![]() | #71 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() سنواتك المرمية على مقاعد الانتظار لا تكفي لقاءنا والمقل. •لميس عثمان• الفصل الثاني توافدت جوالات القمح والشعير على أكتاف عمال جاروشة النهار مع توالي الصرخات والأصوات المشجعة بين الرجال، استند مؤيد بهيئته التي فردها على حافة البوابة الخشبية الضخمة يرفع قدمًا نحو الجدار خلفه، فيما تشغل شفتيه لفافة تبغ، مرر له إحدى الصبية الصغار كأس شاي يمتدحها له: -أفخم كأس شاي قد تتذوقه لأفخم مؤيد، مُعلّم المحطة وما يجاورها. زارت شفتي مؤيد بسمة ألقة فاستدار للصبي يتناول كأسًا عن الصينية، سحب منها رشفة للتقييم وشكره بمدة متناغمة: -الله! كأس يوافق المزاج يا سيمو، سلمت يداك. رفع الصبي بكفه على رأسه يردد بحفاوة وشكر: -على رأسي معلم. مد مؤيد بكفه نحو قميصه المفتوحة أزراره يبحث قطعا معدنية للصبي فلم يجد، مسح على سرواله الجينز الباهت مقطبًا جبينه حين لاحظ فراغ جيوبه من النقود، وضع الكأس جانبًا وعاد للبحث فلم يجد فقرر سريعًا تنفيذ خطته، نادى على سيمو وطلبه عشاءً للجميع بقطعة ورقية لا يتم نفاذها بالكامل وبذلك يترك للصبي باقي نقوده كما يفعل دائمًا. تناولها منه سيمو بفرحة طفولية غامرة: -على رأسي يا معلم، لا حرم الله المحطة حسّك. شيعت نظراته الصبي بسكون فيما اختبأت فيها بسمة حنون تنتمي لطفولته التي قضاها مثله، طفل تبناه السوق قبل أن يخشن جلده وكبر فيه قبل عمره وبقي على رصيفه حتى اللحظة. تنبه للوقت الذي سرقه في الذكرى فعاد للشباب ينادي بصوته الجهوري: -اسرعوا يا شباب العشاء لن يتأخر. خلع سيمو مريول العمل عنه وسأله يعدد على أنامله: - طلبنا المعتاد معلم، فلافل، حمص، فول كبدة، ولحمة بالطماطم أليس كذلك؟ خلخل مؤيد أنامله في خصلاته الطويلة التي افترشها ضوء المصباح البرتقالي فوقه فصبغها باللون الكستنائي: -لا، الليلة أجلب لنا عرائس بلدية من ملحمة العودة وصندوقًا للمشروبات الغازية. -أمرك معلم! قفز سيمو من أمامه بلمح البصر فيما عاد مؤيد يراقب تنظيم الجوالات بعد تعبئتها كيفما أمرهم وحين تأكد من تكدّيس الجوالات حسبما أتفق، صفق بكفيه وناداهم: -حسنًا شباب، قوموا بفرز الطلبيات حسب الأولوية. ترك عنه المراقبة وعاد لمكتبه، اضجع على كرسيه فيما يرمي بساقيه نحو الحائط قبالته، رشف من كأس الشّاي وأطفأ مدفأة الغاز فقد شعر بالحرارة . انكب على دفتر الجاروشة وبدأ بمراجعة وتثبيت طلبيات اليوم كاملة. رفع حاجبه الأيمن الكثّ بإعجاب، فإنجاز اليوم يستحق تصفيقًا؛ الجاروشة أمنّت عددًا ضخمًا لمجموعة مزارعين، وأصحاب دواجن ومواشي، بل وقامت ببيع كمية قمح لا يستهان بها، وصل إليه العمال وارتمى بعضهم على الأرض، دقائق مرّت حتى وصل سيمو بالعشاء فتناوله معهم تحت أدعيتهم الفائضة! -الله يطعمك يا معلم. ناداه أحدهم فيما ينشغل بمخابرة والدته، فالتفت إليهم وهو ينزلق على ركبتيه ويجاورهم حول الطاولة الأرضية: -أنا لا أحتاج دعوة يا شباب. التقط مثلثًا من شطائر اللحمة المتبلة وعض عليها مندمجًا معهم، يحبونه ويقدسون وجوده بشكل استثنائي ، فهو ليس مثلهم وإن ارتدى ملابسا باهتة تواءم العمل كمعلم للجاروشة في الفترة المسائية متناوبًا عن صاحبها الرئيس، ذقنه المحددة بعناية لا تشي بأنه منهم وإن انغمس، خصلات شعره وترتيبها المثالي ورائحتها ليست مثلهم وإن انصهر بالعَرَق معهم فهو ليس منهم وإن انتمى. كفّ الصبية الطعام بعدما أنهوه، فصرفهم مؤيد قبل أن يشتد الجو برودة وتهطل السماء. ** أحكم إقفال البوابة الخشبية، فشعر ببرودة الجو المنافية للجاروشة، أغلق زري قميصه الأخيرين ودرجت خطواته نحو سيارته الفورد ڤيوجن المصطفة في رأس الشارع، جاور ملحمة العودة وقرر شراء عشاء لعائلته، توقف أمام الشاب الذي يشوي اللحمة في أسياخ متراصة -ثمانية أرغف من العرائس يا زكي وضف إليها سلطة حارّة. لبّى زكي برأسه سريعًا فيما راح مؤيد نحو مبرد المشروبات، حار حين توقف فوالدته تفضل الكوكتيل الطبيعي، ويافا أي مشروب غازي، وناي مشروبها الصودا مثله، وغيم ..غيم تفضل لبن المخيض، مسح على جبينه وهو يرمق الخيارات غير المتاحة، فنكس عن المبرد وتناول طلبه الحار وتوجه نحو المنزل. ** تمددت يافا على بطنها تواجه الحاسب أمامها، هي في خضم إحدى محاضراتها التي تقوم بإعطائها عن بُعد، تثاءبت فيما ترمق الساعة أمامها فأثنت سبابتها المتوقفة عند صفحة ما في مجلد ضخم أسمه -مرتفعات ويذرنج- ثبتت وضعية السماعات في أذنيها وعادت تملي على الطلبة أمامها: -الصفحة رقم ثمانية عشر من الملحق الخاص الذي بعثته إليكم، سيكون هو الواجب في استخراج المقاطع الصوتية وكيفية نطقها. كممت فمها عن التثاؤب وهي تسمح للطلبة بالأسئلة كيفما شاءوا، قلبت عينيها منزعجة حين سألها أحدهم عن إحدى مسرحيات شكسبير: -هذه سننتقل إليها حين يحين وقتها. حاولت استعجال المحاضرة والانتهاء منها وحالما غادرت المحادثة انقلبت على ظهرها وفتحت ذراعيها تهتف: -الحياة صعبة دوني، يا إلهي أي حال سيكون به العالم لو لم أكون موجودة. ارتخت في جلستها أكثر وغاصت في الوبر أسفلها، حتى دارت أكرة الباب وأحست بدخول مؤيد، قفزت تهجم عليه وتأخذه بالأحضان لكن عدلت عن خطتها حين رأت أكياس العشاء وتعالى حماسها الراقص: -مؤيد الأفضل، أفضل أخ في العالم. خرجت احتسان والدة مؤيد من حجرتها مع انطلاق سيرك يافا الراقص، استقبلت قدوم مؤيد بنظرة لامعة، اقتربت منه وتوسدت بسمتها في قلبه فيما تضم قسماته المتعبة والمرهقة، ورائحة الأعلاف التي تفوح منه حتى وإن غطت عطوره عليها.. -يُعطيك العافية بني، لقد جهزتُ لك حمّامك وأشعلت التكييف، هل أعد لك شيئا دافئًا تشربه؟ نفى بلمحة مرهقة فيما يشير للأكياس في كفي يافا: -لا أمي جلبت لكن عشاءً تناولنه وهو ساخن ..سيمر حودة بعد قليل ويجلب لكن مشروباتكن. أخذته في دعوة طويلة فيما تراقب ولوجه لحجرته، ويافا تتراقص وتشتم بالمأكولات، خرجت ناي على صوت الضجة متسائلة فاستقبلتها يافا : -الكلاب تجري حين تنتشي رائحة الطعام. اقتربت ناي منها وقد سال لعابها مع رائحة الأرغف المشغولة على الفحم وردت عليها: -والأبقار ترقص حين ترى الطعام تمامًا. زفرت احتسان بنزق وأمرت ناي: -نادي غيم لتتناول العشاء معنا.. استقامت ناي وجلبت غيم التي شاركتهن الطاولة والطعام، قبل أن تتناول أي شيء افتقدت وجود مؤيد فجفلت تسأل بلعثمة وهي تعيد خصلة من فوق السماعة الطبّية المربوطة بأذنها: -أين ..