![]() | #612 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() الفصل السادس والعشرون •رُدّ إلى قلبي بضاعته• **** هتف أحمد سريعًا حالما وقعت عيناه على ريبال: - لا لن تجريها بالطبع، أنا سأتبرع وليس أنتَ. عاد أحمد يحدق في صمته ووجهه السّاكن بلا لمحة أو رفّة هدب فهزَّ رأسه والتفت لأبيه: -أخبره أنني لن أقبل بذلك! ضم طالب الحديث بين شفتيه ولم يطلقه، فهزَّ أحمد كم ثوبه، لن يفرط فيه، ولن يقبل أن يعطي قطعة منه، لا يحتمل فقدًا جديدًا، حتى لو أمضى ريبال على أورلق العملية، لا يمكنه يخسر ابنًا ثان، ولا يمكنه أن يفرط به. هو يفديه بروحه ويعطي الكلية، لكن لن يُعيشه بكلية واحدة. تمايل صوته في تلو حاد وهو يتوسل لأبيه: -لقد تطابقت التحاليل والأشعة معي أيضًا، وما زال جسدي شابًا ،أنا أتبرع بدلاً عنه. تدخل سيَّاف وأوضح لهم أن ريبال هو خيارهم الأفضل فتمتم أحمد بنفاذ صبر ووعي: -لمَ يصر على معاندتي؟ قلتُ له بأني أنا من سيجري النقل. دار جنون أحمد به مع ابتلاع ريبال لعابه بهدوء وإشاحته بوجهه نحو النافذة فأخرج سيَّاف أحمد بهدوء إلى الخارج وطالب تقدم رغمًا عنه نحو سريره وصل إليه فالتفت ريبال بقسوة نحوه، صوب له نظرة حادة، قاسية، مدَّ طالب كفه إلى رأسه وتوقف عند جبينه هامساً له: -بارك الله بك ريبال. ثم ضغط شفتيه على جبينه وهو يخبره: -استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. تحملها ريبال مغصوبًا فلم يطلها طالب مع تململ ريبال وانسحب، يطالعه وعيناه تتخضبان بدموع مالحة، أخبره بصوت هامس بالكاد وصل مسامعه: -لم أخنك لحظة، أنا مثلك فقدت صاحبي وزوجة ابني، ولم أجد لهم أثرًا. تابع وصوته يجر الكلمات بجنازير: -وهو.. لا تلمه، لا تلمه تحديدًا إلا على مجافاته لك فقط في سنينك الأولى. تسحبت خطواته للخارج وقبل أن يصل الباب تعمد أن يكون صوته مسموعًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وأغلق الباب خلفه،ثم وصل إلى ابنه الذي يناطح سيَّاف ويتشبث في نفسه عن ريبال، وكل عقله مسدود في زاوية واحدة، وقاره مسكوب دفعة واحدةً. -يا بني لا أود خسارة ابن ثان، لن أحتمل إن مسَّه أذى أرحموني. أدخل كفيه في جانبيه وضم سترته فيما سياف يشرح له: -عمّاه، العملية بسيطة وجرحها بسيط كأي عملية، سيكون كل شيء على ما يرام فلا تقلق. مال وجه أحمد بوجع حقيقي وهو يهمس لسيّاف: -هو حيلتي وكل ما أملك. عيناه تحبسان دمعهما، وتتركان الاحمرار شاهدًا عليهما. كان ذلك أقوى من قدرة الجد على التحمل. فتدخل حين دق عصاه على الأرض ثم رفعها إلـى كرسي الانتظار. -احترم رغبته يا أحمد وتجلد، هذه أمه التي سيتبرع لها وهو الأنسب. كان يعرف حفيده جيدًا ويعرف عناده وكل لحظة هي في صالح الوقت المهدور وعلّة حسنا فلماذا يأجلون المحسوم. -اعتن بريبال يا بني، وضعه بين عينيك. ارتخت ذراعا أحمد في هزيمة وانسحب حيث الجدار، يترك نفسه للحظة مرور ابنه أمامه على سرير العمليات بلا قدرة على إيقافه أو تقبيله أو حتى بث كلمات الدعم إليه. بئس الأب طوال عمره! **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #613 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() تجمعت العائلة بأكملها أمام قسم العمليات، بهدوء استقبل الجميع مرور حسنا أمامهم مع دعواتهم لها بالشفاء، جسدها تساقط حتى باتت كخرقة بالية، جهزَّها سياف بالكامل واعتنى بريبال الذي أحدث مروره ضجة في الرواق. تم إجراء العملية من خلال تنظير البطن طفيفة التوغّل واستغرقت العملية أربع ساعات كاملات حتى خرج منذر أخيرًا وطمأنهم: -الحمدلله على سلامتهما، العملية تمّت بخير. توزع كلاهما في سريرين مختلفين، تم نقله إلى غرفة التعافي. شرح منذر ببساطة للجميع: -بعد الاستيقاظ من التخدير سيلاحظ ريبال وجود قسطرة في المثانة وإبرة واحدة للتغذية. تنهد وأملى عيناه في وجوههم مستطردًا: -سيتم إعطاءه الأدوية عبر الوريد على الأقل. فرك جبينه ورمق سياف بطرف عينيه الذي أزال القفازات عن يديه: -وجود القسطرة يعني أنه بعد العملية ليس بحاجة للذهاب إلى الحمام وحده، وسيتمّ التخلص من القسطرة وإبرة الوريد بعد يومين إلى ثلاثة. تابع بعملية شديدة: -بالنسبة إلى السيدة حسناء سيتم إجراء غسل كلى لها بشكل مؤقت حتى تبدأ الكلية الجديدة لعملهما. ميل رأسه وأكد: -مع أنها ستعمل على الفور، لكنه إجراء احترازي كي تعمل بانتظام. ثم توقف ورقَّ قلبه مع كل هذا التعاطف والقلق: -بالسلامة عليهما إن شاء الله. ***** بهدوء تحرك سيّاف إلى غرفة شؤون الموظفين في المشفى، راقب السجلات الالكترونية للممرضين الذين رفعوا أسماءهم كممرضين بيتيين للرعاية الطبية البيتية، راقب الأسماء متمعنًا فيما يزم فمه و يروح جيئة وذهابًا للخروج مع ريبال الذي بدأ بتوقيع معاملة خروجه، ويرفضه كممرض معه، تتبع الأسماء بملل حتى توقف عند اسم ما، ضيَّق عينيه مدققًا «ناي فوزي علّام» تنفس بعمق وقد غذى الاسم احتياجه من جرعة الـ يافا، فكل ما هو مربوط بها قد يسد رمقًا وإن كانت هي الدواء كله. **** عاد إلى غرفة ريبال الذي بدَّل ثيابه لبذلة رياضية وريتال تبرطم فوق رأسه: -سوف تُسأل أمام الله عن إهمالك لشقيقتك. مسحت أنفها بصراخ وأشارت لنفسها: -وأنا ماذا سأجيب الله حين يسألني عن تقصيري بشقيقي المريض؟! رفعت أصابعها تعدد عليها أمام يحيى: -سأخبر الله بكل شيء، بأنه رفض مساعدته وقرّر الذهاب إلى منزل المزرعة واستنشاق روث الحيوانات. استنجدت بيحيى: -أخبره أنه سيؤثم عمَّا يفعله، ولا يصح هذا التخلف العقلي الذي يفعله. ولج سيَّاف إليهم فصمتت وتوردت وجنتاها إعجابًا. تبسم في وجهها وحيّاها ثم انتقل لريبال يجرعة الجلطة التي خطط لها: -هل انتهى كل شيء؟ ناوله يحيى الأوراق فالتفت سيَّاف إليه بشرٍّ وضحكة منتقمة: -هيّا يا مريضي، أنا الممرض المتوافر الوحيد، كل القائمة تم شغلها. ثم انطلق به إلى منزل مزرعته الخاصة **** خرج ريبال من غرفته وسأل عن غرفة حسناء، أشار له سيَّاف بمكانها فتحرك إليها، ستبقى عدَّة أيام إضافية عنه، ولج إليها وطلب من الجميع البقاء خارجًا، طارت عينا يحيى نحوها يتفقدها خوفًا عليها من انهيارها أمامه خاصةً إذا ما تعامل معها بقسوة وجافاها إذ لم يتردد على لسانها منذ الأمس سوى اسمه والهمس باسمه، وطلبها «خذوني إليه» لم تكن تعلم أنه جاءها ووجدها نائمة بعد منتصف اللَّيل، ولم يشأ إيقاظها بل اكتفى بوجهها الشَّاحب المصفَّر وفمها الجاف، واكتفى بكفها الذي سالت منه خطوط الدم مع إيجاد مكان مناسب لـ تثبيت إبرة فيه. تلك المرة كانت نائمة كما همست سراب لهم: -لقد غفت منذ قليل. بقيت سراب بصحبتها ومرافقةً لها، اقتربت من ريبال واطمأنت عليه: -هل أنتَ الآن أفضل؟ أ لا يبدو قرار خروجك الآن متسرعًا؟ تكسرت عيناها في رقة وهي تطلب منه: -لا تهمل صحتك رجاءً، كل شيء تكتمه في قلبك يأكل من عافيتك وهي الأهم من كل شيء. أحسَّت بحركة خلفهم فوجدت سند حلَّ عضوًا في اجتماعهم. أخبرها ريبال متحاملًا على وقوفه، إذ ينبض جرحه مع كل خطوة ووقوفه طال عن حدِّه: -أنا بخير سراب، لا تقلقي عليّ. أفسحت له مجالًا للدخول وفهمت أنه يود البقاء وحده، خرجت إلى الرواق وعينا يحيى ترنوان للداخل فأخبرته بحدة وغضب: -لن يؤذيها. تنفس يحيى قلقه في وجهها وأعرب عن ضيقه: -أخشى عليه من ردود أفعاله. تنحى سيَّاف للخلف وقرر ابتياع كأس قهوة صباحي، في حين تدخل سند وسأل: -ما الذي يحدث هنا؟ تذمرت سراب من تدخله وأشاحت بوجهها متمتمة فوضح له يحيى: -لا شيء، أنا قلق على خالتي حسنا. تفتحت عيناها على وسعها وصححت له: -اقلق عليه يحيى، لن يؤذي عمتي. قالتها من بين أسنانها فرفع سند حاجبه مستنكرًا وأخبرها: -خففي من حدة انفعالاتك، ريبال سيمر بفترة تترقق فيها مشاعره وطاقة من الحنان الزائد ستصاحبه كمضاعفات للعملية اختص عيناها في انفعال مرسوم: -وأي حدث سيؤثر عليه ناهيك عن مشكلته الأساسية، ستؤثر فيه حتى نسمة الهواء. التفت إلى يحيى بعتب: -هل اطمأننت الآن؟ كل شيء على ما يرام. سارع يحيى ليوضح موقفه فجاءت ريتال وسند أول من انتبه لها: -أنا أفهمك، سراب أساءت الفهم كعادتها. نفخت سراب فأصمتها: -إششششش، ريتال قادمة وستقلب الحديث عليكما. **** في الداخل وصل إليها بصعوبة، انثنى إلى طرف السرير وسحب كفه إلى جرحه فيما راحت الأخرى فوق وجنة عمته، ازدرد لعابه مع حركة رأسها الطفيفة، ظلت عيناه صلبتين، نفسه منتظم دون تسارع، ينام جبل فوق قلبه، ينزف متوجعًا ولا يساعده. دنا من وجهها وقبّلها ثم استدار مغادرًا، قبل أن يرتفع ولصعوبة حركته، كانت كفها تعتقل كفه في تعجل ملهوف. -ريبال. لم يستمع لها فسحبته بقوة ووضعت طاقتها في ذراعه لجذبه، تأوهت وكتم تأوهه مع خشونة ارتطامه. -انظر إليّ، لن تفعلها وتحرمني وجهك. تقطع صوتها في احتياج لضمه واستنشاقه: -لم أشكرك بعد على ما فعلته لي. أدار وجهه إليها وبذات القوة سحبته إليها، ضمت وجهه بكفيها، كف متصلة بأنبوب والأخرى سليمة، ارتجفت أناملها على وجهه وقبّلت كل ما طالته من وجهه ورقبته. -هل أصبحتَ بصحة جيدة؟ فكَّ نفسه عنها بصعوبة وعاد للخلف فأحست بجفائه. -أنا بخير، جئت أطمئن عليكِ. كتمت غصتها مع نظرة عينيه نحوها ولها، وإفراطها فيه. -لن تتركني وحدي هنا أليس كذلك؟ كانت تضرب كفها وتشد على كفه، ناظر كفيهما وأخبرها: -أموري جيدة واستقرت فلا حاجة لي للبقاء هنا. رنَّ صوتها في بحة باكية: -لا تتركني هنا. -المهم أنتِ بخير وتتعافين. استقام وتركت له ذلك، لن تضغط عليه بالكاد يحتمل نفسه ويتقبلها، هرع صوتها محتاجًا وهي تطلبه: -سامحني بني، أنا لا أتنصل من جرمي بحقك، لكنني كنت مجبرة. سألها وقد ثقبت أنبوبًا ضاغطًا دهس عليه كي لا يدمي جسده وجسدها لو انساق لكل الأسئلة فيه -كلكم مظلومون ومجبرون؟ ألا ظالم في هذه القصة؟ تمسكت بالملاءة أسفلها ونفت: -لا ظالم هنا أقسم لك. ربما كانت هناك شخصية ظالمة ظلمت نفسها بنفسها وظلمتنا. انسالت عبراتها قوية تؤجج ناره وسعيره يحتدم فخرج وطار إلى مزرعته. **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #614 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() اتخذت بثينة دورها وأعفت سراب من النوم برفقة حسنا إذ لازمتها سراب طوال رقودها في المشفى وقبل إجراء العملية، اختارت سراب مكتبه، أي شيء يتعلق به هو متنفسها عن الدنيا. هذا الصباح التحقت بدوامها من منزل عمها أحمد إذ بقيت مع ريتال وباتت عندها، واكتفت بحجاب أسود، ومعطف رمادي داكن كلون الغيوم لحظة المطر، ووجهها بلا مساحيق تجميل. كانت أول الواصلين، لم تندمج مع الموظفات ولا غيرهن، تعرف أن وجودها عبء على المنظومة لكنها لا تهتم. ربطت نفسها بالحاسب وسجلت الدخول لجلسات الطب النفسي عبر تطبيق الـ Zoom. أغلقت الميكريفون من جهتها، وانخرطت في جلسة علاجية كاملة. ثبتت السماعات مع تلاعب هاتفها الصغير وبدأت بطباعة كلمات له. أرسلتها مع ابتسامة ضخمة وكلمات الطبيبة ترن في أذنيها إجابة على إحدى الاستفسارات: -يمكنك جذب كل الأشياء التي ترغبين بها. تفتحت عيناها على وسعها مع ضرب الحديث والتجارب على مسامعها وفجأة دخل سند. حافظت على جسدها دون اهتزاز أو تململ، وبطبيعية استقبلته وردَّت على بسمته. تقدم منها قليلًا ووضع حقيبته فوق مكتبها فيما يحرك بصره فوقها هكذا بلا معنى، توقفت قليلًا نظرته على حجرها ووقعت على أناملها التي تغطي الهاتف الصغير. فجأة صحت له وشالت السماعات عن أذنيها رغم إيقافها للصوت وإيقاف المحادث. اضطرب صوتها كما حركتها وبان الخوف على قسمات وجهها: -هل تحتاج إلى شيءٍ ما يمكنني مساعدتك فيه؟ ظلت عيناه فوق أناملها وردَّ بلا تركيز: -لا، لا أريد شيئًا. سحب الحقيبة وتقدم للأمام ثم استدارت عيناه ومسحتا الشاشة الزرقاء التي يعرفها. ومن دون كلمة إضافية تابع مسيره لولا أن أوقفته وتبعته في لقطة عفوية مستسفرة: -انتظرني، هل كنت مع ريبال أمس؟ وهل سمح لكم بالبقاء عنده؟ زفر نفسًا عميقًا وهو يرد من مرحلة ضبابية لا تنتمي لـ حالة بذاتها: -بخير، ولا لم يسمح لأحد بالبقاء معه. سألت بحذر: -حتى سيَّاف؟ فجأة انتفخت فتحتا أنفه وهو ينفث إجابة حارَّة: -لا سيَّاف ولا أحد غيره، هل استكملتِ استجوابك؟ فجأة انسحق حماسها ولم تبد تلك اللهفة في الاطمئنان. وهذا أرضاه ومع التفاتته نحو الباب عادت لتقف أمامه وتسأله مجددًا: -ألم تتركوا ممرضًا عنده على الأقل؟ أم.. أم أن والدته هناك؟ تفتحت عيناها مع هذا الاكتشاف وكادت تدلي بعدة أقوال فأجابها وهو يتجاوزها للداخل: -أريحي عقلك الصغير جانبًا واستثمريه في عملك. كادت تتبعه إلى الداخل فأغلق الباب وأخبرها: -مواعيدي تبدأ بعد الثانية عشر ظهرًا. تنفست بإحباط وعادت من حيث جاءت، تاركةً أياه يلملم أصداف التفاصيل عن شطَّها. وأخيرًا تبخر الضباب واتقد جوَّه .لقد اُحتبس معها لحظة دخوله المكتب، ولقاءه بها ورؤيتها إياه حتى تشكل انفعالها معه وكيف تكونت ملامح عدَّة في وجهها ظهرتْ معه؛ فكَّ زرُّ قميصه الأول وعلق المعطف على المشجب. زفرَ مختنقًا وقد أوصلته كل ملاحظاته عنها إلى نتيجة نهائية واحدة. سراب تتعافى به، تتخذه علاجًا فعّالًا لها. محصورة في عمر زمني محدد كان فيه مقربًا منها، وبالتالي للوصول إلى سلامها وأكثر منطقة كانت فيها معافاة نفسيًا كان هو يتمحور فيها كركيزة أساسية، وهي الآن تربطه بمرحلتها الحالية كي تتعافى. تصرفاتها، إصرارها، انطلاقها الغريب عن تصرفات سابقة جاءت بناءً على ماضيهما. لذا لم تكذب أمه حين أخبرته أن سراب تتداوى به. تمزَّقت نظرته عن الباب الذي تقبع خلفه وعاد لحاسبه. راجع الملف الخاص بسالي زوجة زيد غياث الذي تعرف عليه في افتتاح العيادة مع شقيقه رشاد وزوج خالتهم سوزان. ووضع قربها خطًّا أخضر. فالحالة تمَّت بنجاح. راجع سجله اليومي ولم تهدأ، كانت أعصابه تتراقص على فوهة بركان، وأفضل طريقة لإخماد فورانها؛ الست سراب. أطلق اسمها في أشد نبراته غلظة وحنق: -سرااااااااااب. قفزت في خطوتين وجاءت إليه فلاحظت للتو وجهه الدَّاكن ولحيته المستطالة، أشار لها نحو الحاسب وأمر بعنجهية: -عنوني كافة التقارير الطبية هنا. حدقت فيه بلا فهم إذ لا تعرف إنجاز هذه المهمة فألحق أمره بـ: -كافة التفاصيل النوعية، وعدد الزيارات، وكل ملاحظات التقدم والانتكاسة. رفعت كتفيها وأخبرته بانهزام: -لا أعرف كل هذا. -على أي أساس تقدمت إلى العمل هنا؟ أجابته بصدق وهي تأخذ الجهاز اللوحي الصغير: -بواسطتك ابن عمتي. أشار إلى الخارج: -دعي الوساطة تنفعك. **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #615 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() -هكذا تتركينني بلا سؤال؟! ألا تعلمين أنني في منزل أهلي منذ أسبوعين؟ بعثت راوية الرسالة إلى آرام عاتبة عليها، واضطجعت في فراشها، لقد شعرت بتوعك وطلبت من مؤيد أن تبقى في أسابيعها الأولى عند أهلها. تململت في جلستها واستقبلت رسالة آرام المنفعلة: -معذرة منك حبيبتي، لكنني لا أعيش أعسل أيامي كي أزورك. مطّت شفتيها وبعثت لها: -هل بدأنا غيرة آرام؟ بدلًا من مباركتك لي بحملي أنت وسراب، تجاهلتماني وكأنكما لا تعرفاني، لقد أخجلتماني أمام عائلتي وزوجي -من الذي يغار منك راوية! لطفًا هلَّا وضحتِ لي؟ ثم طنَّ هاتفها برسالة إضافية منها: -سأزورك وأعتني بك ونحتفل، لكن الآن لا يمكنني إذ أنني أمر بظروف صعبة. طبعت راوية إليها من فورها: -ما الذي يحدث معك؟ -لا شيء اطمئني، حالما يتحسن وضع والدي سأزورك نفخت راوية بسأم ولم تعد مهتمة بالحديث أبدًا. كل مرة تتحجج آرام بوالدها حتى لا تأتي ولا تزورها، وتلك سراب لم تعد مثل الأول منذ أن قالت الناس أن قبر زوجة عمتها قد تصدع بفعل السيول الصيفية. تختفي ولا تعود وأخيرها أن أجرت عمتها عملية وتلازمها في المشفى وهذه معذورة فيها، أما آرام فتختفي عنها ولا تحادثها كأنها تغار منها ولا تريد رؤيتها ورؤية الدلال والعز الذي هي فيه. فجأة شعرت بأنها لا تريد المكان هنا ولا تستحق صديقتاها أن تبقى لأجلهما لحظة. لذا هاتفت نديم وأخبرته «نديم حبيبي تعال وخذني، اشتقت لك» وليعنها الله على العمل والتعب والقيام من سريرها لشغل المنزل. **** قفزت من فورها واستحمت، مشطت شعرها بصعوبة إذ أن عقده كانت متشابكة بقوة، رطبت شفتيها وقبل أن ترتدي ثيابها دخلت أمها عليها. -إلى أين يا حظي المائل؟ أجالتها راوية: -سيأتي نديم ويقلني إلى المنزل. هتفت نوال بقوة في وجهها: -لن تذهبي، انقلعي إلى مكانك ومن دون أية كلمة. صرخت راوية بصدمة: -أمي أريد العودة إلى بيت زوجي. شدتها أمها وأخذتها إلى سريرها: -لن تتحركي خطوة، هل جننتِ أعجبتك الخدمة والعمل أسفل أقدام الناس؟ دافعت راوية عن عائلة نديم: -ومن أخبرك أنني سأرفع كأسًا واحدة هناك. ضحكت نوال بسخرية وأخبرتها: -أعرف أي متسولة أنت، يكفي أن يضحكوا مجاملة في وجهك وتهرعين للتمسح بهم كالجرو. انفعلت راوية وانشجَّ في صدرها شرخ عميق: -لا تتحدثي عني بهذه الطريقة أمي، لا أسمح لك. صفعتها نوال على كفها وأعادتها إلى الخلف: -لا تعرفين مصلحتك، حمقاء غبية. -ونديم؟ أغلقت نوال الباب خلفها وأجابت: -سأتفاهم معه وأخبره أنك لا تستطيعين الحركة. ثم سارعت نوال بطبع رسالة لنديم: «لا تأت لأخذها أرجوك فهي لا تزال متعبة» انحرقت أعصاب راوية في جلستها وانتظرت حتى جاء موعد الغداء فتسحبت إلى مقعد والدها وأخبرته: -والدي أنا أريد العودة إلى منزل زوجي، وأمي تمنعني. **** ليلتها تلك باتت في منزلها، تعاظم الأمر بين والدها ووالدتها حين أمر مرعي زوجته: -لا شأن لك براوية ولا زوجها لو سمعتك تفرضين رأيًا عليهم سأطلقك. تلجلجت تشرح له في مسكنة: -أنا خائفة عليها فهي في أشهرها الأولى ولا أود حرمانها من شيء هدر مرعي بغضب: -احرميها من رأيك، لديها زوجها وعائلته ولا شأن لنا بها. أوصلها مرعي إلى بيت زوجها وبعث معها سوقًا كاملًا، حيث ابتاع ما تحب من حلوى وطعام ومكسرات وفواكه، حتى أنه أمر نوال بطهو أطباق إضافية وأرسلها معها، وقبل أن تهبط أخبرها: -لا تفتحي أذنيكِ لوالدتك راوية، أمك من تلك النسوة اللواتي يدمرن البيوت لا يُعمّرنها. هبط بالأكياس قبلها ولاقى نادر الذي أخذها منه وعرض عليه الدخول فرفض والدها وغادر. -والله أوحشتموني كلكم حتى أنت يا ضرتي نودي. شاكسته فيما تصعد معه سلالم المنزل وأذناه تنفثان نيرانهما: -لا تناديني باسم يافا، حتى لا أشد أذنيها عوضًا عن كل مرة تناديني فيه. ضحكت بصوت مرتفع وأخبرته: -أووه ألا تستقبل مزاحًا أنتْ؟ قفزت يافا بأسدال الصلاة ولاقتها على السلالم: -راااااوية وأخيرًا. كادت تتزحلق معها على السلالم من قوة الاحتضان. -أيتها الخائنة أربعة عشر يومًا بدونك، كيف استطعتِ يا قادرة؟ أبعدتها راوية قليلًا: -والله اشتقت لك. سألت بتفقد حزين: -هل نديم في المنزل؟ نفت يافا وقد توقعت راوية فهذا وقت عمله الليلي، لذا انسلَّت من حضن يافا وتقدمت إلى المنزل تركض: -أمي احتسان أين أنتِ.. ثم دارت إلى يافا تغمزها: -لقد جلب والدي الكثير من الطعام لنأكله ونتسلى به الليلة. جاءت احتسان مع صوت راوية والضجيج الدائر في المنزل فتلقفتها راوية في احتضان مشتاق: -لقد جئت خالتي، أنا هنا. سحبوها إلى الأريكة على الفور وانبطحت يافا من فورها تمد رأسها فوق بطن راوية تسأل الصغير: -هل عرفت أين أنت الآن يا قطعة السكر؟ ضحكت راوية واهتز بطنها فأكدت يافا: -أجل أجل أنت في منزلك أخيرًا. بقيت معهم هكذا طوال السهرة ثم انتقلت إلى شقتها التي اشتاقتها، وصلها عطره النابض بالحياة فتنشقته عميقًا وقد شعرت أنها لتوها قد تنفست بحق. ركضت تتفقد ثيابه ومتعلقاته حتى الغسالة وجدتها نظيفة خالية من أي قطعة له. راحت تتجول في المطبخ فوجدته بلا بقعة أو كأس موضوع بالخطأ. بركت في كل مكان بالشقة وبقيت ملازمة نافدة الغرفة خاصتهم، بعد جولة تفقدية لجسدها وطاولة بأطباق سهرة خفيفة ضاعف وزنها الشوق. وأخيرًا ارتدت منامة حريرية فوقها روب شتوي طويل معقود واستقبلته. استغلت مروره على والدته ووصلت الباب قبله، قبل أن يدير المفتاح فاجأته وفتحته. وأعطته وجهها كأول مكافأة شهَّية بعد يوم مليء بالجفاف. خضَّها صوته العميق ووصل العظم حين سأل: -راوية! سحبته من كفّه وهزَّت رأسها له داخلها يفيض بعاطفة هرمونية: -أجل راوية حبيبتك. -متى جئتِ؟ وكيف! مسح بأنامله على وجنتيها وهي تجيبه بصدق: -لم أستطع البقاء أكثر، لو بقيت يومًا إضافيًا بدونك قد أَجُنّْ. جذب رأسها إليه واحتوى فرط انفعالها الصاخب: -سلامتك من كل أذى حبيبتي، أفضل شيء فعلتيه. حدق في عينيها وضوئهما البني الصادق وهمس لها: -قلب مؤيد خاوٍ كداره بدونك. رفعت ذراعيها وتعلقت في عنقه وهي تجيب وتغمض عينيها في صدره: -وأنت دار راوية وعمارها يا حبيبي. **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #616 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() -أين كنت؟ سألت مرام والدها في اتهام بعد خروجه لليوم السادس على التوالي فأجابها: -صديقي في المشفى واطمئن عليه. شابت نبرتها الحذر وقليلًا من قلق وهي تستفسر: -من هو؟ كيف لا تخبرني به وتأخذني إليه؟ تلجلج في وقفته وانفعل صوته عليها: -لا تعرفينه، إنه رجل عرفته في عملي الجديد. اندفعت وأشارت بكفها حيث مكان وهمي خلفها: -هل تخص حسناء التي تريد الزواج بها؟ علق معطفه فوق المشجب وأجابها: -بل هي نفسها. كتلة صخرية علقت في حلقها وهي تشعر بهدير صاخب في دمائها: -كيف، اشرح لي؟ أتبعتها ببسمة عصبية غير مصدقة فتجاوزها للداخل وسألها: -هل تناولتِ طعامك؟ ردَّت عليه والفورة في صدرها تمتد وتتسع: -لا لم آكل بعد. ولج المطبخ وبدأ بسحب الأطباق من المبرد: -جيد، سنتناوله معًا. اهتزت في وقفتها وهمست له بصوت مهزوز: -لا لا أود تناول الطعام. أغلق المبرد من فوره وسألها: -لماذا لا تودين تناول الطعام؟ إلى متى ستهملين تناول وجباتك؟ تراجعت للخلف وأجابته: -لا رغبة لديّ بتناوله. وقفزت مسرعة تلتهم السلالم كل درجتين بخطوة واحدة وتركته يصفع باب المبرد بعد أن أعاد الأطباق إليه. **** ترددت شهقتها على باب غرفتها، هو عند حبيبته ووالدتها ميتة تحت التراب، وهي هنا يتركها لامرأة عاملة كأنثى بلا أهلية ولا عقل مع بضعة أطباق تتناولها. مسحت عبراتها وانسحبت نحو الخزانة، عانقت شالًا لوالدتها، وأنفقت شوقها فوقه، حتى راحت إلى معطف بعينه يحتجز ركنًا في الخزانة. سحبت المعطف الذي ينتمي لـ يحيى. ارتدته بحركة متهورة وعلقت في رائحته لبعض من الوقت، علّقت جسدها فيه وتركت بصمتها عليه وبلا تفكير خلعته عنها بعدما طالها دفؤه، واكتفت من دعم صاحبه. فكّرت كثيرًا بـ يحيى.. وضعته بين قوسين.. عنونته خارج النص رسمت دائرة هو مركزها مربعًا قائمًا وجوده فيه .. ثم كان شجرتها الوارفة، شالها من عمق البرد وضمتها رجولته، وسحبها من أسفل حرور الشمس وظللها بحنوه. يحيى.. السطر الوحيد المكتمل والذي شطبت بعضًا منه ليستقيم معناه لديها. أقرب من رتبة صديق.. وأبعد عنها بكثير من مكانته حبيب. هو الدرجة الثابتة في سُلّمها المنهار والخيار الصحيح في كل أخطائها. وجوده خطأ.. وجوده لا يشبهه وتعرف ذلك يقينًا. لذا ستعفيه من لعب الأدوار وتكفه عن الاستمرار فيها. **** هاتفته باكرًا وأجابها فأخبرته: -أنا في المشفى، أود الاطمئنان على خالتك هلّا أمكنني رؤيتك؟ انصعق وجهه واختنق في وقفته فتخبط وهو يجيبها: -أنا لست في المشفى، بل في دوامي في الجامعة. تخبطت في دوار المشفى وراحت عيناها جيئة وذهابًا: -سألاقيك هناك حسنًا، أنا في حاجة لرؤيتك. مسح جبينه في توتر صريح وأخبرها: -حسنًا، خذي وقتك سأكون في كلية الهندسة. تمسكت في المعطف بين كفيها وأخبرته: -لن أتأخر عليك، انتظرني. -أنا في انتظارك دائمًا. أغلق معها وأطلق نفسًا عميقًا رجَّه فسأله سند بحنق: -هذه ابنة وائل صحيح؟ أجاب يحيى وهو يرمق والدها الذي يقف جوار أحمد في زيارة روتينية قصيرة: -أجل هي. اغتاظ سند وكره وجود الرجل الذي يبعثر حياة ابن خالته ويخلق حاجزًا مستحيلًا بينه وبينها وأخبره: -إلى متى ستبقى هكذا هاربًا وخائفًا من أن تعرف هويتك؟ رمقه يحيى بعجز فشرح له سند: -ستعرف اليوم أو غدٍ، اختصر على نفسك يا رجل وحدد موقعك في حياتها. ازدرد يحيى لعابه وبقي بلا رد، والتحق بجامعته بسرعة البرق. **** وصلت الجامعة وتأنت خطواتها برفق وهي تتمسك في المعطف وتحتضنه بتعلق حفَّه التوق والاحتياج. لم تغطه في حقيبة أو تخبئه في مغلف بل تركته بين كفيّها لتسبغ حميميةً خاصةً عليه. من كفيها إلى كتفيه، كما ناولها إياه من كتفيه لظهرها يسترها، ابتلعت عدسًا سيصل في غضون ساعة، وتذكرت في الطريق كل اللحظات التي جمعتهما. كان الشتاء يفرض حضوره عليه، يترك تفاصيله التي لا تموت وتحيا طول العمر. توقفت لحظة مع رنين هاتفها ولوهلة ظنتها منه، أشعرها بحضوره فرفعت رأسها ووجدته على الحافة الأخرى من الشارع. تبسمت في وجهه وسحبت الشَّاشة وتحققت منها. تفتحت عيناها على وسعها مع اللقطة المرئية التي كانت تحوي يحيى لا سواه هو بصحبة حسناء القاضي في صورة مؤطرة مرفقة بـ «إن كنتِ لا تعلمين من في الصورة، فتلك حسناء القاضي برفقة ابن شقيقتها الذي ربتّه» ثم نقطة ضخمة معنونة أُلحقت بالرسالة الأولى: «ملحوظة حسناء هي المرأة التي يود والدك الزواج بها» انحرفت خطوة مرام عن حافة الرصيف الفاصل بينهما وانزلق معطفه من بين كفيها فيما يسيل ويتدحرج بعطره عبر الشارع مثلما سالت الصورة التي وصلتها لـ سيّالاتها العصبية، كبحت شهقتها وتجذرت في وقفتها مغمورة بصدمتها، كاد يتقدم نحوها ويشج الشارع الحائل بينهما فتوقف حين اختار سرب سيارات المرور بينهما، عبرت نظرتها الفراغ وتمسكت في وجهه بحقد تقاطر لفخّه الذي نصبه لها.. عيناها في عينيه مقهورتين عيناه في عينيها تقمعمها حاجة السؤال انهالت الكارثة في وعيه ووجهها المحطم يؤكد عليه ما شعر به مغطّيًا فجوة المسافة ويقذفها لأميال وحدود بينهما. تحرك حالما اخترقت شهقتها ضبابية الصورة في عينيه، تمسكت بحبل حقيبتها وسحبت شخرة مطعونة لصدرها فيما تتراجع للخلف وتستدير، ركض باتجاهها على الرصيف الذي أصرَّ على موازاة طرقاتهما ومسارات لقاءهما، قاطع الطريق ووجد منفذًا يطعن الطرق للتقاطع وأوقفها: -مرام. استأنفت مشيتها وهو تكيل بصوتها المختنق صاعًا تصفعه به: -الحمدلله على سلامة والدتك حسناء القاضي. استهلكت أنفاسها في خطواتها وهي تلتف وتستدير إليه مع وجهه المحتقن في إثر معرفتها: -لماذا لم تسمح لي بالمجيء، ومؤازرتكم مع والدي الذي لا يترك سرير والدتك؟ أطبقت شفتيها مع هدره باسمها واقترابه المتوحش منها: -كيف تتطاولين في حديثك عن خالتي، أمي حسناء أطهر منك ومن عائلتك مجتمعة. عضت شفتيها نادمة فيما يقترب منها بقوة: -إياك أن تأتي بذكرها على لسانك مرااااااااااااااام. استدار فتبعته وشهقت باسمه، أمسكت في معصمه بحركة متهورة فسحبتها وكأنها دمغت نفسها بنار محترقة. تنهد فيما يستدير حول نفسه ويحوقل فأخبرته صارخة: -أنا آسفة لم أكن أقصد ما فهمته مني. كان يعرف أي خرقاء هي ترمي الحديث والتهم جزافًا ولا تعبأ بما تقوله فصمت وبسَّط شفتيه عن قول أخرق ينسف المنهار والمسكوب. حذرها وهو يرفع سبابته: -عليك أن تنتبهي لكلامك ولا تحاولي إعادته. أدارت وجهها نحو الأفق وعادت إليه يشحذها عذابًا منه: -أخبرتك أنني لم أقصد. وجد عينيها والتفت لهما، فرأى عذابًا خالصًا ووجعًا مختلفًا عن كل مرة، نعست عيناها وتكسر جمودهما وهي تخبره بوجع: -هذا لا ينفي فعلتك. تهدج صوتها فيما تتابع: -لقد وثقتُ بكْ واستأمنتك على أسراري. ازدردت لعابها وشدَّت معطفها بقوة إليها وقد صفعت وجهها النسمات المبللة بالمطر: -لكنك خنتني، واستهترت بجرحي، لن أسامحك. أوقفها صراخه فلم يعد يحتمل: -كفِّ عن إلحاق الضرر بمن حولك والتفكير بهم، لست الوحيدة المخانة ولا المجروحة، كفاكِ تخبطًا وظلمًا للجميع. سكبت في صوتها ملحًا مذابًا وهي تجيبه: -لا تقلق، لن ألقي عليك أي ذنب، أنا المذنبة. هزمته في مقتل وهي تدير ظهرها وترد بضاعته بثمن بخس إليه، هو الذي ما طلب معطفًا ولا اهتمامًا منها، بل كل ما رجاه بضاعة قلبه. **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #617 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() -سياف قد يغطي اليوم هنا. شقّت يافا كيس الطعام خاصتها مع تناوب الحديث بين الموظفين، وشحذت وعيها لكل كلمة تخرج منهم. -لقد أخبر برغبته التواجد هنا. تعلم قضايا النساء تهمه جدًا. دارت عيناها بين الوجوه وضمت وجنتيها للداخل والحرارة تسري في عروقها، لقد شعرت بحماس غير مسبوق لهذه الزيارة. هي تكره التجمعات القائمة على النساء المعرّضات للعنف ولا تطيق التواجد فيها، حتى أنها تهرب