21-02-24, 02:32 AM | #11 | |||||||
| من بدينا وأنتِ هامة كل يوم تعتلين حالفين نعلّي اسمك حالفين بمناسبة يوم التأسيس ، سيكون الفصل طويل جدًا، وممتلئ بتفاصيل دقيقة .. إذا مستعدين لها ، سكيون قريب بين أيديكم. عاد أبي قلوب هالمرة (♥️). | |||||||
22-02-24, 01:00 AM | #12 | ||||
| من 300 عام.. من بدينا كرم وازدهار وعز وأمن وأمان ✨ نغلي رايتنا ونعلّيها، بطموح يلهم المستقبل ♥️ *** مساء الخير يا عبير عمر الغياب فاض جمالك حتى فاضت عالم الروايات ورداً .. ما يُميزكِ ليست حروفك فقط بل تواضع روحك الرقيقة ما يُميزكِ حقًا عبير هو تفرد كلماتك التي تمنحينه لكل الأشياء حول الرواية: الحبكة، شخصيات، الحوارت، السرد ألف مبروك روايتك الخامسة، اعتبريني من ضمن متابعات ✨ . | ||||
22-02-24, 01:07 AM | #13 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 8 والزوار 5) مَلاك, هتاف عبدالله, عمر الغياب+, الخُزامى هتّان, نَغمُ اللقاءَ, لطيفه. ص, ربيع أخضر, هياااام أحلى سيلفي.. تسجيل دخول. وأجمل من يطل علينا | ||||
22-02-24, 02:05 AM | #15 | |||||||
| الحنين (2) الحنين (2) * * قبل مضي شهر اليوم الثالث من أيام عيد الفطر رائحة البخور، وبابه مشرع للضيوف دومًا، مجلس مساحته متوسطة يتكئ على مركاه، يرتشف فنجان قهوته، فكره يسرح للبعيد سمع طرق الباب الخاص للمجلس نهض واقفًا يرحب به -تفضل يا الشيخ. الشيخ جملان -زاد الله فضلك يا أبو فتون، اشلونك؟ عساك طيب. الوافي -بخير يا جعلك بخير، أنت اللي بشرنا عنك يا شيخ جملان. ابتسم جملان -يالله لك الحمد. الوافي -جعله دوم، يا مرحبا يالله أنك تحييه. ابتسم جملان -البقى طال عمرك. نادى بصوته الجهور الوافي -يا ولد يا خليل .. خــــليل. خليل الذي كان بدورة المياه قد خرج وهو يسمع صوت عمه، فدخل وابتسم يرى جملان يجلس بجانب عمه بصدر المجلس -يا حي عمي، ارحب يا الشيخ جملان. بادله الابتسامة -المهلي ما يولي يا أبو باتل. الوافي -تقهوى يا شيخ، صب القهوة يا ولد. أخذ دلة القهوة وسكب فنجان، تناول جملان بثوبه الأبيض وشماغ الأحمر بدون عقال -سم الله عدوك، اشلونك يا خليل؟ خليل -حمدلله، أنت اشلونك يا شيخ؟ الشيخ جملان أردف، بعد أن وضع فنجانه أرضًا مكتفيًا -اللهم لك الحمد، بخير، إن قالها الله يا خليل أبي أكون عديلك. فابتسم خليل له، بينما الوافي الذي نظر لشيخ جملان الذي بدأ حديثه بهيمنته وهيبته -ودام غنيمتنا راحت للي يستاهلها أنا طامع بقربك من جديد يا عمي الوافي. فابتسم الوافي -والله يا طويل العمر أنا اللي اتشرف فيك، واعتبرها ليلة حليلتك. جملان -ايه علمك غانم، مير ماهو الحين يا أبو فتون، أنا أبي لي مره تصوني بغيابي وما أسمع إلا كل علمٍ زين فيك، وفي بناتك الصالحات العفيفات. الوافي -من طيب أصلك يا الشيخ. الشيخ جملان -عندي سفرة مع رجل أعمال ومضطر أسري بدري، وأبي مرتي معي ما طلبتك إلا إني محتاج زوجة تسندني بهالدنيا، شاورها يا أبو فتون إن قالها الله جيت عقب شهر أنا وجاهتي ومعهم أهلي بعد، خابر سلوم العرب لا بد تبين وتوضح العلم. ابتسم بفخر الوافي -أبد لك اللي تبيه، أنا اشري رجال الطيَّب مثلك وشرواك، وأبشر بشاور البنت. -بشرت بالجنة يا أبو فتون، مجلس عامر براعيه. الوافي -ما عليك زود. سلم عليه جملان، وغادر، نظر بحدة لخليل -أنت وش اللي تحتريه، يا ولد بنات عمك كبروا، لا تغدي عندي مثل الواغدن. خليل بضيق وبوجه الكدر -أنا مدري وش وصلك من علم بي، يا عم وش اللي غيرك قبل يومين كنت خاطبن لي حنين لي. بغيرة أبوية -لا تجيب طاريها على لسانك، قم عاين ورشتك ازين لك. خليل -اللي تبيه يا عم. * * الآن خرج خليل بضيق مشى في سكك ضيقة من وداي شرق، تأمل للمخبز -عطني بريال خبز التفت له العم موسى -وش هاللون يا خليل؟ خليل بضيق -مابه شيء. تناول كيس الخبز منه، ومشى نحو ورشته، تأمل راجو -تعال يا راجو، ذا لك واللي معك. ارتدى لباس العمل للورشة بلونه الكحلي، نزل لحفرة وبدأ يحاول أن يتناسى كلمات عمه ساعة، ساعتين قد تقدم بخطوات شياب ودخل جلس في كرسي عتيق، وبانت عيناه وهو يتأمل إنهاك صديقه، بنسيان صعوبة الحياة ومعيشتها -خـــــليل، يا رجال وينك به، أنا كم لي من خليل ابتسم خليل، بعد أن خرج بوجه ممتلئ من بقع الزيت الملطخة على أسفل وجهه ولباسه -واحد شياب بهدوء -علمتني وجيتك سريع، وش بلاك؟ خليل -ثواني أبي ابدل هدومي وبأجيك. شياب -زين احتريك بسيارتي. عندما مشى باتجاه سيارته، عجيب الوقت بمروره يغدو المألوف صعبًا تمييزه، بابتسامة بسيطة لاحت على وجهه الوسيم، تنهد وهو يسمع صوت رنين هاتفه ركب وجلس في مقعد الراكب -يا مرحبا تراحيب المطر، ارحبي بأم شياب. -وينك به؟ شياب -آمري وش بغيتي يمه؟ أم شياب -بغيتك يايمه تجيب لي غريضات ما يعرفهن إلا أنت شياب أشار على أنفه -على هالخشم يا أم شياب. أم شياب -لا تبطي يبه، فمان الله. ابتسم شياب -فمان الكريم. * * فتح الباب المجاور، وجلس وهو يتنهد، سحب هواء وأخذ نفسًا عميقًا ملأ به صدره ثم أفصح -شياب أنا طلبتك وأنت مثل أخوي ماهو خويي وبس، عمي معجز بي، بنت عمي أحبها وأبيها، والله ما أشوف من بنات حواء إلا هي. شياب -آمر وش تبي؟ خليل -بالله أنا بوجهك تقبل ببنت عمي اللي ناوي عمي أتزوجها، ما يهون علي هي بعد بنت عمي ومثل أختي يا شياب. شياب -ازهلها، بأسري معك وإن كان ودك نشيل العم الخضر يتمم لنا الموضوع. خليل -أنت ضامن عمي، مدري وش بلاه عليّ، ماني خابره قبل أربع سنين ما غير يرحب ويهلي، والحين ما يطلب إلا فارقني. شياب -ما عليه وأنا أخوك، بإذن الله المغرب أنا عند بيت عمك. خليل -كفو يا أبو لبيد. ابتسم شياب -كفوك الطيّب * * صباحٌ مبلد بالشمس، والحنق الذي ملأ به وجه أبيها، دخلت المجلس فتون ترى والدها شاردًا -يبه، أبو فتون فابتسم لها بمحبة -حي الله حبيبة أبوها فابتسمت فتون -الله يبقيك يبه، هاه وش علومك اليوم؟ أبو فتون بضيق -زين، وينها تغريد وشروق؟ أمسكت بصينية الإفطار شروق ومن خلفها عجايب، وحنين التي وقفت عند الباب بخجل -تعالن افطرن، ما راح آكل بروحي. عجايب نظرت لوقفة حنين خجولة -يبه. لم يكترث الوافي إلى ابنته المدللة، بل أمر بتغريد بسكب الشاي -اجهزن بعد صلاة العصر نسري يم المزرعة. عجايب بضيق التفت لحنين -تعالي يمه افطري. حنين بخجل وهدوء -إذا وافق أبوي أبي أجي. الوافي صمت لن يسألها لمَا هربت تلك ليلة بصحبة أختها! لن يسألها حتى تخبره بنفسها، وجوم عجيب خيم على ملامحه جلسنَ بجوار بعضهما البعض على سجادة حمراء منقوشة، من سفرة المائدة التي تتكون من البيض، وبعض الفول المدمس واجبان ومربى، كان فطورًا بسيطًا عجايب والدتهن تجلس بجوار أبيهم، لم تغز التجاعيد ملامحها كما فعلت بخصلات شعرها الذي اقترب في بياضه لون الثلج، أردفت بهمس حانِ -تعالي يا أمك، ما راح يردك أبوك. حين قطعت مسافة بسيطة بينها وبين أبيها فتقدمت بخطواتٍ خائفة مترددة، تدل صفرة وجهها على ذبولها، وتوحي ملابسها المنمقة الأنيقة الرسمية تنورة بلون أسودًا مع قميص ذات قصة أنيقة بلون عاجي، وشعرها القصير يتهادى على كتفيها النحيلتان اقتربت منه تقبل رأسه، عينا الوافي التي دارت في وجوه زهراته الأربعة وهو بكل برود -عليكم بالعافية، أنا بسيارة احتريكم. نظرت في وجه أمها التي تضمها بحنان -ماعليه يمه، أبوك للحين زعلان، الله يهديه بس، إن قسى قلبه ما أحد يفك يباسة رأسه، افطري وراك اختبار حنين -يمه والله إني ندمانة قد شعر رأسي، وش يعني ولد عمي، ما عاد بتفرق معي دام أبوي هالكثر زعلان عليّ، شهر ولا نظر فيني. فتون بمودة -أبوي يتغلى شوي، افطري قبل ما يجيك الباص، اختبارك ساعة كم؟ تنهّدت حنين - ١٠ صباح. مسحت على شعرها عجايب تتأمل طفلتها صغرى، وبحزن -آه يا رحيل امديها الحين تناشبكم بالأكل. ضحكت تغريد -إلا بتخلص علي شاهيي، فكة افتكينا من حنتها وإزعاجها، ودولابها صار ليّ بعد. رفعت حاجبها بضيق شروق -تغريد ما يسوى عليك، يمه والله الصدق اشقت لها، الحمارة ماتعرف تدق علينا. فتون تحاول أن تشتت فكر أمها الموجوع -أكيد نايمة بالعسل، وش تبي بوجيهكم فرحت عجايب -الله يوفقها، آكلي يمه. تناولت كأس الماء وبهدوء -لا تسرون بلم المزرعة إلا وأنا معكم. شروق -طسي بس .. بتجين من جامعتك تبين تنامين، أسري بس وراجعي دروسك. حنين ابتسمت -حمدلله هانت، دعواتك يمه. حضنتها عجايب -الله يوفقك يمه ويفتحها بوجهك، أنت توكلي على الله وربي بوفقك. قبلت وجنتيها ورأسها -إن شاء الله يمه. * * بعد أن خرجت من قاعة أمسكت بهاتفها فهي طوال الأسبوع انشغلت لفترة اختباراتها، فتحت الملاحظة لتدون حروف، تتذكر ما حدث بعد شهر (( حنيني إليك قدر وقضاء.. أين أنت يا حبيبي هذا المساء، علني أصحو وأنسى )) ذلك الخبر فشروق أصبحت من نصيب خليل، كنت يومها تتذكرين إنهيار شروق -يبه لا تهدمنا كلنا، يبه ولد عمي من يومه لحنين وش اللي غير رأيك. الوافي -بغسل عار أختك، اللي تهرب من بيت أبيها ثمن تعود ليّ كأن ما صار شيء شروق تقبل قدمين والدها -دخيلك يبه تنازل عن قرارك، والله العظيم ارضى باللي تبيه لكن ماهو خليل، يا يبه اشلون اعرس على اللي كان يفكر بأختي، يبه أنت وعدته وكلنا شهدنا، حلفتك بالله لا ترميني هالرمية. أبوس يدينك يبه. سمع طرقات على الباب المدخل -أسري داخل. حينما دخلت وجدتها تنام على وسادتها كانت تخشى أن لا يحدث ما حدث، عيناها التي تذرف الدمعة اليتيمة، داعب قلبك البُكاء يا حنين، عشقًا لم يتم اللقاء، اغمضت أهدابك تكتمين الأنين، تهتِ في دروب العشق، اقتربت شروق بقهر إلى الحال الذي أوصلهما أبوهما الوافي -اسم الله عليك، حنين ناظريني يا أختك. حنين بيأس أمسكت لحافها تخبئ وجهها أسفل وسادة بصوتٍ مكتوم -خلاص شروق، شهر وأنا اتأقلم على الفكرة، أنا استاهل اللي يصير ليّ. شروق سحبت اللحاف ترفع جسد حنين تضمها لصدرها تمسح دمعتيها -بتستسلمين بهالسرعة، أبوي لمن رفض خليل من تغريد لأن خليل أصغر من أختنا تغريد، وأمي كانت تقوله عشان ينسانا تبي تعجزه، أنا ما أتخيل يوم من الأيام أكون عروسة خليل، بضطرب عن الأكل وأبيك تسوين نفسي، موب كافي رحيل سرت مع ولد النجار شهر ولا نعرف عن علومها! حنين -ومين لي نفس عشان آكل! شروق -بس اشش اغسلي وجهك الحين وخلينا نطلع برا، نساعد فتون وتغريد بشغل البيت. حنين -اسبقيني وأجيك. * * في مجلس الرجال كان ينتظر شياب بلهفة، نظر فيه الوافي بملل -أنت اشلون جالسن عندي شهر، مابه بيت يلمك. خليل تنهد بضيق وكأنك تكابد فيها طوال هذا الشهر الوافي بوجه الكدر -من هو اللي يدق الباب؟ خليل وقف يستأذن عمه بأدب -أبي أشوف ياعمي -رح توكل. الله يستر تالي هالزيارة نظر لشياب الذي ابتسم -وش فيك تقل صايبك خرعه خليل -أنا بوجهك لا تردني يا شياب. فابتسم بخبث -يجيب الله مطر طرق باب المجلس وترك حذاءه فدخل وهو يلقي تحيته -السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وقف الوافي يبادله التحية -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اقرب حياك خليل الذي أمسك بدلة القهوة وسكب فنجان شرب شياب ثم نظر إلى وجه الوافي -يا عمي أنا جاي ماهو بعشان ازكي خليل، وهو تربية يدك، لكن اعتبرني ولدك الثاني .. وطامع بقربك، أدري مفروض أجيب معي الوالد وأخواني. نظر الوافي ساخرًا -لحق خويك يعلمك. خليل -يا عمي أنت خابرني من ورشة للمسجد واذا مرة رحت بشهر لاستراحة الشباب الوافي -كم عمرك؟ شياب بهدوء -٣١ الوافي -عندي بنتين! وحده عمرها ٢٦ وثانيه ٣٠. أردف شياب بثقة -أبي الوسطانية يا عمي. الوافي -مخطوبة. شياب -شاورها يا عمي وإن رضت فيني أبي أجي أنا وأهلي والجاهة. الوافي بأمر -يصير خير، تفضل اشرب قهوتك. * * رائف -تبيني بهالمهمة أنت انجنيت، انسى صرخ فيه غاضب -وش اللي انسى يا حبيبي، هذا مطلوب، طلعه من تحت الأرض انت سامعني؟ أردف رائف -يصير خير. -رائف أنت دخلت تكمل ماهو كل يوم لك كلمة * * [ بعد أن انتهى العالم من أكاذيب وصخب الحب، كل عام وأنت وعودي الكاذب. ] ح . خ أغلقت مفكرتها وهي تتأمل رفا التي تتأملها -حنين وش فيك؟ هاه حليتي ! حنين تنهدت -مدري تدرين أول مرة بقول لك إن شاء الله أنّي أنجح بس اضمن درجة النجاح. قرصت وجنتيها -قدها وقدود دافور ما ينخاف عليك .. يلا الباص يحترينا. حنين بحزن -جاك أي نموذج! ضحكت رفا -جيم، وصراحة ما توقعت تفاهة كِذا ولا تخويف دكتورة. حنين -أنا ألف، صراحة بشكر دكتورة. سحبتها رفا -ماهو وقت شكرك الحين، العم إسماعيل ينتظرنا برا. بعد أن خطوت بشعرها قصير الكستنائي، صوت أنغام خطواتها تتراقص على بلاط المبنى الحرم الجامعي تناديها -حنــــين! وقفت حنين واستدارت للخلف حتى تتفاجأ من صوت غيوض اقتربت منها كانت تتأمل شعرها العسلي بالشمس بكثافته وحيويته يتهادى مسترسلًا على كتفيها، رفاهية قميصها الرسمي بلون ثلجي، وتنورة ذات كسرات عشبي باهت والكعب الذي بزر جمال رشاقة قدميها بلون بريق فضي، ككل هذه دكتورتها المميزة غيوض -هلا دكتورة غيوض، آمريني. فابتسمت لها بالرقة والكبرياء -اشلونك حبيبتي؟ حنين بابتسامة -حمدلله. رفعت خصلة عسلية لجانبها الأيمن وبدفء رفرفت حنين برموشها الكثيفة، فهي تمتلك العينان الواسعتان، وتكتفي قليل من الكحل ليضفي رونقًا على بريق حبات البُن في عينيها ويسكنها بجمالية متناهية دقة برسم ربانيّ، تتفرد بسحرهما وجمالهما -شكرًا على الأسئلة دكتورة غيوض. غيوض -ولا يهمك، لمحتك كثير تسرحين، لا سمح الله ما جبتي نتيجة مرضية فلا تخافين عندك رصيد بونس. ابتسمت لها حنين -الله يعافيك دكتورة غيوض ماقصرتي. غيوض -بالخدمة، ودي بعد إذا ماعليك أمر، أخذ رقم الوالدة. استغربت حنين -عسى ماشر؟ ابتسمت وهي تنظر لها بأمل بعيونها الممتلئة أسى، البُقعة الوردية التي تحتضن خدين حنين، من حرارة الشمس -لا يأخذ فكرك بعيد، بس أحتاج رقمها. حنين -تمام .. بسجله لك بورق. غيوض -ما يحتاج مليني رقم. بعد أن كتبت رقم ودعتها غيوض، وغادرت أمام عينا حنين ورفا! رفا بالذهول -هذه دكتورة غيوض، يا ربي موب مصدقة وش هالمحبة اللي نزلت من السماء! حنين بإرهاق -احتاج حمام بارد ونومة طويلة من بعد آخر اختبار. رفا أمسكتها -أساسًا عيونك تعبانة، يا بنت وجهك ذبلان! حنين غلطت غلطة وحيدة بعمرك، تدفعين ثمنها من أكتوبر الماضي إلى هذه اللحظة، آه من اختيارات القلب يا رفا! رفا -حنين وينك سهيتِ؟ -معك. ارتدت عباءتها وغادرت المبنى الحرم الجامعي هي ورفا، بعد أن خرجا ومشيا نحو الحافلة، وضعت رأسها بتمايل على نافذة، تتأمل السيارات المارة والفتيات المغادرات، بشرود رفا -ازود لك المكيف حنين -ايه. اغمضت عيناها، وهي تتذكر طفولتها حينما همست بوجه أبيها بأن تود رؤية البحر كانت أمنيتها بحر وقنديل بين يديها! تعلم بأن تطلب المستحيل! لكن خليل أقنع عمه بنزهة البحر، وكان آنذاك الوافي حمل خليل فجميع بناته يرفضن الذهاب لذلك غادر بحنين وخليل فقط. كانت رحلة فريدة مميزة سكنت بقلبها الحالم أحلامها وأمنياتها، أثناء ترجلت من مركبة أبيها الوافي تركض نحو البحر الشاسع الممتد أمام عيناها البُنيتان، تصرخ بفرح -بحـــــر، بحر يا خليل، بابا الوافي بحر ضحك بسعادة الوافي -ايه ياروح أبوك بحر.. خليل الذي نظر إليها، وإلى جمال شعرها الفاتن -حنين تعالي .. اجلسي جنبي عمي .. عمي الوافي. الوافي وهو يرمي سجادة أرضًا -وش بغيت يا خليل. خليل يحك رأسه حرجًا من عمه -أبي .. أبي تصورنا من الكاميرا، أنا وحنين بنت عمي. الوافي -والله يا ولدي غالي والطلب رخيص. جلسا بجوار بعضهما البعض، يعطان ظهرهما للوافي الذي التقط لقطة سريعة. خليل -تعالي حنين، شوفي المرجيحه حنين تتلألأ عيناها بلمعان الفرح وسعادة على طفلة تبلغ من عمرها سبعة سنواتها، بينما خليل الذي بعمر الثانية عشر. كان بداية موعد العشق الذي تبادلا فيه بطفولتهما البريئة، تحت صيف وطيف أحلامهما، جلست حنين فوق المرجيحة، ودفعها خليل بحنان -تبين أزود السرعة، تراني قوي. فضحكت بسعادة للهواء الذي لطم بشرتها ناعمة لؤلوية، تسمع صوت أمواج البحر وسكينة الريح الهادئة -خلـــــــــيل. خليل بهمس وحب -وش تبين؟ حنين -الله شكثر قلبي فرحان .. خليل لا تروح عند خالتك كمل إجازة صيف عندنا. ضحك خليل -يوه لابد أشوف خالتي أسبوع وبرجع. حنين بحزن -لا تنسى تجي بدري. خليل -على هالخشم. * * الآن فاقت على لوعتها، ذابت بهجرتهما معًا، صدقت فرحتها معه، هل تمحو طريقها معك يا خليل، هذا الفؤاد الذي سكن حبك ضلعًا ضلعًا! مهلًا يا أبي، مهلًا لا تكسر جراحي! مهلًا لا تقسو على طفلتك المدللة رفا -حنـــــين! مسحت دمعتها من أسفل نقابها، وعادت تنتبه لصوت رفا -همم يا مزعجة وش فيك اليوم! بالعة راديو. رفا -والله راديو بجوالك، شوفيه! رفعت هاتفها من حقيبتها اليدوية البني الجلدية، نظرت بقلق وإذا بها ترى فتون أختها الكبرى تضيئ شاشة الهاتف همست بجواب -هلا فتون. فتون بنبرة حزينة -لو ماعطتك الدنيا اللي تودينه يا حنين؟ دمعت عيناها -سواها أبوي صح! شافني برا البيت، إذا أبوي لزم على شروق ، هو ليه وافق، لــــيه؟ فتون -يعوضك الله يا حنين، ياما قلت لك يا حبيبتي هالحب ذا يضرك كثر ما ينفعك. حنين -باقي .. باقي تونا ٢ الظهر اشلون! فتون -أمي الي زّر عقلها ماغير تون وتبكي .. أنا مع خالي عبدالحكيم بالمستشفى تعبت علينا شوي. حنين -آهِ يمـــــه، آهِ. رفا -حنين وش فيك؟ شوق الذي هاج بك يا حنين، هذا العصف الذي زلزل أركانك، البشرى أصبح جل الهمَ! -صارت هموم قلبي يا رفا .. أبوي سوا اللي برأسه .. شروق تزوجت من خليل .. آهِ يا قلبي .. موب يدي آهِ. رفا ضممتها -يابعد عمري، حنين أهِدي. -قلبي يوجعني كل ذكرياتي معه كأنها تجيني الحين وبقوة .. ما توقعت يسويها ليتني اللي اعرست على شيخ القبيلة ولا سمعت ذا الخبر .. مستوعبة يعني شنو تزوج أختي. رفا برأفة ورحمة -عارفة يا قلبي .. الله يعوضك يا قلب رفا، الله يعوضك. * * هل هو يحيا أم يا ترى في عالم تورات فيه الجحيم، ديار وأرض ذات قفار وأوتاد، ورحيلًا كان مجبرًا بل ملزمًا، لكن ليلة أشتاق لسماع صوتها، يضم يداه عبر معطفه، هواء أيامه الخانقة وهي بعيدة عنه بمنفى! اتصل عليها وابتسم -يمه دمعت عيناها تسكبها على وجهها ذات التجاعيد وخطوط الزمن التي تشكو كم عصف شوق بها -آه يامك، ارجع وينك ما جيت للعيد يا عوف. فابتسم كطفلا مدللٍا عند سماع صوتها -ايه يمه، ودي اعود مير أرض الأوتاد مكبلتني! أم سهم -وينه وتد؟ عوف -وتـــــد، آه يمه ليت أعرف بس وينه، ليت؟ أم سهم -حفيدي ذا يزورني بأحلامي يوميًا من أصبح لين أمسي، يا أمك كلم أخيك سهم يمكن يحن الدم ويعرف ويعلمك. ضحك عوف -سهم! يمه سهم رمى زوجته وطفل صغير .. يمه ! أم سهم ببكاء وحنينًا وشوقًا -أنت تعال ديار الأوتاد وبإذن الله بتجيبه معك، أنا يأمك حاستن فيك. تعال عوف -واترك شغلي يمه أم سهم -وشوله ديرة الكفار! يا أمك مابه مثل ديرتك تضمك وتسندك تعال يا وليدي. عوف -آه يمه أنتِ بس أدعي لي يا الغالية، اشلون صحتك؟ أم سهم -عز الله غيوض حافتيني حوف كإنها هي أمي يا مال الغناة يا غيوض. ابتسم لها -غيـــــوض! دكتورة ايه يحقن لها يمه .. يلا حبيبتي سلمي لي عالجميع، في وداعة الله. أم سهم بحزن -في وداعة الرحمن. * * في الصالة الداخلية تجلس بجواره الأيمن فوق كرسي الخشبي بلونه البني المحروق، تتأمل نظرات سهم ساكنة نحو طبق الغداء، خيوط الشمس الساطعة من خلف الستائر - أبو رائف، علامك ما تآكل؟ سهم بهدوء -مافيني شيء. العنود بلحظات تكتم قهرها -لا والله فيك علوم يا سهم .. تصدق بالله على هالبيت اللي يكبره مابه غير رائف! سهم رفع عيناه بوجه الصلب مغرور متعجرف، رغم كبر والشيب الذي ملأ ذقنه وشعره -وش تبين بعد ذا الموال! العنود -صبغة وتصبغت، شعري من سنين غيرته عشانك، جسمي صاير نحيف أتبع قصات الموضة بس عشاني أكون مثلها. مير القى قصيد مكتوب باسمها! سهم بخفقان قلبه، نظر لها بنظرات غاضب، ورجفة أضلعه، قبل أن ترمين ببحور شكك يا العنود، على الأقل ومن الذوق تعلمي العوم دون رمي سهام ظنونك! -ايه قصيد من زمان كتبتها يوم كانت على ذمتي. العنود بقهر أنثى -ولا ظنتي نسيتها يا أبو رائف! وبحقيقة موجعة تذكره بالذي مضى -رميتهم ورميت ولدك! سهم بوجع -ما عندي غير رائف، ألحقيني بشاي بمكتبي، أكرمك الله. مسح شفتيه بمحارم المنديل القماشي تأملت طوله -عزتي لك يا العنود، شاب حبه مدري ليه تحبين تنبشين الماضي، مالله رزقك إلا برائف منه! وضعف منك، تعالجيتي مير يدك والخلاء، يمكن إنه معرس عليك، أعوذ بالله .. أنت ازين منها بواجد، خليك واثق من نفسك يا الخبل. العنود التي نادت للخادمة -حلـــيمة .. تعالي خذي الأكل ووزعيه لا تخلين شيء. * * عقدت الأمر، بعد أن أخذ زوجته وركب المركبة، فكان يسمع شهيق شروق -ليه ما رفضتني، لــــيه؟ خليل بوجع -وش يفيد رفض، وعمي معسكر عليَّ. تأمل الطريق ذات السكة الملساء والمباني الحجرية القدمية العتيقة، خرج من وداي المنحدر ومسك بخط الجبيل، بعد أن وصلوا فتح شقته المتواضعة، ودخلت من ورائه خائفة -خلــيل ما راح تقرب مني .. زواجنا هذا يكون على ورق. خليل بهدوء -ارتاحي يا شروق .. رايح البقالة أجيب لك الأغراض شروق تتأمل المكان مظلم ورائحة الغبار -بتخليني في هالمكان المهجور وتسري. خليل اقترب من إحدى الكراتين نزع لاصق وسحب راديو العتيق -اسمعي لإذاعة القرآن كلها مشوار نص ساعة وأنا عندك. شروق تود أن تصرخ، كلانا محملان بكذبة وخيبة، أرى حبك وعشقك لأختي آرا كما أرى بزوغ الشمس، المحير في الأمر سكنت عينا شروق ولم تدمع وكأنما من هول الصدمة تشعر أنها تسير في ودا سحيق، وكأن روحها غادرت وبقى منها أطياف الرماد! غادر خليل بعد أن اشعل الأضواء، بعد أن علمت منه بأنه قبل أن يأتي لوادي شرق كان انتقل لشقة في الجبيل، لكن المكان يحتاج تنظيف وهي تحتاج أن تبعد هذا التوتر، فتحت شبابيك نظرت للطريق فهما يسكنان في الطابق الأول، كل شيء أصبح باهتًا بلا معنى ! * * عندما وصلت الحافلة لمنزل الوافي، ترجلت حنين بمساعدة رفا، التي طرقت الباب حتى تفتح لهما الباب تغريد -رفـــا! رفا بخوف -تغريد ألحقيني بمويا. ساعدتها رفا وهي تسحب غطاء وجه وعباءتها حنين بوجع -ما أبي أحد.. خلوني تغريد أتت مهرولة تحمل بيدها كأس الماء -خذي بلي جوفك حنين -يمكن إني أموت، ماعاد له وجود بحياتي.. ماتت أحلامي يا تغريد ماتت وأبوي قتلني. تغريد وضعت كأس فوق المنضدة الجانبية، جلست على طرف سرير شدتها إلى صدرها تقبل شعرها القصير يحيط وجهها ذات الفك المربع وجه فاتنًا، عيناها الخائفتان تريد الأمان، الصمت، صمت طويل. لكن فقط يكسر حدة هدوء المكان صوت باكٍ صوت أنين يحرك قلب حنين ساعة، خمس ساعات مضت حتى من شدة الخدر نامت حنين في حجر تغريد رفا بوجع -بتصل على أبوي بشوف خالتي. تغريد -ايه فديتك، فتون ادق عليها جوالها مقفل. رفا اتصلت على والدها، الذي من أول رنين -هلا يا أبوي. رفا بخوف ووجع -يبه، اشلون خالتي عجايب؟ تنهد بضيق، بوجه مهموم -إن شاء لله إنها بخير .. وينك فيه يا أبوي. رفا -عند حنين يبه، خالي الوافي ليه كذا قهر بناته بغضب عبدالحكيم -مدري يا أبوك، مدري الله يهديه، خليك عند حنين. رفا -بدون ما توصي يبه. أغلقت الهاتف -وش اللي صار أبي افهم ماهو حنين لخليل، وش اللي تغير تغريد بوجع -آه يا حظ أخواتي طاحوا في مواجيع، وش تبين أقول لك يا رفا .. أبوي له شهرين وتصرفاته غريبة، وإلا به أول العيد نستقبل شيخ القبيلة ويبي يعرس على أصغرنا حنين، عطانا الخبر مثل أي خبر عادي رفا -الخبر انتشر بالوادي! الله المستعان بس تغريد -يا عمري اليوم ثاني بصباح هي جات ندمانة تبي تقول أنا راضيه بحكمك لو تقص رقبتي. تنهدت وهي تزفر الوجع -وهذا هي طاحت اخ يبه، اخ. رفا -طيب ماهو مفروض تسرين اليوم لدوامك الأول، وراه تأخرتِ؟ تغريد بوجع -من وين لي وجه عشان أدوام .. يولي دوام رفا -وتفشلين أبوي اللي توسط لك بهالعمل، روحي وأنا عندها. تغريد - ماقدر قلبي عندها. رفا -تغريد تكفين .. بتنحل الأمور وبتركد، قومي جهزي نفسك. تغريد -أمري لله .. استودعتها الله. * * بعد أن مضت بالطريق، صعدت بالمركبة التي اتفقت أن يقلها دومًا للمستشفى الحكومي، حينما وصلت ترجلت وشكرت العم، مشت نحو أورقة المستشفى تحديدًا عند مكتب قسم الإدارة -حياك. تغريد تقف بعباءتها -أنا موظفة الجديدة. فابتسم شياب، مغادرًا -أشوفك على خير دكتور عصام. د. عصام -تفضلي تغريد الوافي. وقف شياب لا إراديًا، ثم مضى بطريقه هادئًا تغريد -ايه دكتور عصام. د. عصام اتصل على ذكرى التي أتت راكضة بعد أن سمح لها بالدخول -تفضلي يا ذكرى ذكرى -طلبتني دكتور عصام. -ايه، زميتلك بالعمل، علميها عن الإجراءات الأساسية ذكرى -إن شاء الله .. حياك يا تغريد مشيا وخرجا معًا ابتسمت لها ذكرى -حياك تغريد، أنا لي ٢٥ سنة واشتغل هنا. -ما شاء الله. ذكرى ضحكت -لا تخافين يا حبيبتي، شغل بس يبي لك تركيز وشوي جهد تغريد -تبين صدق يا ذكرى، تراني ماهو مرة بالكتابة. ذكرى -ولا يهمك معك خريجة اللغة العربية، بالأول بس بترتبين لي فاينلات وبأعملك شوي شوي لين تصيرين ازين مني. تغريد -تمام. كرست وقتها مع ذكرى وتناست أو تحاول أن تتناسى اختها التي بقيت في حالة هروب مع سبات عميق لعلَّ يا حنين في نوم هربًا ومتسعٌ من الضيق! * * ينام شماغ الأحمر والعقال الممد فوق سجادة الحمراء التراثية، وصينية الفضي تحمل فوقها إبريق الشاي العتيق، وكوب زجاجي عتيق، تفوح منه رائحة الشاي بأوراق العطرة دخلت جملا للجلسة بيت الشعر -يا ربي منك يا سعود! سعود حبيبي! شاللي منومك هنا. فتح عيناه الناعستين كسولًا -وش فيك؟ جملا -ابد ما فيني غير اطامر وراك، وبعدين معك! سعود بإرهاق -جددي لي الشاي، ولا يكثر. جملا -الشاي له ربع ساعة عندك، وش فيك يا حبيبي، أنت تعبان سعود -مرهق شوق، كم ساعة صارت! جملا -٢ الظهر نهض سعود -عز الله خالي بيعلقني بالشجرة اليوم، لا تحتريني على العشاء، عندي شغله أبي انهيها، حطي لك هدوم بننزل للسعودية جملا -تمزح! سعود -يا بنت الناس قايل لك ردتنا قريب، يلا فمان الله. تنهدت بضيق من عناده وعدم لا المبالاة -وش بقول غير الله يهديك يا سعود. فابتسمت -اخيرًا برجع لأمي نجية. * * السعودية - وادي شرق في الاستراحة أنور -وين قهوتك يا ولد ابطيت أنس -قم هات الماء أنور -ما فحالي، قم أنت سوه رمى أنس دلة -قم أنت وقهوتك نهض أنور بغضب -وراه رميت الماء، احتريته لين المويا تسخن، وش بلاك شاب ضو! أنس -قم سو قهوتك بنفسك أنور -أمحق خوي. أنس -فكني من ملاسنك يا ولد. أنور -آسف يرد عليه أنس -سمعتها واجد ماعاد لها أي شيء أنور -عاد أنا اسويه بلساني يا أبو متعب يضم أصابعه اليمنى بالإبهام -تمسك لسانك بقول أنت لا تمسك لسانك بيدك، امسكه من الحكي، خلاص روتين عجزت منه، تعبت تعبت، تعبت والله ما عاد لي طاقة خلاص قبل رأسه -ياخي من حبي لك احب اهبل فيك، قل لا إله إلا الله. فضحك عساف -وينه به شيّاب، يهجدكم، رائف ذا رجال وين به طس! التفت إليه أنور -علمي علمك يا عساف. * * حينما استيقظت من النوم برأسها المثقل بصداع، رمشت أهدابها، وكأنما تصدق ما حدث! نهضت سريعًا تود أن تكتب رسالة المئة والعشرون، تقدمت بخطى سريعة بخدر جفنيها المُتعبة، نظرت لثيابها هي لم تغير حتى ملابس الجامعة، أخذت قميص فيكتوري بلونه الأبيض، دخلت لحمام سريعًا أخذت حمامها الدافئ، خرجت تسحب الشال الوشاح بلونه البيج زينت بها قميصها، حتى أصبحت ذات ملامح فاتنة بوجه حزين، فتحت درج وسحبت ورق البياض، ثم تناولت قلمها جلست على نهاية زاوية الغرفة مقابله طاولة المكتبة الخشبي المهترئ القديم، كانت تكتب كم حرفًا، وترمي الورق أرضًا تجعده في يداها، كم ورق، وورق تلقي قصاصتها في سلة المهملات ، عبث الحب بقلبك يا حنين، وضعتِ راحة يدك اليسرى فوق جبينك بهم حتى تسطرين تلك الحروف، تأملتِ بحزن فلذت أدمعك! سحبتِ ورق جديدة وضعتيها بقلب آلة الكتابة التي كانت هدية أباك الوافي، حينما تخرجت العام الماضي من الثانوية بتقدير امتياز، فكانت أمنيتك مكتب قديم وآلة الكتابة. هذا الليل، الذي ينطوي تحت رثاء قلبك يا حنين، وأنت تضغطين بضغط مطولًا فوق مفاتيح آلة، نحو حرف التاء تحديدًا تفكر في متاهات عقلها تفكر في حروب التي اعلنها وخاضها أبيها الوافي تفكر في المواعيد والصراعات والانتصارات هي لم تنتصر كثيرًا وحين انتصرت تواضعت بشدة فلم تعرف لذة النصر تفكر في هزائمها وهي خسرت كثيرًا ولا تدري لماذا ما زال قلبها ينكسر لفكرة هزيمة معتادة تفكر في نفسها التي تظن لم تعرفها كما يجب … هي مجرد حنين. وضعته عبر بريد مكتوب فقط الرسائل استطاعت الخلود في صدرها رغم ضياع العناوين حنين الوافي ٩/ص (د ٣٥) سحبتِ الورق وطوته من يمين وشمال، ثم وضعته بقلب الظرف البريدي، فتحت درج سحبت علبةٍ سري بلون الأخضر زاهي مخملي، لا يملك مفتاحه غيرها ، رمت ظرف، وسقط الدمع من مقلتاها، فتحت الباب فتون -صحيتي يا عيون أختك نظرت لملامح أختها الحنونة، نهضت وقد تجاهلتها تماما متجهة نحو المطبخ بملامحها شاردة، الذي بيسار صدرها واحد، يمتلكه واحد، نسائم ريح التي تعبر من النافذة المطبخ المفتوح، فتحت باب الثلاجة، وأخذت بإبريق الزجاجي للماء، سحبت كأس من الخزانة غسلته وضعته فوق طاولة، ثم سكبت الماء البارد، وتجرعته دفعة واحدة علَّ الحريق ينطفئ قليلًا! تأملتها فتون بحزن -حنين كلميني يا أختك، أنتِ طيبه سكبت ماء آخر وبيدين ترتعش، سقط ما بين يديها، حينما سمعت صوت باب المنزل قد فتح، ركضت مباشرة خرجت لتتسمر خطواتها وهي ترى وجه أبيها الأسود من الكدر والضيق -ليه ظلمتنا يبه؟ الوافي -انسي خليل، لا تخليني امد يديني وأنا عمري ما مديت يدي على مره لتدمع عيناها -أبشرك يبه قلب بنتك ينزف، اشلون، غصبت خليل يتزوج من أختي، يبه أبي افهم شيء واحد! صرخ بوجهها -فتـون، خذيها من وجهي، لا رد عقلها تعرف من هو أبوها. فتون سحبتها تضمها إلى صدرها -حنين يابعدي، ارحمي حالك. حنين كانت تدمع عيناها بالصمت، دفعت فتون حتى تمضي نحو الصالة، للكنبة الوحيدة، مددت جسدها، وضمت ذراعيها، وصوته يرن رنينًا، صوت خليلها!، ظهره موليته للباب، كانت تقف فتون تتأملها -الله يجبر قلبك ياحنين، الله كريم ويعوضك اخير من خليل. كان اهتزاز جسدها الباكٍ، بكاك قلبك، أليس الحزنُ قد عادا! التقيتِ به بعد أن رحلوا من أبدل الأحباب يا حنين، لا تأسفِ على زمن رأك الحزنَ أشكالا .. جسمك وموضعه، ألمٌ فوق تألمَا ! حنين تنزف، عيناها البُنيتان، أنفها المستقيم كسيف ناعمًا، شفتيها التي عضت طرفهما من شدة القهر -اذا مت، ادفنوني جنب قبر عمي باتل. * * اثناء خروجه من شقة، ركب سيارته، وفتح أزرار ثوبه بإختناق، تذكر كلمات عمه -هالحين فازعن بخويك، أنت ما تفهم الهرج! خليل بقهر وجه غاضب -يا عمي قلي بصراحة ليه ما أنت ناوي تعطيني حنين، ياعم ما يجهلك إنها تحبني وأنا أحبها. ليه اظلم شروق اللي هي بمثابة أختي رمى فنجان الوافي على الجدار -المهر وينه؟ خليل كتم غيضه -قلت لك يا عم جمعت ربعه، واشلون شروق، راضي عليها بالقليل. الوافي بهدوء -حنين بنت صغير تسمع، يوم إنك لعلعت صوتك وأنت ما أنت بقد الحكي، وإكرامية الشيخ تنرد له، قم أفتح الباب زفر خليل ينهض من مكانه خرج من مجلس الرجال يمشي نحو باب البيت، تفاجأ بالمملك أمامه فابتسم إليه الخضر -عمك الوافي موجود. خليل -ايه تفضل حياك. أردف بصوته الجهور -لا إله إلا الله . دخل المجلس المملك صافح بالأنف وابتسم -عسى أمور زينه الوافي -اقلط يا المملك، حياك تفضل نظر خليل في الباب مرة أخرى، وإذا برجل النجار قوت، وعساف خليل باستغراب -عساف! وش اللي جابك ابتسم له عساف -مبروك يا عريس، أجل ما تبلغني يا قليل الخاتمة! خليل -وش ابلغك فيه! خليل بضيق -قوت، حياك الله، اشلونها بنت العم. فابتسم قوت -بخير عساك بخير، مبروك عليك، منك المال ومنها العيال شعر إن رأسه يكاد يفتك من صداع بعد أن أدى السلام جلس بجوار بعض المملك -وين به العريس؟ كان يجلس بجوار عمه، وضع يده اليمنى فوق حجر خليل -ذا شبل. نظر في عمه بدهشة -عمي! المملك -على بركة الله، ردد معي يا أبو فتون الوافي -زوجتك ابنتي شروق على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى الصداق الذي تراضينا عليه. نظر في عمه بخيبة، أيضعه في ضغط مريب كيف يقبل ويرفض هذا الأمر، يريد أن يخرج، نظر لوجه عساف الذي يبتسم له، تغير وجهك تمامًا يا خليل، وعقلك لا يسع كلماته، كيف يخون العهد والوَّد مع حنينه! المملك -يا عريس! عجزه، مكبل إن رفض خسر عمه ونفسه، وأن قبل خسر حنين، تكلم وهو يكتم غصته -قبلت نكاحها لنفسي، وعلى سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم وعلى صداق الذي تراضينا عليه. المملك -بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينهما بخير، اللهم اجعله زواجًا مباركًا يا ارحم الراحمين، وألف قلبهما على طاعتك يا كريم، اللهم آمين، اللهم صلى وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كبيرا. الوافي الذي سلم على المملك، الذي فورًا غادر، وهمس لخليل -ألف مبروك يا بناخي. خليل بضيق -مهرها ٥٠٠٠ آلاف! ياعم أنت تعجز بي! الوافي ابتسم -هي تحتريك، خذها والله يستر عليكم. صافح صديقه عساف، وقوت، وغادرا، مما بقي وحده بالمجلس، كان يسمع صوت صراخها -يـبه تمزح معي! الوافي -وش مزحه، زوجتك واحد راح أثق فيه ويصونك، ولد عمك. شروق ببكاء تقبل يده -بيه دخيلك، قول إنك تمزح معي. خرجت عجايب تحمل صينية أوراق الملوخية لتطبخ لغداء هذا اليوم، عندما سمعت صوت ابنتها شروق، نهضت وركضت سريعًا -وش فيكم! الوافـي! من هم رجال اللي شفتهم! الوافي ببرود تجاهلها -فتـون، يا تغـريد تغريد نظرت لوجه أبيها -سم يبه. الوافي -جهزيها تلبس وتغير هالقميص اللي عيت تعتقه، وتلبس فستان وتسري مع رجلها. عجايب نظرت لوجه الوافي بعدم استيعاب -أي رجل! شروق صرخت -يمه، يمه دخيلك ما أبي أبعد عنكم، يمـه أبوس يدينك، أنا ما اصلح له، أنا مثل أخته، يمه دخيلك. الوافي بغضب -اشلون أخته، تفتحين وجهك له، ردي عـليّ! شروق بشهقة -لا. ربع ساعة، بعد أن سحبتها فتون لتساعدها وهي تسحب فستان أبيض بسيطًا جدًا، أمسكت ذقن أختها -أدري الكلام ما يفيد الحين، لكن اللحين أنتِ زوجة خليل، موب كاتب الله نصيب بينهم، انسي كل شيء يا شروق وابدئي حياة جديدة معه، أنا مدري وين الخير فيه، لكن كل ما حاول المسكين يجي ويبي يتقدم لحنين يصير ظرف أكبر مننا! والله يوفقك ويعوض حنين. بدموع شروق -اشلون بناظر بوجهها، اشلون خذا موافقتي. فتون بغصة -موب موكلين أبوي بكل شيء. شروق -فتون لا، اشلون بناظر نفسي، عقلي موب مقتنع، قولي إنه حلم. صرخة تغـريد بعد أن لمحت بكاء أمها عجايب صامتة تتأملها بغصة وفجيعة، لم تتكلم حرفًا، غادرت شروق مع خليل بعد أن ودعت أمها وأختيها -دخيلكم حنين لا تكرهني، دخيلكم فتون. فتون تمسح دموعها -أبشري، بتتفهم موقفك، هي اعقل واحد فينا ومتعلمه وتعرف إن كل واحد ما يأخذ إلا نصيبه. كان موقف صغير لكن كبر في قلب شروق وخليل، المعاناة التي تصارعت على قلبهما، كل شيء تغير بموقف واحد، وهي كلمة أيضًا. الوافي -عجـايب! عجايب نظرت فيه بعتاب -تبي تموتني، كل هذا عشانه، حرام الله اتق الله في بناتك. الوافي -أنا مسري للمزرعة، واحتمال اطول، يا تغـريد. نظر في أبيها -سم يبه الوافي -وينه سلة الشاهي والقهوة تغريد بغصة تكتمها -أبشر جهزتها لك بروح أجيبه. كانت تضع يدها فوق راحة فتون ابنتها البكر، -اليوم آخر اختبار لأختك، وش بقول لها يا الوافي! اقول كسرنا قلبك، وخليل ماعاد هو من نصيبك. الوافي -ايه هذا العلم الصدق! عجـلي يا تغريد ركضت تغريد وهي تمد سلة العزبة لأبيها، وبحرص فهمس لها بصوتٍ الصارم -انتبهوا على أمكم، يلا اسلم عليكم. خرج الوافي مغادرًا، وكانت قد تشعر بتعب مالت بجسدها وسقطت، خافت فتون -يمه، يمه، تغريد اتصلي على خالي عبدالحكيم، والله إن شفتها من صباح وجهها تعبان، يا ويل حالي عليك يمه. تغريد ببكاء -أنا بأسري لبيت خالي، أبوي ذا المرة صامل، يمه يا قلبي فتون، تزوج بشروق، يا ربي وش هالمصايب هذي. * * ما زلت لا تستوعب كيف تجبر عمك، وأنت تحاول اتقاء شر، لكن إيذاء قلبك، لم تنجو من خيبةٍ! جعلك تحت ضغط رهيب، أنت لم تشبه طباعك، لم تبين عدوانيًا وأنت في الحقيقة مسالم، أنت فقدت قيمتك خليل، منذ زمن لأنك صادفك في حال ضعف! تقاتل آلامك بانفعالات الأطفال، ضربت المقود بقهر -يــا رب، لا حول ولا قوة إلا بالله، يالله إن كان امتحان ليّ فلا تختبرني فيها، يا رب اشلون استوعب حنين حرمت عليّ. سمع رنين هاتفه، رفعه بإجابة -وين أنت فيه؟ -الجبيل طال عمرك. -وش صار! خليل بسخرية -تزوجت. أردف بغموض -وايش فيك ليه تقولها وأنت زعلان! ثمن نسيت اقول لك بالمبارك. خليل ضحك -تباركني على خيبتي. زفر بغضب -ماهو أنت ماهو براضي تتنازل، قلت لك أكمل لك باقي المهر. خليل بكبرياء -مهرها أنا اجمعه بنفسي، وليت لي حق فيها، ضاعت يا شياب، ضاعت بنت العم اللي أحبها. شياب بقهر -غبـي. وايش اللي خلاك توافق من الأساس بغضب -حطني بالأمر الواقع، شياب تنهد -حتى خطبتي لها ما فادت، عمك مصمم يا خليل، ولا هو منك ولا هو من قدرك، مير برأس عمك حب ما انطحن. خليل -المهم، خل موضوعنا يهدأ شوي ثم تقدم رسمي، أنت على إنك دكتور مير نسيت العادات والتقاليد ساخرًا -قل والله، وماهو جيت بسرعة، تبيني أجر أبوي اقول أنا رايح اخطب يلا امش معي! ما عليك فيني، ودامك تزوجت من بنت عمك يا خليل اتق الله فيها. خليل -يصير خير. سلام. * * أرض الأوتاد صالة منزل آل ذهال وتد -يبه. هميم -قم عن وجهي، رح لم فلوس، ديانة طالت معهم، وأنا ريال واحد ماعندي وتد -عندك الدين عند مين. هميم -عند بقالة أبو صالح، فوق ٧٠٠ ريال، وأبو معن له ١٠٠٠ ريال، ويا كثرهم. وتد -ايه بدبرها يبه بس دخيلك، فكك من هالمشروب. هميم -ايه زين، يلا قم افلح غادر وتد المقلط، وذهب لغرفة غيداء التي ابتسمت له بحنان -هلا وتد. فابتسم لها بحنان أخوي -قلب وتد، هاه كيف اختباراتك! عساها زينة. -حمدلله انتظر نتيجة، وتد صدق صدق اجلس لا ترجع لبريطانيا. وتد بضيق -وين ارجع يا أخوك، شإللي ناقصك؟ غيداء -ساعة عجبتني في محل، كان خاطري فيه لكن سعره غالي! غادة باستهزاء -ما عندنا نشوف الكهرباء تبين ساعة عاد، الله أكبر وتد -أبشري، يلا هالله الله بأمي سيوف غيداء -يا قلب أختك تسلم ليّ، وأنتِ واره مناشبتني! هو سأل وأنا علمته، تغارين أردفت غادة -عشتو أغار منك ذا ناقص بعد، وخري بس خليني أساعد أمي. * * الماضِي كانت اقتراب وقت ولادتها، يقف عند باب الشارع يرى المبنى تحت الانشاء ويقف فيها النجار يضرب مسماره، ويتحدث مع العامل وكأن صوتهما حادًا، وهو مستمتع كطفلٍ بعثره فضوله! بدون ملل، وصوت ينادي -وتــــد وين أنت يا وتد الصوت من داخل المنزل، ولكن نبرته غريبة نوعًا ما، ربما صوت النجدة والألم، مضى في مشيته وتد، دخل من باب المجلس، وإذا يرى من بعيد بالغرفة عند الباب سقوط سيوف أمه تزحف على بطنها، اقتربت وهي تصرخ وبيدها سماعة الهاتف -بططــــني عوار، ودم ينزل مني بمووووت. يقف متسمرًا، معقولة والدته تموت! كان آنذاك تفكير طفلٌ صغيرًا في عمره السبع سنواته. وهي تصرخ -يا وتــــــد رح الجيران بطني تقطططع وجدك فيصل مايرد على التلفون وابوك برا البيت هي أول مرةٍ يرى أمه بهذا ضعف وتبكي، برجاء تطلب منه المساعدة في أضعف حالاتها -سمي يمه، برح أشوف جدتي وإلا عمتي غيوض. سيوف -ايه يمه اعجل يا يمــــــه، آهِ اثبت يا يمه، اثبت. يالله يارب. كان قد مات قبل أن يأتي للحياة، يتذكر كلمة عمه عوف -شف يا وتد، إن جلست عاقل ما احنا مزوجين أبوك. وتد -وشمدخلك أنت. عوف بمزح ينظر لأخيه سهم -شفت يا أبو وتد، قايل له إذا ماسكت وكفى عن البكى أبوك سهم يعرس على أمك. وتد بحمية طفلًا صغير -والله ما يعرس، أمي سيوف تطرده فضحك عوف -أفا يا ذا العلم، أجل سهم كرتك راح وطي ياخي. ضحك سهم -ماعليك من بربرة عمك يا ولد.. قم يا وتد أسري مع عمك، وأنت الله يهداك به أحد يجيب ورعن بالمستوصف! عوف -وأنا وش يدريني لقيته يصايح أبي أمي، وما غير يضربن بالحصى. سهم أمسكه وخفض طوله إليه -وتد أنت رجال، ما تبكي، أمك بتقوم شوي تعبت وتد بعينيه الحمراء -هي تقول بتموت، يعني أمي ماتت. تأفف سهم -تموت أنت تفاول على أمك، قم انقـــــلع مع عمك. لا تسرع يا عوف انتبه بالطريق عوف -زين، يلا وتد. قم -ماني قايم، بحتري أمي. نظر لهم سهم بغضب -اذلف مع عمك وأسري يا وتد .. لا تطولها وهي قصيرة نظر عوف في سهم وبأمر -أنت وش فيها لو خليته ينظر بأمه، المسكين عيوناته حمر. سهم -ماله مكان .. ضفه عند أمي ماهو بوقت اتلاكم معك يا عوف. عوف بضيق -زين، يلا مشينا وش رأيك نمر على محل السياكل نشوف لك وحده، بس ها لا تعلم أبوك ابتسم وتد يمسح دموعه -وأمي؟ عوف -أمك ماهي بحولك الحين، بتمشي معي وإلا اكنسل المشوار. نظر وتد في باب الذي كانت متواجدة فيه جسد أمه بداخل الغرفة، وفي عمه عوف الذي أغراه بالذي يحب، دراجة هوائية -بأسري معك خرجا معًا عوف ووتد، مغادرين ممر المستوصف وقفا عند السيارة الجمس العتيق وصوت عوف بإنزعاج -أنت ليه تبكي، مو كافي أبوك مرتاع! وأنت تسبح بدموعك. الملاك بعيدة عنه، وتتألم تكاد تفارق الحياة مع أخيه صغير! -خلاص ماعادني ببكي. عوف -ايه شاطر. مشيا من الطريق المستوصف إلى أرض الأوتاد، نظر بفطنته وذكائه -ذا ماهو بشارع السياكل، وين تغدي؟ عوف -على صغر سنك تعرف تحكي! وين بعد بنزلك عند عمتك غيوض، تراني عندي اختبار مانيب فاضي لك. صرخ وتد ببكاء -أبي سيكل. عوف -قالوا لك مسؤول عنك! وتد -ودني لأمي. عوف بخبث -توك تنشد عن أمك، أسمع خلك مؤدب، يوم بالكثير وتنام بحضن أمك بس لا تصيح، أوجعت رأسي. وتد -أبـــــي أمي. عوف -يا الليل ما اطولك. عندما وصلا إلى المنزل لم ينزل وتد بل تشبث بكل قوته بمقعد سيارة المجاور، كان كثير البكاء، عانى معه عوف إلى أن تركه في السيارة وهو يصرخ -غيـــــــوض، شوفي لك دبرة مع ذا الورع، عندي اختبار وأخوك ما خالاني ناشبي لي حتى بيوم اختباري. غيوض ابتسمت له بحنانها -اسم الله عليك تعال يا عمتك، تعال وتد، شف بنلعب أنا وأنت بنسري نأخذ كاكاو وفشفاش، يلا. مسح دموعه وبأمل الضائع -وأمي سيوف! مسحت على شعره -أمك بتقوم بالسلامة وبتجينا. وتد -بس هي تقول بها خلاف، بطنها يوجعنن واجد، هي هي تبكي كثير. نظرت في عوف بتأنيب -ياعميري الولد متروع، الله يهداك يا عوف. عوف -سكته وعدته بسيكل مير والله موب فاضي، اختبار شيب الرأس. غيوض -تعال بنسري للبقالة ثمن نلعب أنا وأنت الطابة، وش رأيك. وتد -زين.. * * الآن كانت في المطبخ تقف بثوبها زاهد العتيق، وجديلتها الناعمتين على الوجه الدائري الجميل، كحلها الأسود ذاب على طرف أهدابها وأسفل عيناها، من شدة دموعها من تقطيع البصل، تأخذ نفس عميق سيوف تمسح دموعها -يالله يا رب، مثل ما اغناني هالولد تغنيه وتحرسه وين ما توجه، يا قلب أمك يا وتد، يا سندي وعزوتي لا اعتزيت بك يمه، الله يعوضك ويرضا عنك، آهِ يا وجع قلبي عليك يمه، ليه أحسك حي، ليه؟ من ٢٤ سنة ويقولون إنك ميت، ولدك طلع للحياة ميت، لكن أحسك حي، تعوذي من إبليس يا سيوف، إن كأنك تحت الأرض الله يرحمك يمه، وإن كأنك فوق الأرض الله يجمعني فيك اللهم يا جامع الناس لا يوم ريب فيه اجمعني بحشاشة جوفي يالله يا رب. دخل وتد، ورسم ابتسامة على شفتيه -من هو وتد، هلا يمه.. هلا. وتد -هلا بريحة الجنة، هلا بطوايف أبوي كلهم. سيوف تمسح دموعها وتغسل يديها -هاه يمه عسى لقيت شيء. -ايه يمه، بيرزقنا الله، أنت بس لا تشيلين همي يا الغالية. وش بتزيين يمه اليوم. ابتسمت سيوف وهي ترمي البصل فوق القدر -تدري يا يمه، هالخير من جانا، هالجارة طيبة، وأنت بعد ما قصرت.. بيض الله وجهك، شهم وكريم، ويدك حره، عسى عيني ما تبكيك يمه. صرخ هميم -وين به الغــــدا، إلى متى هالحالة، البيت يصفر ويفضى تمرة مابه. سيوف بخوف عليه -يمه لا تناشبه. التفت إليه وتد -شوي ويجهز يا يبه، تعال معي. هميم -هات الثلج وتعال معي، أبيك بعلم. وغادر مثل ما أتى .. للمقلط. بينما سيوف التي أمسكت ذراع وتد -يمه اصبر عليه، أنا بنفسي بأسري اشتغل واساعدك بالمصاريف، بفتح لي كشك صغير وأبيع بهاراتي. وتد -يمه وش قلنا عليه سيوف -ما يعيب شغل يمه، مثل ما قلت بيرزقنا الله، أنت رح توكل. وتد -تراني قبلوني حارس أمن بالمول. سيوف -الله يوفقك يمه، هالله الله بنفسك. قبل رأسها -أبشري، سوي بهاراتك وأنا أبيعه. سيوف -تم يمه. غادر وتد نظر للمقلط، وإذا بأكواب الشاي مرمية ببعثرة فوق السجاد، وبعض من (الحب المصري)، تنهد بضيق - آمرني وش بغيت؟ هميم -أنت عارفن من هو أبوك؟ وتد بضيق -لا ما أعرف إلا أنت. هميم -يعني عارفن وش أنا بالنسبة لك. تنهد بضيق -ايه يبه أعرفك، أنت اللي ربيتني وكفلتني، آمر وش بغيت؟ -أبي لي فلوس، هات ١٠٠٠ ريال وتد -يا يبه وتصرفهن على هالبلاوي، يا يبه اركد الله يحفظك لي. أخذ بيالة الشاي ورماها على الباب -ما تظهر إلا و ١٠٠٠ بيدي. وتد -ماعندي يبه، من يرزقني الله أبي أجيبه لك. هميم -قل لأمك تبيع ذهبها. وشوله بعد جالسن على قل سنعها بتجوريها! وتد -هذا ورثها من جدي فيصل، وش بلاك يا يبه. وأنت اللي حلفت ما تطر يدينك على ذهبها وش اللي اختلف. هميم بصداع -محتاجن فلوس، دبر عمرك، ١٠٠٠ ريال تسمع، معك لين باكر ما لقيته بيدي والله ثم والله، تنقلع هي وبناتها بالشارع. وتد بضيق -يصير خير. ركله بغضب -انقـــلع عن وجهي، لا بارك الله بساعة اللي أخذت فيها أمك. * * سيوف كانت تقف تنتظره عند باب المقلط سحبته من ذراعه -وتد يمه فابتسم له بحنوٍ -خلاص يمه، ملزوم اتحمله وش سواة بعد؟ سيوف بخوف -يا يمه أنا عندي لك شورن الثاني، وش رأيك تأخذني بلم سوق الذهب، أبيع كل اللي بتجوري وأجيب زودهن علي غوايشي. وتد برجولته، وحميته -والله ما تبعين شيء وهو إرثك يمه، أنتِ بس ادعي لي، وأبوي ذا المرة بحتريك بدخل غداه وبقفل الباب عليه. سيوف -ايه زين رأيك. بعد ساعة، بعد أن اجتمعا على سفرة الطعام، تناول هميم حبيبات رز وبملل -ماعندك غير ذا الكبسة! وراه ما حطيتي اللحم! سيوف -وأنت شايف البيت يوم تطلب اللحم، جزاهن الله خير اللي عطوني كم فنجال من رز .. قوموا يا بنات هميم بأمر -وين يسرن يجلسن بعد بناتي بتحرميني منهم. أشارت على غادة وغيداء بنهوض -اشبعوا وراهم مذاكرة، قوموا يمه. التفت لوتد بعد أن أخذ أبيه للمقلط ورآه يتخبط يمنة ويسارًا لينام، أغلق الباب بالمفتاح -هذا هو يمه، لا تفتحين له الباب تكفين، وإن جو ربعه لا تفتحين لين أجي يمه طالبك. سيوف -إن شاء الله يمه. غادر وتد المنزل مشى باتجاه سيارته ركب في مقعد الراكب، حرك متجه نحو عمله الذي خرج من بؤرة الهم والضيق، مرت عليك ليالِ ثقيلة يا وتد، شعرت بضيق وأنت ترى سيارة تراقبك منذ أيام، وقفت بالقرب إحدى محطات الوقود لتعبئة بنزين، سلكت مسار آخر بعيدًا، ثوانِ حتى وجدت ظلً يأمرك بفتح الباب -أنت قم انزل. وتد فتح النافذة -وش بغيت يا الطيَّب! رائف -قلت لك انزل. فتح الباب وتد، ونظر فيه بريبة، ملامحه مألوفة بذاكرته (فأثابكم غمًا بغم)، سورة آل عمران - آية ١٥٣ * * كانت تنام على تلك الكنبة، سوى صوت تنفسها الهادئ، نظرت فتون برحمة لها، مسحت على شعرها القصير -حنين يا قلبي تعالي نسري يم سريرك. دمعة إنكسار، كانت تمثل نوم، هي لم تنام، هي فقط اغمضت رموشها، فتحت عيناها -عادي ليه صحيتني، أنا بخير. أي خير ونبرة صوتك حزينة، موجوعة، صوتها الواهن يخرج من ألم -ليتني ما كبرت، ليتني بقيت حنين طفلة اللي أبوها مستحيل يرد لها طلب سحبت جسد أختها المتشنج من البكاء روحي -حاولي تنسينه حنين، ما الله كاتب بينكم نصيب، كل شيء يذكرك فيه احرقيه. فضحكت ساخرة -إذا حرقته اشلون بحرق ذكريات الطفولة! * * صدرك الذي تتوسد شعرها العسلي -رحــيل. رحيل ببكاء -وش جابك عندي؟ قوت بهدوء -مرتي بعد وش جابك! ما تأقلمتِ تارك شهر تستوعبين. رحيل نفضت يده بقهر -ولآخر عمري ما راح أكون زوجتك. فضحك قوت -ارضي بزوجك، تراني ولد النجار، وهالنجار يملك مصنع كان ودك يعني تطمنين على راحتك المالية. رحيل بغصة -وليه ما نسمع إلا إنك فقير. قوت أمسك ذقنها فهمس بصوتٍ حانِ جدًا -تراني من أول باغيك من عمي عسى الله يحفظه، وحمدلله اللي وافق عليَّ، تراك يا رحيل القدر الحلو والعمر اللي يرضيني خلينا نعيش، بعدين ما عرفت بأن اللي ترفض رجلها الملائكة تلعنها رحيل ابتعدت عن نظراته -وهو أنا عرست طبيعي عشان اتصرف معك طبيعي! غطى صوت الأحزان نبرتها، جدران هذا البيت، بعيدًا عن أحضان والدتها عجايب وأخوتها الأربع! استعصى عليها فكرة هذا زواج بغير رضا! هي رحيل التي اتسعت روحها في هوة مظلمة، باردة، موجعة شهر كاملًا تفصلها عن فراقهم! كان بإمكانها العودة وذهاب إلى منزل أبيها، لكن عنادًا لم تود رؤيتهم وكأنما تحارب في أرض مقفرةٍ بلا نفاد! -عطني وقتي يا قوت .. خليني اقلها استوعب اللي صار ليّ. ضمها بخشونة فهمس قريبًا من إذنها -جعل ما يمسك ضيق إلا ضيق حضني يا رحيل، اللهم آمين. * * " ولا ندري عَن الأقدارِ شيئًا وَفي الأقدارِ مَنفعَةٌ وَضُرُّ فَقَدْ يَأتي مِنَ المكْرُوهِ خيرٌ كَمَا يأتِي مِنَ المْحُوبِ شَرُّ " انتهى الحنين الثاني #عمر_الغياب_عبير | |||||||
22-02-24, 02:10 AM | #16 | |||||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 7 والزوار 5) عمر الغياب, مَلاك+, سما وقمر, هتاف عبدالله, الخُزامى هتّان+, نَغمُ اللقاءَ, لطيفه. ص أهلاً بكمْ جميعًا.. يشرفني آرائكم على الرواية . | |||||||
23-02-24, 12:04 AM | #17 | ||||
| يمه يمه يا ربي الطف فيناااا، وش جاب خليل طيب للوافي!!! جاء ببالي وقلت عبير يمكن تموه لنا لكن طلع صدق .. صدمة قلبي ،، أحداث كارثية وماضي غامض يا خوفي من رمية سهم وراها بلاوي،، وشكلها ماهي بعيدة عن عيون السيح العنيـــد يمه يمه لو طلع لها يد ابي اجرها من شعرها قليلة الخاتمة ماهي مريحة ابد ابد ضغطي ارتفع وهي افكار كيف لو طلع صدق | ||||
29-02-24, 01:33 AM | #20 | ||||
| صباحك خير عبير في قيد القراءة، وواثقة مثل أخواتها الأربعة متميزة دومًا وألف مبارك مولودتك الخامسة. الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 4 والزوار 1) برد الطريق, قصصية, حلم قلبي, نَغمُ اللقاءَ+ تثبيت وجود وتسجيل. | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|