أين مُـ ..ــؤيد! دققت في شفتيّ والدتها التي أجابتها: -يستحم الآن ..دقائق ويخرج. تركت غيم عنها الرغيف واستكانت فحثتها والدتها على الطعام فهزت بعناد تقول: -سأنتظر مؤيد. سريعة ..سريعة النطق بالكلمتين تكاد تبتلع أحرفهما، ربتت احتسان على كتفها، ورفعت رغيفًا إليها تدسه في فمها وهي تخبرها: -مؤيد تناول العشاء مع أصدقائه في العمل، هذا العشاء جلبه لكن. هيّا تناولي طعامك سيحزن كثيرًا لو لم تفعلي. استقبل فمها لقمة والدتها التي اُعتصر قلبها لـ عاطفة غيم نحو مؤيد، بل يُخدَش نحو عواطفها وبراءتها التي تثقل همومها. تنهدت ترمق ناي النافرة على الدوام والتي ازداد معدل غضبتها اليوم بلا سبب، فعادت تحشر الطعام في فمها غصبًا، طالت عيناها فوضى المائدة والتقطت بحسها خروج مؤيد الذي بدّل ثيابه لسروال شتوي وبلوزة بياقة عالية، تخطى شقيقاته نحو غرفة الجلوس . اضجع على الأريكة وأشعل الشاشة من خلفه يشاهد مباراة لفريقين لا يهمانه، رمق الطاولة أمامه المرصوص عليها صنوف الفواكه وبذور الشمام وعباد الشمس لسهرة شتوية مثالية بلا نفس، فترك الشاشة وراح يحدق في السقف حتى سمع احتدام أصوات شقيقاته فخرج إليهن.. حاولت ناي كتم طاقتها المتفجرة لكن احتسان كانت تدرك أن هناك بركانا خاملا رابضا في صدرها يتحين ثورته، ولم تتأخر ناي التي رمت الرغيف من يدها فجأة. ثم رمت حروفها شديدة الأثر والصدمة: -لقد رأيتُ والدي اليوم برفقة عائلته في السوق . اكتسح اللحظة صمت جبّار، فتركت يافا عنها ما تأكله وتجمدت لثوان طالت حتى لملمت ثباتها المتناثر وقالت بلا مبالاة: -محاولة فاشلة لسدِّ شهيتي. عادت ترمي باللقيمات المتحجرة إلى حلقها المشروخ فأضافت ناي بقهر: -لقد جلب ابنته التي تماثلني عمرًا لأفضل المدرسين المختصين في مركزنا الذي استضافني بالمناسبة كمنحة لأبناء الفقراء. وجمت غيم واحتلها ألم انزلق من بين ملامحها التي طالعت والدتها الساكنة من أي انفعال سوى من تحجر قاتم لعينيها، وهزة لا ترى زارت شفتها السُفلى، تطابق جفناها في غضبة فرمقت من خلالهما ناي التي تضخ القهر والأنين في حروفها، فعادت يافا تخبرها بحزم : -لا يهمنا.. انفجرت ناي ساخطة: -كيف ..كيف لا يهمنا؟ أجابتها احتسان التي تدخلت بصوت باتر باردة انفعالاته، ولهجة حياد لا تسفر عن أثر: -لا يهمنا أمر والدكم، أكثر الله من خيره لأولاده وفقط ، فلا شيء يعنينا أكثر من ذلك. تزامن إنهاء حديثها مع قدوم مؤيد المستغرب.. -ما الأمر ..أصواتكم عالية لماذا؟ ماذا أخبرتكن بشأن الصوت المرتفع! من مسلمات المنزل التي فطروا عليها، ألا يشغلوا قلب مؤيد المشغول، لذا سريعًا ما تم إغلاق السيرة وارتدت ملامحهن المشاكسة والضحك فيما ناي تخبره: -فيلم السهرة مؤيد..بالله عليك دعه على ذوقي. انمحى قهرها وحزنها الذي رُبط بصوتها، وعيناها اللامعة بالحقد فقدتا كل مشاعرهما واستحالتا ممتنتين له حين قال: -هداكن الله ..لأجل فيلم تسمعن أهل الحي كله أصواتكن. تنهدت يافا باستعراض درامي وهي تحشو مثلت كامل في فمها: -هذه ناي المتخلفة عقليًا، بالله عليكم أبلغوني لقد جلبتموها مثلنا في مشفى عادي دون المرور على مصحات عقلية؟ رفعت ناي شفتها حين أدار مؤيد رأسه مللا فأجابت ناي ببساطة: -لا أمي تقول لم نسعى في إجراءات الفحيص إلا لـ يافا. اهتزت غيم ضاحكة بخيانة حامية، تحالفت فيها مع ناي، فتساءلت يافا مصدومة: -هل تؤيدينها؟ دغدغت ضحكات غيم المائدة وهي تومئ مؤكدة فاستقامت يافا ضجرة: -خيانة عظمى في منتصف اليافا، أقسم سأردها لكم. تعالت ضحكات ناي فارتشفت مشروب يافا وهي تهتف في إثرها ساخرة: -أعلى ما بخيلك امتطيه عزيزتي. أتبع قذائف ناي مفاعل مؤيد النووي وهو يضحك الآخر: -وأنا في طرف غيم، كم أصبحنا؟ ثلاثة في واحد على بركة الله. التفت مجددا نحو صوب طبقها فسأل: -لم تكمل طعامها؟ هل شبعت بهذه السرعة؟ مطت ناي شفتيها وحدقت في الأطباق تقول: -لم تشبع بعد، ذهبت في فاصل إعلاني قصير، ناهيك أنها أكلت حصتك فوق حصتها للآن. انفجر مؤيد ضاحكًا وهو يذكر الله على شهية أخته، فتذمرت ناي التي طوت مثلثها كي يكون قابلا للالتهام: -شهية امرأة في شهرها التاسع هذه اليافا. نهرتها والدتها عن مزاحها الثقيل : -عينك يا بنت، اذكري الله عليها، بدلا من عدك للقيماتها. كتمت ناي حديثها وهي تعيد رأسها للخلف ضاحكة: -لا تخافي أمي هي تأكل عنا أربعتنا مجتمعين ولا تزداد جرامًا واحدًا، لن نحسدها بل نريد الطريقة فقط. هز مؤيد رأسه يائسا فيما تسحبت غيم ليافا تراضيها، وجدتها تسكب صلصة حارة وحالما أقبلت غيم هددتها: -قطيعة بيننا لثلاثة أيام أنت وأخويكِ، سأرى أي حالٍ لكم سيكون في خصامي. ** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #73 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() ** ابنة البابا ..تضيع ..هي ضائعة ..بل في ورطة! ضاعت خطواتها في المكان الجديد عليها، واقفة في منتصف الساحة بلا وجهة، مقذوفة في كون لا تعرفه. دمعت عيناها بقهر ورفعت هاتفها تحادث والدها الذي لم يجب على اتصالها فبعثت إليه بتسجيل صوتي: -أنا ضائعة في الجامعة ..ابعث لي أحدًا يساعدني. رمقت الهاتف بخيبة فيما ضمت شفتيها ودارت بقهر في الحرم الجامعي الفارغ بعبرات حيرانة أسفل حرور الشمس: -لن أبقى هنا لحظة. فرقت جفنيها المبتلة أهدابهما، وقررت السير قليلًا تبحث عن ضالتها علّها تجدها، فلن تثبت فشلها في مرتها الأولى وتُسلّم لفرضيات والدها، لذا استسلمت قدماها المحشورة في حذاء رياضي ضخم رافق سروالا رياضيًا داكنًا ملتصقا بساقيها النحيلة، تعلوهما بلوزة بيضاء رياضية ضخمة تتخطى فخذيها للسير في أروقة الجامعة . جامعة غريبة لا تعرف مبانيها الارتباط ومجبرة على البحث فيها أسفل تقلبات جو ديسمبر المتقدة ومن دون أية رفاهية تتمثل في استقلال تكسي يقلها حيث مبنى الصالة الرياضية، فاستخدام التكاسي داخل الحرم الجامعي ممنوع. وسائق السيد وائل والدها أوصلها حيث أقرب نقطة للمباني. نفخت بقلة حيلة حين أدركها عجز حقيقي فقررت مهاتفة زيد الغياث أبن خالتها الذي دبّر لها العمل بوساطة ضخمة تم حشر اسمه فيها لتنال ابنة خالته الرقيقة حد التهشم وظيفة تليق بها. لحظات قصيرة قضت وتم تمرير صوتها الشاكي وضياعها إليه: -زيد أنا ضائعة، لا أعرف أين مبنى الصالة الرياضية. احتواها سريعًا بلين، وهدأها صوته على الجهة الأخرى فيما يحسم تذمرها: -أنا سأتصرف ..