منها وتترك مسجلًا صغيرًا في الغرفة تقوم بترجمته لاحقًا للمنظمة، وندمت أشد ندمها أن تبرعت بإخبارهم أنها مصوّرة محترفة ولكم شكرت ربها حين وجدت علياء موكلة بمهام التصوير للجلسات. وهي تركت نفسها مع أطفال النساء وملاعبتهم. -أنا سأقوم بإجراء أول مقابلة مع الحالة التي جلبتها ميس. تنحنحت علياء حين همست واحدة من فريق العمل بوشوشة طفيفة فاعتذرت من الشبان وأخبرتهم: -سنجري المقابلة بدونكم، لدى المرأة تفاصيل خاصة جدًا. زفرت يافا وخرجت من الطابق بأكمله وانزوت أسفل الشجرة راجية الله أن يخرج سياف. نفخت فهي لم تتعلق به، بل ربطت نفسها به منذ اليوم الذي بدأت فيه حساب غيابه، وصلت أيامها حتى أكتوبر، تخطت الشهر بلا رؤيته وأسقطت شارة التحذير من قلبها وتخطت مسافة الأمان سالكة طريق الألغام نحوه. عزت أسباب اهتمامها لغيابه؛ وحده الغياب من يعطي الأشياء قيمتها ويقدرها، حتى وإن قمعت إعجابها به وانجذابها له فـالأمر متروك للغياب، بمجرد رؤيته ستتلاشى عقدة التَّلهف لرؤيته وستتعالج من مرض الإعجاب بأي ذكر مارّ؛ أليست هذه أسوأ عاداتها! تعاركت مع مخبوزة الجبن وهي تقطعها بين أسنانها حتى تمزق طرفها وبقي خارج فمها، توقفت اللقمة في فمها حين لمحت جسده أمامها وفي عينيها. ابتلعت اللقمة دون أن تلوكها وتحجرت في حلقها. حاولت بمشَّقة أن تزدردها لكنها لن تفلح بدون ماء، بصعوبة بالغة ابتلعتها، وردت بإيماءة بسيطة على تحية كفّه. رفرفت أهدابها مع جحوظ عينيها والتماعها بتلك اللقمة المسمومة، و ضحكة الفتاة جانبه ترش سُمًّا حارقًا في جوفها. لم تترك المخبوزة حزنًا وتنسد نفسها، بل أضافت قطعة جديدة، وهي تتنبه لكونها ليست (استثناءً) مميزًا له، يعاكسها ويضاحكها، لكنه هو «مشاع» للجميع، وهي الفارغة عاطفيًا التي تتعلق بكل قشة مارّة سهوًا فوق محيطها. أنهت أول مخبوزة وبدأت بالثانية مع صوته المشتاق الذي لمحت تردد توق طغى على موجة غيرتها. -لماذا أنتِ هنا؟ رفعت عينيها له وجرَّت لقمة ثانية وهي تخبره: -محتوى الجلسة لا أُحبه، وأنت لماذا لست بالداخل؟ مدَّ يده للكيس جانبها وسحب منه مخبوزة مثبتة عليها قطع جبن، ناظرته بحنق وسألته: -لم أعرض عليك فكيف تأخذها؟ أمسك بطرف المخبوزة وابتلع نصفها في فمه وهو يغمزها: -لا يا ابنة يافا، لا يعامل اليافاوية بعضهم بهذا البخل، هل تودين نشر إشاعات مضللة عن أهل يافا؟ هزمتها طاقتها الكامنة في شوق له مع سهولة دمجه إياها في حديث لا بداية منطقية له سحبها فيه سحبًا إليه رغم غيرتها غير المبررة، تمسكت بالكيس جيدًا وأخبرته من بين أسنانها: -قل يافا بخيلة ولا تعمم على أهل مدينتنا، وأضف أنك لم تستأذن وسحبت بلا تهذيب. لاك بقية المخبوزة بلقمة ثانية هكذا وهي يمتدح العمل: -المخبوزات شهية. من صنعها؟ -لست أنا مؤكدًا، هذه زوجة أخي التي صنعتها. مسح بلسانه أسنانه وهو يكور فمه بتعليق ممتعض: -جيد راوية تصنع أشياء مقبولة حتى وإن كانت خميرتها فائضة؟ كشرت في وجهه وأخبرته رغم التهامها معلومة معرفته براوية فقد علمت أنه من بلدتها ولهم معرفة مشتركة وراوية حذرتها منه. -لم يكن هذا تعليقك وأنتَ تأخذها على دفعتين ولولا الخجل لابتلعتها دفعة واحدة. ركن ساقه فوق المقعد واستند بالثانية على الأرض وهو يشرح بغموض: -كنتُ أُعطي المخبوزة فرصة إضافية لنهاية الاختبار لن تسمح لعقلها بتوسيع مداره وتحليل جملته مع تعليقه المتهم: -هل عددتِ اللقم التي تناولتها؟ هزَّت رأسها وأضافت بحقد: -كنت أحسب كم سرقتَ مني، ولو أنها كانت معي لكنت قد شبعت. صفّر بلا تصديق ومازحها: -لقد تجاوزت أباد بمراحل يافا، ما كل هذا البخل، أباد سيتعلم منك. ضمت شفتيها بقهر واكتفت أن تخبره: -هكذا أنا ولا شأن لك بي، هلّا تركتني وحدي. مط شفتيه ورمق ساقيها الملفوفتين في سروال جينز بدا ضيقًا عليها اليوم، إذ لا ترتدي غيره بالمناسبة، ولم يكن حاله هكذا قبل شهر، حاولت تغطية ساقيها عنه بحقيبتها المشهورة فسحب عينيه اللتين ضاقتا بتفكر وسألها: -نأتي للأسئلة المهمة، لماذا تجلسين هنا؟ تململت في جلستها وردّت: -المرأة معنفة ولا أحب الجلوس مع هذه الحالات. أضاف مميلًا رأسه: -ومعتدى عليها كما سمعت. عقدت حاجبيها بقوة وردت بصعوبة: -هكذا فهمت. أطرق وجهه بصمت مدروس وتابع حذرًا ولمحة قلق حقيقية تندس في صوته: -هل لديك حاجز نفسي من الاستماع وتستصعبين الترجمة؟ اقشعر جسدها وتقدمت للأمام بحركة غير مسيطر عليها وأجابت بصوت أجشّ: -لا يمكنني تحمل المشهد الحيّ أمامي، صوتيًا يكون الأمر أخف. -في النهاية ستستمعين. -لماذا لست مع فريق العمل في الداخل؟ رد بكتفين ارتفعتا بلا مبالاة: -ملهم يجري لقاء مع عدة أطفال ووالدتهم -ألست واحدًا معنيًا في أمرهم؟ -وجودي هناك خطر على الأطفال أنفسهم أكثر من وجودهم في منزل والدهم. توسعت عيناها خائفتين ورددت السؤال الذي يجول في صدرها: -لماذا!؟ سرق عينيها برمادية أخلاقه وهو يجيب بكل صراحة: -لا أضمن نفسي ولا ردود أفعالي حين أستمع لذلك. ازدردت لعابها وطفت حروفها المستفهمة على شفتيها: -هل كنت طفلاً معنفًا؟ -ومستغلًا. شهقت بإدراك موجع عن شكل طفولته وهو يضيف إليها: -وأنتِ شهدتِ طفولة معنفةً؟ هزَّت رأسها مبتلعة الإضافة الحقيقة لكونها شاهدة على حادثة اعتداء واكتفت بها في غياهب نفسها، فيما يرفع حاجبه غير مقتنع بحدود إجابتها. -لا بأس كلانا قضى طفولة بائسة، لم نشترك الخبز المختمر زيادة عن حدَّها بل وطفولة مشوهة بجدارة. دارت عيناها نحوه في التفاتة مرتجفة غار فيها ألف معنى يبعد أميالًا عن الشفقة، ويتشبث في انجذابها إليه عنوة دون تردد، فهذا الرجل المستهتر الذي نادى قلبها العطب ولبّى إليه في استجابة قرأت قلوبهما المعطوبة. بخلاف الجميع عرف كيف يحفر الأماكن الصحيحة ويرمي فيها غضبه، كان سوق البلد وجهته، خرط نفسه في المكان هناك لأيام طويلة غاب فيها عن عمله، عشرين يومًا وهو يقف متربصًا لهم جلب خريطة كاملة لسحب الأطفال واستخدامهم، وعرف كيف يستدل بها. نفّس إحباطه في حادثة ريبال وحولها لتسلية طازجة. اقتصَّ من كل الرجال الذين يقبضون على الأطفال الصغار، وأبلغ عن رجلين وأغلق شارعًا كاملًا وخاض شجارًا أرضيًا خرج فيه بأسنان فقدت حشوتها التجميلية ثم اختار العلامة التجارية للملابس وجهته الثانية وأفرغ غضبه فيها وعاد لسوزان ليلًا لـ تدلك له عضلاته وترخيها. -يافا ألا تدلينني على وجهةً أجد نفسي فيها؟ أجابته يافا والمخبوزة في فمها والفتافيت الصغيرة تتطاير فوق شفتيها فتترك منها لوحةً تأملية لفساد الأخلاق: -أنت تسأل الشخص الخطأ. أخبرها بصبر نافذ وهو يضرب فخذه ويؤكد: -بل أنتِ أكثر شخص صحيح وجهت له هذا السؤال. حارت عيناها وانسجمت في لون رمادي منطفئ: -هذه الأرض لا تحمل وجهة لي، لا أجد نفسي فيها وإن كنت واقفًا ثابتًا، لا الأرض أرضي ولا البوصلة تؤشر لي. مالت برأسها وأخبرته: -هل تفكر في الهجرة؟ -لا مكان في الأرض قد يحتضنني. -هذا كلام عميق لا أفهمه ولا يناسبني، أنسخه على صفحتي الشخصية برفقة كوب قهوة وصور أدباء. ضحك بقوة واستفهم منها: -وما منشورات الأدب والثقافة التي تطبعينها على صفحتك؟ سألته في دهشة: -هل تتابع تحديثاتي؟ أومأ بصراحة فضحكت على تتبعه لها وجرأته في الاعتراف بذلك فعاتبته: -لماذا لا تضع إعجاباً لي. تصرف بدرامية وأخبرها مذعورًا: -إلا الشرف، أخشى أن تقتلني قبيلتك. ضحكت بقوة وأخبرته مضيقة عينيها: -لقد تجاوزتُ عن تلصصك على صفحتي ألم تلاحظ؟ أخبرها باسمًا وهو يضم وجهها المليح فهمست له: -سأحتفظ بسرَّك هذا وستحتفظ بسرَّي: هزَّ رأسه في موافقة فاستطردت بحماس: -كل تحديث كتبت أنه بقلمي لم أكن أنا من كتبته. قهقه بصخب وصفق كفيه بقوة، غطت فمها محرجة فأخبرها: -هل انتهيتِ؟ أومأت برأسها متحمسة لسرِّه الإضافي فاقترب منها كي لا يسمعهما أحد ورفع كفه حتى لا يسمع همسه: -كنت أعرف ذلك من أول مرة، ليلتها كان كتاب نزار في حضني، اطّلع على أكاذيبك وأصفق لنثره. شهقت بقوة والتفتت له فأخبرها: -إياكِ أن تعيديها. **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #618 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| ![]() «قبل يومين» -أخبريه بأن ما طلبوه سيحضر. أخبرت آرام إيلياء بنص الرسالة الذي ستبعثه فتوقفت إيلياء مصدومة وسألت: -هل أنت في كامل وعيك؟ كيف أخبرهم بأن والدتي ستسجيب لمطلبهم؟ نفضت آرام الأرض من أسفلها وردت بزعيق: -ابعثي هكذا. رفست الحجارة تحت قدمها وعلق جلبابها الشتوي بالأرض وهي تضرب أناملها في بعضها، والتفكير يأخذها ويأتي بها، وصلتا المنزل ووجدتا عبلة في انتظارهما. تلك اللحظة لم تعنف أو تضرب بل سألت: -ماذا سنفعل؟ أطرقت آرام رأسها وأجابت: -سنمثل الإذعان لهم ونبنجهم ثم نتصرف بشكل مسبق. -ما الذي ستتصرفين به؟ من الذي ستخبرينه عن صور شبه عارية تخص أختك؟ عضت إيلياء على شفتها ونكست رأسها في خزي فقالت عبلة: -سأتنازل عن العطارة وأنهي العداء، أنا أريد العيش مع زوجي بسلام. هتفت آرام في صاعقة: -لا، مستحيل أن يحدث ذلك، لن نفعلها، كاد والدي أن يموت في سبيلها فهل نُسلّمها لهم؟ ارتجفت إيلياء وهي تخبر والدتها: -حتى لو عرضت صوري لا أبالي لكن لن تروح العطارة لهم، هذا إرث والدي وعمله في الدنيا فكيف نهدره. انهارت عبلة على الأريكة خلفها وطلبت آرام: -سنلجأ إلى سالم، هاتفيه واذهبي إليه غدًا. عادت آرام إلى غرفتها والأفكار تتضارب في رأسها، فكرت في ربيع الذي شعرت بنشوء قصة بينه وبين أختها وأن تصل له تلك الصور لهو كارثة بعينها. وضاح قد تزوج قريبًا ولن تورطه في أهم أيامه بهكذا مصيبة ألم تكن مصيبة صديقه كافية. ربطت شعرها وأفلتته من رباطه. عقدت ساقيها ورفعت شعرها في كعكة فوضوية ظلت تسحب منها خصلة تلو الخصلة وتعيدها في كعكة مثبتة أعلى رأسها ولم تجد إجابة كافية. ربيع ليس أهلاً لعمها ولا ندّاً له، بالكاد خرج من عنق خالها سليمان الذي هرس شخصيته هو وشقيقه الصغير. سالم، لم يتبق سواه مع أنها لا تود توريطه معها. هاتفته بدلًا من المرة ثلاث ولم يستجب، وحين استيأست قررت زيارته في مكتبه في الغد. **** وصلت المكتب من فورها، بحثت عنه في كل مكان. في كل مرة تحاول عيناها اصطياد وجود سالم، كانت تخونانها وتبحثان في إثر ريبال. ضاقت أنفاسها وسألت خديجة التي أخبرتها: -الأستاذ سالم في السودان. ضربت جبينها وتأوهت، دارت إلى مكتب ريبال تسأل: -والأستاذ ريبال؟ أجابت موظفة أخرى جاورتها بالنفي، فانطلقت تسأل عن مكتب أحمد القاضي ولم تجده هو الآخر. طارت من فورها إلى الجامعة، أنفقت أنفاسها في الجري في أرجاء كلية الحقوق وملحقاتها، في كل تجمع تدريسي، هو الأكفأ وهو من سيستعيد حقهم من عائلة عمهم، ستهددهم به ويعرف الأساليب القانونية التي سَتخرُّ عائلة عمها لهم. بكت وهي تستنفذ وجوده، ذاب مع الهواء ولم تجده. رفعت هاتفها تطلب سراب ولم تجبها. تنفست بعمق وودت الجلوس لحظات. توقفت عند مصرف الجامعة وهناك لمحت فتاة تجلس على السلالم الأرضية للمصرف وتبكي. آلمها قلبها ووجدت نفسها فيها، تعرف كيف تلقي قلة الحيلة بصاحبها وتتركه أرضًا، ذات مرة كانت مكانها تبكي بلا انقطاع وتنوح قلبها لكن الفرق أنها الآن معلقة بين سندان عائلتها واسمها، لهذا تتماسك وتتشكل كل مرة تقع فيها. اقتربت من الفتاة وسألتها: -هل يمكنني مساعدتك في شيء؟ رفعت مرام وجهها الملطخ بدمعه ونفت، فجلست آرام قربها واستخرجت من حقيبتها منديلاً قربته منها، وناولتها إياه، فأخذته مرام بأصابع شاحبة: -شكرًا لك. -لا داعي لتشكريني، ذات مرة كنت مكانك متروكة إلى جانب عامود الإنارة. مسحت مرام وجهها وعادت تستهلك دموعًا جديدة وهي تخبرها: -لقد خدعني وحطّم قلبي. تركت المنديل فوق وجهها وهي تضيف: -لقد استأمنته على كل أسراري. ازدردت آرام لعابها وسرى دمعًا حارقًا من عينيها وامتد حتى شفتيها فمسحته من فورها، أخبرتها آرام بصدق: -غدًا ستعلمين أن الله يحبك أن أظهر لك حقيقته وجنبك الوقوع في الحرام. رنَّ صوت مرام قاسيًا وهي تتابع في حرقة: -أنا من كنت أطارده. سكبت مرام الملح فوق جرح آرام الذي ثبت بالوجه الشرعي أنها من كانت تتمسك بخيط يزن الواهي: -صدقيني أيًّا ما كان قد حدث لك، فأنت محظوظة أنك اكتشفته في أول المطاف ولم تتابعي سيل التنازلات، من يريدك هو من سيتشبث بك. توقفت مرام وازدردت لعابها فسألتها آرام: -ما اسمك؟ -مرام نطقتها باختناق ابتلعت الميم فيه، فأخبرتها آرام: -آرام مثل اسمي. -مرام، مرام أنا. -آه مرام، لم أنتبه. قالتها آرام وهي تحرك ساقها للأسفل وتسحب معطفها بعيداً عن الشارع وتميل إلى مرام التي زحفت إليها واقتربت منها أكثر. -هي ميم وألف المشكلة بسيطة فيهما. قالتها مرام بضحكة سخيفة فمدت آرام بعبوة عصير وضعها عماد في حقيبتها صباحًا: -خذي هذه وأنعشي حلقك المتقيح. رفضت مرام في بادئ الأمر فوضعت آرام العلبة في حجرها: -هذه مقسومة لك، اعتني بنفسك ولا تفرطي بها لأجل أي كان. ثم استقامت ومدَّت كفها لها بمصافحة ودعوة حقيقية للاستناد، فاستجابت مرام وأتبعت طريقها بلا المعطف الذي جاءت به، وعارية من دونه ودفئه. **** استهلك الوقوف على عتبة منزل منتصر العمري جبلًا كاملًا من ريبال، فتح البوابة واستقرت خطواته في باحة المنزل، وجد غرفة زجاجية يتلاعب فيها طفلان يراقبان منظر المطر من خلف الزجاج، وصل الباب وطرقه ففتحت له إنصاف الباب. -ريبال، أهلًا وسهلًا بك. يعرف أن منتصر يتعافى وقد أمر بجلب عمته ميسم إلى منزله ويخضعها إلى متابعة علاجية مكثفة لا داع لها، فوالدته مصابة بـ «ضمور الدماغ» ولن يصلح العطّار ما أفسدته إيادي عائلتيه فيها. جاءته من آخر الدنيا بدماغ تلف يتآكل، لم تترك لنفسها عقلًا واعيًا تعرفه به. -ادخل أنت وأنا سآتي بمنتصر بني. ازدردت إنصاف لعابها وأشارت صوب جهة بعينها: -هي هناك أومأ برأسه واتجه نحوها، تأخذه لهفة الطفل المحروم منها، وخطواته تتراكض كأنها حمائم رفّت وتهادت فوق بئر سكبت الحبوب فوقه. كل سيناريوهات الفراق وأسبابها لن تعزي طفلًا حرم من والدته، شابًا سرقوا منه والدته. ظلمًا غصبًا وقهرًا وجدها، وجدتها عيناه ولاقتها، انطوت الدنيا كلها في قلبه وانبعجت صرخته مكتومة في صدره. هي ووجهها غائر الملامح الذي طوى الزمن ملامحه وأحالها تجاعيد. السنين رسمت خطوطها على وجهها الفتي. نبض وجعه بقوة، وكتم آهة حارقة وهو يشكل تفاصيلها، متمددة على الأريكة بثوب شتوي قطني مخطوط بزهور وردية وفوق كتفيها ينام شال بلا تفاصيل، وعيناها التائهتين في المطر تلمحانه، فتتوقفان عنده طويلًا. غارت عيناها أكثر، أغمضتهما ثم عادت لفتحهما، أمالت رأسها وتركت الفنجان الذي اهتز في كفها، تشبثت نظرتها به، وعيناه تتجذران فوق وجهها المأكول بغدر السنين. تركته بصمت ولم تتحرك، ثم عادت له وضغطت بكفيها على فرشة الأريكة أسفلها، استندت على قبضتيها وهبطت عن الأريكة وتقدمت منه بخطوات مهزومة طعنها العمر، ترسخت وقفته وهي تقترب حذرة، متوجسة وعيناها خائفتين ومتهورتين، انبثق صوتها الذي عرف خامته: -من أنت؟ لم يجبها فوصلته وظهرها يرتد في انحناءة ضخمة للخلف، قومتها بصعوبة وهي تضرب أصابعها في صدره: -قل لي يا ولد من أنت. تجمدت أناملها المجعدة إلى ألف طي المضمومة لصدره حين أجابها بصوت مكتظ غلظته المشاعر: -ريبال أحمد القاضي. **** قبل هذا الوقت بساعة. تاهت آرام في الشوارع، يزن هو آخر من تبقى لها، هل تستغله وتكسبه لها، هو أول الخيارات وآخرها. ربما تسامحه وتتقبله وتداوي جرحه منها، وتستخلص منه الأمن والحماية، هو مهندس اتصالات يعرف كيف يتصرف والباقي تتركه لسالم. رفعت الهاتف والسبل تضيق بها وترميها في أضيق الزوايا محشورة، إرث والدها لن يتفتت بين أياد قذرة ما حارب فيه طوال عمره وخسر صحته بسببه لن تهدره أطلق هاتفها رنينه الأول ولم يجب، ثم الثاني ولم يجب، ضربها المطر مع رفع رأسها وهمسها: -يا رب. تبلل الهاتف مع حجابها وهي تطلق الثالث ولم تيأس، قبل أن تطوي الهاتف وترميه في كفها وصلتها -ألو -ريبال نطقتها بلهفة حارقة وازت صخب المطر المنهمر فوق رأسها بللت شفتيها ودمعها ينزلق معها ويمتزج مع المطر فيوحد بصمتها ويشكلها عذب صوتها وعذابه: -من الجيد أنك أجبت.. جال صوتها الأرجاء باسمه ثم عاد: -ريبـ...ـال. تقطع صوتها لحظة، ابتلعه المطر لجزء من ثانية واستأنفته مع ضربة رعد قوية صعقت الموجات وانتفض جسدها وهي تزلق الحروف بخطر: -أُريد منك الزواج بي . **** | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #620 | ||||
![]()
| ![]() يا ربااااه ختامها قنبلة الموسم ???????????? مهند الحقييير هذي بنت عمك وعرضك وتهددها وتخليها تلجأ للغريب عشان ينقذها منك يا حقير . ارام كوويس انك فكرتي ب ريبال الشخص المناسب بالمكان المناسب . وكوويس من ناحية ريبال لانه محتاج شي ينسيه مصيبته ،محتاج مصايب تهون عليه وضعه شعووي لغاية ما يستوعبه . من اللي رسل لمرام الصوره والكلام ،هل معقوله يكون سند !! او سياف !! سند اخيراً ادرررك ان سراب تتعافى به ،الله الله احببت هذه العباره يا لميس ،فعلاً هناك من يتعافى بوجود احدهم حوله ???? يعطيكِ العافيه لميس وبإنتظارك حبيبتي❤ | ||||
![]() | ![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|