آخر 10 مشاركات
رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          عندما يعشقون صغاراً (2) *مميزة و مكتملة *.. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )           »          مرت من هنا (2) * مميزة *,*مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          بأمر الحب * مميزة & مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          شيوخ لا تعترف بالغزل -ج3 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          سمراء اليونان ..الجزء الأول "متميزة" و "مكتملة" (الكاتـب : جلنارag - )           »          أم لابنة الرئيس (41) للكاتبة: Susan Meier..... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          77 - في عتمة الذكريات - آن هامبسون ( إعادة تصوير ) (الكاتـب : عيون المها - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

Like Tree712Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-11-20, 03:03 PM   #3811

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثاني عشر

انها المرة العشرين التي يرن فيها على هاتفها و المرة الثالثة التي يتجرأ ليطرق على بابها، لكنها ترفض قطعا رؤيته، ما المتبقي اليها لإفهامه بأنه لا يهمها؟ لكن لوكا يفقد اللحظة رشده أمام بيتها، و لونا بدأت تقلق من هذا الازعاج:
" انه عمّ لوكا... مجددا..."
تستمر ابنة شقيقتها بمناداته بعم لوكا، كانتا بصدد جمع حاجياتهما لقصد الريف بالسيارة و امضاء نهاية الأسبوع، وعدت لونا بزيارة الحيوانات و اطعام السناجب بالبندق الذي اشتريتاه أمس، عاد هاتفها يرن، رقم لوكا مهددا، تنهذت و ابتسمت للونا:
" اتممي جمع أغراضك عزيزتي... لا تنسي أخد حذائك المطاطي و معطك الثقيل... الجو بارد جدا في الريف..."
هزت الصغيرة رأسها موافقة، لكن عينيها مازالتا قلقتين جدا، نزلت الدرج بخطوات مقتضبة، كانت تغلي من الغضب، منذ المساء الذي ورّم فيه أنف وارين ترفض مطلقا كل محاولاته بالتكلم اليها، قررت رميه من حياتها لأن وجوده ببساطة موجع جدا و مريب، فتحت الباب الخارجي، رأته يضع أصبعا على الجرس، وجهه متصلب من الغضب و اليأس، التقت نظراتهما، بدى و كأنه لا يصدق بأنها أمامه:
" هل هناك رجل في الداخل؟ لهذا ترفضين الكلام معي؟"
أغلقت ميغان الباب خلفها لتمنعه من أن يطل بأنفه،:
" مالذي تريده لوكا؟؟ لما لا تتوقف عن ازعاجنا؟ لونا في الداخل و يرعبها اصرارك..."
" أنت من يدفعني لإزعاجكما لأنك ترفضين الرد على مكالماتي..."
هزت عينيها الى السماء:
" لأنه لم نعد نملك ما نقوله... اي موضوع مهم هذا يجعلك تتردد على هنا ثلاث مرّات؟؟ أقسم بأنني غيرت رئي في اللحظة الأخيرة بالاتصال بالشرطة، هذا سيء لإبن سياسي كبير...."
رأت ملامحه تتصلب أكثر، لا يبدو ان تهديداتها تؤثر به، لم تكن تمطر لكن الجو شديد البرودة، و لوكا لا يرتدي معطفا يقيه من البرد، لكن لا يبدو متجمدا أو حتى يعاني من ذلك:
" هل تخرجين مع وارين؟"
" بعد أن ورّمت أنفه؟؟ أتفادى التكلم اليه لأنني أموت من العار و الخجل..." زمجرت به غاضبة:" لما تتصرف بهذه الطريقة؟؟ لم أهاجم نسائك لوكا... لما تعود الأن و بهذه الطريقة المصرّة؟؟انتهى ما بيننا منذ ثلاث سنوات..."
" منذ ثلاث سنوات لم تخرجي مع رجل ميغان... انها المرّة الأولى التي تظهرين علنا مع ذلك السافل..."
فتحت فمها لتتكلم لكنها من الغضب بحيث لا تجد الكلمات الصحيحة:
" أيها الأناني المتغطرس... تظن بأن لك الحق بالظهور مع النساء متى يحلو لك بينما كبريائك المبالغ فيه تضرر لأنني قررت وضع حدا لعزوبيتي و قبول دعوات وارين؟"
" أعرف بأنه لا يهمك..."
" كما لا تهمني أنت..." صرخت به وهي تضربه على صدره بعنف الى أن شعرت بمعصمها يؤلمها:" بأي حق تفعل هذا؟؟ قمت بإيذائي بينما كنت في أشد الحاجة اليك... فقدت شقيقتي في حاذث لعين و تركت لي طفلتها اليتيمة... لكن بدل الوقوف معي أدرت لي ظهرك و ذهبت لسرير بريثني..."
لا تبكي أبدا أمامه، لم تفعل هذا الأمر حتى و هي تتوجع لهجرانه، لكنها المرة الأولى التي تشعر فيها بأنها تفقد حقا السيطرة على مشاعرها، أنانيته لا يتخيلها عقل، مد يده ليمسك بمعصمها و كأنه شعر بالألم الذي يهتز فيه في هذه اللحظة:
" لا شيء جمع بيني و بين بريثني..." حاولت نزع معصمها لكنه لم يتركها تتحرر من قبضته، بيده الأخرى أبعدت أصابعه خصلات شعرها المنفلثة من تسريحتها العشوائية: " ميغان... يمكنك سؤالها... أنت المرأة الوحيدة التي تهمني"
" تريد القول همتك لفترة..." صححت له بجليدية.
هز رأسه لينفي كلامها:
" لا تفعلي هذا... لا تبتعدي عني مجددا..."
هل يمكنها أن تشعر بالتعاطف مع هذه اللكنة المنكسرة؟؟ تكاد أن تصدق بأنه يتألم مثلها، يقول بأنها همته، بينما لم يتأخر بإستبدالها مع عدد لا يحصى من الجميلات... بعد هجرانها له، لم تستلم ناومي، و لم تتركها و شأنها، فعلت ما استطاعت لتقربها منه مجددا، حتى انها وصلت بأن تسر لها بأن القطيعة أدخلت أخاها في حالة اكتئاب شديدة، في نفس اليوم، ظهر هذا الأخير مسرورا مع شقراء فاثنة بجانبه...
" لا أعرف ما تنتظره مني... لكن دعني أخبرك بأن ما في رأسك لن يكون أبدا... لا أنوي السماح لك بإقتحام حميمتي مجددا... إرحل من هنا.."
كانت قبضته على معصمها تشبه الأصداف الحديدية، لا ينوي تركها، التعبير الهش الذي تخادل في نظراته الجميلة اختفى ليحل شيء مريع فيهما.
" كل هذه القصة مع بريثني مجرد ذريعة لتركي..."
" من العار التملص من مسؤولياتك ... تحملها كبالغ وليس كطفل مدلل... بريثني بنفسها أكدّت لي الموضوع، و بأشد الطرق اذلالا..." كان يشد على معصمها لدرجة ان اصابعهما معا بدأت تفقد لونها و تشحب بشدة، الالم اصبح لا يطاق، لكنها متأكدة بأن لوكا لم ينتبه للطريقة التي يسجنها بها: " أنت تؤلمني..."
" أنا آسف..." خفف من قبضته و تطلع الى معصمها و كأنه يتأكد بأنه لم يترك عليه آثارا مريبة، ثم و بدون اي توقع حمله الى شفاهه ليضع عليه قبلات صغيرة جعلتها تشد أنفاسها من المفاجئة:" لا أنوي ايذائك ميغان... "
استعادت يدها و فركتها قليلا لتبعد الاحساس اللذيذ لشفاهه على جلدها دون ان تبتعد بنظراتها عليه، رأته يدفع بأصابعه في كثلة شعره الغزيزرة ثم يعود ليواجهها بنظراته العميقة:
" الحياة مريبة بدونك..."
ماذا؟؟ انتظرت كل شيء عدا هذا الاعتراف، لوكا يملك من العنفوان ما يمنعه من التنازل أو حتى اذلال نفسه، لكنه اللحظة يبدو كمن يخوض حربا عنيفة مع نفسه:" لا أعرف بالضبط ما حذث في الماضي، لكنني متأكد بأن كل ما حذث بيني و بين محامية ارشيبالد تلك الليلة هي العمل حتى وقت متأخر، ان كانت اتهاماتك صحيحة، فأجهل الأسباب التي تدفعها لإختلاق هذه القصة بينما تعرف بأننا نعيش معا..."
كل موظفات ارشيبالد تتدحرجن بين هذين الطرفين، لوكا مارشال و كيليان ارشيبالد، بريثني لم تنجح يوما حتى بدفع كيليان منحها نظرة أطول من الطبيعي، حتى أنها استعملت كل الأسلحة الممكنة، غريب وفائه لإيموجين بالرغم من أنها لا تهمه و لا يحبها.
" لم اختلق قصة ادعاءاتها ... أخبرتني بريثني بأنها أمضت الليلة معك في شقتك..."
" هذا افتراء و كذب..." أكد بلهجة صادقة..
هل ترغب بتصديقه و نسيان ثلاث سنوات من العذاب بصمت لرجل لا يستحقها؟؟ لما نبرة الصدق في صوته تتوسلها للخروج من حالة التأهب التي تدخلها كلما كان في الجوار؟؟ ان كانت تحبه؟؟ في الحقيقة، مشاعرها نحوه لم تتغير أبدا، انه الرجل الوحيد الذي أستعملت حبوب النوم لإخراجه من رأسها و الاستسلام لليالي طويلة بدون أحلام و لا كوابيس، لكن ماذا عنه؟؟ مالذي تمثله بالنسبة اليه أكثر من ميغان القوية و التي يؤلمه رفضها بشدة؟
" قولي بأنك تصدقيني أرجوك..."
" هل لهذا أهمية الأن؟؟ " سألته بصوت مهتز أكثر مما آملت.:" منذ البداية لم يكن لعلاقتنا أي معنى... بغض النظر عن رؤية كيليان للموضوع فأنت أحد شركائه و شقيق زوجته و أنا مديرته، لا أعرف لما احتفظ بي في مؤسسته بينما أخترق أول شروط العمل... ممنوع الخروج مع أحد الشركاء"
كانت أسنانها تهتز، البرد بدأ يجمدها بسبب طول مدة وقوفها في الفضاء العاري دون معطف فوق كنزتها، اقترب منها لوكا، يديه على ذراعيها يفركهما ليمنحها الدفئ:
" ميغان أنظري الي..." وهل تملك أي خيار كي لا تفعل؟؟ انه يبتلع فضائها بهيئته الطويلة، هزت عينيها نحوه: " ما زال للموضوع أهمية بالنسبة الي... "
الصدق في صوته بدا مليئًا بالحب ... أم أنه قلبها الطائش ، الذي صدق ما حلم أن يراه ، يسمعه ، يشعره ...
" أريد العودة ميغان ..."
تركته يأخدها بين ذراعيه و يواسيها، انحنت بوجنتها على صدره و ضغطت عليها، كان قميصه مثلجا من البرد، كلاهما متجمد، ارتجفت برعشات عديدة بينما يضغط بشفتيه على شعرها. الرائحة المنعشة لعطره الخاص حولت حواسها، عادت الذكريات المشتعلة إلى الظهور لتذكّرها بقوة لياليه الامنتهية.
فُتح الباب خلفها و ابتعدت عن لحظة الضعف التي شعرتها بين ذراعيه، رفضت الالتقاء بنظراته المتفحصة، دفعت الخصلات خلف أذنها بينما لونا تظهر بملامح قلقة، ابتسمت لها مطمئنة:
" كل شيء على مايرام حبيبتي..." لونا تتطلع ببعض الفضول نحو لوكا.
" الن نذهب الى الريف؟" سألتها بحذر.
" بلى سنفعل.. هل أتممتي تجهيز حقيبتك؟؟"
" لا أجد معطفي المطاطي..." أجابت ببعض العصبية.
" أظنني وضعته في الرفوف العلوية... سوف أحضره لك بنفسي... انتظريني في الداخل فالجو بارد جدا..."
لم تعترض مثل عادتها، لونا طفلة جميلة جدا و متفهمة، لا تتصنع الكثير من الأزمات الغير مرغوب بها، مثل أوكتافيا التي تفعل كل ما بإستطاعتها لإثارة اهتمام كيليان، لسيما منذ انهيار زواج والديها.
ادلف لوكا يديه في جيوب بنطاله و كأنه يحاول إخفاء عصبيته:
" ستذهبان الى الريف؟؟"
" وعدت لونا بإطعام السناجب و امتطاء الاحصنة... ارشيبالد تملك منتجعات سياحية لموظفيها... وجدت شاليه متوفر لحسن الحظ..." فركت جبينها بظفر سبابتها:" يستحسن أن أنهي جمع الحاجيات لا أنوي الوصول متأخرة..."هز رأسه متفهما:" يومك سعيد لوكا..."
لكنه لا ينوي البقاء هنا:
" هل ستفكرين بي ميغان؟ في عرضي لك؟؟ "
بللت شفتيها المثلجتين:
" اسمع..."
قاطعها:
" أريد العودة الى حياتك... "
" تأخر الوقت كثيرا..." يعرف بأنها تقصد علاقتهما و ليس وقت رحلتها مع لونا:" عليّ الذهاب..."
تراجعت الى الخلف ووضعت الباب بينهما، عندما أغلقته في وجهه كان مايزال يتطلع اليها بنفس الطريقة الصعب تشفيرها، بقيت متسمرّة خلف الباب متأهبة... لكن لم يحذث شيئا.
* * *
عندما يتحدث الناس عن أنفسهم... فالأمر بمثابة سلخ جلودهم تمام و ترك لحومهم نيئة، هذا بالضبط ما يتورط به الماضي في كل هذه الصور و الأوراق، تعرف بأن نظرات سابرينا عليها، لكن الصخب في عقلها يمنع عنها التفكير كليا،عالمها أتى على التدمر كليا، الظلام في هذه المعلومات سحبها بعنف الى قعر الجحيم...
" اذن... فحياتي تختصر في هذه الأوراق..." سألت دانيلا حماتها التي استعادت أوراقها التي لا تنوي مطلقا تركها بين يديها.." خوسيه... متأكد بأنني لست ابنة حبيبته"
" الحقيقة الكاملة لن تنفعه سوى بتحطيم نفسه... لسيما وهو يعاني مع مرض مزمن و يحاول التعافي من أجل أبنائه... إحميه من هذه المعاناة دانيلا "
أخبرها خوسيه بأنه قام بالتحاليل المناسبة، اذن فقد انتبه بدوره لتقارب الأرقام بينهما... تماما كما انتبه لها اليساندرو و أخفى عنها... هذا الشيء أشعرها بالغضب الشديد... الغضب و الخيبة و عدم الأمان... كيف أمكنه خيانتها بينما يراها تتمزق لتعرف الحقيقة؟!
القت نظرة تائهة على المكتب الذي احتله أشرس رجل عرفته صقلية، كانت بصماته في كل أركانه، انه موجود رغم غيابه، شيء لا يُصدقه عقل.. شعرت فجأة بأنها اكتفت... محيطه الحميمي يخنق عليها بقوة، تريد فحسب الهرب من هنا.
" أخبرتك لأني أراك صلبة... ورثت طباع والدتك النارية..."
" لو كانت بتلك القوة لما انتحرت أو سمحت لأحد بإيذائها..." ردت دانيلا.
لم تكن تسمع جيدا، صوت قطار مسرع يهتز بعنف في أذنيها و يحجب عليها سماع أي شيء آخر.
" لن تخبري اليساندرو... أنت وعدتني..."
" اليساندرو كذب عليّ... الشيء الذي لن اسامحه عليه..."
نقطة ضعف سابرينا هي أولادها، رأت رباطة جأشها تهتز تحت هذا التهديد الذي خرج قبل أن تتحكم فيه:
" لن تعاقبيه...هو يجهل الحقيقة كما يجهلها الجميع...حتى روكو لا يعرفها صدقيني"
اكتفت حتى من سماع صوتها، تريد فقط الانزواء بمكان لن يجدها فيه أحد و التفكير في كل ما اتت على اكتشافه، الأمور أشد تعقيدا مما توقعت... قلبها يتمزق بشدة" طلبتي الحقيقة فحصلتي عليها اذن كوني قوية و على قدر المسؤولية و لا تتهوري... "
كلمات سابرينا أتت صارمة جدا، لا يبدو أنها تمزح، ذكرتها عينيها بنفس قوة نظرات ابنها روكو، هذه المرأة تملك الكثير من الشخصيات تستعملها حسب الظرف... وقفت و شعرت بالمكان يدور من حولها، وضعت يدها على صدغها، صداع لا يُطاق بدأ يهدد بتفجير رأسها:
" أريد أن أكون بمفردي..."
لم تعترض سابرينا و تركتها تذهب، تجهل بأي معجزة وصلت الى غرفتها، بل غرفة اليساندرو التي تتشاركها معه، للمرة الأولى تندم على قرار تركها غرفتها، تريد البقاء بمفردها و اعادة التفكير في كل هذه المصائب التي نزلت على رأسها...
جلست على الكنبة و أخدت رأسها بين يديها،كان يجب أن يناقش الموضوع معها ، أقل الأشياء... الغضب غزاها بعنف، وتبحث يائسة عن مخرج لهذه المصيبة دون ان تجدها، حياتها برمتها أخدت اتجاها مغايرا بشكل لا يصدقه عقل، مالذي سيفعله خوسيه ان عرف الحقيقة؟؟حقيقة من تكون؟ هل سيحبها؟ ينبذها؟ وهي ستحب نفسها بعد اليوم؟ تفهم الأن لما وضع أهلها الوصاية لخوسيه ما رتينيز... لأنها ببساطة من المارتينيز و ليس بالطريقة التي تمنتها أبدا... بل بأسوأ الطرق الممكنة أتت الى الحياة... على حساب امرأة انتحرت في النهاية بسبب كل الضغط الذي تم مزاولته عليها.
مسحت دموعها عندما شعرت بأنها لم تعد بمفردها، اليساندرو في الهاتف يتكلم بلغة لا تفهمها، ما ان اكتشف انها في الجناح حتى انهى المكالمة، كان قد استحم و ارتدى ملابسه و يبدو مستعدا لتلك النزهة التي وعدته بها.
جثى أمامها على الأرض وأسرعت أصابعه بدفع شعرها عن وجهها:
" هل الموضوع أسوأ مما ظننت؟؟" سمعته يسألها برقة دفعتها للانتحاب مجددا:" أخبريني !"
" و لما أفعل؟؟" سألته بنبرة جليدية وهي تبتعد عن لمسته:" لما أتقاسم معك شيئا اليساندرو بينما أخفيت عني بأنني من المارتينيز؟؟ أنت من استلم تحاليل الدم و أخبرتني فقط بنصف الحقيقة!"
بدى الاحراج على وجهه:
" اسمعي... ماذا كنت ستفعلين مكاني لحماية الانسان الذي تحبينه بينما كل شيء ما زال متشابكا و غامضا و معقدا..."
" حمايته ربما.. لكنني لم أكن لأبقى مكتوفة الأيادي... كنت لأساعده..." قالت بلهجة مليئة باللوم وهي تبتعد عن الكنبة و تقصد خزانة الملابس، تريد ان تكون بمفردها، بعيدا عن أي مكان يذكرها بهذه القصة المريبة.
وقف اليساندرو من الأرض وتقدم منها في الوقت الذي بدأت تبحث فيه عن حقيبة سفرها، وجدتها بعد تنقيب عصبي ووضعتها على السرير، ثم بدأت بوضع أغراضها في قلبها:
" من أخبرك بأنني لم أحاول المساعدة؟؟" سألها بهدوء. لم ترد، كانت الغصة في حلقها تمنع عنها الكلام:" سابرينا أمينة روكو... انهما يعشقان بعضهما رغم كل التوثرات بينهما منذ اكتشاف سر صوفي... و تبقى كاتمة أسراره لذا رفضت كل محاولاتي بمعرفة حقيقة الارقام المتقاربة في التحاليل و قصدت فورا روكو... أخبرني بأنك ابنة اليونور... و أخت خوسيه..."
توقفت يديها على تكديس ملابسها في الحديقة، رأسها سينفجر:
" أخت خوسيه؟ ماهذه القصة؟"
بدأ التردد على ملامحه:
" اليس هذا ما أخبرتك به والدتي؟"
هزت رأسها بعنف الى أن شعرت بالدوار العنيف:
" لا... ليس هذا ما أخبرتني به سابرينيا..."
ربما انتبه اليساندرو لشحوب وجهها و الدموع التي لم تعد قادرة بكبثتها، اقترب منها ليمسك بيدها و يحثها على الجلوس على السرير:
" من منهم يكذب؟؟" تسائلت بصوت هش.
" روكو لا يكذب أبدا..." قال اليساندرو وهو يأخد قنينة مياه من البراد و يفتحها ليضعها بين شفاهها.
شربت من المياه المعدنية التي رحب بها حلقها الجاف، تملكتها فورا رغبة في الغثيان، العصبية و الحزن و الغضب كوكتيل سام في كيانها في هذه اللحظة، استعاد القنينة و جلس بالقرب منها، يده مجددا على وجهها، يتطلع اليها بعينين قلقتين:
" مالذي أخبرك به روكو بالضبط؟!..." سألته بصوت لم تتعرف عليه.
رأته يلتقط نفسا عميقا:
" بأن اليونور... كانت على علاقة ازدواجية بالأب و الابن... و أن أبي تدخل لإنقاد المظاهر... وتم طمس الموضوع بتبني ناديا لك... فاليونور كانت مجبرة على الزواج من رجل آخر..."
طرقات على باب الجناح جعلتهما يديران رئسيهما نحو الزائر، ليست متفاجئة لرؤية سابرينا مجددا، رأتها تتطلع اليهما بعينين نافذتين، اللتين ضاقتا ما ان سقطتا على الحقيبة و الملابس، هل أتت لتتأكد بأن لا تخبر اليساندرو بالسر المهين؟؟ بأن والده حثالة وجب التخلص منه لانقاذ البشرية عامة؟!
" أتيت لأرى ان كنت بخير.!" قالت هذه الأخيرة و هي تدنو بخطوات إمرأة عاشت حياتها في فرض هالتها الامعقولة، كانت مستقيمة جدا في مشيتها... أصبحت دانيلا تراها بعين أخرى الأن... تنقصها بدلة لتصبح روكو.
" بالتأكيد هي في حالة سيئة...مالذي أخبرتها به أمي؟" لهجة اليساندرو الاتهامية لم تروق لوالدته التي حطت عليه نظرات جليدية.
" فعلت ما طلبته أنت مني... قول الحقيقة..."
شعرت دانيلا بأنه من واجبها التدخل :
" حقيقة متناقضة تماما مع قصة روكو!..."
هذه المرة رباطة جأشها اهتزت:
" كلمتي روكو؟؟"
" أنا من كلّمه... قبل العيد..." قال اليساندرو وهو يضع نفسه أمامها:" عندما اكتشفت تقارب الأرقام بين دانيلا و خوسيه واجهته... أخبرني بأنها شقيقة خوسيه..." هزت سابرينا حاجبها لكنها لم تعلق بشيء، لما تلتزم بالصمت أمام اليساندرو؟ أم انها طريقتها لحمايته من سمعة والده السيئة؟؟ " أريد أن أعرف أنا أيضا ما يحذث... دانيلا خطيبتي و ستصبح زوجتي ذات يوم..."
لما ترى الملامة في عينيها؟؟ و كأنها تعتبرها المسؤولة عن هذه المواجهة... لكن هناك خلل في الموضوع، سابرينا و روكو ليسا على نفس الطريق في قصتها:
" ظننتك أكثر قوة..." وجهت سابرينا كلامها اليها:" أخطأت التقدير..."
" لم أخبره شيئا لأنك طلبتي منك ذلك... لكن ابنك متورط في الموضوع لأننا مخطوبين و أمري يهمه بالتأكيد... " ردت دانيلا مدافعة عن نفسها..." لما يعتقد روكو بأن اليونور كانت تعيش قصة مزدوجة؟..."
عادت لتصمت سابرينا، شعرت دانيلا بالاختناق للافكار التي بدأت تغلي في رأسها:
" تعمّد يانيس تسويد سمعة أمي لإنقاذ المظاهر؟"
استدار اليساندرو نحوها :
" أبي لم يكن وحشا.. لا تتسرعي بالأحكام "
لم تجبه، بقيت عينيها متحديتين على سابرينا، هي نفسها بحاجة لسماع رئيها في قصة روكو المؤذية لسمعة والدتها، سابرينا ليست من النوع الذي يتم تحجيمه بالتأكيد، انها واثقة و تعرف جيدا ما تفعله:
" لم يكن أي قيمة لاليونور أمام ما ستجلبه الفضيحة لثاني أكبر عائلة في اسبانيا... " تمتمت دانيلا بقرف.
" هذا يكفي..." حذرتها سابرينا:" ليست الأمور كما تظنين... بل أسوئها..."
" مالذي لم تخبريني به أيضا؟؟" سألتها بعنف.
" اليونور من أضرمت النار في مكتب الفونسو..."
شعرت دانيلا بأن أحدهم يوجه ضربة بسكين لأضلعها، تخادلت وعادت لتجلس على السرير:
" مالذي تقولينه؟؟"
" ما حذث..." أقرّت سابرينا وهي تقطع المسافة لتجبرها على النظر اليها:" أقول بالضبط ما حذث... لا ألومها ردة فعلها دانيلا... تصرف منطقي لأنثى تعرضت للاضطهاد و تم هضم حقها و ابعادها بكل الطرق عمن أحبتهم... السؤال الأن هو ما ستفعلينه أنت أمام هذه الحقائق؟؟ اعادة الماضي لرجل عاد يبني حياته بأمان؟؟ هل ستكون هذه القصة مع أم ضد خوسيه؟؟ برئيه أنت ابنة ناديا و ألفونسو... الموضوع ينتهي هنا..."
ارتجفت أطرافها، بعض الافكار الاجرامية تملكتها بينما تطلع على الحقيقة العارية، لكنها تعترف أن كلام سابرينا منطقي جدا، فيما سيفيد الحاضر باخراج الجتث من الخزائن المنسية، من ملامح اليساندرو عرفت بأنه بدأ يفقه لما يحذث:
" هي ليست ابنة المادو؟" سأل والدته بدهشة:" لما روكو يعتقد هذا؟"
" أجهل كل تطلعات والدك للمستقبل فلم أنجح يوما بتفسير رؤاه المتعددة..." ردت سابرينا وهي تدنو من ابنها و تلامس وجنته:" والدك... فعل ما أمكنه ليحمي من يحبهم... الفونسو ملك ضعف شديد نحو اليونور التي لم تكن ترى سوى خوسيه، و اعتدى عليها جسديا... و المادو كان بصدد التقدم للانتخابات... فضيحة مماثلة كانت لتضر بسمعة المارتينيز..."
وهي أتت بفضل هذه التجربة المريعة، الفونسو رفض بلع رفض موظفته له رغم علمه الأكيد بقصتها مع ابن شقيقه و هذا لم يمنعه من اخدها بالقوة لأسبوع كامل في مكان مجهول، و بدل أن يتم معاقبة الجاني طار يانيس لانقاذ انتخابات صديقه بلوي ذراع عائلة والدتها و دفعه التزام الصمت... غريب... يستمر يانيس بادارة قواعد اللعبة حتى و هو ميت... بسبب تشويهه سمعة اليونور لم يكن روكو قادرا على نبس الحقيقة يوما لصديقه... تلك الحقيق التي يعرف بأنها ستدمره... كون المرأة التي أحبها ليست سوى ساقطة!
" آسف حبيبتي!..."
ابتسمت لاليساندرو بمرارة، غير قادرة على منع دموعها من النزول:
" هو إغتصبها و هي قتلته ... قصة رائعة اليس كذلك؟!..."