انتظريني. أجرى اتصالاته ليتبين الموقع تحديدًا فانتظرته بصبر نافذ ضاع في مسحها لأعلى وجنتيها المحمرتين حتى عاد إليها: -الطابق الثاني في كلية الهندسة والأشغال. قطبت تسأله: -مبنى الصالة الرياضية في قسم الهندسة! اكتفى بإجابة موافقة، فيما ينصب اهتمامه بموقعها الحالي كي يصل بها حيث المبنى: -صفِ لي أقرب مبنى تقفين بالقرب منه . رفعت رأسها في حيرة وإرهاق حتى رمقت كلمة قسم اللوازم والصيانة، فتتبع الخريطة التي وصلته توًّا على الهاتف، وعاد يرشدها بصبره الواسع حيث المبنى المقصود الذي يقبع على الجهة الشرقية من وقوفها تحت تذمر أغيد ابنه. الجهة الشرقية لا تميزها من الغربية، هي ذات نفسها لا تميز اليمين من اليسار إلا حين تقدم ذراعاها وتتبين وجهتهما، تخلصت من المهاتفة فيما تشكره: -شكرا زيد ..بلّغ سالي تحيّاتي وقبّل أغيد عني. دفقة حماس مرعبة تجرعتها على حين فجأة فتركت ذكاءها المبهر يتقدم الواجهة وراحت تدور بنفسها ..فـ دخلت دوامة جديدة تركتها بدوار عطلها عن الموعد الأول لها الذي تبخر تزامنًا مع رنين والدتها التي هاتفتها لتطمئن على سير يومها فعاجلتها: -لا أريد هذا العمل ..لقد قررت العدول عنه ..لم أعد أريد أن أعمل. توترت سوزان للحظات وضاع تركيزها مع صوت ابنتها المتذمر، فاستمعت بهدوء لسيل شكواها وحين استجمعت نفسها أخبرتها: -هذا أول يوم لكِ حبيبتي ..على معنوياتك أن تكون أعلى من ذلك. كادت تهوي على الأرض أسفلها منهارة فأخبرت أمها: -أنا لم أصل لمكان عملي حتى.. -لا بأس حبيبتي ..أسألي أي مار عن المبنى الذي تريدينه ولا تقلقي. أطبقت شفتيها وحدقت في الفراغ حولها، لقد التحقت بالعمل في فترة العطلة الفصلية، لذا لا تواجد بشري فيها، إلا من تواجد قسم الهيئة التدريسية .فعملها جاء بكبسة زر حين صرحت في فورة ملل: -أمي أريد عملا..أود ممارسة موهبتي. وتلبية مستجابة على الفور تمثلت بطلب السيدة سوزان من ابن شقيقتها زيد عملا لأميرتها، وتمثل زيد لطلب خالته وأوجد العمل سريعًا بأكثر الطرق أريحية، حاولت سوزان تدبير كل الحجج لإقناع ابنتها التي دفعتها للعمل دفعًا كي لا تترك الجامعة وتعود إليها بفشل . وجاءت حججها بنجاح فقد اهتدت ابنتها في خطواتها أخيرًا مرتاحة حين شاعت السُحب في السماء تعزل الشمس خلفها فأنهت حديثها مع والدتها وثبتت السماعات في أذنيها تتجول مكتشفة في المباني حتى توصلت لمبنى منعزل بعض الشيء لم تتبين أسمه فقد واجهها ظهره، تقدمت خطواتها بحماس حين تبينت لها هيئة رجل يقف عند الباب الخلفي يحمل في كتفه حقيبة وعيناه ترنوان لساعة كفه، تلهفت مسرعة نحوه حين فك عقدة ذراعيه وتوجه مستديرًا للناحية الأخرى فنادته: -لو سمحت..انتظر لحظة. استدار الشاب نحوها بغتتة فأوشكت الارتطام به لاندفاعها، ارتدا في خطوة مطلوبة فيما يأخذ لسانها السؤال وعيناها التائهة عن محيطها ترتفع لطوله: -أين يقع مبنى الصالة الرياضية؟ أشار بكفه بلا تعبير نحو السلالم المؤدية للطابق الثاني: -هنا ..في الطابق الثاني من المبنى هذا. أخذت شهيقها المحبوس طويلًا فيما تفيض منها الراحة وتكشف عن أسنانها ببهجة: -وأخيرًا وجدته .. ركضت للداخل بلا إضافات فرمى بحضورها وأكمل سيره نحو صديقه الذي تأخر عليه وتركه بأثقل معطف شتوي رفسته خالته حسنا به الجو خانق مع زحف الزوابع الرملية التي عكرت لون النهار. تجاهل رنين هاتفه الذي يرن وتعدى الممر الفاصل بين كليتين وقبل عبوره الطرف الآخر تحسس خلفه لهاثًا حارًا وافق صوت منادٍ عليه للمرة الثانية: -لحظة ..انتظر ثانية. وصلته سريعًا وأصبحت أمامه تتلعثم محرجة: -أنا لم أشكرك حتّى، كنت مأخوذة بفوضى الموعد الأول للوظيفة. أخذ عقدة شعرها المجموعة في أعلى رأسها بعشوائية مفرطة و وجهها المحمر المحاط بخصلاتها البندقية في لقطة بانورامية شديدة التركيز ورد بإيجاز : -لا عليكِ ..الأهم أنك وجدته.. نفت برأسها وهي في احتدام تنفسي صعب يتيح له سرقة التفاصيل بإخلاص فأضافت: -أنا زميلتك هنا المفترضة..المدربة مرام العامرية. لا شيء مميز في وجهها للاحتفاظ به، فهي أنثى لا تحمل إلا رقتها ورقتها ..وبعضًا من فوضويتها.. -سررت بمعرفتك ..المهندس يحيى القاضي. عيناها التائهة توسعت مندهشة: -إذن حقًا الصالة الرياضية تقبع فوق طابق الهندسة. غادرت عيناه رفّة إعجاب صريحة بهذا المزيج النهاري المبدد لعمل يوم انقضى في فحص العينات. -أجل هذا الطابق تابع لكلية الهندسة، توجد فيه بعض المختبرات والمراسم. انبثق عنها فضول محبب واءم رقتها ومنظرها الشبابي الفوضوي: -سأكون مسرورة باكتشافه. استطردت في حماس وضحكة: -وسأستغل معرفتك أفضل استغلال. أجابها بكياسة فائض حدها : -على الرحب والسعة . أوشك اللقاء على الانتهاء لولا تدخل طرف ثالث جاء بشكل معاكس خارج عن حدود اللحظة ..وسارقًا وهجها: -لقد تأخرتَ كثيرًا يحيى. وصله صديقه معاتبًا فرد عليه يحيى بملل: -لا مشكلة لدي لو انتظرتْ أكثر وتجرب جزءًا مما تفعله. كشّرت عينا رفيقه عن غرور ورد: -أنا أستحق الانتظار. اقتربت خطوات عدي بطلته الشبابية المميزة منهما، فأسرعت مرام التوضيح وتبرير تأخر يحيى عن صديقه بضيق حقيقي: -معذرة منك ..أنا موظفة جديدة هنا كنت تائهة والمهندس يحيى ساعدني. طلّت نظرة غير بريئة من عيني عدي نحو مرام ثم تخطتها ليحيى ورد عليها: -أهلا بك بيننا ..أنرتِ الجامعة مهندسـ... تحكمت بدواخلها نظرة أودعته فيها كمًّا يستحقه من اللطف فيما تصحح له: -المدربة مرام العامرية.. رافق رد عدي نظرة توجهت للطابق الأعلى في المبنى ورد بغمزة: -المهندس عدي الشملان..سررت بمعرفتك. لهفت عيناها بإعجاب نحو رنة صوته الإذاعية، فشكرتهما على مضض وهما يتجاوزانها، كادت تمشي وتجر خطاها لموعدها، فتعثرت في توقف إجباري والتفاتة نحو الهيئة الأقصر طولا عن الأخرى، تحجرت قدماها أكثر وأبتّا التحرك في تزامن رعدي مثير لالتفاتة غير محسوبة ولا متوقعة، تشابكت مع عيني صاحبها الذي خص لقطتها بإدراك فعيناها التائهتان ..التمعتا ..افتتنتا ..