10-08-23, 02:42 AM | #85 | ||||||
كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة
| كرومه - افرح - ريجينا فلانجي - د/عين الحياة - سمو الرواد - انسه قهوة - روى القلب - غدا يوم اخر - رحوبه - حميدة حميدة - Arw2 - shoodi65 - رمان الحجاز - نووره - نوااااارري - قاهر الصعب - لا مبالاة - Sozaco - مدار - زهراء ش شكرا لكم جميعا على المرور والتعليق، اتمنى تكونوا استمتعتوا بالقراءة. موعدنا غدا مع الفصل السابع بإذن الله ???????? دمتم بخير ✨ | ||||||
10-08-23, 11:19 PM | #88 | ||||||
كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة
| اللهم ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق. لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله. لا إله الا الله. ( الفصل السابع ) ____ الماضي.. مرّت ثلاث سنوات، انقضت بلمح البصر. بينما تفعل هي كل ما بوسعها من أجلها وأبناءها، ومن أجل تلك الفتاة ( ترف ). بذلت من الجهد ما لن يجعلها تندم، او على الأقل يجعل ندمها أخفّ. فهي قد عضّت بنان الندم مسبقا وانتهى الأمر. ليس هناك عمل يناسب امرأة بسنها وقدراتها ومتاح في ألمانيا لم تقم به، لكنها بالتأكيد جميعها اعمال شريفة. عملت كمدبرة منزل للعائلات الثرية، طباخة، خياطة، بائعة في الكافتيريا، نادلة في المقاهي والمطاعم. لالحاق اطفالها بالمدرسة، كان عليها تأمين مبالغ ليست بالهينة. كان الأمر صعبا عليها للغاية، ندمت كل يوم، كل ساعة، كل لحظة. ليتها لم تفعل ذلك، ليت زوجها اياس لم يؤثر بها، ولم يتمكن من اللعب بعاطفتها ليضعها في ذلك الموقف. لو انها فكرت أكثر، لو امهلت نفسها ووازنت القرارات في عقلها.. لحماها الله وهي في أرضها أيضا، بين افراد عائلتها، في احضان والدتها.. ومع عائلة زوجها الطيبة أيضا. لم يكونوا اطفالها ليتغربوا ويعيشوا هذا الحرمان الذي لا يستحقونه. لكن.. قُضيَ الأمر بالفعل! وهي في اوج غضبها وحزنها وخوفها ارتبكت جريمة تزوير اوراق رسمية، ومرافقة فتاة غريبة عنها برفقتها.. وهو بالتأكيد يعدّ خطفا! لن تعود الآن وتوصم جميع العائلة بالعار. فيصبحون اطفالها ابناء لقاتل معْتصب خاطف، وامرأة هاربة مرتكبة جريمة بحق القانون! كان تحمّل مصائب الغربة أهون عليها من ان يعرف العالم تلك الاشياء عنهم، خافت من أن يتأذى اطفالها، في الوقت الذي نسيَت به أمر ترف تماما! بالرغم من عيشها معهم، الا انها لم تهتم سوى بأبناءها، ولم تفكر إلا بمستقبلهم. كانت هناك ليلة من بين جميع الليالي، هي أقساها عليها وأشدها جرحا وإيلاما. بينما كانت تعمل في احد المطاعم، إذا أتاها رجل ذا مظهر مريب.. وأخذ يتغزل بها ويلقي عليها العبارات الخبيثة، وهي تأتي وتروح تخدم الناس وتقدم لهم الطعام. قبل أن يقترب منها بشكل خاص، يخبرها انها تصلح للعمل في ( ملهى! ). فهي جميلة ذات منظر ملفت للانتباه، وجسدها فاتن للغاية.. ومظهرها أفضل من أن تكون نادلة في المطعم! لم يكن ذلك غريبا على شخص جاهل يشرب الخمر في كل وقت. جرحها ذلك بشدة، وأخذت تبكي طوال الليل.. غاضبة وناقمة على زوجها اياس. كيف تركها؟ كيف هان عليه أولاده! كيف ذهب دون أن يلتفت خلفه! وكيف أجبرها على سماع تلك الكلمات القذرة من فم رجل نظر إليها بشهوة، بينما كل ما كانت تعمله أنها تحاول جنيَ قوت يومها هي وأطفالها، وتأمين مستقبلهما! _____ بعد ٣ سنوات من الغربة والعيش في ألمانيا، وبينما هي تعمل في مركز تدليك خاص بالنساء. لفتت انتباه احدى الزبائن، لتناديها وتبدي اعجابها بعملها. ثم حين وقعت عينا تلك الزبونة على بطاقة اسمها، اندهشت للغاية وسألت: - عزيزة صالح؟ هل أنتِ عربية؟ ام فقط من الشرق الأوسط! ابتسمت لها عزيزة برسمية: - بل عربية. امسكت المرأة بكفها بلهفة: - سعدتُ برؤيتك، بالرغم من كوني ألمانية أبا عن جد، الا انني اسعد كثيرا بمقابلة العرب، ارى بهم جدتي وعائلتها الرائعة، فهم أيضا عرب. أومأت عزيزة دون أن تجيب، وقد اربكتها هذه المرأة الغريبة والرائعة جدا، في قوامها الرشيق وجمالها الفاتن، جلدها كجلد طفل صغير من شدة اهتمامها وعنايتها بنفسها. لم تعرف عزيزة ما كان يدور في خاطرها في تلك اللحظة، ولمَ شعرت بحرارة أعلى صدرها. هل تحسدها؟ هل تحسد هذه المرأة الفاتنة الثرية؟ التي ربما تكون في نفس عمرها. اكملت الاخرى بلهفة: - هناك فتاة تسكن في منزلي أيضا، عربية مثلك. - حقا؟ ابتسمت المرأة باحباط وهي ترى الملل يطغى على عزيزة، وعلمت انها تجاملها غصبا، تنتظر ان تنهي كلامها: - حسنا سأخبرك مالذي دعوتك للجلوس من أجله، أولا سأعرفك بنفسي، اسمي ديانا، احببت عملك جدا، فيديك ناعمتين للغاية وقويتين بنفس الوقت، تعملين من قلبك ولا يلهيك أي شيء، انتِ باختصار جادة في عملك، وكل ما يهمك هو المال، أليس كذلك؟ نظرت إليها عزيزة متعجبة من تلك المقدمة المريبة: - ومن قد لا يهتم بالمال؟ - تتفقين معي اذا! من لا يهتم بالمال سوى شخص أحمق أليس كذلك؟ هههههههههههههههههههه. صمتت ديانا باحراج، لم تضحك عزيزة لدعابتها! اكملت بهدوء: - انا أحب المال جدا، وأحب من يحبون المال، ومن يعملون لأجل المال فقط.. بإمكانك النظر إليّ على انني مهوسة به. - ماذا تريدين؟ - اريدك أنتِ، ارغب بتوظيفك لديّ. - توظيفي في ماذا؟ تمرر ديانا انظارها على المكان: - عمل مشابه لهذا، لكنه ارقى بكثير.. لديّ بعض المراكز التجميلية، في الحقيقة.. امتلك مركزين، بالتأكيد لديّ الكثير من الموظفات، الا انني بحاجة إلى موظفات جديدات، موظفات ليست لديهن أدنى اهتمام بالمشاهير. أومأت لها عزيزة لتكمل: - وكما رأيت بك، انتِ امرأة شغوفة ومخلصة لعملك، ولا أظنك مهتمة بالمشاهير كما قلت.. سأفتتح مركزي الخاص بالمشاهير، أفكر بمنحك عملا هناك.. سيؤمن ذلك مستقبلك، عمل شهر واحد سيكون بمثابة عملك في وظائف كثير لمدة 3 أشهر تقريبا، ماذا تقولين؟ أمعنت عزيزة النظر بوجه ديانا، مهما نظرت إليها تجدها جميلة.. فاتنة إلى حد الكمال. هل لأنها صاحب مراكز تجميلية؟ - ومالذي سيضمن لي صدقك؟ ضحكت ديانا بلطف: - هل تعملين هنا لأنك تثقين بهم؟ غير انك لن تجدي عرضا آخر مثل عرضي، في اغلب الأماكن وهذا ليس بخطأ على الاطلاق.. الأولوية في الوظائف المريحة ذات المرتبات الجيدة لأبناء الأرض، ثم أصحاب الشهادات العليا ممن أتوا من الخارج، وانتِ لستِ ألمانية، ولا أظنك تحملين أي شهادة قد توفر لك وظيفة جيدة، إذن ماذا؟ هل ستعملين طوال اليوم دون أي راحة؟ نهضت ديانا وهي ترى عزيزة مستغرقة في التفكير. لتضع أمامها بطاقة عملها: - لن أضغط عليك، لكنني فعلا بحاجتك.. اتصلي بي ان اتخذتِ قرارك، سأكون بانتظارك. لم يكن هناك داعٍ للانتظار، اتصلت بها عزيزة في نفس الليلة، ووافقت على العمل فورا.. بشرط.. أن تمنحها المرأة مسكنا لها ولأطفالها، مع نصف الراتب فقط. وافقت ديانا على شروطها ووظفتها على الفور، ثم منحتها منزلا صغيرا تملكه.. والذي كان بالقرب من منزلها. هكذا بدأت تلك العلاقة، وهكذا انخرطت عزيزة في العمل.. وأصبحت صديقة مقربة لديانا والدة مارك، وإيما بالطبع. صدقت ديانا بوعدها، ونجح عملها كثيرا حتى وصلت السمعة إلى خارج ألمانيا.. فتمكنت من فتح فروع أكثر. إلا ان المركز الخاص بالمشاهير والتي تديره عزيزة برفقة إيما، كان الـأشهر. أصبحوا جميعا معا كعائلة واحدة. أما هانا، فقد تعرفت على إيما قبل أن تحدث تلك الأمور بفترة طويلة. في الفترة التي كانت عزيزة تعمل بها لوحدها، تعلمت هانا صنع بعض المشغولات اليدوية. وبإذن من عزيزة، كانت تخرج لبيعها. لم يكن ذلك بسبب الفقر بالطبع، بل لتمضية الوقت. فهي لم تكن طفلة مثلها مثل أوس ومارثا، بل بلغت الخامسة عشر. تدرك كل