" ليس ذنبك..." وشوش لها برقة وهو يعود للجلوس قربها، غير قادر على الامتناع عن لمسها أكثر، سحب خصلة عن وجهها ووضع سبابته تحت ذقنها... " سنكون أقوى لتقبل هذه الحقيقة ووضعها خلف ظهورنا داني... هذا لن يغير من الواقع شيئا ان قررت تفجيره مجددا في وجه خوسيه..."
" كان يُفترض أن أكون ابنته و ليس ابنة عمّه... كان يُفترض أن أكون ثمرة حب و ليس اغتصاب... اليونور ضحية مؤامرة فظيعة... أولا تمّ الاعتداء عليها و عندما طالبت بالعدالة قاموا بقمعها بأسوء الطرق، ابعادها عن الرجل الذي تحبه و أيضا ابنتها ...كل تلك الرسائل التي لم تصل يوما لخوسيه... تطالبه بإنقادها...رباه... ماتت وهي تظن بأنه نبذها ... " هزت عينيها الممتلئتين بالدموع الى سابرينا:" كيف استطاع يانيس ان يكون رسول شر ؟ حتى بعد موتها... وضعوا في رأس خوسيه بأنها ماتت حامل...بأن زواجها كان طبيعيا جدا و تشاركت علاقة حميمية مع الزوج الذي أرغمها يانيس عليه... لقد دفعوا له كي يتزوجها...تعمدوا قطع اي أمل بينهما... أي رجل بلا قلب كان عليه؟ "
" يانيس تصرف بأمر من المادو"
" بل المادو تبع تعليمات يانيس بكل حذاريفها... لا تستحق اليونور ان يتم ظلمها للمرة الثانية وهي ميتة... روكو يظن بأن امي ساقطة بأنها تقاسمت السرير مع الاب و ابنه... بينما في الحقيقه ردة فعل يانيس اتت لحماية سمعة شقيقته قبل سمعة صديقه..."
هذه المرة لم تجد ملكة الرد الفوري شيئا لتقوله، عموما فالوقائع واضحة وضوح الشمس، اليونور بدون اسم حقيقي وقعت بين مخالب عصابة حقيقية و تم طمس الجريمة التي تعرضت لها مقابل اهذاف المادو السياسية و ايضا شرف شقيقة يانيس التي كان يفترض ان تتزوج من عائلة المارتينيز... لعنة العرّاب انصبت عليها هي بدل المذنب الحقيقي... الخلاصة انها ابنة رجل مغتصب.
" كيف عرفوا بأنني ابنة الفونسو و ليس خوسيه؟ ففهي النهاية... كانت حبيبة هذا الأخير..."
" عرفوا بالطريقة نفسها التي عرفت انت بها... " ردت سابرينا بهدوء.
" لو أكدت الفحوصات انني حفيذة المادو؟ هل كان ليُسمح لهما بالزواج؟؟" تنهذت سابرينا لكنها لم ترد فأتممت دانيلا" لا بالطبع... نسبها لم يتوافق مع طموحاته السياسية...سؤال أخير... هل كان يانيس سيقبل بخطوب ابنة اليونور من ابنه؟؟ الاجابة بالتأكيد هي لا..."
ثم بدون تردد انتزعت خاتم خطوبتها من أصبعها ووضعته على السرير:
" مالذي تفعلينه؟؟" سألها اليساندرو بنبرة جليدية.
" لا أميل للميلودراما و نظرا لظروف خطوبتنا فأفضل وضح حد فوري لهذه الفوضى... عموما... أمامي وقت طويل لتقبل الحقيقة... لسيما...كونك ابن الرجل الذي تسبب بموت أمي... "
تمتم بنفس الهدوء الجليدي الذ يبرزه لها للمرة الأولى منذ لقائها به:
" نحن لسنا في مسلسل بسيناريو مقيت دانيلا انه الواقع اللعين و أنا لست مسؤولا عما حذث في الماضي... لا تتغابي و تنهي ما بيننا بهذه الطريقة!"
" لكنني أفعلها اليساندرو..." أكدت بصلابة" لا شيء مثل قبل... لن اعود مجددا الى نيويورك... كل شيء انتهى ..."
ابن يانيس ايميليانو لا ينوي التوسل اليها لتغير رئيها.
* * *
" تظن بأنني أملك الوقت لأناقش قراراتي مع خارج قانون؟"
بعد ما يقرب ثلاثة أشهر من المفاوضات والتقلبات الغير المسبوقة بالنسبة لبلد انهار إلى أزمات سياسية ، نجحت خططه باقتراح خارطة طريق "حكومة التغيير التي تدير ظهرها بحزم للتقشف و "الإملاءات" روما ، تراهنه على سياسة النمو الاقتصادي للحد من الدين العام الإيطالي جعل اسهمه تصعد بسرعة البرق، انه يحلم بالحصول على رتبة وزير و هذا يجعله أكثر ثقة، راقب خافيير ردود افعال سانتياغو أمام استفزازات الرجل، ما تعلمه في هذه الأيام أن هذا الرجل تلميذ روكو ذكي جدا و يستحق الثقة التي يضعها فيه رئيسه...
" في هذه الحالة فستكون هناك مشكلة..." رد سانتياغو بنفس طريقة رئيسه.
انهما هنا في مكتب السياسي في العاصمة الرومانية، كسب مؤخرا ثقة البرلمان و الشعب الايطالي عامة، رجل روكو الأمين ينوي أخد موعد لرئيسه لكن السياسي غير موافق على ملاقاة خارج قانون برئيه.
" لا مشاكل لدي ... أخبر دون ايميليانو بأنني بغنى عن توجيهاته و بأنني قادر تماما على حماية المصالح العامة للبلد..."
" لا ننوي التدخل في استراجياتك... من الجيد اظهار دعمك للأمن القومي و محاربتك للجريمة.. لكن ليس على حساب أمننا و استقرارنا... أنت استغليت الانتخابات لتضر بمصالحنا ..."
" فليكن..." قال السياسي وهو يدخل يديه في جيوب بنطاله:" اسم ايميليانو لم يعد يخيف أحدا غير نفسه... أخبره بأن زمنه ولى... بأننا ننوي منح ضمانات بشأن الحفاظ على ايطاليا في منطقة اليورو"
يهنئ رباطة جأش سانتياغو، هذا الرجل هادئ للغاية أمام استفزات الرجل الذي تمادى جدا بإلتقاط منديل موقع بإسمه و بالبصق فيه قبل أن يلفه ويضعه في جيب سترة سانتياغو الفوقي.
" هذا ردّي لرئيسك... و الأن اختفيا من مكتبي فورا...."
الدخول الى عالم روكو مثير للاهتمام، وهذه أول مهمة رسمية يقوم بها، يعرف بأن اختباره بدأ، في مهامه السابقة كانت المعايير مختلفة، تجارة أعضاء، اسلحة، مخدرات، هذه المرّة يدخل الملابسات السياسية، مافهمه أن هذا الرجل...' جيانكارلو دي ماريو' هو أمل أيطاليا الجديد، كان استاذ فلسفة جديد تمامًا على السياسة ولديه الآن سياسة لمكافحة الجريمة والأمن لتطبيقه. لكنه ورث المنصب بعد حرب الأنا بين زعيمي الائتلاف، قاد حزبه للفوز في الانتخابات العامة الإيطالية في مارس الماضي ، وحصل على أكثر من 32 ٪ من الأصوات.
تبع خافيير رجل روكو الأمين، وغادرا العمارة التي تضم مكتب السياسي، في السيارة أدار سانتياغو فورا المحرك فور اغلاق خافير الباب خلفه, الرجل يرتدي على دوام قناع محايد، من الصعب القراءة فيه، كان ينتظر انفجاره لكنه لم يفعل شيئا سوى الانطلاق بسلاسة في طرق العاصمة:
" هل سيطلب روكو بتصفيته فور تلقيه رسالته؟؟"لم يرد سانتياغو، ابقى عينيه على الطريق:" طريقة ردّه مهينة..."
" نحن لا نقتل الناس خافيير... بل نحميهم... "
توقف عن تصديق وجود سانتا كلوز منذ صغره، احتفظ برئيه لنفسه و توقف عن طرح الأسئلة، متى سيبدأ بإلتقاط المعلومات المهمة لإسقاط روكو في قبضة الانتربول؟؟ مهمته غير شرعية لأن ايطاليا لم تمنح موافقتها، و كلما قصرت مهمته كلما انقذ نفسه من ان ينغلق عليه الشرك.
ثلاثين دقيقة بعيدا عن قلب روما توقفت السيارة أمام باب حديدي عملاق، هذا الأخير فتح على ممر مستقيم بين أشجار زيتون لا منتهية، ثم ظهرت بناية بيضاء تتلألأ على جذرانها مياه المسبح الزرقاء، المكان لا يصل لجمال القلعة الصقلية، لكنه يجسد أيضا النفوذ و الثراء، توقف سانتياغو في المرآب، كانت مجموعة رجال مسلحة، اعتاد هذه الجموع المتجمهرة حول العرّاب، انهم طاقم حراسته الطبيعي عندما يكون خارج صقلية، لكن على ما يبدو الجميع متجمهر حول شيء ما، تفرقوا عند وصولهم، كان روكو بلا سترة ، تخلص أيضا من ربطة عنقه، ساعديه مشمرين و الازرار الأولى لقميصه محررة، حط عينيه عليه أولا، بطريقة جليدية قبل أن يُنقلها لسانتياغو، لم يتبادلا أكثر من نظرات مثقلة بالمعاني قبل أن يحوم بإهتمامه عليه. انتبه خافيير لما يجعل الجميع متجمهر، سيارة فارهة بقيمة مادية مبالغ فيها تشع تحت شمس روما، راقب ملامح سانتياغو تنقبض، شرح روكو:
" هدية يوليا بافيل سيدوروف"
سيدوروف اسم روسي مشهور للغاية في الانتربول، عُرف على ليونيد سيدروف لقب بائع الوقت، لأنه دقيق جدا في تهديداته و وعوده، بنى امبراطوريته من الاسلحة ، لم يكن اسطورة من أساطير المافيا مثل يانيس ايميليانو، فهذا الاخير كان ذكيا جدا في غسل الأموال، كانت استراجيته معقدة لدرجة انهم لم يتمكنو من محاصرته يوما، حتى بالتقدم التكنولوجي تمكن يانيس من جعل كل فلس له مشروعا... رجل لن يتكرر مرّتين هو يعترف بذلك... فهل أخد روكو شيئا منه؟ الأيام ستريه ذلك... بنظرة واحد اختفى الحراس ليبقى هم الثلاثة أمام سيارة تبلغ الخمسة عشر مليون... و حش من فئة w16 بسعة 8.0 لتر و قوة 1479 حصانا، تأمل فتحات التهوية الضخمة على مقدمة السيارة، و أسطح الكربون الشفاف على جسم السيارة، و الناشر الخلفي الضخم، و العادم المصنوعة من التيتانيوم، والجناح الخلفي.، كانت تقف على جنوط مصنوعة من الماغنسيوم...من يقدم سيارة مماثلة لروكو فلأنه ينوي شراء صداقته، القى اليه المفاتيح فجأة:
" قم بتجربتها..." رمز شركة محركات و اسم عالمي يلمع في مفتاح الديجيتال، التقت نظراته بنظرات العرّاب، سبق و أخبره بأنه لا يملك حس الدعابة... بمعنى أخر, ان قررت يويليا وضع كمين في هذه السيارة فهو سيكون الضحية.
" ما الأمر خافيير؟؟ هل أنت خائف؟؟" سأله بنبرة متهكمة.
" لا أخاف من شيء أو أحد..." رد خافيير وهو يفتح الباب عن بعد.
راقبه روكو يمتطي السيارة التي انغلق جناحها عليه و دوي محركها القوي الى ان ارتجت الارض من تحته الضجيج كان مناسب ليستجوب سانتياغو:
" أقلّ احترامه معك.."
" أرسل معي عينة من حمضه النووي..." انطلقت السيارة بقوة شرسة، خافيير سائق محترف، يليق عرضه بمباريات الترفيهية." يريد كسب الانتخابات بأي طريقة!..."
" تفشي الفساد في تقديم رشاوي للمسؤولين بغية تقديم مصالح شخصية... هو و حزبه في موقف هش... ضربة صفقة أسوغارا كانت ورقته الأخيرة... سأعلمه على الا ينسى من يضع القوانين..."
" كل شيء جاهز!..."
" رائع... متحمس لرؤية تعابير وجهه غدا صباحا"
راقب خافيير يعود أذراجه بالتحفة التي استلمها جويا قبل ساعة، يوليا لا تتوقف عن ادهاشه، في ظروف أخرى، ربما كانت لمغامرتهما أن تستمر أكثر من أربعة ليالي... كانت شريكة فراش رائعة جدا:
" ما معنى هذه الهدية؟"
" انها سيارة من صنع ارشيبالد... يوليا تلمح الى اطلاعها عن مستجدّاتي... تعرف من يكون كيليان و ما هي علاقته بي...و بما أنها عدّوة أسوغارا، الذين سلبتهم السوق الارجنتيني منذ سنتين، فرسالتها ستثير أكثر اهتمام أعدائها... سيظنون أنني السبب في توقيف الشحنة لأنني في فريقها و أدعم تجارتها..."
انتبه فورا للابتسامة التي يحاول سانتياغو اخفائها، أدلف روكو يديه في جيوبه سرواله:
" ما المسلي...؟"
"يوليا تهيم بك...هذا لن يعجب خطيبتك..."
" يوليا امرأة جبّارة و ذكية و تقف على امبراطورية والدها بحنكة رجالية، تحب اللهو معي من حين لأخر... و أنا أحب مهارتها في لعبة قناص الظل... و خطيبتي لا تتدخل في تعاملاتي... تعرف بأنني لا أرى غيرها"
" لما تعود يوليا فجـاة؟!"
"قد تتعدد أسبابها... " اقر روكو:" حرب على شفير الاندلاع.؟؟.. حاجة عاجلة لدعم مشاييخ المجلس؟...تورطات سياسية؟"
أقطب سانتياغو:
" ستزداد الاضطرابات و الاحتجاجات "
" تعلمت أن أستعمل مخيلتي قبل الجزم في اي موضوع..."
التزما الصمت عندما توقف خافيير بالسيارة قريبا جدا من قدميهما، كان يتعمد ترهيبهما لكنهما لم يتحركا تفاديا لأي اصطدام، كانت عينيه لامعتين بشدة، قيادة سيارة بقوة محركات ارشيبالد تترك هذا الاحساس لدى كل سائق ، يبدو بحالة من اتى على ممارسة الجنس مع امرأة.
" أرى بأنك ما تزال حيا"
رمى له خافيير بالمفاتيح ليلتقطها في راحة يده
" سأبقى كذلك لخدمتك روكو"
" الوحيد المسموح له بمناداتي بإسمي هنا هو سانتياغو..." قال له و هو يراقب علامة شركة ارشيبالد، ديزاين راقي جدا بأحرف ذهبية... ابن يانيس البكر نجح جيدا في حياته...يمكن لوالده ان يكون فخورا به، لسيما و انه يملك أيضا حفيدة ... هو بنفسه عم لهذه الطفلة التي لن يتعرف عليها يوما بشكل رسمي..." خد معك خافيير و قوما بترتيب مراسم استقبال السياسي هذا المساء..."
كان يوجه كلامه لسانتياغو لكن نظراته لا تفارقان خافيير الذي كانت عيناه تتحرقان فضولا:
" تستقبل السياسي الذي ارسل لك بصقته كإجابة؟"
" لا تقلق خافيير... نملك طرقنا للتعامل"
" اسمي محجوز لشقيقي و الاصدقاء المقربين... يمكنك مناداتي بالقرصان "
منع روكو ابتسامة متهكمة ، وهل كان ينتظر اذعانا منه؟ خافيير مختلف بشدة عن اليخاندرو و تعجبه معه لعبة القط و الفأر، لم يرد و منحهما ظهره ليدخل الى الفيلا، هاتفه الاسلكي يرتجف في جيب بنطاله، الرقم المجهول لا يمكن ان يكون لأحد غيرها،الهاتف يعمل بالاقمار الصناعية. كل رجاله مسموح لهم بواحد،يحميهم من التشفير و من أي شكل من أشكال القرصنة:
" أعجبتك هديتي؟" سمع نبرتها المثيرة و المغوية في الجهة الاخرى.
" حتى انه ليس عيد ميلادي كارا ميا..."
" اعتبرها هدية العيد ... "
" هدية عيد مسمومة..."
انطلقت ضحكتها و قالت برقة بالغة
"تعذبني هذه الحاجة الغريبة أن تقدم لي ملاذا للسلام ، وكلك احضان دافئة وآمنة ، بعيدا عن كل مخاوفي... متى ستفهم بأننا خلقنا لبعضنا أيها الوسيم الأيطالي؟"
" فات الوقت للتكلم على الماضي يوليا... انا مرتبط بإمرأة رائعة"
" مصممة يخوث لامعة و من عائلة يونانية عريقة ... لا شيء يبقى سرا روكو... خلافا لكل التوقعات تختار سمراء... طالما اعتقدت بأن لك ضعف اتجاه الشقراوات!"
" عزيزتي...كان لي ضعف اتجاه كل النساء ... فلنقل انها مميزة و بها جنتي من كل النكهات! "
هذا الرد دفعها للضحك مجددا، كانت تتسلى بحوارهما كما يتسلى هو، قّدم لنفسه شرابا بينما قالت هي بنعومة:
" سوف اكون في صقلية الأسبوع القادم... فرصة لتعرفني عليها"
كان يتوقع هذا الطلب:
" زيارة رسمية لصقلية؟ "
" يمكنك التصريح بهذا روكو... "
" هذه الزيارة تستهذف أمني..."
" هذه الزيارة لحط النقاط على الحروف... نستلزم باتفاقياتنا مع يانيس ايميليانو حتى بعد موته... فنحن عائلة كبيرة... نحمي مصالح بعضنا في ظروف مهتزة أمنيا ... طالما قدرنا دبلوماسية العراب الاب الذي حمل لنا من الاحترام ما حملناه له و كانت مصالحنا مشتركة"
" الفرق أنني لست العرّاب الأب و لم نبرم أدنى اتفاقيات، كانت له طريقته و أنا لي طرقي، ترغبين بلقائي يوليا؟ فليكن لكن بشروطي أنا... سأخبرك أين و متى اللقاء 'كارا'... "
ثم اغلق الخط... اللعينة و الذكية يوليا.. ستظل المرأة الاكثر دهاءا التقاها في حياته.
* * *
" الى أين تنوين الذهاب؟"
و لما ليست متفاجئة لرؤيته أمامهم، بنظراته المحترقة و شفاهه المزمومة،لم يكن أكثر انسانية منذ لقائهما الأخير، كانت عيناه تتنقل بينها و بين عربة الأطفال حيث التوأمين مهيئين لنزهة طويلة خارج القلعة.
مهووس السيطرة و النظافة متشح بالأسود اليوم و لا يبدو في مزاج جيد، كان ينظر اليها بتلك الطريقة التي تضعها على أهبة الاستعداد دوما، لكنها لا تفعل ما تهاب نتائجه، انها ترغب فحسب بممارسة حقوقها الطبيعية و أيضا زيارة بيتها الذي لم ترى ما حلّ به منذ ولادتها.
" سنقوم بنزهة... " قالت له و أصابعها تتصلب على مقود العربة:" الجو صحو و هذا سيفيدهما.."
عندما التقط قنينة المعقم من جيبه أدركت بأن الأمور لن تمر كما خططت، رباه كم تكرهه، رأته يعقم يديه قبل أن ينحني على الصغيرين و يفك حزام الأمان عن المادو الصاحي بينما شقيقته مثل المعتاد تمضي وقتها في النوم.
" لن يخرجا من هذا البيت... ان رغبت بإستنشاق الهواء فهناك الحديقة... انها أكبر من منتزه المدينة ..."
هذا صحيح، و القلعة تملك فريق مخابرات خوسيه الخاص، لا ترغب بالبقاء سجينة هنا، تنوي الابتعاد عن سيطرته قليلا لأنها ستفقد عقلها:
" اريد شرب القهوة في المدينة وشراء بعض الأغراض.. يمكنك ارسال السائق معي."
المادو يغري والده بإبتساماته، كان وسط ملابس تقيه من البرد القارص في الخارج، شعرت بوجود المربية ورائها، انها تكره هذه المرأة، تعرف بأنها من يمنح خوسيه كل تحركاتها، هذا الأخير وضع أصبعه في راحة الرضيع الذي أطبق عليها بشدة، منحه ابتسامة حنان قبل أن يعيد نظره اليها:
" سوف آتي..."
" أنت لست مضطرا..."
قاطعها بجفاف:
" أنا لا آخد رئيك... إما هذا أو لا شيء..."
وهل تملك الخيار؟؟ ان رفضت فسيأخدهام منها، و هي بحاجة للهروب و لو لساعات من هذا البيت الذي أصبح يشبه السجن وهو سجّانها، هزت رأسها موافقة مرغمة... رغبته في حمايتهما ، ورعايتهما ، وتوفير الأمن لهما ، تأخذ أبعاداً مثيرة للقلق... خوسه يبالغ في كل ما يخصهما، راقبته يختفي كي يعود بمعطفه الطويل الذي زاد لهندامه القاتم غموضا أكثر، سبقته بالعربة، والد كارلوس كان بإنتظارهم في الخارج، بعد أقل من دقيقة كان الصغيرين في مقاعدهما الخاص في السيارة، لكن من اخد مكانه خلف سيارة الجاغوار ليس السائق، خوسيه ينوي لعب دور رب الاسرة حتى النهاية، و بالتأكيد ترفض اي تقارب جسدي، جلست في المقعد الخلفي بجانب طفليها، التقت نظراتهما عبر المرآة الداخلية لكنه لم يعلق شيئا، حتى انه يبدو موافقا على سهرها عليهما، انطلقت خردة المعدن الراقية مبتعدة مما دفع المادو لإغلاق عينيه و الغرق فورا في النوم، يُشاع أن الأطفال يعشقون السيارات و ينامون جراء اهتزازها.
مرت الأميال الأولى في صمت، و عندما تكلم كان فحسب ليسألها عن وجهتها، ردت عليه بنفس الايجاز قبل أن تعيد اهتمامها للمناظر الطبيعية التي يمرّان بها,القيادة للسيارة لم تخفف من الأجواء الجامحة، رغم الصمت الا ان كهرباء قوية تسير بينهما، تحاول جاهذة تجاهلها، انها مثل قطة منتصبة الفراء، مستعدة للهجوم عند أول محاولة، التوتر في الهواء في ذروته و يزيدها عصبية و استعدادا، محاولاتها بأخد اجازة منه تذهب أذراج الرياح، انه هنا, معها رغما عن أنفها.. لكن في أعماقها لم تتوقع تنازلا، لن يكون خوسيه السافل الذي تعرفه ان لم يفرض نفسه عليها حتى في نزهة خاصة مع طفليها.
المحلات فتحت بعد العيد و الناس تشتري هديا رأس السنة، اي ان الشارع المدريدي مزدهر بالزبائن، أركن زوجها السيارة في مرآب السوق التجاري، من ملامح وجهه لا يبدو سعيدا ان يخرج التوأمين في جو ملوث برائحة البنزين لكنه اسرع بإخراجهما الى هواء نقي، هزت عينيها الى السماء بينما تراه يهجرها ورائه و يهتم فحسب بالعربة، لكن وضعه بينهما مسافة يناسبها، الاختلاط بالناس يشعرها ببعض الحرية، كانت واجهات المحلات مزينة بزينة العيد الذي لم يتم بعد ازاحتها، شمت رائحة اناس غريبون، رأت وجوها غير التي تراها في القلعة، كانت سعيدة جدا لهذا و لا يبدو ان خوسيه يشاركها هذه السعادة، بالرغم من ان مروره يلفث الانتباه بشكل قوي الا أنه يحاول ابعاد ابنيه عن النظرات الفضولية و أيضا... الهواء الملوث؟؟ لكن مالذي يظنه؟ بأنه سيتمكن من اخفائهما الى الأبد في غرفة معقمة؟ توقف فجأة يبحث عنها بنفاذ صبر و عندما لمحها زادت تقطيبته عمقا، يبدو أن النساء المأخودات بأب وسيم للغاية بعربة أطفال لتوأمين تبحثن عن الزوجة التي تكمل هذه الصورة الرائعة، و هي تختبئ من نظراتهن... منظرها المنتفخ مثير للشفقة، لاشيء فيها يناسب الوسيم الطويل القامة و الشبيه لحد ما العارض على لوحة الاشهار لعطر فرنسي مشهور خلفه تماما، حسنا التشبيه لا يعطيه حقه... خوسيه رجل بحق.
" لما تتباطئين بحق الجحيم؟؟"
" لا أحد طلب منك الخروج ... " تمتمت دون القدرة على تحمل نظرات الاخرين اليهما، لابد أنهم يقومون بالتساؤل عما يفعله معها.
" أنت غريبة الأطوار..."
" و أنت لا تُطاق..."
لم يرد عليها و تركها تدفع العربة ربما كي يراقبها بشكل أقرب هذه المرة، الأمور تمر عكس أمالها، بهذه المسافة بينهما الكل يعرف بأنهما معا، و كل الأعين عليهما، الكل يقوم بالمقارنة اللعينة، حتى انها لم تهتم حقا بنفسها قبل الخروج، شعرها الذي أصبح أطول في الأشهر الأخيرة في تسريحة عشوائية، وجهها بلا أي زينة، كانت تعرف بأن وجنتيها شاحبتين منذ الولادة و لم يستعيدا لونهما الطبيعي، ربما ملابسها ترفع قليلا من شأنها، فلا شيء تضعه عليها قادم من السوق العادية، ما يضعه خوسيه في خزانتها راقي جدا، حتى انه تخلص من جنزاتها المحبوبة، بعد عودتها من المستشفى لم تجد كل الأغراض التي كانت تحتفظ بها في الظل و تستعملها لتعود الى عالمهامن فينة لأخرى، لا يبدو أن انسلاخها يعجب سيد القلعة، قرر بتغيير الأمور مثل المعتاد... دون أخد رئيها... ومتى أخد رئيها؟
" لديهما ما يكفيهما من الملابس..."
سمعته يقول بعد أن دخلا محل ضخم خاص بالأطفال.
" أعرف... فهما يملكان كوتش خاص يقتني لهما الأفضل..." ردت ببعض التهكم:" الم يتبادر الى ذهنك بأنني أرغب بالقيام بهذه المزاولات بنفسي؟ أختار لهما اشيئاهما بذوقي..."
" تنتقضينني لأنني أسهل حياتك؟؟"
" تظن بأن الاهتمام بهما عمل اضافي و مرهق؟؟ "
" ما أراه أنك بين كتبك حتى وهما يرضعان من صدرك... لا أظن أن دراستك ستسمح لك بالاهتمام بكل التفاصيل..."
ثم يعود لإنتقاضها بهذا الشأن، و كأنه غيور من تشبتها بأهذافها الجامعية...
" لا تقلق أملك الوقت لكل شيء..." لامست بيديها أكسسوارات للفتيات و أعجبتها عصبة على شكل فراشة باللون الزهري، الشيء الذي جعل خوسيه يتدخل:
" لن تضعي هذا الشيء على رأسها... حتى أنها لا تملك شعرا..."
" لأنها شقراء... كنت مثلها في نفس السن...."
عادت تضع العصبة مكانها، اندفعت يد خوسيه نحوها، جل التعقيم في أصابعه:
" ابسطي يدك... هذا المكان مليئ بالفايروسات..."
تركته يضع نقطة على راحتها:
" خوسيه... أظن أنك تملك مشكلة كبيرة و عليك رؤية طبيب نفسي... حالة النظافة و التعقيم التي تعيشها لا يصدقها عقل"
" برئيك المساعدة النفسية لن تقتصر فقط على هوسي بالنظافة..." قال متهكما.
