![]() | #751 | ||||
![]()
| ![]() جميل ورائع ماأبدعته حروفك وما سطره قلمك لموس وأخيراً نطق لسان عقل راوية وأجادت بنصحها لآرام وقويت على نفسها وصدت أمها واعتزلت وسواسها أحمد ظهرت أبوته الكاملة وفاض حنانه وتلقى ابنه بصدر رحب ريبال الموجوع، وآرام المشتتة بدأت شرارة احتياجهما لبعضهما تُشعل نار حبهما المنتظر أحسنت حسنا بإحضار آرام موجودة لريبال، وإن كان هو طالبها فقد عرف داؤه من وجعه بها مرام ويحيى يضيعون من أيديهما نبتة حبهما وخاصة دخول يزن وأمه بواقعهما ننتظر المزيد كاتبتنا لا تغيبي كثيراً، وصفك وتسلسل أفكاره اقتحم عقولنا وبتنا لا تستطيع الإنتظار لكِ منا كل الحب والتقدير | ||||
![]() | ![]() |
![]() | #752 | ||||
![]()
| ![]() مسا الورد سند وسراب وبدلية زوال الماضي مشهد بثينة مع القاضي الكبير الله عليه راوية ومؤيد اعتراف راوية الو بانها اي ملاحظة موجهة الها بتخليها تصحح من نفسها وقفة مع النفسحبيت جدا راةية غير بعيدة عن والدتها نوال حبيتها وهيي عم تنصح ارام بتجي لعند نفسها وبتعك الدنيي يحيى يا يحيى صراحة رغم كلشي ما زعلت منو قهرو واضح بكل كلمة يس مرام عم تتخبط لنشوف لوين رايحين بعلاقتن يزن فالج لا تعالج احمد وريبال مشهد.الاب وابنو من إجممل مايكون لتقفلي الفصل بقغلة ولا اخلى مع ريبال وارام ياللي خطف فلبي بجمال المشاعر والسرد لوحة تعبيرية ولا اخلى ماشاء الله تسلم ايدك يارب جميلة الروح والاحساس | ||||
![]() | ![]() |
![]() | #753 | ||||
![]()
| ![]() ربنا يسعدددك يا لميس فصل يخطف الانفاس من جماله وقوة سررده❤ احمد القاضي لاول مره يظهر فيها بمظهر الاب المثالي فعلاً ،خوفه ولهفته من معرفة ابنه للحقيقه خلته يضل يتررقب ابنه كل يوم وكل ليله . سند وسراب ما زال كل منهما يتعافى ب الاخر روايه واخيراً فهمت الدرس واستوعبت موقفها الحقيقي مع مؤيد. ارام وريبال ومشهدهم كانوا قمة الجمال والروعه والرومانسيه . منتظرررينك يالغلا للجزء القادم بشوووق وحماس ❤ | ||||
![]() | ![]() |
![]() | #755 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() الفصل الثالث والثلاثون يوم كامل مكتظ به حد ازدحام نبضها، ساعات النهار مشغولة كلها بوجوده معها. هذا يومها الأفضل ناهيك عن كونه اليوم الخاص بحفل حناء آرام. أوصل سراب والدها إلى المشفى وهناك عرجت حيث غرفة مكتبه، طرقتين ولم تجده وسكرتيرته تخبرها: -هو في جلسته ولم ينتهِ بعد. تبسمت للسكرتيرة بمجاملة وكتمت خيبتها، لا بأس ما تبقى من ساعات اليوم له.. بل لها هي. -لا بأس سأوافي طبيبتي وألتحق به، أخبريه بمروري عليه. تعمدت صبغ نبرتها تملكًا وتحديدًا لمكانة خاصة عنده عدا كونها ابنة خال. تحركت حيث طبيتها تيسير وقبل أن تطرق الباب تنفست عميقًا وامتصت رائحة عطرها، وولجت مع إذن طبيبتها: -تفضلي. تحركت حول المكتب وجلست قبالة طبيبتها. تبادلت معها بضع كلمات قبل أن تستفتح الطبيبة لقاءها بها: -هل نبدأ؟ أومأت بتعاون وقد شعرت برغبة حقيقية بسكب قلبها دفعة وبهجتها. ركّزت تيسير في وجنتها وأمالت رأسها مهتمة وسألت: -كيف حالك سراب؟ تفتّح شدقيها ببسمة أكبر واتسعت فتحتا أنفها وهي تجيب بانبساط مغمور بالبهجة: -في أفضل أفضل أحوالي. طافت عينا تيسير حول وجهها وهي تستغل هذا الانفتاح والشَّهية الحقيقة لسراب للبوح: -أشعر أنك سعيدة اليوم بشكل خاص! هل هناك شيء جديد أم ماذا؟ تراقصت ملامح سراب على معزوفة فرحة وهي تنتبذ إلى صمت مع زمة شفتين ونفس عميق أتبعهما: -يمكنك القول أن هناك مستجدات كثيرة حدثت. حاوطت تيسير هذا البادرة المنفتحة وعقبت: -ما رأيك أن تحكي لي.. استراحت تعابيرها مع وجوم سراب للحظة فقالت: -تفضفضين لي وتفرغين مشاعرك إن أحببتِ بالطبع.. عادت تلف حالها في صمت متردد تجوب فيه ردودٌ حائرة متخبطة بينها وبين نفسها حتى اهتدت إلى مشاركة طبيبتها شعورها: -إممم، هذا اليوم تحديدًا جئت كي أحكي لك. طفر من عينيها وهج خفيف مع سكون مفاجئ وهي ترفع كفها لـفمها وتمسحه ببسمة غير مصدقة: -لقد تمت خطبتي لابن عمتي الطبيب سند. لم يكن جديدًا هذا الخبر عن طبيبتها، إذ أبلغها سند منذ أيام لكنها ادّعت صدمتها وراقبت كيف امتدت بسمة سراب محرجة حتى وسعت وجهها واستطردت: -أنا حتى اللحظة لا أعرف كيف تمت خطبتنا. باغتتها الطبيبة بنبرة هادئة جدًا: -فرحانة؟ ردّت سراب من فورها ولم تنتظر تتمة سؤال طبيبتها بـ أم خائفة بل أجابتها قِبلًا: -بل خائفة، خائفة جدًا. حزمت الطبيبة سؤالها ووجهته مغلفًا بجدية: -من ماذا؟ تركت عينا سراب ما حولها وشردت في صورة بعينها في مخيلتها وردّت: -من كوني معه، أنا... أقصد أنا سراب زوجته، لا يمكن تصديق الأمر والاطمئنان له. كمشتها الطبيبة مع ذكر سند وسحبت طرف خيطها الحكاء لها: -لماذا لا يمكن الاطمئنان له؟ سند ابن عمتك. تركت الصمت بينهما حتى انشحن الجو وانبثقت عنها تنهيدة شرحت بعدها: -جزءٌ مني مطمئن لفكرة وجوده فقط دون أية خطوة إضافية، المهم أنه موجود، والآخر خائف بشدِّة من اقترابه. أكثر مما تتصورين. حدّقت بكف يدها لبرهة ثم رفعتها للإضافة: -بالمناسبة هو لم يجلب لي خاتم الخطبة بعد. سألتها طبيبتها وهي تعقد ساقًا فوق أخرى وتتوجه بكرسيها نحوها: -خائفةً من اقترابه كرجل كأي رجل أم خائفة من اقترابه كسند؟ ترجمت حروفها حيرتها سريعًا: -كسند فقط. ثم استطردت شاردة: -أن يكون معي سند هذا يعني أشياء كثيرة، أشياء كبيرة، أكبر من قدرتي على تصورها فكيف بالتعامل معها. -أشياء مثل ماذا؟! وهل جربتِ تخيل التصورات هذه قبل أن تفكري في مرحلة التعامل معها؟ تركز ذهن سراب على الشق الأخير من سؤالها وأجابت: -لا هو باغتني فجأة.. مسحت أصابعها على حافة المكتب وشدّت مع انقباضة غليظة عليها آلمتها مع توتر نبرتها وضغطها: -أشياء لا يمكنني الحديث عنها في هذا الوقت ولا يمكنني الجزم بأنني أستطيع التحدث عنها فيما بعد. أشياء كثيرة قمتُ بفعلها. استندت الطبيبة بكفها على ذقنها واقترحت: -لا بأس سنتحدث بهذا الشأن حالما وجدتِ نفسك جاهزة للكلام. مرّ إبهام سراب واحتكَّ بحافة ظفر سبابتها، وصوتها انخلط بحذر وهي تبسط ملامحها. إذ لا يمكنها تفجير ما حدث بينهما ببساطة، سحبه من عقدة قلبها والتفريط به هكذا بسهولة. -أجل حتى أنا أفضّل ذلك في غير مرةٍ. دارت بالكرسي حيث الملاحظات الصغيرة ودونت لنفسها شيئًا وهي تتابع: -ما رأيك الآن أن نحاول فهم وقع الأمر عليك ومعرفة ما يشوشك ونفكّكه؟ تقدم ذقن سراب للأمام بمسافة واهتزَّ فيما تسأل بفضول: -تقصدين كيف أشعر؟ هزّت تيسر رأسها وسقطت الحروف عن شفتيها: -تمامًا. ثم بررت لها باستفاضة حلَّها: -لأننا بمجرد أن نفهم مشاعرنا سنفهم تصرفاتنا وأفكارنا. انطلقت سراب بعد عدة أنفاس هادئة تحكي: -سعيدة لأنه هو، وخائفة لأنه هو تحديدًا أكثر. ومع كل هذا الخوف فكرة أن يكون سند زوجي تفرحني، تفرحني بحق. -أ تحبينه أم هذه مجرد ثقة به ولأجلها أنت سعيدة. انفجر صوتها بلا تأنٍ: -أثق به بدرجة كبيرة رغم جفائه لي لوقت.. ممم كنت أنا سببًا فيه، لكن... تركت عينيها مع عينيّ طبيبتها واعترفت جانّة لا تملك من أمر تعقّلها شيئاً، وقد استولى قلبها على سيل الكلمات والعقل: -أنا.. أنا أحبه.. أحبه بجنون. حاصرتها تيسير مستفهمة: -جفاؤه الذي كان بسببك، أ كان بسبب حبكِ له أم لسبب آخر! فارت تعابيرها محتدّة واتهمته: -هو يعرف أني أحبه. مال رأس تيسر وقد باتت في ذروة اعترافاتها: -وهل كان رده على معرفته بالجفاء؟ تندفع وتروح منها الحروف هوجاء ولا تصل أعتاب شفتيها بل تلجمها عنها ولا تخرجها لن تخرج نحيب قلبها وتقول «هو جافاني لأنني السبب في أزمته» صمتت ولم تجب سؤال تيسير العالق حتى تكرمت بعد وقت: -أجل.. أقصد لا. هو كان يعرف بحبي له وحاجته إليه وجافاني رغمًا عن هذا. تحرك القلم في كف تيسير وأخرجت سؤالها: -وهذا ما يضايقك منه أو يجعلك غضبانة عليه؟ انطلقت حروفها هوجاء تكسر الحاجز الحديدي الصامت: -أجل، أجل لأنه أكثر الناس معرفة بي وبشعوري المكثف نحوه. ثم حلّ تراجع حول ملامحها التي اضطربت وحطّ مكانها سكون حزين مقبض مناقض لغضبها. فأرجأت تيسير هذا التفاعل إلى صمت يعالج ضيقها ويستوعب طاقة غضبها فتهدأ قليلًا. تمعنت الطبيبة في وضعيتها الدفاعية ونظرتها المستذنبة، كأنها أذنبت وتخشى عقابها، تتمسك بطرف حقيبتها كقط خائف. واستلمت السؤال الآخر من طبيبتها: -هل صارحته يومًا وعاتبته بغضبك وحزنك منه؟ اغتصبت سراب ردًّا حزينًا مكويًا: -لا هو رحل وتركني.. لم أره لسنوات طويلة. ضاقت عينا الطبيبة واتبعت استفهامًا فيصليًا: -أ تظنين أن لهذا علاقة مباشرة بالحالة التي أثرت على شعرك بعدها؟ اكتنفها تردد حائر وصبغت نبرتها الحذر: -هل تقصدين أن شعري قد يتعافى لو عدنا سوية؟ لفهما الصمت مجددًا، ارتكنتا إليه بلا ملل بل ارتاحتا فيه حتى رفعت سراب كفها حيث حجابها، أطبقت شفتيها المترددتين بقوة. وللحظة لم تشأ أن تضيف لولا أن وجدت الكلمات منفذًا وهربت منها: -أنا لم أصب بهذا المرض إلا بعد رحيله بشهر. ارتعشت شفتاها وسرحت عيناها في فراغ يخصها وحرارة كثيفة تغزو عينيها فتحميهما من البلل برفّ أهدابها: -تساقط شعري كثيفًا وتوسعت دوائر في رقعة رأسي، ومع ازدياد حجم الثقب في قلبي الذي أعقب رحيله ووحدتي، كان رأسي يمتلئ بثقوب جديدة أفقدتني شعري كما فقدت كل شيء حولي. انهزم صوتها مع سيلان عبرتين غادرتين طعنتا وعدهما معها ولم يحفظا حق الكبرياء والتماسك. حلّق انفعالها المباغت في الجو وتعبّأت الغرفة بشحنات مكلومة واكتظ الفراغ بألمها. امتصت تيسر كل هذه المشاعر حتى هدأت ووجدتها في وعي يستقبل كلماتها ويستوعبها. -ممكن.. أ تعلمين سراب أننا حين نرفض انفعالنا ونكبته لا يموت ولا يمحى، بل يبقى حبيسًا مختقًا داخلنا يبحث عن أي طريقة ينفذ بها منا. يدور هنا وهناك يفتش عن أضعف جزء منا و ومن جسدنا ويقبض عليه ويحاربه ثم يخرج من خلاله. لذا فإن مرض شعرك عرضٌ لانفعال أكبر لم يجد منفذًا يصرخ منه غير أضعف جزء فيك والذي في حالتك هذه كان شعرك.. فمن الوارد جدًا التفسير هذا، وحالما نعترف بانفعالنا المكبوت نعطيه حرية الظهور والعرض يبدأ بالاختفاء. استمعت لطبيبتها بمشاعر مشحونة ندمًا على بكائها وسألت: -إن خرج الآن قد يعود لي شعري؟! تبسمت تيسير بسمة داعمة حنون تربت على لهفتها واحتياجها: -بالطبع. ثم استطردت بكلمات دافئة حاوطت ذراعيّ سراب المتهالكتين بضعف: -لكن الرحلة لن تكونَ سهلة، لأن ما سُجن لسنين لن يخرج في لحظات.. نحتاج منك تعاونًا حقيقيًا ومساعدةً كي نحرره ونعرف كيف نحرر كل انفعالاتنا بشكل سوي وصحيح.. ثم التفتت لها في استفهام حقيقي: ما رأيك؟.. هل ستساعديني؟ تشبثت سراب بقشة حروفها بعد دقيقة تفكير عميقة وهزّة رأس مستسحنة فيما ترتسم بسمتها حقيقية على وجهها: -سأساعدك! رددت لها الطبيبة ذات البسمة ودعمت جسر التواصل الحقيقي في إنقاذ الحجر المتهالك في عقدتها: -جيد جداً، سنبدأ من المرة القادمة بأمر الله الرحلة سوية منذ البداية خطوة بخطوة. ثم أضافت في طمأنة: -يهمني جدًا ألا تقلقي وحالما شعرتِ بأنك غير مستعدة للكلام بأي شيء أخبريني بكل بساطة تأجيلها. حينها لن نستعجل في خطوة ولن نضغط عليكِ هزّت سراب رأسها بحرارة وأجابت: -موافقة موافقة وسأبعث إليك صورة خاتمي حالما ابتاعه بعد ساعة من الآن. رفعت الطبيبة عينيها لها وردت: -سأكون في انتظارها وانتظارك. **** كان سند يسير في طريقه إلى غرفة مكتب تيسير عاقدًا حاجبيه وعيناه تطالعان ساعة يده، حالما أطبقت الباب خلفها فكانت في وجهه تمامًا. رفع عينيه لها مع صوت الباب فشهقت وبرقت عيناها ساخرتان وهي تتهكم: -لم تطق صبرًا على وجودي هنا فجئت لتختطفني. تفقد وجهها بلمحة مطمئنة وكال لها سخريتها: -على الأغلب جئت أنقذ تيسير منك. مطّت شفتيها بغير رضا وتقدمت خطوة نحوه: -آه على شهامتك التي جعلتك تخطبني وتريح البشرية من شروري. بسط شفتيه بلا ردّ سمج تستحقه وأشار لها بكفّه كي تمشي للأمام فعلى ما يبدو جلستها جيدة وهذا المزاج العالي والشَّهية المفرطة للثرثرة يؤكدان على ارتياحها. التفتت إليه فجأة وسألته: -هل قمت بتحلية زملائك هنا وأعلنت لهم عن خطبتك لسمو الأميرة سراب؟ عقد ذراعيه وطالعها صعودًا وهبوطّا فيما يجيبها: -لا كنت أنتظر الرد يا ابنـ... -الأميرة سراب من فضلك! قوس شفتيه وطلب منها المضي قدمًا فألحت محتجة: -هيّا قم بالإعلان عن كونك خطبت ابنة خالك ربة الحسن والرِّقة واللطف وكل الصفات التي نعرف كلانا أني لا أمتلكها لكنك ستصرح بها زورًا لأجل أميرتك! -ماذا ألم تستمع تيسير إليك؟ هل انتقمت مني بـ نقل الحالات إليها وحوّلتك إليّ؟ رفعت حاجبها واقتربت تتمسك بحقيبتها كي لا تمسك كفه وتلتصق به كـ عاشقة بائسة لا رجاء منها وفيها: -بل استمعت جيداً والآن دورك يا خطيبي الموقر في إعلان خطبتنا وشراء الخواتم التي نسيتها لحد الآن! كاد يشتم وهو قد جاء فعلًا ليقلها إلى سوق الذهب كي يبتاع لها خاتمًا. لكنها لا تصبر ولا طاقة لها بالتروي وهذا الاستحواذ المزعج الذي تصر على حشر نفسها فيه وانتقالها إلى حالة بعينها يكاد يلتهم صبره هو. -كلمة إضافية ولن آخذك، أنت تتحدثين أكثر مما تتنفسين. تقدمت خطوة للأمام وجعلته خلفها مبرطمة: -أمري لله خطيب متسلط غير مراع ولا يعرف أن يحكي ولو كذبًا كلامًا ناعمًا يسعد أميرته. -في حال فتحتِ لي مجالًا للحديث بالتأكيد ستستمعين. دارت بجسدها فجأة وتوسعت عيناها بصدمة، رفعت سبابتها لـ فمها وقالت: -الآن جاء دورك. لقد خيطت فمي ولن تستمع إلى حسِّي. انطلقت معه مهرول نبضها وكل مرة تحاول إبطاء خطواتها مع مشيته الهادئة التي تقصّدها هادئة لاستغلال كل خطوة ونفس ولمحة شقيّة تغلّف ألفًا من وجه يستتر خلفها. تراجعت مرة أخرى حين سبقته وغطى تنفسها اللاهث على حرجها. توقف معها في باحة المشفى ولم ينتظر سخريتها حين سأل مهتمًا: -كيف كانت جلستك اليوم؟ تمددت حواف شفتيها ببسمة وليدة حقيقية بعيدة عن التهكم. أسبلت جفنيها على ردّها وخرج صوتها متنغمًا: -كانت جيدة، جيدة جدًا سند. زامن نطقها اسمه مع رفع عينيها له، وإن كان تهكمها يقتطع منه نبضة تعاطف حقيقية، فـ حقيقتها وكل لمحة حيّة تلقائية منه، تقتطع منه عشر نبضات ضريبة افتنانه! تنحنح وأخبرها: -إن تعاونت معها وانطلقتِ ستخففين المهمة عليها وتوصلينها بشكل أسرع لـ تفكيك الضرر داخلك. ازدردت لعابها ومال رأسها إلى جنب. اعترفت وعيناها تتوقفان فوق شجرة زينة: -أنا أحاول بحق من أجلي، أظنني سأجتاز كل هذا. أمّن على كلامها ودعمه: -أنا أؤمن بذلك أنت قوية جدًا وستفعلينها. كفاها الباردين الذي أعادتهما إلى جيبها كانت كفاه أحق بهما. لذا ما أن استدارت حيث المرأب. اختطفها من نفسها، وسرق كفها اليمين إليه حتى أوصلها سيارته. | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #756 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() **** استلقى سيّاف بجسده على الأريكة الطويلة في الكارڤان الذي اتخذوه اليوم في مبادرة إغاثية وصلها في لحظته الأخيرة وتلقى من ملهم توبيخه المعهود: -لماذا جئت؟ لا داع لمجيئك. تمتم له سيَّاف مستفزًا: -جئت أرى وجهك فقط! انخرط في علاج بعض الحالات المحدودة ووفّر للأطفال العلاج الذي تكفّل به كاملًا، وحالما شعر بالتعب ربط نفسه بالكراڤان وسرح بعيدًا حتى اختار متابعة تحديثاتها ووجد نفسه يلتصق مجددًا بصورتها وهي تحمل صورة جنين ابن أخيها مع بضعة حروف راقصة: «أخيرًا ولي العهد سيأتي» لصق نفسه في ملامحها التي يعترف جهرًا فيها لنفسه أنه لا يطالعها بهذا التفحص والشغف إلا من خلف الشاشة، بل إن كثيرًا من المرات عيناه تستحيان؛ تستحيان من طهرها وملائكيتها وهذه الصفحة البيضاء التي تمسح وجهها، فتبعده ألف خطوة عن المشي صوبها كي لا يدنسها! حكّ شعره بضيق وهرب مجددًا إلى الخارج وجدها هناك كمهرج تحوم بين حلقة أطفال تميل صوب علياء وعروبة وتشرح لهما عن الصورة -ابن أخي عرفنا جنسه مؤخرًا ولا أكاد أطيق صبرًا لرؤيته أظنه سيكون مثلي فأمه كانت تتوحم بي حسبما طلبت منها كي نحسّن نسل العائلتين ولا تنجب وجه ناي أو أختها ملك لا سمح الله. ضحكت عروبة بقوة ومالت على علياء تضرب بكفها فوق ذراعها غير متماسكة نفسها: -يا إلهي يا يافا أنت غير طبيعية.. بالكاد خرجت منها الحروف وعلياء تؤازرها بعد بضعة تعليقات وانصرفت لـ من أمسك بعينيها وتركهما له. مشت بخطوات سريعة نحوه وحاولت سرقة لمحات منه ففشلت أذ أن عينيها كبيرتان ولا تسرقان رويدًا. وصلته فوجدته يتكئ على باب الكراڤان فسلمت عليه بعتب: -جيد أن تذكّرت أنك عضو في مجموعتنا هذه. مط شفتيه فيما يلتقط عينيها المرصوف فيهما رمل البحر كثيفًا ورد: -والله مشاغل لا أتمنى لعدوي أن يتورط بها. رفعت شفتها وتهكمت عليه: -آه قل أنك رجل مهم ولا تناسبك أوضاعنا نحن الطبقة الكادحة التي لا تمتلك ربع اجتماعاتك ولقاءاتك. قاطعها مستخفًا: -أنا مؤسس الطبقة الكادحة والمنادي بظروفها وتعاستها المعيشية فلا تتهميني أنني أنتمي لهؤلاء القوم البرجوازيين. همهمت باستسحان: -جيد فأنا أمتلك حقدًا نحوهم، ثم.. ثم أنت تتصرف وكأنك منهم. لم تأخذ زفيرًا لترتيب الكلمات بل استطردت في غيظ غير مبرر لنفسها، إذ لم تدرك افتقادها إياه: قل لي في المرة القادمة هل تمتلك مدير أعمال نتواصل معه قبلًا كي نحكي معك؟ ذبلت الخضرة في عينيه وهلة ثم نظرت فجأة وهو يسألها متقصدًا: -ولماذا إن شاء الله تودين الحكي معي وتسألين عن وسيط؟ ألا تملكين رقم هاتفي؟! تلجلجت بالإجابة وردت مفلسة: -ماذا سأحكي معك؟ لن أحكي لك شيئًا! ماذا بيننا لنحكيه أساسًا؟ رفعت رأسها إليه مستهجنة فوجدت حاجبيه وصلا منابت شعره وحديثه يخرج ساخرًا: -لا شيء بيننا سوى بضعة مخبوزات وراوية زوجة أخيك المحسوبة علينا! شهقت كأنما تذكرت فكرة تبقيها في حيزه وهي ترفع إليه الصورة وتشرح: -ولي العهد الغالي على قلبي وزوج ابنتي وصهري وقرة عيني. غزت صدره النبضات الهادرة واستسلم لثرثرتها الطويلة حتى فطن لمشاكستها: -لم تحكي لي عن ابنتك! تأوهت وأغمضت عينيها: -كنت سأحكي لك عنها لكن التأخير من والدها الذي لم يأتِ بعد ويركض بي على حصانه! قهقه هذه المرة وانخرط معها جانًّا: -ليس له حق.. كيف يتركك تنتظرينه إلى هذا الحد؟! برمت شفتيها وشكت: -قل له إن رأيته، أنه يعطل على زوج ابنتي وأخشى أن تجلب له الأفعى راوية عروسًا غير ابنتي فأنا أعرف طقوسها وقصصها. و لو بقي والد ابنتي هكذا منتظرًا لن أتزوج ولن أراها. جاراها ببسمة ضاحكة وقد انبثق في صدره سربًا من النجوم: -لا بعيد الشر عنك يا أم.. أم -أم غزل، اسم ابنتي غزل. هز رأسه مسايرًا: -لا تقلقي يا أم غزل سيأتي أبو غزل وتزوجينها بـ ابن أخيك.... ما اسمه صحيح! أشارت بسبابتها تؤكد على اسمه: -يوسف، يوسف خليفة مؤيد ويوسف السمّان. قوّس شفتيه انبهارًا بخبالها وهي تغازل الصورة فأتمّ: -سيأتي أبو غزل ويتزوج بأم غزل وستظفرين بيوسف رغمًا عن أنف راوية وتزفينها بالخيول كما فعلتِ.. أغمضت عينيها واستندت على الجدار خلفها: -أجل أكّد على الخيول من فضلك! فكّر مليًا وهو يسأل: -خيول، خيول مرة واحدة! تأففت ضجرة وحكت: -لن أفرط بالخيول وبعد دراسة الروايات الأجنبية لعدة سنوات والرسوب بها ثلاث مرات ولا أجلبها. ضحك مستمتعًا وارتخى جسده على الجدار: -هل كنتِ ترسبين أيضًا. شوَّحت كفها وبدأت بعد أمجادها في العلامات المتدنية: -أوووه، لا تُعد يا رجل تلك المواد التي قمت بإعادتها، لقد حفظت المواد حفظًا لو سألتني عن مواقع الفواصل لأجبتك، باتت معي دكتوراة في بضعة مواد. نكس رأسه مع جلجلة ضحكاته وضيق عينيه يستفهم: -ألم يفدك الغش والهروب في الحدائق لنقل الإجابات؟ مشكلتها لا تفكر فيما تحكيه، لا تفهم ما يصلها وإلا لحللت الموقف الذي جمعهما يومًا فأجابت بملل: -أنا لا أغش، أغشش فقط. لدي مبادئي لو سمحت ربتني عليها حسونة. -حسونة! -أجل إنها عمري، عمري كله أبي وأمي وكل عائلتي والدنيا. تصدع قلبه، انشّق إلى فلقتين وتوسطت كلماتها فيهما اللحظة، فسأل بنبرة مخدرة غيورة، غيورة بحق وهو يسأل: -ماذا تركت لأبي غزل؟ التفتت له وفتحت عينيها اللتين يغفو الموج على شطّهما وردَّت بذات فوضاها الكاسحة لقلبه وحروفها تتناثر على صدره وأذنيه وتتذوقها شفتيه وصورتها تحتل عينيه: -أبو غزل أنا وأنا أبو غزل. ارتفع تنفسه وزحفت الحرارة إلى صدره فجفل، أجفلته وانلسع بسلك كهربي مبلل. فارتد للخلف هاربًا يلوذ بنفسه عنها، ويقفل على نفسه بالرمل ويقوقعها عن طوفانها الذي سيقتلعه من جذوره ويرميه في بحرها فيتفتت، يروح كله ويختفي. تحشرج صدره وخرجت حروفه بنصف هزَّة: -هل ستأتين إلى زفاف ريبال صديقي؟ نفت وقد شعرت بتبدل حاله الذي أوقف اندفاعها. فسكنت سكون الموج وحدقتاها تضطربان وأجابت: -لا، لا رغبة لديّ، لقد اعتذرت لريتال مسبقًا. -هل تعرفين ريتال الشقية؟ طارت من عينيها نار غارت في صدره مع تحسسه غيرتها ونبرتها التي توجهت إليه باتهام: -هل تعرف ريتال بما يكفي لتعلم عن شقاوتها!؟ لم يعجبه الاتهام في صوتها فردّ بجفاف: -أعرف ريتال مُذ كانت في لفّتها رضيعة آنسة يافا. تداركت نفسها ولملمت المشهد سريعًا: -آه معك حق، ريتال شقية ومدللة جدًا وريبال يدللها كثيرًا. -أجل معك حق والأيام هذه أيامه، وأنا سأغيب عنكم، فلا تقلقوا لغيابي. تعلقت نبضتها بسقف حلقها معقودة مزاجيته بـ تواجده هو. -في رعاية الله سيَّاف، العقبى لك إن شاء الله. حطّت الحرارة على وجنتيه الفاتحتين ورقبته فتمتم لها: -آمين، آمين يافا وأنت معي إن شاء الله. سعلت مع تمويه الدعاء وكادت تغص بريقها. فهرع لجلب كأس الماء وناولها إياه مع جهادها في التنفس. فتناولته منه ورشفته على ثلاث دفعات وأخبرته جاحظة العينين دامعة: -انظر كم تبدو طاقتك مشعة ومستقطبة، فمن معزتك الشديدة لراوية وقع صديقيك مع صاحبتيها. لا تساعده، تغمسه في ملح حروفها، يخرج قلبه متقيحًا حتى لو طهره نقاؤها فينتفض تحت صوتها ورجاء النداءات منها ويرد: -ربما أنا أُبتلى الآخر وأرتبط بقريبة تخصها. تدافعت إليه بعدما أحدثته ورفعت كفيها: -آمين. أرجو الله انتقامًا منك كي تبقى بهذا الحقد لأروع زوجة أخ في العالم . **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #757 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() هبط ريبال بآرام التي جرت مسرعة لتتخلص من ضغط الساعات الأخيرة التي انرصّت فوقها. هرسها ما حدث ولن تنكر، تحتاج فقط أن تزفر، لعلها تتخلص من علقانها هناك. حالما لفتهما السيارة انتبهت له. استدارت في تيه حقيقي وعيناها أغلقهما الغباش، طالعت أنامله المشتدة حول المقود وبروز سلامياته، جسده الذي ينفث برودة رغم تكييف السيارة. ثم أخيرًا ماذا حدث؟ لماذا حدث؟ بسبب من حدث؟ ما الشيء الذي يترك رجلًا بحجم ريبال، بل ريبال، ريبال الذي تعرفه يترك ظهره للدنيا بلا لحظة تفكير للبقاء فيها. عليها أن تعود لسريرها، ترى وجه والدها كي يمتص الرعب من قلبها ويخبرها وجهه الرحماني بأنها في أمان. أجل هي بحاجة للأمان، بل كاذبة، هي ورغم نبضها الصارخ الذي يكاد يمزق قلبها، تشعر بقرب هذا الرجل المتهالك بالأمان، وكل هذه الفوضى خوفًا عليه.. عليه هو. مالت برأسها إلى النافذة وقرأت حركة الشوارع بلا تركيز، ارتمت عيناها في الطرقات مع خضّتها حين صعدت إليه، حين رأته، حين.. حين قبّلها. ازدردت لعابها لقد قبّلها مرتين ولم تنهر بل.. بل.. هي احتضنته وقبّلته. كادت تصفع رأسها مع صور اقترابهما وغاصت بجبينها في الزجاج تود لو تخترقه وتهرب، لكن إلى أين وما زالت خائفة عليه وعليها. فجأة صحي وعيها مع المنعطف الذي سار به ريبال فالتفتت إليه تسأله: -هذه طريق البيادر، ألم نكن ذاهبين لابتياع ركن منزلنا؟ تمتم خلفها بنبرة ضائعة: -ركننا! تباطأت سرعته وكسبت منه التفاتة، فوجدته وكأنه يتحقق مما قالته، فتلعثم وجهها واخترقت ضباب تيهه وعدم وعيه لما قاله فأخبرته: -أخبرتني أنك ستبتاع ركن منزلنا الذي لم نبتعه المرة الماضية! حدَّق في وجهها وتحركت أهدابه مع تفحصها. ماذا قال لها؟! هل أخبرها بأنه يود ابتياع ركن لها؟ لا لم يتذكر ولا يعلم لماذا قال لها ذلك ويتضح أنها واعية لحديثه الذي لا يتذكره هو، ماذا يتذكر؟ عناقها له؟ رأسه مجور على وسادة صدرها.. ثم ..