنور لأنس -وش يقولون؟ أنور -مقفله ما يبون -على طول ضحك أنور -على طول. نظر بأنور بكدر -عطنا دلة يا ولد -دلة راحت مع رجاجيل -خويك رائف وينه، أذن المغرب وبعده ما جاء -مدري عنه مير لزوم اقهوي رجاجيل. اقترب منهم يمد لهم فنجان القهوة، لكن وجهيهم ترفض بإعتراض -ارحبوا يا مرحبا، يا ويلكم ويلكم، علي الطلاق لا اقوهيكم والله العظيم لا اقوهيكم ارحبوا تراحيب المطر. رفض احدى الجالسين -نفس وهواها، تفضل فقال أنور ساخرًا -يا ولد يشربون بلاك كافيه. أنس -يا رجال فنجال واحد -ما أشرب -كوفي يا رجال، يمينك بحماس أنس يحرك فناجين القهوة بأصابعه -قود، فري قود سحبه رائف -قم انقلع يرفع يده أنس لزملاء رائف -علي الطلاق يو ويلكم أنور نظر لرائف الذي يحمل بين يديه اكواب ورقية من داكن -أنا وش قلت لك يا رائف، أنس بيفشلنا أمسك بطرف الكوب رائف بغضب -تنفع فهم تهديده أنور -أبشر سم. * * الاستراحة المقابلة -موب أنا اللي اسكت عن حقي وينه أغلق الباب الحديدي العتيق، تقدم بخطوات يمثل الغضب نحو ممر دخل بمقلط الشباب فحضوره الهادئ ليركز عليه أنظار زملائه، فالهالة الخرافية تجذب لسحره، جسده الرياضي النحيل بدأ أنيقًا جدًا بثوبه الأزرق بخطوط كريمي، بحنطتيه الرائعة وشعره الكثيف المصفف دائمًا بأناقة، وذلك الذقن المشذب، حدة فكه وأنفه الشامخ، وعيناه الكسولة الفاتنة، وإن كانت وسامته المثالية ينشر ذبذبات التوتر حوله، عطره وملامحه المرسومة بدقة متناهية، كل شيء فيه يجعله مهيبًا وغريبًا عن محيط أصدقائه، فقط النظر إليه -وينه، وينه، هي هي جابك الله عساف يقف ويقترب منه، مما قاموا جميعًا إليه يقولون بصوت واحد -معين خير شياب -معين خير، معين خير قولوا لا إله إلا الله، أنا أبي هالرجال بكلمة رأس -أنور، أنور عساف ابتسم له -قل لا إله إلا الله شياب الأمور زينه تبي تنصلح إن شاء الله الأمور زينة أردف شياب -هي زينه هي زينه، بس ابعدو عن المجال أنور نظر لصديقه أنس ثم التفت لشياب -علمنا وش صاير بالضبط وش اللي مزعلك فضحك شياب ساخرًا -وش مزعلك قال لي كلمة قوية يا عيال عساف رمق بحدة لأنس، ثم ابتسم بهدوء لوجه شياب الذي يعبث بنبضات قلبه ويقع تحتها تحذير من العبث معه -لا لا وش قال لك -أنتم بس ابعدوا يا عيال -وش قال لك تعلمنا -قال لي يا عوبا -ها يا عوبا! هرب أنس وهو يردف، يبلع ريقه -اعوذ بالله من شيطان الرجيم، دقيقة وقف يهرب بزاوية المقلط فضحك شياب بتهديد -خذ راحتك، خذ راحتك أنور بتوجع يضع أصابعه اليمنى أسفل بطنه -اخ يا بطني اخ حدق به شياب ونظر لأنور الذي كان يمثل التوجع حتى لا يمسكه ويقتله بالضرب -لا لا خذ راحتك ما يخالف -تكفون يا عيال دفعه شياب للجدار -لا لا خلوه هنا خلوه هنا بزاوية. -المهم تعال وش أسوي فيك الحين، امردغك بالقاع كان يتوجع أنس فضحك شياب وتهديد -تعودها أردف أنور بمزح فكاهي -ابد علي الطلاق ما اعودها. * * في منزل هميم آل ذهال بالصالة الداخلية دخل وتد وهو ينادي والدته هي التي تجعل الحياة رونقًا يا أماه، تفتح من أجلك الأزهار، وتشرق الشمس أرض الأوتاد إلا لأجل امرأة صبورة مثلك (يمه سيوف) -يا أم وتد! يمه، يمه -اقرب يمه، يا لبيه فابتسم وتد وهو يقبل عينيها -اشلونك يا أم وتد اليوم؟ -اخ يمه لوني زينه ويسرك الحال. -وشوله متبرقعه؟ يمه! -ما فيني شيء! وشسويت مع أبوك هميم -قلبي يحن له يمه .. خبرك هو اللي رباني ولا اقدر ارد له طلب .. وهذاني باقي لي سنة وبرجع. أم وتد -لزوم هالدراسة يمه! وتد -يمه ما عاد بقى شيء على تخرجي! وأبوي هميم ماقصر دفع لي حق ثلاث سنين! ترم، ترم يا أم وتد وتشوفين أكبر مهندس بأرض الأوتاد. أم وتد -الله يحفظك يمه، معزم ترجع يعني. وتد -بإذن الله يمه .. أنتِ بس اهتمي بحالك وبحال أخواتي. أم وتد -اخواتك يا وتد .. ايه الله يعين يا أمك .. هالله الله بصلاتك يمه. أشار على أنفه -على ذا الخشم يا سيوف القلب * * ذلك الحزن العميق الذي تحجر في عينيها الواسعتين ما يبرح عميقًا ورهيبًا، عينيها من خلف النقاب بعد أن اضطرا أن يمشيا مع تلك العجوز، من خلف أهدابها، جامدتان لا تتحركان، بل حزن، وقرار لا سؤال، بل توسل رحيل -حنين تكفين لا تناظريني كِذا! كأني قاتلة لك أحد! حنين تهمس -ما عرفتيها رحيل، ركزي بننفضح، تذكري الخالة، هذي حارة الأوتاد، والله إني شكيت، نرجع لبيتنا تكفين يا رحيل! ما أهول السكوت والحزن، وهذا المرأة العجوز، ارتجفت أعصابك يا حنين، لكنها سكوت وخطوات المرأة، فشهقت رحيل بصدمة -يا خالة، معودين لبيتنا، اظلم الليل. العجوز التفت بحدة وفطنة -ما يمشي عندي طيش بنيات، مير دربكن بدرب بنات حارة ديار الوداي شرق، أنا عشت بين أرض الأوتاد وأرض هالوادي! اقلطن يا بنات عجايب. سكوت حنين رهبة وقشعريرة، صوت رحيل التي تخفي رجفتها -مين قاله يا خالة! شكلك مغلطة نظرت لها بحدة -وش مخرجكن عن بيتكن يا بنات الوافي! تحسبن خبل ولا أعرفكن. أجل عند عمتكم! غشمين تضحكن عليّ -محشومة يا خالة مير العجوز -حياكن وصباح رباح يا بنات عجايب. مضيا معها حتى دخلا عبر ممر ضيق ثم وصلا إلى عتبة بابها وضعت مفتاحها وفتحت الباب -ادخلن حياكن. رحيل نظرت على عينا حنين -مالنا إلا نطاوعها يا أختك. * * حزينة ربما، هذا ما تشعر به الآن بعد أن دخلا بداخل منزل العجوز الشعبي -تفضلن، افتشي وجهكن البيت بيتكن. رحيل -حنين وش فيك؟ حنين تحاول تستوعب خطورة ما فعلت -رجولي توجعني. فتحت شبشب حتى باطن قدميها مجروحتان -ظاهر بقلبها قزاز، من خوفي ما حسيت بالوجع! شهقت رحيل -اجلسي خليني اعاينك أم فؤاد -بجيب لتس دواء من يوم ماسمعت ونينك، اجلسن تتكئ على ظهر الجدار المعتق بالدهان البياض -ما خبرت دمك كذا يصب، حنين وش كبر جرحك وقزاز اشلون دستي كِذا وتحملتي! -يوجعك حنين بألم تنفست بوجع -هذا شب فيني ويحرقني وضعت راحة رحيل فوق ضلعها الأعوج -أنا لخليل غيره والله ما أخذ، خليل حضر عرسي مثل ما زل لسان شروق، غبنت قلبه، أنا ما أشكي ولا اعاتب لكن شجوني إني لا انكسرت مين يجبر كسري. رحيل بخوف -حنين! حنين بقوة غريبة -مسحي رجولي برجع وبأواجه أبوي، ماهي من سوايا حنين تروح هربانة، ماني معصية أبوي، قومي يا رحيل دخيلك، والله لا نبقى سيرة على كل لسان، أنا اشلون طاوعتك، بنرجع وبتقولين لأبوي رحنا يم المزرعة، ادري ما نسري