تعلقتا بظهر رفيقه عُدي! ** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #74 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() -ضحى! ربطت ضحى نفسها بالكرسي الذي يكاد يبتلعها وضمت الأوراق في الرزمات، فيما تشغل ملامحها عنجهية صاحبة المكان وهي تجيب خديجة زميلتها: -أعرف جيداً كم يروق لك مناداة اسمي، لكن عذراً فأنا مشغولة في أرشفة مهام الأستاذ ريبال. تخصرت خديجة وأمرتها بغضبة: -ضحى لا تتحججي بأعمال السيد ريبال وتتركي لي مهامك. نفخت ضحى بالونًا ضخمًا بلبانتها وفرقعته بوجه خديجة: -السيد سالم قال لي أنني مسؤولة أعمال السيد ريبال. وعراك نشب لولا تدخل الموظفات الأخريات، تم فك المشاجرة الموشكة بانتصار كاسح لضحى هي وتطاولها، استقرت خديجة الخاسرة على الدوام تهدد: -إنها فتاة بلا أخلاق ولا حدود لجرأتها، لا أفهم كيف ينقاد لها كل من في المكتب هنا؟!! لوت هيفاء زميلتها في المكان شفتيها غامزة لها بإيحاء: -تعلمي الإغواء ومرري للمحامين هنا ريقًا حلواً سينقادون لك كما يفعلون لها. تفتحت عينا خديجة على وسعهما وكادت تصرخ بفطرتها البريئة، لولا دخول ريبال بزوبعة رمت شرارات تواجده في المكان، سأل بمجرد دخوله: -أين سالم؟ انتفضت الموظفات سريعاً وتطوعت إحداهن بإجابته وتحمل مزاجه: -لقد ذهب إلى مكتب أحمد القاضي. هز رأسه بغضبة، ونفث دخان سيجارته ثم كتم أنفاسها الأخيرة بطرف حذاءه اللامع ليتركها هامدة أرضاً ثم التفت لباقي المجموعة وقال بصوته الأجش: -هذا مكان عمل وليس صالونًا نسائياً لتبادل الأقاويل واستعراض القوى.. انصرفن لأعمالكن الآن. أمر بهن وخرج نحو مكتب والده ليسكب جام غضبه هناك؛ فقد تمت إهانته في المحكمة حين أخبره القاضي : -لا قضية تترافع بها هنا ، لقد تم التنازل عنها. كاد يقتلع خصلاته وهو يستوعب أن موكله لم يخبره بتنازل الطرف الآخر عن قضيته؛ والسيد سالم وبكل سماحته المثيرة للغيظ قد قسّط لموكلهم أتعاب القضية، وصل لمكتب والده وفتح الباب بعنف، فاستقبله والده أحمد ببسمة منعشة وهو يعي غضبه: -تفضل ريبال، لدينا قضية كبرى نعمل عليها. اشتعل غضبه مع هدوء والده فهز رأسه والتفت لسالم: -سيسدد حمادة أتعاب القضية كاملة اليوم وأقسم إن لم يفعل لأعمم عليه في أرجاء المملكة كلها. لم يكتم أحمد ضحكته مع تصنع سالم الجهل حين طلب منه بهدوء: -لقد اتفقنا على تقسيط أتعابه ..لماذا انقلبت عليه؟ كزّ ريبال على أسنانه مع تلاعب والده به ومرر لسالم بخشونة وقهر: -صاحبة القضية تنازلت عن القضية منذ أسبوعين، وحمادة النذل لم يبلغني بذلك.. لقد جئت من المحكمة توّاً. برزت قصبة حنجرته مع تنفسه المتوتر وهو يتذكر قول القاضي له : «حمدا لله على سلامتك ريبال، ما الذي تفعله هنا القضية ملغية من أسبوعين» لقد بدا مغفلا بحق وهذا ما يزيد غضبته ونقمته على سالم الودود صاحب قلب الحمامة . تحكم سالم بضحكة منفلتة، فاصطنع وقاراً متقياً غضب أتون ريبال وشراءً لسلامته التي تهمه، فسأل قبل أن يغرق في ضحكاته: -كيف يتجرأ عليك ويفعلها!! صف لي مظهرك في المحكمة ريبال لطفًا. -سااااااالم. أجلى أحمد حنجرته فيما ينفث تبغه في المرمدة ويستدير صوب أبنه ويقترح عليه بنبرة ثلجية مقصودة: -غادر معي اليوم وتناول العشاء في منزلي، لقد أعدّت يسرى محشي ورق العنب والكوسا، وأصرّت عليّ أن أدعوك معنا. زفر كاتمًا غيظه وأجاب والده : -الليلة صعب جدًا مرتبط في سهرة مع شبان العائلة. أخفى أحمد شعوره حين لم ينجح في سرقة أبنه الليلة رغم رغبته في سرقته إليه للأبد لكنه لا يستطيع حرمان جده منه ولن يفعل أبنه أبدًا ويترك جده، فأشد عليه لأجل الليلة: -لا بأس تناول العشاء معنا وانطلق إليهم، ريتال ستقيم الدنيا وتقعدها. صمت ريبال متفكرًا للحظة نجح فيها والده سحبه من أجوائه التي جاء بها، لم يتأخر أبدًا وهو يستقيم متذكرًا: -أوه دعها غير اليوم فـ حسنا صرفت الأحفاد من أجل الملفوف المحشو لي وليحيى. | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #75 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() ** كانت آرام قد خصصت يومها لدراسة المتراكم عليها وإنجاز بعض الأبحاث المطلوبة منها، لكن مع طلب عماد الملهوف لها أن تبتاع له الذرة، قررت أن تراكم المطلوب منها غدًا فوق كومة المتراكم عليها أساسًا، ومنحت يومها له فوالدتها مشغولة باختبارات المدرسة، وإيلياء لن تخرج كما هو متوقع. لذا تبسمت له بحماس وأخبرته: -هيّا بدّل ثيابك ريثما انتهي من نفسي. توجهت إلى صوانها و بدلت ثيابها سريعًا، خرجت تبحث عن إيلياء فلم تجدها، قطبت حاجبيها بحيرة تسأل عنها فأجابتها والدتها المنهمكة في تصحيح أوراق طلبتها: -إيلياء تنظف الغرفة الفارغة في الطابق العلوي. استفهمت آرام باستغراب: -لماذا ما أمر الغرفة أمي؟ ركنت عبلة قلمها بحانب الأوراق، وحركت رقبتها تفك عنها تشنجها: -لا أعلم عنها شيئًا، تخبرني أن هناك مفاجأة الليلة تخصها. هزت آرام رأسها واستدارت تفكر في تصرفات شقيقتها الغريبة في الآونة الأخيرة، أتقنت لف الوشاح حول رأسها وصعدت لغرفة عماد فوجدته قد بدّل ثيابه التي أشرفت عبلة عليها، عماد يعتني بنفسه جيدًا بل أن نظافته الشخصية هي خطه الأحمر وإن لم يكن قادرا بعض الأحيان على القيام بها بنفسه، تقدمت منه ومشطّت خصلاته، نثرت العطر الذي بات مهووسا به على إثر تعلقها به، وأخيرًا لفّت وشاحا يقيه البرد حول رقبته وسارت به للخارج. ما إن تخطيا بوابة المنزل حتى واجهتهم مجموعة من صغار الحي، لاحظت كيف انكمشت هيئته وتقوس كتفاه المنحنين بشكل كارثي، عدا أصابعه النائمة في كفها والتي تشنجت بشكل ملحوظ، أولت الصغار نظرة أرعبتهم ثم التفتت لعماد تخبره: -لا تخف أنا معك لن يأذوك أبدًا. لم يتجاوب معها للحظة، فزفرت مستاءة وسحبته معها : -عماد هيّا نكمل طريقنا .. لم يتزحزح وعيناه تأكلان الطريق للأطفال الذين يؤذونه ويعتمدونه مادة اللعب الأفضل فأفضى لها بحزن كسرها: -سيضربونني ويضحكون عليّ! اتقدت الشمس في عينيها لامعة وهي تحسم له: -لن يمسّوك بأذى وأنا موجودة هل فهمت؟ صرخت بمجموعة الفتيان المتناثرة الذين يتلصصون من خلف السور ويتضاحكون، ففروا سريعًا وبقيت معي، استعاد هدوءه فسلكت الطريق معه تاركة أذيال الشمس الأخيرة خلفها، خطواتهما طالت حسبما مشيته البطيئة وتوقفه للحظات من أجل التنفس براحة، وصلت إلى كوخ الذرة أخيرًا فانطلق قبلها راكضًا بحماسه، كان قد أملى الطلب للرجل الذي تجاهله في بادئ الأمر وحين رآها هرع لتلبيته قبل الجميع.. -السلام عليكم ..