" أصبت القول... "
توقفا قرب مجموعة معاطف زهرية جميلة، فتحت شهيتها للمسها لكنها توقفت في الوقت المناسب، مازال خوسيه يمسك بجل التعقيم في يده، تنهذت و استدارت نحوه لتراقبه:
" ما الفائدة بالبقاء هنا ان كنت سأعقم نفسي في كل مرة؟"
" اذن دعينا نخرج من هذا الجحيم... " كانت نبرته نافدة الصبر:" انه الشتاء... فايروساته معدية و التوأمين مازالا صغيرين جدا على تحمل أي عدوى"
" عليهما اكتساب مناعتهما مع الوقت لا يمكنك الاستمرار بحبسهما في صندوق معقم لما تبقى من عمرهما.!.."
" نملك وجهة نظر مختلفة..."
" ليس هذا فقط ما لا نتفق عليه..." ذكرته ببرود.
" أنت محقة نحن مختلفين بشدة..."
انهى الحوار بهذه الطريقة، رأته يندفع خارج المحل، تبعته على مضض، مجددا يسلب الانتباه بهيئته المميزة و كاريزميته الغير المعقول، من المستحيل عدم تخمين موقعه الاجتماعي، عندما قصد المخرج لم تعترض، تبعته على مسافة قصيرة جدا، على الشارع العام اختار مقهى هادئة، جلسا على التراس، تطلعت الى وجهي التوأمين، كانا ما يزالان نائمين، تمنت لو يستيقظ أحدهما كي تهرب من هذه المواجهة وجها لوجه مع زوج يبحث لإثارة غيضها في كل مناسبة.
" سأستنأنف اعمالي بعد أيام... لن نرى كثيرا بعضنا البعض، أريدك أن تكوني مطيعة و الا تكسري تعليماتي خلال غيابي... "
كانت الشمس تسقط عموديا على خصلات شعره الحالكة السواد، منظره مبهر للغاية ولا يمكنها تجاهله بينما يجلس مقابلا لها، منذ ما حذث ذلك المساء في الحديقة، عندما طلب أن يستهلكا زواجهما و قبلها منتظرا موافقتها الأكيدة و هي تحاول التركيز على الجانب السلبي فقط من شخصيته، غطرسته،أنانيته، قسوته، السقوط مجددا في كمين وسامته لن يجلب لها سوى الشقاء، سبق و أقسمت على أن تبقى قوية الى أن تصل لمرادها، لن تستسلم فقط لأن شعره يلتمع بشدة و كأنه مصنوع من انهار لا منتهية من الماس.
" ماذا تقصد بالا أكسر التعليمات؟؟ الا أخرج مثلا...؟"
كان ينوي الانحناء على الطاولة بينهما لكنه توقف في آخر لجظة، لابد انه يفكر في الملايير الامنتهية من المايكروبات على سطحها، بالرغم من أن النادل اتى على مسحها بالمطهرات، كي تتحداه وضعت يديها على سطحها و أشبكت أصابعها، خاتم زواجها يلتمع بدوره و يثير انتباهه:
" أخرجي افعلي ما يحلو لك آيا... لكن بدونهما..."
" لما أنت خائف مني لهذه الدرجة؟؟ تظن بانني سأفر معهما و الا تجدني لما تبقى من حياتك؟؟"
هذا الهمس الصاخب لتهديدها ، أثاره بشكل رهيب ... التقت عيونهما ، بدأ الهواء يتشقق بينهما. كانت قزحيته تتحول دائمًا إلى اللون الأسود تحت تأثير الغضب. هل كان لديه أي فكرة عن تغير ملامحه و لون عينيه بتغير مزاجاته الكثيرة؟؟ شيء لا يتصوره عقل...
" تظنين بأنني عاجز عن ايجادك ان فررتي مني؟"
هزت كتفيها بلا اهتمام، وصل النادل بطلباتهما، خوسيه قهوة مرّة سادة وبالنسبة اليها شاي الياسمين.
" أعرف بأنك تملك اصدقاء بسلطة شاسعة قادرين على ايجادي... روكو ايميليانو مثلا, قرأت بأنه متورط مع المافيا..."
ازدادت تقطيبته:
" يحتاج عقلك الصغير أن يكبر كي يستوعب رجل بحجم روكو... ولست بحاجة لنفوذه كي أروضك ... "
يمكنها رؤية العقاب الذي سيلي ذلك، خوسيه لا يسليه الموضوع، كان على أهبة الاستعداد، متصلبا مثل ثور ينوي الهجوم على الضحية.
" تعرف متى تكون وفيا !...تتكلم عنه و كأنه احدى عجائب الارض "
"انه كذلك... لا تأتي على ذكر اسم فرد من اصدقائي آيا... أبدا..."
لسيما اليخاندرو ميندوزا بلا أدنى شك، وضعت السكر في فنجانها و تباطئت بتحريكه ثم هزت عينيها نحوه، كان مايزال يركز بنظراته الذهبية عليها، باردا مثل قطعة جليد:
" سيحين اليوم الذي نوقف فيه هذه اللعبة..."
هز رأسه موافقا:
" نعم عندما أقرر أنا ذلك.. "
" لأنك من بدأها؟؟"
" هذا صحيح... أنا من بدأها و أنا من ينهيها متى راقني ذلك... لا تحاولي مجددا تناقص أمر مستحيل مناقصته معي و اهتمي بدورك في ذلك البيت... ان حذث سوء خلال غيابي... فلن أنتظر طويلا لأتخلص من ازعاجك... هل أنا واضح.؟"
على بعد من طاولتهما جلس رجل و امرأة، و بدون أي مقدمات بدأت هذه الأخيرة بإرسال اشارات متعددة لخوسيه، ليغيظها ربما شجع مناوراتها، الرجل على طاولة المرأة لا يبدو منتبها لما يحذث، كان بالأخص يراقب لائحة الطعام.
" انها تلائمك..." قالت آيا لخوسيه بقرف و هي ترتشف من شايها.
" لا أحد يلائمني مثلك كوراسون..." ردّ بنعومة قبل أن يتجاهل المسكينة كليا، بدت فجأة مصدومة من تغيير مزاجه.
" و سأبقى السراب التي تلاحقه دون الوصول اليه خوسيه... و الأن... أريد لو نعرج على بيتي... قبل العودة الى القلعة...."
" تظنين نفسك شيء مهم أرغب بملاحقته؟" سألها فجأة بجدية.
" ما أظن أنك تكبدّت مشقة امتلاكي و تعمدت حملي و فعلت كل ما بإستطاعتك لسجني بجانبك..." ردت بهدوء:" رغم كل نكرانك... الا أنك تملك ضعف نحوي... و سأعود للرد على سؤالك... نعم أظنني شيء مهم ترغب بملاحقته الى آخر نفس..."
ظهرت ابتسامة في زاوية شفاهه، نظراته كانت ذهبية تحت الشمس لدرجة أنها تبدو مثل العسل المنصهر، رأته يلقي نظرة حنان على عربة الأطفال قبل ان يلقي عليها اخرى مناقضة تماما:
"تقلّصت أهميتك أضعافا" القى بورقة نقدية على الطاولة قبل أن يقف و يسحقها بطوله: " فلنمضي"
ولم يكن قد شرب قهوته.
* * *
صفحة المياه اغراء لا يقاوم، و بالرغم من حماسته في أن يذوب بجشع بين الأمواج الا أن ترك فيرنا خلفه لا يستهويه، تحتفظ بثنورتها الطويلة جدا و بملابسها المتحفظة، ربما انتبهت لنظراته المستمرة نحو البحر:
" لما لا تذهب للسباحة؟؟ سأهتم بملابسك..."
جعد أنفه وهو ينظر اليها مما دفعها للانفجار في الضحك، نزهتهما الشاطئية أتى قبلها تجولات شتى في أركان الجزيرة، فيرنا عشقت الزيارة بالهليكوبتر، برئيها قامت بعدة أمور معه كما لم تفعل في كل حياتها، وهو مسرور جدا لرؤيتها سعيدة، كل دقيقة معها هي جنة حقيقية، مد يده ليلامس وجنتها:
" هيا عزيزتي... تعرفين بأنني أثوق للسباحة معك..."
" لم أسبح يوما في حياتي سانتو... سبق و أخبرتك بهذا..."
" لم أنس.. و أنا وعدتك بأن أكون معلما صبورا..."
بقيت على ابتسامتها، لكنه لاحظ عصبيتها من خلال النظرات التي تحطها عليه ثم على البحر، الشمس لن تتأخر بالمغيب، و الجميلة لا تنوي وضع خوفها جانبا.
" أفضل... أفضل مراقبتك..."
هل من الحكمة الاصرار على امرأة لا ترى نفسها بالمرّة جميلة؟؟ ربما فيرنا واثقة جدا في نفسها، متقبلة اعاقتها بشكل مثير للتقدير، لكن عندما تنجح بإثارة انتباه الناس فهي تظن بأنه هو من يثير هذا الاعجاب و ليس هي، انه رجل... يرى كيف يراها الرجال، اذن فهذا ما يجعل صديقته الجميلة غير آبهة للنظرات، برئيها لا يمكنها اثارة اعجاب رجل.
" فليكن..."
بدأ بالتخلص من ملابسه، لا يقصد بذلك عرض تعري مثير، لكن الاحمرار الذي اندفع لوجه فيرنا جعله يبتسم:
" لم تنتظري ان أسبح بكامل ملابسي؟!..."
" أنت محق..."
راقبها تجلس على الرمال، تبسط ساقها المصابة بينما تضم ركبتها الأخرى الى صدرها، ملابسه تحت حمايتها، تبتسم له ملئ فمها، يعجبها ما تراه بلا أدنى شك:
" أنت... رجل كامل جدا..."
" أنت لطيفة عزيزتي... أعرف أن هذا القول يكلفك السبعين في المئة من تحفظك..."
عادت لتنفجر في الضحك:
" بل كله... "
أشار اليها :
" ابقي هنا و لا تتحركي... لن أتأخر..."
المياه كانت معتدلة مقارنة مع جسد انتشرت النار في أوصاله، سبح حتى الأعماق و ترك نفسه يغرق بين الأمواج الى أن هدأت رغباته المحتدمة منذ الصباح، فيرنا لا تتعمد اغرائه، حتى انها لا تتوقف عن التصرف بطفولية مبتعدة تماما عن نوع التصرفات الانثوية التي تستعملها النساء عادة في وجوده، أخدت مسألة صداقتهما بجدية كبيرة، استرخت هي بينما أصابته هو لعنة جديد اسمها فقدان السيطرة، عاد الى السطح ليلتقط أنفاسه، ثم سبح نحو الشاطئ، ملامح فيرنا تبدو قلقة جدا، ارتاحت بعد أن رأته يخرج سالما، منحته تلك الابتسامة التي اعتادها مؤخرا:
" كنت أفكر باي طريقة سأعود الى ايطاليا في حالة غرقك!؟..."
انفجر سانتو في الضحك و رمى نفسه بجانبها، هز رأسه ليبعد المياه عن خصلات شعره:
" هل وجدت ثمة احتمالات؟؟"
هزت كتفيها و اشارت الى الفيلا الغير بعيدة عنهما:
" العيش هنا الى الأبد فكرة مغرية..."
" سعيد أن الاغراء يتجسد في المكان الذي اخترته لأمضي معك فيه بعض الوقت..." غرق في عينيها:" أنا مرتاح معك..."
رقت نظراتها ووشوت له:
" أنا أيضا مرتاحة معك... الشيء الذي لم يحذث لي مع رجل منذ سنوات طويلة جدا..."
ركض إحساس حارق من خلاله و أضحى في حالة تأهب، هل ستخبره أخيرا عمن حطم قلبها؟؟ منذ أن دخلت حياته نشأت فيه مشاعر مجهولة ، خام ، عميقة... سقط في حبها دون أن تعيره أدنى التفاتة، الشيء الجديد جدا و المنعش له، راقبها تتوه بنظراتها الرمادية الرائعة في البحر، الشمس بدأت تنحرف جنوبا، و فيرنا تغرق في أفكارها، شعر فجأة بالغيرة من هذا الصمت، هل تفكر فيه؟ في حبيبها السابق؟ :
" أخبريني عنه..."لم ترد، بقيت صامتة، تضم ركبتها السليمة اليها: " أريد أن أعرف..."
أخيرا عادت اليه بعينيها، و ابتسمت ملئ فمها...
" لم يكن بأهميتك... فلم يقم بإصلاح سيارتي المسكينة و انقاذها من مصير قاتم!..."
مد يده ليلامس خصلات شعرها المعقودة بحزم وراء رقبتها:
" هل يمكنني فك شعرك؟؟"
يبدو ان هذا الطلب فاجئها، لكنها لم تبتعد أو تتصلب، بل هزت رأسها موافقة، أخيرا يمكنه رؤيته حولها مثل الستارة، أبعد دبابيسها و شد أنفاسه بينما الكثلة الفاحمة تستسلم للجاذبية و تحيطها تماما كما تمنى، رائحة الشامبوه وجدت بسرعة حاسة شمه، كانت رائعة بشكل لا يصدقه عقل:
" مهما يكن... فهو يجهل أي امرأة رائعة فقدها..."
البحر، النسيم العليل المملح و شعر فيرنا، تبدو اللحظة بعيدة كليا عن عالم كيليان المنظم و القائم على الحقائق لا الاحلام الرومانسية، كل يوم يميل أكثر لحياة سانتو... كل يوم يتقرب من ماضيه الذي رفضه لسنوات طويلة.
" يظن البعض... بأنه يسديك معروفا بتقبلك بعاهة مستديمة... " سمعها توشوش له، بظهر يده لامس شعرها، غير بعيد عن وجهها:" هذا بالضبط ما حذث... كنت أقل ثقة في نفسي، و رغبت بالحصول على حبيب كبقية المراهقات في عمري، فلنقل أنني تنازلت كثيرا كي يقبل بي... في النهاية أدركت بأنه أغواني كي يتفاخر بإنجازه أمام اصدقائه الذين اصبحوا يسخرون مني بأبشع الطرق... "
" كم كان عمرك؟؟"
" الثامنة عشر..." قالت متهكمة:" صغيرة جدا و غبية و ساذجة... الأسوء أنني أخبرته عن سرّي... و وجد طريقة لإستفزازي بعدها و طلب المال من العائلة أو فضح السر..."
شعر سانتو بالغضب الشديد من هذا التصرف الشنيع:
" أمي اتهمتني بكل الصفات الممكنة، تمكنت بالتأكيد من حل المشكلة، لكنها أخبرتني بأنني سأوفر على نفسي الكثير من العناء ان تقبلت كوني عديمة النفع لرجل مهما كان قدره... بالا أحد يتقبل فتاة بعاهة بينما العالم مليء بالنساء الجميلات و الكاملات جسديا..."
هذه المرأة تستحق أن يتم حشو فمها العاهر بالثراب:
" أنا آسف عزيزتي..."
" الأزمة دفعتني للتصالح مع نفسي... ففي النهاية والدتي كانت محقة، تعمدت قسوتها لحمايتي فحسب..."
" بل أراها عديمة الضمير فيرنا... من حق كل انسان الحصول على فرصة السعادة مهما كانت ظروفه النفسية أو الجسدية... ليس خطئك ان كنت ضحية متلاعب سافل و حقير..."
أطرقت برأسها جانبا:
" انت لطيف جدا معي..."
" أنت من يجعلني مختلفا, و لطيفا..."أكد لها برقة:" مالذي حل بهذا المبتز القذر؟؟"
تنهذت فيرنا و عادت لتنظر الى البحر:
" سؤال جيد... اختفى كليا من على وجه الأرض..."
" دفعت له ثروة كي يختفي؟؟"
هزت كتفيها:
" انها امرأة قوية جدا و تجد الطرق لحماية نفسها و عائلتها..."
امتدت يدها لتمسد ركبتها المصابة، تابع حركاتها البطيئة بعينيه:
" هل يمكنني رؤية ركبتك؟؟"
" انها بشعة للغاية..." اعترضت و أصابعها تتصلب على الثنورة.
مد يده ليضعها على يدها، فوق ركبتها تماما، بدأ بمدسها بلطف، يريد كسب ثقتها بشدة، فيرنا تبقى امرأة عاطفية و متضررة عاطفيا، ربما قوتها الخارجية تثير الاعجاب الا انها كبرت في ظروف تشبهه، يعرف ما يخلفه النبوذ، انحنى عليها الى أن صار وجهه على بعد ضئيل جدا من وجهها:
" أريني جروحك و أريكي جروحي..."
أقطبت، تحاول عبثا منح نفسها بعض القوة لتقبل عرضه، عندما بدأ بسحب ثنورتها الى الأعلى تركته يفعل، شد أنفاسه بينما تتراء له بشرة رائعة نقية و كاملة تغري للمسها، هز عينيه اليها، كانت تترقب ردة فعله ببعض العصبية، عندما وصل الى ركبتها و أبعد القماش الغامق عليها استقبلته نذوب غائرة و مريبة، فيرنا لم تبالغ، ركبتها بشعة لكن هذا لا يهمه بالمرة، لامس البشرة المتضررة و سمعها تتنهذ لهذه اللمسة، حول مجددا نظراته اليها، وجد عينيها ممتلئتين بالدموع:
" هل أؤلمك...؟؟"
هزت رأسها بالنفي:
" أنت أول شخص... أكشف له على نذوبي..."
ابتسم لها مشجعا، و دون تفكير انحنى ليلامس البشرة المتضررة بشفاهه:
" و انا سعيد لهذه الثقة..."
كانت ما تزال تشد أنفاسها بقوة عندما استقام ليواجهها مجددا، حدق في وجهها الجميل بملامحه المتوحشة و الخارجة عن العادة، كان هناك تعبير جديد. أدرك أن هناك رابطًا ينسج بينهما ، رابطًا عميقًا و قويا. انزلقت نظراته تلقيا الى شفاهها، كانت امنفرجتين و متأهبتين و كأنهما تنتطران القبل، الرغبة نحوها حقيقية و قوية... هل يحق له ان يأخد منها هذا بعد الثقة التي وضعتها فيه؟ أخبرته عن سرها، أرته نذوبها... ان عرفت بشأن ايموجين فهذا سيوقع نهاية الكوميديا؟!... هل هو مستعد للتوقف هنا من أجل امرأة لا يشعر نحوها بشيء؟
اهتزاز الهاتف في جيب البنطال الذي في حجر فيرنا قطع سحر اللحظة، العودة الى أرض الواقع مريبة و مؤلمة، رآها تعدل ثنورتها مجددا على ساقها الجميلة و أيضا المدمرة، أمسك ببنطاله ليخرج هاتفه، أقطب عندما اكتشف أنه لوكا، ابتسم لفيرنا معتذرا قبل أن يبتعد للاجابة:
" ما الأمر؟؟"
" عيد مجيد زوج أختي..." رد لوكا متهكما بصوت حاد مثل سيف الساموراي.
" أعرف بأنك لا تتصل فقط كي تقدم لي التهنئة... "
" هذا صحيح..." تنهذ لوكا من الجانب الأخر:" أريد عنوان المنتجعات السياحية التي تملكها أرشيبالد في أرياف نيويورك..."
القى سانتو نظر الى فيرنا، عادت لتبتعد بتفكيرها عن الواقع، كم يكره رؤيتها بعيدة عنه، أصبح متملكا جدا مؤخرا.
" الموضوع متعلق بميغان اليس كذلك؟؟"
" أريد استعادتها..."
" اذهب الى الجحيم لوكا... ان لم ترغب هي بإعطائك العنوان فليس أنا من سيساعدك... دعها و شأنها و لا تتصل بي مجددا لأنني مشغول للغاية..."
أغلق الخط قبل أن يعترض نسيبه، و كي يبقى مرتاحا لبقية السهرة أغلق كليا الهاتف، ارتدى البنطال الذي احتفظ به في يده و عاد الى فيرنا كي يأخد قميصه من حجرها، حركته أعادتها الى الواقع، فجأة سألته:
" كيف يعقل أنك تتكلم الايطالية بطلاقة بينما تنفي كليا صلتك بالبلاد؟"
زم شفتيه، الاستمرار في الكذب مريب للغاية، منذ البداية أخبرها بأنه روسي أبا عن جد، لم يرد، راقبها تترك مكانها و تقف على رجليها، تنفض الرمال على ثنورتها دون أن تبتعد بنظراتها عنه:
" أنت ابنه اليس كذلك..." ابتسامة انتصار تتلاعب بشفاهها الرائعة:" أنت صورة عنه... لما تستمر بنكران قرابتك بيانيس ايميليانو؟؟ " مدت يدها لتلامس دقنه" ورتث آخر تفاصيله حتى غمازته... منذ البداية شككت بالموضوع رغم نكرانك... ما لا تنتبه اليه سانتو... هو أنك تتلفض بعبارات صقلية عندما تندمج بالحذيث معي... و أحيانا ... أنا أيضا أتكلم بها فتفهمني دون مشكلة... "
أمسك بيدها ليبعدها عن وجهه، احتفض بأصابعها الدافئة في يده:
" أنا نغله الغير شرعي..." قربها منه الى ان التصق صدرها الجميل بصدره:" مغامرته العابرة مع راقصة روسية... "
" سانتو... ربما 'دون يانيس' لم يكن قديسا بيد أن عشقه لأبنائه فاق كل الحدود، حتى أنه كان رائعا مع أطفال الأخرين الذين عملوا لديه في المزارع... مدرسة القرية من أمواله، وفرّ ما عجزت عنه السلطات في ذلك الوقت... محفظة و مقعد لكل طفل... لا أقول أنه ملاكا وأظن أن هناك تفسير آخر للموضوع..."
حط ظهر يده على وجنتها، يتطلع اليها بنهم، كانت رائعة و هي تدافع عن قصته المريبة، رائعة و هي تحاول الدفاع عمن لا يستحق تعاطف أحد، رائعة وهي تحاول أن تكون محامية يانيس القذر:
" نعم هناك تفسير آخر..." وشوش لها:" قادني الماضي الى قدري...و أنت... هذا القدر..."
وضع يده على خدها، بإبهامه لامس شفتها السفلى الممتلئة و المغرية و بالتأكيد ليس بفضل حقن البوتوكس:
" أقضي وقتًا سيئًا لأنني عاجز أمام رغبتي الشديدة في تقبيلك فيرونيكا..."
عاد ليفصل كيليان عن سانتو، يرغب بالسلام مع المرأة التي يشعر بصدق بأنها تسكن كل كيانه، الانفصال عما هو مؤلم مريح للغاية، لا ينوي التوغل أكثر في ردة فعلها امام كلامه، رآها تحط عينيها على شفاهه، و كأنها تراهما لأول مرة، دون أن تقول شيئا دنت منه و منحته ما يحلم به ليل نهار.
الاتصال... أفقده الواقع.
* * *
" تطير الى صقلية؟؟"
سؤال لوكا دفع دافيد للتصلب أكثر، لكن الأمور لا تأبى الانتظار، تلك الجزيرة اللعينة، منذ الحاذثة أقسم الا يزورها مجددا، لكن والده لا يمزح عندما يخبره بأنه في المستشفى و قد تعرض لانتكاسة جديدة، انه يرفض قطعا ازعاج فلور، أو حتى ان يصل الموضوع لوالدته.
" الموضوع لا يتحمل الانتظار.. عموما سأقنع أبي بالعودة معي الى أمريكا، أراه يفقد بهجته في تلك الجزيرة... سأحاول عدم تركه مجددا... انه تعس بسبب طلاقه... كان يعيش من أجل أمي فقط..."
" أنا آسف دافيد... تفاجئت لأنك أقسمت بعدم العودة..."
" انه أبي... لا يمكنني هجرانه أنا الآخر..." حقيبته في صندوق سيارته، وصل لوكا قبل أن ينطلق دافيد الى شقته:" هل ستلتحق بميغان...؟"
" حصلت على العنوان... "
ابتسم دافيد مشجعا، لكن اختفاء ناومي و تجاهلها لتوديعه يجعله عصبيا، كل عائلة مارشال رائعة للغاية، والدة صديقه دفعته لأن يعدها بالعودة قريبا.
" فلنبقى على اتصال..."
لاحقا في شقة العازب التي لا يزورها كثيرا بسبب تعدد مساكنه وجد أن وحدته مريبة للغاية، بعد الاستحمام و الاتصال مجددا بوالده أدرك بأنه لا جدوى من المحاولة، كان خارج التغطية، لحسن حظه انه يملك طاقم رائع، خلال ساعة يمكنهم الطيران، عاد هاتفه ليرن، لم يكن رقم والده:
" دافيد..."
" ناومي...؟" المفاجأة دفعته للجلوس على طرف السرير الذي لم يستعمله منذ عدة اسابيع.
" آسفة لأنني لم أقم بتوديعك... أخبرني لوكا بأن والدك مريض... أتمنى أن يشفى قريبا..."
فرك جبينه:
" أنت لطيفة شكرا لك..."
عمّ الصمت قليلا، ثم سمعها تقول:
" حجزنا في البندقية لامضاء رأس السنة مع صديقاتي... سأتصل بك للاطمئنان على والدك من هناك..."
ثم اغلقت الخط.
ابقيت ناومي عينيها على سماعة الهاتف غير قادرة على تصديق تصرفها، هل اتت على تعرية خططها عمدا امام دافيد؟ هي التي تفادته كل الوقت بينما كان متوفرا و يحاول التقرب منها... أمسكت برأسها بين يديها قبل ان تقرر الاتصال بصديقاتها، ان لم تفعل فستقوم بالقاء نفسها من شرفة البيت:
" أخبرت دافيد عن خططنا بإمضاء نهاية السنة في البندقية" قالت ما ان ترآت لها صورهما عبر شاشة هاتفها، ايفا كانت تضع قناع أخضر على وجهها، تنظر من تحت دوائر الخيار التي تضعها على عينيها، بينما جيم تتقاتل مع روبها لغلقه مما أثار اهتمام ايفا:
" هل أنت مع أحد؟؟"
" كنت مع أحد, أتى على الرحيل... " شرحت جيم قبل أن تعود اليها:" هل قلتي بأنك كشفت عن مشاريعنا للوسيم المدمر ريتشي؟"
" تعمدت كشف خططنا..." علقت ايفا متهكمة.
هزت ناومي عينيها الى السماء و ارتمت على الكنبة:
" اشعر بالعااااااااااااااار رباااااااه لما فعلت هذا؟؟" ضغطت على رأسها الذي ينوي الانفجار:" تجاهلته طيلة فترة اقامته، حاول أن يكون لطيفا معي، ربما أجذبه... لا أدرررررررري... لكن ايموجين لا تترك لاحد فرصة الاقتراب منه... كنت أشعر بنفسي اقل أهمية بينما الكاملة جدا أختي تخطفه مني... "
" هل تنسى بأنها متزوجة من أهم رجل في الدنيا؟؟" سألت ايفا مصعوقة.
" لم يأتي للعيد... مشكلة ايموجين أنها بحاجة لاستحواذ اهتمام الجميع..." تنهذت، كانت خجلة جدا من تصرفها، دافيد سيعرف بأنها تعمدت اخباره و ايضا لاتصال به ليحتفظ برقمها الخاص:" لا أدري ما يحذث لي... ما ان اقف أمامه حتى افقد ثقتي بنفسي... أعود الى كاندي السمينة، هذا الشعور يزداد عمقا كلما لعبت أختي بسحرها أمامه... أحب ايموجين... أحبها بشدة و أساندها في مشاكلها.. لكن رغبة قتلها تملكتني مؤخرا... هي تعرف بأنني أملك ضعفا نحوه منذ مراهقتي... "
ابعدت ايفا قطعة الخيار من وجهها و رمت بها في فمها قبل ان تقول:
" يعرف بشأن خططنا و لم يقترح عليك أخدنا معه؟؟ انه يملك طائرة خاصة بحق الجحيم..."
اتسعت عينيها بالذعر:
" لا يمكننا القبول حتى وان اقترح هذا... بنات... اتصل بكن لأنني أشعر بالعار..."