إلا بسيارة، مير عسى أبوي الوافي يصدقنا، ما أبي اقهر قلب أمي عجايب. رحيل صرخت بوجهها -ماهو بحنين اللي كانت تبكي وتشاهق من إلبكى! وش بلاك! وش الحاصل لك! -ما خبرت إني بنزل رأس أبوي .. ما راح أعصيه. رحيل بقهر -حنــين! ما يسوى عليّ وأنا أجرجرك! حنين بعقل -لو ما طلعت لنا الخالة، كنا وين بنسري بذا ليول! رحيل -مدري أي مكان غير الوادي شرق، اثبتي رجولك بطلع القزاز حنين كتمت وجعها وهي تغمض عينيها -زين يا رحيل، أخاف قلب أمي تحاتيني أنا اشلون طاوعت هبالك للحين مدري.. * * لا يعرفون .. ماذا الذي حل بها ! لا يسمعون .. صوت الأنين القلب لا يفقهون .. إشارة انطفاء الضوء غير وجه جامد، وبراءة كليلِ اليائسين! * * ولأنها متعبٌة مثلها، دعيك من اسمها وعنوانها وماذا كانت. سنين العمر تخنقها دروب الصمت وجاءت إليها لا تدري لماذا جاءت، فخلف الباب تطاردها أمطارٌ شديدة، وأقدامها بلون الدم تسحقها. نظرت لعينا رحيل -بتجي العجوز قومي يا أختك، حنين -رحيل وش فيك خلينا أقلها نشكرها! رحيل بغضب على غباء اختها الصغرى -وش تشكرين على شنو يا حظي؟ بننفضح سواء عندها أو عند غيرها، قومي استندي عليّ. حنين بوجع -ما راح اخرج قبل ما أشكرها. رحيل -فكينا من المثالية زايده عندك يا حنين، يلا الوقت قرب يأذن الفجر خلينا نمشي. حين نهضت رحيل بمساعدة حنين التي كانت تتكيء على ذراعها، كانت تخرج الخالة أم فؤاد تحمل ما بين يديها وعاء به بعض من مكونات أعشابها -على وين يا بنية؟ رحيل تصك أسنانها كاتمة كدرها و غيضها -ما احنّا من بنات الوادي يا خالة حكيت لك نبي نلحق نسري لبيت عمتنا، وأختي موجوعة ماقصرتي. الخالة التي أمسكت بعصا الخيزران -اشش بس، من متى تخالفينن، افتشي هالقماش مالها إلا ضعيوي يا مال الغناة يا سيوف. كانت حينها تسمع طرقات على الباب -هذي هي وصلت اطلقي رجيلاتك وافتحي الباب، وراه به تناظرينن! رحيل نظرت لحنين التي ابتسمت وبهمس حانِ -عشاني مره كبيرة يا رحيل وش فيك صايرة لي مثل الوغدان! رحيل تكتم شتيمة تخرج من لسانها -والله الوغد اللي يطاوع هرج دلوعات. مشت رحيل نحو الباب فتحته حتى تدخل سيوف أم وتد -خالتي! خـالة أم فؤاد فابتسمت لها بترحيب -يا مرحبا، حي الله أم وتد، تعالي اقربي. أم وتد فتحت غطاء وجهها حتى يتساقط على كتفيها، امرأة الخمسينية العمر، ملامحها هادئة جدًا -الله يحيك ويبقيك يا خالتي ارابك بخير؟ -بخير يا وجه الخير .. تعالي عاونيني بنتين من بنات الوافي، خبرك تعرفين أمهم عجايب. شهقت حنين بخجل لتردف -خالتي صدق احّنا بنات أمي عجايب وأبوي الوافي. رحيل تخصرت بقهر -حنـين! سيوف اقتربت -عسى ماشر يا بنات عجايب وش علمكن؟ رحيل أمسكت بأختها بعناد -مابه شيء، يلا مشينا * * لا المجرى يأخذ الخليل! لا القرار يستبقيه هو التموج، جدلٌ بين الماء ونفسه جدلٌ بين الخليل والحنين فهي الماء وهو نفسه! لا شيء يهدئ الروح عمك الملتاعة، لا الشوارع ولا أنت يا خليل ولا حتى خيال! رافع وجهك إلى عمك الذي يرمقك بإنكسار -عمي بقهر الوافي أردف -ليت لي ماعندي هالبنات، ليت لي ماعندي بنات، اكسروني بهمهم لا بارك الله فيهم .. همهم للمات يا خليل، حسبي الله ونعم الوكيل. خفضت جناحك إليه تضع راحة يدك فوق حجر عمك -بترجع يا عمي صدقني حنين مالها غيرك، وين بتسري عن أرض الوادي، تلقاها مندسة هنا ولا هنا ما يصبح الصبح إلا وهي عندك بإذن الله. * * والرحيل من أين يأتي الفجر، وأين ينتهي زمن القتيل! صباح يوم العيد الثاني، ساعات الفجر الأولى حين طرقت الباب رحيل، تمنت أن تفتح لهما الباب شروق، لكن وجدت فتون التي فتحت وهي تهمس بعدم تصديق -رحـــــيل! وينكم فيه؟ دخلت رحيل وهي تستند أختها حنين فشهقت فتون بعد أن فتحت غطاء وجهها -عسى أبوي ما انتبه! فتون بغضب منهما -ما انتبه .. احمدوا ربكم اللي رحمكم بخليل هذا هو جالس بالمجلس عند أبوي. يمشي بخطواتٍ أب منكسر بلمحة غموضه الشرقية، يخرج من المجلس الرجال، اقتربت منه تسقط بثقلها كلها، تقبل قدمين أبيها -يبه والله العظيم، والله العظيم أنا سبب أنا اللي حرضتها نسري ونبعد، يبه احنّا بناتك. الوافي بقسوة قلب -بنتي رحيل ماتت، وحنين بترجع تأخذ خليل، لا بدون عرس ولا غيره. (أنا هنا يا خليل.. وأنت هناك! ما بيننا بحر و الوادي المنحدر - مسافة واضحة وكبيرة تمنع حنينك بأن تراك.) صمتت بحكمة حنين -قلبي مغليك يا أبو فتون، ما اعصي لك أمر، أنا موافقة على خليل وبدون عرس، لكن رحيل أختي مالها ذنب يبه. الوافي صرخ في وجهها غاضبًا حانقًا -مين أنتِ حتى ترفضين كلمة أبيك الوافي! هذي آخر ثقة اللي عطيتها لكم، تخبرين ولد النجار من مبطي يبيك عروستن له. شهقت رحيل بملامح شحب الدم من وجهها -يبه! صرخ بعينيه العميقتان التي لا تغادر ملامحها الحزينة -وحطـبه، كسرتي كلمتي ماعاد لك أب، لمي هدومك عقب ساعة أنتي معه. نظرت رحيل بعين حنين مصدومتان التي تخبرها -اعذريني يا قلب حنين حنين قبلت كتفي أبيها -أنت اللي حلفت علينا ما تغصبنا يبه، وأولها غصبتني على شيخ القبيلة. صرخت عجايب بوجهه بصدمة -الوافـي! والله ما ترمي بناتي هالرمية! خاف الله في نفسك العيد ولا به إلا حزن كايد منك يا الوافي! هم غلطوا ويتعذرون منك. نظر لها غاضبًا -مالك كلمة علي يا بنت فضل، بناتي واحكم بإللي أبي، ولا تفتحين فمك بكلمة، خل يجهزن عقب ساعة تسري مع رجلها. رحيل ببكاء وإنهيار -يبه أبوس يدينك، ورجولك لا تقسى في حكمي عليّ يا أغلى من روحي، والله العظيم ما هان علي أشوف بكى حنين غاليتك يبه، تكفى اعذرني يبه. دفع جسدها بقسوة حتى سقطت أرضًا ببكاء تضمها عجايب على صدرها -حسبي الله ونعم الوكيل، ليه، ليه يا رحيل! ليه بس. ابتعدت بجنون ضربت خديها بقهر -أتزوج ولد النجار!! يمـه! يمه قولي كلمة دخيلك. عجايب بحسرة -عزم أبوك الوافي، وش اللي بيرد رأيه، وشوله تهربهن هاه! اشلون! تدرون كيف كنت على احر من الجمر قلبي ميت خوف عليكن لا يجيكين بلاء! هي فكرتك يا رحيل رحيل بندم -ليتني ما فكرت، والله ما اتزوجه! حنين بوجع -خرجت منها، لكن طحتي بقاع يا رحيل! رحيل بقهر التفت لها -كله من غباءك! * * تاهت كل أمواج النجاة! لا تعرف المرسى يا وتد لم تتعلم السباحة يومًا في البحار؟ لم تعلمك الحياة سوى بغير الشمس أو نهار طويل بصبر، يا للصبر يا للحلم، وهم يعذبك كيف ستغيبُ مرة أخرى كانت آنذاك مضى على سفرك ودراستك شهر فقط حين تلقيت اتصالا من خطوط السعودية تحديدًا من كبينة أرض الأوتاد يرفع سماعة الهاتف بصوته الغاضب -يا وتـد ارجع، يا تسدد ديونك اللي عليك يا اقاضيك بالمحاكم! وتد بصدمة -يبه وش قاعد تقول؟ هميم -اللي سمعته! اعنبوك ثلاث سنين ماغير أدفع تكاليف دراستك وأمك هالخمام! ماعادت تلوق بي! والله ثم والله لو ما رجعت وقطعت تذكرة هاللحين إني لا أرميها بالشارع. وتد مسح وجهه بكدر -أبشر يبه، أبشر عطيني مهلة يومين أدبر روحي صرخ فيه مزمجراً -معك ٢٤ ساعة تدبر روحك. * * "كالشاطئ المهجور قلبي، لا وميض لا شراع" * * من أوهام الغرق.. إلى خطوات الطريق من عاندت الوافي! ومن رفاق ذراع الخليل سقوط حنين أم بكاء رحيل التي نظرت لأبيها لعل يرحمها لكن كان يدفعها بثورة أب مقهور -يا قوت تحمل برحيل عطيتك أغلى بناتي. قوت ابتسم بملامح السمحة -أبشر ياعمي تأمرني أمر ورحيل بعيوني. غادرت رحيل بصوت بكائها الذي يبكي أخواتها الثلاث فتون و شروق و تغريد بداخل غرفتهم -سواها أبوي .. يا ويلينا يمه يا قلب قلبك يا أم فتون. تغريد -لا حول ولا قوة إلا بالله. عجايب تصرخ فيه ببكاء، من أمام باب المجلس -ما قضى دخانك يا الوافي تبي تحرقني بحنين. فابتسمت لها حنين -لا تخافين يمه، هذاني قد وعدي لأبوي ما راح اعصيه. الوافي -ما راح تأخذين خليل يا حنين.. خليل من نصيب أختك شروق. اتسعت عينيها صدمة -يبه. شروق خرجت من غرفتها تبلع ريقها بصدمة -يبه! اشلون؟ يبه لا تمزح كِذا، الله يطول لي بعمرك تغريد بخوف على وجه أبيها الأسود -يبه تكفى لا تطيح أخواتي في بعضهم، يبه. الوافي -ماعندي بنت صغيرة تدرس هماك موب تقولين تدرسين. ثارت عجايب بصرخة -تبي تذبحني يا الوافي ما احدن يوقف على قرارتك! ما كانت لتغريد وإلا تغير حكيك. الوافي بغضب -يا بنت فضل من متى توقفين بوجهي، أنا رجال وأعرف بناتي زين، فكيني من نوحك * * كانت بخطوات وظلال عباءتها تعاند خطوة صعدت إلى مركبته ذات عجلات الرباعية وببكاء يسكن وجهها. قوت -أنتي ليه تبكين يا العروس! رحيل بقهر -مانيب عروسك ويا ويلك لو قربت مني. قوت بقهر -أنتي بوجهي يا بنت الحلال أنتِ مرتي الحين وموافقة على زواج، لا يكون تبكين عشان ماسويتي عرس! صرخت بوجهه بعدم لا مبالاة -لأنك ما أنت رجال اللي رضيت توافق بدون موافقة العروس نفسه! أنت شنو ماعندك كرامة، أنا ما أبيك. قوت ضرب على المقود -ماخبرت بنات الوافي ملسونات ما نسمع إلا بنات وداي شرق وبنات الوافي من أطيبهن. وراه ثائرة! اقلها اسكتي فجرتي رأسي من صياحك. * * فقد بعثرها الشتات، هذا الهم الذي سكن بأضلعك يا حنين، عانيت ليلاً طويلًا وبكيت سيلًا، لا أحد سيوقف بوجه تهور أبيك الوافي، تركت كتبك معلقة منذُ شهر مالت دروبك وأنتِ تعلمين جنون أبيك الذي لم يسكن ولم يهدأ أبداً، تتحدثين عن جماحه وحُبك القديم هل اصبح رفات، تقدمت رفاه تمشط خصلات شعرك القصيرة -حنين! بحزن -حكم أبوي يبي يقهرني. رفا -عاد شروق وخليل ما تجي! بدموع حنين -ماعاد لي نفس حتى اذاكر، الامتحانات قربت ولا شيء بعقلي موب