الأمور، وكل شيء واضح بالنسبة إليها. الجلوس بمفردها مع طفلين كان يثير استفزازها، وإن خلدت للنوم هاجمتها جميع الأفكار السلبية والسيئة. لم تنسى والدتها يوما، ولم تنسى جميع ما مرّت به حتى انتهى بها الأمر في ألمانيا. مراهقة مثلها لن تكون داهية لتخطط للانتقام من أحد، ولكن ادراكها للأمور بسبب الصدمة في عمر مبكر.. جعلها تفهم كل شيء. وتقرر انها لا ذنب لها فيما فعل والدها، أو ما فعلت جدتها. لذا بالتأكيد لن تفعل شيء، عليها أن تعيش بهدوء.. لتتمكن من فعل شيء ما في المستقبل. أوس وسما ( مارثا ) أيضا ليس لهما ذنب في أي شيء، لذا لن تؤذيهما.. عليها ردّ الاعتبار كونها مظلومة، لكن دون أن تؤذي الأبرياء. لذا كانت هادئة بالفعل، لكنها في داخلها تصنع شيئا عظيما.. ستفجره ذات يوم، وتقتص من كل من آذاها. في أحد الأيام في الأسواق، بعد ان انتهت من بيع ما جلبته.. وعدّت النقود وهي تبتسم براحة. تفكر إلى أين ستذهب أولا، وماذا عليها أن تشتري لأوس ومارثا. صحيح.. أوس أخبرها انه يرغب بالكتابة مثلها، ومارثا.. تلك الشقية، رغبت بامتلاك دمية بشدة. لم تكن عزيزة لتحرمهم من تلك الأشياء، لكن هي.. ترف ( هانا ) منعتهم من طلبها من والدتهم. وهي تراها تكافح وتتعب من أجلهم كل يوم دون أن ترتاح. وبينما هي تترك مكانها وتسير ذاهبة لشراء تلك الأشياء، هاجمها أحد الأشخاص.. وحاول أخذ حقيبتها الصغيرة التي بها الأموال. الا انها تمسكت بها بقوة وهي تصرخ وتستنجد ليساعدها أحد. لكن للأسف، قبل أن يتمكن أحدهم من مساعدتها.. استطاع أحد أولئك المراهقين من أخذ مالها والهروب. اقتربن منها بعض النسوة يساعدنها على الوقوف، يخبرنها انه عليها الحذر جيدا. أجهشت بالبكاء مقهورة، على الساعات الطويلة التي قضتها وهي تغزل خيوط الصيوف تصنع منها مختلف الأشياء.. حتى انها فعلت ذلك على أنوار القمر بعد نوم عزيزة والأطفال. فقط لتتمكن من اسعاد الصغيرين. ليأتي هذا التافه وأصدقاؤه يسرقونها هكذا. - أعيش هالظلم! قالتها بلهجتها تضرب الأرض بقدمها غاضبة. تسلل إلى أذنها، بل إلى قلبها صوت دافيء أشعرها بالأمان، ذلك الشعور الذي لن تنساه ما ظلّـت حية، لفتاة تقربها عمرا.. تقترب منها: - الحمدلله طلعتِ بنت ديرتي عشان ما أندم على اللي سويته! استدارت إليها هانا لتشهق وهي ترى الفتاة ترفع حقيبتها الممزقة، وباليد الأخرى نقودها. ثم مررت عيناها على الفتاة من رأسها حتى أخمص قدميها وهي تشهق وتغطي فمها بكفيها. شعرها مبعثر، نصفه خارج ربطة شعرها الملونة، وبعضه منزوع ساقط على فروتها البيضاء. كدمة كبيرة زرقاء تغطي منتصف جبينها، الدم ينزل من أنفها وفمها! ركبتيها مجروحتين أيضا، حتى ان بنطالها ممزق! تأففت الفتاة باحباط واقتربت من هانا تدس المال في يدها وتعلق الحقيبة على عنقها: - خذي أشياءك، وقولي لي وين وجهتك خليني أوصلك لا تنسرقي مرة ثانية. أشارت هانا إلى جروحها بحزن: - بس انتِ..... قاطعتها الفتاة وهي تبتسم: - عادي يختي بعدين بعالج نفسي، انتِ مسؤوليتي لين أوصلك بيتك، مشينا. هزّت هانا رأسها محرجة، ثم قالت من أعماق قلبها: - شكرا، ما تدرين ايش كثر تعبت حتى أجني هالكم ريال. - هههههههههههههههههههه تقصدين يورو. ضحكت معها هانا وقد شعرت بالألفة نحو تلك الفتاة، ثم سارت رفقتها متجهات إلى حيها الشعبي الصغير.. مبتعدات عن السوق. حين أبصرت هانا صيدلية توقفت عن السير، وأمسكت بيد الفتاة ثم جرتها إلى هناك والأخرى تعترض. اشترت هانا ما يلزمهما لتنظيف وعلاج تلك الجروح بالمال الذي في يدها، رغم اعتراض الأخرى.. إلا انها أصرّت قائلة انها مدينة لها، حتى وإن لم تتمكن من تحقيق هدفها بتلك الأموال فلا يهم بعد الآن، عليها ان تساعد من ساعدتها. خرجتا سويا بعد أن ساعدهم الصيدلي، وعقم جروحها وعالجها. - اسمي إيما. - وأنا هانا. ____ الآن.. - صدقني