17-10-24, 11:00 PM | #501 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| الفصل الحادي والعشرون الألم في جسدي كان عصارة الغصات في قلبي -لا داعِ لتواجدك هنا، والدتك تم أخذها لمغسلة الإسلامية. بدت مرام كقطعة مطاطية تنخرط في أي يد وتنعجن في أي حضن مار، تحوم عيناها بيضاوان فارغتان فوق كل الوجوه والجدران ولا تردد إلا: -أريد أمي. خالتها ليلى للتو تناولت جرعتها من المهدئ، ووالدها ترفضه بشكل صعب وتنتحي عنه وترفض حتى اطمئنانه عليها. أبعده زيد عنها وجعل رشاد يتولى عنايته فيما أخذها كلها إياه وأخذ احتواءها على عاتقه. رفعها من مكانها فتصلب جسدها رافضًا: -لا أود ترك أمي. خفت قبضتيه على جسدها وحاول إحناء جسده حتى وازى جسدها: -خالتي في المغسلة وهناك سيتم تغسيلها وعليك أن تكوني بصحبة النسوة. هرب منها الطلب خائفًا: -أنا لا أريد الذهاب هناك، دعني معك. تمددت بسمة حزينة على شفتيه وطمأنها: -حسنًا ستكونين معي، هلّا جئت الآن؟ سألته بحذر: -إلى منزل والدي؟ لا. تجمد في وقفته ورمى تعاونًا لها: -حسنًا، تعالي معي. خمد جسدها دفعة واحدة وبدأ يتجاوب مفعول الخدر في جسدها، حملها إلى سيارته ووصل بها إلى منزل والدها. للحظة تجذرت قدماها في الأرض وتركت لزيد نظرة بخيانته لها وعدم إيفائه لوعده لها. لكنها لا تملك طاقة للحديث أو المقاومة. تنفس بحرارة وعيناه تلفحان جمرهما هواء سوزان الذي فاح في غرف الدار فاتقدت عبراته وانسلخ منها حشد في حدود عينيه: -أعدك أنني سآخذك من هنا، لكن هذا عزاء والدتك وهذا بيتها وأنت ابنتها، إن لم تكوني أنتِ هنا من سيكون ويأخذ بعزائها؟ تعلقت عيناها المبللتين بوجهه وتراكم فوق وجهها سيل بلا شهقات. هاجمت وقفتهما عماتها وبضع من أقاربها وحشروا جسدها في أحضان كثيرة وعيناها تبحثان عن وجهه وجسده الذي لن يتركها هنا. حوّل وجهه إلى عمتها: -من فضلك أم براء خذنها إلى غرفة نومها وابقي عندها حتى تنام لقد أخذت حقنًا مهدئة. أومأت له وأخبرته: -في عينيّ، سأبقى طوال الليل معها. قالتها وتحركت خلف النسوة اللاتي انسحبن بمرام إلى الداخل وظلَّ واقفًا خلفها. زفر مختنقًا وفكر في رؤية سالي، أو أن تعلم سالي بما حدث. لكنه طرد الفكرة من رأسه وطار بالسيارة نحو المشفى. حالما أولجتها أم براء غرفتها مددتها على السرير وتركتها، غطّتها حتى ذقنها، وتركت المصحف جانبها وأدارت تسجيلًا للقرآن. تراخى جسد مرام بالكلية وأغمضت عينيها هربًا من عمتها التي ظلت فوق رأسها حتى استدعينها النسوة لشؤون التحضير فتركت مرام للحظات. تحركت أجفان مرام بعدما ساعدتها حيلتها في إغماض عينيها في الحصول على غفوة لم تعرف كم عمرها. ظلت ترمق السقف بصمت وخطوط الدموع تنسكب منحدرة عن جانبي وجنتيها إلى الوسادة تحت رأسها، اخشوشن تنفسها فرفعت جسدها قليلًا وبحثت كفها عن هاتفها الذي وجدته في جيب سروالها. تحركت حتى سحبته وفتحت الشاشة، لم تحاول فتح شبكة البيانات والالتهاء بطنين الاشعارات المواسية. بل اتجهت سبابتها حتى جهات الاتصال ومسحت اسمًا تم حفظه مؤخرًا، لا تعلم لم اختارته في لحظتها تلك، ولم كان هو الشخص الوحيد الذي ستشاركه وحدتها ووجعها وتهمس عبر الأثير إليه خبرًا مفجعًا يخصها. كادت تتراجع وتهرب من الرنين لولا صوته الهاتف بـ «ألو ملهوفة» وانسال منها بكاء مفجع ضرب وتر صوتها وهي تنقل إليه حالها: -يحيى لقد ماتت أمي. تجرع صوتها الباكي كماءٍ مغلي سقط في جوفه دفعة واحدة. -مرام.. توقف صوتها وعطّلت عليه ما ودَّ مواساته بها حتى انجرف صوتها مرة أخرى في سيل من سخط: -لقد تركتني خلفها، لم تستجب لي، كانت تعرف أنني وحدي ولم تحاول من أجلي.. تقطع صوتها في أنين وتأوه مطول كل لحظة.. -آه يحيى قلبي يحترق، لم تعد أمي موجودة. همس باسمها: -مرام. لم تكن لتسمعه، لم تهاتفه لتستمع بل لتحكي. -تركتني له وحده، وأنا لا أريده، لا أريده فهو السبب. كاد يسأل بـ من هو، كانت هويته واضحة، كل شيء كان واضحًا ولم يتجرأ وترك كل حرف معلق داخله وهي تستطرد: -لن أسامح أبي فهو السبب، لقد أماتها ألف مرة قبل أن تموت. دار رأسها في حركة غير مستقرة فتركت الحروف تنزلق منها: -سأغلق على كل حال. وداعًا. انطلقت منه مواساته وقلبه يهدر في جسده، وشعيراته تنتفض في استجابة لصوتها وبكائها. -مرام حبيبتي من فضلك استمعي إليّ. لكنها كانت أسرع منه ونفسها الذي يكاد يجن للاطمئنان عليه يغيب عن الهاتف فعرف أنها أغلقت الهاتف في وجهه. **** | ||||||||||
17-10-24, 11:00 PM | #502 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| لقد سحبته من انطوائه أمام شاشة الألعاب برفقة سياف على تحدٍ حول لعبة الفيفا. عاد بهيئة مقلوبة ووجهه اسودّ لونه وجسده قد تم ثقبه بدبوس صادم فتراخى. توقف مطولًا أمام الشَّاشة محدّقًا ومتجاهلًا نداء سيّاف المتذمر. ركن ذراعه في وسطه وجذب وجه ريبال إليه حين قال بوجوم: -زوجة طبيب المزرعة توفيت. حرَّك ريبال الورقة أمامه ومشت سبابته فوق الجهاز على ركبتيه. هل يكذب لو قال أنه لمح نبرة باكية في صوت يحيى. رفع رأسه ليحيى فوجده في عينيه. نفخ يحيى فتمتم ريبال: -لا دائم إلا وجهه، رحمها الله. هزَّ يحيى رأسه وظلت شفتاه في انفراجة طفيفة حتى ارتمى على البلاط، صفعت كفاه الأرض تحتهما فيما سيَّاف يسأله: -هل نستأنف اللعبة؟ أغلق ريبال الشاشة أمامه وراقب رأس يحيى الذي يلامس الأرض بإرهاق وعيناه تعانقان السقف بلا رمش: -لا، لم يعد لي مزاج. فك سياف تربيعة ساقيه وحاول جرَّه للعبة مجدداً، التف حوله وارتطمت عيناه بوجه ريبال الذي أشار له بباطن كفه «دعه» وتركه كيفما كان. **** لو كانت رؤيتها والاطمئنان عليها مفاتيح نهايته وخلاص حبه الموبوء بالموت، للقم الأبواب المفاتيح ودخل ليراها. عبر عبورًا أهوج حرّكه فوق الشوارع بلا تفكير. هبط من السيارة مترنحًا و ثبت جسده في الشارع بتيهٍ وظلت عيناه تحومان حول الغرف الظاهرة له في واجهة المنزل. ترك لحدْسه معرفة الغرفة التي تحتجز نفسها فيها وتمنعها عنه. دار ودار حتى اهتدت نظراته لغرفة ضؤوها شاحب تتكسر الأنوار فيها. ببطء استلَّ هاتفه ونفذ اتصالًا لها مثلما فاجأته قبل ساعات وهاتفته توقظه من النوم. استقرت الموجات حارقة بينهما على الخط، انقطع الاتصال الأول وفعل الثاني المثل، حتى الثالث تأمل فيه ولم ييأس وجرّب حظه في الرابعة قائلًا: -يا رب. وباتت أنفاسها تتسلق الموجة ونفذ صوتها ناعسًا، متقرحًا يستفهم بهدوء: -يحيى ما الأمر؟ أمرها بلهفة يائسة، يخزها التعب ونفاذ الحيلة منه: -أود رؤيتك. لفظت بتلقائية: -مستحيل. المستحيل هو استمرارهما، وليس رؤيتها الآن ولا تعرف أي جنون يقوده إليها. -مرام أنا في واجهة منزلكم وأريد أن أراك الآن.. الآن هل فهمتِ؟ تجشأت رفضًا كان فوق رغبة لسانها: -هذا جنون، عد من حيث أتيت. صبغ نبرته الجدية المحتدمة حد التطرف: -لن أغادر قبل رؤيتك، اخرجي لشرفة غرفتك أو أذهب الآن وأطرق باب منزلك مقدمًا العزاء لوالدك. حكّت وجنتها فوق الوسادة المبللة وتحرك نفسها مثخنًا بأثر البكاء وانغلاق حنجرتها وانسداد أنفها: -في الثالثة فجرًا؟ دار حول نفسه بعجز: -لا تفرق معي الأوقات. انزلقت عبرة عبر خدها تركت صمتًا صاحبته خشخشة فهزها أمره: -مرام، اهبطي إليّ أنا في الشارع. تنقل جسدها في الفراش بغير راحة وبعثت ردًا جافًا: -هل جننت؟ لا يمكنني الهبوط إليك. صرخ وقد نفق صبره: -اخرجي إلى النافذة، كما طلبت مرام. ازدردت لعابها وقد علم أنها استجابت فبردت ناره: -لماذا أساير جنونك، ألا تعلم بأي حال أنا؟ -تدركين أنني أحتاج رؤيتك لأنني لا يمكنني أن أقف هكذا عاجزًا. ما الذي يدفعه؟ ما الذي أجبره؟ وكيف يملي الأمر عليها؟ وكيف استجابت؟ تحركت بثقل ومشت، لمح ظلًا تتعرج خطواته فعرفها، تعجلت أنفاسها وسألت: -أين أنت؟ رد بصوت مشحون: -أنا في مكاني الصحيح، أراك من وقوفي هنا، وأنتظر تتمة خطواتك. تجمدت خطواتها، كانت تحت تأثير الحقن المسكنة ولا زالت تمتلك بعض الخدر الذي تكاثف مع هجومه الليلي. استأنفت المشي ووصلت الباب العريض، أزاحت الستار وبات خيالها متجسدًا في صورة ألهبته. -اخرجي إلى الشرفة. فتحت الباب وخرجت حافية فوق البلاط ، تحركت عيناها نحوه، وجدته، توسدت هيئته، تفتتت في قلبها حصوة فقد ذابت حين رأته. كأنها صاحت وأخبرته بـ فقدتُ أمي، كأنها ارتمت في حضن مقرب سحب بطانة الألم منها. تمسكت بسياج الشرفة كي لا تتهاوى، كان يستند على مقدمة سيارته. يتفقدها على طريقته، يتلظى بنارها وهي تتمايل مترنحة. ودَّ لو طار إليها، دعم رجفتها، خبأها بين ضلوعه، فار دمه مع استماع رجفة بكائها ولم يحتمل، حد دموعها كان الفاصل فهتف بها: -لا تبكي مرام، أو اهبطي إليّ. تمدد صوتها في بكاء مختنق ارتفع إلى سؤال شطره: -لماذا يحيى؟ ما الذي يهمك في حضورك هنا الآن بالذات؟ لماذا عليك أن تقف جانبي؟ لماذا يحيى لماذا؟ أغمض عينيه وقد انسحبت منه كلماته، كل ما رتبه وحسبه قد ضاع، ترجم أسئلتها وأجاب عليها بلغة الراسب ببطء: -اهبطي إليّ مرام، لحظة، لحظة واحدة فقط. مالت إلى السياج وصرخت: -قل لي ما الذي يهمك في مواساتي؟ -اهـبـطـــــي. وجدت نفسها تترك الشرفة، تنزلق راكضة فوق السلالم، لم تهتم بعماتها ولا والدها الذي يجالسهم في الصالة بل تحركت من خلف الصالة. باتت في حديقة المنزل. ضاعت في التقدم أو الانسحاب فأخذتها وجهتها إلى البوابة، نفذت منها ووصلت الشارع. تحركت قرب حاويات النفاية ولاقاها. تلك اللحظة لم يحمل الا سبحته بنية اللون الذي تدق خرزاتها كلمة الله. انتصف معها في عمر المسافة وتقاسم معها نبضًا مجنونًا، كانت تبكي، وحرارة الموت تفور من وجهها، وحين أصبح في مواجهة أنفاسها مدّ سبحته وطلبها: -تمسكي بها بسبابتك. أطاعته بذهول ورمقت السبحة، ففهمت. لم يستطع لمسها، وربط السبحة بينهما كربتة حانية. استنشقت من أنفها وفتحت شفتيها تتحدث فأخذ الحديث من شفتيها: -لقد طلبت من والدتك أن تقرأ السلام على والديّ اللذين سبقاها منذ عقد ونصف. تحركت السبحة بينهما فأضاف: -ودعوت الله أن تصحب والدتك والدتي. تسربت منها دموعها فيما يخبرها: -أنا أعرف شعورك جيدًا، أفهمه وأكاد أموت لأتصرف كما يملي عليّ حسّي لكنني لا أقدر. قدمت له صوتًا متعاطفًا: -أسأل الله لهما الرحمة، لم أكن أعلم. تعازيّ لك. أمسك بعينيها ولفهما في نظراته المواسية: -أمك استراحت من عذابها وألمها ووجعها وباتت في مكان ترتاح فيه، فلا تثقلي عليها بالحزن. تاهت نظراتها ووجهها يحتاج لمنشفة تخفف بلله فسألت: -لماذا أنت؟ ولماذا أنت هنا؟ كاد يجيب، كاد يسكب قلبه، كاد ينهي حياة حبه المحدود عمرها لكنه بث بعض الحقن المبنجة، فبعض الألم نتلذذ بإطالته ونتسكع فوقه بحقن البنج: -أنا هنا لأنني أكثر أحد يحس بكِ ويعرف أي شعور تعيشينه الآن. تراجع للخلف خطوة وتدلت السبحة من سبابتها، ضم خطوة للخلف لو ظل خطوة لجذبها هي وسبحته لصدره ولا يهمه، فلن يريح عذابه إلا ضمها إلى قلبه، وتسكين نارها وإخماد ناره التي تحترق لأجلها ألف مرة. تضافرت خطواته للخلف وهي تراقبه في وسط الشارع حتى ترك مسافة مطمئنة فتبسم فمه وصوته يخرج أبحًّا تثقله العاطفة: -سأذهب الآن وأسعى في رؤيتك عاجلًا مرام. كوني بخير لأجلي. **** | ||||||||||
