|
مشاهدة نتائج الإستطلاع: حابة أعرف مين تابع الرواية ومين في انتظار رابط الـPDF | |||
قرأتها | 53 | 39.85% | |
في انتظار رابط الـPDF | 82 | 61.65% | |
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 133. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
13-02-21, 11:46 PM | #41 | ||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء
| مساء الخير حبيباتي معادنا مع الفصل الثالث.. في انتظار آرائكم بعد القراءة الفصل نازل على مشاركات إن شاء الله *** الفصل الثالث *وجه آخر* *** الوجه الآخر للمرآة حقيقة أم خيال؟ والحِصن الشامخ فوق الأرض حجر أم رمال؟ السطح العاكس للمرآة صواب أم خطأ؟ لا تمنح ثقتك للحكم الأول بحثًا عن النبأ! البُعد الآخر بالمرآة بريء أم مُدان؟ ما أقسى الغضب إن خَفَى أنيابه خلف راية طُغيان! *** تطلع فريد إلى الرجل الجالس أمامه واضعًا ساقًا فوق الأخرى بعجرفة يُدخن التبغ باستمتاع ويرمقه بجمود أصبح سمة مميزة له في السنوات الأخيرة، بينما أخذ يُفكر بداخله في صعوبة مُهِمته الحالية.. كيف يُقنعه بأنه يهدم كل شيء بمُعاملته لابنته؟ كيف يُقنعه بأنها هذه المرة تبدو هي الثائرة كما لم تكن من قبل؟ لقد جاءت هنا منذ يومين مضى ولا تُبدي أية رغبة بالعودة؛ وبينما هو مُطالب بالرفع من شأنها وعتاب زوجها وتوبيخه وتحذيره، لا يبدو على ذلك الأخير القلق مِثقال ذرة... _لقد عُدت صباحًا من الإسكندرية رأسًا إلى الشركة فريد بك، لا أعتقد أنك طلبت حضوري كي تُحدِّق بي فَحَسْب! عبرت لمحة غضب عيني فريد قبل أن يهتف به بنزق شديد: _لماذا تفعل هذا ثائر؟ لقد آمنت على ابنتي معك، لقد وثقت بك، لماذا تقسو عليها بهذا الـ.. رفع ثائر سبابته أمامه ليقاطعه ببرود وهو يهز رأسه رفضًا: _إن كنت ستلقي علي نفس الكلمات التي تسمعني إياها كل مرة فأعتذر، ليس لديّ وقتًا لأهدره في أمر تافه كهذا. استشاط الرجل غضبًا وهب واقفًا وهو يرمقه بغيظ هائل ثم صاح به: _أتسمي زواجك بابنتي أمر تافه؟ أتسمي جرحها وانكسارها وألمها بسببك لسنوات أمر تافه؟! ثم تابع مُحذِّرًا: _اسمع ثائر! ربما يهابُك الجميع، لكنني لا أفعل، ولن أسمح لك بظلم ابنتي أكثر من ذلك. شبَّك ثائر أصابعه أمام صدره ثم تحدث بهدوء قائلًا: _وفِّر صراخك فريد بِك، وأخبرني! خلال السنوات التي مرت على زواجي من ابنتك كم مرة أتتك غاضبة؟ كم مرة خرجت من بيتها وجاءتك باكية شاكية؟ لم يجد فريد ردًَّا محافظًا على نظرته الساخطة، فتابع ثائر بنفس الهدوء المُغيظ مُتسائلًا: _ هل تعتقد أنني سأقضي كل وقتي في مُصالحتها وتدليلها وإعادتها كل مرة إلى بيتها؟ أتعتقد بالفعل أنني مُتفرغًا لذلك الهراء؟ اتسعت عينا فريد عن آخرها وهو يهتف به بدهشة: _لِمَ تتسبب في إغضابها إذن؟! حسب معلوماتي أنها لا تفعل ذلك إلا بسبب جفاءك وقسوتك معها، ومما أراه منك لا أعتقد أنها تتجنى عليك، فأنت حتى لا تُظهر احترامك لي بالرغم من اعتبارك ابني الذي لم أنجبه! أنزل ثائر إحدى ساقيه من فوق الأخرى ووقف ليُغلِق زر سُترته الأنيقة ثم نظر إلى والد زوجته بلا اكتراث قائلًا: _هذا ما أنا عليه فريد بِك، وأخبر ابنتك أنني لا أنوي تغيرًا! أخبرها أيضًا أن من مصلحتها ألا تثير غضبي، فأنا حتى الآن أتعامل معها بصبر لن يظل من صفاتي إلى الأبد، وفي حال وجدتما الأمر غير مناسبًا سأجدد اقتراحي.. صمت متعمدًا، وبتهكم أردف: _إن أردتما إنهاء هذا الزواج أنا لا أمانع على الإطلاق، فستخرج ابنتك من القصر مُعززة مُكرمة كما ولجت إليه ولكما كل ما تريدان، لكن سأحتفظ أنا بابنتي. ولما بان الرفض الصريح على وجه الرجل أضاف ثائر: _وهذا الأمر لا علاقة له بشراكتنا، سيظل الوضع كما هو عليه. ولم يهتم فريد برغبة صهره الواضحة بطمأنته، ولا بتلميحه المبطن بأنه يفهم سر تمسكه باستمرار هذه الزيجة التي لا يريدها أي من طرفيها، ومن بين أسنانه عَلَّق متحديًا، مُهددًا: _عندئذٍ انس أمر ابنتك تمامًا، فأنت تعلم أن الحضانة من حق الأم، أليس كذلك؟! لن يحكم لك قاض بابنتك، ولا تعتقد أنك ستراها وقتما شئت، هذا في حال أردت تعريض سُمعة عائلتينا إلى الخوض بهكذا فضائح! والإجابة كانت شبه ابتسامة ساخرة حلَّت للحظة على شفتي ثائر ثم اندثرت على الفور وهو يُتابع: _ أرجو إعلام ابنتك أنني لن أنتظر أكثر من عشرة دقائق حتى تأتي معي، وإن تكررت فعلتها لن تدخل قصر آل الجوهري مرة ثانية! ثم التفت مُتجهًا إلى باب غرفة المكتب خارجًا منها بمشيته المُتبخترة، وعند الباب توقف هاتفًا بصرامة: _سأنتظر بالسيارة! وعندما خرج حدَّق فريد في إثره بِحنق واضح مُتسائلًا أين ذلك الشاب الذي طالما احترمه ووضعه في منزلة الأب؟ هل جفاؤه مع ابنته امتد إليه هو؟ وماذا يفعل الآن؟ هل يُرسِلها معه أم يحفظ لها المُتبقي من كرامتها ويرفض؟! ... وبعد عشرة دقائق أدار مُحرك سيارته مُستعدًا للانصراف لتفتح هي باب السيارة الجانبي قائلة بصوت مكتوم: _مرحبًا ثائر! وردُّه عليها لم يتعد الابتسامة الساخرة! أشاحت بوجهها بعيدًا تداري دمعات قهر وألم وهي تُحاول استنتاج ما سيحدث عند انفراده بها! ********** تابعته فيروز بعينيها بتدقيق وهو يُعطي تعليماته إلى أحد العاملين قبل أن يتجه إليها بابتسامة مُهذبة، جلس أمامها مُتهَرِّبًَا بالنظر إليها بطريقة ملحوظة فسألته برقة: _ماذا بك تميم؟ لماذا أنت على هذه الحالة من التوتر؟ حمحم بارتباك وهو يجتذب ابتسامة أدركت تمامًا أنها مُفتعلة ثم غيَّر مجرى الحوار قائلًا: _لا شيء فيروز، أنا بخير، كيف حال والدتك؟ ابتسمت ببشاشة ثم تظاهرت بالعبوس وهي ترد بضيق مفتعل: _ترسل تحياتها إليك وتُخبرك بأنها غاضبة منك لأنك لم تعد تسأل عنها أو تزورها. بان الأسف على وجهه قبل أن يمط شفتيه قائلًا: _يا إلهي! لا أستطيع إغضابها بالطبع، سأمر عليها الليلة وسأصالحها، متى ستنهين عملك؟ ردَّت بسرعة بلهجة مُعتذرة: _ربما سأتأخر، سألتقي ببعض صديقاتي بعد العمل. أومأ برأسه بشرود وقد بدا أنه بالفعل لم يهتم بسماع ردَّها، بينما اختلس النظر إلى هاتفه الموضوع على المكتب الصغير أمامه، لم يفُتها شروده ولا قلقُه ولا توتُره الفاضح فتابعت متسائلة باهتمام: _أخبرني تميم، ماذا بك؟ رفع رأسه إليها بِحدة مجيبًا بخشونة حاول بها مُداراة بعضًا من توتره: _ماذا بي فيروز؟ أنا بخير تمامًا، مُنشغِل قليلًا في البحث عن محل آخر كي أفتتحه كما تعلمين. ونظرتها إليه أخبرته بصمت بأنه كاذب؛ وبأنها تعلم بأنه كاذب؛ وبأنه رغم مرور سنوات عُمره الست وثلاثون لن يستطيع اصطناع اللامبالاة معها أكثر من ذلك؛ بينما في المقابل هي تصغُره بتسعة سنوات كاملين لكنها على قدر من الذكاء الأنثوي الذي يمنحها مزية كشف سبب حالته بسهولة؛ فهي تعلم بالطبع.. لكنها اختارت التظاهر بالجهل! زفرت باستسلام ثم وقفت بابتسامتها الجميلة قائلة: _كما تحب تميم، لكن تذكر دومًا أنني سأظل إلى جوارك، سأساعدك كيفما تريد، وإن شعرت أنك ترغب بالتحدث فأنا مُستعدة متى شئت. وبابتسامة ضعيفة مبتورة شَكَرها وهي تتجه إلى الخارج.. ليمسك هاتفه بلهفة تحولت فورًا إلى خيبة أمل؛ وانطلقت الأسئلة داخل عقله.. لِمَ لا يحاول حب فيروز؟ فهي خطيبته بالفعل! لِمَ يتجه قلبه الملعون إلى الأخرى بكل غباء؟ لِمَ ينتفض هذا القلب بمجرد رسم ملامحها داخل عقلُه؟ فيروز حنونة.. وهي أيضًا حنونة لكنها تَعَمَّدَت القسوة معه! فيروز جميلة.. وهي أيضًا جميلة، بل لا أجمل منها مُطلقًا! فيروز ذكية.. لكنها غبية تمسكت بقوة ظاهرية ووضعت نفسها في مأزق! لماذا إذن لا يتخلص من تأثيرها ويهتم بفيروز مثلًا؟ هذا القلب الذي يتمتع بإهانته ألن يتعلم التخلص منها يومًا؟! هذا العقل الغبي الذي يتغافل عن فِعلتها ألن يتعلم نسيانها مُطلقًا؟! ********** خرجت مع أمها من غرفة الطبيبة والأخيرة لا تتوقف عن البكاء فسألتها سُهيلة بنزق: _لماذا تبكين الآن يا أمي؟ ردَّت أمها من بين شهقاتها الباكية: _من فرط سعادتي يا ابنتي، لقد كدت أموت ذعرًا وأنا أتخيل حملك بطفل من ذلك النذل، حمدًا لله، سأهاتف أبيك وأبشره! هبطت سُهيلة الدرجات تتبع أمها وهي شاردة تمامًا.. بشارة من أجل عدم الإنجاب؟! لقد فاق ذعرها ذعر أمها حتى ظهرت نتيجة اختبار الحمل بالسلب لتزفر بارتياح شاكرة ربها؛ فبالرغم من أنها لطالما تمنت حصولها على طفل فور زواجها.. تمنت طفلًا يمنحها سعادة تاقت للحصول عليها بشدة، تخيلت طِفلًا صغيرًا يحمل ملامحها هي وطِباع باهر.. بشاشتها وابتسامته؛ لون عينيها وحنان عينيه؛ صفاتها الشكلية وحمائيته ورجولته و.... فإنها تحمد الله الآن أنه لم يوجد مُطلقًا! هي ليست قاسية؛ ليست جاحدة أو جامدة؛ لكنها أرادت طفلا من باهر المهتم الحنون؛ أما ذلك الكاذب المُخادع العنيف لم ترد طفله يومًا! وقد احتاطت لذلك بكل الطرق لكن.. الآن هي قد تأكدت أنها حوكِمت بالوحدة إلى الأبد؛ ألن يكون لها يومًا طفلا يؤنسها؟ لماذا تتسلل الحيرة الآن إليها؟ ولماذا تشعر فجأة بتعادل شعورها بين الراحة والخيبة بعد نتيجة اختبارها السلبية؟! هل تتمنى حقًا لو أن الطبيبة أخبرتها أنها تحمل طِفلًا بأحشائها بدلًا من نقصًا حادًا في كرات دمائها الحمراء؟! هل جُنَّت تمامًا؟! أم أن تلك الضربة التي تلقتها على هيئة عقاب عادل لانتقامها بزواجها منه ستورثها اضطرابًا وضياعًا لا تتحمله الآن؟! ستدفنها وحيدة بعُمق السقطة! ********** | ||||
13-02-21, 11:48 PM | #42 | ||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء
| تابع الفصل الثالث *** دخل رمزي إلى غُرفته يركل كل ما تطاله قدماه بهياج واضح ليندفع أبوه من الباب تتبعه أمه صارخة باسمه بلهفة، التفت إلى والديه وصدره يرتفع وينخفض في تتابع سريع فهتف به أبوه متسائلًا بذهول: _ماذا بك رمزي؟ ما الذي حدث؟ ليصيح بكل الغضب الذي كبته مُضطرًا منذ الصباح: _لقد قام ذلك الحقير بخصم يومًا من راتبي، بالإضافة إلى إهانتي أمام زملائي. اقترب أبوه منه وهو يسأله بقلق شديد من حالته: _من.. من فعل ذلك بك بني؟ وما السبب؟ هنا انفجر رمزي بحقد اعتقد والداه أنه قد نبذه منذ سنوات؛ والآن يبدو خطأ ذلك الاعتقاد واضحًا.. هذا الغضب؛ هذا الهياج؛ هذه الكراهية؛ لم يرهم على وجه ابنهم الهاديء دائمًا إلا في أيام غابرة لطالما سأل الله أن تذهب بلا عودة.. _من سيكون أبي؟ ثائر بك الجوهري، الذي يأمر فيُطاع، الذي يسحق كل من يُزعِجه، الذي تعامل معي اليوم وكأنني حشرة.. حشرة غير مرئية يدعسها بقدمه دون أن يشعر بها. وبكل القهر صرخ مُردفًا: _كل هذا من أجل دردشة عابرة مع زملائي. صمت يلهث بسرعة ثم اقترب من أبيه مُتسائلًا بحسرة: _أخبرني أبي! أيحق له أن يتحكم بنا جميعًا بهذا الجبروت؟ أيحق له أن يفعل ما يريد ويأخذ ما يريد دونما اعتبار للآخرين؟ ارتفعت شهقات أمه الباكية وهي لا تفهم سبب ثورة ابنها غير المُبررة، لكنها أدركت أنه يعاني بِشدة، بينما سارع أبوه مقترحًا: _اترك العمل رمزي، اتركه وستجد غيره، نستطيع تأجيل الزواج شهرًا آخر، يُسْر لن تمانع و.... ارتسم العناد الأعمى على وجه رمزي وهو يهز رأسه رفضًا هاتفًا بقوة: _لا أبي! لن أترك العمل، سأظل أعمل بتلك الشركة إلى أن أقدم استقالتي برغبتي أنا وليس بسبب ظلمه هو، وزواجي بيُسْر سيتم في موعده، لن أدع ذلك الحقير يُفسِد لي حياتي. ثم أردف بهمس حاقد: _مرة أخرى! ********** لحِقته إلى داخل قصر والديه بخزي واضح لتطالع طفلتها جالسة أرضًا بصحبة ألعابها يُشاركها زيدان تركيب بعض قطع المُكعبات باهتمام، وعندما انتبه إلى وصولهما وقف متجهًا إليهما بملامحه البشوشة مُرَحبًا: _حمدًا لله على سلامتك رِهام، عساها أن تكون المرة الأخيرة. والرد جاء من ثائر قبل أن تفتح هي فمها قائلًا ببروده المعهود مُختلِطًا بنبرة تحذيرية لم يُخطِئها أي منهما: _إنها الأخيرة بالفعل زيدان. طأطأت رأسها بِحَرَج فتابع هو بلهجة آمرة مُوجِهًا كلامه إلى أخيه بينما يتجه إلى الدرجات : _ ستُسافِر إلى الإسكندرية بالغد لتتابع المُجمع السكني هناك. رمق زيدان ظهره بدهشة ثم تساءل بلا فهم: _أي مُجمع سكني؟ فاستدار ثائر إليه مبتسمًا بسُخرية ثم عاد إليه بخطوات متلكأة، واثقة وهو يقول: _عفوًا! اعذرني لقد نسيت بالفعل، أنت لم تحضر ذلك الاجتماع الخاص به لذلك أنت لا تفقه عما أتحدث بالأصل، أليس كذلك؟! أدرك زيدان ما يرمي إليه فعقد حاجبيه وهو يصيح به متسائلًا بحنق: _هل تُعاقبني يا ثائر؟ هل تراني طفلًا؟ وكما صاح هو بالمثل بادله الآخر الصياح؛ ولم يتأثر أو يتردد وهو يشدد على كل كلمة يوجهها إليه: _نعم أراك طفلًا، بل الطفل يتصرف بطريقة أفضل منك، الطفل لا يُهدر وقته وعمره فيما لا يفيد، وأنت بدلًا من الاهتمام بالعمل لنحافظ معًا عليه ممن ينتظر غفلة واحدة كي يستغل حالتك تقضي جل وقتك بالتسكع في ذلك المقهى اللعين و.... وعند هذا الحد لم يتحمل الاستماع، ولم يكن ليسمح له بالتدخل فيما يخصه فقاطعه هادِرًا: _كفى ثائر! كفى! لا أسمح لك بالتدخل في حياتي وخصوصياتي، لا أسمح لك بإهانتي أكثر من ذلك، أنا لست عبدًا لك، لن تتحكم بي أنا أيضًا! حدَّق ثائر به بتهكم وما لبث أن هتف بقسوة: _عن أي تحكُّم تتحدث يا رجل؟! تلك الشركة لا تخُصني وحدي، أنت مُشارِك لي بها، ولا أجد سببًا واحدًا يجعلني أحمل كل العمل على عاتقي بينما أنت هارب إلى عالم آخر تمامًا. والضغط فاق الاحتمال؛ والجفاء أصاب الأصغر بالقهر؛ بينما الأكبر يطيح بكل ما تطاله يداه ولسانه دونما اعتبار لأي شخصٍ كان.. أو أي جرحٍ كان! ليرد زيدان من بين شفتيه غاضبًا مُتعمدًا استفزازه: _أتعرف ماذا تحتاج حقًا يا ثائر؟ أنت تحتاج إلى ابن كي يرِث شرِكتك الغالية، لِذا حتى تُنجب ذلك الابن أعتذر منك إن كنت لا أُحبِّذ القيام بدوره. واقترب منه زيدان مُحدِّقًا به بنفس القسوة مُشددًا بتحدي مُتابِعًا: _أنا شقيقك يا ثائر، لستُ ابنك، وأنت لا تملُك حق تسيير حياتي، ولا أنتظر رأيك في كيفية إدارة شؤوني. ليبتسم ثائر ابتسامته الصفراء وهو يومىء برأسه، مُخاطِبًا إياه بنفس التحدي: _وبالرغم من ذلك ستُسافر إلى الإسكندرية زيدان، ربما أنت شقيقي بالفعل، لكنك لا تود إثارة أعصابي أكثر، ولن تُجازِف بوضعك في موقف حرِج أمام موظفي الشركة. واتسعت ابتسامته المُقيتة أكثر وهو يُردِف بهدوء: _تعلم أنني أفعلها، أليس كذلك؟! حدِّق به زيدان بامتعاض وهو يومىء برأسه إيجابًا قائلًا بتهكم: _أعلم أنك تفعل أي شيء من أجل تحقيق ما تسعى إليه ثائر، أعلم أنك لا ترى أبعد من نفسك وطموحاتك، أعلم أنك ليس لديك غالِ ولا نفيس، وأعلم أنك يومًا ما ستستيقظ لتكتشف أنك أهدرت عمرك بلا جدوى، وجعلت كل من حولك يكرهونك عَبَثًا، حينئذٍ سيكون الندم هو حليفك الوحيد! ولو كان زيدان يتحدث إلى جدار صخري لظهر عليه بعض التأثر، لكنه متأكد أن شقيقه يتغلَّب على الصخور بأنواعها بقسوته وصلادته، لِذا لم ينتظر منه ردًا وهو يتجه إلى الخارج قبل أن يتفاقم شجارهما أكثر ويستيقظ والداه فلا يتدخلان لِفَضه ثم يستكملان لَومه فيما بعد، هاربًا للحصول على بعض الحنان الذي لا يجده إلا بذات المقهي. ... _هل ستظلين واقفة بالأسفل سيدة رِهام؟ هتف بها بتهكُّم بعدما صعد بعض الدرجات، فنظرت له بنفس الامتعاض الذي رماه به شقيقه للتو ثم ردَّت بحقد لم يُوَجه يومًا إلا إليه: _أنت فخور بالفعل بإبعاد الجميع عنك، أليس كذلك؟ رمقها مليًا، ثم هبط إليها ثانية متظاهرًا بالأسف، وعندما توقف أمامها سخر منها قائلًا: _هل كشفتني؟ بالفعل أنا أسعى إلى ذلك، خاصة إن كانو بنفس دلالك. نظرت له بألم ثم سألته: _أليس لديك قلب ثائر؟ ألا تشفق على من حولك من تجبُرك؟ وكانت الإجابة من بين شِفتيه بتصميم واضح، ورفض صارخ: _إن أنا أسلمت قيادتي لقلبي ستكون نهايتي كجرذ حقير لا يستحق سوى الشفقة والتحسُّر، هل أبدو لك من ذلك النوع؟ ظهر التوسُل في عينيها وهي تناشد جانبًا لا تتأكد من وجوده به حاليًا، لكنها.. لكنها رأته ذات يوم؛ تمتعت به ذات يوم؛ غرقت به ذات يوم؛ كان حقها المضمون ذات يوم! _لقد.. لقد أحببتني ذات يوم بالفعل، أليس كذلك؟! وبدا لها أن ذاك "اليوم" قد صار حُلمًا مستحيل المنال؛ بل حقًا عافته نفسها _بنفسها_ منذ سنوات! _لقد كنت تلقي عليّ كلمات الحب دومًا يا ثائر. عقد حاجبيه بدهشة مُفتعلة وهو يسألها مُستنكرًا: _أتقترحين عليّ أن أعبر عن حب لكِ لا يوجد في الأصل رِهام؟! وانحدرت دمعاتها المُتحسرة وهي تُعلِّق بخفوت: _أتساءل فقط يا ثائر، أتساءل لو أنك تشعر برجفة في قلبك لا تستطيع التحكم بها، باشتياق ضاري لاإرادي إلى وصال روح أخرى، بما يشعر به شخص عادي من حنين وحاجة إلى آخر بعينه! انقلبت ملامحه من السُخرية إلى الإرهاب بلحظة، ثم ما لبث أن زم شفتيه مُتظاهرًا بالتفكير وهو يهز رأسه قائلًا: _ربما لديكِ وِجهة نظر تُحترم. حدَّق بعينيها السوداوتين البريئتين بمنتهى البرود وهو يُتابع: _ما رأيك إذن إن بحثت عن تلك المشاعر التي تتحدثين عنها؟ ثم أردف ببطء مُشددًا: _لكن بالطبع ليس معِك أنتِ. وبابتسامة مُتشفية توقف قليلًا ثم استكمل موضحًا: _أقصد أن أبحث عن أخرى على النقيض تمامًا منكِ، لا تمتلك هذا الضعف الذي يثير اشمئزازي، ولا تنوح طوال الوقت فتصرع رأسي، ولا تدور حولي متوسلة رحمة لا أملكها تجاهها. وبهمس كريه استطرد محدقًا بشعرها الأسود وبعينيها المثيلتين: _ربما سأختارها أيضًا شقراء متغنجة، بعينين ملونتين ضاحكتين، حتى نبرة صوتها ستكون مُدللة! ومال برأسه مُقترِبًا منها مُتسائلًا بسُخرية: _تُرى هل يتحمل كِبرياؤك شيء مثل هذا؟ هل تتحمل كرامتك _التي أشك بوجودها_ حضور أخرى؟ وأردف بشماتة: _تعلمين أنه من حقي.. من حقي الزواج بأخرى! والكراهية صرخت بها عيناها فعاد الامتعاض إليه مُرددًا بخفوت لم يخل من الحزم: _أرجو أن تعلمي أن هذه ستكون نهاية هذا الحوار المُعتادة إن تفوهتِ بهذا الهراء مرة أخرى، أنا لا أفكر بتلك التفاهة رِهام، لقد تُبت عن أمور الحب والقلوب ولم تَعُد باهتماماتي والفضل لكِ كما تعلمين، ولهذا أشكرك.. بتر عبارته يرمقها بامتعاض لم تر هي الحسرة التي تخللته، والتي كانت موجهة إلى نفسه: _أشكرك لأنكِ جعلتني أشك وأرتاب بالجميع بلا استثناء، وهكذا لن يستطيع أحدهم النيل مني مُطلقًا! ومنحها ابتسامة فائضة بالسخرية وهو يستطرد: _لِذا إن كنتِ لازلت على رفضك للعرض الذي قدمته لكِ مرارًا فالأفضل أن تعتادي هذا الوضع كي لا تتعبي. وحرب النظرات بينهما دارت ولم يقطعها إلا حضور سيلا وهي تتمسك بطرف سُترة أبيها قائلة: _لقد اشتقتُ إليك أبي. ودون أن ينظُر إليها سألها بجفاء: _لماذا أحضرتِ ألعابك خارج غرفتك؟ وأردف بنبرة آمرة: _هيا اجمعيهم فورًا! وقبل أن تتحرك الطفلة صعد بسرعة إلى جناحه وابنته تتابعه بنظراتها العابسة؛ وزوجته تتابعه بنظراتها المُتوعدة! ********** فتح مصطفى الباب ليندفع كمال إلى الداخل تتبعه يُسْر وملامح القلق ينضح بها وجهاهما ، ثم هتف شقيقه بسرعة متسائلًا: _ماذا حدث مصطفى؟ ماذا به رمزي؟ زاد الألم على ملامح مُصطفى وهو يُجيبه: _لا أعلم كمال، لقد عاد من الشركة غاضبًا وأخذ يصرخ ويحطم كل ما بطريقه. تدخلت يُسْر بصوتها الهادىء مُتسائلة: _أين هو الآن عمي؟ نظر إليها برجاء وهو يشير بإحدى يديه إلى أحد الاتجاهات: _يجلس بغرفة الاستقبال، لقد اقنعته أُلفت بصعوبة ألا يجلس بمفرده، تحدثي معه يُسْر وحاولي تهدئته أرجوكِ. أومأت يُسْر برأسها إيجابًا وهي تتجه إلى الغُرفة التي أشار إليها عمها. وبالداخل: دلفت لتجد أُلفت تجلس بجانب وحيدها تُربِّت عليه بينما يبدو على وجهه نظرة مُقلِقة؛ نظرة ذكَّرتها برمزي ابن عمها الذي رأته هائجًا لمرة واحدة من قبل.. من قبل سنوات! منذ ستة سنوات: "ماذا يحدث عمي؟" هتفت يُسْر بهذا السؤال بخوف وهي تستمع إلى أصوات الشجار الصادرة من غرفة رمزي.. صياح متبادل؛ صراخ متبادل؛ وتحطيم! وانهياره يصلها من خلف الباب المُغلق كاملًا. _ماذا به رمزي يا عمي؟ ودمعات عمها كانت هي الإجابة الوحيدة تُشاركها ولولة زوجته المُرتعبة خلفها، وفجأة انفتح الباب ليرتدوا جميعًا إلى الخلف والصياح يصدر من هذا الذي يخرج أمامهم والغضب يعلو وجهه متوعدًا وهو يصيح بابن عمها المختفي بداخل غرفته: _أقسم يا رمزي إن اضطرني الأمر سأسجنك بغرفتك ولن تخرج منها حتى تعود إلى رشدك! وقرن قوله بالفعل وهو يجذب مقعدًا ثم يجلس أمام باب الغرفة في لفتة واضحة إلى عدم التحرك من مكانه! وبينما استأنفت ألفت بكاءها، حدَّقت يُسْر به بذهول مُتسائلة: _ماذا تفعل تميم؟ وماذا به رمزي؟ هل كنت تتشاجر معه؟! ولماذا توصد باب غرفته؟ هتف تميم بِغِل شديد مُجيبًا إياها وهو يطرق على باب الغرفة بغضب: _الأستاذ الذي ظننته عاقلًا سيُجلب إلينا المصائب والفضائح بتهوره، لم يعد لديه ذرة تفكير واحدة. وقبل أن تستفسر أكثر أتتهما طرقات عنيفة من خلف الباب مُقترنة بصياح رمزي: _افتح الباب تميم، أنت لست وصيًا عليّ، افتحه قبل أن أكسره. فصاح به تميم على الفور بصرامة: _اكسره لأكسر رأسك يا مُدلل! اكسره وسأعيد تربيتك منذ البداية رمزي، ولتكن متأكدًا أنني لن أتزحزح من مكاني حتى تُدرك مقدار المصيبة التي كنت على وشك القيام بها، وإن لم تقبع عندك ساكنًا سأحضر الأحبال وأقيدك بالفراش حتى تستسلم! ظلت يُسْر ذاهلة، صامتة تمامًا بينما اقترب مصطفى من تميم مُتوسلا: _افتح له الباب تميم، هو لم يعد صغيرًا، افتحه وسأتحدث معه. هتف تميم به بغيظ شديد وهو يرمقه بِلَوم واضح: _بالفعل هو ليس صغيرًا يا مصطفى، لكنه مُراهقًا أبلهًا متهورًا، وأنت بتدليلك أفسدته وستُفسده أكثر، والليلة لو لم أكن أتبعه لكنا جميعًا نتنزه بالأقسام الآن بحثًا عن وحيدك الغالي. اقتربت يُسْر من تميم تتوسله هي هذه المرة: _تميم، أرجوك افتح له الباب وأنا سأتحدث معه. نظر لها تميم شزرًا ثم زفر مستسلمًا ليقف ويفتح الباب لها صائحًا: _لكن إن ظل على هذا الجنون سأنفذ تهديدي. أغمضت يُسْر عينيها بيأس وهي تتجاوزه إلى الداخل بينما اتخذ تميم جانبًا وهو يسد مدخل الباب بذراعه، لتجد رمزي جالسًا على فراشه؛ مطرقًا رأسه أرضًا؛ حزينًا كما لم تره يومًا؛ تنساب الدمعات من عينيه تِباعًا؛ حتى رفع رأسه إليها بنظرة أخافتها والظلام يسبح بعينيه هاتفًا: _اتركيني وحدي يُسْر، لا أريد أن أرى أحدًا. _أنا أريد الاطمئنان عليك.. ماذا حدث رمزي؟ والسؤال المتوتر القلِق انطلق منها ليصرخ هو بها بأقصى غضبه: _لا شأن لكِ بي! أخرجي ودعيني وحدي! أجفلت وتراجعت بنفس البطء إلى الخلف، فبالرغم من أن التراجع لم يكن مُطلقًا من شِيمها؛ إلا أنها أمام دموعه لم تقو على التفوه بحرف! لم تستطع استيعاب أن ذلك الكيان الضعيف المقهور الغاضب هو لابن عمها رمزي؛ الهادىء دائمًا؛ الضاحك دائمًا؛ المُسالِم دائمًا! لِذا وبكل هدوء التفتت وولت هاربة تاركة تميم يتابع درسًا تعنيفيًا من الدرجة الأولى! لكن الهرب الآن لم يكن من ضمن مخططاتها.. فقد وقفت بمنتهى البرود تنتظر انتهاء غضبه.. ربما أرعبها هذا الغضب فيما مضى لكنه الآن لا يثير بها سوى.. الامتعاض والشفقة! وما إن رأتها زوجة عمها حتى انقلبت ملامحها من الألم على حال ابنها إلى غيظ لم يُدهِشها بينما هبَّت واقفة مُتجهة إليها: _رمزي ليس بحالة تسمح له بمُقابلتك يُسْر، اذهبي الآن! وقلة ذوق المرأة لم تكن أمرًا جديدًا بالنسبة لها، لِذا وبكل هدوء وإصرار ردَّت: _لكنني أريد التحدث مع رمزي يا خالتي، لو سمحتِ! _أنا أيضًا أريد التحدث معِك يُسْر! والعبارة التي أطلقها رمزي الشارد تمامًا جعلت أمه تجُز على أسنانها بغيظ بينما لم تهتم يُسْر بها وهي تتجه إلى الأريكة الواسعة وتجلس عليها بمُقابلته تمامًا.. تحدق به ويبادلها التحديق؛ تنتظر حديثه كما ينتظر؛ لكنها_كما العادة_ كانت الأكثر شجاعة فافتتحت الحوار بهدوء مستفهمة: _ما سبب هذه الثورة يا رمزي؟ ليرُد عليها بنفس الهدوء المُغاير تمامًا لما يشعر به تلك اللحظة: _لقد خصم صاحب الشركة يومًا من راتبي. ارتسمت ابتسامة ساخرة على شِفتيها وهي تسأله رغم معرِفتها بنفي الإجابة: _أتريد أن تخبرني أن حالتك هذه سببها خصم يوم فقط؟ لم ترفرف أهدابه كما لم تفعل هي فعقَّب مُدققًا النظر بها: _سأبيع سيارتي كي أدبر مصاريف الأثاث. هزت كتفيها بلامبالاة ثم قالت: _لا أهتم بالأثاث رمزي، إن شئت نستطيع الزواج بأقل الأشياء. والغيظ احتل عينيه وهو يهتف بها بصوت أكثر حِدة: _أعلم أنكِ لا تهتمي يُسْر. وكأنها وصلت إلى هدفها بإخراجه من الجمود المُناقض لحالته الحقيقية، فصمتت وتركته يُتابع بغيظ: _أعلم أنكِ لا تهتمي بالأثاث، ولا بالزواج، ولا حتى بخطيبك! كتفت ذراعيها وهي تسأله بنبرة هادئة تُخفي السُخرية، لكنها لم تخفي الثقة: _وهل يهتم خطيبي؟! ارتسمت الدهشة بعينيه وهو يُحدِّق بها فتابعت: _أخبرني رمزي: هل تهتم أنت حقًا؟ والتوتر بدأ يكتنفه وهو يتهرَّب بعينيه منها فأردفت بصوت استفزه وفرة البرود به: _أعلم أنني ألقي السؤال مُتأخرًا كثيرًا، لكن: لِمَ أنا بالتحديد رمزي؟ أنت لم تحبني يومًا _على عكس قولك الدائم لي وصمتي وتحملي لاعترافك الكاذب، والمُهين_ وأنا لم أفعل بالطبع وأنت تعلم هذا، دائمًا ما اعتبرتك شقيقي بالضبط كما تفعل أنت، لِذا سنتخطى هذا الجزء والادعاء لأنني أحسبك شجاعًا. وعادت النظرات بينهما؛ كلا منهما كان يعلم أن هذه اللحظة قادمة؛ كلا منهما كان يُدرك أن الحوار الذي طال تأجيله حتمًا سيتم؛ وكلا منهما كان يتهرَّب من هذا اليوم! لكنها هي.. على الأخص، ستقوم بكل ما عليها حتى وإن تَمثل في سقطة تسديد هي الأجدر بها! ولا مهرب لهما الآن.. إنه وقت الحقيقة.. فقط! وبمنتهى الصراحة_التي قد تصل إلى حد الوقاحة_ أجابها: _لأنني أردت الزواج من فتاة أثق بأنها لن تخذلني مُطلقًا، ولن تتخلى عني إلى الأبد، أعلم تربيتها والأخلاق التي جُبِلَت عليها، وأنتِ ابنة عمي التي أدرك تمامًا مدى احترامها لذاتها ولأهلها، وأوقن أنها ستصونني وتحافظ على بيتي، سُهيلة الأكبر والأحق بالتفكير أعلم ذلك، لكنها دائمًا كانت من المُحرَّمات! لتبتسم هي بهدوء أعاد إليه غضبه مرة واحدة.. هل كان يطمع يومًا إلى التأثير بها؟! هل اعتقد أبدًا أنه يقدر على تلك المُعجزة؟! إحالة هدوءها إلى غضب؛ لامبالاتها إلى اهتمام؛ برودها إلى دفء؛ الآن لن ينكر أكثر أنه_بكل استحقاق_ قد فَشَل! فشل في الهرب عن طريقها.. من فشل آخر! وكأنما أفكاره ارتسمت واضحة على وجهه فابتسمت هي بانتصار! ثم وقفت بكل هدوئها قائلة: _كل ما سأطلبه منك أن تتوقف عن ترديد كلمات حب كاذبة على مسامعي، لأنني في الواقع لا آبه بها، بل أشعر بالإهانة عندما تفعل إن كنت تفهم ما أعني. شحب وجهه ثم تهرب بنظراته منها، لكنها تابعت بلا اكتراث: _ لا تهتم بذلك الخصم رمزي، ولا تبِع سيارتك أيضًا، إن أردت الزواج في غضون أيام أنا ليس لديّ ما يمنعني. وعندما أصبحت أمام الباب حدَّق هو بظهرها لتتوقف فجأة ثم تُردِف: _لن أسألك عن سبب غضبك الحقيقي فهو لا يخصني، لكن إن سمحت لا تحاول إهانة ذكاءي ثانية! وعندما خرجت يرتسم التصميم على ملامحها قابلها عمها فانتحى بها جانبًا مُتسائلًا: _ماذا حدث يُسْر؟ ابتسمت يُسْر برقة وهي تُجيبه: _ اطمئن عمي، هو بخير. ازدرد مصطفى لعابه ثم سألها متوجسًا: _وبالنسبة للزفاف، هل.. هل ستقومان بتأجيله؟ حدَّقت يُسْر في عمها بتدقيق...؛ لطالما كان كالأب بالنسبة إليها.. حنونًا رائعًا مهتمًا.. عندما لم يُرزق سوى برمزي اعتبرها هي وسُهيلة بناته ودللهما طوال الوقت.. لكن الأمر يجب أن يكن أخذ وعطاء بالتبادل، أليس كذلك؟! سألها بتوسُل أثار ألمها: _أنتِ لن تتخلي عن رمزي، أليس كذلك؟! زمت شفتيها وهي تكبح حُزنها ثم هزَّت رأسها نفيًا قائلة: _لا تقلق عمي، الزفاف سيتم قبل موعده إن أردتم، ولقد أبلغت رمزي بذلك، سأذهب إلى المحل الآن وليبقى أبي معكم، أستأذنك. وبدون أي إضافة انطلقت إلى الباب ليشعر هو بالندم الذي سُرعان ما نبذه وهو يفكر في شيء واحد: "رمزي يجب أن يتزوج من يُسْر، وبأسرع وقت!" ********** | ||||
13-02-21, 11:49 PM | #43 | ||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء
| تابع الفصل الثالث *** "كنت أعلم أنني سأجدك هنا." رَفَع زيدان رأسه فجأة ليُطالِعها بشبه ابتسامة هي كل ما استطاع الحصول عليه الآن، ثم سألها بلا اكتراث: _هل تأتين إلى هنا أيضًا؟ تطلعت رَغَد حولها بفضول ثم عادت بنظراتها إليه قائلة: _لا! إنها المرة الأولى، باسل هو من أعطاني العنوان بعدما علِم بالشجار بينك وبين ثائر وأخبرني أنك ستهرب فورًا إلى هنا. لم يرد عليها وهو يُشيح برأسه إلى المنظر الطبيعي بالخارج فزفرت هي بضيق ثم سألته برقة: _إلى متى زيدان؟ إلى متى ستبقى على حالتك هذه؟ نطق عابسًا مُحذرًا: _إن كنتِ ستقومين بتوبيخي مثل باسل من أجل ثائر توقفي أرجوكِ، لأنني هذه اللحظة أتحمل نفسي بصعوبة. هزت رأسها نفيًا وهي تبتسم بحنانها قائلة: _لا زيدان، أنا لست هنا من أجل التحدث بشأن ثائر، هو شقيقك وربما يومًا ما تكتشف خطأ حُكمك عليه وحدك. سكتت للحظات فنظر إليها بترقب لتتابع هي بنفس هدوئها المُحبب: _لكنني أريد أن أتحدث بشأنك أنت، أنا غير راضية عن هذا الضياع الذي تستسلم له مُرَحِّبًَا، أريد أن أرى زيدان الجوهري الذي تعرفت عليه للمرة الأولى عندما تزوج ثائر برِهام، أريد منك أن تخلع عنك ثوب الهم والتيه وتعود مرِحًا مُقبِلًا على الحياة كما كنت، من أجل نفسك أولًا زيدان. ابتسم بسُخرية وهو يعود بأنظاره إلى الخارج مرة أخرى مُرددًا بخفوت: _ذلك الـــ "زيدان" قد رحل منذ سنوات يا رَغَد، رحل ولن يعود، رحل ولا ينتظر سوى النهاية التي ستمنحه بعض الراحة. ازدردت لُعابها بألم وهي تُطالعه بحسرة.. مهما حاول التظاهر بأنه لا يحمل همًَّا تعلم هي أنه يهتم..؛ مهما حاول التظاهر بأنه تخطى أزمته تراه هي لايزال غارقًا بها..