يوم أمس, 12:34 AM | #351 | |||||
| قبل الأخير... أرجو الدعاء لخالتي وجدتي بالرحمة❤️ والدعاء لإخواننا في فلسطين والسودان ولبنان والشعوب العربية المستهدفة❤️ ———————————————— هناك شيء ما حدث لقلبي... لكـــني "بأمانٍ معك" فوضى.. صخب.. عتامة... صرخات متتالية وزناد خان الأصابع وانفلت من تحتها مُنهيًا كل الألم... ورصاصات تخترق أجساد آثمة تستحق ما نالها وأخرى لم تنل ما تستحق! تقف هي بجسد مخضوض وشفاه مُرتجة تكتم صرخة مذبوحة لو خرجت لقتلت الواقف أمامها ألف مرة -رابحة هل انتِ بخير؟ هل تسمعينني؟؟.. رابحة؟؟؟ طنين ثقيل يضغط على أذنها يجعلها غير قادرة على تمييز حروف سالم الذي تجول عيناه عليها بقلق، حاول أخذ المسدس من يدها لكنها كانت متشبثة كما لو تخشبت على المشهد السابق الذي حدث في لمح البصر سلواها تكمن في أن امرأة مثل رابحة لا تعرف التمييز إزاء شيء يخصها حالما وجدت البأس الذي وقعَ فيه سلطان مع عبد العزيز لم تجد سوى أن تستل المسدس الذي رأت سلطان يضعه في درج السيارة وعندما حانت اللحظة ورفعَ عبد العزيز مسدسه ليُنهي اللعبة؛ أطلقت الرصاصة دون تفكير.. دون ندم.. ولم يرمش لها جفن وهي التي لم تلمس مسدسًا من قبل ولم تعتد يدها إلا على طلاء الأظافر والحنة.. قتلت لا تعرف ما الذي حدث بعد ذلك فقد تبدل وجه سالم بوجه آخر أكثر قلقًا، وجه أخر ناشدته في ظُلمات يأسها فاستجاب -رابحة هل تسمعينني؟ هل أنتِ بخير؟.. سالم اذهب انت وأنا سأعتني برابحة.... عدي تعالى وقُد السيارة ولم يُزد أكثر من ذلك واتجه ناحية السيارة التي أطلقت منها رابحة وخرجَ من الموقع وسط رصاصات متبادلة من رجال عبد العزيز ورجاله وعلى رأسهم سالم استقر عدي خلف المقود وسلطان بالخلف بجانب رابحة المذعورة، أول ما التقطه بصرها كان وجهه المدرج بالدماء وملابسه خاصةً نُقطة معينة في صدره كانت أكثر قتامة، ينساب منها الدم بغزارة صرخت ملتاعة حينما ضربها الإدراك وغطت فمها بيدها وأعينها تنضح من الزعر ومن شفتيها خرجت الحروف متقطعة مُلغمة بالبكاء -هل هذا صنع يداي؟؟؟ هل الرصاصة التي ضربتها جاءت بك أنت؟!!!! -لا لا لقد ضربني الحقير قبل ان تستقر رصاصتك في قلبه.. إنها مجرد جرح سطحي أنا بخير كما ترين وهذا بفضل الله ثم أنتِ ثم واقي الرصاص قاطعها قبل أن تنهار أكثر وأمسكَ كتفها بيده السليمة وقربها منه أكثر وهمسَ في أذنها بهدوء بما لا يتماشى مع خطورة الموقف من حولهم -اهدأي يا حبيبتي اهدأي لقد كان الجو العام أي شيءٍ إلا الهدوء، رمشت بعينها توازن صدق حديثه وسرعان ما انفجرت بانهيار -لقد قتلته!! لقد قتلت شخصًا يا سلطان .. يا إلهي ما الذي فعلته.. أنا لم.. لم.. لا.. لقد قصدتها بالفعل .. لقد رفعت يدي وقتلت شخصًا.. هل سأذهب للسجن؟... لا أريد الذهاب للسجن يا سلطان أرجوك لا تدعني أذهب إلى هناك رفعت عيناها الممتلئة بالدموع إليه وناشدته ليحاوط كتفيها بذراعه السليمة، شعرَ بانتفاضتها القوية ليضغط أكثر ويقربها منه قائلاً بنبرة حازمة لكن مراعية -رابحة اسمعيني جيدًا ما فعلته هناك كان عملاً بطوليًا سأكافئك عليه لاحقًا.. ولا لن تذهبي للسجن ولن أدع أحدًا يمس شعرة منك هل فهمت؟؟ لم ترد لكن زادت دموعها أكثر، ليلعن هو تحت أنفاسه لمرأى دموعها بينما هو لا يقدر على إيقافها -لكني قتلت نفسًا.... صوتها الخفيض جعلَ صدره يلتوي بألم ليجيبها بنفس النبرة القوية -كانت تستحق.. انظري إليّ في عيني وأجيبيني.. هل كنتِ ستتركينه يقتلني؟ صُدمت ولهذا أمسكت عن الحديث وهلة قبل أن تقول قطعًا -لا.. لا أبدًا فليمت هو ألف مرة... ألف مرة.... تردد صدى اضطرابها في ارتجاج شفتيها ويديها وهي تكرر الكلمات مرارًا وتكرارًا، شملها سلطان بنظرة تفحصية مشفقة قبل أن يجذبها أكثر لحضنه مشددًا ذراعيه حولها هامسًا بحروف من أبجدية الخيال -رابحة.. رابحة اسمعيني ...