17-10-24, 11:01 PM | #503 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| حين عاد يحيى بعد الرابعة والنصف فجرًا تشابك وجهًا لوجه مع شبح ريبال الذي كان ينتظره بقلق ويسأل: -أين كنت؟ لقد جمع يحيى شتات نفسه بما يكفي ليجيب: -لقد أرعبتني بانتظارك لي هكذا يا رجل. تمتم متجاهلًا ريبال ومكملًا سيره إلى الداخل: - كنت بحاجة لسائل للسيجارة ولم أجد فابتعته وحمتُ قليلًا في الشوارع. رفع ريبال حاجبه فيما يجيبه: -في الثالثة فجرًا؟ -أنا لست شقيقك الصغير ريبال أنا في عمرك وأتخطاك بعدة أشهر. نشب صوت سيَّاف بينهما بقلق فيما يخرج من الحمّام: -ألا يحق للمرء في هذا البيت أن يلبي نداء الطبيعة على راحته؟ انزلق رد يحيى مشمئزًا وهو يبحث في خزائن المطبخ عن شيء يشربه: -كم أنت مقزز سيَّاف. جفف سياف كفيه وبصق تعليقه: -أقسم لك لا أصل ربعك بهذا المنظر، رؤيتك ذكرتني بكل القروض النائمة فوق كتفي. دبّر يحيى لنفسه كوب شاي استخدمه مع سيجارته الإلكترونية فيما عاد سيّاف لغرفته. حاول يحيى تجنب ريبال الذي أخبره: -ستذهب معي لصلاة الجنازة وتقديم واجب العزاء لهم، عمّي سلطان وفضل مشغولان في المشاتل الجديدة. -لا، لن أذهب أنا مرتبط بعدة محاضرات. صرّف يحيى الشاي إلى حلقه وتنبه توًّا أنه لم يضف إليه السُكّر فتعكر لسانه وهو يهرب من طلب ريبال الذي رفع حاجبه: -أنا الذي لدي متسع من الوقت وأشغل وقتي الفارغ بمحاضرات ومحكمة وعملاء مهندس. زفر يحيى توتره وأبقى الكوب الذي قرر تركه فلن يستطيع إضافة السكر له وتعكيره وكل همه في الواقع أن يحجز نفسه في وسادته ويسترجع مرامه ولا شيء سواها. -ليس هذا ما قصدته، بغياب عدي كما تعلم مسؤولية المرسم والمشغل باتت كاملة علي ومفاتيحهما معي طوال الوقت لذا لن أستطيع. قد أذهب معك إلى بيت العزاء لكن صلاة الجنازة صعبة. أحمق، كسائل مكشوف، ليس شفافًا يترك بعضًا منه إليه، بل مرآة تنضح انعكاساتها وتسرب عشقه ولعثمة خطواته الأولى، وكل التأتأة التي تكشفها رعشة كتفه الأيمن الحذرة، وكل خلجة كساها التردد. تنهد ريبال وردَّ عليه عقبما ذيل قوس الشفقة على يحيى: -كما تشاء سأغطي الحضور وحدي. تنفس يحيى أخيرًا وراقب ريبال الذي خطى لغرفته وتركه يلوذ لدقائقه معها. يخبئ في شوقه زادًا يكفيه حتى يصلها ثانيةً. **** اختطف ريبال ساعتين من دوامه، أدَّى الصلاة على زوجة طبيب المزرعة ثم سلّم على الرجل وعائلته وتوقف مع زيد قليلًا وغادر صوب سليمان الغربي الذي بعثه والده أحمد إليه. -ذلك الأخطار من يدك ليده. وافقه ريبال فتابع أحمد: -لنرَ ما الذي سيفعله حين رؤيته لذلك. هزَّ ريبال رأسه ومازحه: -سيبلل سرواله كأقل واجب. ضحك أحمد وقال بهدوء: -سالم لم يعلم بهذه الخطوة، لا يمكنني تخطي مشاعره. تنهد ريبال وأدار محرك السيارة باتجاه منزل سليمان الغربي: -سالم مهني والدي وإن كان الأمر يمسه بشكل حمائي وعاطفي، لكن الحق حق. شاركه أحمد بعض الأحاديث وشدد على مروره عليهم فريتال تحتاجه بشدة ووافق والده فيما يقطع نصف المسافة حيث آل الغربي. **** تم تجديد الحقنة ذاتها في عروقها ولم تعترض، أعطتها إياها عمتها التي سحبتها إلى مصلى النساء لأداء صلاة الجنازة على والدتها. وقفت في المصلى تائهة لم تستمع لحديث الخطيب في شيء، وحين استقامت النساء للصلاة وقفت بجسد متخاذل ولم تتذكر هل توضأت أم ساعدتها ابنة خالها قبل قليل!، أدّت حركاتها بلا تركيز، وتركت لمسافة مكشوفة لإظهار طابق الرجال. بحثت عيناها بلهفة نحو جسد والدها المخبأ فوق النعش. طالعت هيئتها وتخبط شيء فيها فسحبت أنفاسها خشنة وصلبة ومتلاحقة بشكل مجنون. لم تودعها واكتفت بعناقها حية كأعظم حصص الوداع. فلم تحتمل وجهها ميتًا. انتهت الصلاة وانهارت في المسجد ببكاء صموت والجميع يلتف خلفها. حين انتهت مراسم الدفن ظل زيد جوار قبر خالته ورشاد كان برفقة والدته. توقفت وحيدة رغم الأذرع التي تحيط بها. جرَّتها عمتها لسيارتها فتخشبت في وقفتها: -لا أريد العودة للمنزل. حركت عمتها الوشاح فوق رأسها: -كيف حبيبتي؟ أين ستذهبين؟ كانت لهجة مرام صارمة وهي تخبرها: -إلى منزل خالتي ليلى، لا أريد العودة إلى منزلنا. تبادلت عمتها النظرات بحيرة مع بناتها وقريباتها. حاولت إحدى النسوة: -كيف تتركين منزل والدك في هذا الوقت؟ هيا عودي فوالدك بحاجتك. تجمدت أنفاسها وبقيت على حالها والجميع يقنعها بالعودة للمنزل. وعيناها تبحثان عن خالتها ليلى. حتى لجأت عمتها لوائل الذي جاء باحثًا عن ابنته فمنذ أمس لم يرها وقلبه يموت لرؤيتها. وصل الباحة الخلفية ووجدها بين النساء سريعًا، من فوره وتقدم نحوها. حالما رأته يحشر جسده المرهق في زي رسمي أسود وذراعيه المتراخيتين نحوها اللتين يدعوانها إليه، أشاحت عنه وقلبت وجهتها كاملة وتركته واقفًا بشكل صدم من معها وتخلت عن وقفة عماتها وجرّت خطواتها لخالتها التي همت بصعود السيارة ووصلتها ناجية من عناق والدها وطلبت بصوت منهار: -خالتي خذيني معك، خذيني ولا تعديني إلى منزل والدي. | ||||||||||