قادرة. رفا -طيب ليه .. ليه خالي الوافي يسوي فيكم كِذا! والله صاير ماهوب خالي الحنون اللي أعرفه ما يرضى شوكة تضركم اشلون وهو يأخذكم لأرض المذبحة بنفسه! حنين استدارت ونظرت لعين رفا -شروق مالها ذنب! رفا -أنتِ إللي والله مالك ذنب بذا كله! يمكن يجوز يختبرك! حنين ضحكت -تعالي معي يمكن هالمرة يرضى يتقهوى معي. رحيل بعد قلبي فزعت فيني وهي اللي أكلتها اخ يا رفا اخ نظرتها اذبحتني. * * ترك نفسه للتيه! يأكله الأسى ونسي حبًا قد تربى بين يدين هميم آل ذهال، وخذله قلبه بينما سيوف بالدعاء ترعاه! أدميت روحه بالبعاد! بل خاطره قد مزقه بأثواب ذكراه تذكر بأننا خلقنا في كبد، تحت المواجع هو أحد خائب! خائف! مذعور! عندما قدمت إلى منزل هميم تفاجأ بأنه انتقل من الفيلا إلى بيت الشعبي بحارة الوادي شرق، كان من يمتلك الأموال حتى يفقد ويجلس مقيد، طرق الباب بعد أن أرسل إليه العنوان منه بذات! حتى يمسك بياقة ثوبه حارس البيت -من هو أنت؟ وتد -ذا موب بيت هميم آل ذهال! -ايه من هو تكون! -ولده وتد! أنت اللي منو؟ صرخ غاضب -قل لأبوك يدفع الإيجار له شهر ما دفع! عطاني عربون ووقع على عقد ولا شفته منه هللة ليومك ذا! وتد -أبشر. الحارس -أنا قطعت عنه الكهرباء والماء! يا يدفع يا والله بيني وبينه المحاكم. عندما دخل وتد -يمـه، سـيوف، يمه وينك؟ خرجت سيوف تسمح دموعها -هلا يمه، هلا وتد .. متى وصلت يا يمه؟ ليه ما علمتني أسوي لك العشاء اللي تحبه! وتد -اسم الله عليك، يمه وش فيك وش الحاصل بكت سيوف -أبوك هميم غرق بالديون وصك حتى المؤسسة اللي كان يشتغل فيها! لنا شهر وانا حايسة بذا المكان! -وهو وينه؟ بخوف سيوف -مالك دخل فيه يا وتد .. ليه قطعت دراستك يمه! وتد بحزن -موب مهم يمه، عادي بشتغل أي شيء أساعد عمي بالمصروف البيت! سيوف -لا يمه، كمل دراستك! تنهد حينها -يمه اشلون ودراستي بفلوس! أنتِ خابره الهندسة موب سهلة! صرخ بقهر -وين الشـاي، سـيوف وصمخ تقدم إليه يشدها بذراعيه القوية، يضربها -قلت لك يا صمخه لا تتأخرين عليّ! قلت وإلا ما قلت! بكت سيوف -قلت دخيلك يا هميم دخيلك! ولدي توه جاء بعدين اشلون أبي أسوي لك الشاي والغاز خلص والكهرباء مطفيه! هميم يمسح خشمه بعقله ثقيل -مالي دخل دبري عمرك تشحدي من الجيران! وتد اقترب منه -يبه. حدق بضيق عينيه -من أنت! يا ولـد، يا بنت الكلب تقابلين أحد من وراي والله لا أذبحك وأشرب من دمك! وتد -يا أبوي أنا وتد .. وتد تذكرني ضربه وصفعه -وش قايلنن لك! هماك قلت لك ٢٤ ساعة، وراه تأخرت! وش تبي جاي! وتد -أنا بساعدك بمصاريف البيت! تعال معي يبه. هميم -تساعد بشنو! أنت ادفع مصاريف دراستك بالأول ثم ساعدني وتد -أبشر على هالخشم! تعال معي نعين من الله خير، الأمور سهالات .. يمه ياريحة الجنة دخلي داخل. * * أنور -أنت أثول أنس -ياخي أبي أعرف وين يدج مع راعين دبابات خويان المطنخة كلهم تقل أجانب مشنقل بهالبطنلوون! سلامات أنور -وأنت وش عليك وش اللي حارق رزك! أشوف بس انثبر بمكانك وضبط لنا قهوة زعفرانية. تقدم شياب -شالاخبار عسى أموركم زينة ابتسم أنور -الحمدلله زينة، زينة، أنت اللي صاير ما تفارق