اتصال ثاني جعلها تتصلب بحدة، اسم دافيد مكشوف بالأحرف الكبيرة، الهلع نجح بتدمير آخر خلاياها العصبية:
" انه هو... انه يعيد الاتصال... مالذي يريده؟؟؟ هل فهم بأنني مازلت منجذب اليه؟؟ ياللمصيبة... أريد الاختفاء الى الأبد..."
" اهدئي ناومي و اجيبيه... ان اقترح اخدنا معه فنحن جاهزتين للغاية عزيزتي... مارئيك ايفا؟"
" لابد انه محاط باصدقاء أيطالين وسيمين للغاية... انها فرصتنا للحصول على الرفقة المسلية..."
أغلقت الخط مع صديقاتها و بقيت تراقب اسم دافيد على الشاشة الى ان توقف، من الصعب عليها الرد و التصرف بطبيعية و كأن شيئا لم يكن، وضعت يدها على صدرها، تحاول التحكم في انفاسها اذ انها فعليا بدأت بالاختناق، عاد دافيد ليتصل مجددا، بلعت ريقها و صححت صوتها قبل أن تجيب بهدوء:
" آسفة لم ارى اتصالك... هل من شيء؟؟"
" سوف أطير الى صقلية هذا المساء... يمكنني أخدكن معي في الطائرة بدل الانتظار ... الجزيرة جميلة... يمكنكن الاقامة في مزرعة والدي، أنا لا أملك بيتا خاصا هناك..."
أغمضت عينيها و ضغطت بأسنانها على شفتها السفلى الى أن شعرت بمذاق الدم على لسانها، عادت لتحاول تهدئة نفسها:
" لا أظن ان الفتيات سيرغبن بتغيير خططهن بهذه السرعة..."
" يمكنني الانتظار حتى منتصف الليل... أعلميهن أن هناك شامبانيا ايطالية حسب الرغبة على متن الطائرة و أيضا شكولا فرنسية..."
ابتسمت مرغمة لهذا التفصيل:
" لم أقصد هذا عندما انفلث لساني ... كما انك ستنشغل بشأن والدك..."
ايتها الكاذبة، لسانك لم ينفلث أبدا... تعمدتي اطلاعه على وجهتك تتمنين داخليا دعوتك، نبهها ضميرها بشدة، تحاشته بقوة و ركزت على رد الايطالي الوسيم:
" والدي سيكون سعيدا برؤيتكن... هيا ناومي... أنا أيضا سأكون سعيدا بوجودك بجانبي"
* * *
أوقف خوسيه السيارة امام بيت زوجته، سبق وزار المكان في احدى المرّات، منزل جميل جدا في جنوب ' لا موراليخا' اذ تم اعادة تجديده بالتأكيد من طرف المبدعة أيا، تم تصميم جميع الغرف لجعل العيش بأكبر قدر ممكن من الراحة ، حديقة صغيرة جذابة وواجهة من حجر بنباتات معلقة تنم عن الذوق الرفيع.
" يمكنك انتظاري هنا مع التوأمين... سوف أطلع فحسب على البريد..."
" لا أنوي انتظارك.. " رد وهو يغلق المحرك و يستدير ليواجهها:" سأدخل بيتك آيا... أريد رؤيته من الداخل"
رآها تزم شفتيها لكنها لم ترد، لن يخبرها أبدا بأنه سبق و أخد مفاتيحها و بقي لساعات في المكان الذي اختارت أثاته و الوانه و جهزته بكل ما اوتيت من أنوثة، اختار التوأمين هذا الوقت ليستيقظا و كأنهما مجهزين بمنبه محدد.
" انهما بحاجة للرضاعة و تغيير الحفاضة... لا يوجد مكان أفضل من هذا..."
انها تكرهه بكل كيانها، بالكاد تتحكم بمشاعها بينما تخرج من السيارة و تبدا بفك حزام أوزلام الأمن و تضمها الى صدرها، فعل الشيء نفسه مع ابنه، و بينما تفتح ايا صندوق السيارة لتخرج محفظة اغراضهما انزلقت خصلة شعر على وجهها المحمر من الضغط، مد يده تلقائيا ليبعد الخصلة وراء اذنها، هزت اليه عينين دامعتين من الغضب
" لا تلمسني مجددا"
" لا تلقي اوامرك علي..." حذرها بنعومة" سألمسك متى راقني ذلك"
زمت شفتها بإحتقار:
" انت بحاجة الى علاج نفسي خوسيه لأنك غير متزن اطلاقا"
تركته في مكانه و خطت نحو الفيلا الصغيرة، فتحت الباب الخارجي الصغير الملتصق تقريبا بالباب الضخم الذي يقي الحديقة من النظرات الفضولية، تبعها عن قرب، عينيه على منحياتها المتفجرة انوثة و التي تجاهذ لاخفائها بكل الطرق، الامطار ضرّت بالنبات على مايبدو، آيا تتحسر عليها بصمت، فتحت الباب الدخلي و سبقته دون ان تدعوه للدخول، بسرعة ازاحت الستائر و بدأت بتهوية المكان:
" اذن هذا هو بيتك الذي تنوين هجر القلعة من أجله؟"
كان الجو دافء في الداخل، مما اضطره لنزع معطف ابنه الذي بدى سعيدا بتحرير يديه، آيا فعلت الشيء نفسه مع أوزلام، أبعدت ايضا قبعتها ووضعت الكل على الكنبة، دون أن تجيب على سؤاله تقدمت منه لتمنحه الصغيرة:
" سأجهز نفسي لإطعامهما..."
التقط الجسم الصغير الذي لا يزن شيئا في ذراعه الأيسر، الصغيرين بديا سعيدين للغاية بهذا التقارب، راقب آيا تتخلص من معطفها ايضا بينما تتوجه الى الممر الذي يعرف سلفا بأنه يضم غرف نوم الصغيرين و غرفتها هي، سرير يتسع لشخصين... لقد تحسس أغطيته... آيا تفضل القطن على الحرير الذي يقدمه لها في لياليها اليومية.
وضع الصغيرين على الشراشف التي تفوح منها رائحة النظافة في الوقت نفسه الذي سمع فيه ضجة قوية من الحمام، صراخ آيا جعله يهرول فورا الى المكان، وجدها مسمرة على الحائط، وجهها شاحب شحوب الاموات، تشير الى السقف بأصبع مرتعش، هز عينيه ليكتشف عنكبوت صغيرة لا تستحق كل هذا الرعب، الحمام يطل على الحديقة و تم ترك النافذة مفتوحة من الطبيعي ان تدخل الحشرات.
" يتجمد لسانك السليط أمام عنكبوت صغير بينما ينطلق بحرارة أمامي ؟"
" اقتلها خوسيه..."
هز عينيه الى السقف، العنكبوت بدأت تنزل بخيوطها بمفردها، التقطها بين أصابعه و قربها منها، خبئت وجهها وراء يديها:
" لا تفعل هذا..."
ضحك بنعومة قبل أن يقذف بالحشرة خارج النافدة و يغلق هذه الاخيرة ليمنع اي زيارات أخرى غير مرغوب بها:
" أيتها القطة السليطة اللسان سأملئ غرفتك بكل أنواع العناكب..."
" أتوسل اليك ابعدها عني..."
وضع أصابعه على يديها ليبعدهما عن وجهها، كانت عينيها ممتلئتين بالرعب و الدموع، بالكاد تلتقط أنفاسها، انها مرتعبة لحد الموت، اختفت سخريته اذ فهم بأنها في أزمة رعب حقيقية و تكلم بلطف:
" تخلصت منها... أنت بأمان..." دققت النظر في يده ثم في السقف قبل أن تبدأ بإستعادة أنفاسها، أمسك دقنها و أجبرها على النظر اليه، كم هي رائعة و منعشة بهذه الرموش المبتلة: " هل رأيت..؟؟ لا يمكنك العيش بدون حمايتي..."
* * *
المشهد يشبه سيناريو في فلم بوليسي، خافيير يستمتع بتبع تحركات روكو العظيم، هذا الرجل أسوأ مما تظنه الانتربول، الساعة السابعة صباحا، المكان، شقة الدبلوماسي، السيناريو، حفل شواذ طيلة الليل، روكو ينتظر أن يستعيد الدبلوماسي وعييه، كان يجلس على المقعد الجلدي، ينتظر مثله خروج الرجل من نومه، هذا الأخير ممدد في سرير مع رجال آخرين، التقط سانتياغو كل الصور الممكنة، لكن كل هذا مجرد سناريو، الاخراج لروكو ايميليانو... بالأمس لم يكن هناك تمة حفل، جلبو السياسي فاقدا لوعييه من بيته، كان ينام بجانب زوجته.... شيء مثير للتقدير.
بدأ الرجل يفتح عينيه، في البداية قرر العودة الى النوم، لكن حدسه دفعه ليستيقظ دفعة واحد اذ انه شعر بوجودهم، كان عاريا تحت الشراشف، جاهزا لما ينتظره:
" صباح الخير... ظننت بأنك لن تستيقظ" قال روكو بنعومة.
بدى الرجل مفقودا، ينظر من حوله دون أن يفهم شيء، كاد ان ينفجر في الضحك بينما يشاهد ذراع الرجل الذي يشاركه السرير تتلمسه تحت الأغطية، هذا الأخير قفز ارضا ، الشراشف حوله:
" ما كل هذا؟؟ مالذي يفعله الجميع هنا...؟؟ "
" أشششششت..." وضع روكو أصبعه على شفاهه كعلامة تحذير أولي و أشار الى الأرض:" اجلس و انظر جيدا.... لدينا فلم رائع جدا لك..."
اقترب سانتياغو بتابلت أيباد ليضعها أمام عينيه، مقتطف مشين لسهرة ماجنة قام بها سياسي مبتدء تضع ايطاليا عليه كل آمالها، امام صدمته انحنى وكو قليلا الى الأمام، ساعديه على ركبتيه:
" الفلسفة تعني الحكمة.. النظرة الواقعية... توقعت ردة فعل مغاير من أستاذ فلسفة لامع... " مازال السياسي يتفرج على الفيديو دون أن يتوقف وجهه عن التحول بكل التعابير الممكنة" كنت التهم كتب الفلسفة في شبابي، فثنت بما قرأته، استفدت منه، وضعته ركائز حقيقية في مشواري..."
" تقصد مشوارك الاجرامي..." قال جيانكارلو دي ماريو وهو يهز عينين محمرّتين من الغيض و الغضب نحو العرّاب.
" نستفيذ من خبرات السياسين جينكارلو، عكسكم فلا نختبئ وراء المظاهر... انتم عصابة مافيا ضخمة للغاية، تتاجرون بالبشر، تستعبدوهم، تهضمون حقوقهم، أما فيما يخصني شخصيا فأحاول أن أكون مواطن مثالي يدافع عن أبناء شعبه... مثلا... أنت رجل مثلي... أعذرني فأنا لا انتقض الميول الجنسية لأحد، يمكنك استعمال مؤخرتك لكل الاستعمالات المباحة فهذا يخصك وحدك، المشكلة هو أن الواجهة التي تقدمها للشعب متناقضة عن الأحلام التي تبيعها اليهم... برئي ان ننشر هذا الفيديو لنرى ما يفكر فيه حزبك و قبله... من تعتمد عليهم للتصويت عليك... فكما ترى.. أنا رسول خير... أظهر فقط الحقيقة للعلن..."
استعاد سانتياغو التابليت بينما عاد روكو ليستوي في جلسته:
" أنت من بدأ جيانكارلو دي ماريو...و ليس أنا... أنت رفضت لقائنا للحوار السليم و تركت لنا حجة رائعة لدسك في السجن... بعد ساعة من الان... ستعثر الشرطة على حمضك النووي في أكثر الماكن شبهة في روما... "
" أنت سافل..." رد السياسي من بين أسنانه:" لا تظن أن البقية سيبقون مكتوفين الايادي..."
" بل انهم متعاونون..." رد روكو بهدوء و هو يمسح آثار غبرة وهمية على سترته:" انهم في المستنقع أكثر مما يتخيله رأسك الفيلسوفي العظيم... "
" مالذي تريده مني؟"
ابتسم خافيير، وصل روكو لما يرغبه، الرجل مكبل الأيادي و الأرجل:
" أنت قمت بتوقيف شحنة كوكاين لأناس ينوون شن الحرب علينا... استغليت مصادرك لتظهر في التلفزيون متفاخرا للغاية بإنقادك العالم من التجارة المحرمة بينما عمك نوفا يملك وكر دعارة خاص بالأطفال حيث ستجد السلطات كل الدلائل التي تورطه الى آخر أيام حياته... أظن أن الشعب يهمه موضوع الاطفال أكثر من اقتناصك شحنة كوكاكين لم تكن موجهة لإطاليا بل أمريكا....أعد تلك الشحنة لأصحابها " حاول السياسي الوقوف، لكن نبرة روكو الصارمة جعلته يبقى مكانه:" في وجودي... أنت تبقى أرضا... هل هذا مفهوم..."
لم يرد السياسي، يتعجب خافيير للفرق بين من هددهم أمس و من يحني راسه أمامهم اللحظة:
" أريد أسماءا... من اخبرك بشحنة أسوغارا...؟"
" مصادر مجهولة..."
أخد أنفاسا عميقة، طريقته للاحتفاظ بهدوئه، التقط التابليت من سانتياغو و بدأ بالاطلاع على الفيديو:
" أنت حقا في موقف سيء...عندما أتخيل ردة فعل زوجتك... بناتك... الشعب الايطالي أمام هذه المشاهد الساخنة..."
" اقسم لك بأنني لا أعرف..."
ابتسم روكو:
" لا اثق أبدا بقسم السياسين... أريد اسماءا... ان كنت غير قادر على قولها جهرا مرتعبا من لعنتها يمكنك كتابتها..."
أشار الى خافيير الذي أخرج من جيبه قلما و مذكرة صغيرة ليضعها امام وجه الرجل الذي رفض أخدها:
" التعليمات تلقيتها بريديا..." قال السياسي بصوت مختنق:" كل شيء كان جاهز لكن اعرف بأن الأوامر أتت من الكراسي العليا... أعرف بانهم يتأمرون ضدك... أصبح وجودك مزعجا جدا..."
" تقصد الرئيس...؟" سأل روكو و قد ازدادت ابتسامته تهديدا،:" انه من حزبنا... أخبرني من وراء الموضوع قبل أن أفقد هدوئي!..."
" ليس الموضوع بهذه البساطة..." هز عينيه اليه:" امنحني القليل من الوقت لأعرف بالضبط لما ورطوني في القضية، عندما تلقيت المعلومات عن شحنة الكوكايين ظن الحزب أن ايقافها سيلعب دورا ايجابيا جدا في نجاحنا، بالنسبة لي توقفت الابعاد على هذا النحو، لكن هناك اشعات تحوم، هناك من ينوي حقا الايقاع بك"
" ليست المرة الأولى التي ينجرف الجميع نحو حلم مستحيل بالإيقاع بي..." انحنى روكو اكثر عليه:" سنعقد اتفاقا... ما حذث اليوم سيبقى بيننا، لكن وكر دعارة عمك سيتم ايقافه الليلة، ستتم محاسبته كمواطن و بشرعية، تريد ضم الأصوات سنمنحك الدعم، لكنك ستعمل لصالحي... ستجد لي الأسماء كلها، كبار ايطاليا أو غيرها فهذا لا يحذث أي فرق... اسرارك الغالية ستتبخر و كأنها لم تكن... نحن أناس تحترم كلماتها نكره الخونة و الأنذال، نقف مع الخير و نسير في طريق بلا منعرجات... ان ظننت ذات يوم بأنك أذكى... فستحصد فقط ما زرعته...."
ثم وقف العرّاب منهيا اللقاء، السياسي لم يعد قادرا حتى على التطلع اليه، أشار لهما بتبعه و هذا بالضبط ما حصل، القى خافيير نظرة أخيرة على من بصق في منديل كي ينقلب حمضه النووي عليه... لكن عقله استوعب كل ما قاله السياسي، شيء ما غريب يحذث، فالانتربول لم تحصل على تصريح للتجسس على روكو، يقال انه محمي بدرجة لا تقبل الانفصال، لما يلمح السياسي بأن مجموعة داخلية من ترغب استعماله و الايقاع به لإهذاف غير معروفة؟ ايطاليا تحميه بشدة... انه أكثر الشخصيات تأثيرا في المجتمع.
حتى هذا الوقت تجارة العراب في السليم، وربما تكون فقط طريقة ذكية لابعاد الشبهات، فيانيس لم يتم اتهامه او ايجاد اي نوع من الدلائل ضده بالرغم من انه كان قائد اقتصاد الظل... هل سيكتشف مع الوقت واجهة العرّاب الأخرى؟؟؟ التي تتعاقد مع ابليس في كل الصفقات و تدير بقبضة حديدية امبراطورية ضخمة لم تشهد لها ايطاليا مثيل؟؟
الأمور بدأت تتشابك... وهو يعشق الغرق في ملذات التعقيدات.. يشعر بأنه سيتسلى كثيرا في شخصية مساعد أكثر زعيم صقلي غموضا شهدته الجزيرة.
* * *
استيقظ سيزار على أنين مختنق، كانت روبي غارقة في النوم بجانبه، رأسها على ذراعه، سحب نفسه ببطئ كي لا يوقضها، ليلتهما الأولى في أريزونا، أمضت زوجته النهار في الاعتناء بإبن شقيقها و لعب دور الطبيبة النفسية، كما وعدته قام الصغير بزيارة قبر والدته الذي لم ينوي أبدا تركه، يعترف بأن الموقف كان محزن للغاية، وبدل أن تسعده الزيارة و تريحه زادته ابتعادا مما أحزن زوجته، انحنى ليعدل الغطاء على الجسد الأنثوي الساكن قبل أن يخرج على اصابع قدميه من الغرفة و يغلق الباب خلفه، غرفة نوم آنجلو مضائة، دفع الباب بهدوء، الصغير منزوي في ركن السرير، دمية الشيفون بين ذراعيه، يضمها بقوة و كأنه خائف على فقدانها، ما ان سقطت عيناه عليه حتى اتسعتا أكثر من الخوف و تصلب جسده الصغير بحدة مقلقة:
" اهدأ أيها الصغير.. لا أنوي ايذائك..."
لكن لا يبدو أنه ينوي سماعه، كانت شفته السفلى ترتجف و كأنه يستعد للانفجار في البكاء:
" أنت لن تبكي و تتسبب بإزعاج عمتك!..."
هذا التنبيه جعله يتراجع، دنى سيزار من السرير و جاس عليه، غير بعيد عن الصغير:
" ما الأمر أيها؟؟ لما أنت خائف لهذه الدرجة؟"
" أريد النوم معكما..."
ابتسم سيزار:
" انت لا يمكنك النوم في سريري و مع زوجتي .... لكن يمكنني البقاء بجانبك الى أن تعود للنوم ما رأيك؟"
لا يبدو سعيدا بهذا الاقتراح، فجأة تذكر ما يمكنه أن يساعده على النوم:
" ما رأيك في كوب من الكاكاو؟؟ أترغب بالمجيئ معي الى المطبخ؟؟"
بعد تردد النصف ثانية استسلم الصبي، ارتاح سيزار لأنه تمكن من اقناعه بالاستماع اليه، ثم أتى دور ابداعه في تجهيز الشراب السحري الذي سيمكن الصبي من النوم، انحنى عليه ليأخده بين ذراعيه و يضعه على لوحة المطبخ، هذه الحركة اثارت اهتمام الصبي الذي قل تصلبه، كان يراقبه بعينيه الواسعتين و الفضوليتين بينما يقوم بفتح الجوارير حيث وضعت روبي المستسلزمات التي قاما بشرائها، وجد أخيرا ما كان يبحث عنه، وضع علبة الكاكاو على لوحة المطبخ بالقرب من آنجلو بينما أخرج علبة الحليب من البراد و صب منها في كاسرولة قبل أن يضعها على النار و يعيد علبة الحليب الى البراد، أخد الكاكاو و بدأ بقراءة محتوياته:
" هل تملك أي نوع من الحساسيات؟؟" هز الصبي رأسه بالنفي.: أسألك لأنني شخصيا أملك حساسية من الكاكاو... من زبدة الكاكاو، من الصوجا و القرنبيط..." عاد الى الحليب و ازاحه من النار:" هذا ليس صحيحا... لست حساسا من القرنبيط، لكن عمتك تسيء طهيه لدرجة أنني اخترعت هذا الموضوع كي تتركني بسلام..."
ابتسم آنجلو، كانت ابتسامته رقيقة لدرجة أنه شعر بقلبه يذوب بين ضلوعه:
" و أنت... مالذي تكره تناوله في الخضر؟؟"
" البازلاء.." اعترف الصبي بخجل.
" تجد مذاقها سيء؟؟"
" بل أراها مثل وحوش مقززة و صغيرة..." كان يتكلم بجدية لدرجة ان سيزار انفجر في الضحك قبل أن يضع يده أمام فمه.
" لا أرغب بإيقاض الجميلة النائمة.. يجب أن نظل سريين للغاية... " صبّ الحليب في كوب كبير و اضاف اليه ملعقتين من بودرة الكاكاو ثم بدأ بتحريكها جيدا بملعقة قبل أن يقدمه للصبي:" كن حذرا فهو ساخن..."
بينما يحاول ابتلاع مشروبه بحذر استرسل سيزار بالقول:
" لم تكن البازلاء ما اراها وحوشا صغيرة بل البطاطا المقلية... أعرف... كل الأطفال يعشقون البطاطا سواي، و ذات مرة أقنعني أبي بأنني مخطئ للغاية و بأن مذاقها رائع، وثقت به و منذ ذلك الحين و أنا أستمتع بمذاقها بطريقته... موجة من المايونيز، صلصلة الطماطم الحلو و الاستمتاع بنكهة لا تقاوم..."
" أنا لم أرى والدي يوما..."
هذه الملاحظة أحزنت سيزار:
" والدي توفي أيضا منذ سنوات..."مد يده ليدفع بخصلاته الحالكة السواد بعيدا عن جبينه:" والدك... كان شهما جدا و رائعا و يحبه كل الناس..."
تطلع اليه ببعض الذهول و الفضول:
" هل كنت تعرفه؟؟"
ابتسم سيزار:
" كنا بنفس العمر أيها الصغير، بالتأكيد عرفته معرفة وطيدة، كان ليسعد بطفل لطيف و ذكي مثلك... لكنك لم تفقد كل شيء... أنت تحمل اسمه و شهرته... آنجلو جوزييف سيفيرانو... أنا متأكد انه يراقبك كل يوم من السماء و يحميك..."
" تماما كما تفعل أمي؟؟" سأله منبهرا.
هز سيزار رأسه موافقا:
" تماما كما تفعل أمك... انهما معا في هذه اللحظة، و سيسهران عليك حتى تكبر، و تصير أنت أيضا بالغا و ناجحا في أعمالك كما كان والدك... سيفخرون بك كثيرا لأنك لم تخيب أملهما و تجاوزت هذه المحنة بأن تكون أكثر قوة..."
وضع آنجلو كوبه الممتلئ جانبا، و خلافا لكل توقعاته دنى منه و لف عنقه بذراعيه الصغيرتين و قال له بصوت مهتز من الدموع:
" شكرا لك..."
اذا فشلت محاولات روبي بالتقرب من ابن شقيقها فلأن هذا الاخيرة كان بحاجة ماسة لوجود ذكوري، شعر سيزار بالعار لرده فعله نحوه بينما هذا الاخير كان يترقب تغير موقفه ليتجاوب معه، مسح برقة على ظهره و ابعده عنه كي يعطيه كوب الكاكاو مجددا:
" اتمم شرابك و سآخدك الى السرير و ابقى معك حتى تستسلم للنوم"
" هل تعرف سرد قصص النوم؟" سأله الصغير بإهتمام.
لا... كانت والدته تسرد له حكايات الأميرات و تنسى بأنه صبي
" لست موهوبا لكنني سأجد لك قصة مناسبة في النت... "
على هذا الوعد اتسعت ابتسامة انجلو و اتمم بسرعة كوب الكاكاو لينتقل فورا الى الخطوة التالية.
* * *
لا يستطع اتهام النبيذ بسبب الشعور غير الحقيقي بالدوار الذي سيطر عليه،كانت تستند بظهرها على صدره، رأسها على كتفه، كنا صامتين للحظات مفصولة بالمسافة لكنهما مرتبطان بالعواطف. النار تلتهم الحطب ببطئ بينما القمر ينير بقية البانورما التي يجعلها فضية، كان قد جلب بطانية من الداخل ليضعها على كتفيها كي يحميها من برودة الليلة، تحذثا مطولا، عن طفولته، عن طفولتها، عما جعل منهما الشخصين الذين هما عليهما اليوم، لكنه لم يكن صريحا حقا كما ظنت، انها تمنحه ثقتها ببساطة تجعله يشعر بالسوء، لكن في كل لحظة تصبح مسألة الكشف عن زواجه مستحيلة، يرفض قطعا فقدانها، لسيما بعد ما حذث بينهما في هذا الشاطئ، القبلة البريئة الوحيدة التي تلقاها في حياة الدون جوان التي عاشها حتى دخولها حياته، اقترب ليضع شفاهه على رأسها و يستنشق عبيرها الذي أصبح مألوفا... متى يمكنه استعادة حواسه حقا بعد كل الزوابع التي صارت فيه في هذه الأيام الأخيرة؟ فيرنا تملك موهبة تجعله يضحك، تجعله سعيدا، تجعله هو ببساطة، لديها موهبة دفعته للكشف لها عن كل الظلمات التي سكنته كل هذه السنوات، خلاصتها لقصته كانت بسيطة، حاولت اضفاء طابع مثالي لأفعاله، انحنت عليه لتقبله للمرة الثانية بنفس الطريقة المتجردة تماما من اي خبرة جنسية.
"رفضك للشرف لا يعني بأنه لا يخصك !"
ضمها أكثر اليه، شعر بها رخوة قليلا، انحنى لينظر الى وجهها، كانت غارقة في النوم.
" الجميلة النائمة..." لامس وجهها بظهر يده:" فيرنا... تتركيني بمفردي؟؟"
فتحت عينيها الناعستين، ابتسمت من خلال نعاسها:
" أشعر بأنني في الجنة و لا أريد الاستيقاض أبدا..."
" ابقي معي و سنعيش الجنة في كل مرّة..."
تنهذت، جاء صوتها مفتقدا تماما للثقة:
" تعرف بأن عالمينا مختلفين جدا...."
هزها برفق كي يوقظها من هذيانها السلبي:
" سأتوافق معك... أريدك معي فيرنا... أشعر معك بأمور تحصل لي للمرة الأولى..."
شدت على يديه اللتين تشدانها بقوة، ثم قالت و كأنها تحذث نفسها:
"لكنني سوف أرحل الى افريقيا قريبا، أعشق الأعمال الخيرية سانتو، هي ما تشعرني بأهميتي... بقيمتي"
قبل رأسها بحرارة عاشق و همس في أذنها:
" سوف أنتظر اتمامك لمهامك فأنا أيضا أملك الكثير من الأمور العالقة و أتوقع انهائها خلال فترة غيابك كي أكون لك كليا ..."
لم ترد، لكنها ضغطت بشدة على يديه و كأنها تمنحه موافقتها، الأمور تتخد طريقا لم يكن يحلم به، فيرنا تجاوبت بسهولة ما ان فتح لها قلبه و هذا يجعلها استثنائية في نظره، فات الأوان كي يخبرها بشأن زواجه الكارثي، سيحاول انهاء الموضع بسرعة كي يعيش قصته معها بكل حرية، حياته معقدة جدا و لا توجد امرأة يمكنها تصديق بقائه ست سنوات مع امرأة لا يحبها، لا أحد يمكنه تصديق أنه تبث بزواجه من أجل ابنته كي لا يكرر أبدا ما فعله يانيس به، يعرف ما يعنيه طفل منبوذ، العذاب و القهر و الاحتقار النفسي، يعرف بأن فكتوريا ستحب فيرنا بالتأكيد، لا يوجد من يكره هذا الملاك، عاد ليقبل رأسها بنهم و يستقبل مجددا رائحتها التي تخدره و تنمل حواسه.