17-10-24, 11:02 PM | #504 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| في مضافة آل الغربي عقد سليمان اجتماعًا طارئًا بشأن خطبة وضاح من ابنة عمته "آرام" جهز المضيف، واستقر على كرسيه الذي لا يستحقه يستند بعصاه مفكرًا برفض وضاح وكيف سيتعامل معه، في داخل المضيف، تذكر عبلة فقرر مهاتفتها وولج إلى مطبخ المضيف وبدأ حديثه معها: -لقد جمعت رجال العائلة لأجل ابنتك. تأوهت عبلة على الطرف الآخر وسألت: -ولماذا تجمعهم أخي لقد تم تجاوز كل شيء. لقد ضخَّم سليمان الأمر كما يبدو وسيجعلها تندم على ثرثرتها إليه في وقت احتاجت فيه أن تتحدث مع أحد: -لن ينتهي هذا الأسبوع ويأتي رمضان إلا وابنتك قد تزوجت وأخرسنا أفواه الجميع عنها. ضربت عبلة جبينها في حين تنحنح ريبال على باب الديوان الخاص بآل الغربي لإعلام سليمان بوجود أناس عند الباب. أخبره سليمان: -تفضل. ولج ريبال للديوان وصوت سليمان ينتفض بالمجلس: -أجل سأزوجها بوضاح هو الأنسب لها ومن يناسب جموحها ويهذبه. استطرد بشرٍّ وحقد وقد ارتفع صوته في غلظة: - سيتزوجها وضاح لتتعلم كيف تفضح شابًا بريئًا كان خطيبها وتتفق مع حبيبها من خلفه. باعد ريبال بين ساقيه ووضع كفه في جيبه وقد وصلت إليه نصف المحادثة التي سمع أغلبها أمام الباب خلال طرقاته. -آرام عليها أن تتعلم خطأها وتعرف كيف تتصرف. لقد أودت بسمعة أبيها في مقتل.. اتركي عنك الدفاع عنها، ابنتك قليلة تربية وتستحق. توترت حركة أنامل ريبال وقد استوعب الحديث. افترشت الصورة عقله وتوسدت عيناه المطفأ نورهما المقصودين وضاح وآرام، شرارة تكاد لا تُرى يلتمع نورها حبت نحو الصورة، في عقله، وزحفت حتى عينيه. استمر رنين هاتف سليمان فاضطر أن يغلق مع شقيقته وقد نسي أمر ضيفه: -لدي رجال في المجلس سأعاود الحديث معك حالما أنتهي من الأمر وأبلغك بخطبتهما. استقام سليمان وهو يضرب أزرار هاتفه لمهاتفة ابنه الذي أخبره: -إنصاف جاءت لزيارة والدتي. -ما الذي تقوله يا ولد، كيف تتجرأ هذه المرأة بزيارة بيتنا؟ تنفس بخشونة وتوعدها: -أقسم أنني سأحاسبها على وطئ قدمها في دارنا. استشاط غضبًا ونهض بغير هدى نحو الباب للانضمام لها منتقمًا منها، وصل باب المطبخ بعرجه الذي يتضاعف مع غضبه. بات في الصالة وهناك اصطدم بزول لم يعرفه ولم تسعفه رؤيته التي باتت ضعيفة فتحرك أكثر حيث لكمته هوية ضيفه التي يعرفها في مقتل، "ريبال القاضي" حفيد القاضي في دياره، يقف شامخًا مهيبًا كمن له الحق كله في بيته، نحّى غضبه وصدر صوته مهللًا بجفاف: -حللت أهلاً ووطأت سهلاً يا حفيد القاضي، شرفتنا يا بني. وصل لريبال دون أن يمد يده لمصافحته، أجابه ريبال بهدوء: -حياك الله يا عمّ. رمقه سليمان بنظرة غير راضية وسأل بخشونة: -هل لكم مطالب عندي تودون إرجاعها؟ نفى ريبال الذي لم يتحرك ولم تهتز ملامحه: -لا، لا مزيد من المطالب بل بعثني إليك والدي "أحمد" بصفته محامي مأمون العزيز، فالقضية قد فتحت أوراقها من جديد، وأحتاج بعض المعلومات منك. سلّم ريبال الإخطار وترك المكان ورحل نحو سيارته وهو يحمل حوارًا واحدًا لا سواه، وصورة بإطار عريض: -أجل سيتزوجها وضاح لتتعلم كيف تفضح شابًا بريئًا كان خطيبها وتتفق مع حبيبها من خلفه. ولم يعبأ بكل النص أعلاه إلا باسمين فقط لا سواهما، والطريقة التي ستنضم لاسميهما لاحقًا. أدار السيارة بخشونة وبعث برسالة لمنتصر: -لقد تم الأمر. ثم حفرت إطارات سيارته الطريق وتنهبه بعصبية. **** | ||||||||||
17-10-24, 11:03 PM | #505 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| الألم في جسدي كان عصارة الغصات في قلبي. تخطت آرام أيامها المريرة وعرفت أن أي حجة تخص بقاءها في السرير أيام إضافية لن تقنع والدها لذا نهضت في أمس وحاوطت عائلتها على مائدة الإفطار وذهبت إلى عروس وقامت برسم الحناء لأكثر من عشرين صبية. لن تكذب إن قالت أنها لم تجد مواساة في ذلك وأخرجت كل طاقتها وغضبها. لذا تفننت وتركت نفسها لشغفها. ولم تترك الأمر عند ذلك بل في طريق العودة الذي اختارته مشيًا أمام العامود نفسه الذي تشبثت به كي لا تتهاوى، هو نفسه الذي تتوقف عنده الآن وذكريات ما مرّت به تعصف بها عصفاً. استهلك الحدث من عينيها دمعتين ثم تحركت بين المرج الذي دهست سنابله. مسحت كفّها وتوقفت في منتصف الطريق حتى وجدت هيّام العرافة. أوقفتها هيّام وحادثتها وتركت في كفها قارورة بنفسجية وهمست لها بعدة كلمات ومضت تاركة إياها في دهشة. -أنت امرأة ذات عشق، وعشقك بين عينيكِ وفي صفحات السّماء. **** ارتمت عبلة على الأريكة خلفها وضمت رأسها بين يديها، ما الذي فعله سليمان؟ لقد أوَّل القصص تأويلًا مغايرًا وهي حتى اللحظة لم تصارح ابنتها ولم تتحدث معها، من فورها انطلقت صوب غرفة ابنتها. طرقت الباب بهدوء ودخلت فوجدت آرام تجلس أرضاً قرب سريرها كعادتها التي لازمتها منذ طفولتها. وفي كفّها القارورة الغريبة التي تنبعث منها رائحة مخدرة. سرحت آرام وأناملها ترص على القارورة، وعيناها تواجهان الأفق أمامها، بدت المناظر أمامها كصفحات متطايرة وهي ذاتها، والنافذة الزجاجية ذاتها وقلبها الذي اختلف رتم نبضه. حدقت في واجهة منزل يزن المضاءة أنواره والعتمة المنبسطة حيث بساتين والدها والنهر الذي تتوهج أشجاره بفعل مزرعة القاضي التي تتلألأ قبتها بأنوار ساطعة. هناك في المزرعة قطعة من قلبها قاطعتها لأجل أصحابها. ميَّلت رأسها وبقيت تفكر في من جلب عفراء لها؟ من الذي أحسَّ بوحدتها؟ تنهدت وانتبهت لحركة الباب وطلب أمها المستأذن، فتنحنحت مجيبة: -تفضلي أمي. ولجت عبلة التي تم إخبارها توًّا أن وضاح رفض العرض المخزي برأيه وجزء منها قد ارتاح. تركت عبلة الباب بنصف فتحة وتقدمت إلى الداخل. وجدت لنفسها مكانًا جانب آرام وجلست مثلها واستندت على السرير وسألت: -هل أنتِ بخير؟ أومأت آرام بعد زفرة طويلة فأخبرتها عبلة: -ستتجاوزينه قريبًا وتتخطين هذه المرحلة حتى لو استهلكت مبلغًا وقدره من قلبك، ستعوضينها. تلاعبت آرام بالقارورة في كفها ولم تجب. فاقتربت عبلة منها وسألت: -آرام هل يمكنني سؤالك؟ شحبت آرام ولم تشأ أن تفتح سيرة يزن ولاحظت عبلة ذلك فترجمت حيرتها: -هل تواصلتِ مع يزن وأنت على ذمة مهند؟ تفتحت عينا آرام وقد توقعت مجيء هذا السؤال قريبًا فلم تخبئ نفسها. نكست رأسها وقالت بخجل: -تواصلت معه لكن بشكل غير مباشر. تفتحت عينا عبلة على وسعهما وقالت بخذلان وهي تضرب ذراعها بحرارة: -هل.. هل كان كلام المعلمات صحيح؟ أنت السبب في طلاق مهند؟ ألا يمكن أن تكوني أنت من لفقتِ لـ. رفعت آرام رأسها وسألت: -ماذا تقول الناس أمي؟ انتفضت ذراعا عبلة بعصبية: -يقولون عنك أنك السبب في فضيحة مهند وأنك استعنتِ بيزن. احتقنت عينا عبلة وأضافت بحرقة: -ألا تعلمين أن خالك سليمان عقد اجتماعًا في مجلسهم ليزوجك من وضاح عقب ما سمع ما انتشر عنك. تأوهت عبلة وضمت أناملها على فمها بعصبية وسألت: -هل كنت أنت السبب في ذلك؟ قولي لي أنك بريئة ولم تتلطخ يداك في شرور ابن عمك؟ وجه آرام لا يساعد ولا يدحض عنها التهمة، كانت متشربة كل كلمة وجهت إليها. حين أُغلق الباب ودخل نجيب وتبين أنه استمع لكل حرف، فارت عبلة واستوى جنونها كاملًا وهي تشير لآرام في اتهام: -قولي أنك لست السبب. ضاعت حدقتا آرام بين والديها واختصتا نجيب الذي قرفص أمامها. ماد من عينيها الدمع فيما تعترف بشجاعة: -أجل، أنا السبب وأنا من بعثت إلى يزن ليفضح مهند الذي كان يخونني. رنّت صفعة عبلة فوق وجنتها وجعلت رأسها يدور من حرارتها، كادت تتبع بالثانية فأوقفها نجيب وعبلة تصرخ به: -كيف نلملم حديث الناس نجيب؟ قل لي كيف نجمعه هنا؟ هدر صوت نجيب في وجهها: -اصمتي عبلة ولا ترفعي صوتك أكثر من ذلك. كادت عبلة تجن فنهضت وقرصت آرام في ذراعها فجذبها نجيب وأوقفها. -اخرجي عبلة من هنا. -كيف أخرج نجيب؟ لو قدرت لقطعتها بأسناني. انتفضت ذراعه وشدها ليخرجها فلبّت طلبه بطواعية، خرجت من عنده وتركته مع آرام، لم ترفع رأسها له، ولم تحاول أن تتنفس في وجوده. مد كفه وانتزع ذقنها لأعلى فأجبرها على مواجهة عينيه، خلّص صوته خيبة الدنيا، وكسرته فيها حين سأل: -لجأت ليزن كي يخلصك من مهند بفضحه؟ هزَّت رأسها في انكسار أوهن عظامه، فاستطرد يسأل بوجع: -وبمَ فرقتِ عنه؟ هو خانني بك وأنت خنتني فيه؟ كفتاكما متساوية. انتحب صوتها وهزَّت رأسها نافية: -لا، لسنا في كلا الكفتين ولا نتساوى، هو البادئ ولست أنا. نكس رأسه بانكسار وصوته يهزمها ويطعنها ويفتت كل ضمادة واهية ربطتها فوق قلبها المتقيح حين أضاف بصوت كظيم: -خسارة آرام، أنت خسارتي الوحيدة رغم ما راح من عمري قبلًا. هرس قلبها وغادرها، فتت ضلوعها وغادرها. قفزت خلفه وتشبثت به معانقة ظهره من الخلف -لا أبي، لا تقولها . نفض نفسه وغادرها.. وقلبها يصر أن مغادرته هذه ستعقب خسارة قاتلة، فهي خسرته. **** حالما خرج من الغرفة واجه عبلة وأخبرها: -أخبري شقيقك أن ابنتي لا تؤدب ولا تتزوج كي تتم تربيتها. اقتربت تشرح له فيما تتقاطر المهانة من صوته ووجهه: -ابنتي ليست بائرة حتى يدبر لها زيجات وإن كانت على التربية فأنا موجود ولم أمت بعد. تأوهت ونفخت نفسًا شديدًا: -نجـيــب. أمرها بحزم وصلابة: -لا تدعيهم يكلفوا أنفسهم عناء المجيء فلن أوافق على اقتراحات أخيك. صححت له عبلة من فورها: -نجيب وضاح لم يوافق أساسًا، سليمان كبّر الموضوع وفق أحاديث غير موجودة دق في قلبه أمل طفيف بأن تكون الأحاديث حولها غير صحيحة: -لدينا معلمة في المدرسة يزن يكون ابن خالتها أخبرت رفيقتها أن آرام تحادث يزن. عند ذكر آرام تنهد بأسف وابيضت ملامحه بكدر: -يزن الذي احتمت به فضحها، ولماذا تلجأ له؟ دبرت عبلة كذبة من فورها: -هو مهندس يا نجيب وله في قصص الأجهزة الحديثة، لا تنسَ أن آرام لن تتبلى عليه. دعت عبلة على نفسها، لقد جرَّت ابنتها لحفرة بغبائها وفقدانها السيطرة، سامحك الله سليمان، سامحك الله. -آرام لا أخ لها تشكو له ضيم خطيبها وأنت والدها وعمَّه، ربما استثقلت الأمر على نفسها، لا تنسَ ضغط عمها وابنه عليها. تسولت منه أن يتفهم ولم تتفتح ملامحه بتجاوب، كان وقع الخبر ثقيلًا عليه. -أخشى عليها حديث الناس عبلة. قالها ومشى فجرت خلفه تدعو على نفسها فما الذي أوقعتهم فيه. -أنت تعرف سليمان، أقسم أنني لم أستمع إلا لتلكما المعلمتين والأمر حدث منذ أيام. عند الباب توقف وتخبطت وجهته: -ما الذي يجري بين ابنتي ويزن، ألم يخطب يزن منذ مدة تزامنت مع انهيار آرام. شهقت عبلة وضربت على صدرها: -لا، لا نجيب لا تدخل الشك إلى قلبك، آرام أنقى من الثلج لن تخطئ ولن تخفض رأسك. رفع لها نظرة متهالكة واستدار بذات الخطوات ونظرته تخبرها ألم تخفض رؤوسنا؟ّ! -لا نجيب حباً بالله، لا تُلم آرام فهي صغيرة وكل حمول العائلة فوق رؤوسنا. تمزق جسده فوق سريره وجاورته، فكت زر الأول، ناولته قرص دوائه وكأس ماء، استجاب لها فيما تمدده وتنحني وتقبل رأسه: -اتركني معها، سأجلب لك خبرها كاملًا، فقط ثق بي حبيبي. **** | ||||||||||
