10-04-21, 12:06 PM | #1 | ||||||
نجم روايتي
| زنـزانة النـور(قصة قصيرة) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعد انقطاع دام لشهور ها أنا أعود إليكم بقصة قصيرة أرجو أن تنال على إعجابكم.. أسدل الليل ستاره الذي يبعث الرهبة في نفوس البعض ، بيد أن البعض الآخر لا يرى الليل إلا غطاءً لأفعاله الشنيعة و الوضيعة، ووسط ذلك الهدوء ، و السكينة التي كانت تنعم بها تلك القرية ،انبثق صوت صاخب من أحد المنازل ، لم يرتب أهل القرية من ذلك الصوت المخيف والمزعج في الوقت ذاته ، بل إنهم اعتادوا على هذه الضوضاء التي يصدرها ذلك المنزل كل ليلة تقريباً حينما يدخل الزوج مترنحاً ممسكاً بيده زجاجة الخمر، و تنبعث منه رائحة كريهة أشبه برائحة العفن، وعندما تراه زوجه على هذه الحال تشتاط غيضاً، وحنقاً، فتبدأ بزجره و نهره عن هذه الأفعال، فيبدأ هو الآخر بضربها, و تعنيفها؛ غير مكترثين لتلك العينين البريئتين التي يمر عليها هذا السيناريو يومياً، ولا لتلك الأذنين التي عوداها على سماع السب و الشتم لا سماع التهويدات قبل النوم، طفولة تشاركا كلا الوالدين على تلويثها بتلك الصراعات التي تعاونا على شنها أمام بصره، فكان حصاد تربيتهما المتزعزعة يظهر شيئاً فشيء على صغيرهما المدعو بأمير . تلبدت السماء بغيومها السوداء في ذلك اليوم، و تناكحت الأشجار ببعضها البعض من فرط قوة الريح، كان أمير في ذلك الوقت عائداً من مدرسته الثانوية مهرولاً ؛ خوفاً من أن يفسد المطر لوحته الفنية التي تعب في رسمها ، و لكنه توقف بغتة حينما سمع أصوات خافتة آتية من أحد أروقة القرية الضيقة ، كاد أن لا يكترث لتلك الأصوات ، غير أنه سمع بوضوح جملة جعلت عينيه كجمرتين محمرتين من الغضب ، و ما هي إلا ثوان معدودة ليجد نفسه أمام أولئك الصبية الذين كانوا يتهمون والدته قبل قليل بالفاحشة ، بُهتت وجوههم من الفزع عندما رأوه أمامهم بهيئته المخيفة ،أوشك أن ينطق أحدهم مبرراً ولكنه وجد نفسه على الأرض بعد أن لكمه أمير بكل قوته ، و لم يكتفي أمير بذلك بل انهال عليه بالضرب والشتم أما الآخرون فقد ولو هاربين بحياتهم قبل أن يصبحوا كحال صاحبهم الذي أصبح في عداد الموتى ، راجياً رحمة أمير ، و لكن هيهات أن يرحمه ، فلقد توقف الصبي عن المقاومة بعد أن خارت كل قواه . توقف أمير عن ضربه و كأن وعيه قد عاد إليه ، نظر إلى الصبي فوجده غارق في بركة من دمائه , ثم نقل نظره إلى يديه فوجدهما ملطختان بدماء الصبي ، مهلاً مالذي يحدث ؟، هل قتلت الصبي للتو ؟ ، هل أصبحت مجرماً كوالدي المعدوم ؟! ، و ماهي إلا أسئلة لم يسعفه عقله للإجابة عليها ،ظل يرمق الصبي باستكانة يرجوه أن يتحرك ، و لكنه لم يوشي إليه بأي دليل يدل على أنه ما زال متمسكاً بالحياة. "مالذي فعلت؟" قالها بصوت متهدج ومرتعش ، ولم يشعر بيديه التي كبلتا بالأصفاد الحديدية ، ولا برجال الشرطة وهم يجرونه إلى السيارة ، ومن ثم إلى الزنزانة المنفردة ، لم يشعر بكل ذلك ، فقد كان غائباً عن كل هذا ، كان يرى نفسه مثل والده ، يرى تعنيفه لذلك الصبي كتعنيف والده لأمه ، لطالما كره معاملة والده لأمه ولكنه تبين له الآن بأنه مجرد نسخة أخرى لوالده الراحل ، ارتجفت شفتاه لهذه الفكرة وهو يشيع الزنزانة ببصره ، و عندما أدرك مصيره ، أطلق العنان لدموعه المتحجرة . وبعد بضعة أيام ، كانت