لم يكن عليك جلبي إلى هنا، أنا بخير. يتجاهلها مارك ويدخل إلى الحجرة بعد أن خلع حذاءه، وأشار لها بالدخول. لتزفر أنفاسها بضيق وتدخل، ثم ترمي نفسها على أريكة كبيرة قائلة: - ليتك سمحت لي بأخذ بعض ملابسي على الأقل، أرتدي هذا منذ الصباح. - استرخي هانا وخذي وقتك في الاستحمام، سأذهب لأجلب لك بعض الملابس، وسأعود قبل أن تنتهي. هزّت رأسها إيجابا تغمض عيناها بوهن دون أن تنظر إليه، ليخرج مارك بعد أن ألقى عليها نظرة أخيرة متنهدا. عقدت حاجبيها من تنهيدته تلك، ثم وقفت بملامح محتدة تراقب ظهره وهو يخرج ويغلق الباب خلفه. تكتفت تضرب الأرض برجلها غاضبة، لمَ جلبها إلى هنا إن كان ذلك سيزعجه؟ لمَ أجبرها على المجيء! بل حتى لو لم ينزعج رفضها كان أكثر من كافي ليتركها في منزلها هانئة البال مرتاحة. بحركات عنيفة خلعت ملابسها الرياضية ورمت كل قطعة منها في جهة، ثم دخلت إلى دورة المياه بقدمين حافيتين.. وسرعان ما غطست نفسها في حوض الاستحمام. كان جاهزا بالفعل، طلب مارك تلك الخدمة أثناء قدومهم إلى الفندق. استغرقت في التفكير وهي تشعر بعضلاتها تسترخي أخيرا وجسدها يرتاح بعد طريق سفر طويل. كان وجه مارك هو آخر ما رغبت برؤيته في ذلك الوضع، وجود أوس كان كان أكثر من كاف. وإن كان الحديث بينهما قلب المواجع وجعلها تتألم بشدة، تتألم أكثر من أوس ربما. شعرت بالألم يشق قلبها إلى نصفين، لكن ماذا عساها أن تفعل! حتى متى ستكذب عليهم؟ حتى متى ستخدعهم ويظنون انها لا تتذكر شيئا من ماضيها. خيبة أوس الواضحة في عينيه، صدمته.. كيف صُعِق وهو يسمع ذلك الاعتراف منها! ليت الأمور لم تصل إلى ذلك الحد. وليتها هي لم تُجبَر على فعل شيء يجرحهما، أوس ومارثا. بالرغم من انها تعرف جيدا، انها لم تتعمد ذلك على الاطلاق، لم تتعمد إيذاء اي منهما أبدا، منذ ان شعرت انها ترغب في ردّ حقها إليها ان استطاعت. الا ان ذلك لا يمنعها من الشعور بالذنب، ربما لأنها تعرف ما يعني أن يعاني الطفل من خطأ والديه. أن تلوم نفسها وتعتبرها المذنبة، أفضل من أن تراهما يعانيان بسبب والديهما. بعد ان انتهت نهضت وجففت جسدها ثم ربطت الروب على جسدها النحيل، حين وقفت أمام المرآة تذكرت.. تلك المرأة، الجثة.. سرَت بها رعشة وهي تتذكر المنظر، ترى الصورة أمام عيناها، بل كأنها علقت على المرآة، تراها بوضوح تام! بعد حديثها مع أوس وهما في طريقهما من منزل إيما إلى المنزل في الريف، كانت بحاجة إلى استنشاق بعض الهواء المنعش وتحريك جسدها قليلا لتنسى.. هذا ما حصل، خرجت بعد صلاة الفجر مباشرة، بينما الشمس لم تشرق بعد.. قابلت مارثا أثناء الخروج وأخبرتها أنها ذاهبة للركض. لم تشعر بنفسها وهي تبتعد كثيرا عن المنزل، حتى تعبت قدميها وشعرت بحاجة للجلوس والراحة قليلا. كانت هناك صخرة كبيرة، جلست عليها وفتحت قارورة الماء.. لم تكد تشرب حتى رشفة بسيطة الا وقد أجفلت وسقطت منها، وهي تبصر جثة على يمينها! وقد غطتها بعض أوراق الشجر والأغصان. لم تنتظر كثيرا قبل أن تخرج هاتفها وتتصل بالشرطة، والتي أخبرتها بأن تبقى في مكانه ولا تتحرك، وإلا ستٌعاقب. استمعت إليهم هانا، لم تبتعد عن المكان كثيرا.. إلا انها لم تتمكن من البقاء في مكانها. ابتعدت عدة خطوات تولّي الجثة ظهرها دون أن يظهر في وجهها أي أمارات للخوف أو الشعور بالرعب. وظلّت واقفة بصبر حتى امتلأ المكان في غضون لحظات، بسيارات الشرطة والاسعاف وخدمة الطب الشرعي، والريفيون المزارعون منهم والسكان. لم تشعر بنفسها إلا وهي بين يدي شرطيتين، يمسكون بها عن اليمين والشمال يقودونها إلى سيارتهم. وبينما هي تسير، كثرت الأقاويل حولها. الاتهامات التي اخترقت قلبها بكل قسوة، وهم يعتقدون انها الفاعلة.. لذا لم تتأثر، ليست خائفة أو مرعوبة! فقط لأنها تجلدت. حتى رأت أوس، الذي جنّ جنونه وضمها