17-10-24, 11:05 PM | #506 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| فتحت عبلة الباب على آرام فوجدتها قرب إيلياء، ركضت آرام وسألت أمها: -ماذا قال وضاح ابن خالي؟ هل وافق على طلب خالي سليمان؟ تلك اللحظة وجه إيلياء حفر نغزة وشوكة في قلب عبلة، تسارعت دقات قلبها وحدسها لا يخطئها، شيء عصر ذهنها ووعيها وأكد بضراوة أن آرام قدمت في سبيل إيلياء شيئًا لا تدركه. تنهدت وطمأنتها: -لا، لن يوافق وضاح بالطبع. زفرت آرام مرتاحة في حين تغضن جبين إيلياء وهي تخبر والدتها: -لقد وصلتنا دعوة حفل خطوبة يزن. نزت عن آرام شهقة ممزقة فتابعت إيلياء بحرقة: -الجبان الحقير كيف يبعث لنا بدعوة؟ كدت أمزقها في وجهه. تلونت وجنة آرام المكدومة بفعل صفعة والدتها إلى حمرة صارخة عجنها الانفعال فسألت بصوت تشقق: -من الذي جاء بالدعوة؟ ومتى ستكون حفلته؟ -غدًا في قاعة ينسلون في شارع البتـ.. أغمضت عبلة عينيها وفتحتهما وقالت بلا تركيز فيما تبسط كفيها: -لا يهم، سأدعو الله أن ينقلب عزاءً عليهم، هؤلاء لا يقدرون جيرة ولا أدب. همت أن تُخرج إيلياء وتنفرد بابنتها آرام، كيف ستتجرع منها الإجابات وهي تذبل دفعة واحدة. انحشرت في موقفها باستنزاف فخرجت وطلبت من إيلياء: -ابقي لدى آرام حبيبتي، سأنضم إليكما فيما بعد، سأرى عماد أولًا. خرجت عبلة مستندة إلى الجدار ورأسها يحمل شبكات عناكب من أفكار لا تهدأ وغبارًا بحجمه. تركت إيلياء آرام تفكر في كرامتها الممرغة في التراب وصورتها في عينيها التي تمزقت. مالت إلى النافذة واستقرت عيناها على المزرعة قبالتها. لم تتنبه إلى إيلياء التي قبضت على القارورة: -ما هذه؟ اختطفت آرام القارورة وضمتها لأناملها بقوة. -هذا عطر رذاذ النجمات، أعطتني إياه هيام. -رذاذ النجمات؟ّ! أومأت آرام وأدارت رأسها إلى جانب الجدار فيما تسرد على مسامع إيلياء قصته التي أخبرتها به هيّام. عطر من رذاذ النچمات. أهدتها العرافة هيّام إياه اليوم في لقائها بها في قلب المرج. عبوة عطرية من خلاصة زهور الدحنون والسوسنة السوداء والليمون، مزيج غرائبي بتركيبة أغرب، ألحّت عليها هيّام بترَّج حين طلبت منها أن توليه عناية خاصة، فهذا العطر نصيب امرأة ذات عشق. تناولته آرام من هيّام بتردد وخيفة احتلتها بلا وعي، فنبوءة هيّام في العشق تسري متحققة ونصيبها من العشق انقضى. طوت سِرَّ العبوة مع صفحات أسرارها عن كل عين ولم تشأ الإفراج عنها فمواعيدها مع العشق مُجمّدة وقلبها خريفه دائم. قلبت العبوة في كفّها وغادرت عيناها نظرة وعي تخصها بشكلها الأثري ومحتواها الذي لم ينصهر رغم طول المدة فقد أخبرتها هيّام أنها تعطرت بها. دّق قلبها وهي تنثر منها حول مواقع نبضها وتضخ لإيلياء المثل. احتلها شعور غامض لم تعرفه وهي تتذكر حديث العرافة عنه، مزيج مختلف بحق عن أي عطر احتل جسدها وتمازج به. شيء من سحر ينتمي إلى الليالي وألفيتها، ومسكوب سحره من رذاذ النجمات. تذكرت ضحك العرافة وهي تشرح لها موعده؛ ميقاته مع كل سنة كبيسة في الربع الأول من الشتاء بعد ثالث حضور للشمس بشكل متتالٍ وعقب رحيلها تزور النجمات الأزهار وتهديها أثرًا يندمج برحيقها، فيضحى شذاها خيط غزل، تحيك به كل امرأة عشقها كما هواها.. ضحكت إيلياء منبهرة بعدما قصت لها آرام عنه: -ستكونين امرأة ذات عشق آرام. غطت إيلياء فمها بأناملها التي غطاها العطر فيما تصحح آرام لها: -ستكونين ذات عشق مثلي. وأشارت بعينيها لموقع نبضها الذي يفيض برائحة الرذاذ. **** | ||||||||||
17-10-24, 11:06 PM | #507 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| في ذلك الوقت. شغل مهند وقته في تنقيب صفحات يزن، استطاع بصعوبة أن يفرز مجموعة فتيات يتابعنه بشغف. انتصر وشحذ بسمة ثعلبية حين وقع اسمه على هنادي. هنادي عطار امرأة مطلقة يعرفها هو ويزن عزَّ المعرفة، عاهرة بمستوى خدمات ليلية كاملة أعظم إكرامية لها عشر دنانير. تركت عنها عملها حين أحبَّت يزن كما عَلِمَ عنها، كان قد وعدها، أو أحبها ونسّق لها عهود العشق. ما يهمه أنها تركت تلك القصص ونذرت نفسها ليزن فقط، الذي حرم عليهم ما كانوا يتمتعون به. تدبَّر رقم هاتفها من إحدى معارفه الأنثوية، واستطاع الوصول إليها. اكتفى بتمرير بطاقة الدعوة: -يزن حفل خطوبته غدًا. ظلت الرسالة مقروءة لدقائق بلا رد حتى بعث: -العروس اسمهان ابنة سلامة الفواز. وألحقها برقم الهاتف الخاص بها، سألته في ذهول: -من تكون أنت؟ هل أنت متأكد أن يزن خطب هذا الفتاة أم شبّه لك؟ فهناك آرام وأظن أنه يميل إليها. ضحك بقسوة على ذكر ابنة عمه الحمقاء وصحح لها: -لا آرام كان يتسلى بها مثلما عمل معك. انهارت كما يبدو فبعث إليها: -شابة لم تبلغ الثامنة عشر، ولم يسبق لها الزواج إذ كان شرطه بكر في الحب والزواج. تمادت أنامله في بث رسالة أخرى: -هل تريدين أن آتي إليك وأشرح لك الأمر كاملًا. كان قصده واضحًا بلا مواربة، فكتبت له: -أظن أنك تعرف بيتي، انتظر لأنيم صغيرتي وأوافيكَ بالموعد المناسب. **** | ||||||||||