لا تقلقي لقد انتهى كل شيء... أنتِ بأمانٍ معي استقرَ رأسها على صدره وعيناها شاخصتان في الفراغ تُكرر الكلمات من بعده بقلب معقود بتعويذة سحرية فكل شقاء في حضوره راحة -بأمان... معك ثم أغلقت عينيها تحميهما من شظايا غبار واقعها الذي خلفه العالم الذي يتعارك خلفها بقسوة ******* هناك قلوبُ للحب تشقى وقلوبُ بالحب تشقى! ولكن قلب نهاد كانت نبضاته تتسارع بصفة غير منتظمة تنظر ناحية هاتفها بتركيز شديد من كتر الضغط الذي تمارسه في التركيز أدمعت عيناها والعرق يتصبب من جميع جسدها، تلهث بقوة ثم على حين غرة أخذت تتمايل بحركات منتظمة خلف الأغنية الحماسية، تعقص شعرها القصير في ربطة قصيرة وترتدي سروالاً ضيقًا من خامة معروفة بـ"الليكرا" أو "الليجن" وفوقه صديريه رياضية تقف بعد صدرها مباشرة.. كان هذا أول تمرين لها وقد أرادت أن تقوم به وعدي بالخارج يقوم ببعض الأعمال التي أبى أن يُطلعها إياها لكنها لم تهتم كثيرًا بالطبع يعني لن يكون ذاهبًا لمهمة انتحارية أو معرضًا نفسه للخطر كانت لتعرف لأن حدس الأنثى لا يكذب حدس الأنثى دائمًا على صواب وإن كانت ستفكر بسلبية تجاه عدي فهو أنه سيتخذ موقف أقرانه من أخيه وابن عمته ويتزوج عليها وحينها ستبكي وتتطلق منه نعم... فهي ليست بدور التي أخذت وقتًا لتُميز العلة ووقتًا أطول لمداوتها مداواتها ولا رابحة التي قسمت سلطان نصفين وبقى يهرول خلفها يتوسل النظرة ويتمنى الكلمة! إنها أرق من ذلك امرأة تُكسر بسهولة لهذا كان يجب لها أن تتوسد صدر رجل يتعامل مع رقتها كما يتعامل صانعي التحف مع أعمالهم بدأت العشرون عدة بطلوع النَفس وقلبها يتسابق مع أنفاسها حتى ظنت أن روحها تسكن حلقها -سحقًا لماراثون الكارديو والإسكواد.... سأحاول إقناع عُدي بوجوب وجود عدة دهون لأنها هي من تصنع المرأة ولأكتفي من هذه التمارين الغبية... زفرت بضيق وهي تثني ركبتيها وتميل بجسدها لأسفل ثم ببطء تفرد عضلاتها لأعلى، استقامت كليًا وتوجهت ناحية الهاتف لتغلق الأغنية مُعلنة عن توقفها لهذا الحد -الله الله الدنيا تقوم وتقعد في المطبخ وانتِ هنا تتمايلين حتى زوجك ليس هنا -كيف دخلتي الحجرة..!! هتافها كان مصدومًا من ثريا وهي ترى وقاحتها في اقتحام غرفتها هي وزوجها دون استئذان ولكن الجواب كان أكثر وقاحة، فقد قلبت ثريا عينيها واستندت على الباب قائلة بسخرية -هذا ما همك من الحديث كله؟؟؟ أمامي هيا لنرى كم أنتِ بارعة في المطبخ يا ابنة المدينة نظرات نهاد المستفهمة والمتعجبة جعلت ثريا ترفع حاجبها وتدخل لتجذبها من ذراعها عنوة وتجرها خلفها ناحية الدولاب -غيري قميص النوم الذي ترتديه واتبعيني هيا لن أبقي صامتة بعد اليوم على ما يحدث في بيتي وخاصة تحت سقف هذه الحجرة بالذات.. لقد أخذتي ابني مني ولن أغفرها لكِ أفلتت نهاد ذراعها منها وارتدت خطوتين للخلف وعينيها تطلقان شرارات حادة من فرط غيظها -أولاً لا يحق لكِ أن تدخلي غرفتي بهذا الشكل سواء كان زوجي موجودًا أو لا وأنا أعلم جيدًا أنكِ لن تفعليها وهو معي.. ابتلعت ريقها وجسدها كله يختض من صوتها العالي كأنه هو الأخر متفاجئ من قدرته على الوصول لهذه الطبقة -أنا أحترم رغبة ابني فقط بوجودك هنا... ضيقت عينيها حتى صارت أضيق من خرم الإبرة وأكملت في غل واضحة كلماته - أنا أعرف أمثالك جيدًا لقد أوقعتيه في شباكك حتى استسلم... قلتِ له مال وجاه وورث لو أراد لاشتراكِ بعائلتك ومدينتك بأكملها وأهله ليسوا في الصورة... لكن هذا بعينك يا ابنة المدينة لن أتركه لكِ مادام في نفس... سأحميه منك مهما كلّف الثمن... ألقتها الكلمات المسمومة في دوامة لا قاع لها، رمشت بعينيها عدة مرات تستوعب لكنها لم تستطع أن تتخيل وجود شخص بكل هذا الحقد الذي ينضح من عيني ثريا لم تكن تفهم ولا تعي ما تفعله لكنها سعيدة كون شخصيتها الجديدة طرحت أرضًا ضعفها القديم.. اقتربت منها وضحكة سخرية تزين شفتيها، أعينها الحادة تحكي مصرعًا أخر لذلٍ عاشته، مدت يدها اليمنى في نية لمصافحتها بينما اليسرى تضع حفنة من الشعر خلف أذنها بصلف -دعينا نفتح صفحة جديدة يا حماتي ولنبدأها بنصيحة أرجو أن تتقبليها بصدرٍ رحب كوني زوجة ابنك وفي مقام ابنتك التي لم تلديها كما كان حلمك قبلاً... صمتت وابتسمت بظفر وهي تراقب ملامح ثريا التي اشتعلت إزاء ذكرها لحُلم الفتاة الذي لم يتحقق كونها أزالت الرحم بعد ولادة عُدي -البيت ليس بيتك بل هو بيت جدي كامل وشيخ القبيلة من بعده هو من سيرثه هذا ما ينص عليه قانونكم الذي كانت رأسنا لتنفلج لكثرة ذكركم له لذا بموجب هذا القانون لا يحق لكِ طردي أو إبداء النية في ذلك لأنني لن أصمت! وحينها لن أخبر عدي فقط بل سأخبر جدي على كل شيء فعلتيه معي أو مع رابحة....