أريد كأسين من الذرة من هذا الحجم. أشارت للحجم الأكبر نسبيًا، وانسحبت لطرف الكوخ. أطرقت تراقب حركات عماد أمام الواجهة الزجاجية، كيف تتوقف أنامله عند رقائق الشوكلاتة والحلوى ويمسح من فوق الزجاج حوافظ الذرة المعروضة بضحكة طفولية، سرحت فيه طويلًا وبضحكته، تكسّر آساها في مداه حين تفكرت في عمره وسنواته وحالته المرضية التي تتركه طفلا. مد كفه يمسح على فمه وذقنه، فتقدمت منه تكبح غصتها واختناقها عليه تسأله: -هل أبتاع لك منها؟ أومأ بحماس فمدت بيدها لأخذ بعض من البسكويت المحشي بالشوكلاتة وصنفًا آخر توقف عنده. راقبت الرجل حين بدأ بتنفيذ طلبهما وطلبت منه: -أكثر من الجبن والحامض من فضلك ولهذا الكأس ضع التوابل بشكل مضاعف. رمقها بعماد بامتنان أهل الأرض، فانتظرت طلباتهم التي نقدت الرجل ثمنها، ودت العودة للمنزل فاحتارت في حماس عماد لما بين يديه كطفل صغير فقررت العدول عن الرحيل وتوجهت صوب المقاعد الإسمنتية ذات اللون البرتقالي التي تشغل الطريق العام، شغلت الكرسي مع عماد الذي لم ينتظر أكثر وشرع يلتهم الذرة فتركت كأسها له وراحت تمسح له فمه كل حين وتتقبل بحب ودون تعفف اللقيمات التي يمدها لها. تاركة نفسها وإياه المشهد المثير الأفضل لطرقات البيادر التي رمت بأهلها عرض الحائط، دقائق طويلة مرت ونسمات البرد تلفح وجهيهما فتقلبات هذا الشتاء غريبة في اليوم نفسه، في الصباح كان حارًا وظهرا ازدادت حرارته والآن الهبوب الشرقية ثلجت وجهها. طلب عماد منها هاتفها ليلتقطا بعض الصور فناولته إياه وفعل، أخذ لهما الكثير من الصور وحين أعاده إليها تركت حماسها وبعضا من شفقتها له وهي ترمق صورة لطرف حذائها وأخرى ضبابية لا تتبين ملامحهم فيها.. -الصور رائعة ..سأوثقها على مدونتي. تعلق في كتفها بحب فمسحت على رأسه برفق. كانت قد عزمت الرحيل لكن حين التفتت إليه رأت في وجهه رغبته بالكأس الثاني فأعطتها إياه وهو يشكرها: -أحبك آرام، أنتِ نچمتي الأفضل. امتدت بسمة حنون ملأت ثغرها وهي تجيبه تمسح على فمه: -وأنت ملاكي عماد .. تناول رقائق الشوكلاتة فانتظرته بصبر حتى ينهيها فيما تبعث برسائل للعروس سراب التي تتجاهلهم منذ الأمس بهاتفها مغلق «هل أنساكِ العسل رفقتك أيتها الجاحدة» «هل تستحق التجربة أن اوافق على مهند سريعًا» «سراب..أيتها البغيظة أجيبي» تأففت ورمت الهاتف في حجرها، لقد لاحظت تناوب سيارة فضية اللون على المرور حولها، في بادئ الأمر لم تتنبه لها إذ أن تركيزها منصب على كل خلجات عماد الذي تناول الكثير، ومع ذلك شيءٌ من ممكن بريئة غزا حواسها، لا يمكنها أن ترتكن على إحساسها وتفكر في أقصى مستحيلها، لذا تلاهت في تنظيف عماد والضحك معه حتى رن هاتفها، استقبلت رسالة من راوية تطلبها «مري إلى بيتنا بشكل عاجلٍ آرام ..أرجوكِ» أطبقت شفتيها وانسلت برودة مخيفة إلى قلبها، راوية لا تكف عن ارتكاب الكوارث التي تجلبها لنفسها بشكل مؤلم، هدأت أعصابها وأخبرت عماد: -هيّا عماد ..سنذهب إلى راوية الآن. استقام عماد ببهجة وهناك اصطدما بحضور مهند من العدم بطاقة عنيفة أخافت عماد الذي اختبأ خلفها، بلا مقدمات سألها: -إلى أين تأخذين أخاك قبيل الغروب .. كتمت التنغيصة بحضوره وأولت غريزتها الحماية لشقيقها وهي تجيبه ببساطة: -نود الذهاب إلى منزل راوية . ارتفع حاجبه بغضب ونقرت سبابته حول موقع جلوسها: -ولماذا تجلسان هنا ولحد هذا الوقت؟ مررت عينيها نحو الكيس الذي تحمله لمخلفات جلستها، رفعتها إليه وتمتمت: -كما ترى كنا نأكل الذرة .. كز على أسنانه وهو يشير لما حوله: -أمام الشارع العام؟ ردت عليه بتحفز: -عماد لن يصبر حتى نصل البيت، كان يرغب بها بشدّة. اقتنص نظرتها المتحدية بانفعال ساخط ابتلعت نفوره فيه ولم تتعنى تصدير نفورها، دارت عيناه واستقرت في مكان بعينه فيما يقرّ بتشكيك بيّن : -أجل قلتِ لي عماد المثقوبة معدته يشتهي الذرة ويأكلها جوارك مقابل سيارة يزن التي تحوم حولكما. أخذها على حين انتفاضة، نبض قلبها بعنف و توتر فمها للحظات، سريعًا ما سيطرت على نفسها وردت له صاع التخوين: -هل ألمح تشكيكًا بي مهند؟ نفى سريعًا وبرر: -كنت أسأل ومن حقي الإجابة.. ثبتت شفتيها التي أطلقت له الحقيقة كاملة: -لا أعبأ بيزن ولا أعلم عنه، ثم لو كنت أعلم بحضوره لما بقيت لحظة وأنتَ تعلم بذلك. على سبيل الغضب فقد تمكن منها مهند، حين ضايقها بحضوره قبل تشكيكه بها، وحين أوجعها ونال من حواسها التي تأكدت بحضور يزن، احتدم الحوار بينهما بشكل أقبض قلب عماد الذي خرج من خلف آرام برعب وغضبة حين رأى صراخه عليها، امتدت يده التي تحمل كأس الذرة ورمى بها نحو مهند، شهق عماد واحتمى في ظهر آرام التي خافت عليه من ردة فعل مهند الذي جحظت عيناه وتقدم يمط جسده متطاولا عليه: -ما الذي فعلته أيها الأحمق المجنون أ ترمي الكأس عليّ. تحرك جنونه به وهو يرمق سترته الملطخة ببواقي سائل الذرة فعاد إليه يخيفه وقد فعل فقد حفرت أصابعه في ظهر آرام -حسابك معي فيما بعد عماد. مدت آرام ذراعها وحاوطت أخاها، تقدمت نحو مهند وأخبرته من بين أسنانها: -أقسم لك إن صابت عماد النوبة الآن لن تلومن إلا نفسك ..هيا اعتذر منه وصالحه. ارتد للخلف بقهر وسأل بصدمة: -آرام. فار غضبها وكل همها ينصب على سلامة عماد فأكدت: -أجل لقد أخفته وتستحق ما فعله ..هيا اعتذر منه وصالحه. استكان ولاذ في جورها عليه بكل خضوع مقيت يؤجج فيه كل مشاعر التملك والكره نحوها، خطا خطوتين وأخذ عماد يعتذر منه، لم يستجب عماد الذي بقي متشنجًا حتى تدخلت آرام وصالحتهما تخبره: -لقد رضي عنك مهند ولا خصام ..الآن سنذهب إلى راوية ..