الاستراحة شياب -اخلصوا، رائف وينه فيه! ما لمحتوه! -الولد هج قد له شهر شياب بتفكير -المهم اذا جاء وش تقولون له أنور مازحًا -دكتور شياب يبيك، إلا يا دكتور وراه للحين ما اعرست! نظر له بغضب -خلك في حالك ازين لك. خرج من الاستراحة يتلقى اتصال خليل -حي الخوي، ارحبوا في ذمتي خليل بنبرة حزن -تفزع في خويك يا شياب. شياب ركب سيارته وجلس في مقعد راكب محرك مركبته -أفا عليك ازهلها وأنا ولد لبيد. خليل -الحين تجي وتتقدم لبنت عمي الوسطى، تكفى يا شياب لا تردني .. أنا بوجهك. * * في إنقاذ مما غرقت فيه في جبر قلب مما كسرت منه في تعويضك عما خسرت به هكذا المحكمة الإلهية. ما بين التأخير والجزاء والعقاب مقابله الصبر والحرمان . فـإلى أين المصير وإلى أين ترسي سفينة ! انتهى الحنين الأول ذات الجزئين. #عمر_الغياب_عبير التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 25-07-24 الساعة 03:18 PM | |||||||
14-02-24, 09:22 PM | #6 | |||||||
| ✨الشخصيات .. لذكرى هامة✨ الأرض الأوتاد * أبناء آل العوف - الابن الأكبر سهم بن ذياب آل العوف ( عمره ٦٣ عامًا ) ابناءه: • وتد ( عمره ٣١ عامًا ) • رائف ( عمره ٢٥ عامًا ) - الابن الثاني عوف ( عمره ٤١ عامًا ) مطلق. - الابنة الأولى هدايف ( عمرها ٤٠ عامًا ) متزوجة لم تنجب أطفال. - الابنة الثانية جملا ( عمرها ٣١ عامًا ) مطلقه. - الابنة الثالثة غيوض ( عمرها ٢٩ عامًا ) عازبة. ديار الوادي شرق * أبناء آل جمعان - باتل بن غالب آل جمعان (متوفي) ابنه الوحيد: • خليل ( عمره ٢٥ عامًا ) - الوافي بن غالب آل جمعان ( عمره ٦٢ عامًا ) بناته: • فتون ( عمرها ٣١ عامًا ) • تغريد( عمرها ٢٧ عامًا ) • رحيل ( عمرها ٢٥ عامًا ) • شروق ( عمرها ٢١ عامًا ) • حنين ( عمرها ٢٠ عامًا ) * عبدالحكيم آل عليم بناته: • مجد ( عمرها ٢٦ عامًا ) • رفا ( عمرها ٢٠ عامًا ) * أبناء آل ذهال - هميم آل ذهال ( عمره ٦٠ عامًا ) بناته: •غيداء ( ١٦ عامًا ) •غادة ( ١٥ عامًا ) • سيوف آل الفيصل ( عمرها ٥٠ عامًا ) مطلقة لمرتين. قلب المدينة * آل الغماس - الابن الأكبر غماس آل الغماس ( عمره ٧٦ عامًا ) ابناءه: • منيف ( عمره ٥٢ عامًا ) • نايف ( عمره ٤٢ عامًا ) • خلف ( عمره ٢٥ عامًا ) • خولة ( عمرها ٢٣ عامًا ) -الابن الثاني سعد آل الغماس (متوفي) ابناءه: - سعود (متوفي) زوجته لطيفة ( عمرها ٥٢ عامًا ) ابنه الوحيد: • سياف ( عمره ٣٧ عامًا ) << ابن ابن عم منيف >> - الابن الثالث مساعد (متوفي) ابنه: • خالد (عمره ٥٢ عامًا ) أبناءه: • خيّال ( عمره ٣٣ ) • أيار ( عمرها ٢٥ عامًا ) أصدقاء خليل في ديار الوادي شرق • شياب بن لبيد ( عمره ٣٢ عامًا ) • عساف ( عمره ٣١ عامًا ) • أنس - أنور ( عمرهما ٢٦ عامًا ) • مفلح ( عمره ٢٥ عامًا ) صديق العمل منيف • إبراهيم ( عمره ٥٢ عامًا ) فريق منيف ١ • محسن - علي - متعب - فهد فريق سيّاف قاصِل ٢ • فضل - عزام - غازي صديق وتد في أرض الأوتاد • بداح (عمره ٣١ عامًا ) خالة أرض الأوتاد * أم فؤاد ( عمرها ٧١ عامًا ) التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 02-07-24 الساعة 08:54 PM | |||||||