" لما أنا سانتو..؟" سمعها تسأله بحيرة بصوت منخفض:" هناك الكثيرات و بصحة جيدة... و أنت رجل كامل جدا و وسيم بشدة تملك كل المؤهلات كي..."
وضع يده على فمها ليمنعها من اتمام كلامها، الشعور بشفاهها تحت راحة يده يوقظ رغبته بطريقة مؤلمة:
"لست كل النساء ..." كرر كلماتها التي قذفته بها في يوم وصولهما" من السهل جمع الانتصارات الصغيرة عزيزتي...النجاح على المدى الطويل يُزرع...ما أريده أحصل عليه وأحتفظ به لا أخذ و أتخلص دون إدراك قيمة الأشياء..."
شعر بشفاهها تبتسم تحت يده، ثم استدار جسدها في حلقة ذراعيه كي ترفع نحوه وجه ملائكي رائع التفصيل و مثير بشكل لا يقاوم، انه مفثون تماما بها:
" أنت مليئ بالعبر 'دون سانتو فارينا'"
لقد أخذ صوتها لكنة رقيقة مرت فوقه مثل المداعبة.
" هذه العبر آخدها منك... فيرنا...أنت لا تفتقرين إلى قوة الشخصية "
"هل هو نقدًا أم إطراءا؟ "قالت ذلك بلهجة ليست اتهامية ولا دفاعية.
أمسك بدقنها بأصابعه، مجددا تحرقه الرغبة في الإنحناء نحوها و تقبيلها، في أن يذوب بجشع على شفتيها الرقيقتين و الشهيتين.لا ينوي مباغثتها ابدا:
" أشكر مارسيليو لأنه اقتحم المزرعة و سرق الفواكه و كان السبب في لقائنا..."
انفجرت فيرنا ضاحكة:
" تتذكر إسمه أخيرا؟؟ تناديه عادة بالصبي..."
" صبي لا يطاق لكنه بقوة شخصية أخته..." لامس خدها بإجلال حقيقي:" هذه الأخت التي أنوي الاحتفاض بها الى جانبي..."
تغيرت ملامح وجهها، عادت الشكوك لتملأ نظراتها:
" بالكاد أصدق ما يحذث... حتى و ان اقتصر الموضوع على فترة قصيرة فسأسعد به لأنني أفتقر للتجارب، لكنني... سانتو... أنوي حماية نفسي مما قد يعقب، أعرف بأنني لست كاملة و ربما ما تشعره نحوي سيكون قصير العمر..."
" لن يكون كذلك..." قاطعها الا انها وضعت يدها على شفاهه لتمنعه من التكلم:
" ارجوك لا تقاطعني... دعني أكمل... تجربتي السابقة كانت سيئة جدا و تدخل أمي كان أسوأ فأقسمت الا أجد نفسي مجددا تحت رحمة غضبها، أريد الحصول على تجربة جديدة و أنت رجل فريد من نوعه و تعجبني حقا، لكنني أريد أن أعقد معك صفقة... ذات يوم... ان أحسست بتهديد ما، أو أي تغيير منك نحوي... فسأنهي كل شيء، و أنت... أريدك أن تحترم رغبتي..."
هذا لا يعجبه، قبل اصابعها على شفاهه وأمسك بها ليضعها على وجهه، يتحسس نعومتها:
" لن أتغير نحوك فيرنا... أنا حقا معجب بك..."
ابتسمت ببعض الحزن:
" أعرف و أنا أيضا, لكنني بحاجة لضمانات و لكلمتك سانتو... أنت رجل ثري جدا، ابن دون يانيس ايميليانو، لا يهم ان تكون شرعيا أم لا لكنك ورثت هالته و شخصيته و طاقته..."
عاد ليقطاعها:
" تقصدين أن أكون زير نساء مثله؟؟"
رغم العتمة الا انه رآها تحمر تحت ملاحظته:
" أعرف بأنك رجل نبيل... لكنني بحاجة لمعرفة بأنني حرّة في الرحيل ان تغيرت ناحيتي... أرجوك وافق... عدني بالا تطرح الأسئلة أو تجبرني على البقاء... فقط هذا"
لا يمكنه قطع وعد يعرف بأنه لن يوفي به، لا يمكنه أن يضمن المستقبل لأن حياته معقدة، يعرف بأنها ستهرب منه ما ان تعرف بالحقيقة و ان وعدها فلن تكون له فرصة الشرح:
" سانتو..."
" لما تحددين القواعد الان؟ دعينا نعيش ما بيننا بكل طبيعية الى أن نعرف بعضنا البعض جيدا... فيرنا لا يمكنني قطع وعود لست مقتنع بها، آسف أن أخبرك بأنني أنوي الاحتفاظ بك حتى مع أطنان عوائق و سوء فهم..."
لا تبدو مقتنعة، فيرنا تعتمد دوما على المنطق، لم تطرح عليه اسئلة خاص و هو تعمد عدم البوح، تعمد البقاء على الحياد
" تعتقد بأنني أرفض أن تأخد حياتي منعطف مغاير و مختلف؟؟ حاولت مرّة لكن الواقع أدركني"
" من هي والدتك ؟"
يبدو أن سؤاله فاجأها بشدة، هربت من عينيه:
" لا أنوي اخبارك بهويتها آسفة..."
" أخبرتك أنا بهوية أبي..."
تصلبت تحت يديه:
" البوح بهويتها لن يغير شيئا ..."
" تلك المرأة أسائت اليك فيرنا و مازالت تسيء اليك حتى الان... أنت تتركينها تتحكم في حياتك..."
" في الماضي ارتكبت الحماقات..."
" كان عمرك الثامنة عشر..." قال مدافعا:" اليوم أنت بالغة و حرة و مستقلة و يمكنك فعل ما تشائين بحياتك العاطفية... "
كشرت قليلا و عادت لتعذيب شفتها السفلى بأسنانها الصغيرة المصففة، لا يبدو أنها تصدق كثيرا ايمانه بها، هو المندفع وراء رغبة متوحشة بمعرفة كل أسرارها بينما يحتفظ بالأسوء لنفسه، المرأة الوحيدة التي همته بشدة و لم تشاركه في البداية اهتمامه بدأ بالحصول على تجاوبها، قد يضع هذا في خانة انجازاته، ولكن في نفس الوقت هذا الانتصار له طعم مرير لا يمكنه تفسيره، وهي...المرساة الوحيدة المتبقية.
مع كل الظروف التي مرّ بها خلال حياته أصبح بارد ومنهجي - مثالي لإدارة شركتين منفصلتين بمليارات الدولارات، لن يكشف لها شخصيته الأخرى: الشخص الذي جعله رجل أعمال لامعًا ، وجعله يحصد التقدير والإعجاب من قبل الجميع - من أقرانه كما خصومه...مع استحواذ ارشيبالد على مجموعة آرتر-شي للمحركات، عزز مكانته كأشد الرجال سلطة ، تاركًا أقرب منافسيه خلفه... لا يمكنه أن يعتز بنجاح أكثر من هذا... فقط لو كانت اوكتافيا على قيد الحياة.
لن يكشف لها أيضا عن جانبه المظلم جدا، ذلك الذي استفاذ من مكر يانيس ايميليانو و دخل في جلدته ليتلاعب مطولا بروكو الذي لا يهزمه أحد، لأشهر لم يتمكن أخاه وضع يده على المتسبب له بسلسلة ازعاجات متتالية، لن يخبرها أيضا بأنه حصل على نشوة كبيرة بانتزاع الحياة من الرجل الذي قتل والدته، بأنه التحق بقافلة والده الاجرامية رغما عن أنفه، و بأنه لم يشعر بالعار من ذلك... أخبرته فيرنا بأنه يبقى ابن ابيه، تريد تأمين قلبها لأنه برئيها سيقوم بتحطيمه، و بالتأكيد منطقيتها مزعجة للغاية، انها محقة... كل يوم يمر يجد نفسه أكثر شبها بوالده.
" لدي جانبي المظلم..." سمع نفسه يقول.
" كلنا نملك جانبا مظلما نحاول التغلب عليه بالايمان ... و ليس هذا ما يخيفي..."
ابتسم لها و لامس الخطوط الانيقة جدا لفكها:
" لن المسك فيرنا بدون اذنك... أنا سأنتظر الى ان يزول خوفك تماما، عموما فأنت سترحلين الى افريقيا و أنا الى روسيا أمامنا مهلة للتواصل و التعمق في بعضنا... لم اجلبك الى هنا بنوايا سيئة..."
" أعرف... " همست :" لا أشعر أبدا بالرعب منك بل مني... بسبب ضعفي نحوك و أنا أراك لامعا في السماء بينما أنا في الأرض سانتو..."
" النجاح ليس سوى ارقام فيرنا... هذا لا يغير حقيقة من أكون و ما اشعره نحوك، أو ما آمله منك... " عاد ليغرق مجددا في جمالها:" ممن ورتث بهاء هذه الملامح؟؟ والدك؟؟ والدتك؟؟"
" أنا لست جميلة..." أكدت ببعض السأم.
" و كأنك فراشة تريد اهام نفسها بأنها دودة قز..."
ابتسمت فيرنا و تنهذت:
" والدتي امرأة بارعة الجمال، ارستقراطية الملامح، قوية الشخصية، و هذا لم يمنعها بالسقوط تحت سحر شاب يصغرها و يعمل في حديقة قصرها، من خلال الصور التي احتفظ بها عن والدي... فقط كان وسيما للغاية، نوع الرجال الذين لا يمكنهم منح المرأة سوى جسد كامل جدا تتسلى به، لم يكن موهوبا في جني قوت يومه، كان يحلم بأن يصير عارض أزياء، ربما ممثل دائع الصيت ذات يوم... الأمور لم تسر كما رغب، وجد نفسه مع طفلة صغيرة و انتهت أحلامه... المرأة التي ظن أنها تحبه و ستترك زوجها من أجله أدرات له ظهرها"
حاول استخلاص الايجابي من القصة و الابتعاد عن الدراما الفارغة:
" اذن فقد ورتث سحر الاثنين..."
هزت عينيها الى السماء:
" فقط لو رأيتهما... لا أشبههما بالمرة... كانوا يلقبونني بالدب في المدرسة لأنني أملك رموش كثيفة للغاية و حاجبين مريبين..."
" رموش كثيفة مميزة يمكن للنساء ان ترتكب جرائم بشرية للحصول عليها..."
ضحكت فيرنا من قلبها:
" أرى بأن تجربتك النسائية واسعة..."
" بما فيه الكفاية كي أجزم بأنك مميزة و استثنائية و لست نسخة مقلدة كغيرك... أنا تحت السحر 'دونا فيرونيكا'...أنا تماما تحت السحر"
* * *
{ ...هذا البعد... لكن كيف تجرؤ بنسياني؟؟
بطني تكبر و نظراتهم تمتلئ بالازدراء و الاحتقار، قرروا ابعادي عن مدريد كي لا تنتشر الفضيحة، والدي توقف عن اعتباري ابنته منذ ان رفضت الاجهاض، يرفض الفضيحة... يرفض أنني امرغ اسم العائلة في الوحل... فتركني بين يدي ناديا...
انها تراقبني...
أشعر بأنني أفقد السيطرة على الأمور... لست قوية كما حسبت نفسي... غدا سوف نرحل خوسيه... أتوسل اليك اجب على رسائلي.. أجب قبل أن يفوت الأوان..}
أغلقت دانيلا المذكرات ببعض الحدة، و سقطت الحقيقة القاسية عليها بكل وحشيتها مثل موجة أطلسية جليدية في قلب الشتاء الإنجليزي، كيف يعقل أن تنتهي قصتها بهذه الطريقة، القت نظرة على اصبعها العاري من خاتم اليساندرو، ان كانت تسرعت بإخراجه من حياتها لأن والده مجرم نذل قام بتحطيم امرأة مسكينة لأنها تهدد سمعة شقيقته؟ العذاب لهذه الحقيقة يجعلها فارغة داخليا... لا تجد طائرات متوفرة لمدريد، كان عليها الانتظار ليلة أخرى، لكن اليساندرو اللطيف أبرز لها وجها آخر بينما تهجره بتلك الطريقة أمام والدته، لم يتوسل اليها البقاء، سابرينا حاولت، أخبرتها أن روكو مسافر، بأنه سينفجر من الغضب عندما يعرف مغادرتها صقلية بدون علمه، لكن آخر اهتماماتها هي مشاعر العرّاب، تلك العائلة غريبة جدا، ملئية بالاذى و الاسرار، و منذ أمس وهي هنا... في هذه الغرفة الصغيرة بفندق في قلب باليرمو، عاصمة صقلية العتيدة، طائرتها في المساء... سترى خوسيه أخيرا بنظرة مختلفة هذه المرة، يمكنهما الكلام بالموضوع، ستخبره بأنها على علم بالحقيقة، بأنها ابنة عمّه، بأنها ثرية لأنها ورتث أمواله و ليس لأن ناديا كانت تملك أكثر مما أعطاها اياه المادو لتسهر على ابنة أخيه.
لكنها لن تدخل في تفاصيل اليونور... هذا سيؤذيه بشدة... خوسيه بصدد استعادة السيطرة على حياته, لقد تزوج امرأة من العامية و انجب منها توأمين و أخبرها ذلك المساء في المستشفى بأنه يطوي نهائيا صفحة الماضي اخباره الحقيقة سيدمر كل شيء... سيعاني بشدة مع عذاب ضميره... لقد نبذ اليونور بشكل أو بآخر لأنه لم يحاول الوصول الى الحقيقة.. و مساعدتها.
طرقات على باب غرفتها جعلتها تنتفض، كانت قد طلبت وجبة للغدء و لابد أنها وصلت:
" أدخل..."
ابتسامتها اختفت بينما ترى ستتة اقدام من الرجولة المبالغ فيها تقتحم غرفتها، شعرت بكل الدم ينسحب من وجهها، كان يحمل وجبة غدائها، وضعها على الطاولة أمامها ثم تخلص من قفازيه و معطفه الأسود ليبقى في بداته المعتادة:
" تنوين الرحيل دون توديعي دانيلا؟؟"
بلعت ريقها بصعوة، لما تشعر بنفسها متهمة بينما هي الضحية أمامه؟
" روكو..."
" أشششت.." أشار لها الى البيجاما التى ترتديها:" غيري ثيابك و لملمي أغراضك فورا..."
" اسمع..."
" فورا..."
لم يمكنها أبدا الاعتراض على هذا الأمر الذي أتى قويا لدرجة أصّم أدنيها، امتلئت عينيها بالدموع و لم تقدر ركبتيها على حملها،مطلقا لم تره يوما هائجا بهذه الطريقة، استغلت أمر ابتعاده عن صقلية و لم يتمكن أحد من منعها بالرحيل، لكن الأمور لا تسير دوما كما يرغب المرء، وحده العرّاب من يملك الكلمة الأخيرة، كانت يديها ترتجفان بحدّة بينما تضع الاغراض القليلة التي استعملتها مجددا في الحقيبة، كانت بصدد ارتداء حدائها عندما انتصب أمامها:
" تنوين الخروج بالبيجاما؟؟..."
" انت تربكني ، افقد توازني عندما تكون هائجا في وجهي..." انحنى على حقيبتها و أخرج عشوائيا بلوزة و بنطال.
" ارتدي هذا بسرعة..."
" تنوي اعادتي الى تاورمينا؟؟"
" لا أسجنك دانيلا, لكنك مخطة ان ظننت بأنني سأتركك تدمرين كل شيء مع خوسيه..."
اعمتها الدموع بينما تجاهذ انتزاع بيجامتها مما جعل روكو للتدخل مجددا:
" بوركاميزيريا دانيلا استعملي الحمام لهذا الغرض"
منحها ظهره و شعرت بأن عصبيتها ستفقدها عقلها، التقطت أغراضها و حبست نفسها في الحمام، ما منحته لها المرآة مريب، كانت تتجاهل النظر الى نفسها كي لا تنفجر في البكاء، لكنها اللحظة لم تعد قادرة على حبس دموعها أو السيطرة على نفسها، كانت ترتجف بحدة، هذا اللقاء معه لم تتوقعه... قفزت بعنف بينما يدق على باب الحمام:
" استعجلي لا أنوي الانتظار طويلا..."
" و متى كان الصبر من شيمك ...؟؟"
صرخت به وهي ترتدي ملابسها على عجل و تكور البيجاما بين يديها بعصبية، عندما خرجت كان ملتصقا بهاتفه، يتكلم بصقلية سريعة و يعطي الأوامر بصوت مقتضب، انزلقت نظراته عليها قبل أن يشير الى حقيبتها أمرا اياها بإنهاء لملمة أغراضها.
" أريد أن أعرف الى أين تأخدني؟؟"
" الى مدريد... "
لم تتوقع هذا، حزمت أغراضها و ارتدت حذائها و جمعت شعرها في تسريحة عشوائية، كانت منتصبة أمامه بوجه منغلق، يدها على مقبض الحقيبة:
" لست مضطرا للعب دور الحاضنة يمكنني الاعتماد على نفسي، طائرتي في المساء..."
" اغلقي فمك الجميل و أعيدي ارتداء هذا..."
أخرج من جيبه خاتم خطوبتها الذي التمع كي يجعلها تشد أنفاسها، انتقلت بنظراتها بينه و بين الخاتم لكنها لم تجرؤ بالاقتراب منه:
" ماذا تظنين؟ بأن الموضوع سينتهي بهذه البساطة...؟ أيتها المجنونة الساذجة... ستوقظين ثنين تم تنويمه منذ سنوات طويلة..."
" لا تظن بأنني أنوي الانتماء لعائلة الرجل الذي قتل والدتي..." قالت بشهقةآملة أن تتوقف أمعائها عن التمزق.
هز روكو رأسه ببعض الاسف:
" أيتها البلهاء الصغيرة... كدت أصدق بأن لك عقل تحسنين استعماله... لكن في أي عالم تعيشين؟ "
" بالتأكيد ليس في العالم الذي آلفته أنت ..."
" هذا ما يبدو بالتأكيد..." التقط يدها ليدس الخاتم في أصبعها:" انتزعيه عندما يحين الوقت، أما الأن، استمري في لعب دور العاشقة أمام خوسيه، لا شيء يجب أن يفسد مزاجه هل انا واضح؟؟ "
من رؤية أخرى كلامه في محله، انتزعت يدها منه و ضمتها اليها تفرك معصمها الذي أطبقت عليه أصابعه الفولاذية بقسوة.
" سأفعل روكو... ليس لأنني أكثر تهذيبا من همجيتك بل لأن خوسيه يعني لي الكثير و أحبه..."
" و انا لا أنتظر منك أكثر من الاحتفاظ بالحقيقة لنفسك الى أن يحين وقتها... " انحنى على حقيبتها ليحملها و كأنها لا تزن شيء:" فلنمضي... الطيار بإنتظارنا..."
كافحت لقمع دموعها، قسوة هذا الرجل تفوق الفهم... يجب أن تعترف بأن نظرتها لم تكن صائبة، خوسيه ليس مستعدا لهذا النوع من الاضطرابات، منذ خطوبتها باليساندرو وهو سعيد، حتى ان علاقتهما تحسنت، انهائها فجأة سيفتح فوهة بركان لا يمكن اغلاقها بكل التبريرات الممكنة.






ملك جاسم likes this.

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:04 PM   #3812

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث عشر

" تبلين بلاءا حسنا يوما بعد يوم أيتها الأميرة..."
توقفت صوفي فورا عن التقدم في الحديقة بينما يظهر أمامها خافيير، أيام من التجاهل الكلي وهاهو يتمكن في محاصرتها أخيرا، شدت عليها يداي المساعدة الطبية لكنها القت عليها نظرة:
" اجلبي الكرسي..." امام ترددها انفجرت صوفي: " انا قادرة على البقاء واقفة لوحدي...."
بقيت ثابثة صلبة بينما تحررها أيادي المرأة، خافيير اقترب أكثر، ابتسامة لعوبة تترنح على شفاهه المغرية:
" تتجاهلينني صوفيا...؟؟"
" إسمي صوفي.." صححت له وهي ترمقه بجليدية:" مالذي تفعله في القلعة بهذا الوقت بينما روكو يطير الى مدريد؟؟ الا يُفترض أن تكون معه؟؟ بصدد تنفيذ أوامره..."
اتسعت ابتسامة خافيير:
" عدائيتك تزيدك جمالا..."
وضعت عينيها في عينيه مباشرة دون أن ترمش:
" سأكون واضحة معك... كل من له علاقة بروكو أمقته، لذا لا تضيع وقتك بأن تكون لطيفا معي فقد لشراء امتنانه..."
هز حاجبيه الكثين و برقت عيناه الرمادية بتسلية:
" متى اصبحت عدوك الرقم واحد؟؟ ظننت أن ثمة صداقة نمت بيننا في التايلاند..."
بدأت ركبتيها ترتجفان تحتها من شدة المجهوذ الذي تقوم به للبقاء صامدة في وجه الرجل أمامها، هذا الأخير لمح وجهها يحمر تحت الضغط اقترب منها:
" لا تفعل..."
تمتم بتجهم مسرحي:
" تعجبني شجاعتك صوفيا لكنك بحاجة عاجلة للمساعدة..." شدّت أنفاسها بينما تلفها ذراعه القوية، شعرت بعضلاتها صلبة مثل الصخر تحت ظهرها،جسدها كله أشتعل مثل الكبريث تحت تأثير الاتصال المفاجئ، عادت لتلتقي بنظراته الرمادية الشفافة، نظرات اليخاندرو أشد رقة، أشد حنانا، هذه النظرات التي تثبتها اللحظة نظرات مغواء متمنق و زير نساء، بالتاكيد ، لديه سحر. حسنا سحر يشدها، .. سحر جنوني لكنها لا تنوي منحه متعة الكشف له عن ضعفها، لا حاجة لنفش ريشه اكثر . لديه بالفعل ما يكفي من الغرور ولن تزيده غرورا، انه يعرف كيفية فك لغة جسد المرأة و ان خذلت نفسها فسيكشف سرها الصغير، سر انها متيمة بغرام شقيقه و سيخر منها لما تبقى من عمرها.
مرعوبة من الاضطراب الذي الذي استولى عليها ، كافحت للهروب من اتصاله و دفعته عنها، نسيت تماما أنها غير قادرة بعد على الاتفاق التام مع جزئها السفلي، عجزت ركبتيها عن حملها فسقطت عليهما أمامه، الالم كان مبرحا لدرجة أن انفاسها توقفت في حلقها و لم تستطع التقاطعها الى أن تحول لون بشرتها الى القرمزي، رأته يجلس على ركبتيه أمامها، يأخد وجهها في يدها، يدس ابهامه بين شفاهها و يأمرها:
" تنفسي... تنفسي..."
اعتقدت أنها تهلوس. هل كانت تحلم؟ كان ذهولها إلى درجة أنها بقيت متجمدة ، غير قادرة على التعبير عن أدنى صوت، خرجت الشهقة الأولى مصحوبة بالدموع التي انزلقت على وجنتيها:
" هكذا أفضل... تنفسي بعمق..."
بدأت تستعيد أنفاسها بهدوء، صدمة التقاء ركبتيها بالأرض الصلبة مرّت لكن حريق يشبه النار بنهشهما، كيف تهورت بهذه الطريقة و نسيت وضعها الهش؟؟ هذه المرّة عندما حاول خافيير مساعدتها لم تعترض، تركته يضع ذراعا خلف ظهرها و الأخر أسفل ركبتيها، ثم و كأنها لا تزن شيئا شعرت بنفسها تطير في الهواء، كان الألم أسوأ عندما حاولت تحريك ساقيها، لمحت كل الفريق الطبي يقصدها مهرولا، لابد أنهم كانو شاهدين على سقوطها المريب، هزت عينيها نحو خافيير:
" ضعني في الكرسي..."
" افضل أخدك لغرفتك..."
تنشنجت تحته، هذا الالم في ركبتيها و التصاقها به أمران لا يُطاقان:
" لا تتعاملني كعاجزة، أو أسوأ... كموظف روكو... أنزلني فورا ..."
لكنه لم يفعل، شد على نظراتها للحظات قبل أن يدنو بوجهه من وجهها و يقول:
" منذ اللقاء الأول لم أعاملك كعاجزة... فتوقفي عن معاملتي بتنازل... أو أسوأ كموظف لشقيقك.."
ثم بحركة أقل لطف وضعها على الكرسي المتحرك الذي وصل مع مساعدتها، أبقت عينيها على خافيير، لايبدو غاضبا، كان فحسب يتطلع اليها ببعض الترقب قبل أن يدير ظهره، لكنه توقف ليعود مجددا نحوها و ينحنى عليها، يديه على المسندين، قريب لدرجة انها ترى انعكاسها في عمق مقلتيه:
" عندما تقررين التوقف عن التصرف كطفلة مدللة... يمكنني أخدك في نزهة من فينة لأخرى، بدل فقدانك رشدك في هذا المكان الشاسع... "
" من أخبرك بأنني أنوي مغادرة عزلتي معك الى أي مكان؟..."
" لماذا؟؟" سألها و هو يسجنها بنظراته:"لأنني أعجبك لدرجة تمنعك من الاعتراف بذلك؟؟"
اختنقت بردها، منحها ابتسامته اللعوبة ثم غمز لها دون أن يتوقف عن تفحص اجابتها في وجهها، و تسائلت ان كان الاتصال الجسدي بينهما ما جعله يفقه لردة فعلها العنيفة، نعم يعجبها شكله لأنه صورة مطابقة للرجل الذي أغرمت به منذ مراهقتها، مالذي ستكون عليه ردة فعله عندما تقذف هذه الحقيقة في وجهه؟؟ بأنه ليس هو المقصود ...
" غرورك مثير للشفقة...حتى أنك لست صنفي المفضل"
لم تهمه ملاحظته، قال فجأة:
" أنت تنزفين..."
أقطبت اذ انها لم تفهم بسرعة قصده:
" ماذا؟؟" سألته وهي تلقي نظرة عن ركبتها، الدماء الحمراء فكرتها بمعاناتها الطويلة مع الحاذثة اللعينة" سيقوم شقيقي بقتلي. ... لا يجب أن يعرف"
أمنية ضائعة، تعرف بأن أعين روكو في كل مكان...هذه الملاحظة دفعته للنظر مجددا الى وجهها و كأنه يستغربها، لا لم تكن تمزح، روكو سيغضب بشدة ان أدرك بأنها قامت مجددا بإيذاء نفسها، انه مهووس بصحتها و بشخصها عامة، مهووس بها لدرجة الاختناق... كيف لوالدتها أن تخبرها بأن يانيس كان أسوأ؟؟ لقد كان توأم روحها... وفاته دمّرتها... علاقتهما غلفها الكمال التام ...زياراته الليلة الطويلة لغرفتها... أسمته بزائر الليل... عانى الأرق بفضاعة... و روكو ورث هذه العادة المريبة... والدها جعل من زياراته لغرفتها عادة مقدسة، أحيانا تراه، و أخرى تستقبلها رائحته الرجولية ما ان تفتح عينيها صباحا تنم عن مروره... كان يترك اثره خلفه... زائر الليل يهاب سكينتها، حتى بوجود طاقم حراسة مشددة يسهر على كل من في البيت بقوة جيش بلد جبّار، عشقت كلماته الموزونة... أحبت دعمه و حمايته لها، لسيما عندما يرسم في راحة يدها علامة ∞، المودة و الحب الامحدودين و يخبرها بأنها أجمل ما حصل في حياته.