؛ مهما حاول ارتداء ثوب النسيان تنبثق نيران عذابه من عينيه حارقة..؛ لطالما حاولت مساعدته هي وباسل كي يستعيد نفسه من ذلك اليوم المشئوم ولم تستطع.. بكل عَزْمها وعَزْم صديقه لم تستطع.. حتى شقيقه بكل نفوذه وقوته ومحاولاته الحثيثة لم يستطع؛ فزيدان قد هرِب من الجميع ساقطًا بِهوة سحيقة تحمل ذكرى مُظلِمة ولا ينوي منها عودة إلى الأبد. _هل أخبركِ البِك أنه قام بنفيي إلى الإسكندرية عقابًا لي على عدم حضوري ذلك الاجتماع؟ وتهرَّبت من تلميحه بذكاء وهي تهتف بِمرح مُفتعل: _ليت كل النفي يكون إلى هناك! ما رأيك أن أطلب من ثائر استبدالك بي؟ هو لا يرفض لي طلبًا. نظر لها بغيظ هاتفًا: _يا حمقاء أتعتقدين أنني سأتجول على الشاطىء؟ بالطبع ثائر سيعمل بكل جهده كي يتأكد أنني سأقضي ساعات مُرهِقة لِيُرضي ساديته. ضحكت برقة شديدة ثم علَّقت باعتراض: _لا أعلم لماذا تحاول تصويره بذلك التوحُش، فهو لا يتعامل معي إلا بتهذيب واحترام ويعتمد عليّ في الكثير من الأمور، ربما أنت من تستفزه بالأصل فيصُب جام غضبه عليك. أنهت كلماتها ثم أخرجت لها لسانه في حركة طفولية فابتسم رغمًا عنه وهو يُغيظها بدوره: _لا أعتقد أن هذا رأي رِهام، فأختك أصبحت تترك القصر مرتين شهريًا هَرَبًا من نفس الوَحش الذي تدافعين عنه أنتِ بكل استماتة. شردت رَغَد بحزن في حال شقيقتها التي أصبح زواجها على صفيح ساخن، ثم عَلَّقت بقلق: _لا أعلم زيدان نهاية وضعهما، لقد تفاقم الأمر تمامًا بطريقة مُنذِرة وهي لا تُخبرني حقيقة ما يحدث بينهما. نظرت إليه بتساؤل لم تطلقه، فهز رأسه نفيًا وهو يقول بسخرية: _لا تحاوِلي رَغَد، أنا آخر انسان يمكن أن يذيع ثائر بأسراره إليه، هذا إن افترضنا أن هناك ما قد يشغل باله خارج دائرة عمله اللامتناهية. وسكت للحظات ثم أردف بألم: _ما يُحزنني حقًا هو سيلا، لا أحد يهتم بها على الإطلاق سوى أمي وأبي، لكن الطفلة تحتاج إلى والديها معًا، ويبدو أن كلا منهما لديه ما يُشغله حتى نسيا وجودها في الأساس. ارتسم الحرج على وجه رَغَد وهي تقول: _صدقني زيدان، رِهام ليست بهذا الإهمال، لكن.. ربما مشكلاتها مع ثائر ما جعلتها تبتعد عن سيلا رغمًا عنها، لكنني أثق أنهما إذا استعادا أيام صفائهما وسعادتهما سيستطيعان سويًا اجتياز هذه المرحلة المقيتة بسرعة. مط شفتيه بضيق ثم قال على الفور: _حتى إن كانت رهام لا تطيق زوجها، ما ذنب طفلتها التي أشك أنها تشعر بوجودها حولها؟! ازداد الحرج على ملامحها لينتابه الندم سريعًا، فحمحم مبتسمًا وحدَّق بها مليًا ثم قال بلا تفكير: _أتعلمين أنكِ أكثر حنانًا على سيلا من أمها؟! نظرت له بدهشة فتابع تلقائيًا: _ويومًا ما ستكونين أمًا رائعة! عمَّ الصمت بينهما ووجنتاها تتوردان، وما لبث أن انتبه هو إلى ذلك فأراد تغيير مجرى الحديث مُتسائلًا بغيظ: _وأين هو ذلك الذي وشى بِسِر مكاني المفضل، لِمَ لم يأتِ كي يشمت بي؟ زفرت براحة ثم ابتسمت قائلة بمرح: _ يبدو أن عودة أخيك من السفر اليوم قد أنهكته أكثر مما أنهكتك، لقد أشعل ثائر الشركة طوال اليوم، فأعطاني باسل العنوان وأمرني ألا أهاتفه مرة أخرى لأنه سينام لِساعات. همَّ بالتعليق حينما اتسعت عيناه بدهشة فجأة وهو يُحدِّق بفتاة تقف بالقرب من الطاولة المُجاوِرة، نظرت رَغَد أيضًا إليها ثم عادت ببصرها إليه مُتسائلة: _ماذا بِك زيدان؟ وقبل أن يرد لاحظت الفتاة نظراته إليها فاتجهت إليه مُحدِّقة به بتركيز ثم هتفت: _مُهندس زيدان أليس كذلك؟! ازدرد لُعابه وهو ينظر إليها فابتسمت له بهدوء، ثم أومأت برأسها إلى رَغَد بتحية صامتة وعادت إليه بعينيها مرة أخرى قائلة: _لا أعلم هل تتذكرني أم لا أنا... قاطعها بخفوت مُبتسمًا بتوتر: _أنتِ صديقة شيرين، آنسة... وعندما عقد حاجبيه دهشة مُحاولًا التذكر ساعدته هي بابتسامتها البشوشة ونبرتها المُهذبة: _فيروز! ********** "سأتحدث معه زيدان لا تنفث عن غضبك منه بي أنا!" أنهى باسل المكالمة مع ذلك الناقم ثم خرج من غرفة مكتبه متجها إلى المكتب الرئيسي، طرق الباب بهدوء ثم دفعه إلى الداخل وأغلقه. توقف يرمقه في مقعده الفخم يُعطي كامل تركيزه إلى الحاسب النقال أمامه فحمحم كي يلفت انتباهه، لكن الآخر لم يحرك عينيه عن شاشة حاسبه وهو يسأله بهدوء: _ماذا هناك باسل؟ تقدَّم باسل ليجلس على المقعد المواجه لمكتبه ثم زفر بحنق متسائلًا: _لماذا فعلت ذلك؟ كان من المفترض أن أسافر أنا لأتابع المجمع السكني، لِمَ أرسلت زيدان بدلًا مني؟ وبلا أي انفعال رد ثائر دون أن يحيد بعينيه عن شاشة الحاسب: _أعتقد أن توزيع تلك المهام بالشركة من اختصاصاتي أنا، أم هل تراك نسيت؟ حدَّق باسل به بعينين متسعتين مُغتاظتين ثم عدل من وضع نظاراته بتلقائية، وقال باعتراض: _أعلم ذلك جيدًا ثائر، لكنك بطريقتك هذه تزيد من عُمق الهُوة بينكما، لقد حدثني عمي محمد أيضا وأخبرني أنك تشاجرت مع بالأمس حتى تجبره على السفر! نظر له ثائر أخيرًا بملامحه الجامدة، وعينيه العسليتين، وفمه المزموم دلالة التفكير، ثم ما لبث أن تساءل بسخرية مُبطنة: _هل تتحدث معي الآن كونك باسل صديقه أم زميله بالعمل؟ وعندما همَّ باسل بالرد أردف ثائر بنظرة تحذيرية: _لأنه يجب عليك الفصل بين العلاقتين تماما إن كنت تهتم به حقا. جزَّ باسل على أسنانه كابتًا حنقه، ثم قال بهدوء: _يا ثائر استمع إليّ! زيدان لن يتغير بهذه الطريقة، قسوتك لن تعيده كما كان، مُعاملتك الصارمة له لن تُغير من الوضع شيئًا. وما كان منه إلا أن مط شفتيه ببرود مُعقِّبًا: _لقد جربتم أنتم كل الطرق الهادئة اللطيفة الودودة أليس كذلك؟! وأنا أرى أنها لم تنجح معه على ما يبدو، إذن لا يوجد سوى الأمر، فلن أظل ساكنا بمكاني حتى يقوم زيدان بإضاعة نفسه ثم إضاعة الشركة التي أفنى والدنا عمره بها بسبب تشوش عقله وتيهه الذي طال كثيرا، وواجبك يا باسل أن تتوقف عن الدفاع عن صاحبك برغم علمك بأنه على بُعد خطوة واحدة من الجنون. هتف باسل مُسرِعًا: _أنا لا أدافع عنه، أنا أتحدث بشأنك أنت، لا يعجبني حالك، أنت تدفع الجميع بعيدا عنك بمنتهى البرود واللامبالاة، تتمتع برؤية النفور بأعين المحيطين بك، تُزيد في جفائك بكل فخر، لكن ذلك التصنع لم يقنعني أنا يومًا. ابتسم ثائر نصف ابتسامة وهو يهز كتفيه بلامبالاة مُعَلِّقَا: _هي مشكلتك إذن باسل، ولا تعنيني أنا بشيء! شدد باسل النظر إليه بتحدي لم يهتم له الآخر، وبعد لحظات صامته أشار إليه ثائر بإحدى كفيه بعجرفة: _والآن إن لم يكن هناك ما يهم بالفعل تستطيع الانصراف. عضَّ باسل على شفته بغيظ مكتوم ثم انتفض واقفًا والحنق يرتسم على وجهه وهو يُعمِل عقله في هذا الوضع الخانق.. لقد أصبح ثائر خارجا عن السيطرة؛ لقد صار مكروهًا ويبدو أنه يستمتع بذلك؛ وهو قد احتار حقا.. زيدان على حق؛ ثائر أيضا على حق؛ والاثنان مخطئان! والاثنان يثيران غيظه وحنقه.. ألا يتركهما لصراعهما الذي لا ينتهي ويفر من هذا المكان؟! زفر بغيظ وهو يتجه إلى الباب منصرفا فأوقفته عبارة ثائر الحازمة: _أخبِر السكرتيرة أن مهندس آلات التصوير سيحضر الآن، فلتدخله على الفور، ولا تسمح لأي شخص بمقاطعتنا! جزَّ على أسنانه مرة أخرى وهو يخرج صافعا الباب بقوة بينما لم يبد على الآخر الاهتمام أيضًا! ********** ملابس متناثرة بكل مكان؛ أغراض مبعثرة بعشوائية؛ جاثية على ركبتيها أرضا تبكي وهي تعبث بيديها في أحد الصناديق؛ ثم ما لبِثت أن ألقته بيأس متأوهة بقهر وحسرة وألم، استندت رِهام بظهرها إلى الخزانة الضخمة ثم خبأت وجهها بين كفيها وهي تجهش ببكاء مرير.. لقد اشتاقت؛ بشدة اشتاقت؛ هذا الشوق يكاد يقتلها؛ قلبها يتحطم؛ كيانها يصرخ بها مطالبا بالخلاص؛ الخلاص من هذا المكان الذي قُيدت به منذ سنوات؛ جحيم مستعر والاسم زوجها؛ عذاب متصل في هيئة والد طفلة لم ترغب بها يومًا! والآن لا تجد الشيء الوحيد الذي يمنحها الصبر أثناء نوبات انتكاسها.. أين ذهبت؟ لقد كانت هنا! لقد كانت تطالعها بالأمس فقط.. لقد كانت تطيب جروحها بها بالأمس فقط.. هل حُرمت منها أيضا؟ من الشيء الوحيد الملموس والمتبقي من سعادتها المهدورة؟ وفُتِح الباب فجأة لينطلق الجسد الضئيل إليها هاتفًا: _أمي أريد أن.... وبدون أن ترفع وجهها صاحت بها: _اخرجي من هنا واذهبي إلى جدتك! رمقتها الطفلة الصغيرة بخوف وهي تتمنى قُربًا لم تشعر به يومًا مثل كل أقرانها؛ فالأم الجميلة غرقت في بحور أحزانها وتناست أن لديها طفلة صغيرة تحتاج لأحضانها؛ والأب الصارم على الدوام تراه صدفة كل عدة أيام فلا يمنحها حتى ابتسامة زائفة؛ الجد والجدة والعم والخالة هم ما كانوا دائمًا عوَضَا لها؛ لكن.. هل يُعَوَض المرء عن والديه بأي شخص مهما بلغ حنانه واهتمامه؟! تقهقرت سيلا إلى الخلف بخيبة أمل ثم انطلقت إلى جدتها باكية. أما الأم... فقد عادت إلى بحثها بلهفة وذعر وهي تطرد خاطر فقدانها إياها بعيدًا؛ لكن كل الدلائل تشير إلى العكس! وبعد نوبة انهيار دامت لدقائق رَفَعَت رأسها فجأة والعزم يرتسم على ملامحها.. لن تنتظر تدخلا لن يتم من أبيها؛ لن تنتظر رحمة من كائن فقدها على يديها منذ سنوات؛ لن تنتظر راحة لن تحصل عليها بهذا المكان؛ يجب عليها الجري خلف مُرادِها بنفسها! وها هي فعلا النهاية.. ونهاية عذابها ستكتبها بيديها وحدها.. ولن تسمح لأحدهم بدعسها مرة أخرى! ********** بمجرد أن أتمت يُسْر لف وشاحها اقتحمت أختها الغرفة هاتفة بتحذير: _أنت لن تفعلي ذلك، صحيح؟! نظرت لها بدهشة وهي تسألها: _أفعل ماذا؟ رمقتها سُهيلة وهي تؤكد بلهجة معترضة: _لن تتزوجي برمزي يا يُسْر. ارتخت ملامح يُسْر وهي تعود إلى تحديقها بالمرآة قائلة: _ولِمَ لا أتزوجه؟! هو خطيبي بالفعل ألا تعلمين ذلك؟! زفرت سُهيلة بضيق ثم صاحت بها: _أنتِ لا تحبينه يُسْر، أنتِ لا تشعرين تجاهه سوى بالأخوة، كيف ستصبحين زوجته؟ التفتت لها يُسْر قائلة بتهكم شابته حسرة صريحة: _لقد جربتِ أنتِ الحب ذات مرة، هل تسبب في إسعادك يا سُهيلة؟ والألم الذي ارتسم على وجه شقيقتها جعلها تلعن غبائها؛ وبرودها.. فاقتربت منها وأخذت تُربِّت على شعرها ثم قبَّلت جبهتها قائلة بنبرة مُعتذرة: _آسفة سُهيلة، أعذريني لم أقصد إزعاجك. ابتعدت سُهيلة إلى الخلف مُبتسِمة بحنان فتابعت يُسْر بيأس وهي تجلس على حافة الفراش: _كلما اقترب موعد الزفاف يشتد النزاع بداخلي، التمزق يعذبني سُهيلة، وأعلم أنني في النهاية سأكون زوجة رمزي، وبالرغم من ترديدي هذا على عقلي طوال الوقت، إلا أنني لا أستطيع استساغة الأمر مُطلقا! اجتاحت الشفقة عيني سُهيلة وهي تنظر لأختها الأصغر سِنًا والأكبر عقلًا! لم ترها يومًا على هذه الحالة من الألم واليأس والرفض.. لم يُجبرها أحد على أي شيء أبدًا لكنهم الآن يفعلون؛ وتُظهر هي_للمرة الأولى_ استسلامها! اتجهت إليها وجلست إلى جوارها ثم تساءلت بهدوء: _ألم تشعري يوما تجاهه بأية مشاعر؟ شردت يُسْر بنظرة غريبة فأوضحت سُهيلة: _أعني، هل الأمر دوما كان أخوة فقط؟ وبعد لحظات صمت ثم زفيرًا مُتعَبًا تحدثت يُسْر بنفس الشرود: _يومًا ما سُهيلة، يومًا ما حاولت إقناع نفسي بقوة بأنني مُعجبة به، حاولت إرغام نفسي على حبه، لكن لم يطل الأمر حتى اكتشفت أنني كنت سأخطيء بحق نفسي، وأنني لن أفعل على الإطلاق مهما طال بي الزمن معه. ثم ابتسمت بسُخرية مُتابعة: _بالرغم من غرابة الأمر فإنني أحمد ربي أنني لم أعتنق أفكارك الحالمة! ومحت ابتسامتها وهي تزفر مرة أخرى بتعب قائلة: _لو كنت مثلك سُهيلة لربما هربت من كل شيء قبل أن أصبح زوجة لرجل لا أحبه. وأردفت بخفوت: _رجل حتى لا أكرهه! أمسكت سُهيلة بكتفيها وهي تهتف بها بحزم: _لايزال هناك وقت يُسْر، بإمكانك التراجع، لا شيء يجبرك على تلك الحياة التعيسة، حتى القبول لا يوجد بينكما، لماذا تفعلين بنفسك ذلك؟! ما الذي يُجبِرك؟! ارتسمت الحسرة بعيني يُسْر وهي ترد هامسة: _الواجب يُجبرني سُهيلة، الواجب أهم من القبول! هبَّت سُهيلة واقفة وهي تصيح بها بحنق: _عن أي واجب تتحدثين يا يُسْر؟