ثانيًا وهذا الأهم ...هناك علاقة بين الزوج والزوج لن تفهمها أم لا تعرف عن الاحتواء معنى مثلك ... ولذا وهذه للمرة الثانية لن تستطيعي أن توقعي بيني وبين زوجي لأنه ليس مثل سلطان ... كان صدر نهاد يعلو ويهبط بصورة غير منتظمة وبينما لا تزال يدها مرفوعة وملامحها حادة كانت الحنين يُغرق عينيها في بئره -لن تفهمي أبدًا!! وكيف؟!! وعدي لم يجد سوى حضني أنا؟ أصابعي هي اللي داعبت شعره عندما خسر وظيفته...كلماتي هي التي واسته عندما ثبت أن الحمل كاذب.... حضني كان مرساة سفينته التائهة.... -أنا أمــــــه.. هل تفهمين!! الأنثى الأولى في حياته مهما تزوج من النساء أربع ومهما حدث بيني وبينه سأظل أمه كانت الكلمات تخرج من بين أسنانها توازي حرقة صدرها وعينيها، لا تعرف ثريــا هل كانت الدموع لأنها تخدع نفسها بأنها على حق؟؟ أم لأن كلام نهاد ضغط على وتر حساس وارته خلف رجوعه إلى حضنها؟! الابتسامة الساخرة تحولت إلى أخرى جامدة، عينيها تقول الحقائق المتأخر مجيئها على اللسان وقد آن أوانها -هذا لو كان لكِ خاطرًا بقلب ابنك ولم تكن ذكرياته معك هو نبذك له في أشد أوقات احتياجه...على الأقل كنتِ جئتِ مع سلطان لزيارته لكنكِ اخترت الطريق السهل.. كما اخترته وهو يخرج من هذا المنزل ولم تشفقي عليه بنظرة!!... أنا لا أنكر أنك والدته لكــن لا تتمادي في نسب ذكريات ليست لك عقدت يدها لصدرها وشفتيها تلتويان بقسوة -لذا يا أم زوجي أي منّا سيهرع عُدي ليرتمي بحضنها؟ كانت هذه أخر كلمات نهاد قبل أن يغزو سمعها صرخة مدوية مصدرها كامل ... ******* لم يكن الجميع يحصل على يوم هادئ لكن يوم كامل كان الأكثر صخبًا وبشاعة على الإطلاق، ربما يكون يومًا سيئًا إن لم يكن الأسوأ وهو يرى مقطع مصور من الألف للياء لموت ابنه "سلطان" ولم يكن القاتل سوى عبد العزيز بالاتفاق مع محمد ابنه!! أصابعه المُجعدة تقبض على الهاتف بقوة وعيناه مُثبتة على الشاشة وأذناه.. يا ويله مما يسمع ويرى في عمره هذا وبقلبه الضعيف الذي أوشك على التوقف عدة مرات، ومع كل صرخة نهاية وكل ضحكة شريرة انبعثت احتفالاً بتلك النهاية سيكون ملعونًا من يُخبره أن محمد لا يد له في الأمر، بل هو يعرف ابنه جيدًا ويعرف تمام المعرفة أن هذا السواد قد يخرج منه.. دمعة خانت قناتها وهربت لتصطدم بخشونة وجنتيه وأخاديدها المنكمشة، كان المقطع المصور مبعوثًا من رقم غريب على تطبيق الواتس-أب ظنه في الأول لسلطان لوجود صورته كصورة شخصية للحساب لكن بقراءة النص الذي أسفل الصورة تأكد أنه لرابحة فسلطان بالتأكيد لن يكتب "رجلي الأوحد وحبيب عمري كل دقات قلبي تُنادي اسمه وفمي يناديه سيدي" هزَّ رأسه نفيًا وعاد المقطع عدة مرات ليضربه الإدراك بالذي لا مفر منه" ابنه محمد قتل أخيه الصغير سلطان لأنه طمع في نصيبه في مشيخة القبيلة من بعده" تركَ الهاتف من بين يده ليتهاوى إلى الأرض، كان الأمر أشبه بتهاوي مشاعر الأبوة من شاهق التربية، ألمه ألمان؛ أحدهما لموت ابنه الشاب والأخر لأن ابنه الأخر قاتل وطماع و كل الصفات السيئة التي يمكن أن تلتصق به، والحسرة الحقيقة في الأمر هو أنه يعلم كونه السبب الرئيسي لهذا العداء وجريمة القتل -يــــا رب خرجَ ابتهاله مبحوحًا، ضعيفًا يرفع يديه للسماء مناجيًا الإجابة لكنها لم تأتي حتى ولو بنطفة ارتياح لقلبه… كان الفيديو مؤلمًا بفظاعة لكن ذكرياته كانت الأسوأ على الإطلاق منذ عدة سنوات -تعال يا سلطان واجلس بجانبي أشار كامل لابنه وابتسامة رائقة تتفلج على شفتيه، وما إن شعر بكتفه قرب يده المرفوعة حتى ربت عليه وقال والفخر يملأ صوته -كنت ولازلت ابني المطيع الذي لم يحد عن دربي دوماً ولهذا أنت تستحق