17-10-24, 11:06 PM | #508 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| في اليوم التالي تمايلت أسمهان في ثوبها أمام المرآة قبل أن تبدأ المصففة في زينتها، شالت الهاتف في كفها وبدأت بالتقاط عدة صور لها. ضحكت بقوة على تعليقات بنات خالها، وفي أثناء ردودها على التعليقات ضرب هاتفها رنين متلاحق لصور بلا نهاية. فتحت المحادثة وصرخت حالما ارتطمت عيناها بالصور التي بدأت بالتحميل. كانت مجموعة صعبة من الصور تضم خطيبها في وضعيات غير أخلاقية، شنيعة، وأسوأ بكثير مما يمكن تخيله. «هذا حبيبي الذي تودين أخذه اليوم» وقع الهاتف من يدها وطارت تصرخ: -لا أريد إتمام الخطبة لا أريد. ارتج صالون التجميل بأكمله، هرعت النسوة لتهدئتها ولم تجد أخته بدًا من التواصل مع والدتها ويزن. لقد علمت أسمهان أن آرام تحب يزن وأقنعوها بالموافقة حين أخبرتها أمه «هي من تحبه وتلاحقه، هو لا يريدها» وبإقناع مقنن ومكثف استطاعوا الضغط عليها بالموافقة فيزن هو المهم ولا يريد آرام بل هي التي تحبه. حاولت أخت يزن معها وفشلت حتى ولجت والدة يزن وأم أسمهان ويزن فوقهم، هاجمتهم أسمهان: -لا أريد ابنكم الخائن رفيق النساء لقد رأيت الصور ولن أتمم هذه الخطبة. حاوطتها والدته وقربت منها تتحايل عليها: -يا بنيتي هذه حفلك وأن أنهيت الخطوبة سيأتيك الكلام ويفضحك الناس انتظري حتى يمر اليوم. نفت في وجع وحلمها ينهار فوقها: -إن فسختها قبل الحفل فالخلل به وإن كانت بعد الحفل بيوم فالخلل بي وأنا لا أضحي بنفسي لأجلكم تأوهت أمها وضربت والدة يزن فوق رأسها فأملت لها أسمهان الهاتف ليرون فضائح ابنهم، بصقت والدة يزن حروفها: -بنيتي هذا رجل ولا يعيبه شيء. لطمتها أسمهان في مقتل: -بل يعيبني أن أكون مع رجل زانٍ. غادرت الغرفة وهربت تلجأ لأبيها الذي صاحت في أذنيه وانتحبت على فرحتها فأخبرها: -كما تشائين لن يمض اليوم لهم حفل. تصاعدت الخلافات بين الطرفين إلى حد التطاول بالأيدي والتشابك بين الرجال ولم ينته إلا حين أضاف والد يزن تحديثًا على الهاتف: -نعتذر عن حفل اليوم، لقد تمت فسخ الخطوبة داعين الله أن يخلف على ابننا بخير منها وأن يرزقها خيرًا منه **** التقطت سراب صورة لمكتب سند المغلق بابه وأضافت رسالة تم تجاهلها كسابقتها وأرفقتها بـ «الأماكن كلها تشتاق لك» تكسرت نظرتها بأسف لحالها فتنهدت وهي ترمق الباب المغلق في وجهها كما يبدو إلى الأبد. تركت قدميها حتى وصلت إلى طبيبتها النَّفسية التي رحبت بها ودعتها لتشغل مقعدًا أمامها. مدَّت الطبيبة دفتر رسم أوصى به سند لسراب بشكل خاص وطلبت منها: -تفضلي هذا واملأي فراغك به حتى أكمل ما لديّ. ضحكت سراب: -تقصدين حتى أكون جاهزة. سألتها الطبيبة: -هل معنى سؤالك أنك جاهزة للدردشة معي؟ ضيقت سراب عينيها وأخبرتها: -على حسب، هناك أشياء أحب الحديث فيها وأشياء لا أود حتى الإشارة لها. عنونت الطبيبة عدة أسماء فيما سراب تخبرها: -والدتي، والدي، بلال. أضافتها بتكشيرة وتردد فيما تابعت: -ودلال وبثينة و المدعو سين، والمدعو سين، والمدعو سين. كتبت الاسماء الطبيبة بمهارة وسألت بحاجب مرفوع: -من واحد إلى عشرة ما درجة استحقاق المدعو سين في حالتك. ردّت سراب مباشرة وبلا تردد: -أنا مصابة بالمدعو سين، وأشخّص حالتي بناء على تمركزه. -لماذا جئتِ إليَّ إذن إن كنت قد شخصتِ حالتك. زمت شفتيها بقهر وردت: -كل الأسماء المعنونة فوقًا هي الفيروسات التي أدَّت إلى هذا المرض المستفحل. ضحكت الطبيبة بصوت مرتفع وقد رأت هزلية مريضتها وإصابتها النفسية فسألت: -أوه على ما يبدو أنني سأستمتع معك وأنت تخبرينني عن تفشي هذه الفيروسات. أغمضت سراب عينيها لحظة وأجابتها: -إذا أكملت العلاج هنا، أشعر أنني لست بحاجته. -لكنني بحاجة لصحبتك، يبدو أن لديك متسع من البهجة أنا في أمس الاحتياج لها. توقفت سراب لحظة وقد راودها شكها في أن تسأل: -هل هذه إشادة علاجية للاستمرار معك؟ تحرك رأس القلم المدبب فوق الأوراق في أنامل الطبيبة حتى نظمت ردًّا: -لا أنكر أن ردَّي المهني لن يكون مغايرًا عن هذا لكن الفرق أن هذا خرج من قلبي. استطالت نظرة سراب معها إلى حد فاصل أنهى مسألة تسليتها بتلك الزيارات. فمن حينها انتظمت كمريضة ورقم إضافي لطبيبتها ستُعالج وبأسرع وقت. **** حين عادت إلى المنزل وجدت أن القصر فارغ وجدها سيلقي خطبة في المسجد بعد صلاة العشاء فلم تهتم وتركت نفسها في السرير فهي تحتاجه. ** صلّى الإمام في المصلين ووقف طالب في مكانه يهتف بهم.. -تقبل الله منكم يا إخوتي، لقد جمعتكم لأمر ما. أمّن الجميع على دعائه فأخبرهم: -لقد علمتم أن ريبال تقدم لخطبة ابنة عمه سراب وتمت الخطوبة لكن الأمر لم يستقر وانتهت على خير. أَسِفت نظرة الرجال فأخبرهم: -هذا ليس موضوعي، لكنني جلبتُ بلال بن علي طليق سراب للإدلاء بشهادة تخص حفيدتي فهو عاشرها ولها عنده شهادة حق. تجلّد صوته وجاهد نفسه على الوقوف وهو يجبر بلال على الاستقامة ويسأله: -ستحلف بالله أمام الجميع وتقر الصدق في كل كلمة خرجت بحق حفيدتي.. هدر صوته مخيفًا وهو يعدد: -ستقسم بالله وتجيب إن كانت قد تمنعت عنك أو جحدت عليك حقوقك، أو إن كنت طلقتها وهي ابنة لم تمس أو كما تناقلت السير في تلطيخ شرفها. كمم فضل فمه فيما نكس