السلام عليكم. اعترضها مجددا يراقب ارتحال الشمس وولادة الغسق: -الوقت تأخر لا يصح ذهابكما الآن. زفرت عميقًا وهي تأوي إلى صحة حديثه باستسلام: -حسنًا تعال وأوصلنا، لن أتأخر هناك أساسًا. شع رضا غريبًا من عينيه وهو يطمئن لنقاء تواجدها الآن من يزن، إذن هي لا تدرك بوجود يزن ولا تعبأ به، بنصف نظرة منتفخة أخبرها: -لا بأس سأوصلكما رغم مشاغلي.. كتمت تعبيرها وقدمت وجها رخاميًا يستحقه وخطت أمامه بكل علياء تاركة إياه يمشط غرورها باتقاد مستسلمًا لغباء عماد الذي سار بجانبه بكل بلاهة يخبره ألا أحمق في المكان هنا سواه. ومن بعيد سرق الظلام ظل آرام واحتجبها عن عيني يزن الذي شهد حضورها وتشربه من أول عبورها منزل والدها حتى قطرة رحيلها عن مداره، تنهد بخيبة ولكم القبضة قويا نحو المقود فيما يتوعدها أولاً ويتوعد مهند. ** أوصلهما مهند حتى عتبة باب مرعي تحت ملامح مكفهرة، ترجلت من السيارة برشاقة وتوقفت تفتعل صدمة أمام مهند الذي هم بالهبوط هو الآخر، أطبقت باب السيارة بأقسى ما لديها مفجرة نار مهند التي التهمها بعينيه الحارقة خوفا على سيارته التي خلعت بابها فيما سألته ببراءة مشكوك فيها: -إلى أين مهند؟ هل ستشاركني الجلوس مع راوية؟ اخشوشنت نبرته وهو يجيبها : -ألن أدخل للرجل ألقي عليه التحية. مطت شفتيها باستياء ماكر فيما تخدمها إيماءاتها في تجميد جلطة مستحقة له: -لا رجال في البيت إن كنت تود الدخول؟ لا يصح يا ابن عمي هذا ليس من شيمك. بررت بعدها سريعا: -العم مرعي وأبناءه في أعمالهم لا وقت لديهم في التسكع وأخذ الراحة والتجول هنا وهناك، الله يعطيهم القوة. استشاط من مقصدها الملغوم فجرت للداخل وهي تملي عليه: -حسنا أبقى مع عماد واحرص عليه جيدا ريثما آتي. رفعت كفها نحو عماد الذي لوح لها والتفتت لمهند تضم شفتيها ببراءة نحوه وأخبرته بكل حيلة ممكنة لديها: -لن يتعدى وجودي دقائق، لا تثيرا المشاكل بغيابي. .. حالما خطت للسلالم سحبتها قبضة راوية التي كانت تنتظر خلف منزل أهلها، شهقت آرام مرعوبة: -أنا راوية أصمتي ..أصمتي .. أخذتها من كفها وتسللت بها خلف الأشجار الوارفة ليتخبئن في ظلها، تنفست راوية عميقا وهي تجيب: -يا إلهي ظننتك لن تأتِ. طلت نظرة عاتبة من راوية التي راحت تتفقد سلامة راوية: -ما الأمر ماذا هناك ..لقد أخفتني. مدت راوية شفتيها بسخرية من درامية آرام وتهكمت: -أنا حيّة للآن لا داعي لكل هذه الدراما. -أنتِ بقرة جوفاء بحق ولا تستحقين قلقي عليكِ. تنهدت راوية بورطة وانسحبت عنها المشاكسة فيما تستوطن الكآبة عليها، أطبقت فمها وتلفتت بحذر حول منزلها، ثم ركعت على ركبتيها، ومدت كفها تنقب في كومة تراب خالطتها أوراق أشجار، بحماسة زفرت وهي تصطاد بغيتها، أخرجت هاتفا تعرفه آرام التي أسبلت أهدابها بيأس من راوية، استقامت راوية وهي تضعه في كف آرام: -لقد اكتشف والدي أمره، وضربني ليلة أمس ولم يجده وجنّ جنونه في البحث عنه. تحكمت غصة في حلقها وهي تتابع: -ملاك النذلة وشت بي عند فاضل الذي أطبق الدنيا فوق رؤوسنا أمس. شهقت آرام فرفعت راوية سبابتها نحو فمها وهمست: -لا تفضحينني آرام أرجوكِ ..خذي الهاتف معك..وتواصلي مع غيث وأخبريه بالوضع. تعلقت عبرة ضعيفة عند طرف عينها وهي تضيف بحرص: -كان موعدنا يوم الخميس القادم ..أخبريه أنني لا زلت عند الموعد وسنلتقي. هتفت بها آرام بجنون: -كيف تخرجين وعائلتك تترقبك أيتها المجنونة؟ شوحت راوية بكفها ونطقت حروفها بتشفٍ: -لا يهم لم يتبقَ شيئا لم يفعلوه بي .. عنف جديد وتهديد لن يطول وأنا اعتدت على ما يفعلونه فلا ابتكار في طرق تأديبي. اختنقت آرام وضاعت في تقديم أي مواساة أو نصح أو حتى محاولة انتشال ..فخسارتها لراوية مقترنة بأي مساعدة منهن، استغفرت وحاولت احتواء راوية التي ارتدت في رفض لتقديم أي معونة لفظية: -بالله عليكِ آرام لا أريد أية مواعظ ونصائح إرشادية ..كل أحاديثكم لم تمنع حزام أبي عني بينما أنتِ وسراب تنعمن بكل المباح إليكن من رضا ودلال ومحبة. -راوية هذا لا يصح من فضلك ..لا داع لتلك الأحاديث لن تحل أي شيء. تأففت راوية وأعلنت نهاية الحديث: -آرام جئت بك من أجل شيء محدد ..لا أريد أية خدمات إضافية! هل ستأخذين الهاتف أم أبقيه معي؟ ورغم الخطأ ..وكل اللا الناهية والجازمة التي تنهرها ألا تستسلم لضياع راوية ..أخذت الهاتف لتدبر أمر غيث وأمر التستر على راوية أخذته، طالت عينا راوية الرضا والتمعت عيناها البندقية بفيض من سكينة، فآرام لن ترفض لها طلبًا، سمحت لنفسها بالتجول فوق زي آرام الملفت رغم بساطته المثيرة لحنقها بسروال من خامة الجينز العريض وبلوزة بيضاء بعنق مرتفع يعلوها كارديجان غجري أخضر داكن، فاختارته ليوم مقابلتها مع غيث فيما تستمع لرد آرام: -حسنًا ..سآخذه . .. حين وصلت آرام السيارة لم تكن بحال جيدة للشماتة بمهند الذي يغلي باحتماله عماد الذي أزهق مزاجه، ركبت السيارة وشتت نظراتها الفاتنة نحوه بمقصدٍ ناري بيّن، ورد مهند انطلاقة مهددة فوق الشوارع الناتئة حتى وصلوا منزلها، هبطوا بصدمة من سيارة الشحن أمام بيتها فتساءلت بصدمة: -ما الذي يحدث هنا.. والإجابة جاءت موقعة بعتب إيلياء اللاهف الموجه لمهند وليس لها: -لماذا تأخرت علينا؟ لقد أتموا تجهيز الغرفة. الصعقة بالكاد تستوعبها آرام فلم تحتمل سخط نظرة مهند الذي سدد له حقده: -آرام كانت عند راوية. توقفت آرام مشدوهة بعرض لا يخصها، أشاحت إيلياء بوجهها عنها واستدارت بغضبة، فيما يتبعها مهند متحايلا برضاها فأوقفته آرام بحزم: -هلّا أمكنك إخباري ما الذي يحدث هنا؟ رد عليها بمزاج رائق تبدل في لحظات إثر تشوشها : -إيلياء شحنت أثاثا جديدا لغرفتها المستقلة عنك، فقد قررت فصلها عنك! تناغمت نبرته بشيطانية على مرأى شحوبها فأضاف بغمزة إيحائية: -مفاجأة أليس كذلك. اقترب يضم الفراغ بينهما فيما ينحني نحوها بنسبة مناسبة لنثر همسه: -فرصة للاختلاء بكِ جميلتي لا إيلياء بعد اليوم للتحجج فيها وتتمنعين عني. زاغت عيناها وترددت صدمتها في صدرها كاسحة فتراجعت للخلف تهمس في إثره بورطة لا تتعلق به إذ لم تولي وجوده ذرة أهمية بل كلها ينصب على إيلياء التي نفرتها على حين وجع لا تدرك سببه فهمست بتشوش: -ما الذي يحدث فعلًا. ** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #76 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() انغلقت بنفسها وحشرتها في خيانة مسمومة لا يستحقها بلال الذي أغار قلبها بشهقاته التي تصلها دون اكتراث لكتمانها، شقّ عليها أخذ أنفاسها براحة فرفعت عينيها للأعلى تلتقط شهيقاً مشروخاً. فما رآه بلال يستحق ما فعله. لقد تهورت بفعلة جريئة غير مسبوق لها الإقدام عليها. مع حرص أمها على التروي إلا أنها استبقت الأحداث وضيعت كل ما فعلته أمها لأجلها. بل كشفت لبلال صفحة رأس صلعاء إلا من تناثر طفيف لنمو شعيرات متكسرة وملطخة بأصباغ والدتها التي تغطي بها كل جذر شعر ينمو أو