، أنتِ لستِ مدينة بشيء لأي شخص، رمزي يتصرف بأنانية، وعمي أيضًا يتصرف بأنانية، لا يُعقل أن تقضي حياتك كلها مع رجل لا تتقبلينه كزوج تسديدًا لِدَين لستِ مُلزمة به أصلا! انتفضت يُسْر صارخة للمرة الأولى بحياتها وهي تكتم دمعاتها بقوة: _مُلزمة سُهيلة، أنا مُلزمة كليا، لا أستطيع تخييب أمل عمي بعد ما فعله معنا منذ سنوات، لولاه لكنا حُرِمنا من أبينا، لكنه لم يتردد لحظة واحدة، والآن تتوقعين مني أن أتقاعس عن المطلب الوحيد الذي يتمنى أن أنفذه له؟ هزَّت سُهيلة رأسها رفضًا وهي ترمُق أختها برِفق قائلة: _ليس من حقه يا يُسْر أن يبتزك عاطفيا لذلك السبب، لقد ساعد شقيقه، شقيقه يا يُسْر قبل أن يكون أبينا، لِذا لا علاقة لكِ بالأمر، ليس من العدل أن تدفعي أنتِ الثمن! تهرَّبت يُسْر من عيني شقيقتها هامسة باستسلام مُستجد عليها: _سأتعايش سُهيلة، سأتعايش كما تفعل الكثيرات غيري! وابتعدت للخلف لتنصرف إلى المحل وهي تؤكد على نفسها صحة قرارها. ********** "أتعتقدين يا يُسْر أن الرجل بإمكانه أن يظل مخلصًا لحبيبته مهما حدث ومهما طال الزمن؟" ألقت فيروز السؤال بِشرود وهي تستعيد صدفة الأمس، والتي تكمن غرابتها بمكان حدوثها.. فكأن الزمن قد عاد إلى الخلف أربعة أعوام كاملة.. نفس المقهى؛ نفس الطاولة؛ مع لمسة ضائعة! نظرت لها يُسْر بتوتر وهَمَّت بالتحدث لإزاحة هذا الثقل عن كاهليها، لكن فيروز تابعت بحماس: _بالأمس قابلت زيدان الجوهري، هل تتصورين أنني قابلته في نفس المكان الذي قابل به خطيبته للمرة الأولى؟! زفرت يُسْر باستسلام ثم سألتها بِلا اكتراث وهي تُجرِّب أحد الأقلام قبل أن تُعطيه للطالبة التي تنتظر شراءه فأخذته وانصرفت: _ومن هو زيدان الجوهري ذلك؟ حدَّقت فيروز بها بدهشة ثم هتفت بها باستهجان: _هل أثَّر عملك بالقسم الأدبي بالجريدة على معلوماتك العامة يا فتاة؟! وعندما ظل عدم الفهم مُسيطرًا على ملامح يُسْر تابعت فيروز بغيظ: _ زيدان الجوهري الذي يمتلك أسهمًا في شركة الجوهري للمقاولات. نظرت لها يُسْر بانتباه ثم هتفت بعض لحظات: _إنها الشركة التي يعمل بها رمزي! أومأت فيروز برأسها إيجابًا ثم عقَّبَت: _نعم هي، لكن زيدان كان خاطبا لشيرين صديقتي، أتتذكرينها؟ رَفَعَت يُسْر رأسها والإشفاق يعلو ملامحها مُستوضِحة: _أتعنين تلك الفتاة التي توفيت منذ سنوات في حادث سيارة؟! ********** خرج رمزي من عمله والعبوس على وجهه منذ الأمس لا يبرح ملامحه.. يُحاول أن يتغاضى عن ألمه وغضبه بالتفكير في شيء آخر.. شيء أكثر سعادة، وأكثر إشراقا؛ شيء مثل زفافه المرتقب! الألم يصرخ بقلبه فيتجاهله؛ الذنب يقرع بعقله فيصم أذنيه عنه؛ والسؤال يدور حوله في هيئة شبح شارد! "كيف ستكون حياتك مع يُسْر؟" وسؤال آخر في هيئة شبح شارد آخر! "ألا تستحي زواجك منها بسيف الحياء؟!" وسؤال أهم في هيئة شبح أهم، لم يشرد عنه يومًا وتتشكل ملامحه ببراءة مناقضة لكينونته! عينانان سوداوتان؛ شعر أسود بخصلات ناعمة؛ ابتسامة رقيقة حالمة؛ لينتفض الشبح متسائلا: "كيف ستعيش مع واحدة وقلبك لايزال مِلكًا لأخرى؟!" "وكيف ستكون حياتك وأنت لا تتوقف عن استعادة ذكريات غرامك مع الأخرى؟!" أغمض عينيه يكبح صراخا يدوي بقلبه وعقله معه، ثم فتحهما ليتسمَّر مكانه والطرق ينهال على عقله؛ فأمامه.. على بُعد خطوات من مقر عمله..؛ تقف برقتها المعهودة وأنوثتها المميزة..؛ الأولى والأخيرة؛ الوحيدة وبقلبه الدائمة؛ هي نفسها.. الأخرى! لينساب صوتها داخل أذنيه كزقزقة عصافير الصباح مُرَحِّبَة: _مرحبًا رمزي! وبكل الشوق العارم بقلبه؛ وبكل الحب الذي أتم سنوات؛ وبكل الحنين الذي تغذى على روحه؛ رد بتولُّه: _مرحبًا رِهام! *****نهاية الفصل الثالث***** | ||||
15-02-21, 12:28 AM | #48 | ||||
| سلمت يداكي علي الفصل 👍 منذ بداية قرائتي للرواية وانا احاول وضع تصور ثابت لكل شخصية ولكن يأتي الفصل التالي فتتقلب افكاري مرة اخري الي النقيض 🤔ففي البداية كرهت شخصية يُسر الخائنة لصديقتها ولخطيبها وتعاطفت مع رمزي ولكن هذا الفصل اوضح لي جانب آخر من الشخصيتين ((_مُلزمة سُهيلة، أنا مُلزمة كليا، لا أستطيع تخييب أمل عمي بعد ما فعله معنا منذ سنوات، لولاه لكنا حُرِمنا من أبينا، لكنه لم يتردد لحظة واحدة، والآن تتوقعين مني أن أتقاعس عن المطلب الوحيد الذي يتمنى أن أنفذه له؟ )) يُسر المضحية لأجل عائلتها ورمزي الاناني!!!!!😮 ثائر ورِهام 🙂كنت اعتقد بإن ثائر مجرد زوج جلف بارد المشاعر و انه يهين زوجته ويبخل عليها بمشاعره ولكنننن مرة اخري اصُدم من سير الاحداث علي غير المتوقع واتضح ان شخصية ثائر الباردة ما هي الا نتاج تصرفات رهام السابقة معه التي جعلته يصبح بهذا الشكل---> ""أنا لا أفكر بتلك التفاهة رِهام، لقد تُبت عن أمور الحب والقلوب ولم تَعُد باهتماماتي والفضل لكِ كما تعلمين، ولهذا أشكرك.. بتر عبارته يرمقها بامتعاض لم تر هي الحسرة التي تخللته، والتي كانت موجهة إلى نفسه: _أشكرك لأنكِ جعلتني أشك وأرتاب بالجميع بلا استثناء، وهكذا لن يستطيع أحدهم النيل مني مُطلقًا!!!! يا تري ما الذي حدث في الماضي لكي يحدث مثل هذا التحول للشخصيتين وما علاقة رمزي برهام؟؟؟؟🤔 الصغيرة سيلا الوحيدة من تعاني بسبب هذا الزواج الفاشل واهمال الاب والام لها حقا لا يستحقا وجودها في حياتهم😢 تميم بالنسبة لي غامض لا افهم سبب علاقته بيسر ولم يرتبط بفيروز وهو لا يحبها وهل هو قريب لعائلة يسر لدرجة ان يكون حاضرا لايقاف رمزي من التهور؟؟؟ سهيلة وباهر هل قرارها بالزواج منه كان مجرد اعجاب وانبهار به وبالسفر وقرار متسرع منها بدون تفكير ام كان هروب من حب أخر وما هي قصة أن سهيلة من المحرمات كما قال رمزي؟؟😲 رغد وزيدان وباسل وفيروز هم من تقبلتهم من البداية ولكن يا تُري هل سيستمر اعجابي بهم ام سيجد جديد وانقلب عليهم ايضا😅 | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|