أي شيء وكل شيء بتلاشي غموض كلمات والده تلاشت تقطيبة حاجبيه ليرتفعا في إدراك مشدوه -شيخ كامل.. همسه الخافت تضاءل في أخر الحروف، ومع بسمته أدركَ سلطان القادم -بل أبي يا سلطان.. أبي قبضَ على عصاه وقد تمكنت الجدية من ملامحه موحية بأهمية القادم -لقد وصيت لك بمشيخة القبيلة بعدي وكتبت لك قطعتي الأرض اللتين كنت تريدهما.. ارتفعا حاجبي سلطان في دهشة ما لبثت أن ترجمها في قوله القادم -ولكن هذا كثير يا أبي فعادل له الحق بالمشيخة من بعدك -عادل لا يحب أمور السيادة وسيتمرد على عادات القبيلة التي رسختها العائلة منذ سنوات ومحمد جشع سيضيق الخناق على أسياد القبيلة وسيغالي في تطبيق القواعد... أنت من يشبهني وأستطيع أن آمنه على منصب كهذا من بعدي... ربتَ كامل على كتفه في حنو وأكمل وهو ينظر لنسخته المصغرة -عدلك هو ما سيجعلك في المقدمة، لا تحني عقلك لقلبك... فللقلب سُلطة تُلقيك في آبار الندم بعد ذلك تمتم سلطان وهو ينخفض ليقبل يد والده في احترام -لك مني ما عهدتني عليه يا والدي.. -جَمعٌ مبارك هل لي بالانضمام؟ قالها محمد بابتسامة الذي دلف من عتبة الباب ليُشير له كامل بالتقدم فيما يزف إليه البشارة -تعالى اجلس معنا يا محمد وبارك لأخيك قال محمد فيما يجلس ويضم عباءته إليه -مبارك يا سلطان لكن فيم يكون؟ الفخر الذي اعتلى وجه كامل ويده التي حطت على كتف سلطان جعلَ البسمة على شفتيه تتهدل حتى خبت مع كلمات والده التالية -سأعلن المجلس القادم عن حق سلطان في مشيخة القبيلة من بعدي شتان بين ملامحه الذي أتى بها وبين التي احتلت وجهه الآن!! فمه الغليظ انقلب في خط مستقيم وضيق بين حاجبيه كأن عدم التصديق لا إراديًا لوّن وجهه بتعابير قاسية -كيف يا أبي والمشيخة لا تكون بالوصاية بل بالانتخاب!! ستقلب علينا أسياد القبيلة ونحن مازلنا لم نسيطر على تمردهم جميعًا بعد حوّل كامل انتباهه لمحمد الذي بدا كلامه منطقيًا لكنه لم يكن هو الأخر بالغر الساذج فسنوات عمره لم تضع هباءًا في النوم أو التسكع بل كان يترأس قبيلة بها عشرات الأسياد وقوانينه تسير كسيف على الرقاب -لا تقلق لقد أخذت مشورتهم والجميع بخير مع هذا القرار هنا لم يتمالك محمد غضبه وتحدثت غيرته نيابة عنه -ستفتح علينا بابًا حمدنا الله بعد أن أغلقناه لن يتركنا الأهالي وأبناء القبيلة ومن في سن سلطان -إذًا أنت اقترح إلى من تكون المشيخة من بعدي لم يستحِ لا لأبيه ولا لأخيه الذي لم ينبس ببنت شفه منذ أن شرفهما بحضوره الطاغي الجالب للمصائب مثل هالته المحيطة به، التوت شفتاه في صلف وقال شامخًا برأسه كأنه يُقر حقيقة واقعية وليس اقتراحًا وقحًا -اختر ماشئت من أبناءك لكن لـ.... -وكأنني لم أعرف غمغمَ بها سلطان مقاطعًا بابتسامة واسعة أفقدت أخيه الأكبر رونق انتصاره ارتعشت قبضة محمد بجانبه وهو يرى استهزاء أخيه، كزَّ على أسنانه وتشدق -اسكت أنت يا صغير والدك ودع الكبار ينهون حديثهم.... اسمع يا أبي بالكاد أسكتنا المعارضين على قرارتنا الأخيرة ولكن فكر في الموضوع جيدًا فسلطان لايزال صغيرًا ولا يدرك معنى سيادة القبيلة والقيام على شؤونها... سيستاء كبراء الشيوخ من توليّ صغير جاهل عليهم وحتى لو كان صغيرًا على الأقل يكون عارف بأمور القبيلة وقادر إمساك مقاليد الحكم ومن بين جفنيه اللذين ضيقهما أردف كامل ببحة -وهذا الرجل أنت صحيح؟! ردَّ محمد ظهره للوسادة خلفه واضجعَ عليها مُقرًا بثقة -أنت سيد العارفين يا أبي وأكثر عقلانية من أن تحكمك العاطفة أو يتسيّدك قلبك امتزجت الوضاحة بالوقاحة في حديثه فقد كان يُشير لأن كامل يُفضل سلطان على البقية ولهذا يترك له نصيب الأسد من التركة، وعلى عين محمد أن تُنتزع منه مشيخة القبيلة... فليأخذوا زوجته وبناته ويتركوا له المشيخة على الأقل النساء الثلاثة لا فائدة منهم ولا رجا! ولأنه كذلك كان يعرف أن مشيخة القبيلة مع محمد تعني هلاك سمعة العائلة وليشمت به بنو سليمان والبقية... ضيّق كامل عينيه على محمد الذي يُداعب المكر خلجاته ويعلو بباطله فوق حق والده.. انتظرَ أن يسحب ولده كلامه لكن لم يحدث