لكن كم كان عمرها عندما رحل بشكل مفاجئ؟ لم تكن مراهقة كفاية كي ترى الى اي حد يمكن لسيطرته الوصول!؟ لو مازال حيا فهل سيكون متملكا كما هو الحال اليوم مع شقيقها؟
ما تتذكره أن الكل إرتجف لهبته، حتى روكو العظيم يحني رأسه عندما يُسمّره بنظراته، لكن تلك النظرات ترق ما ان يحطهما عليها... وهي... اعتزت بشدة بتأثيرها عليه... شعرت بأنها أقوى من الكل... شفقت عمن فشل في كسب مودته.
لكن كل شيء انقضى اليوم... رحل رجل عظيم كي لا يعود أبدا... و كم تفتقده.
" أريد العودة الى غرفتي..."
فريقها الطبي استجاب الى أمنيتها، القت نظرة أخيرة على خافيير الذي بقي واقفا في مكانها، يديه في جيوب سترته الجلدية، ارتاحت لأنه لم يحاول فرض نفسه... كشرت بينما تضغط بيدها على فخدها، ثوب بنطالها التصق بالاصابة.
" فلتلعن أينما حللت خافيير ميندوزا"
* * *
سمح الموقع الجغرافي بتغيير الملذات من خلال توفير إمكانية المشي في السهل وبالتالي التوغل لمسافات كبيرة عبر مناطق عشبية شاسعة بالخيول التي امتطياها، لم يعد الفريق اذراجه سوى بعد ان بدأ الصغار بالشعور بالارهاق من الممارسات التي قاموا بها طيلة اليوم، لحسن حظ لونا انها وجدت في مجموعتها اطفال بعمرها و اكبر قليلا، في الاصطبل بينما يعيدون الاحصنة للموظفين لم تكن لونا بخير انحنت عليها ميغان
" ما الامر؟"
" انا اتألم هنا" اشارت لها لما بين فخديها، مسدت على المنطقة الحارقة و همست لها بحنان:
" لأنها المرة الاولى التي تطيلين فيها ركوب الخيل... "
أحد المرافقين اقترب منهما كله ابتسامات، الرجل لم يخفي اهتمامه بها :
" هل هناك من مشكلة؟"
" ابنتي تقرحت بسبب امتطاء الفرس".
بعد قليل كانتا معا في الحمام بصدد طلاء مرهم على التقرحات بتطبيق تعليمات المرافق، ارتاحت عندما عادت ابتسامة لونا، بدى المها ذكرى بعيدة:
" أنا جائعة جدا..."
" مع هذا الجو البارد العكس هو ما سيفاجئني عزيزتي..." قالت لها ميغان وهي تضع قبعتها الصوفية و معطفها الواقي من المطر:" سوف نمر على محل فطائر بريطون التي تحبينها... أممم أشم سلفا رائحة الفانيلا و العسل"
قفزت لونا من الحماسة، أمسكتها من يدها و خرجتا معا تدندنان بلحن أغنية مشهورة ، المفضلة لابنة شقيقتها، التي رددتها تقريبا طيلة النهار...
" ستسجلون أسمائكم لنزهة الغد ؟؟ سنقوم بجولة للبحيرة..."
لا يبدو أن المرافق ينوي تركهما ترحلان بهذه البساطة، تعرف بأنه يحاول الحصول على رقم هاتفها بكل الطرق، بينما تستعيدان حاجياتهما ابتسمت له ميغان بتهذيب:
" غدا سنزور حديقة الحيوانات و نتزلج، لكن هذا النهار كان استئنائيا فريقكم مميز للغاية و قد استفذنا الكثير..."
" أوكتافيا.."
ظنت ميغان بأن الصغيرة تقحم اسم أوكتافيا لأنها تشتاق اليها و أدركت أنها هي المخطئة عندما هزت عينيها و سقط فمها من وجهها بينما ترى اوكتافيا تركض بكل قوتها نحوهما، لوكا ورائها ينبهها بأن تكون أكثر حذر كي لا تسقط، جدائل أوكتافيا الشقراء تطايرت من حولها وهي تحتضن لونا بحرارة، صدمة رؤيتهما سمرتها مكانها، أبقت عينيها على الرجل الوسيم في معطف أزرق طويل و حذاء ايطالي متناقض مع الوحل الذي يملئ المكان.
لم تجد ما تقوله بينما يتسمر أمامها، ابتسامة راضية على وجهه، ان كانت توقعت هذا؟ ابتعدت عن وجهه و انحنت على ابنة رئيسها، هذه الأخيرة ترتدي ملابس من ينوي قضاء وقت في حفل عيد ميلاد و ليس نزهة في الغابة... انها أميرة حتى آخر تفاصيلها:
" كيف حالك أوكتافيا؟؟"
" بخير.. أخبرني خالي لوكا بأننا سنمضي اللية معكما في الشاليه... "
عادت تهز عينيها نحو لوكا، الغضب بدأ يتآكلها، لكنه نظر اليها ببراءة:
" رائع..." صرخت لونا بحماسة وهي تمسك بيد أوكتافيا لتشير الى الأحصنة:" قمنا بإمتطاء الجياد طيلة النهار..."
لوت أوكتافيا شفتها السفلى و أمسكت بكم معطف لوكا متوسلة :
" هل يمكننا امتطائها خالي؟؟ أرجوك... أرجوك"
" انتهى وقت التأجير لكن يمكنكما تسجيل نفسكيما لنزهة الغد..." تدخل هذه المرة المرافق الذي نسيت وجوده، يبدو أن لوكا انتبه له ايضا، رآت نظراته تتصلب، رباه، تعرف هذه النظرات:
" من أنت؟؟"
" ستيفان، قائد المرافقين و مسؤول ترفيهي...." رد الرجل بمهنية.
" لسنا بحاجة لتسجيل أنفسنا للحصول على نزهة خاصة... أين مديرك؟؟"
شعرت بالموظف يتوثر تحت لهجة لوكا الخالية من الود، رغبات أوكتافيا دوما أوامر، لوكا يفسدها دلالا، و كيليان يتفوق على الجميع بإفسادها أيضا، ان استمر الموضوع على هذا الحال فستصبح الفتاة وحشا من الأنانية... تماما مثل والدتها!
" يمكنكما العودة غدا أوكتافيا عزيزتي الا تظنين؟؟" تدخلت ميغان برقة وهي تضع يدها على كتف الطفلة:" لونا تتضور جوعا، وعدتها بفطائر لذيذة فهل يهمك الأمر...؟!"
بدت أوكتافيا مترددة أمام الفطائر أو نزهة على ظهر الجواد، لوكا متأهب لتحقيق رغبات صغيرته حتى لو كانت شراء الإصطبل برمته، ابتسامة لونا جعلت هذه الأخيرة تتخذ قرارها:
" سنعود لاحقا إذن... "
ابتسم لوكا لحماسة ابنته بالمعمودية، انه متيم بها لدرجة ان افسادها مباح جدا له، القت نظرة وداع على المرافق الذي انصرف تحت ضغط نظرات لوكا، ميغان التي لم يفتها هذا اقتصت منه بنظرات سوداء:
" أنت لا تحتمل..."
هز كتفيه مدعيا البراءة:
" مالذي فعلته لتثوري هكذا؟؟"
الفتاتين تلعبان، بعيدتين على التقاط التوثر الذي يتشقق بين البالغين، كتفث ذراعيها فوق صدرها و هاجمته بصوت جليدي:
" هل يمكنك أن تخبرني ما يعنيه كل هذا السيرك؟؟ لما أنت هنا؟؟ هل تقوم بملاحقتي و استعمال أوكتافيا؟؟"
اتسعت ابتسامته:
" أنا أقوم بملاحقتك نعم... استعمال اوكتافيا نعم و لا... ايموجين مرهقة نفسيا لإخراجها لذا فضلت ضرب عصفورين بحجر واحد، كما انك لن ترمي بي خارجا مع طفلة صغيرة!..."
هزت عينيها الى السماء:
" الشاليه صغير..."
" يمكن للطفلتين استعمال نفس الغرفة... أما فيما يخصني... كنت لأسعد بتقاسم سريرك الا انني سأنتظر هذا الامتياز... تكفيني الكنبة في الصالون..."
كتفت ذراعيها فوق صدرها:
" اتيت الى هنا في سبيل امضاء وقت حميمي مع لونا... عائلي نوما ما ان كنت تفهم المقصد... أنت لست فردا من هذه العائلة..."
" أنوي استعادة مكاني..."
" تنوي استعادتها بعد ثلاثة سنوات و نصف من الفراق؟" سالته بصوت جليدي" لا أؤمن بالمعجزات لوكا، كل شيء بينا انتهى منذ أن قررت استبدالي بتلك المحامية!.."
" شرحت لك بأن تمة التباس في الموضوع ...انا على الاقل احاول فهم ما حذث اما فيما يخصك فقد رميتي ملابسي خارجا و دخلت في صمتك اللعين دون مبررات او اي تفسيرات... لم تمنحيني فرصة الدفاع عن نفسي"
شعرت بالغضب لهذه الاتهامات، الان يحط المسؤولية عليها، بعد أن امتهن المجون منذ رميها له خارجا بسبب خيانته يعود ليضرب بكل شيء عرض الحائط و يتهمها بالتقصير؟
رأت لونا تمسك بيد أوكتافيا كي تركضان نحو المرآب، تابعتهما بنظراتها و بخطواتها على مضض، الغضب يمنع عنها سماع وقع خطواتها، لكنها من الافضل ان تضع بينهما مسافة قبل ان تتعلق بعنقه و تخنقه لحد الموت، في تلك الفترة القاسية، ليس الحب فقط ما خذلها لكن القدر أيضا، و كان أقسى على لونا التي فقدت والديها معا، هل كانت تملك الطاقة لتتحمل ضربة لوكا أيضا؟ لا أبدا...
" هل سنأخد سيارة واحدة؟؟" سألت لونا ما ان فتحت سيارتها عن بعد.
" سيارتنا هناك... لكنها لشخصين..." قالت أوكتافيا وهي تشير نحو ابداع من ابداعات ارشيبالد.
أن تكون مديرة الفروع الأمريكية و تستعمل ماركة بعيدة عن العلامة التي تعمل لصالحها أمر سخيف، لكنها تفضل السيارات الكبيرة الرباعية الدفع، تسهل عليها الحياة اليومية، لوكا رمق سيارتها بإهتمام:
" يمكنني القيادة..."
" لا تنوي ترك سيارتك هنا؟؟ سيغلقون المكان... قُد ورائي..."
ثم انحنت لتغلق حزام الامان لأوكتافيا و لونا و اغلقت الباب الخلفي عليهما، عندما عادت لتواجهه لم يكن قد تحرك من مكانه:
" أريدك أن تتخلي عن عدوانيتك معي..."
" لوكا أنت لا تفهم... لا أنوي تغيير تصرفاتي معك، كلما اعتدت على الأمر كلما كان أفضل..."
ثم دارت حول سيارتها و أخدت مكانها خلف المقود.
* * *
هل تملك خيار؟؟ لا بالتأكيد... الرد أتى اليها عفويا بينما تختلس النظر الى الرجل الغارق في الاب توب أمامه، عندما أخبرها بأنه سيرافقها الى مدريد فلم يكن كلام من فراغ، متى قال روكو شيئا فارغا؟ انه رجل يعرف ما يقول جيدا، رجل ناضج و حسابي أيضا، من المعيب المقارنة بينه و بين اليساندرو، هذا الأخير أضحى أمريكا منذ زمن، و هذا ما راقها بشدة فيه، بأنه لا يشبه تسلط خوسيه أو روكو في شيء.
ابتعدت بنظراتها عليه لتحطهما على المقعد البعيد قليلا، سانتياغو تخلص من معطفه، تسريحته الصارمة فقدت قليلا من حزمها، يبدو أكثر شبابا بهذا المنظر المهمل قليلا، بدأت تخمن القطع الفاخرة عليه، قميص بانانا ريبابلك ، بنطلون لويس فويتون، حذاء مارك جاكوب، و أربع أرقام باليونانية القديمة موشومة على قاعدة أصابعه القوية حيث تظهر في معصمه ساعة سويسرية ليست من امكانيات مساعد بسيط لرجل أعمال طبيعي، بدى سانتياغو و كأنه خارج من احدى الاعلانات الدائعة الصيت، الذكاء الذي يشع من جبينه دليل على اختيار روكو له، لو لم يكن عبقريا لم كان ظل العرّاب و أمين أسراره... فجأة حط عليها نظراته البنية الخضراء و كأنه شعر بمراقبتها له... وجه فاثن لقاتل محترف... هل هناك وشوم أخرى تحت قميصه؟
" الا تمل من تبعه في كل مكان؟؟" سألته بصوت بارد.
هز روكو عينيه بعيدا عن حاسوبه، رأت التسلية في هذه النظرات التي حطها على مساعده، لكنها و كأنها تكلم تمثالا، بقي فحسب ينظر اليها دون التعقيب عن كلامها.
" اتركيه بسلام دانيلا... وجهي غضبك لي..."
" أرفض مكالمتك " عادت تنظر الى سانتياغو... " منذ متى تعمل لديه؟؟"
لم يجبها، لكنها لمحت السخرية في عمق نظراته الساحرة، الرجلين يتسليان بها، أتممت غير مهتمة ببروده لمحاولاتها الهروب من الجمود اللعين في الطائرة:
" ما الأمر؟؟ هل تعمل بالقطع النقدية؟؟ بالبطاقات المغناطيسية؟؟ "رأته يتبادل نظرة مختصرة مع رئيسه، ثم يعود ليحطهما عليها، هزت حاجبها:" سانتياغو اسم اسباني... "
" سانتياغو اسم عام...." صحح لها روكو:" وهو يكره الثرثرة التي لا فائدة منها... "
ابتعدت عن الوسيم الاخرس لتحط نظراتها على روكو، مازالت تغلي من الغضب لما حذث في الايام الأخيرة، و عليها أن تقول ما حرق صدرها قبل أن تنفجر أمام خوسيه:
" فليكن روكو... فلنثرثر اذن... الى متى برئيك ستجبرني على الاستمرار في الكذب على خوسيه هيه؟؟ انه ذكي للغاية، لن يتأخر بإكتشاف ان خطوبتي مع شقيقك لم يتبقى منها سوى هذا الخاتم الجميل..."
عادت تنقل نظراتها لسانتياغو الذي أدخل أصابعه بين خصلات شعره السوداء ليعدلها، لا تخفى على هذا الرجل اسرار عائلة الايميليانو و يبدو أن الموضوع يشعره بالملل:
" لن يتأثر كبرياء أحد ان ذكرت الموضوع أمام موظفك؟..."
" كبريائك وحده ما سيتأثر عندما تدركين بأن ردة فعلك غبية للغاية و طفولية..." قال روكو وهو يغلق الاب توب و يسترخي كملك في عرشه:" قررت ادفاع اليساندرو ثمن خيبتك... أظنه يستحق امرأة أكثر نضجا ..."
هذه الملاحظة جعلتها ترى كلشيء باللون الأحمر.
" يبدو أن القاء اللوم على الغير عادة متوارثة عند الايميليانو..."
ابتسم روكو ابتسامته الكسولة:
" هيا 'كارا'... انفجري، التهبي و القي الملامة علي... أفرغي شحناتك البركانية فكلي أذان صاغية... فقط تحذير بسيط... أنا غير قابل للاحتراق"
شبح ابتسامة ظهر على شفاه سانتياغو، رباه... انهما يتسليان بها... تواطئهما شيء يفوق حدود فهمها، لكن الأمور أكثر خطورة مما يحاول روكو اظهاره، هناك مصيبة وقعت في الماضي أودت بحياة والدتها، أغمضت عينيها لتعود و تفتحهما على الكنبات الفخمة للطائرة الخاصة، التقطت الاصابع الانيقة لسانتياغو هاتفه و بدأ بتفحصه يحاول قدر الامكان منحهما الحميمية الا انها تعرف بأن أذنيه معهما بالتأكيد:
" ربما أنت محق... لست امرأة ناضجة بعد... و كيف لي أن أكون بينما أخرج لتوي من مراهقة مشددة الحراسة... لم أكتسب خبرتي من شيء سوى ما منحه لي وصيي الذي تبين لاحقا بأنه ابن عمي... " أخدت نفسا عميقا، نظرات روكو الشديد الذكاء تحطان عليها مثل بصمة نار، يترقب منها انهاء حكايتها:" لكنك لست الناصح الجيد روكو... فعندما نرى علاقتك المهتزة مع صوفي التي تفضل الاحتراق في الجحيم على البقاء معك دقيقة كاملة..."
" لا تتكلمي عنها..." نصحها بهدوء:" تملكين تعقيدات أكثر .. القي ما عندك دانيلا و لا تغير وجهة كلامك..."
و كأنه يملك عصى الراعي التي يضع قطيعه في المسار الصحيح، كم تكرهه لهذا.
" أنت و سابرينا تملكان قصة مختلفة لما حذث في الماضي... أنت تقول أن أمي مومس... بينما هي تناقضك... فمن منكما يكذب؟!..."
" الكذب ليس ضمن شيمي أبدا..." قال بصراحة:" يا طفلتي... بعض الأمور يُفضل التغاضي عنها كي يعيش البعض بسلام، قصة سابرينا بدلائل نعم لكنها لا تخلى من الغموض، ما حذث في الماضي يعرفه يانيس و المادو....فقط... وكل هذه الدراما... لن تزيد خوسيه سوى تعاسة... تعرفين بأن اليونور متلت له الحلم الذي لم يحصل عليه أبدا... دعيه يعيش فرصته الجديدة مع المرأة التي أختارها لتمنحه وريثا... أتركيه و تحملي مسؤولية ماضيك كإمرأة قوية و ليس كمراهقة مختلة العواطف و الهرمونات..."
يعود لاتهامها بعدم النضج:
" أريد رد الاعتبار لأمي..."
انحنى روكو الى الأمام ليسألها بجدية:
" مثل ماذا مثلا؟؟ اخراج يانيس و المادو من قبريهما و قتلهما مرّة ثانية؟؟ "
اختنقت أنفاسها في حنجرتها و شعرت برغبة ملحة للغاية في البكاء المرير، كانت تجاهذ كي لا تضعف أمامه لدرجة انها اختنقت، ترك فجأة مكانه ليجلس بالقرب منها، دفعت أصابعه شعرها الى الوراء، هذه الحركة الحانية و التي لم تتوقعها أجبرت صدرها على تحرير تنهيذة معذبة، ثم بكت بصمت... بكت مصير أمها التعس، بكت طريقة موت ابيها المريبة، بكت خيبتها في الشيء الوحيد الذي آمنت به، علاقتها مع اليساندرو... اللوم يقع عليها نعم... أدفعته ثمن أبيه... كانت بحاجة لأدفاع أحدهم الثمن...و مازالت تحلم بإدفاعه لأحد...
وضعت رأسها على صدره و تركت دموعها تنزل، انها مضطرة لأنزالها قبل لقائها بخوسيه، و روكو يبتزها لإفراغ شحنتها تفاديا لأي دراما أمام الصديق الذي ينوي حمايته حتى النهاية.
" أنا أكرهه..." تمتمت بعد أن مد لها العرّاب كوب ماء جلبته المظيفة:" كيف يعقل أن يكون الانسان حسابيا لهذه الدرجة؟؟ كيف أمكنه تدمير حياة أمي و سلبها ابنتها و قمع الفضيحة فقط لحماية مصالح أخته و انتخبات صديقه..."يعرف بأنها تتكلم عن يانيس، لكنه لم يعقب على كلامها، شربت القليل من المياه المثلجة قبل أن تبعدها عنها، التقط الكوب سانيتاغو، منذ متى وهو واقفا أمامهما؟:" لما تعمد الاساءة اليها؟"
" في كل قصة هناك روايات مختلفة... لا نعرف الزيف من الحقيقة..."
هزت اليه عينين متورمتين:
" اليونور أضرمت النار في مكتب الفونسو بعد أن قام بالاعتداء عليها جسديا لمدة أسبوع كامل... أي رواية أخرى تأملها أخبرني؟؟ أنا أبنتهما... التحاليل تثبت هذه الحقيقة... و خوسيه يظنني ابنة ناديا و الفونسو... أخبرني كي ستكون ردّة فعله عندما يعرف بأنني ابنة حبيبته؟!"
أقطب بشدة:
" لن يعرف أبدا..."
" لكنه سيعرف ذات يوم..."
" لن يعرف... لأنني أثق بك و أعرف بأنك عاجزة عن تدميره بينما يجاهذ لبناء كيان جديد و مختلف... "
اعوجت شفتها في تعبير متهكم:
" تثق بمراهقة حمقاء تتلاعب هرموناتها بها؟؟"
أمسك بيدها، لم تكن في حركته اي دعم نفسي، بل حركة تنم عن تحذيره الجدي لها:
" حان الوقت كي تكبر تلك الحمقاء و تترك تفاهات الماضي خلفها... الانفصال عن الاشباح المظلمة و عيش حياة كريمة ما يستحقه خوسيه...ّو أنت أيضا"
هزت كتفيها:
" توقف عن النفاق روكو أعرف بأن مصيري لا يهمك..."
" النفاق ليس من شيمي أيضا.." أكد لها كبالغ صبور يحاول اقناع طفلة متمردّة:" تعنيني علاقتك بشقيقي الصغير، لكن لا تنتظري منه التنازل بعد تهورك، اليساندرو لا يعود عندما يتم الرمي به... اقول هذا عن تجربتي التي خضتها قبلك يا صغيرتي......"
و هذا صحيح، اختار أن يصبح أمريكي أكثر منه ايطالي، في الماضي حاول روكو ان يجعل اليساندرو نسخته الثانية، و خلافا لكل آماله تمرّد هذا الأخير، كانت له رؤى أخرى، مسحت المتبقي من الدموع على خديها و هزت كتفيها:
" لا أنوي استعادته... ما يهم اللحظة هو ان ارمم شتات نفسي... قبل أشهر كنت ابنة السيد و السيدة كورتيز ليتوضح بأن حياتي برمتها مجرد كذبة لعينة... "
" فليكن... لا أحد يجبرك على ما لا تريدينه دانيلا، لكنني مضطر لإعادة تنبيهك بضرورة حماية خوسيه من الحقيقة، أخبريه بأنك على علم بقرابتكما، أخبريه بعد مدة مناسبة بأن اليساندرو ينام بجواربه و ربما يشخر ليلا ، جدي اي عذر سخيف لاقناعه بفسخ الخطوبة... لكنني أمنعك دانيلا... أمنعك بأن تحزنيه أو تسيئي اليه... انه يحاول العيش من أجل أطفاله... لا تتعجلي بحفر قبره قرب قبر اليونور فتمضين حياتك في الندم ..."
* * *
خرج لتوه من مياه البحر ، لا يزال جسده وشعره يقطران بالمياه المالحة ، عندما انجرفت نظرته إلى المرأة التي تتقدم من الشاطئ تصلب مكانه. جسد راقي وأرجل لا حصر لها وشعر أسود فاحم ساحر يسقط نحوها مثل الستارة، كانت المرة الاولى التي تتخلص فيها من الثنورة المريعة، بدت مختلفة للغاية بهذا الشورت القصير و الكنزة البيضاء بلا أكمام، تبدو مثل النسمة، انزلقت نظراته على نذوب ركبتها الغائرة، واقي السلكون أخفى تماما تلك العيوب المريعة، فيرنا أكثر ثقة هذا اليوم، الاشياء تغيرت بشدة منذ أمس، و جرأتها الجديدة تعجبه بشدة:
" يالها من مفاجأة... أنت فاثنة..."
ابتسمت تلك الابتسامة التي تعرف طريقها الى قلبه:
" انه يومنا الأخير سانتو... وعدتني بزيارة شاملة ..."
اقترب منها و لم يقاوم بلمس وجنتها المخملية:
" أنا رجل يفي بوعوده، لسيما لإمرأة جميلة..."
كشرت قليلا:
" سأبدأ بتصديق أنني جميلة بسبب تردديك لهذا الكلام بإستمرار..." أشارت الى هندامها:" أنت مؤثر قوي كما ترى... "
اشرق و جهه بسرور صادق:
" أنا سعيد لأنك تخلصتي من تلك الثنورة التي تخفي كل هذا الجمال تحتها..."
لكنه ندم على هذا الكلام بينما تثير فيرنا مجددا النظرات بشكل جنوني، مثل المعتاد، الجميلة تظن أنه هو من يدير الرؤوس، اهتمامها بعيد جدا على أن تتعمد اثارة اعجاب أحد، هذا الاختلاف الشاسع بينها و بين ايموجين مثير حقا للدهشة، كانت تتصرف بطبيعية و بطلاقة، ثارة تجذب شعرها على كتف واحد، و ثارة تهمله ورائها،كان أكثر ما يشد الانتباه، الخصلات العذراء التي لم يلمسها مصفف، اللون الطبيعي تناغم بشدة مع بقية تقاسيم الوجه، فيرنا آية في الجمال، جمال استثائي، لا يشبه في شيء جمال ممثلاث هوليود، انه خام و راقي للغاية.
فيرنا أحبت غران كناريا، تفتحت مثل زهر الصباح و نسيت بقية تحفظها، الشخصية الأخرى لها لذيذة للغاية، انها ميالة للمزاح بشدة، ميالة للنكث و الضحك ايضا، التقطت صور لا معدودة في حوض أسماك بويما ديل مار، حتى انها اشارت الى سمكة غريبة و أكدت له بأنها تملك نظراته الشيء الذي ادخله في هستيرية من الضحك، القرى الداخلية في غران كناريا أجمل من تلك الموجودة في تينيريفي والمناظر الطبيعية أكثر ملحمية ، تشبه تقريبًا تلك الموجودة في أريزونا.
عندما أمسك بيدها لم تتركه مجددا، عفويتها رائعة، في لاس بالماس دي جي سي ، علقت عن اعجابها بتنوع وثراء المناظر الطبيعية والمنازل الاستعمارية والملونة، للأسف لا يملكان الكثير من الوقت ليكتشفا أكثر المكان، في مطعم بحري صغير طلبا وجبة العشاء.
"انهم أجمل ثلاثة ايام قضيتهما في حياتي..." سمعها تقول وهي تبعد عنها لائحة الطعام:" أحببت كثبان ماسبالوماس وقرية بويرتو دي موجان الجميلة... الشواطئ مصنوعة من الرمال السوداء... الحمامات الطبيعية في بويرتو دي لاس نيفيس.... أمممم... ولكن ما فضلته هو المناطق الداخلية ..." وخزت أنفها الجميل:" يلزمنا أكثر من اسبوع لرؤية كل شيء..."
مد يده ليلتقط يدها من خلال الطاولة الخشبية القديمة:
" سوف نعود فيرنا الغالية... و سنبقى أكثر أعدك..."
شدت على أصابعه أكثر، و أطرقت برأسها الجميل على اليمين، حركة صار يحفظها و يجدها جدّابة" ما الأمر عزيزتي؟؟" سألها بينما يرى ملامحها تتغير، بعض الحزن في عمق مقلتيها.
" انا عاطفية أكثر من الازم... أشعر بالحزن لأننا سنرحل غدا..."أجبرت نفسها على الابتسام و ضغطت مرة أخرى على يديه بإمتنان:" شكرا لأنك اتيت بي الى هنا... هذا خلق لي تغيرا كبيرا صدقني و سأعود الى الواقع بطاقة كبيرة..."
ابتسم لها بحنو:
" على الرحب و السعة يا طفلتي..."
قوله دفعها للضحك بنعومة، أسندت رأسها على راحة يدها:
" الفرق بيننا ليس كبيرا الى هذه الدرجة..."
" احدى عشر سنة..."
استرخت رموشها الكثيفة، ضوء الشموع جعل من بشرتها متوهجة و ذهبية أكثر، عينيها اصبحتا سوداوتين:
" كيف يعقل أنه في هذا العمر... لا تملك عائلة؟"
شعر بنفسه يتصلب تحت هذا السؤال، تفادت فيرنا الكلام في حياته الخاصة حتى الأن...