بقوة.. في اللحظة التي كانت هي فيها أيضا بين الوعي واللا وعي. لينتهي بها الأمر في مركز المنطقة، تحدثت إلى أوس.. صعقته بما قالت، ثم أتاهم مارك. فسمحوا لها بالذهاب بما ان الجثة متحللة تقريبا والمرأة متوفاة منذ وقت طويل، فيستحيل أن تكون هانا من فعلت بها ذلك. بشرط أن تأتِ فور استدعاءها، بعد التحقيق والتشريح. الآن.. الله وحده يعلم عن تلك اللحظات المرعبة التي عاشتها، عن أي شعور مرّ بقلبها.. عن حرب ضارية حدثت بداخل قلبها فتمكنت بفضل الله من الخروج منها مهزومة. هو وحده يعلم كم تألمت وقد مرّ شريط حياتها أمام عيناها، وعصفت بها الذكريات بين ماض أليم وحاضر قاس، ومستقبل مجهول. كما فعلت هانا فوق التلة، كما تمكنت من تهدئة نفسها واستجماع شجاعتها لتبعد تلك السحابة القاتمة من على رأسها، وتبعد جثتي والدها وجدتها من امام عينيها. ____ يتبع…. | ||||||
10-08-23, 11:28 PM | #89 | ||||||
كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة
| كما فعلت هانا فوق التلة، كما تمكنت من تهدئة نفسها واستجماع شجاعتها لتبعد تلك السحابة القاتمة من على رأسها، وتبعد جثتي والدها وجدتها من أمام عينيها، كما مثلت أمامهم بالهدوء لكي لا تضعف أمام أوس ومارثا، وتجرحهم بتذكيرهم بما فعل والدهم.. حاولت أن تفعل الآن أيضا. لكنها بمفردها، لا بأس في ان تبكي، أن تنهار وتبكي خوفها ورعبها من رؤية الجثة، تبكي ألمها على نفسها بأن شهدت مقتل والدها وجدتها، تبكي ألمها على خذلان والدتها لها، تبكي شوقها إليها.. إلى عمتها الجازي، خالتها ألماس، تبكي حياتها التي ذهبت سُدى! وهي غير قادرة على فعل شيء. انهارت جالسة على الأرض بجانب الباب بعد أن أغلقته جيدا بالمفتاح، لكي لا يراها مارك إن عاد.. هو آخر من ترغب في البكاء أمامه. شعرت بقلبها يُقتلع من صدرها بقوة، وأعضاءها الداخلية جميعها تضطرب.. فتنهض مجددا تسرع نحو المرحاض. وتفرغ كل ما بجوفها من السوائل، فهي لم تتناول شيئا منذ الأمس.. وحين فرغ كل شيء، شعرت بأن روحها على وشك الصعود إلى بارئها. كل شيء يحرقها من الداخل، يلسعها ويجعلها ترى الموت حقا.. بعينيها الدامعتين المحمرتين. بعد لحظات.. تمكنت من استجماع قواها لتخرج من دورة المياه وهي تستند على الجدار بكفها الضعيفة، شعرت بالمسافة بينها وبين السرير بعيدا للغاية.. إلا انها تحاملت على نفسها حتى وصلت، وألقت بثقل جسدها عليه مستسلمة للنوم الذي رحبت به بحفاوة.. بالنسبة لها، النوم أفضل حلّ لجميع المشاكل في الحياة. تفتح عيناها أخيرا على يد دافئة تمسح على شعرها، تمسد ذراعيها بلطف يمد لها بالكثير من القوة. كانت الرؤية ضبابية، قبل أن تجبر نفسها على الرؤية جيدا، فتنصدم من هويتها.. بل رائحتها جعلتها تتعرف عليها قبل ذلك. المرأة التي تحدثت بكل لطف العالم: - محتاجة تدّعين القوة قدامهم صحيح؟ كنت الوحيدة اللي تقدرين تكونين قدامها على حقيقتك، بكل ضعفك ووهنك، لكن للأسف خسرتيني. وأكملت إيما بابتسامة باهتة: - قلت لك انك مسؤوليتي لين أوصلك بيتك، وأنا على كلمتي ووعدي للحين هانا، أقصد ترف.. صحيح انك خسرتيني كصديقة، بس لا زلت مسؤولة عنك، برجعك للرياض. _____ الرياض - القرية مرّ أسبوعان على زيارته لمنزل مشرفه ( رماح )، وبعد أن أخبره شقيق رماح عمّا حدث قبل 15 سنة، بأن عائلة كاملة قد اختفت.. عائلة أحد اخوته. بصراحة، لم يكن هناك شيء مثير في قصته، أو بالأصح.. لم تجعله يعرف أو حتى يشعر بشيء. سوى عدد السنوات ( 15 سنة ). يعني تقريبا في نفس السنة التي اختفت بها ترف أيضا. لذا.. أمِل فقط، تمنى أن يكون هناك رابط بين الحادثين. بعد أن سمع الآخر يقول بأن إليان متعلقة بالمنزل بشدة، تخاف أن يعود أصحابه فيجدون غرباء يسكنونه.. ربط ذلك الكلام بما قالته إليان، بأنها شاهدة على ما حصل في المزرعة. - ما كان في تحقيق؟ ما دورتوا عليهم زين؟ هزّ ثائر رأسه بإحباط: - ما خلينا مكان ما دورنا فيه، ولا خلينا شخص إلا وسألناه.. حتى انهم ما سجلوا خروجهم من المملكة أبدا، لا أخوي ولا زوجته وعياله، ما نعرف وش صار بالضبط. اختفاء فتاة واحدة من عائلته جعلت الوضع غير عادي، والألم لا يُحتمل.. حيرة لا تُطاق. كيف بهذه العائلة إذن؟ كيف بوالدة الابن الذي اختفى ابنها واحفادها وزوجة ابنها! بدا وكأن القصة انتهت لدى ثائر، لم يعد هناك ما يكمله.. ليربت مسعود على فخذه: - الله يرجعهم لكم كلهم ويطمن قلوبكم. أمّن ثائر على دعوته، وصمت هو يفكر.. يفكر كثيرا. يحاول ربط الأمور مجددا، يحاول إيجاد أي شيء يساعده على حلّ هذا اللغز. الآن وقد مرّ أسبوعين، لم يجدّ أي شيء للأسف. استمرّ بمحاولاته في العثور على أي ملفّ قد يساعده على الوصول إلى الحقيقة بأي طريقة. حين فشل وتعب وملّ من الأمر، وبدأت أمان تسأل عن المستجدات.. ونفذ صبره أيضا، قرر أن يسأل رماح بنفسه، بطريقة مباشرة. ليس هناك أي فائدة من العمل بمفرده وبشكل خفيّ. بعد صلاة الفجر، اتجه إلى متجر البقالة القريب لشراء ما ينقصه. وبينما هو منشغل بالشراء، انتبه إلى حديث الفتى المراهق ابن صاحب المتجر مع طفل أصغر منه: - مين قالت تعطيك اللعبة؟ إليان؟ أجاب عليه الآخر بأن نعم، ليصيح الآخر مستنكرا: - وانت مصدقها؟ هذي الكذابة! - ليش والله وعدتني تخليني ألعب في بيتهم إذا جيت البقالة أشتري لها كل يوم. ضربه المراهق على رأسه: - لا عاد تصدقها، ما تدري انها كذابة ومستحيل تسمح لك! اقترب مسعود منهما مبتسما، يسأل: - ليش كل شوي تقول عنها كذابة! أجابه المراهق بانفعال وقد اختلط مسعود بالجيران مسبقا والجميع يعرفه: - إليان مين ما يعرف عنها هالشيء؟ بحياتها ما تكلمت بشيء صادق، دايما تكذب. عقد مسعود حاجبيه مستغربا، ليخبره الفتى ان إليان ليست فتاة عادية على الإطلاق. سابقا حين كانت طفلة، كانت تترأس عصابة أطفال الحيّ.. بل حتى الفتيان والفتيات الأكبر منها كانوا يخشونها. فهي فظّة وغليظة منذ الصغر، شقية ومشاكسة للغاية.. لديها تلك الشخصية القيادية منذ الصغر. ما جعلهم جميعا يخشونها، عن بكرة أبيهم. حتى بعد أن كبرت وتخلّـت عن الرئاسة، لا زالت تتمتع ببعض النفوذ. ولا زالت تسيطر على الأطفال. الجميع يعرف ذلك الشيء، ربما حتى أهل الأحياء المجاورة.. كبيرهم وصغيرهم. والغريب انها ليست مكروهة، بل يحبها الجميع! والشيء الآخر الذي عُرِفت به، واشتهرت سمعتها.. انها ( كاذبة )! هزّ رأسه مسعود وهو يخرج من المتجر الصغير ضاحكا. عجيبة تلك الفتاة، لم تكن تلك القصة غريبة للغاية.. فهو علِم منذ البداية انها كاذبة! وإلا كيف تعده بأن تأتي بمذكرتها إلى المزرعة، ولم تأتِ بعد وقد مرت قرابة الثلاثة أسابيع! بينما يفكر في ذلك الأمر، وجد أقدامه تقوده نحو المزرعة. طالما انه حسم أمره وقرر ألّا يتراجع، سيذهب للمرة الأخيرة ويلقي نظرة على المزرعة. إلا انه ما إن اقترب حتى رأى مجسما أسودا يسير هناك، ذات اليمين وذات الشمال. قطّب جبينه يراقب المنظر لبعض الوقت، قبل أن تتسع عيناه وهو يتعرف عليها. سار نحوها بخطوات سريعة، لتقف هي حين رأته متجها إليها. وقف على بعد خطوات منها، بتعابير وجهه الغاضبة والحاقدة: - يا كذابة، إليان الكذابة! يبدو أنه تمكن من الهدف، وأصاب نقطة حساسة لديها.. لتشد قبضتها وتطلق عليه نظرات حادة: - إيش قلت؟ ضحك مسعود وهو يسير نحو المزرعة: - مو كلامي، أهل الحيّ ينادونك كذا! - وتعتبر نفسك منهم عشان تناديني مثلهم؟ هزّ رأسه نفيا: - لا، أنا ناديتك كذا لأنك فعلا كذابة.. لا شهدتِ على اللي صار هنا ولا انتِ اللي كتبتِ شيء في مذكرتك، كل شيء قلتيه كان مجرد كذب. تعود بذكرياتها إلى حيث كانت طفلة، الأسلوب ذاته الذي كانوا يتهموها بها بالكذب. يثير ذلك غضبها بشدة، لدرجة انها تعجز عن الكلام.. فتنحني وسط استغراب مسعود الذي كان يعطيها ظهره، ثم حين طال صمتها استدار.. اتسعت عيناه من الصدمة. التقطت حصاة صغيرة من الأرض، وقذفتها نحوه فتمكن من تفاديها بسرعة. ليعتدل بوقفته مجددا ينظر إليها مشدوها: - مجنونة؟ إيش قاعدة تسوين؟ ولا الظاهر هذي عادة عندك؟ - ما في أي شيء بالدنيا يسمح لك تناديني كذا، أو تكذبني مهما كانت الأسباب اللي عندك. - لو كنتِ صادقة ما تهربتِ مني لمدة أسبوعين إلا أكثر، بعد ما قلتِ إنك كنتِ شاهدة وخليتني على أعصابي، لا ليلي ليل ولا نهاري نهار، لو كنتِ صادقة كان جبتِ لي مذكرتك حتى لو اللي فيها مجرد خربشات بما انك بنفسك قلتِ هالشيء، وبدون ما احد يجبرك. تعجبت للغاية من انفعاله، وأصبحت دقات قلبها متسارعة، لتسأل ببطء: - وانت ليش هالقد مهتم؟ ليش هالقضية رافعة ضغطك وتبغى تعرف شيء مضى عليه 15 سنة؟ ولا تبي تثبت نفسك لأحد؟ مثلا تبي ترقية؟ سمعة حلوة لأنك حليت قضية مقفلة عمرها 15 سنة! فتاة صغيرة بحجم حبة الفول، لديها قدرة عجيبة على استفزاز الآخرين! لكن بالتأكيد، هو أيضا ليس بأقلّ منها: - وليش انتِ للحين معلقة على شيء صار من 15 سنة؟ ليش مانتِ قادرة تسمحين للناس تسكن بيت عمك اللي اختفى بنفس الوقت اللي صارت فيه الجريمة! تصنّمت إليان بعد سماعها ذلك الكلام. كيف عرف؟ من نقل إليه سرها الصغير؟ خفق قلبها حزنا وألما على تلك الذكريات التي أجبرها على تذكرها، لتجيب بصوت منخفض: - ما ادري مين قال لك هالشيء، بس ما تقدر تقارن اختفاء عائلة كاملة واللي أفرادها يقربون لي بالدم.. مع قضية تبي تحلها عشان مال أو منصب. احمرّت عينا مسعود بشدة، وارتجفت يده التي يحمل بها أشياء وهو يتذكر شقيقته ولياليها الطويلة من الهمّ والحزن والقهر، وكل تلك المشاعر التي حرمتها من النوم. إليان لا تُلام، هي لا تعرف أي شيء.. لذا لن يغضب، عليه أن يهدأ حتى يتمكن من سحب الكلام منها. حيث انهما وصلا إلى هذه النقطة، وهي تحاول اثارة غضبه بتلك المقارنة، عليه أن يكون صريحا أيضا: - مو عشان المنصب، بنت ................. قبل أن يكمل عبارته، التفت الاثنان نحو امرأة داهمت تلك المنطقة وشهقت وهي تضرب أعلى صدرها بيديها: - إليان! وش قاعدة تسوين هنا؟ بهالمكان النائي مع الشرطي الجديد لوحدكم! نظر إليها مسعود بحدة وهو يدخل يده الفارغة بداخل جيب بنطاله الرياضي. حقا.. المكان صغير للغاية، وكل شيء ينتشر بسرعة.. أصبح الجميع يعرفه ويطلقون عليه ( الشرطي الجديد ) كأنه لا يملك اسم. وربما تداولوا صورته أيضا.. وإلا كيف تعرفه النساء أيضا؟ لتضحك إليان وهي تجيبها بنفس نبرتها العالية: - حرام عليك خالتي أم عبيد، اللي يسمعك راح يشك بأخلاقي.. ايش يخليني أوقف مع شخص غريب عني بهالخلا؟ مسعود خطيبي. فجرت إليان تلك القنبلة، التي لم تدوي على سطح الأرض.. بل برأسه. حتى انه شعر ببعض الشظايا تخترق قلبه، وصوت الدويّ والانفجار تصيبه بالصداع وتزعج اذنيه بشدة. استدار إليها ببطء يحاول استيعاب ما سمع، ليسمعها تقول بصوت لا يصل إلا إليه: - عشان تعرف.. إيش هو الكذب الحقيقي! _____ الرياض ليس وكأنه تجاوز الأمر بتلك السهولة، انتهى من إرضائها.. لكنه لم ينتهي بعد من إرضاء نفسه. لا زال غاضبا مما حصل، من اتهامها له.. من تصديقها كل ما قيل دون أن تستفسر. لطالما كانت سيلين كذلك. ومنذ أن عقد قرانه عليها، لم يمرّ أسبوع واحد دون أن تغضب منه، بسبب أو بدونه. مزاجيتها تلك! كل يوم يرغب بإخراج عقلها من مكانه ويعيد برمجته، علّه يتمكن من تغيير بعض الأفكار السلبية فيها! ينهض من مكتبه وهو يشعر بثقل في قلبه وكل جسده، يشعر انه يرغم نفسه على النهوض والتوجه إليه، والد سيلين! الذي لا يطلبه الا من اجل شي مهم للغاية، سواء يخص ذلك العمل او سيلين مدللتهما! منذ خروجه من