بل بقى يُحدق فيه بتحدٍ سافر بنفس الصلف وبطرف عينيه يتوعد لأخيه لقد رآه.. كان هناك تحاوطه المخاطر... قمة عالية... وجسد يُفارقها تاركًا أحلامه وأمانيه تتهشم على صخرة الغدر.... عيون تنضح بالخوف من قرب النهاية... وزعر يفتك بقلبه.... ثم صرخته الأخيرة التي تهز القلوب وهو يتهاوى من فوق الجبل.... بينما يقف رجلاً يُخفي من لثام وجهه عينين تنضح بظفر لا يعلم أنه مؤقت طالما سلبَ حقًا ليس من حقه بينما يرفرف شاله المميز من خلفه المنقوش بالذهب حرفي "ش،م" نسبة إلى "شيخ محمد" قبل أن يقرر ألا يرتديه بعد هذه الواقعة لقد رآى كل ذلك في عيني ولده لأخيه الصغير، لكنه في النهاية طرق بعصاه أرضًا ووقفَ منهيًا السجال البارد وأنهى الحديث بكلمته التي تسير على الرقاب دون نقاش -لقد أوصيت بالمشيخة لسلطان من بعدي وليجرؤ من يناقشني في كلمتي ليته ناقشه مرة أخرى قبل أن يقتل أخاه... عودة عيناه شاخصتان في الفراغ والهاتف يسقط من قبضته الهلامية، الألم يتوغل داخل صدره ويتفشى في شرايينه، لو أنه أمسك لسانه عن محمد لكان سلطان بجانبه الآن لأبقى عينيه عليه ولم يكن أحدًا ليجرؤ على إلحاق الأذى به... لو.... حرفان اخترقا عقله فجمداه، وسمما قلبًا فقتل.... تهدلَ جسده على الوسائد وغصة بكاء تنفلت من حلقه المقهور -سلطان.... ولدي لولا صرخته العالية لما جاءت عليها نهاد التي وجدته مُلقى أرضًا بلا حركة وفمه يتخذ وضعًا غير طبيعي أفزعها -جدي... جدي... أجبني هزته برفق وبعنف ولم تأخذ منه سوى السكون لكل موارده الحيوية... دلفت والدة زوجها وأول شيء فعلته وهي ترى الرجل لا يصدر نفسًا هو الصراخ وبسرعة ودون تفكير التقطت هاتفه واتصلت بأخر ما تردد على شفاهه قبل أن يسقط.... ******** بأمان معك نعم هي لا تعرف ما الذي كان ينويه سلطان بأن يعرض نفسه لكل هذا الخطر؟ ولا تعلم ما الذي لحقَ بعبد العزيز بعد أن رشقته برصاصة يزعم زوجها أنه دفاعًا عن النفس ولا كيف بقيت قطعة سليمة ولم تفقد عقلها بعد حدوث كل هذه الدراما ولا لمتى ستبقى على هذه الحالة المصدومة الشاردة وهي بين ذراعي سلطان الذي يحملها كأنها لا تزن شيئًا ويخط بها عتبة منزل لم تعرفه قبلاً هذا الرجل يسيطر على كل خلية بها فيجعلها تتساءل في خضم مشاعرها المرتبكة "أي ذراعين تكون أمانٍ من بعده" -ها أنتِ ذا.. سأعود إليكِ في الحال تمتمَ وهو يضعها على الفراش برفق كأنها يخاف لو ضغطَ عليها أكثر ستنكسر بين يديه، تابعت ظهره وهو يبتعد بعينين متعبتين وظلَّ نظرها مثبتًا على الباب الذي اختفى خلفه ليعود بعد دقائق حاملاً مشروبًا ساخنًا وضعه على الطاولة بجانبها -اشربيه ثم سأحممك وبعدها تخلدي للنوم وأنا سأكون هنا بجانبك صوته الهادئ جعلها ترفع بصرها غير مصدقة ما تراه!!، هذا الذي أمامها منذ ساعات كان يرعد ويبرق مهددًا بغضب كأنه يملك الصحراء التي كانوا بها، هذه اليد التي حملتها برفق وصنعت لها المشروب الساخن لم تكن بهذه الخفة والحنو حينما كان يصوب السلاح على رأس أحدهم... لــن تنكر أنها تعشق سلطان ورجولته المهيبة لكن في لحظة من الوقت ظنت أنها لا تعرفه!... لا تعرف ابن عمها وزوجها وقبل كل هذا حبيبها -دعك من كل هذا وأخبرني هل أنت حقًا سلطان؟ رغم سخافة السؤال ارتفعَ طرفي شفتيه في ابتسامة وأجاب وهو يمد الكوب الذي تفوح منه رائحة النعناع نحو فمها -نعم أنا هو بشحمه ولحمه سلطان العظيم وهل يسع هذه الدنيا اثنين سلطان؟!! أبعدت الكوب بيدها في رفض وأردفت -لا يكفي أنت... فوحدك قادر على أن تعيث فسادًا بالكون بأكمله وضعَ الكوب جانبًا، والتفت لها موليًا انتباهه لها، يحتضن عينيها بعينيه، ربما لو كانت الحروف ماهرة كفاية على وصفه ما تدخلت الأعين في لقاء محموم بالمشاعر الغير منطوقة -هل تعترفين أنني عثت فيكِ فسادًا...؟ ابتعدت شفتيها في دهشة عندما مرَّ بها الإدراك بمقصد حديثه، وهو ابتسم بدفء وقد نجح في تشتيتها أخيرًا -اقتربي -ماذا؟ وبأنفاسٍ مأخوذة فتحَ ذراعيه على وسعهما أما هي فقد بقيت عدة ثوانٍ مأخوذة الأنفاس مما تراه؛ الابتسامة الدافئة التي تراها أول مرة تعتلي شفتيه، كما أنها تعلم كل العلم أنها إن دخلت كنف هذين الذراعين القويين لن تريد الخروج أبدًا أبدًا وجدها متسمرة مكانها فقام هو بسحبها لتصطدم بصدره العريض بينما هو يحتضنها بقوة كأنها غريبة عن هذا العالم وأن المكان الصحيح لوجودها هو هنا.. في حضنه فقط! -رابحة! نطقَ سلطان بحذر عندما لاحظ رعشة يديها واختلاج فمها -هل أنتِ لم يكد يكمل جملته حتى صدحَ في الأرجاء همهمات يتبعها صوتٍ باكٍ حتى شعر هو بدموعها تصطدم بكفه المرتكز على وجنتيها -يا إلهي سلطان هذا .. هذا ما كنت أحتاجه.. لا أريد شيئًا.. لم أرد شيئًا من الأساس كل ما حلمت به أن أكون بين ذراعيك فقط وليحترق العالم بعدها...والآن جاءت ضمتك لي متأخرة بعدما احترقت أنا.... -أنا أسف جاءت جملته مُحملة بالأسى وهو يُقربها منه أكثر محكمًا ذراعيه حولها -لا ألومك لقد تجاوزنا هذه المرحلة ولا أريد الرجوع للماضي مرة ثانية يكفي ما عانيناه سابقًا.... هذه المرة هي من قامت بإسناد عينيها على خاصته بنظرة ترجمت كل أمل، وبدأ يداها بالزحف نحو وجهه لتقول بنبرة مختنقة -الآن لا أريد شيئًا سوى البقاء هكذا حتى ينتهي العالم، لا تُفلتني من حضنك وأنا لا أخرجك من قلبي.. ليبقى كلًا منا بجانب الأخر مهما حدث.. لنتناقش.. لنتحدث لا نبتلع الأمور في صدورنا ونسير غافلين عن لحظة الضعف التي ستكشف كل شيء وحينها لن تكشفه هدوء سيكون الأمر أشبه بفوران البراكين لكن الفارق أن مشاعرنا لن تهدأ حممها أبدًا.... ضغطت على وجنتيه بينما هو كان هائمًا في حروفها لا يعي ما حوله إلا وجهها الباكي وشمسيها اللتان تشعان بدفء يتردد صداها في قلبه -كدت أفقدك اليوم.... يا إلهي سلطان... كنت ستموت وتتركني مثل جدتي تهاوت أخر ذرة ثبات ليتحول بكائها لنحيب ويمر هو به الإدراك لاذعًا في المنحنى الذي كان يلتف حول رقبتها كل هذا الوقت!! لقد جعلها تشعر بنفس المشاعر التي شعرت بها يوم وفاة فاطمة... -في اليوم الذي اعتقدت فيه أن القدر ابتسمَ لي ليمنحني فرصة أخرى لأكتشف أن هذا لم يكن سوى سراب والثمن لأعيش حياة جديدة هو حياتك!! شعرت وقتها أنني خسرت كل رغباتي في العيش أصبحت روحي صماء بكماء وقلبي الذي يتحرك داخل صدري لم يكن ينبض كان ينتفض ألمًا لاعتقاده أنه فقدك... شعرَ بمعدته تتلوى من الهلع في صوتها التشتت والضياع الذي يحف عينيها تمنى في هذه اللحظة أن يبكي ألمها، تمنى لو أن شمسيها لا يتلطخان بدموعٍ أبدًا ارتجت شفتيه بينما يطبع قبلة على جبهتها ليأتي صوته الهادئ محشرجً بعدما جاهد لاستعادته -أنا أسف أنا السبب في كل هذا أعدك من هذا اليوم... لا هذه اللحظة أن كل ما ينغص حياتك لن يكون له وجودك.. فقد أشيري وأنا أنفذ.. احلمي وأنا أحقق.. ابتسمي فقط وأنا سأقلب هذا العالم كله رأسًا على عقب حتى تحتفظي بتلك الابتسامة.. تنهدَ عاليًا ووضعَ جبهته على خاصتها كأنه أراد أن يتعانقا بكل شبر يمتلكانه -لست فارسًا ذو سيف لامع، ولا الشخص المستقيم الذي لا يحيد عن الطريق لكل منا أخطائه ونقاط ضعفه.. لكن أنا أعدك أنني سأكون لطيفًا معك أكثر من العالم... سأحبك أكثر ... سأمحو خوفك قبل أن يتسلل لقلبك نزلت منها دمعة أخير لا تماثل البقية، كانت هذه استرخاء، تنهيدة في نفق كان مليئًا بالصراخ.. -أنا لا أخاف أبدًا فأنا بأمانٍ معك ثم أغمضت عينيها لتستكين على صدره ملاذها أمانها وللوصول إليه لم يكن الأمر هينًا أبدًا عانت الرابحة لتفوز بالسلطان ولكن بعد وقتٍ طويل وهي مستكينة في أحضان زوجها نائمة تحلم برغد العيشة التي تحققت بعد استحالة غامضة، كان العالم بمثل هذه السماجة ليقطع عليهم هذه لحظة الاعتراف المفعمة بالأشواق برنين هاتف أرادت رابحة أن تكسره أو تلقيه خارجًا حتى يكف عن إصدار تلك النغمة المزعجة تحرك ذراع سلطان ليتفقد الهاتف وما لبث أن رأى اسم المتصل حتى انتفض من نومته جالسًا، فما مرَّ بهم اليوم أنساه جده وما بعثته رابحة إليه...