14-02-24, 09:43 PM | #7 | ||||
| من يُكرم الإنسان نفسه يعني أن يختار لها ما يليق بها من كل شيء، من الرفقة أطيبها، و من الحب أرقاه، و من المجالس أرحبها، وأرحب مجلس عَبير عمر الغياب و حنينٌ بقلبي أهلاً أهلا. ألف مبروك روايتك الخامسة، انجازاتك يا عبير تدرس تبارك الله. فخورين بحروفك وأناقتها وإبداع جديد كعادة عبير. وأجمل سيلفي الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 4 والزوار 1) عاشقة حروف عمر الغياب, شيخه فهد, عمر الغياب, صباح مشرق تذكار ١٤ فبراير ٢٠٢٤ م ويا حبي لك للتورايخ عشقتها من عشقك لها مميزة عبريتنا، ومقدمة والحنين الأول نار حاجز الوافي مع بناته ونظرته صحيحة رغم إنه قاصرة لو ضم بناته بدل ما يشتتهم هو من رحيل ولا من حنين ولا من شروق صدق المثل ثلاث فلقات على رأس توجع وهذه المصايب ثلاثة حزنت على حال عجايب .. غريب اسم أبوها عالي.. وانذكر أبوها فضل بين سطور أو ممكن لقب جاري التحريات أكيد خلفه سر. | ||||
17-02-24, 02:19 PM | #9 | ||||
| مقدمة لا يعلى عليها من جمال، قلم عبير متمكن متميز متفرد، أنامل تنلف من حرير زادك الله من واسع فضله وكرمه ♥️ وصدقاً وحقاً إذا أراد الله لك أمرًا، ساقه لك سوقًا عجيبًا من حيث لا تحتسب أتوقع حنين ما راح تكون لخليل. بداية الحنين الأول والجزئين، بداية قوية جدًا متحمسة جدًا للفصل القادم ✨ | ||||
21-02-24, 02:08 AM | #10 | ||||
| حنينٌ بقلبي [تعليقي للحنين الأول ج-١] هلا هلا والله يا كثر الحماس وشوقي للجزء الثاني.. اللي فهمته شكله ما أحد يدري إن سهم طلق سيوف ورماها.. لأن كلام أم سهم كأن عندها أمل يرجع سهم وولدها عوف!!! الاسماء مميزة مثل ما تعودنا منك عَبيري.. ما أتوقع ميت وتد شكله مموه الفضول ألف `` [تعلقي للحنين الأول ج-٢] اااااه بسس ماقدرت أكمل الفصل بدون ما أحط يدي على قلبي،الله الله❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️ ابدعتي وابدعتي وابدعتي تبارك الرحمن في الوصف يا عبيري بس الصدق فيني غصه الان مو قادره اعلق .. رجعت الفصل يستاهل قرأته مره ثانيه شكل الزعل بيصير قوي هالمره ويمكن تضيع حنين من يد خليل ويعض اصابع الندم الوافي اللي مدري ليه يبي يضيع بناته يعني رحيل وقوت ياربي تحمست لهم صدق، وإن شاء الله يكون ونعم زوج خليل واتصال شياب وفزعته لجأ لشياب من اصدقائه يمكن لأنه دكتور ويقدر يسكت عمه الوافي حنين الرقيقة لا تخافين احنا معك عسى يهدأ غضب أبوك الوافي وانا اراجع البارت للمرة الثالثة شروق وحنين راحوا ضحية ابو فتون وغموضه وتد آه من وتد ❤️ وإلا سيوف ما بين سهم و هميم لا هي اللي ارتاحت عسى المقبلات خير، ويعوضك ببناتك غادة وغيداء تحمست لهم صدق لظهورهم. وتد ما كملت دراسة … وعمره ٣٠ يعني شكل لحق تعلم بوقت متأخر بس ما عليك يا وتد العمر الرقم.. الله يفكك من شر هميم ما ارتحت له أنس و أنور نكتة واضح أنس بدوي للنخاع ومقابل رائف غموض ألف أجل عوبا تقوله للفاتن قلوب شياب.. والله كلمة قوية لدكتور | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|