" لدي ابنة..." اتسعت عينيها من المفاجأة، لا يبدو أنها توقعت هذا:" اسمها أوكتافيا و هي في السادسة تقريبا من عمرها..."
راقبها تبلع ريقها ببعض الصعوبة، بدأ القلق يزحف اليه بطريقة ما:
" أنت لم تخبرني..."
" أنت لم تسألي..." رد عليها بسرعة.
بعض الحذر تخلل نظراتها، بدأت تحملق اليه بطريقة مختلفة لا تعجبه، بدأت في تقييمه مجددا، هذه النظرات لفيرنا التي لم تعره أدنى أهتمام بينما يقع فريسة سحرها، لا ينوي التخلي عما يشعر به نحوها فقط لأن حياته العاطفية أشد تعقيدا مما يتمنى:
" و أين هي الان...؟"
" مع والدتها في أمريكا..." أخرج هاتفه و قلب عدة صور قبل أن يضع الشاشة المضائة أمامها، أوكتافيا بإبتسامة شاسعة:" أعرف بأنها لا تشبهني... أخدت كل شيء من والدتي"
بعد تردد مدّت يدها الى الهاتف و التقطته تتفحص الصورة بفضول متزايد، عندما أعادت له الهاتف أخيرا كان قد فقد فيرنا التي تمكن من كسبها مؤخرا، تقوقعت فجأة على نفسها بشكل مريب.
" لا تعجبك فكرة أبوتي؟؟"
" ما لا يعجبني هو تسترك على الموضوع..." بدت عصبية، عينيها تلمعان بشدة و كأنها على وشك البكاء، لكنها لا تنوي ذلك، بالأحرى هي غاضبة للغاية.
" لم تسنح الفرصة لأكلمك عن ابنتي..."
لم تجبه، بقيت مكانها، تحاول تفادي نظراته، وصل النادل بالاطباق، كان قد فقد شهيته كما فقدتها هي، بالكاد لامس طعامه بينما اكتفت الايطالية الصغيرة بالمشروبات المحلية، أقفلت كل فرصة الحوار، ردة فعلها تغضبه و ايضا ترعبه، يأمل فحسب اقتحام رأسها لرؤية ما يدور فيه:
" أكره الأسرار... لسيما هذا النوع من الأسرار "
" أنا آسف..." خرجت الكلمة بسرعة، التقط يدها في يده، لم تحاول سحبها:" لم اخطط لأقع تحت سحرك...الأمور تسير بشكل سريع للغاية بالنسبة لي..."
كيف سيفهمها بأنه هو بنفسه غير قادر على موازاة الاحذاث؟؟ بأنه أصبح غريب عن نفسه بسبب فتاة بشعر طويل للغاية قررت قلب موازين حياته؟
" انها جميلة جدا..."
" عفوا؟؟" سألها.
" ابنتك..." قالت بصوت منخفض:" تقول بأنها لا تشبهك...لكن... برئي تملك عيناك !..."
ثم لم يعودا للموضوع، فيرنا طلبت من النادل ان يجمع طعامها و ان يفعل الشيء نفسه ببقايا صحنه الذي لم يمس منه الا القليل، أخدت الأكياس و فور خروجهما من المطعم توجهت نحو رجل يتفرش الكراتين و يضع عليه بطانية يشك سانتو بأنها ستقيه من البرد، انحنت عليه و خلافا لكل توقعاته انطلقت تكلمه بالاسبانية، شاهد الرجل يشد بشراهة على اكياس الطعام و يهز راسه عدة مرّات شاكرا.
" تتكلمين الاسبانية؟؟"
" الفرنسية ايضا... أحاول تعلم لغة المهاجرين الثانية..."
عندما قصدا الشارع حيث تصطف سيارات الأجرة لم تحاول مجددا التقرب منه، منحها المسافة التي تطلبها، الموضوع اسوأ بـأكثر مما يمكنه تحمله، لايريدها بعيدة بل قريبة للغاية... احساس مريع للغاية يتملكه، بأنه فقدها سلفا.
" فيرنا..."
توقفت عن المشي لتواجهه، الاستسلام في نظراتها سحق قلبه، سألته بصوت مباشر:
" منذ متى انفصلت عن زوجتك؟؟" لم يجد بما يجيب، الا ستمرار في الكذب لن يزيد الوضع سوى تعقيدا، رغم عتمة الشارع الخفيفة رآى وجهها يشحب بشدة:" أنت متزوج!..."
" فيرنا..."
" يا الهي...شيء لا يُصدق"
تجاهلته، ابتعدت بينما يحاول الامساك بها، الأمور تخرج عن السيطرة، و لا يبدو بأنها على استعداد لسماع قصته اللعينة، تبعها عن قرب، كانت تعرج أكثر بساقها، اليوم الطويل أثر بها في النهاية، توقفت بجانب سيارات الأجرة، لا تبدو مستعدة لمتابعة اي حوار حاليا، فتح لهما السائق العربة فدخلا اليها صامتين...
بينما السائق يتوجه الى العنوان الذي أعطاه اياه، كانت فيرنا ملتصقة بباب مقعدها و كأنها تنوي الهرب في أول فرصة يضع يده عليها، الانوار تتعاقب على وجهها الخالي من اي تعبير، كانت نظراتها فارغة تماما... مثل صدره في هذه اللحظة.
عندما وصلا الى الفيلا استغلت دفعه ثمن رحلتهما كي تختفي من محيطه، ايجادها لم يكن صعبا، هو من يملك المفاتيح عموما، من طريقة زمها لشفاهها لا تبدو مستعدة لمناقشة أي شيء ما:
" أريد أن اشرح لك..."
ابتسمت له ابتسامة جليدية:
" لست مضطرا لشرح أي شيء سانتو... فلا شيء بيننا ...عموما أنا هنا بصفتي صديقة..." شعر بها تنفلث من بين اصابعه كالرمال، هو الذي كان سعيدا خلال هذه الايام كما لم يكن طيلة حياته:" افتح الباب أرجوك... أنا مرهقة بشدة و غدا سنرحل باكرا..."
و ما ان ترحل حتى تختفي كليا من حياته البائسة، القلق أربك أحاسيسه، مكانها كان ليتصرف بنفس الطريقة، ربما هو عبقري في كل شيء سوى في هذا، لم يسبق له أن أحب في حياته ولا يعرف كيف تسير هذه الأمور، أو كيفية اقناعها بحسن نواياه.
" أنا بصدد الطلاق..."
نصف الحقيقة، ما حذث انه أوقف الاجراءات بينما يمنح ايموجين فرصة أخرى، الشيء الذي يستهجنه بقوة الأن.
" لا أريد أن أعرف..."
" أريدك ان تسمعيني..." جاء صوته أكثر حدّة مما جعلها تتراجع في مكانها:" لم انوي الغدر بك فيرنا كل شيء اتى مسرعا بيننا و لم أستطع اخبارك الحقيقة لأنني ارتعبت بشدة من امكانية فقدانك..."
قاطعته بنفس النبرة الجليدية:" كيف يمكنك فقدان شيء لم تملكه؟!.."
الجواب سمّره مكانه، لكن الصفحة الجليدية اختفت كي ينفجر غضبها:" تظن بأنك أول رجل يحاول التقرب مني؟ أول رجل يراني أعرج فيخمن حاجاتي الماسة لحمايته؟؟ انا لا أحتاج أحد... تمكنت من الاستمرار في حياتي رغم كل شيء... أنا لست هشة و لا ضعيفة و لا يائسة لدرجة ان أقبل برجل امرأة أخرى..."
بما انه يتأخر في فتح الباب قررت تركه هناك و قصدت الشاطئ،كانت هذه المحادثة قاسية للغاية لدرجة أن تبادلها بدا سرياليًا بالنسبة له، بلا أدنى شك فيرنا قررت محيه من حياتها و كأنه لم يكن.
لحق بها في خطوتين، لايمكنها الاسراع أكثر بسبب اعاقتها، أمسكها من كتفها ليجبرها على مواجهته، هذه الليلة الخالية من القمر، الشديدة السواد، الحالكة و المريبة ستبقى عالقة في مخيلته الى الأبد.
" أنا أسوء من يمكنه التعبير عن مشاعره لكنني سأحاول اخبارك بما أحسه اللحظة..." بحث في الظلام عن عينيها، يبحث عن لمسة من الدفء، ولكن النظرة لا تزال الجليدية:" أشعر كمن يقع في شرك لم يخطط له... قبل عدة سنوات، قررت الزواج لسبب واحد، حمل صديقتي آنذاك بإبنتي أوكتافيا، رفضت قطعا اعادة سيناريو يانيس، أنا افضل منه، ابنتي تستحق أن تكون مع والديها و أن تعيش طفولة حقيقية... و الأمور لم تسر كما آملتها... لا ألوم ايموجين بقدر ما ألوم نفسي... طفل لا يكفي لتكوين أسرة... و أنا ربما لم أتمكن من حبها بالطريقة الصحيحة... مع الوقت تدمر زواجنا، كنا نعمل كثيرا، كثيرا جدا و أهملنا البيت و الأسرة و الطفلة... حاولت منحها فرصة... لكن الأمور انفلتث من بين يداي ما ان التقيتك... "
" كفى..."
دفعته عنها، رفضها قاسي لدرجة أنه يشعر بجدران غير مرئية تنغلق من حوله و تخنقه.
" آسف لأنني آذيتك..."
كانت نبرته صادقة لدرجة أنها دفعتها لرفع عينيها الممتلئتين بالغضب و الدموع نحوه، خاض يأسه في الترقب و الانتظار، ان قررت عدم الاستجابة لأعذاره فكل شيء سينتهي الليلة... وهو ليس مستعدا لتركها ترحل.
" من بين جميع المبررات التي يمكن أن تطرحها ، هل هذا هو الذي اخترته؟ فكرت في نفسك فقط و لم تفكر بالاذى الذي سأشعره بينما أقبل بدخول حميمة رجل متزوج؟؟" حاول الاعتراض لكنها اشارت له بحزم ليصمت :" الخيانة هي أكثر ما أكرهه في حياتي... سبق و أخبرتك عن قصة والداي، أمي كانت متزوجة عندما ربطتها علاقة بوالدي، و كل هذا ... لم يدفعك لمصارحتي الحقيقة!... تركتك تقبلني، و تعانقي، تركت نفسي أشعر بالسعادة معك... كيف سأتطلع لوجهي في المرآة بعد اليوم؟؟ بسببك قل احترامي لنفسي!..."
" لا يجب أن تشعري بالسوء فيرنا... زواجي منتهي حتى قبل لقياك..." أكدّ لها صراحة.
" ربما بالنسبة لك... لكن ليس بالنسبة لي... " ردت بلكنة خشنة:" و بعد الليلة سانتو... أريدك أن تخرج من حياتي... أرفض قطعا أن أشارك في هذه المهزلة... خير لنا ما حذث... لأنه لا مستقبل بيننا ... نصيحة، حاول تصليح الأمور مع زوجتك فأنا ضد الطلاق بوجود أطفال"
* * *
خوسيه؟ خوسيه رجل آخر في وجود أصدقائه، وجهه يتغير، نظراته ايضا، يصبح رجلا متجدد الطاقة، و لا يبدو أنه المسرور الوحيد في هذه اللحظة.
" أين هما؟؟ أنا متحمس للغاية.." قال روكو.
قوانين خوسيه تنطبق على الجميع، لم يمنع العرّاب نفسه بالتعليق بسخرية بينما يقوم خوسيه بمنحه جل التعقيم.
" الا تظن انك تبالغ؟"
" انهما صغيرين للغاية..." دافع زوجها عن نفسه، رغما عنها تابعت آيا الموقف بتسلية.
هز الوسيم الايطالي عينيه نحوها و سألها:
" كيف تتحملينه؟؟"
" من أخبرك أنني أفعل؟؟" سألته مختنقة في الضحك" هو لا يحتمل بالمرّة... "
انتبهت فورا الى ابتسامة دانيلا القسرية، كانت تقوم بتعقيم يديها هي الأخرى، لكن نظراتها فارغة، لا تبدو الشابة الحماسية و الحيوية التي ذهبت من القلعة قبل العيد.
ضمت آيا ذراعيها اليها، كان الجميع في جناح التوأمين الخاص، سيسيليا متوهجة لإستقبال صديق ابنها العتيد، تتطلع بفضول لرؤية ردة فعله بينما ينحنى أولا على مهد المادو، هذا الأخير لم يكن نائما... مثل المعتاد:
" كم هو صغير..." جاء صوت العراب متعجبا، يبدو الصبي صغير جدا بين ذراعي عرّابه المستقبلي، صغير لدرجة أن خوسيه يبقى متأهبا لمد يد العون ان تطلب الأمر، يديه ممدودتين نحوهما:
" انتبه يا صديقي... ضع يدك جيدا خلف رأسه..."
" تعاملني و كأنني افتقد الخبرة..."
" انت تفتقدها نعم..."
" اهتممت جيدا بصوفي في نفس العمر..." علّق العرّاب وهو يهتم بالمادو بكل احترافية:" لما تقول انه يشبهك...؟"
لا يبدو ان ملاحظته راقته، هذا الأخير بحث عن دعم والدته أمام هجوم صديقه :
" أؤكد لك بأنه هو في نفس العمر.." تدخلت سيسيليا بجدية.
" يلزمني دليل..." أكد روكو بتجهم مسرحي:" انه جميل جدا... يشبه والدته بالأحرى"
رغما عنها شعرت بالحرارة تغمر وجهها، هذا أجمل اطراء قاله أحدهم منذ ولادة التوأمين، ابتسمت لروكو ممتنة، هذا الأخير غمز لها بتواطئ، الشيء الذي لم يروق بالمرّة لخوسيه المتملك للغاية:
" لا تنفش ريشها أكثر... يكفي أن أوزلام صورة مصغرة عنها..."
دنى الرجلين بحذر من مهد الصغيرة، كانت نائمة، هادئة، لطيفة و سهلة مثل المعتاد، الحنان الذي أطل من نظرات الرجلين كان مذهلا، رغما عنها وجدت نفسها تتبادل الابتسام مع دانيلا التي شعرت بنفس الحب و التقدير الطائر في هواء الغرفة:
" انها رائعة خوسيه... الصور لا تعطيها حقها..." قال روكو بلكنة خشنة من العاطفة:" لكن هذا لا يكذب ظنوني... هي لا تملك شعرا حتى الأن..."
" سبق و اخبرتك بأنها شقراء..." السئم غلف كلماته... شخص مل تكرار الشيء نفسه.
انفجر روكو في الضحك، انها المرة الأولى التي ترى فيها هذا الرجل مسرورا، يبدو حقا متوهجا و سعيدا للغاية برؤية التوأمين و هذا يشعرها بالفخر، أطفالها محظوظين بالحصول على كل هذا الاهتمام و من الجميع، كل الهدايا التي وصلتهما بمناسبة مجيئهما و كل بطاقات التهنئة تدل على مكانتهما القوية في مجتمع انتظر وجودهما بكل حرقة.
" انهما رائعين... قمتما بعمل رائع...فليباركهما الله" التقط خوسيه ابنه من بين ذراعي صديقه الذي توجه نحوها، تسارعت ضربات قلبها من المفاجأة وهي تراه يلتقط يدها و يحملها لشفاهه كجنثلمان حقيقي:" ' دونا آيا مارتينيز' شكرا لأنك جعلت من هذا الرجل أبا أخيرا... و جعلتي مني عمّا و عرّابا... أخبرني خوسيه أن الولادة كانت صعبة للغاية، كان قلقا بشدة عليك و أنا سعيد لأن الأمور أنتهت بخير و صحتك و صحة التوأمين بخير..."
هزت نظراتها نحو خوسيه، هل قلق حقا عليها ؟هذا الوحش الكاسر الذي انقلب ضدها فور رفض عرضه الرائع بإنجاح زواجهما؟ لم يمنحها متعة وضع أمل على كلام صديقه، رده أتى فوريا في نظرة متهكمة للغاية أعادتها للواقع، من البديهي جدا أن يمثل على من حوله بأن أمرها يهمه، هي أيضا قلقت بشانه عندما أخبرها كارلوس بأنه مريض و قد أجرى ثمة عملية... لو حذث لها مكروه خلال الولادة... كان هذا ليسهل مأموريته... بإمكانه الحصول وحده على حضانة التوأمين....لم تستطع التوغل في أفكارها أكثر، العرّاب أخرج علبة سوداء مخملية من الجيب الداخلي لسترته و قدمها اليها:
" هدية مني و من بريانا..."
شدت على انفاسها عندما أبهرتها أشعة متلالئة لسوار من الذهب الأبيض و الماس، كان راقي التصميم و متعة حقيقة للعين، لا تجرأ على تخيل القيمة المادية، لكنها متأكدة بان ثمنه سيغطي كافة مصاريف حربها ضد روكو ان دخلتها يوما.
" انه رائع للغاية روكو... هذا حقا كثير..."
" كل الامتيازات للأم الجديدة... انهما حقا رائعين... تجهلين كمية السعادة التي خلقاها بذاخلي..."
كان يتكلم بصدق بالغ دفع الدموع الى عينيها، لفتته جميلة للغاية و تعامله طيب و رقيق، هو الذي وضعته في خانة الجبابرة، في النهاية ذاب أمامها ما ان وقعت عيناه على التوأمين:
" شكرا لك على الهدية... "
" سأكون بجانبهما و بجانبك دوما...خصوصا اذا استمر خوسيه في حملة تعقيمه...سأتي و أخدكم جميعكم الى صقلية"
ضحكت بنعومة، لكنها قالت ما تفكر به بكل صراحة:
" انه أب رائع..."
" لا أشك بهذا أبدا... هاتفي سينفجر بصوركم... إنه فخور بعائلته..."
يرسل صورها هي أيضا لأصدقائه؟؟ عادت لتلتقي مجددا بعينيه، هذه المرة لم يكن تعبيره المتهكم، هل قالت ما يقلب مزاجه؟ حتى أن كل اثر للتسلية اختفى، كان يتطلع اليها بطريقة غامضة جعلتها عصبية...
ثم استيقظت أوزلام و منحت العرّاب اسبابا عديدة ليضحك مرّة أخرى، مشهده متوهجا بشدة مع الصغيرين لم يكن قد أثر بها هي فقط، دانيلا و سيسيليا أيضا حتى ان خوسيه علق بينما يتأهب الجميع لمغادرة الجناح كي تتمكن من اطعام صغيريها بسلام:
" عليك الحصول بسرعة على طفل؟؟"
" لما الإستعجال؟" سمعته يهمس لصديقه كي لا يسمعه غيره:" نوع الحياة التي أخوضها لا تناسب طفلا ... كما أنك قمت أنت بهذا الدور و أنوي أن أكون عمّا رائعا لهما..."
أقطبت آيا، لا يبدو أن الصديقين قد انتبها أن هناك اذن ثالثة التقطت الملاحظة المتهكمة و أيضا... الموجعة...
عندما يرى المرء الأصدقاء مجتمعين، يدرك بأن لكل منهم مكانته الخاصة، مثلا روكو يظهر بأنه الأكثر سطوة بين البقية، لكن المظاهر خادعة أحيانا، العرّاب ضحك مرّتين في هذا المكان، و كان هذا بفضل التوأمين.. كانت ضحكته أجشة للغاية، كرجل لم يضحك منذ زمن طويل أو ربما... نسي كيفية الضحك ببساطة.
* * *
كانت تراهما متواطئين بشدة، حتى أن آنجلو أتمم طعامه اليوم، و لم يحاول الدخول في أي أزمة أخرى من أزماته المريعة بشأن والدته، النهار كان ملئيا بالمفاجآت، سيزار تصرف بشكل رائع مع الصغير، حتى أنه هو من يقص عليه اللحظة قصة الليل، وقفت قرب الباب، تراقب سيزار يجلس على جانب سرير آنجلو، منحني على هاتفه يقرأ منه، الصغير بين النوم و اليقضة، يجاهذ كي يسمع آخر القصة:
"حكم إدوارد السادس ست سنوات فقط ، لكن عهده ، الذي انتهى في 1553 ، كان من أكثر الأوقات المجيدة والأكثر تساهلاً في هذه الأوقات الكئيبة. أكثر من مرة حدث أن شخصًا عظيمًا ، تابعًا تاجًا عظيمًا ، محفورًا بالذهب ومغطى بالمجوهرات ، أشير إليه كيف تم نقل لطفه المفرط إلى نقطة الضعف.
"سيكون من الأفضل ، أيها الملك" ، أن يترك جلالته العدالة تأخذ مجراها ، دون التفكير في الإصلاح ، في إلغاء القوانين التي يدين بها هنري الثامن بصلابة عرشه ، ودون أن يظهر نفسه أنه سهل على الناس الذين 'يمكن للمرء أن يحتوي فقط عن طريق الظلم. ثم رفع الملك الشاب عينيه البليغة إلى محاوره ، وقال له: - أنت تتحدث عن الظلم يا سيدي. أنا وشعبي نعرف ما هي ، لكن عظماء فنائي الخلفي يتجاهلون ذلك."
أغلق هاتفه، لكن آجلو غرق في النوم، راقبته يعدّل الغطاء من حوله قبل أن يترك الغرفة على اصابع قدميه، تجهل بالضبط ما يحذث، لكن زوجها بدأ بالتودد للصبي الذي رفضه بشدة في البداية، و يبدو ان ثمة علاقة مثينة نمت بينهما و لا تفهم مصدرها، ابتسم لها سيزار ابتسامة عريضة بينما يحيط خصرها كي يبعدها عن باب الغرفة و يغلق الباب خلفه بهدوء:
" يجب أن اناقشك بموضوع مهم..."
" عن حكم ادواردو السادس؟؟" سألته متهكمة وهي تتبعه الى المطبخ، رأته يعمل بحركات نشيطة بينما اخدت مكانها وراء طاولة الطعام:" هل تظنها قصة مناسبة لطفل في عمر آنجلو؟؟"
" يبدو بأنه أحب قصة الأمير و الفقير.. قهوة؟؟"
" لا عزيزي... أنوي النوم هذه الليلة..."
ضحكت بينما ترى ملامحه المتحسرة، أراحت وجنتها على كفها، مأخودة بحركات ذراعيه و عضلات كتفيه القوية وهو يضع الكبسولة في ماكينة الاكسبريو، بعد لحظة فاحت رائحة القهوة اللذيذة، أتى ليجلس على الكرسي المقابل لها، خاتم الزواج يلمع في بنصره بينما يحمل الفنجان لشفاهه المثيرة:
" اذن... مالذي يحذث بينك و بين آنجلو؟؟ أراكما متواطئين فجأة..."
" انه طفل لذيذ... " كان قد استهلك قهوته في جرعتين و هجر فنجانه الفارغ أمامه، عيناه الرماديتين تلمعان بشدة:" لدي فكرة ستنهي معاناة الصبي..."
اتسعت عيناها بالفضول و الترقب:
" و ماهي؟؟"
" سننقل قبر والدته الى صقلية... سيتم دفنها بجانب قبر جوزيف... مارأيك؟؟" أقطبت روبي... قبر جوزيف... أصبح مجرد قبر في النهاية، شقيقها الغالي الذي سرقه الموت في وقت مبكر للغاية، لابد أن سيزار لمح تغير ملامحها، التقط يدها في يده:" أعرف كم أحببته روبي..."
هذه الكلمات زادت من معاناتها، أحبته كم لن تحب نفسها يوما، لكن فكرة سيزار عبقرية، هذا سيمنح آنجلو بعض الاستقرار النفسي، ابتسمت له برقة:
" أتيت لحياتي كي تملأها حبا أيضا سيزار كوستانسو... لا أعرف ما سأفعله من دونك... يبدو أنك فعلا رجل حياتي..."
كشر قليلا:
" تأكدت من هذا مؤخرا فقط؟؟"
انفجرت في الضحك لتجهمه اللذيذ:
" فلنقل أن كل يوم يزيدني يقينا ايها الوسيم..." ثم تركت مقعدها و اتت اليه، جلست على ركبتيه غير قابلة لأي مسافة بينهما، دفعت خصلات شعره الى الوراء و غرقت في عينيه الرائعتين:" أحلم بالفستان الأبيض و بزفاف يضم كل من نحب... الزواج أمام الله سيزيدنا قوة و صلابة... سنحصل على أطفال عندما نتمم عهودنا الدينية..."
" سنحصل على دزينة أطفال..." أكد بسرور، تتغير ملامحه عندما يتكلما بهذا الموضوع الذي يرهق أعصاب كليهما.:" أحلم أيضا برؤيتك بالفستان الأبيض... قررنا تأجيل الموضوع بسبب عروضك الفنية..."
ذكرها وهو يلامس أنفها بأنفه:
" يمكننا ايجاد تاريخ مناسب... لسنا مضطرين لإنتظار سنة ونصف ... مارأيك في الربيع؟؟ كانت الفترة التي التقيتك بها..."
ابتسم ابتسامة شاسعة:
" تقصدين عندما ظننت أنني حارسك الشخصي الذي أرسله جدك لمراقبتك...؟؟"
تلونت خداها، هذه الذكريات تحيي فيها مشاعر لا منتهية:
" عندما وقعت في حب حارسي الشخصي و اكتشفت بأنه هو نفسه السافل كوستانسو الذي يريد استرجاع ارث أسلافه بي... هل تظن ان جورجينا ستصاب بأزمة ان عجلنا الموضوع؟؟ هي التي تأمل بشدة أن نمل بعضنا و أحرر لها ابنها الوحيد لتعثر له عن الأفضل..."
قبل كتفها بحرارة:
" أنت الأفضل..."
" انها تكرهني..."
" ليست وحدها... كل نساء ايطاليا تكرهنك... بإستثناء فلورانس و بريانا فهما مضطرتان لتحملك لأنك فرد من المجموعة..."
ضربت على كتفه فإنفجر في الضحك:
" أتكلم بجدية... أتمنى فحسب ان تنتهي هذه الأشواك الواخزة بيني و بين والدتك... انها مزاجية للغاي و صاحبة طباع نارية، في وجودها أبقى بإستمرار متأهبة..."
" حبيبتي... جورجينا تقول الشيء نفسه عنك... أظن أن الأمور ستتحسن مع الوقت... دعيني أتكفل بموضع تاريخ الزواج... الربيع هو فترة مناسبة للغاية، و بإنتظار ذلك... ما رأئيك بإقتراحي ؟ هل انت موافقة على أن ننقل قبر فيوليتا الى صقلية؟؟"
أحاطت عنقه بذراعيها و توهج وجهها بشدة و هي تؤكد :
" انها فكرة عبقرية... علينا أخد رئي آنجلو بالموضوع! "
" سيوافق..." أكد لها بلطف:" آنجلو يعيش آخر لحظات حياته القديمة هنا... غدا... سيتغير كل شيء روبي... سأقوم بحماية ابن شقيقك و أفعل ما بإستطاعتي ليكون رجلا يُعتمد عليه مستقبلا..."
* * *
" طلب اجازة...؟"
التعجب لم يخفى من صوت داركو، يعترف بأن هذا الطلب آخر ما توقعه من الأمين و الوفي فرانكو، سبق و اقترح عليه اجازة بعد اصابته في حاذثة فلورانس لكنه رفض بشدة، حتى ان نقاهته لم تكن طويلة، تحرق للعودة الى العمل.