خوفه عليها، بل خوفها مما كان فيه. كره نفسه! كرهها وود الانسلاخ منها عمّا شهدته ورأته وأنقذته. فترجم هذه الكومة غير المحبذة من مشاعره لها -لقد نسيت، شرد عقلي ولم أهتم، الآن سنذهب. قاطعته وقد أحسَّت أن اللحظة غير ملائمة، ولا تناسب ما حدث: -لا بأس لدينا متسع من الوقت لاحقًا لابتياع كل ما ينقصنا. نفى مشددًّا على حروفه وقد بدأ بالاستدارة فعلًا: -لا، أنا من وعدتك به دون طلب منك، فلا يصح التأجيل. فجأة تحركت كفّها وغطّت كفه مشددة عليه: -لا بأس، أخبرتك أن الوقت غير ملائم لنا كلينا.. ببللنا هذا نبحث عن مكملات لمنزلنا! تجاهلت احمرار وجهها مع تفحصه جسدها الملفوف بمعطفها الجاف والذي تتكدس أسفله القطع المبتلة -ولو أنه ليس كمالية بالنسبة لي، بل جزئي الخاص والمميز في المنزل. لم يصر عليها، وجد أنه في احتياج حقيقي كي يوصلها بسلام بعدما أخرجته هي من لجته بسلام -لن أؤخرك على منزل عائلتك. تحرك مسرعًا وتضارب فيه شعورين، بين حاجته الحقيقة لإبقائها معه والتبرك بهذا الاحتضان الذي تغمره فيه أنفاسها، أو التخلص من عبء وجودها معه وقد وجدته في أشدِّ لحظاته كرهًا لنفسه والدنيا. قبل أن يتوقف التفتت إليه تسأله وتقترح في تردد: -ما رأيك أن تهبط معي وتعد لك أمي حساء ساخنًا؟ نفى بوجه داكن رافض: -لا.. بدلي ثيابك وتدفأي جيدًا كي لا تلتقطي البرد. ازدردت لعابها وكبست نفسًا متضايقًا. استدارت بجسدها له وانتكست عيناها التي تغور فيهما العواصف: -هل أنت بخير؟ لا يمكنني أن أهبط وأنت لست كذلك. فتح كتفيه وأخبرها: -أنا بخير أظنك تحققت بما يكفي قبل أن نخرج. هذه اللحظة شعرت بمناورته وفهمتها، التفافه حول بيت قصيدها والخروج منه دون أن توازن شطرًا: -أنا أسأل بجدية. -وأنا لا أمزح. -حسنًا كما تشاء. وهبطت تتركه عالقًا في ظل خطواتها والتفاتها إليه حالما وصلت البيت وأنارت غرفتها **** ضربت سيارته الأرض ما أن اطمأن أنها باتت في رعاية أهلها وهو في رعاية أنفاسها التي التصقت بجسده وجزءًا من نكهاتها. تشنجت كفاه على المقود وهو يدور مرتين حول الجبل الذي يشتعل بنيران دلال وأضواء آل القاضي الذين نصبوا الزينة والقاعات استعدادًا لزفافه. توقف أمام المقبرة. ترّجل منها ولم يعبأ بالبلل فهو غارق حتى أخمص قدميه عالق في خيوط عاره ومكبّلة يديه صفحة تلو صفحة، سطر تلو سطر والتاريخ لا يمحى، بل يكتبه المنتصرون، لكن تاريخه هو روته الغازية والخائنة وسلّمته لـ سجن عمره مؤبدًا. هبط المطر على بلوزته فوصل جسده، تضافرت خطواته نحو منزل دلال، بضعة خطوات إضافية وتوقف. وجد جسده يصفع الأرض، ذراعيه تتشددان في وضعية ساجدة، ووجهه يتوكأ الأرض ويلتصق فيها ساجدًا، لاجئًا لله عن قهره وحريق صدره. جسده متوجه نحو القبلة، يتنفس فوق الأرض الطينية ولا يحكي، يغتسل بالسجود عن لوثة أمه صامتًا ساكنًا لولا انثناءة جسده مع كل نفس، شفتاه مطبقتان إلا من كلمة يهمسها بهمّه ولوعة صدره -يا الله! مستغيثًا، متطهرًا -يا الله! يتجعد جبينه وينقبض وجهه وتزدحم الحروف في صدره ويطلب -يا الله! عن ضعفه قبل لحظات، عن انسلاخه من عقله وترك نفسه للموت، بل لألف سبب لم يجد كيف يحكيها، فظل يردد مناجيًا: -يا الله! ثم استقام بعدما ارتوى صدره من السكنى والتف بأعقابه عن بيت الشعوذة ووجد نفسه وجهًا لوجه مع أبيه أحمد القاضي **** مُذ وصلته آرام وأحمد يرابط قبال شركته، يترك زوجته وابنته ويطمئن مخاوف يسرى بعد أن بكى بين ذراعيها ليلتين طويلتين وأجج نارها: -هو يا يسرى من يهمني، حتى أنا لا أعبأ بنفسي. لكنه يقرأ مخاوفها والتشكك في عينيها الذي يرميه لخانة الرجل الذي لم ينس عشقه، فيعاود تهدئة مخاوفها: -هي ماتت داخلي منذ حين طويل، أ سمعتِ عن ميت يحيا؟ تسكت وتمرر العتب صامتة وتتركه يخرج لابنه وتحاول ارتداء دورها جيدًا، فابن زوجها الذي كان وما زال في مكانة ابن، سيتزوج. .. ترنحت حروف ريبال ووجهه جامد مصمم في وجه أبيه يسأله: -لماذا تصر على تتبعي ومعرفة حالي؟ تلقف أحمد جسده هزيلًا وردَّ عليه يصفعه: -كم يلزمني من المرات كي أذكرك بأنك ابني، ابني يا ريبال هل تسمع!؟ أتدرك؟ مالت شفتا ريبال ساخرتين وراحت عيناه تراقبان منزل دلال واختص قصر جده بنظرة استندت على وميض متكسر، هشمته حقيقته الأخيرة واعترف لوالده: -في كل مرة وجدتني طفلًا منبوذًا منك تساءلت داخلـ... قاطعه أحمد بضراوة ووجهه يكبر في أيامه الأخيرة سنين -اصمت، اصمت لا تكمل.. لكن ريبال تابع بحروف تفرش الملح فوق قلبيهما المكويان -ما الذي فعلته كطفل كي أكسب بغضك ونفورك ووجهك الأصم عن رؤية احتياجي إليك، لكـ.. توسل أحمد إليه وتشبث بجسده، تشبث الغريق كي لا يموت ابنه.. -استحلفك بالله ألا تتابع، استحلفك بالله أن لـ... هدر ريبال وتخلص من عبء الكلمات المتكدسة في صدره، المنفوخة حتى تفشت في سائر جسده -لكنني أعذرك، أعذر رجلًا عرف أن امرأته تستقبل رجلاً على سريره، ما كنت لألومنك وأنا أدرك مثلك أني ابن حرام رموه في ثوبك وقالوا لك ولد.. وصفعة ردّت جسده وأخرست حروفه وجنونه، وعيناه المنبثق نارهما وكل هذا السخط الذي يحتل ملامحه، اقترب منه أكثر ورفعه بين ذراعيه يصرخ في وجهه ويلقن أذنيه الحقيقة -اصمت ولا تتفوه بالكلام الحقير، أنت ريبال بن أحمد القاضي، دمك من دمي، وعروقي تسري فيك، هل فهمت؟ أم أُفهمك بأكثر الطرق إيلامًا لنا. ارتد وجه ريبال وصفعه ما سمعه فأضاف والده: -دع عنا مصيبتنا ولا تضف إلينا وجعًا جديدًا بأوهامك، اترك الماضي فأنا عشت كي أجنبك إياه فـ حبّا بالله دعه وشأنه. انسلت من وجه ريبال الحروف قبل شفتيه: -هو لا يتركني، لا تطلبوا مني أن أنسى شيئًا سمعته لتوّي بعد ثلاثين عامًا من الكذب . كاد أحمد أن يصفعه مجددًا، لكنه تمالك نفسه مع ملاحظته وصول همة ريبال إلى أقصاها، وحيله الذي يتهاوى أمام عينيه فسحبه وترجاه، رجاءً خالصًا، رجاء من يتوسل الخلاص: -هوّن عليك، لم يعش طالب كل هذه السنوات إلا لأجلك، لم يفرط في خاطرك وجعل لك قيمة أعلى عن الجميع، أعلم أني لا أستحقك لكنه هو يستحقك، أتوسل إليك أن لا تؤذي قلبه أكثر مما ناله من أذى طوال عمره. فهو بعكسك أنت.. ذاق فراق الجميع ورحيلهم، ونكبات وجودهم في حياته. **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #758 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() -حمدًا لله على سلامتك ابنتي العروس! من الجيد أنك عرفت أن لأهلك منزل تعودين إليه. اختبأت آرام خلف الجدار ولم ترغب بتفحص أمها وقالت: -لقد تجولنا كثيرًا في المحال وأخذني الوقت معها. تخصرت عبلة واقتربت صارخة: -هل رأيت عروسًا تتجول بين الناس قبل زفافها بيومين؟ تأففت آرام وردَّت: -وهل كنت أتجول أمام بيت القاضي أو بين عائلاتهم؟ زعقت بها عبلة وقد وبختها: -أساسًا كيف تأخذك حسنا ونحن متجهزات للمركز، هل يصح؟ قولي لي متى ستذهبين إلى الحمّام وعمل كل تلك الطقوس الأنثوية؟ حاولت آرام تخطي والدتها التي ولولوت: -يا إلهي ولا شيء في الزفاف هذا يمشي حسبما خططت، كيف ستذهبين إلى المركز الآن؟ تنفست آرام بغضب مكبوت واستطاعت أخيرًا تحرير رأيها: -والله ما تمتلكه بنت العطّار في غرفتها لا يمتلكه أفضل مركز تجميل، ثم أنني أعلم الناس بنفسي وما يحتاجه جسدي ولن أسلّمه لامرأة طالما أن كل شيء متوافر لدي. تهكمت عبلة عليها وأوقفت خطواتها حين نادتها: -لقد تم توظيف الصناديق كلها لتقلّها زوجات أخوالك غدًا تفقدي ما تودين أخذه وأضيفيه. لم تجبها آرام فنادت عبلة: -هل سمعتِ؟ -سمعت سمعت.. قبل أن تخلع عنها ما ترتديه وتهرب ببلوزته وتضعها في الخزانة جانب معطفه الذي لفّها ليلة الحريق. وتحتفظ بهما كأغلى عطاياه وأغطيتها. ثم هربت إلى الحمام الذي توقفت أمامه للحظات وصبّت خبرتها كاملة في العطارة والزيوت لـ تهرب من وقع الليلة وإحساس الليلة، ولمسها لـ أعمق نقاط قلبها. ثم خرجت بعد ساعات قاربت طلوع الفجر وتفقدت كل أغراضها وغلّفتها فوق كرسيها الأصفر العزيز، وربطت كل أغراضها وحاجياتها، إلى جانب صناديق وحقائب جهازها كاملًا وهدايا أهلها وعطاياهم. ثم هربت إلى نومة قصيرة احتاجتها بعد طوفان ليلة أمس قبل أن تصحو على رسالة خطيبها: -أنا في الطريق لإقلك إلى مركز التجميل. **** نصف ساعة وهبطت إليه بعد اعتراض أمها فأخبرتها -من سيقلني لتحضير الليلة؟ وإيلياء ستلتقي بي بعد أن تنتهوا من نقل أغراضي. مطت عبلة شفتيها وتبرمت غير راضية وراحت آرام إلى ريبال الذي وجدته بغير حال. تنفست بهدوء ولاقته، توقعت أن يكتسحها الخجل وتغمرها أحاسيس الارتداد بعد قربه منها فحيّته وسألت عنه -كيف حالك؟ أنت بخير؟ طوت كيس الثوب الخاص بها ومتعلقاته فأجابها دون أن يلتفت لها: -أنتِ بخير؟ محتقنة اللوزتين مثله، صوتها أبح مثل نبرته، وأخيرًا شاركته العطاس وهي تجيب: -موعودان بمرض مشترك في كل مناسبة تخصنا. راح فمه يتشكل في بسمة موءودة كتمها وهو يبلل شفتيه ويتنهد: -ألف سلامة عليك، أنا السبب.. هل نذهب إلى الطبيب؟ نفت وقد شعرت أنها أضافت بغباء جملة مخجلة أقحمتها في ظل حاجتها الهروب منه. -هل تعرف مكان المركز؟ -سنذهب إلى المتجر الذي توقفنا عنده المرة الماضية. التفتت إليه وقد طارت سرعته وانزلقت بهما الطرقات فسألت متوجسة: -هل لجلب أشياء إضافية؟ شابت نبرتها نغمة متسلية: -تجلب ركني! أومأ دون رد وترك الطريق بينهما فقالت: -ليس شيئًا مهمًا وأنت تعلم أن الحناء الليلة ويجب أن لا أتأخر. التفت إليها في تأكيد ونبرته تضرب عمقها: -لن أتأخر بك. تجول في صدرها شعور مبهم وهو يهبط بها إلى المحال يتجولان بين الأثاث فاهتدت إلى ركن رفضه، واختار آخر رفضته، وبين ذلك وذلك اختارت حلًا وسطًا يجمع الكلاسيكية والحداثة في ذوقه وذوقها العالق في الأنتيكا، وكل الأثاث الذي يوحي بالآثار القديمة فقال: -خذيه لكنني لن أدخله أو أطأ داخله. خفق قلبها مع انزلاق لفظة المشاركة بينهما، فارتعبت من تأثير الجملة عليها. -ذوقك لا يشبه ذوقي. لماذا عليه أن يأتي بها إن لم يعجبه ذوقها، ثم التفا إلى استراحة القهوة التي ترك أمرها إليها ولقدسية لذتها إليه.. تركها لها. ووافق على ذوقها الذي لم يستغربه. حتى توافقا على ركن مشترك بنصف زمة شفاه غير راضية منها وقناعة خالصة منه، ولم تدر أنه ترك اختياره إضافة إلى الصالة الواسعة في المنزل، وترك ذوقها إلى غرفتهما الخاصة. أخيرًا جمعتهما السيارة وانتفض صدرها في شهقة، تشعر وكأنها مسروقة على متنه، مختطفة منه، ومحجوزة فيه. -سآخذك إلى مركز التجميل هناك ستكون ريتال، اعتني بها، هي تغار كثيرًا. أمسك بوجهها إشارة إلى جمالها ولم ينطقها صراحة ولم تفاجئه وتفهمها فاستطرد - وعليه لن تكون أليفة معك فتحمليها. **** لم يره جده قط، أخبره أحمد بجملة واحدة وأنهى الأمر: -لقد قمت بما عليك وأوفيت كل شيء، الآن هذا دوري والقضية قضيتي. سحب حسنا معه بعد انتظارها طوال الليل قبالة مكتبه ولم يتحرك يحيى بها حتى أنارت غرف المكتب بأكملها، وأوصلها إلى منزل خاله أحمد، وحالما وصل أحمد بريبال إلى شقته هو كانت حسنا هناك، لم تخرج يسرى من غرفتها وريتال كانت نائمة. توحد أحمد مع ابنه، غطاه، دفأه، أعطاه محلولًا طبيًا، دثره جيدًا في غطائه ورحل تاركًا لحسنا مهمة السَّهر عليه حتى طلع الصبح ولاقته بـ بسمة باشّة: -صباح الخير لعريس الزَّين. تشوشت عيناه للحظة فجانبته وتفقدت حرارته المرتفعة ووجنتيه الساخنتين -نحن في منزل أبيك، قم وصلّي واستقبل اليوم فالليلة ليلتك يا حبيبي. انحسرت أمارات النوم عن وجهه وتسرب الوعي مع لزوم الوجوم ملامحه، بدا رفضه جليًا على وجهه، واستهجانه وكل تلك التفاصيل التي تتغنى بها حسنا أمام ناظريه فقال: -لن أحضرَ الزفاف! شهقت ولطمت صدرها تسأله: -أعوذ بالله، أعوذ بالله! ما هذا الذي تقوله، ما الذي سيمنعك عن حضور زفافك؟ ازدرد لعابه وانكمشت تعابيره في رد هزيل واضح ضاعفته كلماته: -تتصرفين وكأنك لا تعلمين! حطت على السرير بقوة وهزَّته، نفخت كلماتها الروح فيه وهي تسأله: -وما شأن بنت العطار وأهلها كي تخجلها؟ بأي وجه يلاقي أبوها الناس وقد تعذر على زوجها حضور زفافه. -آخذها بلا زفاف! ضربت فخذها وقلبها بأمومته يعذره لكنها لا تقدر: -وهل قالوا لك أن ابنة العطار موبوءة أو مشانة حتى تطلع إليك بلا موكب ولا زفاف تستحقه؟ انفتح الباب عليهما وأحمد يعلن نفسه آمرتً: -ساعتين، ساعتين فقط ولن أحمّلك أكثر منهما، فقط احفظ وجه جدّك الذي هيأ البيادر كلها لزفافك. **** استقبلت حسنا إلى جوار بثينة ويسرى نساء الغربي اللواتي قدمن لـ إحضار جهاز العروس وقامت ثلاثتهن بواجب الضيافة وتحضير الغداء، ثم ارتحلت يسرى مع بثينة لتجهيز نفسيهما وحسنا ذهبت بإيلياء وريتال إلى مركز التجميل والتحقتا بسراب وآرام قبل أن تبدأ مراسم الحناء في منزل أهلها. **** اشتعلت الشموع في منزل الآغا الذي توسطته فرقتين واحدة للضيافة وتنظيم الأغاني في الحفل وأخرى من مجموعة فتيات لنقش الحناء، دار البخور بين النسوة قبل أن يعتلين سلالم الطابق الثاني الذي تفرغ للحفل، حيث افترشت العروس مع الكوشة الخاصة بها واجهة الطابق الثاني والناقشات حولها، وصلت راوية بسلام وخلعت عنها معطفها فيما أبهرت الجميع ببطنها الناتئ وجمالها وشعرها المفرود حتى أسفل ظهرها. فهرعت أمها إليها التي لاقتها توًّا: -بسم الله عليك من عيون الحاسدات، لقد سرقتِ كل الأضواء من العروس. قبّلت راوية وجنتي والدتها وتحركت لتقود الدبكة وهي تخبرها: -والله ألفًا مني لن يسرقوا الأنظار من آرام فارتاحي وحصّنيني من عينيك وعينيّ ربما أحسد نفسي أو تحسدينني ألا يقولون لا يحسد المال إلا صاحبه. كزّت نوال على أسنانها وردّت عليها: -ابنة مرعي من يلومك! تركتها راوية وقادت الدبكة فيما تنسحب سراب من عند العروس المغطاة بثوب فلاحي أخضر وزينة بسيطة، ونزلت إلى ساحة النساء بثوبها الأبيض المطرز بالأخضر مثل ثوب راوية ولوحت بكفها التي تحمل السبحة وقادت الحفل حتى وصلت عائلتها. توزعت الهدايا والحناء مع صناديق العطور الصغيرة والمصاحف والصابون المنقوش عليه اسمي العروسين. ثم انفردت الناقشات بعائلتي العروسين. تمايلت سراب وضغطت كفها فوق كتف ناقشة الحناء: -لا تستمعي إليها غيداء وارسمي هنا وهنا وهنا... وأيضًا هنا. أشارت بسبابتها فوق مواقع معينة ومناطق خاصة من فوق الثوب، فانصهرت آرام في خجلها ونفخت بضيق فيما تضرب كف سراب وترفعها عنها توبخها فهي لا تحب أن تنكشف لأي من كان: -لا، بالطبع أنا لا أحب الرَّسم هنا ولدي حساسية تجاهه. مطت سراب شفتيها وأشارت للناقشة بلا مبالاة أن لا تستمع لرأي العروس وضحكت: -معذرة آرام أنا أعلم بمصلحة ابن عمي ورأيك ركنته جانباً منذ وقت، أنت الآن تحت حكمي. زعقت آرام مستغلة خصوصية جلستهن عن الحفل: -والله لن يحدث. -بلى سيحدث وأنا أيضًا سأرسم نفس رسمك. **** في اختطافة سريعة حجز سيّاف ريبال في مهمة كاذبة أوصلته إلى حمام الرجال الذي كان مجهزًا بكل رفاقه الذين أشعلوا له جوًّا صاخبًا انتهى بتذمر يحيى الذي لفّ المنشفة حول وسطه ورأسه وسحب من النارجيلة: -الآن لم نعد ننفع ريبال وبات لا يستجيب إلا لابنة العطار؟!! مسح سياف بكريم على كعبيه ومدد ساقيه الملفوفتين بمنشفة وهو يسأله: -آه قل لي يا أحمق ما الذي تمتلكه عن آرام حتى يستجيب لك؟ ولفظة الأحمق لاصقت يحيى منذ موقف المطعم ولكمته التي جاءت في صدره حين قال له: -أحمق أحمق يحيى يا ليتك لم تكن موجودًا أفسدت الوضع رغم فساده. ثم راح يؤكد على حمقه وغبائه وتغيير اسم المجموعة الخاصة بهم إلى «أخرجوا المهندس الأحمق من بيننا» ما جعل يحيى ينفجر فيه ويخبره: -دعك في خيبتك أنت وحدك ولا تنظّر عليّ من فضلك. عاد يحيى إليه وهو يشتمه ويعدد الفرق بين وجود الأنثى في موقعه الصحيح عوضًا عن وجود يحيى العود اليابس. -دعنا من خبرتك النتنة، فهمنا أنك قد ختمت مناهج قلة الأدب فارحمني ضربه سياف وهو يلتقط خرطوم نارجيلة يحيى ويسحب منها: -لن أرحمك وقد طيّرت منك مرادك، فقط اصمت ولا تجعلني أنفجر بك. **** وعلى عكس كل سيناريوهات طالب اليائسة والحزينة ونصه الأكيد بأن ريبال سيأتي إليه ولن يخذله ويضعه في موقف صعب. وجد نفسه يهبط السلالم مع وصول شاحنة أصيل وعفراء ويمسح بنظره بلاط القصر الذي عجت رائحته بعبق ريبال رغم عدم قدومه، ولم يخذله قلبه وهو ينسكب فوق البلاط مع كل خطوة منه حيث البوابة الضخمة فتوقف والتقط بلهفته ترجل ريبال من السيارة واحتدام وجهه في ألف منعطف وعر، فوجد نفسه يقف مكانه، ولم يخطُ خطوة نحوه، واستقبل وصول خطوات ريبال جامدة رغم هشاشتها، واثقة رغم زعزتها، ومشتاقة رغم إنكارها. فضمه بين ذراعيه