منزله، بل منذ الأمس توقع ان يقابله. ليست سيلين من تخبيء احزانها عن عائلتها.. وان فعلت ستخبر والدها على الأقل. حين اقترب من مكتب فايز، كان التوتر قد بلغ اقصاه من ثائر.. بالرغم من ذلك تمكن من التحكم في نفسه وهو يطرق الباب بخفة.. ليأذن له الآخر بالدخول. فتح الباب ودخل يلقي عليه السلام مقتربا منه، قبّل رأسه باحترام ليجلس على احد المقاعد بأمر من فايز: - آمرني عمي. - ما يامر عليك ظالم يا ولدي، اكيد تعرف السبب اللي ناديتك عشانه. شقّ عليه ذلك، ان يعترف بمعرفته بالسبب. على الرغم من جهله الى اي مدى اخبرتهم سيلين.. لذا اكتفى بهزّ رأسه ايجابا دون ان ينطق بأي حرف. نهض فايز من مقعده وجلس على آخر قبالة ثائر، تنهد قبل ان يقول بهدوء: - لو كان الموضوع هيّن ما ناديتك استجوبك لأني اعرفك زين واعرف انك مستحيل تسوي شي يجرح سيلين بهالشكل، خاصة انها قالت لي انكم تصالحتوا وما في شي اقلق عليه، لكن يوم يوصل الموضوع لسيرة الطلاق! اتسعت عينا ثائر وتسارعت دقات قلبه. ليكمل فايز وقد اشفق على ثائر حين رأى تعابير وجهه: - لو في شي ولا مشكلة كبيرة علمني، في حال تكون بحاجة لتدخلي، او حلّها بطريقة نظيفة عشان ما عاد نسمع سالفة الطلاق. ابتلع ثائر ريقه بتوتر وهو يجيب بهدوء عكس العواصف التي بداخله: - لا تشيل هم عمي، ما في شي كبير وحليت المشكلة معاها، مريت عليها في الصباح قبل لا اجي الدوام.. اعتذرت منها وحلينا سوء التفاهم اللي صار. اومأ فايز برأسه: - زين اجل، تقدر تروح. هكذا فقط، انتهى الأمر.. وانتهى الاستجواب الذي اعتقد انه مخيفا، ليتبين انه كان كذلك بالفعل. الآن لن يثق به فايز كما كان في السابق، وسيشك بقدرته على حماية طفلته العزيزة. كيف تمكنت سيلين من فعل ذلك؟ كيف اخبرت والدها بهذه السرعة عن الأمر؟ تحرك شي بداخل قلبه، لا يعلم هل هو غضب ام خيبة من سيلين! خرج من مكتب حماه محتارا ضائعا. بينما كان فايز يراقبه وقد اطمئن بالفعل على عكس ما يظن ثائر في انه بدأ يشك به. اراحه ثائر كثيرا برده. هو خير من يعرف ابنته، عن مزاجها واخلاقها وانفعالاتها التي حتى والدتها لم تتحملها. بالتأكيد واجه ثائر الكثير من نوبات غضبها، لكنه لم يذكرها يوما بسوء. كما فعل قبل قليل، حين قال انه اعتذر ولم يذكر ابدا سبب الخلاف، او يذكر سيلين بسوء. على الرغم من انه كان في موقف يتحتم عليه فيه الدفاع عن نفسه. حين وصل ثائر الى المصعد وضغط على الزر، ثم فتح له الباب وجد شقيق سيلين الكبير، والذي حدجه بنظرة غريبة دون ان يخرج من المصعد. ارتبك ثائر مجددا حين اشار له الآخر بالصعود. وقف بجانبه يحاول ان يبدو طبيعيا بعد ان القى السلام عليه، ويدعو بداخله على ألّا يكون هو ايضا قد علم بالأمر. تفاجأ لمّا تكلم نواف وهو يبتسم: - اعتقد الوالد قام بالواجب وجهك اسود. التفت اليه: - هاااه؟ - سيلين، دخلت علينا امس وهي منهارة وقالت انكم بتنفصلون، بعدها دخلت غرفتها وحبست نفسها.. ما سمحت لأحد يدخل عليها، وطول الوقت ما سمعنا لها حس، ولا شربت واكلت شي. تنهد بضيق وهو يكمل: - كلنا نعرفها زين يا ثائر، ونعرف مزاجها والنوبات اللي تجيها فجأة، هذا وضعها من بعد الحادث.. اكيد انت بعد تعرفها زين كونك رافقتها من طفولتها، بس ما تعرف ايش يصير في البيت. ربت على كتفه: - نعرفك بعد مثل ما نعرف سيلين، وانك صابر عليها ومتحملها كثير، لذلك يا ثائر انتبه.. اذا حسيت نفسك مو قادر تتحملها اتركها بدون لا تأذيها، ما راح نتدخل بينكم لين تطلب سيلين منا هالشي، ندري انها تموت فيك، ومستحيل تقول اللي قالته الا عشان شي قوي. ربت على كتفه مجددا قبل ان يخرج من المصعد يخبره بصمت انهم يثقون به تمام الثقة! ____ اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ____ | ||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|