يبدأ حياته فتناثرت البقع الحمراء على جلدة رأسها بالكامل، فآخر خرقة غطتا بها رأسها أحرقت جزءًا لا يستهان به في مقدمته ووسطه، إذ تم تكديس الثوم المهروس بشكل خطر وفقًا لـ تمائم دلال وخلطاتها وبصعوبة تخلصت من إثره ورائحته بمستحضرات فائقة الجودة. شعرت بمذاق الحريق كأنما مسَّ رأسها المصاب بداء الثعلبة وفقًا للتشخيص الطبي منذ أن كانت في الرابعة عشر من عمرها ولم تتقدم حالتها رغم قضائها في سلك علاج لم يسفر عن شفاء، بل تفاقمت حالتها ووصلت مرحلة خطرة طالت حاجبيها وفقدانها لفروة رأسها بالكامل دون أن تفصح تغريد عن دائها، واكتفت بالمتابعة الطبية مدة سنة ثم تركت ابنتها لطب العرب والدجالين لسنوات تلتها جعلتها في هذه الهيئة. مع موافقة زوجها فضل الذي رأى ضرورة إخفاء مرض ابنته التي أصابتها الثعلبة جراء عين حاسد أو سحر أسود لا محالة، فأسلم الحلول التكتم كيلا ينفر منها أحد لتعديه. خرجت من صمتها على صوتٍ وهنٍ بأحبال صوتية ضائعة انطلقت من حنجرتها: -أمي.. نادتها صائحة تستجير بها وهي تلملم أناملها المرتعدة عن إثر شعرها: -أمي تعالي إليّ لقد نفر مني بلال كما قلتِ ولم يتقبلني. تداعى صوتها وهي تهمس معتذرة: -خذلتك، خذلتك سامحيني. شدت جسدها واستندت بركبتيها على الأرض فيما تبسط ذراعيها المرتكزتين على السجاد أمامها، تحركت على ركبتيها تحبو نحو أقرب أريكة موجودة على الأرض فلا طاقة تمتلكها لتستقيم وتمارس المشي بأريحية، ارتخت ذراعيها بإعلان صريح. فقد خارت قواها وخذلتها، تأوهت منكسرة في أكثر لحظاتها هزيمة، وبصعوبة رفعت نفسها وتسلقت الأريكة تنكمش في زاويتها. انطوت فيها مغمضة العينين عن الدموع وصامّة الأذنين عن كل صوت يرتفع في رأسها ويكيل إليها ذنوب عمرها بأكمله، عضت شفتيها المرتجفتين تكبح انتفاضتهما بقوة وتمنع عنهما تسرب الألم أكثر، أحنت رأسها وأخذت ذراعيها تضمهما بين ساقيها بوضع جنيني، تعاركت مع نفسها والسكاكين التي شقشقت حنجرتها، وظلّت بألمها الذي تخدّر أخيرًا وسحبها في غفوة سقطت فيها سريعًا دون شهقاتها التي جعلت بلال يركع عندها، لقد بقي طويلاً في الحمام للاختلاء بنفسه وتركها إلى حدٍ يضم فيه شتات نفسه، لقد خذلها، كسرها، وهشّم ما بينهما، لكنه مخدوع ..خدعته ..خدعته ..ولا مبرر! رأسها بلا شعر.. ليس ذلك فحسب بل في هيئة غير آدمية، مشطوبة أنوثتها بتجردها التام منها، لو كانت صلعاء سيكون حالها أهون عليه الذي رآها ولأول مرة بلا غطاء رأس هكذا، لكنها كانت كمن تم جزّ شعرها من جذوره بشفراتٍ مسننة تم ضربها بلا رحمة، فلم يتبقَ سوى نتوءات شعرية تحفر رأسها بعد غمسها في بركة أصباغ لها ألوان منفرة فرأسها كانت خرقة ضمت قصاصات شعرية خَرِبة. فهل بالغ؟ أجل فعل ونفسه الضعيفة سقطت في أول اختباراتها، لكنها بدت وكأنها تتحداه بهذه الفجاجة. فليس من العدل له محاسبة نفسه. لقد طلبت الكثير في ليلتهما الأولى وهو ليس بجاهزٍ فهذا ليس باستقبال لعريس يراها أول مرة بشكل يخصه، فهو لم يرها مطلقا طوال الخطبة التي انعقدت لشهرين سوى بأغطية صوفية شتوية حين يطلبها صورا لها، وعن عقد القران فلم يُتمم إلا قبل الزواج بأسبوع. كاد يحسم خطوات كثيرة بينهما لولا شهقاتها، ورجفة فمها في نومها، أطبق جفنيه في تعبير موحش وفرقهما محاولاً مناداتها، تنام بشكل متشنج، توليه ظهرها وبقايا لخصلاتها التي تجتمع في ذيل قصير ضعيف على شكل مثلثي في مؤخرة رأسها لم يستطع أن يرتفع بنظراته، هو لم يتقبل حتى اللحظة ولا حتى لحظات مستقبلية الحال، مد بطرف أنامله الراجفة نحو كتفها وأطلق تنهيدة عقيمة فيما يهمس لها: -سراب ..استيقظي حبيـ أقصى الكلمة وبترها على الفور، باتت الكلمة شاقة تخدش حنجرته فنطق إليها بقلب لا يعرف القسوة لها وإن تمنى على نفسه أن يقسو ..لأنها تستحق. -سراب هيّا تعالي ونامي في سريرنا، لا يصح نومك هنا. هزت كتفها الذي تشنج أسفل لمسته في رفض واضح فحاول معها: -فقط نامي بشكل مريح من فضلك ..لن يحدث شيء ما بيننا الليلة أعدك بذلك. تحرك صدرها وانتفضت شهقاتها في تتالٍ ووتيرة خطرة، زاغت عيناه المتقدة نارهما ورفّ بأهدابه المبللة طاردًا عبرة تاهت منه على حين كسرة. غاب صوته المشتد وهو يتوسلها: -أرجوك سراب، لأجلي قومي معي وأطيعيني. زادت حدة تنفسها والصمت يمتد بلا نهاية فحزم حروفه مهددًا: -سأحملك إن لم تنهضي معي.. حركة غليظة رافقت صوتها الذي جاء متحشرجاً: -اذهب أنت واسبقني.. استجاب لها وتحرك أولًا يستبقها، عيناه معها ترافقانها كنفسها الواهن رغم حدته، استقبل بطء استدارتها، ثقل حركتها وسكونها المثير لأعصاب رجل هي ثبات عشقه، مال قلبه في ضعفها الواضح فلم يتفرج أكثر وتدخل سريعًا حين بدا جلياً وهن عضلاتها وعدم مقدرتها الحركة، تناول جسدها ورفعها بين ذراعيه الصلبتين، اختنق بغصته وهي تتجسد بين ذراعيه بأسوأ المشاهد مستسلمة، قست قبضته فألقاها على السرير متغاضيًا عن استجابته الميتة لها، لا شيء ينبض داخله سوى خداعها له، مددها سريعًا بعيداً عن تشنجه وحقده الذي تجلى في رؤيتها على سريره فهدر بها بخيبة: -لن أسامحك سراب، لقد أفسدتِ فرحتي بخداعك لي. تمادى وجع عينيها الساكنتين فألجمته بقوة وأسدلت الستار عنه، طأطأت طائعة بلا حيلة فهي تعذره ككل شيء هي مسبب في إفساده، طالت منها الإجابة وحين فعلت تهربت من عينيه الغائر حزنهما فيما تخبره بإرهاق: -أنا آسفة بلال، لم أقصد أن أفسد عليك فرحتك. شدت شفتيها المرتجفتين وأضافت من بينهما: -لكنك تعرف.. ازدردت لعابها بمرارة وتغاضت عن صدمته المستحدثة فيما تقطر حروفها بسلاسة عجيبة: -أجل بلال أنت تعرف وهذا لن يغير من صدمتك بشيء. لم تعبأ بشرور عينيه فعليها حل وثاق مكمن الوجع داخلها علّه يخفف عنها، فأكملت بحقيقة متفق عليها: -أنا لم أخدعك، لا تتعامل معي هكذا لقد أخبرتك أمي فلا تنكر أرجوك. تحرر شيءٌ داخلها ربما إقرارها يساعد وإن لم يتعاون معها بشكل مبدئي، لكنه سيفعل في لحظة ويزيل عنها كاهل الأمس من الذنوب، لكنه ولعجبها لم يجب بل في دقيقة جثم فوقها، كبّل محيطها بسطوة ذراعيه التي نخرت لحمها، في بادئ الأمر شهقت وتوقعت احتلالا منه أو أذية لكنه اندفع فيها : -لا تكذبي لم يكن الوصف بشعاً هكذا ..