ضمَّة العطشان لنبعه الماسك.. ثم أنزل عن كتفيه عباءته ورفعها إلى كتفي ريبال وهو يلقنه: -مبارك لك يا شيخ الرجال. **** «ومن فوق رمش العين الغرة ميالة، صلّوا على النبي العروس غزالة» تمايلت آرام في الوسط وبثينة تدور بها وتراقص سراب في كيد واضح للعيان بعروسة ابنها. غمزت سراب لآرام ولفلتها وهي توشوش لريتال: -أنت شقيقة العريس ولست حبيبته المخانة، خذي الأمور ببساطة. دخلت إيلياء إلى الرقصة وراوية تستسلم لـ الناقشة وتطلبها رسمًا على كتفها، راقبت شامتة منظر بثينة وهي تطالب سراب برؤية خاتمها المميز من خامة موناكو عريضًا ضخمًا تم تفصيله والنقش عليه بسيفين يحتضنان تاجًا، يطابقه خاتمًا لسند بذات النقشة دون التاج. -هذه ذوق ابني وتصميمه، انظروا كم بدا ذوقه روعة. ثم رفعت أصبعها جوار الأصابع المكتظة بالحلي وأشارت لخاتمها الذي جلبه سند، وقد بدا من خامة أخرى وشكله تاج مسننة أطرافه. فجأة تدخلت إحدى نساء الفرقة ونادت: -من فضلكن عزيزاتنا المحجبات، العريس سيأتي بعد وقت، ولن يطيل حضوره لرسم كف عروسه. **** ساح عرق سيَّاف وارتمى على الكرسي بعدما تطقطت عظامه من الرقص والدبك، ارتاح السيف جانبه لاهثًا، وقد قرر أن يستريح ، لكنه واجه مؤيد علّام جوار علاء الفقيه الذي اصطف جوار منتصر الحاضر الليلة بدعوة شخصية من طالب مع تأكيده الحضور لليلتين. ففزَّ على طوله وانضمَّ ليحيى الذي يؤدي الدَّحية بصف طويل يقوده سند. -نسيبي هنا عليّ أن أظهر أفضل ما لدي! راقص يحيى ريبال بالسيف وهو يرمق سياف بشقاوة إذ ود الرقص بالسيف أمام نديم وعلق: -لن نري نديم هزّ خصرك، لن يوافق عليك وأنت بطاقة الرقص هذه. شاركهم ريبال الرقصة مجاملة، كما حضوره الليلة مجاملة، وتحمّل عتب ابنة عمته بثينة همس الباكية: -لقد تزوجت في الشتاء وأنا أكره أثواب الشتاء. ومع توصيته الخاصة لعمته حسنا تكفلت بثوب مميز لها ووعدها: -الأميرة همس سترافق عروسي كما أخبرتها، وترتدي الثوب الذي ابتعته لها! هل يرضيك؟ أومأت بضحكة طفولية وطلبت: -يرضيني لكن هل يمكنني الذهاب مع العروس لمركز التجميل؟ وافق مع بسمتها وأكد: -أجل وسيأخذك سند مع عروسه سراب، حسنًا؟! **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #759 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() -أنا أعرف العريس. همهمت بها ثريا فضيقت رونق عينيها وهي تراه يدخل: -لم أكن أعرفه قِبلًا، لكن آرام عرفت كيف تصطاده. ضحكت ثريا مع تعليقها مع قدوم العريس الضجر الذي ذكرها بزوجها، ولاحظت كم بدا غير مستوعب لهذا الزخم الأنثوي الصاخب فعلقت ضاحكة: -أشعر به مصدوماً، يبحث عن مخرج! دارت رونق ضحكتها وهي تؤكد: -ستقتله عمتي عبلة لو فعل، انظري كيف تمشي به **** هل سيكذب لو قال أنه لا يعلم بخطوة حضور العريس لحناء العروس ولا يفهم ما الحكمة من ذلك؟ لولا أن أخبره جدّه وألحت حسنا باتصالاتها. ما الحكمة في نقش حرفها فوق كفه، ونقش حرفه فوق كفها. وسط تواجد نساء الكوكب وانعدام الخصوصية. لقد رسم له أصحابه ألا يكفي؟ طبعًا لا يكفي في قواميس النساء وطقوسهن. تأفف بنزق وطلب دخوله بعد تقلص أعداد النساء فلم تنجح خطته، وصل بالفعل وكانت هي قبلته دون أن يستقبل وجهتها. استحوذ على ملامحها انفعال وجوده بين الزحام الأنثوي، لديها عدة اهتزازات تتعلق به لا ينكرها وأحيانًا يرحب بفكرتها، وأحايين كثيرة يبغضها إذ تشي بحجم ارتدادها النافر. وسط زفة تكوّنت من عماته وزوجة أبيه وأعمامه وصلها. كانت في ثوب يلائمها على كل حال، فوق صدرها اسمه مطرز بالكامل وينبت بين الياء واللام عنق غزال. بتلقائية حدد وجنتها في قبلة، وارتطم بحرارتها التي انفجرت مع قبلته التالية فلملم انفعالها ولم يدر أنه قد نشره على الملأ حين قال. -ما شاء الله تبارك الله! انتفضت عيناها حين أجلستها والدتها وجلس مثلها، ثم ناولوها طبق الحناء ورفعت القلم ترسم على كفه. زجرت سراب وضحكتها حين ارتجف القلم بين أناملها، ومع كل احترافها وباعها الطويل في الرسم. انحرفت حروف اسمها وتعرجت وهي ترسم خريطة اسمها فوق كفه، وتثبتها فوق خطوطه فأعادت تشكيل اسم ليس باسمها، وهي تطبع أصابعها في كفّه، فأن ترسم للعالمين شيء، وأن ترسم اسمها هي على كفه هو أشياء. -لقد أفسدتُ اسمي. قالتها ضاحكة وأمها تلكزها في ظهرها فتفهّمت حسنا وقال لعبلة التي اعتذرت: -آرام أحبّت الدلال الليلة وبدا أنها نسيت حرفتها. -لا بأس هي عروس ستعوضني لاحقًا. تجمعت الضحكات حولهما واستسلمت كفها له وعلى عكسها بدت حروفه ناضجة على كفها، أصابتها عرجة البداية، ثم استقام وتمدد وانطوى طرف اللام في نقطة واضحة فكان تمسّكه سليمًا بعكسها متكسرًا. وحالما نادت ريتال بالرقص طلبت: -لا يمكنني الرقص أمام الناس، لا أريد ووافق على رغبتها بترحاب قبل أن يغادر مع أهله لاستكمال حفلهم. **** «صباح يوم الزفاف» تنظمت الخيول التي سترافق سيارة العريس، وتهيأت القاعات المختلفة عن قاعات ليلة الحناء، وانترك أمر العشاء كاملًا لحامد غنام القاضي. لم يكن العريس بينهم، ليلته الثالثة بلا نوم، صباحه هذا كان بين يدي ميسم، لم تكن في ذهنها، ذهنها الذي اشتغل وومض بالماضي وتركته. بحادث امرأة لا تعرفه، يخبرها بأنه عاد إليها فتبكي ولا تعلم لماذا تبكي، لربما هي عاطفتها واحتياجها الأمومي له والتي تفسرها غرائزها. تحلل الوجع فوق قسماته وهي يرسمها شابة خائنة، أمًا فرطت فيه، وزوجة باعت زوجها، نادته تسأله: -منتصر قال ابني سيتزوج. تحرك كفاها في تصفيق واهن وجورباها بعيدين عنها وقد خلعتهما، وساقاها مكشوفتين. ازدرد الجمر في حلقه. داس على قلبه واقترب.. هي أمه وأمه وأمه. همس حين اقترب: -لقد جئتْ. سكنت كأنها لا تفهمه وبدأت كفاها الضرب والتصفيق: -ستتزوج وأنا لن أحضر، لدى زوجي الليلة وليمة كبيرة سأحلب المواشي وأطعم الرعاة وأطهو لهم، لن أحضر زفافك. اقترب منها ولحظ زرقة قدميها، فتسلم الجوربين وألبسهما إياهما تحت حركتها المضطربة وهي تحكي بصوت مدقوق بالمر: -طاهر سيزورني، وعدني أنه سيأخذني من هنا. صرخت بريبال ونفضته: -قم وخذني إليه.. أجابها مغتصبًا حروفه: -حسنًا سآخذك، الآن اجلسي واهدئي. تفتحت عيناها غاضبة وهي ترمقه: -ستتزوج وتنساني، أنا امرأة خلقت للنسيان، يا ويل قلبك لو فعلتها. اهتزت الكلمات في جسمه وارتدّت فوق وجهه الذي اكتسى بتعبير مصدوم وهمس تحت وقع حروفها: -لن أنساك، لقد وعدتك وأنا لا أخلف وعدي. نفضت الثوب في حجرها ولملمته وهي تفك شعرها من وثاقه وتطلق زغرودة اختلطت بدمعة باكية: -سيتزوج الصبي سيتزوج الصبي التفتت له تسأله: -ما اسمك -ريبال وعادت تغني عليه وتزغرد وتصفق بكفيها، ترك نفسه يحترق في وجودها الذي جاء فقط ليزلزل عالمه فقط ولجأت لذهنها الممحي بعدما عبأت ذهنه بالوقود. تبولت على نفسها وبدل لها ثيابها، عقد شعرها وناولها دواءها، دثرها بغطائها وخرج من عندها تهزمه رجولته وقهره، وتمتم كحاله مؤخرًا كلما ضاقت عليه -يا الله! وتحرك لزفافه الموشك. **** «زوجناه وخلصنا منه، بقي يحيى الأصغر منه» -يحيى في عمره، أنا الوحيد الأصغر الأغنية يجب أن تكون لي. تمتم بها شهم غاضبًا من بين أغاني الزفة فمال عون إلى سياف وأجاب ابن عمه: -أنت أنفق على نفسك وحينها سنزوجك، أو أقول لك دع ذقنك ينبت الشعر وحينها سأدفع نصف مهرك. ضربه شهم في ركبته وتقافز بين الشبان: -هل قالوا لك يا وجه دابر أملا للدعاية أن ذقنك ترتطم بصدرك؟ عاجله عون بكلمات بذيئة قبل أن ينطلق فوق الفرس رعد ويستلقي شهم فوق أصيل وتنتظم شبان القاضي الصغار فوق خيولهم وينطلقوا بين سيارت الزفاف الخاصة بالعروس ويتمشوا بهدوء مع وصول الموكب إلى منزل الآغا الذي تحرك فوق كرسيه واستقبل الحشود بعدما طوق ابنته بعطايا الذهب وطوق النقود الذي جاء بثلاث لفّات. هبطت العروس بين ذراعي خالها حمد الغربي وحسن، وتسلمها ريبال من والدها الذي قال له: - ها هي أمانة من عنقي إلى عنقك وستُسأل عنها، آرام أغلاهم عندي مكانة وأحبهم إليّ، الله الله في معاملتك إياها فلا تحزن قلبها ولا تؤذها. تناولها ريبال منه وأجابه بصوت وصل الحضور بأكملهم: -اعتبرها جاءت من يدك إلى يدي، ابنة الغانمين لا تحتاج إلى توصية. وطار الموكب بها **** تزينت مرام مثلما تزين والدها للقاء حبيبته، خرجت معه وتحججت بالذهاب إلى خالتها ليلى التي سافر ابنها زيد لعلاج والدهم خارجًا. استغرب وائل البلوزة الضيقة التي ترتديها وهذا السروال القطني الأسود الذي بدا كجسد ثان لها، مع حزام ضخم حول وسطها فطلب منها بحزم: -بدلي ثيابك لن تخرجي بها من المنزل هكذا. توسطت كلماته المؤنبة خانة الرفض لديها وكادت تعترض فأمرها -من دون أية كلمة إضافية، بدليها. بدلتها لثوب شتوي لا يختلف كثيرًا عن البلوزة إلا بطوله ودثرت ساقيها بحذاء ذي ساق طويلة فغضّ النظر عن منظرها وقاد بها حيث منزل خالتها ليلى التي يعرف أنها يوم الجمعة في جلستها الخاصة بجمعية النساء. فحالما أوصلها وغادر للقيا معشوقته ابنة القاضي، استقلت سيارة أوبر وحركت تفعيل الموقع والخريطة، لملاقاة عريسها الجديد على طريق السلط عمان في مطعم يطل على جبال القدس حسبما أخبرها المهندس الجديد، الذي ترددت في مقابلته بادئ الأمر ثم وافقت كي تستمر، فبعد ما فعله يحيى في المطعم تلك المرة، وهي في دولاب ناري لا تنضب جمراته. كيف ينظر إليها بهذه الطريقة، كيف يخترق صفحاتها، كيف يعرض نفسه عليها هكذا، بل كيف وصل به الحال إلى هذا الحد من الانحطاط والدونية. كم كانت مغفلة وحمقاء كي تستجيب مشاعرها له وتؤسس بينهما ألفة، كيف ربطت نفسها به؟ لقد فرطت حبات السبحة التي أهداها إياها وحذفت كل رسائله التي احتفظت بها. فهو وإن آذاها قبلًا لن تنسى له أنه كان طيبًا معها يومًا. وكم جاء ذلك الموعد ليثبت لها كم بدت مغفلة، وكم تحتاج التحرر من علاقاتها المؤذية. فانخرطت في موعد جديد وعريس جديد وصلت إلى مكان لقائه توًّا فانقبض قلبها مع فروغ المكان ونأيه عن الأماكن المعتادة حتى أن السائق سأل: -هل أنت متأكدة بأن المكان هنا؟ أكدت على السائق وتلفتت حولها: -أجل هنا، أشكرك جدًا. لقمته أجرته وتحركت حيث المكان المفتوحة باحته. ترددت خطواتها مع صوت الأغاني وعدم وجود السيارات إلا سيارة واحدة عرفت أنها لمصطفى الذي وصف لها كل أمارات تواجده. خاضت عرضًا مروعًا مع نبضها فقد بدا المكان أشبه بكوخ خاص للاستئجار تقدمت خائفة وتحسست هاتفها الذي تنضرب إشارته كل حين، وتقدمت لباب المقهى، الذي انفتح على فراغ كامل ورائحة غريبة منفرة حضر من بينها وجه مصطفى الذي حياها بنبرة مرعبة ونظرة ذئبية: -أهلًا آنسة مرام. كادت تنسحب وتتراجع مع هذا الرعب المقبض لقلبها وحواسها، إلا أنها وجدت نفسها محشورة في المكان منغرسة فيه بلا حراك، وعيناها من بين غبشهما تراقب خطواته تتقدم منها. **** -فيحاء ثبتي الكاميرات. زعقت ناديا بجنون وهي تتحرك بعصبية والمصور مع القائم على تجديد الديكور يضيف كل وقت لمسة تثيرها وترعبها. تمسكت بعنقها واستراحت مع توسط سياف العلامة التجارية وغمزه إياها: -اهدئي حبيبتي، كل شيء سيكون مثاليًا. تمتمت له بنزق وغير رضا: -ما أبرد أعصابك يا رجل، الانطلاقة هذه غير عن كل مرة. خلع عن نفسه الروب الحريري مع خروج فيحاء فاستلمه منه مساعد المصور، تبقى بجذع عارٍ مدهون بمستحضر للتلميع إلا من سروال داخلي أسود ومجموعة ضخمة من السراويل الداخلية التي بانتظاره ليقوم بعرضها لـ العلامة التجارية الخاصة بزوجته، والتي على امتداد سنواته العشرة الماضية وما قبلها كان العارض الخاص بها ولم تتنازل عنه. أمضى وقته في التصوير وتضبيط الوضعيات حتى انتهى منهكًا، وارتدى ثيابه. مع ثناء ناديا: -حبيبي أروع رجل في الدنيا. قبّل وجنتها وتحسست تباعده ولم تعبأ، لقد تعرفت على وجه يافا ولم تلومه. راحت تملي التعليمات على تعديلات ومونتاج التصوير فيما تناول سياف صناديق أعدها بنفسه وغلّفها وناولها عامل التوصيل فيما يملي له مع كتابة الإهداء لريبال: -هذا الطلب سلّمه للأستاذ ريبال القاضي، عريس الليلة. **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #760 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() غادرت راوية برفقة نديم المكان، وقبل أن تصل بوابة القصر لمحت يزن، اختضت لوهلة وتداركت نفسها سريعًا، شغلت السيارة برفقة زوجها وهي تتذكر أن هذا الأسبوع كان حافلًا بلقاءات كثير مع الشُّبان الذين حادثتهم مسبقًا. التفتت لنديم الذي سألها: -كيف كان الحفل؟ هل تعبتِ؟ سرقت نفسها من أفكارها وأجابته: -الحفل جميل لكنه قصير كما لاحظت، آرام كانت مثالية وزوجها كذلك. ويوسف حبيبي لم يتعبني. كفها تمسكت بكفه، وأخرى راحت تمسد طفلها: -يوسف كان سعيدًا بسعادة أمه ولم يرهقها. ضحكت معه وبدأت تثرثر وتحكي له: -يا إلهي للعريس عمة وزوجة عم، لا أقول لك أنهما كريّا وسكينة بل أسوأ. ضحكت وكممت فمها وأتبعت: -الليلة حضرت بثينة لكن تغريد لم تفعل، ربما خشيت من العريس فبينهما علاقة معزة يا إلهي مروّعة. بدا أنه تجاوب مع نميمتها وهي تشرح كل شيء وتحكي حتى أضافت: -تخيل بثينة لا تكره أحدًا في الدنيا مثلما تكره سراب، وبقدرة الله باتت سراب كنتها. لا يعلم لمَ لم يشعر براحة وهي تحكي عن تلك العائلة بكل تلك المعرفة، فسايرها قليلًا حتى انتقلت للحديث عن والدتها ثم بدأت تحكي عن دوامها المرهق غدًا، فهي تدوام كل سبت من الصباح حتى الخامسة مساءً. -لن تحتفل الليلة آرام وحدها، بل هناك من سيحتفل أيضًا بليلة مرصعة بالنجوم. بلل شفتيه والتفت نحوها: -أبشري، غالية والطلب هيّن. تثاءبت والتفتت إلى النافذة فيما تطلب: -نديم أشتهي اللحم المشوي، أريد تناول الكباب والشقف، أيضًا سأزاحم آرام في هذا. قالتها مندفعة الضحكات ولم تقصد غيرة أو أنه تجذر في قلبها شيء من حسد. توقفا قرب الملحمة وابتاع لها عشاء كما طلبت. وصل بها البيت وهناك اغترفت له من أنوثتها عشر أمثال ما تغرفه له في كل لقاء صاف وهي تدرك مذاقها وطيب نكهتها. كعاشقة حفظت نصوص الحب، وأكرمت كل سطر بمديح الوصف. كان فارسها، رجلها، فوق أحلامها، بل بدت أحلامها وضيعة أمامه. انتهت ليلتهما عاشقة، صنفت الليلة بأهنأ ليالي الحب. وحالما انسحب إلى الحمام بقيت في سريرها. تنفست بعشق خالص وبدأت بوضعه مع كل ذكر قابلها واستباحت نفسها وقدمتها له. كم شاب غازلها، وغازلته، كم استعجلت نصيبها الحلو من الدنيا بتذوق كل صنف رديء تحمله البسطات الملوثة المرمية على أرصفة المتسولين. استقامت مدفوعة بفضولها لرؤية يزن وغيث وماجد. فتحت هاتفها وفعّلت حسابها القديم على أحد المواقع. راحت تتفقد كل اسم وتشتمه وتسبه. توقفت عند خانة الرسائل ولم تشأ فتحها. وغلبها فضولها السام وفتحتها، كانت مكتظة بالرسائل القديمة عدا رسائل يزن الجديدة.. «لقد طهرك موظف المصرف من قاذوراتك» «تتمتعين بحال جيد» «صديقتك استغلتني مثلما استغليتني وبعثت أخ خطيبها ليحرق قلبي» «سأحرق قلبك وقلبها مثلما فعلتا» «لا تدر آرام أنك حادثتني بما يكفي علّي أكون خيارًا مناسبًا لك، لكن طيننا واحد ولم نندمج» «أريد تطليق آرام من زوجها، وأحتاج مساعدتك، إن لم تساعديني سأوصل لزوجك أي زوجة مصونة كانت تتجول بسيارة ريبال القاضي قبل خطبتها بأيام» ثم مزيدًا من التهديدات، وأخرى، وأخرى حتى وصل جديده الليلة «تواصلي معي لو قرأتها، مؤكد سيغلبك حنينك و تقرأينها» بعثت إليه بحروف مرتجفة:ه «أقسم بالله لو وصلت لي رسالة واحدة منك سأقتلك بيديّ هاتين» أضاءت شاشتها برسائله فتركتها وعادت تتصفح الوجوه التي مرت عليها وتركت تهديداته تلعب بأعصابها وتحرك حموضة معدتها، حتى وصلت إلى حساب غيث وانفتحت الدردشة بينهما. وحينها التقم نديم الهاتف منها. **** بسط نديم الهاتف بين يديه، لمعت ذاكرته وهو يتذكر الاسم قد تصدر قائمة البحث على حاسبه وتوجس قلبه حينها، حتى أنه تحقق في الأمر ووجد الاسم محذوفًا، وهذه المرة الاسم يومض والجهاز بين يديها، تتابع تعليقات وصور له، في صالة منزله ولا تهتم، دخل ينادي عليها ولم تجبه بخضم تهديدات يزن، نادى وحرمه المصون عالقة في شيء ما. -راوية! -راوية! لم تفطن لأنفاسه المتضاربة خلف عنقها، تتضارب في عقدة ذنب سرمدية في التحسر على نفسها فيما أنفقته مع ذلك المخادع غيث. ولم يكتمل سيل جلد ذاتها فقد تجمدت أوصالها ما أن ارتفع الهاتف من يدها، ارتجفت مرعوبة وطارت نظراتها فيما تشرأب بعنقها، وتلقي السلام على ما مضى من سلامها قبل إعدامه مع وجهه الذي حضرت كل شياطينه: -من هذا الرجل؟ تلجلجت حروفها على طرفي شفتها ولم تنطق، انخرس نفسها، انقبض وجهها في رعب خالص وهي تكذب: -حساب دخلته بالصدفة. والصدفة مرتين والثالثة ثابتة.. -والصدفة تقودك نحوه، ثلاث مرات في غضون أسبوعين؟ توسعت عيناها وهتفت مدافعة بأول ما جال في خاطرها: -والله حساب عام و متابعيه كثر، انظر، انظر.. أشارت بكفها وودت الإكمال ولكنها غير صادقة، تكذب في صدقها، وهي المعهودة بالكذب. تقافزت نحوه فسكنت مع صرخته التي أفقدتها توازنها: -من هو الذي تتجولين بصفحته كلما سنحت لكِ الفرصة؟ إجابته واحدة مهما ادعت، دليله واحد مهما نفت، راحت عيناه تتجول في القائمة وتلتقط اسم حسابها المزيف وتلك الرسائل المكتومة من شاب اسمه يزن، ضربت وعيه في مقتل دون الاّطلاع على كلها: -شخص ما.. كنت أعرفه! لكن.. وسكتت.. لم تتابع إذ توضح لها ما رآه وهو يستمع لإجابتها، فـ إدانتها واضحة وضوح الشمس، ما الذي تبرره؟؟ -ما حدود معرفتك به؟ صعقته وقاحتها بشكل أثار النفور في نفسه أكثر.. -زميل دراسة!! تحقق من اسم يزن وغادر لغيث وأجاب بعروق نافرة: -الله! في جامعة أخرى وتخصص آخر وما زال زميلك؟ صبغت حروفه الاشمئزاز ولا يدري هل جاء الاشمئزاز رحمة إليه كي لا يسفك دمها، فسأل مستهجنًا، مطعوناً، عروقه تبرز من جبينه ورأسه يضخ العرق مثلها: -كنتِ في أحضاني راوية، رائحتي لا زالت عالقة بك، كيف تحكين مع رجل آخر وأت لم تتطهري مني. أضاف وقد تقدم نحوها ورمى الهاتف من كفه: -كان حريٌ بك التخلص منها، بدلاً من تدنيسها بقذارة ما تفعلين! حملها ما يمنعه عنها ويقسم، تتماوج رغبات كثيرة أمامه تغويه بأن يفعل الكثير وأولهم قتلها، أمسك بالهاتف حين لم تف ضربته بالكسر وقذفه بالجدار فانهار مهشماً إياه وهي تبرر باكية: -أقسم.. أقسم لك ليس كما تظن. ابتسم بقسوة وشد على عضدها والأريكة بينهما تحول فيما يفكر فيه ويلجم شيطانه عنه: - ما الذي كان عليّ أن أظنه؟ هل أوحى لك تسامحي بأني رجل إمعة، أو انتظري لحظة هل كنت في صفحته تبحثين عن أوقات الصلاة لأدائها؟ هزت رأسها والدموع تطفر من عينيها: -ليس كما تظن، إياك وظلمي، بالله عليك تروّى واستمع إليّ. ردد بغل: -هل أبقيت لي شيئًا لأظلمك فيه؟؟ هز يدها بقسوة نخرت عظمها وهي تحلف: -لم أحدثه ولم ألتق به. بررت ويا ليته يمتلك نصف وقاحتها، غار جرحه عميقًا في صدره وخفف وطأة ناره فنهرها: -اصمتي، إياكِ وأن تتفوهي بحرف، هل ستحكين لي عن قصة حبك المبتورة بسببي! تفتحت عيناها بصدمة، لا حجج تخرجها كعادتها ولأول مرة تكون صادقة ولا يصدقها.. -تفكيرك به، واللواذ بصفحته لإفراغ شوقك إليه خيانة، ليت عقلك يعلم أن الخيانة ليست بجسد ولا مشاعر ولا كلام راوية أشار إلى عقلها وحزم كلماته بقسوة: -هنا تقبع خيانة عقل وتفكير. أتبع بنبرة مكسورة انرمت شظاياها بينهما: -هذه خيانة الروح قبل الجسد. كادت تحكي فقاطعها، تمسكت بشعرها مجنونة تكاد تقتلعه فاستطرد: -تطاولتي على عائلتي وتفهّمت نزعتك المريضة بالاستحواذ على كل شيء، تحمّلت دلالكِ وهوسك بإغاظة أقرب الناس لك، رضيت بامتصاصك لطاقتي آملاً أن تعطيك ذرات الخير بعض الإنسانية ولكن.. لكن عبثًا. شهقت مع كلماته واحتراق السفن بينهما ولم تحتمل، تملكها الدوار والضيق، لم يرحمها وتفكيره ينخر رجولته وينحرها، امرأته في حضنه حتى دقائق خلت، وتلمس أثر آخر عقب موجة شغف بينهما، جُن جنونه، طار الصواب الذي يملكه وهو يسألها مودعًا: -أعطني سبباً أحارب فيه لأجلك، فكل حروبي لأجلك خسارة. ولم ينتظر ردًا مع ترجيها وانسكابها أمامه فقد كانت كلمة النزاع أسبق: -أنتِ طالق راوية! **** جربت وجوده بين ذراعيها، لكن أن تكون هي بين ذراعيه أشبه بكونها طبق على عجل دوار، تمايلت آرام على أنغام هادئة لكاظم السّاهر حين وافقا على رقصة قصيرة ناعمة، لامست كفها صدره وشعرت بعبء ضغط أنساها مخاوفها وقلقها ورجفتها حين حلقت ذراعيه حول خصرها النحيل وأغلق عليه، وباتت أقرب إليه من كل مرة، نفسه المتعب سكّنها وسكّن كل ما تحمله كغصن يلملم العصافير والأوراق والشجون. كانت خائفة كخوف أي عروس، لكنها هي ليست كأي عروس. لا يمكن نسيان انهياره الذي أتبع رؤية ميسم التي علمت بفسخ خطبتها، ليست كأي عروس رغب بها وطلبها بل هي من طلبته، لا تحمل علاقتهما عادية، رغم تكريمه لها وحفظه لمكانتها، ونيلها حفيد الشيخ رغم مسامع الناس التي زعمت أن لا أحد سيتزوج بها ويهلك نسله. فهو تزوجها وحفظ سرّها وهذا ما تدين له به. بآلية ارتدت طقم الذهب الأبيض الخالص، وسلسلة ناعمة ماسية بدت مناسبة للطقم. انسحبا بعد صور وتحيات وتواجده المكثف في قاعة الرجال. ودفعتها موجة مرعبة حتى وجدت نفسها على مرفأ منزله. وكان هو القرش الذي بانتظارها. هبطت متلعثمة رغم أن الثوب بتصميم ناعم وليس ضخمًا. ولجت المنزل بعدما فتحه هو، تجذرت قدماها في الأرض ولم تتحرك. فتمسكت بالباقة المميزة في كفيها. التفت إليها متنهدًا قائلاً: -سمّي الله وادخلي. مد كفه لها ولم تكن تريد كفه، لا تعلم هل تتواطأ مع شحن الليلة وتكهرب نفسها أم تلجأ لأمان تخشبها وتطمئن. لكنها خائفة ولم تنتبه أنها تشبثت بكفه وسارت معه. حتى وصلا الصالة. وهي بوقفتها متصنمة. فجلس على الأريكة ومد ذراعيه إلى ساقيه مع تنهده الذي انبثق مع تنهدها: -تعالي هنا. تحركت وارتطمت بالطاولة أمامهما. تمسك بها وأرساها جانبه. التفت بكليته إليها وتأملها زوجًا ورجلًا ومعجبًا وقال: -لا أعرف كيف يمكنني وصفك هذه الليلة، لكنك أجمل بكثير مما يتخيله أحد، أكثر مما أتخيله أنا عنك، وأقرب إلى أن تكوني فاتنة ما شاء الله! لم تحمر بل تخشبت أكثر وتوحد وجهها في ردة تصنمية، حتى أفرجت عن شكر باهت: -شكرًا لك. كان يحتاج صخبًا، حديثًا أي شيء عدا الصمت فأراحها: -أنظري أنا أعلم بأن زواجنا غير عادي وظروف التسارع به لم تكن من صالح طرفينا، وقد أرهقنا بما يكفي لذا.. مسح على وجهه مرهقًا حالما وجد وجهها المتجمد وفمها الذي فتح بأعجوبة غير مصدقة فقال بصوت مكتوم يحتاج تأوه: -اذهبي وبدلي ثيابك وارتاحي، أنا سأكون هنا ولن أزعجك. تنفست بصدمة وانفرجت تعابيرها حد التماع عينيها: -ماذا يعني ذلك؟ لم يجب فانفرط صوتها منفعلًا: -أنام في الداخل وحدي؟ لو لم ير رجفتها لصدق غضبها واستماتتها على البقاء معه، فأومأ لها وهي تتقدم منه بلا تصديق: -وأنت ستبقى هنا؟ كاد يبتسم مع هذا الفائض من الذكاء غير المتعوب فيه فهزّ رأسه: -أجل نحتاج وقتاً فيما بيننا. حدقت فيه بأطول نظرة نالها منها، ذقنه ووجهه وعينيه. تنفست مصدومة وقد اقتحمت وساوسها فوق ارتياحها فخسرته بلمحة بصر، وتزحزحت ببطء متثاقل من عنده وهي تخبره: -ليلة طيبة. لم تكن طيبة وقد دخلت تزفر وعبرتها تسيل على طول وجنتها، تحركت في الغرفة بثقل وبدأت بخلع ثوبها رغم احتياجها له ليساعدها فيه لكنها تموت ولا تطلبه. تركت الثوب عليها وقتًا وبدأت بربط ذكر ميسم وفرضها نفسها عليه، وما الذي فعلته كي يخلق حاجزًا بينهما، مع أنها لم تشك ولو للحظة بوجود شيء حارق بينهما. استراحت قليلًا وذهبت للحمام، وجدته بسهولة وهي تفتش في أركان الغرفة، استطاعت التخلص من الثوب بسرعة، ثم اغتسلت وبدلت بثوبها المعلق في الحمام. ارتدت فوقه روبًا شتويًا ضخمًا وطاقية من الفرو وجوارب حتى تجدها أمها صباحًا (بثوب ليلة الزفاف الخاص الذي ابتاعته آرام وكان اختيارها الوحيد في كوكبة المشتريات) في الصباح عندما تأتي لزيارتهما وتجدها فيه، مسحت وجهها ونظفته، ثم خرجت إلى السرير وراحت تتسحب إليه وتبحث عن النوم فيه، لم تجده إذ لا يمكنها النوم في أماكن موحشة وجديدة عليها وحدها. واضطرابها يفسد سكينتها تقلبت في فراشها واستهلكت أنفاسها في الحيرة والتردد، وبعد وقت تعبت فيه جفونها وقررت الاستسلام والانطباق؛ فتح باب الغرفة... انتهى الفصل كل عام وأنتم بخير يا غاليات الأثر ونجماتي، ألقاكم على ألف خير وسعادة عقب رمضان. تقبل الله مني ومنكم وجعل لنا دعاءً مجابًا وذنبًا مغفورًا، وعملًا متقبلًا. | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|