فتحَ الخط ليأتيه صوت نهاد الباكي -جدك ياسلطان هوى قلبه في قدمه وهو يُميز المؤثرات الصوتية خلف نهاد وهو صراخ والدته... ********* لا يعرف ما الذي أوصله لمكانه بجانب رابحة في الكرسي الخلفي من السيارة، لم يسأل حتى عما نتج من حادثة اليوم والمسؤول عن تنظيفها سالم الذي يقود وعدي بجانبه، يكفي نبرة نهاد الباكية وصراخ أمه المدوي نظرَ تجاه رابحة بنظرة حانية وعلى لسانه سؤال يُهدد بالسقوط من بين شفتيه في أي لحظة لكنه آثر الصمت فيكفيها ما حدث اليوم، فلن يجعل مصيبتها فاجعة ويسألها هل رأت المقطع المصور؟ هل رأت أبيها وهو يقتل عمهم الأصغر؟؟... حتى لو كانت العلاقة بينهما أرق من الورق في الماء... ستنكسر رابحة وهذه الفتاة يكفيها انكسارات لهذا الحد -كم تبقي لنصل؟ سأل بصوت خشن وهو يقربها إليه تحت عباءته في حاجة، وهي تستكين للمسته وتضع رأسها على صدره وتغلق عينيها -ثلاث ساعات -ألم تخبرك نهاد شيئًا؟؟ لا ترد على الهاتف أجاب عُدي بهزة رأس نافية جعلته يضم شفتيه في قلق أكبر مما طغى على صوته -سلطان.. لم لا تأتي المصائب فرادى؟ ألا ينبغي أن ترفق بنا قليلاً لقد دعوت الله بعيشة هنيئة لكن لم أذق منها إلا المرّ العلقم رفعت شمسها الغاربة إليه همستها الخافتة تداعب أذنيه فما كان من إلا أن شدد عليها أكثر وارتكز بذقنه على رأسها قائلاً بنفس الهمس لكن بنبرة دبلوماسية أكثر من نبرتها الكئيبة -ليست كل الدعوات تُستجاب في الدنيا يا رابحة نحن لا نحاسب الله هو من يُحاسبنا، ربما يختبر صبرنا ويخلصنا من الذنوب أو يُنهي رصيد مصائبنا حتى نجزع مرة واحدة فقط... مهما بلغَ تفكيرنا لن يصل لعظمة تدبيره فاشكريه لأنكِ في معيته.. لكِ ربٌ تلجئي إليه كلما طوقك البأس وهزمك القدر -ونعم بالله... ونعم بالله يا حبيبي ابتسامتها إزاء نطقها أخر حرف أضاءت روحه، جعلته يتمنى لو أن سالم وعدي هواء حتى يرد عليها بما يليق من زوجٍ لزوجته التي تحبه وهو الرمشة منها بألف نبضة من قلبه.. لم يطاوعه قلبه ويرد الابتسامة لزوجته فهي وإن كانت تبغض جدها فهو يحترمه ويحزن لمصابه والذي حتى الآن يدعو الله أن يكون يسيرًا لكن كما قال ليست كل الدعوات تُستجاب في الدنيا!! ****** ذبحة صدرية!! جده الذي لم يفارقه شموخه إلا بعد أن دخل هذه الحجرة البيضاء... جده الذي تحاكت بشراسته القبائل وقسوته التي لم تزده إلا ترفعًا ومكانةً بين كبار الناس يُصيبه خللاً في قلبه فيجعله بلا حولاً ولا قوة نظرَ للجميع بعين ندم لا يجرؤ على قول أنه السبب، هو من بعثَ إليه المقطع ولم يتوقع أن تتدهور حالته بهذا الشكل كان بعيدًا عنهم فلم يكن جريئًا كسالم وأبيه اللذان يقفان أمام الحجرة مباشرة ولا عدي الذي يجلس بجانبها زوجته تربت على ظهره، ولا حتى عمته التي تبكي مخافة أن تفقد والدها ولا مجروحًا كبدور التي لم تأتي من الأساس... لكن عيناه لا تفارق محمد والد رابحة...ذاك الباكي الذي يتضرع لله أن يُخلّص أباه من هذه الشقاء، نعم فالموت أيضًا راحة لأبيه!! شعرَ بأصابعها على ذراعه فانتفض مخافة أن تعلم بدواخله بينما هي ملّست عليه بحنو وبكلمات مطمئنة قالت -هذه أنا كأنها تعويذته السحرية التي أبطلت كل مخاوفه وهدمت كل ندمه.... كأن بعد الـ"أنا" خاصتها دربًا من خيال لا يزيل همومه فقط بل يقضي عليها وضعَ كفه على يدها المحاوطة لذراعه ولم ينبس ببنت شفه، قلق أن تخرج كلماته بما يشغل ذهنه وهذا أخر ما يريده لرابحة أن تعرف جُرم أبيها -أتعلم!! لم أتوقع أن أبي يحب جدي هكذا لقد أخبرتني نهاد أنه منذ حمله من الغرفة حتى الآن لم يتوقف عن البكاء والدعاء له... يبدو أنه والدي رقيق المشاعر أولا تُصدق على كلامي؟ لكزته في ذراعه وهي تنظر إليه بابتسامة كتلك التي كانت في السيارة... فبالطبع لن تكون رابحة إلا وقالت كلام مناسب في أوقات غير مناسبة والعكس -لو ينوبني من هذا الحب جانب لما دعوت عليه ليلاً ونهارًا هو وجدي همهمتها وصلت لأذنه وجعلته يحدجها بنظرة تحذيريه يُخبرها فيها أنه ليس وقته وأن تنتظر حسابها على هذا الكلام، زمت شفتيها بأسف وعلى عكس توقعه لم تبتعد بل اقتربت منه أكثر ولفت ذراعها حوله غير آبهةً بمن حولهم -لا تقلق لن يموت جدي... وإن مات سيكون راضيًا عنكفألها السيئ يتناسب عكسيًا مع يدها الحانية التي تملس على ظهره ونبرتها المواسية... ماذا يفعل مع أنثى كتلك؟! ماذا يفعل مع رابحة سوى أن يحبها أكثر وأكثر مقدرًا لمستها ومتغاضيًا عن كلامها...! قبلها من رأسها وهذا ما خرجَ من شفتيه ******* -أين ذلك الهاتف اللعين الذي كان السبب في كل مانحن فيه لو لم يكن غيظ سالم في صالحه لم نظرَ إليه سلطان بكل هذا الامتنان بعد جملته لينطق موازيًا بحديثه قهر ابن عمته -صحيح يا نهاد أين ذهب الهاتف عندما وقع من يد جدي من يسمع نبرته يُفسر قلقه لكن من يعرفه كهذا المتضرع الذي يخفي وجهه خلف يديه المرفوعتين يعرف كم يصل خُبث هذا السؤال إلى الفضاء الذي لا نهاية له -ما دخل الهاتف بما حدث لجدي؟ بالطبع لن يفوت رابحة مثل هذا الشك لكن سلطان تجاهلها وهو يستمع لرد نهاد المتذمر -هل هذا وقته؟ تبادل سلطان وعدي النظرات جعلت من الأخير صبره ينفذ ويلتفت لزوجته غير قاصدًا نبرته العالية، العصبية -أجيبي على قدر السؤال أخذت المعنية بالحديث نفسًا عاليًا ورمقت عدي بلوم وأردفت بصوت مُكدر يصل لزوجها وسالم وسلطان الذي أصبحَ يشرف عليها من علو بلمح البصر -لقد أخذه عمي محمد فور أن وجده ولا أعرف أين ثلاثة أزواج من الأعين التفتت ناحية محمد الغافل عن الوعيد فيهما وبعد الصمت الذي ران بينهما كلٌ يغوص في أفكاره ولا يعلم عما يجول في عقل الأخير جاء صوت سالم محملاً بعاصفة غاضبة رجّت حروفه التي فلتت من فمه -هل لنا بكلمة معك يا خالي؟ ********* -أيـــن الهاتف؟!! يد سلطان كبحت عدي من الوصول لعمه ليس احترامًا لكن الصياد الماهر يلهو بفريسته قبل أن يُمحي روحها من الوجود.... -مهلاً يا عدي ألا تحترم عمك!! وليخبرني أحدكم لم الجميع مهتم بهذا الهاتف فجأة حتى رابحة سألتني عنه قصدَ أن يذكر رابحة في خضم الأمر واختلجت شفتيه بابتسامة عندما لمحَ الاضطراب يفتك بملامح عمه لكن الأخير أذكى من أن يتفوه بشيءٍ يُدينه -ها هو الهاتف الذي يشغل بالكم أكثر من حالة جدكم الذي يواجه الموت ويا عالم سيفيق أم لا... احترموا مرض جدكم أم أن هذه الخردة أهم منه؟ ناول الهاتف لسالم الذي التقطه بلهفة يجوب داخله بأعين صقرية يتمنى أن يجد ما يظن أنه السبب في ما آل إليه جده، لكنه رأسه التفت بحدة ناحية سلطان الذي كان يضحك وصوت ضحكته بعيد عن كونه فكاهيًا ولا يحمل قدرًا من دعابة بل سخرية وغضب قرر أن يترك صدره وينشب داخل حروفه القادمة -سلطان؟!! هتفَ سالم متعجبًا ويُذيّل نداءه انفعال -وماذا تظن يا عمي السبب في حالة جدي هذه؟؟ سأل سلطان وهو يعرف الإجابة تحت نظرات عدي وسالم المُتعجبة -لا أعلم لقد جئت على صراخ والدتك.... لربما رأى صورًا لسلطان أو مقاطع مصورة له فكما تعرف كم كان ابنه المفضل وحزن عليه حتى داهمه مرض السكري... وكم حزنا عليه نحن أيضًا المكر يقطر من شفتيه لكن ما وصلَ لسالم وعدي كان حزنًا خالصًا استطاع كذئب صحراء أو يُطعّم حديثه به -عمي سلطان؟ والمُسمى على اسم المعني لم يترك الحديد ساخنًا دون الطرق عليه -هل تظن أن هذا سبب انتكاسته؟ هزَّ محمد كتفيه بلا معرفة -نعم فأخر كلماته قبل أن يفقد الوعي هو اسم سلطان هزّ سلطان رأسه إيجابًا بينما يقترب من عمه ويبتسم بشر تؤازره عيناه فيما يمضي إليه -نعم نعم... على ذكر المقاطع المصورة ألا ينبغي لنا كعائلة أن نشاهد بعضًا منها ؟ ضيق عمه عينيه لكنه أبقى فمه مغلقًا، وقد بدأ عدي يستشف توتر الأجواء فسأل بحيادية -ما الذي ترنو إليه يا سلطان؟ هل هناك شيء تريد أن تخبرنا به؟ -بل هناك شيء أريد أن أريكم إياه تزامنت شفتيه مع أصابعه التي تدق على الهاتف بسرعة مفرطة كأنه يريد للثانية القادمة أن تأتي الآن....... وضعَ الهاتف أمام الأعين المتسائلة وأخرى متأهبة وزوجٌ منها يتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعه... -يا ترى يا هل ترى!!... إلى من يكون هذا الوشاح يا عمي؟!! | |||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
رابحة، سلطان، القبيلة، عادات، زواج، بالإجبار |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|