لقد تعمدتما استغفالي وحجب الحقيقة كاملة عني لأنني لن أوافق لو رأيتك وأنت تعرفين. أطلت منها خيبة بارقة فعجلت تخفي عينيها التي تسللت عبراتهما رغمًا، فوق الاحتمال هذا الهرم من الألم الذي استوطن صدرها، تنبه لانفلات كلماته بلا حسبان فحدق في جفنيها المسدلين عنه، سقطت عبراته في ندم فتجمدت حركته، فرقت حدقتيها وواجهت عينيه المحمرتين، تجمدت اللحظة بينهما، تعذره وتعذر وجعه ولا بأس بأوجاعها، كادت تشيح بعينيها عنه، فثبت فكها بقسوة، مارس معها تواصلاً بصرياً طويلاً ملوثاً بالجراح التي تبادلاها توّاً.. شيءٌ انكسر، بل أشياء لن تتطهر. تناورا بالخيبة والخذلان وحين فاض العتب منهما.. أحنى رأسه ورماه يستكين بين مفترق كتفها ورقبتها. صمت لحظة ترقبت فيها بخوف حتى نشج ليلته المأسوف على فرحتها .. -دعيني أنام هنا فقط لأنسى وجعك. تصنمت بحركته ولم تعرف خطوتها، طاف في عدادها الزمني مقتطفات قاسية خفف وطأتها حنان الراقد فوقها بخيبته، تعاظمت شفقتها عليه ورفعت كفها في سلوك دافئ نحوه . لم تتردد لحظة وهي تمسح على خصلاته المبللة فيما تعتذر لهما عن كل شيء.. -آسفة بلال، آسفة لكلينا. انطبق الليل عليهما وكم تمنيا أن يتجمد للأبد بلا صبح، تصنع كل منهما النوم وهو مستسلم لوجودها، خانهما الليل وذاب مع أول خيوط الشمس، فاستيقظ قبلها، كانت طاقته أقوى وغضبه أصعب، يفكر بفضح عمته وإبطال الزواج الذي قام على أكبر حيلهما، ساقتاه إليها بالحب وأخذتاه بالحيلة والمكر، لكنه يحبها ولن يفرط فيها. رغم كل شيء هي مبتغاه المحرم ، ولن يسقط من حساب غضبه نظرتها المكسورة أكثر منه، كأنما هي مساقة إليه بإجبار ودون حيلة ..أتراها ضحية عمته مثله؟ اغتسل وبدّل ثيابه، عاد إليها وبصعوبة غض بصره النافر منها، أوقظها سريعاً لاستقبال عائلتيهما، تحاشاها بالكلية وهو يخبرها: -اخفِ رأسك وتعاملي معه قبل مجيء أمي. أومأت في طاعة فاقترح بتردد : -لن تحتمل أمي هيأتك . بل ستقيم الدنيا فوق رؤوسنا لو عرفت. زارتها راحة بكماء فلن يفضحها بلال عند أمه، استمعت إليه وتغاضت عن نبرته: -هلّا دبرتِ أمر الشعر المستعار الذي يستخدمونه في صالونات التجميل لإخفاء المنظر. برر سريعاً حين استثقل كلماته وتنبه لانقباض أناملها فوق الغطاء : -لا تلوميني سراب من فضلك. همست له بتعاون: -أنا أتفهمك بلال. -جيد أنك تتفهميني .. استنكرت على نفسها انفعالا تبديه، استقامت من سريرها وكرهت مواجهة نفسها في المرآة فقد كرهت نفسها أكثر في عينيه، بآلية وصلت الحمّام واختارت ثوبًا مطرزًا خاصاً بأهل السلط لارتدائه، شرعت في تبديل ثيابها دون الالتفات لأي انعكاس، فهي تناولت انعكاسها في عينيه وارتضت، قبل أن ترفع أكمام الثوب كان قد هاجمها فشهقت مجفلة، حمحم بمباغتة، هو نفسه لا يعلم لم دخل عليها، كان يدور بلا معنى في الحجرة، حتى عززته ساديته لممارسة أي شيء لإيلامها وتخفيف غضبه فعاد يدور بساقية واحدة: -هل جلبت شيئا لشعرك أم أحاول تأمينه سريعًا؟ كتمت تنهيدة طويلة وهي تجيبه بخفوت فيما تعود لما تفعله: -أخذت احتياطاتي. تقبضت أنامله التي كورها في قبضة متوحشة : -بالطبع محتاطة بكل شيء لخداعي. صفق الباب خلفه بقوة فسكنت للحظات ثم استأنفت عملها فلا رفاهية تمتلكها لنثر وجعها، أنهت أمر الثوب وتوجهت نحو أحد الأرفف تسحب شعرًا مستعارًا كانت قد دبرته والدتها، تعرف تثبيته جيداً فلكم ارتدته في مناسبات مجبرة تحت أوامر والدتها أمام صديقاتها وأفراح العائلة، اضطرت للاصطدام بالمرآة. كان أسوأ ارتطام تعانيه، تنفست بغصة وأحكمت وضع منديل من خامة الثوب فوق خصلاتها كي تبدو طبيعية ثم خرجت باهتزاز عنيف رافقه التواء في معدتها حين قرع الجرس. .. انفردت بها والدتها سريعًا في المطبخ لتحضير القهوة عقب مبارزة حامية الوطيس في إطلاق الزغاريد مع علياء والدته، التمعت عينا تغريد برضا لشعر ابنتها المتقن وغفلت عن تورم وجهها .. سألتها سريعاً: -هل تم كل شيء ليلة الأمس، اشرحي لي كل شيء؟ الجيد أن بلال تعامل مع المأكولات الليلية وصرفها بل وأبدى فوضى عرائسية في المكان توشي بحميمية ليلتهما، وقدّم نصف وجه راض في استقبال أمه وعمته. وترك لها الباقي وهذا ليس عدلاً، رتبت الفناجين وأجابت: -كل شيء على ما يرام لا تقلقي. حركت تغريد الصينية بانزعاج وتذمرت: -اتركِ عنك هذه ..الآن قولي لي بالتفصيل. أريد أن أطمئن. حشرتها سريعاً واستفردت بوجهها الذي لاحظت للتو تورمه وعدم راحته، توجس قلبها وارتعدت فرائصها مشككة فانساب هذيها: -ما الذي فعلته ليلة أمس أيتها الخائبة؟؟ وجهك يوشي بالمصائب!! تشنج فمها وشعرت بألم حارق يكوي عينيها الموشكتين على البلل فأضافت بقهر للخائبة المرتجفة: -كنت أعرف أنك ستفضحينني وتفسدين علي كل ما فعلته لأجلك رغم أنك لا تستحقين. ازدردت سراب لعابها ولم تجب فحاصرتها تغريد أكثر وهي تسأل بلا خجل: -هل اقترب منك ليلة أمس؟ هل أتم زواجه بك أم لا؟ تصرفي وأجيبي. أقرت تغريد بضمة شفاه محسورة ما حصل ليلة أمس: -بالطبع ابنتي الغبية معدمة الأنوثة، لم تحركه نحوها وهذا ما كنت متيقنة منه . لم تدع إيماءة سراب أن تأخذ مجراها، لم تعد تلاحق تساؤلات أمها من اتهاماتها تارة تهز رفضًا وتارة تأكيدًا. لطمت تغريد على صدرها بقسوة وغضب: -لم تجعليه يقترب منك أيتها الغبية معدومة الفائدة ! لمَ لم تجعليه يقترب منك؟ لم منعتهِ عنكِ؟ لم تنصفها أمها في حكمها ، ولم يكن الوقت عادلاً معها حين اختار قدوم علياء المطبخ توقيت المواجهة هذه . فاستمعت إلى المحاورة غير البريئة التي تجري فيه في تزامن مثير للشفقة لتصريحات تغريد، شهقت عليا وتأجج حقدٌ دفين فيها فسألت: -ابنة تغريد تتمنع عن ابني وتحرمه منها؟ يا مصيبتك يا عليا ما الذي تخافه سراب لتمنع ابني عنها؟ انتهى الفصل | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #78 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 31 ( الأعضاء 6 والزوار 25) Lamees othman, الماسه مياسه, ارجوان, hekmat.3, بانسو, miss.2020 | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #79 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 56 ( الأعضاء 14 والزوار 42) Lamees othman, raniea, زهرة الشتاء المتقطع, سماره2, رنيم زياد, نهي مجدي, سبنتي أسعد, yasser20, Saraa Hasan, الماسه مياسه, ارجوان, hekmat.3, بانسو, miss.2020 | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|