هنالك هالة كئيبة تنبعث من تلك الزنزانة التي اتخذ أمير أحد زواياها ملاذاً ليشكوا لها آلامه وأحزانه ، وليخبرها كم أنه يتمنى الموت بشدة ، يتمنى أن تنتهي حياته البائسة في أسرع وقت ، صحيح بأنه علم بأن ذلك الصبي لم يمت؛ بل إنه نجى بإعجوبة ,ولكنه لا يرى فائدة من وجوده على قيد الحياة ، ما هو إلا عار على والدته وعلى أهله . وفي أحد الأيام ، جاء أحد الشيوخ إلى ساحة السجن ليعطيهم محاضرة كما تسري العادة ، و لم يستطع أمير أن يتخلف عن هذه المحاضرة ، لأن الحراس قد لزموا خروج كل شخص منهم للإستماع إليها ، جلس منعزلاً في أحد الزوايا ، ضجراً من تواجده بين السجناء المتزاحمين حد التلاحم ، و بعد فترة بدأ الشيخ يرحب بهم و من ثم استفتح موضوعه بآيات الله تعالى حتى وصل إلى تلك الآية التي ضربت قلب أمير بالسياط ، وجعلته يرتعد وينتفض من خشية الله. ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100] اغرورقتا عيناه بالدموع بعد أن استشعرت كل خلاياه هذه الآية ،وأصبح يردد بداخله :"أين أنا منك يالله ، أين أنا منك يالله ، أقول بأنني أريد الموت؟!، مالذي قدمته لآخرتي؟! " وظل على هذه الحال طوال تلك المحاضرة ، و عندما انهى الشيخ محاضرته ، هرع له أمير وهو يبكي ، تفاجئ الشيخ منه وسأله عن السبب ، فقال له أمير بصوت متقطع ومرتعد :"يا شيخ..يا شيخ أنا لم أصلي في حياتي ، لم أسجد ولا لمرة لله ، لا أعرف شيئاً في الدين ، ما أنا إلا بمسمى مسلم -ثم سأله فجأة بعينين محمرتين- يا شيخ ماذا يجب أن أقدم لآخرتي ؟". وكانت تلك النقطة الفاصلة التي غيرت حال أمير ، قلبت حياته التي كان يراها جحيماً إلى نعيم ، نال سعادة لم ينلها من قبل ، وكل ذلك حدث بقربه من الله ، بعد أن عرف بأن لا ملجأ له سواه ، ولا منجأ له إلا هو سبحانه جل علاه ،وجروحه التي كانت تنزف دوماً بشدة جبرها الله له ، فأصبح لا يستقي من تلك الجروح إلا الدروس و العبر ،و عندما أطلق سراحه من السجن بعد انقضاء المدة المحكوم عليه بالسجن ،لم يكن ينزعج من تلقيب الناس إليه بخريج السجون ، لأنه كان نعم الخريج الذي خرج ، ولج إليها بقلب مظلم، ولكنه خرج منها بقلب يملؤه النور، فمهما كانت حياتنا مضطربة ومتفككة ، وأفكارنا مشتتة ومتبعثرة ؛ يقيننا بالله وقربنا منه هو الذي سيجعلنا ننظر إلى الأمور بنظرة مختلفة، وكل ذلك الشتات سيلملم بمشيئة الله عز وجل. " تمت بحمد الله" | ||||||
18-04-21, 04:40 AM | #4 | |||||||
نجم روايتي و كنزسراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرةوقاصة هالوين وشاعرة متألقة بالمنتدى الأدبي
| السلام عليكم ... قصة حِيكت ببراعة ومهارة ...أدركت جماليات مخبأه بين السطور ... هناك الكثير أشباه أمير.... وكم سعدت بما لاقاه أمير في النهاية" طريق الله" لهو خير نهاية يختم بها ... الفكرة التي طرحت نالت إعجابي...ومع براعة صياغتك الجميلة ...نالت استحساني جدا هذه القصة عزيزتي ... بورك قلمك وسلمت أناملك الرائعة... تحياتي لكِ ومودتي💕💕 | |||||||
19-04-21, 01:47 PM | #5 | |||||||
نجم روايتي
| اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 💙💙.... سعيدة جداً لمرورك والحمدلله أنها نالت على استحسانك من كل النواحي..🥰 كلامك كالبلسم على قلبي 🥺💙 | |||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|