سلطان رأسه وبلال يهوي نحو المصحف ويدرأ الحديث عن سراب ويدلي بالحقيقة كاملة: -والله لم تتمنع عني وكانت نعم الزوجة ولقد دخلت بها دون ممانعة. ضاعت الوجوه في خجل وطالب يرفع رأسه عاليًا وهو يسأل: -ولك مثلما فعل يا علياء، ستشهدين بالله أنك لم تخبري النساء يوم زفاف ابنك بكون سراب تمنعت وهجرت زوجها. استطال صوت علياء في المجلس: -أقسم بالله لم يخرج مني الحرف وما فعله ابنك احمد فيّ بالمحاكم يكفي. صمت طالب وتنفس عميقًا فيما يدير وجهه للحاضرين: -ما بعد القسم على كتاب الله شهادة بعد، ومن له كلمة في حق حفيدتي سآخذ حقها منه ولو كان ابني. انتهت الجلسة على خير وحامد يراسل ابنه سند: -ستخطب أختك قريبًا، تعال وقف موقف الرجال بدلًا من البكاء كالنسوة خارج البلاد. جانب طالب في خروجه من المسجد حتى تلاقى بشهم الذي جاء مفزوعًا يبحث عن ريبال: -أين ريبال جدي. وقف لاهثًا يتصبب عرقه فيما يصيح: -أصيل هائج وحاول كسر الباب وضرب العفراء في بطنها **** | ||||||||||
17-10-24, 11:09 PM | #509 | ||||||||||
كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء
| بعد عدَّة أيام غادر وضاح عصرًا الصيدلية بعدما أغلقها دون الحديث مع ثريا التي خاصمته وأخذت مكانًا نائيًا عنه ثم أخبرها بلا مقدمات: -سأغلق المكان لأمرٍ طارئ! ضمت ثريا شفتيها وكبحت تعليقًا متسائلاً وردت: -كما تشاء! ومن فورها خرجت دون كلمة إضافية، شيّع خروجها بأسف ليس كاملًا.. فهو لم يحتمل ما رأى وما يمكن رؤيته أو كتابة سيناريوهاته غدًا، يريدها ولن يخسرها. تبسم و قاد بهدوءٍ حذر بين طرقات البيادر غير المعبدة بشكل يؤذي عجلات سيارته الحبيبة، شق بين الشوارع ووصل إلى السوق الشعبي الخاص بها. تعرج في طريقه حتى وصل سوق العطارة، وعند اسم "الآغا" للعطارة مالت بسمته وصف سيارته عند المكان المنشود، رفع نظارته وهبط يضبط حواف قميصه، عشر خطوات ووصل المكان، حيّا صاحب المكان زوج عمته نجيب الآغا والد" آرام" المتسبب الرئيسي بالكوارث العائلية حاليًا. اقترب منه مبتسماً: -من الجيد رؤيتك يا عماه هنا. ابتسم نجيب وأحضر لهُ كرسيًا يجلسه: -نحن أولاد السوق نمرض إن غبنا عنه.. حياتنا معه كما ترى. أومأ وضاح وجالت نظرته حول الزقاق الشعبي الذي يعج بالمحال القديمة بين أقمشة وعطارة وتوابل، أخبره بأريحية فيما يتشرب وجه نجيب الذي تغطي قسماته الوداعة: -ما دامت صحة بدنك جيدة وعودك بخير لا تحرم نفسك شيئاً. وكان كلام وضاح مفهومًا ووصل الرجل الذي غاب لدخوله المشفى ثم عاد بقوته يخرس الأفواه جميعها، لم يكن يدرك وضاح أن نجيب دخل المشفى بسبب الحريق وليس كما ادّعى سليمان لأجل ابنته. ردَّ عليه نجيب: -لن يغلق المحل.. إلا واسع الرزق وفاتحه. وأقرن قوله برفع سبابته إلى السماء مما أرضى وضاح الذي قال: -بارك الله بك عماه.. أرجو الله أن يؤلف بين قلوبكم.. هذه أرزاق ولن يأكل أحد غير لقمته المكتوبة له. خلاف سليمان ورشيد بات واضحًا ويبدو أن وضاح عرف فيه، تجاذب معه أطراف الحديث حتى جلب عامل نجيب صينية مذهبة خاصة بمحلات السوق عليها كأسي شاي بعروتين ذهبيتين وطبق مليء بالحلوى مدها لوضاح وقال: -إن القلوب إذا صفت رأت.. وأنا تركتها على الله. رشف وضاح من كأسه بعدما تناول معه أحاديث حول زوبعة طلاق آرام ثم بدّل السيرة بعدما رأى امتقاع وجه الرجل. -لقد جئتك بشكل خاص لأنني أدرك جودة منتوجاتك . ضيق نجيب عينيه: -أبشر.. قل لي ماذا تريد؟ أملاه وضاح ما أراد وغادر من عنده وابتسامته الغامضة ترسم حدود شفتيه بحلاوة فنجيب استوصى به وأعطاه فوق ما يريده. غادر نجيب المكان فور توديعه لوضاح. في حلقه لقمة ضخمة لم تهبط، ولم تهضم معلّقة في سقفه. لا يعرف الكلام ولا يهنأ في نومه، لا طعم لمذاق أيامه، حتى ضحكاته بلا روح، بيته بلا رائحة آرام وضحكها خاوٍ على عروشه. لقد عاقبها وعاقب نفسه فيها، كل نظرة متسولة ومتوسلة منها تقتله، يجافيها ويتجاهلها. اليوم قرر أن يعود إليها ويطلب لسانها بالحديث عن كل ما حدث. تباطأت خطواته أمام منزله وقبل أن يدخل هاجمته إيلياء الباكية، انقبض قلبه على الحال ولاقاها بعجلة المتلهف المرتجفة ضلوعه. سألها بخوف: -ما الذي حدث إيلياء؟ لا توقفي قلبي أرجوك. رفعت له وجهًا مبللًا بالدمع وذراعيه على ذراعيها يشحذنها لتتمة الباقي من حروفها والتي ابتدأت بها ملامحها: -لقد كان بسببي، آرام فعلت ما فعلت بسببي. هزَّ رأسه والدماء تتخذ مسلكًا لرأسه وتبدأ بنفخه، انتفخ رأسه فجسده وهي تتبع: -لقد أمسكت بي أحادث مهند وهي خطيبة له وفعلت ما فعلت لتخلصني منه شهقت في منتصف الحديث ولم تنتبه إن ذراعيه اللتين تطوقان ذراعيها بدأت تنتفضان بشكل تدريجي من أول الأنامل حتى المفاصل وكفه تهتز وتتتفض مرتعدة، اكتسى وجهه سوادًا مرعبًا وشفته تميل إلى جنبٍ، أحسَّت بحركة ساقيه وصوتها ينشج عارها: -لقد حمتني منه وضحّت بنفسها، أنا التي أتحمل السبب وليـ.. صرخت حين انقذف جسده كله على الأرض، حذاؤه اللامع يتخبط وسرواله القماشي يتطاير كأنما عاصفة دبت به، طار وعيها وهي تنسكب فوقه: -أبي، أبي.. توضح لها وجهه المتعرق والجارية مياهه فوق وجهه، تلاطمت فوقه نائحة وعماد يلتقط صوتها فهرع ينادي أمه وآرام التي وصلت صارخة مع إطباقة جفنيه عنها. **** انتهى الفصل | ||||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|