منذ ان التحق للعمل لديه.. أي منذ أن ترك عمله كقناص محترف بعد موت زوجته و ابنته بأكثر الطرق وحشية، لم يطلب يوما اجازة، لقد ظل مسار عمله غير قابل للتغيير وظروفه غير قابلة للتفاوض. الاستقلال بأي ثمن.. اتبع نجمه ضد كل الصعاب... كل العقبات، لكنه امتنع ايضا عن اللقاءات اللطيفة طول الطريق ، بالطبع ، العلاقات الجسدية الممتعة ، امتنع حتى عن مشاركة اللحظات مع النساء اللائي يعرفن قواعد اللعبة ،أي بدون روابط دائمة، يجهل عقابه لنفسه بهذه الطريقة، لسيما ان صديقه لا تنقصه الوسامة كي يثير الاهتمام الانثوي في كل مكان يذهبان اليه... ربما هذا الطلب ورائه امرأة في النهاية، هل وجد اخيرا من تنسيه لورين و ابنته جوي؟ هل سينسى بأن حرفته ما تسبب بتدمير عائلته الى الأبد؟؟ عيش تأنيب الضمير بهذه الطريقة مريع للغاية، و كما اقترح عليه مرارا و تكرارا، فهو مستعد لمد يد العون، لكن فرانكو يملك حساسية ضد شفقة الأخرين... بالرغم من أن صداقتهما ما يدفعه لهذا الاقتراح و ليس الشفقة.
" جهزت لك و للسيدة طاقم خاص..."
" الأميرة..." صحح له داركو يمنع نفسه من الابتسام... ظن بأن الحاذثة ستقربهما من بعضهما ، يبدو بأن حارسه يرفض قطعا تقبل فكرة زاجه من أخرى غير أميرته المفضلة ديامانتي.
" الأميرة فلورانس عفوا... هذا سيمنحها بعض الاسترخاء، تكون عصبية للغاية في وجودي..."
" هذا لأنها تعرف بأنك تفضل زوجتي السابقة عليها..."
كما توقع لانت نظرات فرانكو... يالهذا الوفاء.
اقترب منه ووضع يده على كتفه، حركة بعيدة عن رئيس لموظفه، منذ سنوات أصبح فرانكو أكثر من مجرد موظف بالنسبة اليه:
" لست ضد فكرة أخدك اجازة فأنت تستحقها بالتأكيد، منذ انضمامك لطاقمي و أنت تعمل ليل نهار... فقط يتحرقني الفضول لهذا التغيير... هل حذث شيء؟ أم أنه مجرد طلب اجازة عادي و ليس مختلف الدوافع؟..." بقيت نظراته جامدة، من الصعب... بل من المستحيل دفعه للفضفضة..." فليكن ... اين تنوي الذهاب؟ سأعلم الطيار ليأخدك اينما ترغب"
" انا قادر تماما بالإعتماد على نفسي داركو... انها مسألة اسابيع فقط "
" لكنك لم تحدد تاريخ عودتك في الاوراق فرانكو"
" هذا يتوقف على الظروف... "
" اي ظروف؟؟"
عاد ليصمت مجددا، اذن يمكنهما البقاء في هذا المكان و لعب هذه اللعبة حتى المساء يعرف بأنه لن يحصل منه على رد مقنع، فرانكو موظفه و ليس عبده و ان قرر عدم مقاسمته اسراره فهو يحترم رغبته.
" تعرف بأننا نملك الكثير من الممتلكات في النواحي الاربعة للعالم.. يمكنك اختيار ما تشاء"
" اعرف داركو شكرا لاقتراحك..."
لكنه بالتأكيد لن يستعمل شيئا من هذه الممتلكات، تنهذ داركو، فليكن... لم يتبقى له سوى تركه و شأنه.
" سأحول لك مكافئة العطلة..."
" جعلت مني ميسورا في سنوات خدمتي و لست محتاجا لمكافئة عطلة... "
كما انه يبدو مستعجلا:
" هل سترحل اليوم؟؟" كيف سيمضي أيامه بدون فرانكو؟؟ لقد اصبح جزءا من ديكور روتينه اليومي بحق الجحيم.
" طائرتي في الصباح... "
" لا بأس... سيفتقدك نيكي..."
ابتسم فرانكو لهذه الملاحظة لكنه لم يعلق بالمرّة، تركه داركو يغادر مكتبه أخيرا، لكن الفضول يتآكله بشدة، لما يبقى حارسه غامضا عن وجهته؟؟
دخلت زوجته من نفس الباب الذي اتى فرانكو على اقتحامه، كان نيكولاي بين يديها، يبدو عصبيا مثل عادته، هذا الطفل يتفجر طاقة لدرجة انه يرفض قطعا ان يتم سجنه، رآها تكشر ببعض الألم، دنى نحوهما و أخد ابنه بين ذراعيه، كانت شاحبة قليلا، دفع شعرها بعيدا عن كتفها:
" سبق و طلبت منك عدم حمله... جرح العملية يحتاج للراحة كي يندمل بشكل سليم..."
تنهذت وهي تضغط على المنطقة العليا لصدرها:
" افتقد تماريني الرياضية و التحرك بطبيعية... مرت اشهر على تلك الحاذثة اللعينة..."
أمسك دقنها ليجبرها على النظر اليه... تبدو مرتبكة للغاية:
" ما الأمر؟؟"
" اتصل بي دافيد... انه في صقلية مع أصدقاء له... "
جحيم دافيد، لكنه خنق اعتراضه، عموما لا حق له بإبداء أي رأي سلبي لشقيق زوجته، سبق و قرر الا ينزعج مجددا من وجوده:
" والدي في المستشفى ... تعرض لأزمة... لكن هل تصدق هذا؟؟ يتعمد اخفاء الأمر عني... صرت غريبة عليه منذ توطيد علاقتي بالكونت اندريس... انه يعاقبني داركو..."
مسح على وجنتها، نيكولاي يندفع نحو الأرض يريد التحرر من قبضته، يمنعه من الحصول على حوار هادء مع زوجته التي تبدو تعسة للغاية:
" أظن أنه وفر عليك القلق فحسب... في أي مستشفى هو؟؟"
" في باليرمو..."
اضطر لوضع ابنه على الأرض، في هذا العمر يرغب نيكولاي بتأكيد استقلاليته من خلال تجربة أشياء مختلفة وحاجته إلى الشعور بالحماية و ربما اثارة الاهتمام أكثر بالتسبب بالمصائب الواحدة تلوى الأخرى، لديه طريقة استثنائية للدفاع عن استقلاليته و نفسه، ينتقل فجأة من عاطفة إلى أخرى مثل نوبات الغضب عندما يكون محبطًا مثل هذه اللحظة. يريد المساعدة ولا يريدها في الوقت نفسه... يبني شخصيته بطريقة مثيرة حقا للاهتمام، يملك ثقة بالنفس مبهرة، وحده من يقرر اي قصة يريدها للمساء و اي بيجاما أيضا...و أي طبق طعام أيضا، فقدت فلورانس السيطرة على ذوقه.
شيء أخر أكيد... ابنه يحب الشقراوات.
" نيكولاي... لا تلمس هذا..."
و كأنه ينتظر اذنه، يكره الأوامر، يكره منعه مما يريده، يحب أن يكون سيد نفسه... انه بالتأكيد فرد استثنائي من الفالكوني استخدم الايماءات و الكلمات ليعلم عن رغبته الشديدة باللعب بما هو ممنوع كليا...
" ورقة و قلم و يمكنك الاحتفاظ بمقعدي ريثما أنهي الكلام مع والدتك..."
كان قد جلس على ركبتيه فوق المعقد خلف المكتب، ازاح داركو المعدات المهمة ووضع أمامه ورقة بيضاء و قلم حبري.
" سوف أذهب الى باليرمو... يمكنك الاهتمام به؟؟"
ماذا؟؟ تظن بأنه سيتركها ترحل بمفردها ؟؟ عندما اطمئن بأن نيكولاي لن يقوم بحماقة أخرى غير الرسم على الورقة عاد الى فلورانس ليكتشف بأن عينيها غارقتين في الدموع، رقت نظراته و هو يأخد وجهها بين يديه:
" كارا... لا يجب أن تشعري بالذنب، الكونت أندريس هو والدك و ان كان روبيرتو غبيا جدا ليتقبل هذه الحقيقة فهي مشكلته... أنت لم تسيئ لأحد... تحاولين بإستمرار البقاء حيادية نحو الجميع..."
" لا يبدو ان حياديتي خلقت السلام المطلوب..." تمتمت بإنزعاج :" هل أخطأت بحب والدي الفعلي؟؟ انه مثالي و يفعل ما بإستطاعته لإسعادي... كيف يمكنني نفره بينما أمضى حياته محروما مني؟"
" أظن أن غيرة روبيرتو متعلقة بفرجينيا و ليس بك... ليس سهلا عليه قلب الصفحة..."
" ليس سهلا بالمرّة... " تنهذت وهي تلامس صدغها و كاأنها تعاني من صداع عنيف" بغض النظر عما يشعر به نحو الموضوع الا انه حاليا يعاني مع صحته و علي أن أكون بجانبه.. هل يمكنك الاهتمام بإبننا؟؟ " ماذا؟؟ كلا... بالتأكيد كلا... " يمكن لفرانكو مرافقتي..." أكدت له.
" فرانكو أخد اجازته..."
لم تستطع اخفاء دهشتها:
"ماذا؟؟ شيء لا يُصدق... "
" لكن هذا ما حذث بالفعل... " أمسك بكتفيها و قرّبها من صدره ليضمها اليه، يحاول في كل مرة تجنب التسبب لها بالألم مكان اصابتها:" سوف نترك نيكي لبيانكا أو لأمي...و أرافقك الى باليرمو..."
" دافيد سيكون هناك..." ذكّرته وهي تحيط خصره بذراعيها و تضع رأسها على صدره، الاحساس بدفئها حوله لذيذ مثل المعتاد" أنت لا تتحمله...."
" أصر أن أكون معك في هذه الظروف..."
كان بمواجهة المكتب، فلور تمنحه ظهرها، بإمكانه رؤية الفوضى التي تسبب بها نيكولاي، لا يفهم كيف نجح بفك قلم الحبر، لا تفسير منطقي للمنظر المريع أمام عينيه... انتشر المداد على يديه، على وجهه، على دفتر شيكاته الذي فضل الرسم فيه بدل الورقة التي وضعها أمامه، على وثائقه، على الهاتف، كان منظره مضحكا لدرجة انه لم يتمكن من الشعور بالغضب، و كأن نيكولاي شعر بأنه مراقب، هز نحوه نظرات خضراء تبرقان تحدي، نظرات والدته عندما تقوم بمصيبة ما و تنتظر المقاتلة بشراسة للدفاع عن سفالتها، قبل رأس زوجته:
" عزيزتي؟؟"
" أمممم؟؟"
" أظن أننا أنجبنا وحشا..." ابتعدت برأسها لتلقي نظرة الى نيكولاي الذي منحها اشد ابتساماته براءة:" تعتقدين أن الحبر سيختفي بالصابون ؟"
" بالأحرى يتجوب رمي هذا الطفل في آلة الغسيل و لما لا المزبلة ؟!" تركت أحضانه و اقتربت من الصبي الذي حاول الهرب من العقاب:" كيف يُعقل أن تتسبب في كل مرّة بهذا النوع من الأعمال الشائنة نيكولاي؟؟ أنظر مالذي فعلته بمكتب والدك لقد افسدت أوراقه كلها...أنت بحاجة لمراقبة مشددة رباه... أنت تفقدني عقلي "
فلورانس محقة في تدمرها، حتى مع خبرة كليهما لم يتمكنا من التخلص كليا من الحبر من وجهه، بعد ساعة استقبلت والدته حفيد مزرق الوجه، شرح لها وهو يعطيها اياه مع أغراضه:
" إنه بصدد التحول الى سنفور..."
" جدتك تملك الحل..." الشيء الذي لا يمكنها تصنعه هو حبها الشديد لنيكولاي، ابتسمت له ملئ فمها و ضمته اليها بينما الخادمة تتكفل بحاجياته:" لا تقلق نيكولاي.. والدتك لا تملك الخبرة الكافية للتعامل مع طفل بنشاطك الكبير... لحسن الحظ أنني هنا"
و لحسن الحظ أيضا أن فلورانس تنتظره في السيارة و لم تسمع ملاحظتها الأخيرة، كانت لتنسى أمر المستشفى و أزمة أبيها و تدخل في مشاذة لا منتهية معها.
* * *
" أنا سعيد برؤيتك بصحة جيدة..."
يلتقط خوسيه كل الصدق في كلام صديقه، ليلة وحيدة في مدريد قبل بها، يعرف بأنه يكره البقاء بعيدا عن صقلية، لكن يبدو أن التوأمين لعبا دورا مهما في ابقائه وقتا أكثر، خلال وجبة العشاء قامت آيا بمجهوذ، كانت جميلة، بفستان لائق و حذيث من عسل، حتى أن روكو بدى هائما بها، لم يكن وحده الهائم بحذيثها، منذ البداية ادرك بأنها لم تكن مجرد وجه جميل، او استثمار مهم، رفقتها غنية و ليست فارغة، احاذيثها ايضا مفيذة، انها مثقفة أكثر مما يتمناه في امرأة، عادة لا يحب النساء الذكيات، الا ان الصغيرة تتمكن من سلب الاهتمام من حولها ليس بنفس الطريقة التي تتعمدها النساء بفستان فاضح او حذاء بكعب عالي، بل بحذيثها العذب، يمكنها الانتقال من السياسة الى الاقتصاد ثم التاريخ و لما لا الفن بلغات مختلفة بكل سلاسة.
ثم شعر بالغيرة..
نظراتها المتواطئة مع الضيف خلال العشاء، الشيء الذي لم يتقاسمه معها في كل فترة تعارفهما تقاسما الحميمي و ايضا الاطفال لكنهما لم يكونا يوما مقربين حقا... مهما يحاول الا ان آيا تفضل رؤيته كوحش، لن تتغير رؤيتها اليه مطلقا.
عندما سقى خوسيه شراب صديقه المفضل و جلس بالقرب منه على كنبات المكتبة الجلدية اخرج هذا الاخيرة مفاتيح سيارة انيقة ووضعها على الطاولة أمامه، الماركة معروفة للغاية.
" هدية الابوة الجديدة"
أطلق خوسيه تصفيرة تقدير طويلة:
" هل تمزح؟ يجب تسجيل اسمك على لائحة الانتظار للحصول على سيارة ارشيبالد..." انحنى على المفاتيح ليحملها في راحته:" أخبرني كل شيء... أنت الذي يفضل الصنع الايطالي..."
ابتسم روكو و ارتشف من كأسه:
" لما تظن أن الموضوع فيه بعض الغموض؟؟"
" لأنني صديقك منذ الطفولة؟ و أعرف بأن تمة موضوع يسحق تفكيرك بلا انقطاع عندما تضرب بإستمرار على ركبتك بأصابعك ..." أوقف فورا النقر باصابعه على ركبته مما دفعه للابتسام، هز المفاتيح و لمعت أحرف الماركة الذهبية بشدة:" مضطر لقبول هديتك..."لمعت عينا روكو بتهكم، لكن خوسيه تابع:" المفاتيح هنا... أين السيارة؟؟"
" في طريقها بحرا اليك..."
" هذه ميزة الحصول على اصدقاء أثرياء..."
هز روكو راسه موافقا :
" هذا بالضبط ما فكرت به بينما استلمها بدوري جوا... يوليا فولكوفا ظنت بأن تحفة من أرشيبالد قد تروق رجل صعب الرضى مثلي... يبدو انها أساءت التقدير..."
احتاج خوسيه للقليل من الوقت كي يقرن الاسم بعلاقة صديقه القديمة، اعاد المفاتيح على الطاولة، التقط جل التعقيم و بدأ بدعك أصابعه:
" حبيبتك السابقة؟!..."
" لم تكن يوما حبيبة..." صحح روكو بصوت ناشف" بالأحرى علاقة لذيذة عابرة.. توقف عن استعمال مطهرك اللعين لأنك أتلفث جلدة يديك"
تجاهل ملاحظته و قال:
" انت تنقر على ركبتك مجددا..."
توقفت اصابعه على ركبته، راقبه يميل براسه جانبا يحملق اليه بجدية ثم يقول:
" دانيلا تعرف بأنها من المارتينيز..."
يحترم شجاعتها بالبحث عن الحقيقة بكل ثمن، هذا يشعره بالارتياح، راقب ملامحها الحزينة منذ وصولها، لكنها ستتقبل الحقيقة مثله، هو أيضا شعر بالغضب بسبب اخفاء والده الموضوع عنه، من الصعب اكتشاف أن حياتك برمتها مجرد زيف:
" نقطة جيدة قراراها بالعودة الى قلعة بعد معرفتها سرها... و بما انني ربيتها فأنا متأكد بأن اليساندرو أخد احباطها على ظهره و غادر الى نيويورك بدونها..."
" أظنك تعرفها جيدا..." قال روكو وهو يضع كأسه على ركبته، طريقة جديدة كي لا ينقر عليها ليتم انتقاضه.
" ستتخطى صدمتها و تصلح الأمور مع اليساندرو... " عاد ليحملق الى المفاتيح الانيقة على الطاولة:" ما قصة هذه السيارة روكو؟؟"
لم يجبه، بدى فجأة شارذا و كأنه بدوره يتمعن في السؤال، أن يمرر له روكو هدية قيمة مماثلة ليس جديدا، طالما كان كريما مع من يحب، أن يرفض هدية من يوليا ما يثير فضوله، في الماضي أخبره بأنها أشد النساء إثارة، و بأنه أمضى معها ليالي لن يتمكن يوما من نسيانها، عيب يوليا انها ابنة رجل يشبه جدا يانيس، و بأنها عكس روكو، دخلت الميدان و اظهرت عبقريتها الشديدة فيه، تفوقت التلميذة على استاذها، والدها لم يعد قادرا على ادارة امبراطوريته و الفاثنة الروسية هي من تولى زمام الأمور و بقبضة فولاذية.
" كيليان أرشيبالد ... ابن يانيس..."
" عفوا؟؟"
كان منغمسا في أفكاره لدرجة أنه اعتقد توهم ما التقطته أذنيه، ملامح روكو جادة جدا، لا يمكنه المزاح في هذا الموضوع أبدا:
" القصة، طويلة للغاية ... قصة مريبة و غريبة و مقرفة... مثل العادة... تمر السنوات و أكتشف بأن حياة ابي شائكة أكثر مما اعتقدت... العظيم يانيس يثبت حتى بعد موته بأنه الأدهى و الأذكى ، كيليان ارشيبالد يدعى في الحقيقة كيليان سانتو ايميليانو... ثمرة قصة حب بين راقصة و رئيس فرقة اجرامية راقية ... الأمور لم تسر بشكل جيد... تم اغتيال المرأة ...كما تم رمي ابنها في دير ثم بين احضان جاك ارشيبالد بأمر من يانيس... كبر الطفل بعقدة النبذ و عاد لينتقم مني ظنا منه انني حصلت على كل الامتيازات ... هو من كان وراء سلسلة الاعتداءات و منها ما حصل في مونتي كارلو... كان يتسلى، يرغب بإثبات لنفسه بانه ورث اجرام والده رغم كل شيء... يملك هويتين و شخصيتين و يرتديهما كلما تطلبت الظروف ذلك... يانيس رغب به منقسم الشخصية، فرض عليه بالمقابل مستقبلا مشققا و منفصلان يعيشه بإحترافية من آلف الانسلاخ من جلده ليتوافق تماما مع الظروف... بشكل ما... توصلت يوليا الى هذه الصلة و تعمدت ارسال سيارة من صنعه... تحتاجني لشيء و تظن بأنني سأقفز لحماية رأس كيليان ان تطلب الأمر... ما لا تعرفه هو أنه أخر شخص قد اركض لحمايته... عندما واجهته في كابري... ظننت نفسي أواجه أبي... الشبه بينهما كبير للغاية,,,"
بقي صامتا، يجهل بأي كلمات سيرد، يشعر بأنه يحلم و أن روكو سيضحك متهكما في هذه اللحظة كي يخبره بانه يمزح و أن القصة مفبركة، لكن لا شيء حصل من كل هذا، بل كانت ملامحه جادة للغاية، انه بحاجة ماسة لشراب أقوى لبلع هذه الأخبار... ترك مكانه ليسقي نفسه كأسا:
"لم أرى مخلوقا بهذه الجينات الجبارة، علي يانيس أن يكون فخورا بثوريثه هذا النجاح و الذكاء لأولاده... "
" هذا ما تجده لتقوله؟"
استدار نحو صديقه، كانت السخرية تطل من نظراته التي تلتمع بالكثير من التعابير مثل الغضب، متى تمكن روكو من التخلص من شعور الغضب من والده كلما وجد نفسه في مأزق مريب؟ أبدا...
" بغض النظر على ان كيليان كلب حقود و ابن عاهرة و لقيط الا أن هذا لا ينفي اطلاقا بأنه من انجح رجال الأعمال في العالم و من اثراهم ايضا... انه عبقري... انه من الايميليانو بلا أدنى شك... ناجح مثلك و مثلما كان والدك.."
" لم يكن يوما لقيط يانيس... القصة أكبر مما يمكن للمنطق استعابه، رغم تحجر قلبه الا أنه أغرم بشدة، أغرم بمن لم تترك له فرصة التراجع، قاومته فتزوجها سرا في روسيا و لم يطلقها أبدا......"
يشعر بأن رأسه سينفجر... لكن هل يتابع الأحذاث جيدا؟؟
" لم يطلقها أبدا؟؟ ما قصدك بحق السماء؟..."
عادت أصابعه لتنقر على ركبته، تأمله لهنيهة و كأن ما سيقوله يحتاج استعابه أولا:
" بعد أن تبين أن لي أخا يكبرني فقط بأشهر فضولي فاق كل الحدود، يانيس ترك لإبنه البكر عدة ملفات و رسائل و كل مايحتاجه ليدافع به عن نفسه من القبر، تطلعت على الملفات نفسها، وثيقة ولادة كيليان لا تقبل التشكيك، انتبهت الى أن أوكتافيا تحمل اسم الايميليانو... ثم انفجرت سابرينا ما ان ناقشتها بموضوع ربيبها... تزوجها يانيس لأنه اضطر للزواج من ايطالية و الحصول على أطفال بدماء ايطالية مئة بالمئة... مسألة تقاليد غبية... عندما فهمت بأنها الزوجة الثانية وضعها أمام خيارين... اما الصمت أو الصمت الى الأبد... حبه لأوكتافيا كان يفوق قدرة تحمله على هجرانها، الأمور لم تسر كما خطط، لأن والدة كيليان انقلبت عليه ما ان عرفت بالموضوع و طالبت بحقوقها الشرعية... "
" و بدل تحريرها أصمتها الى الأبد هي الأخرى؟؟" أتمم خوسيه بهدوء.
راقبه يكشر قليلا:
" أشكك في مصداقية هذه القصة... يجب أن تكون أوكتافيا مميزة و استثنائية كي يجن بها... رجل مغرم لا يقتل حبيبته... هناك غموض في الموضوع... "
" اذن فسابرينا من تخلص منها..." تبثه روكو بعيون مدورة، هو نفسه لا يفهم لما استخلص هذا:" الغيرة تدفع النساء لإرتكاب أمور لا يتقبلها منطق... و أظن أن شرعيتها دفعتها للتخلص من العائق الوحيد لتحافظ على عائلتها..."
طرقات على الباب أغلقت الموضوع، كان مازال يطفو على سحابة غريبة متأرجحة بين الخيال و الواقع، ظهر سانتياغو..
" هل مازلت بحاجتي أم يمكنني الانسحاب لغرفتي؟؟"
" أدخل سانتياغو ..." اقترح خوسيه وهو يشير الى الكنبات:" شاركنا كأس أخير ..."
" سانتياغو لا يشرب أبدا..." تدخل صديقه بهدوء :" يمكنك الانسحاب، سنطير الى صقلية في الخطوط الأولى من الفجر."
* * *
" يوم بائس منذ بدايته..."
انطقلت الملاحظة من بين شفاه فيرنا وهي تلاحظ توقف سيارة راقية في الممر المؤدي الى بيتها، بدون اي شك عن هوية الزائر، هي التي آملت بعض الوحدة قبل استئناف عملها غدا، لا يبدو أن الأمور تسير كما تتمناها مؤخرا، استعملت مفاتيحها الخاصة بينما شدت حقيبة سفرها الصغيرة اليها، سانتو فرينا كان شهما و احترم رغبتها بالعودة بمفردها، لحسن حظها انه يتمتع ببعض اللباقة و الانسانية، عموما الموضوع أصبح سلفا وراء ظهرها، وهل سبق و حصلت على ما تأمله من هذا الجانب؟؟ حياتها العاطفية كارثة حقيقية... لهذا قررت تحاشي الرجال كليا و منذ سنوات.
استقبلتها رائحة العطر الراقي، كانت مثل المعتاد، مشعة و مبهرة بشكل كبير، عمها يبدو عصبيا، أما فيما يخص الصغير فهي تعرف بأنه يغادر البيت ما ان تأتي هي اليه.. لا تتوقف عن انتقاصه و هو لا يطيق تصرفاتها العرناء نحوه.
" أخيرا وصلت... أين كنت؟؟ لما لا تردين على هاتفك؟؟ " شعرت ببرد عظيم يغزوها. اللقاءات تشبه بعضها و يبدو أن هذه أسوأها ألف مرة . لا عجب أنها تحمي نفسها كثيرا منها. " رباه انظري الى نفسك تبدين كمتشردة... مالذي تفعلينه بكل الأموال التي أحولها لك؟؟ "
نفس الهجوم، نفس الاتهامات، لكنها اليوم تبدو حقا غاضبة للغاية، دنى منها عمها ليأخد حقيبة الظهر التعسة و المتهالكة مما زاد من قرف المرأة التي تبدو متناقظة مع بساطة الديكور.
لما اختارت المجيء اليوم...؟؟ في نفس اليوم الذي تحول فيه أملها إلى كارثة! ظنت سانتو مختلفا... في النهاية لم يكن سوى رجل عادي... ينوي تمضية بعض التسلية معها. لقد حان الوقت للعودة إلى الواقع. إلى جانب ذلك ففد ندمت على ثقتها... لقد انجذبت اليه بصدق... لكن في النهاية الابن لا يختلف كثيرا عن الأب اليس كذلك؟
أول ما هاجمت وهي تقترب منها هي الضفيرة الطويلة على كتفها:
" لما تهملين نفسك فلانتينا؟؟"
" لا تناديني بهذا الاسم مجددا... اسمي فيرونيكا..."
" لم يكن يوما اسمك فيرونيكا... اختبائك وراء اسم آخر لا يبدل من حقيقتك شيئا..ّ " حاولت لمس وجهها لكنها انتفضت الى الوراء، عيناها مثبتتان على هذا الوجه الرائع التفصيل رغم مرور السنوات:" غيري ثيابك و لنمضي..."
الرعب شلها مكانها، بحق السماء مالذي تريده منها هذه المرة؟؟ لقد قاومت كل رغباتها في ابعادها عما آلفته في كابري، رغم كل جهوذها لإخراجها من حياتها الا انها تفرض وجودها فيها، قوة ارادتها و تحديها يسلبانها جهوذها:
" نمضي الى أين؟؟"
" لشراء ثياب لك و لرؤية المزين، كلمت صديقة لي في ميلانو، يمكنك الاستفادة ماديا من وجهك بدل هدر وقتك و مجهوذك في أعمال لا نفع منها... أنت بصدد هدر حياتك فلانتينا, لا يمكنك الاستمرار بهذه الطريقة، أمنعك كليا بالذهاب الى افريقيا انت تجهلين ما يحذث هناك من عمليات خطف و اغتصاب..."
نظرت بإتهام الى عمها، اذن فهو من أخبرها عن خططها؟؟ لكن كيف يستمر هو و عمتها في الوفاء لهذه المرأة بعد ما فعلته بشقيقهما؟؟
" أؤمن بما أقوم به و أظنني بلغت سن الرشد مند سنوات و لست بحاجة لتدخلك المستمر في حياتي.. لا أعرف لما تصرين على خنقي بينما أرفض أي علاقة معك..."
" أنا والدتك..."
" ليس على الأوراق و لا بنظر المجتمع الايطالي، لا أريدك مجددا في حياتي... سأفعل تماما ما يحلو لي و ان كانت طريقة عيشي لا تعجبك فطريقتك انت تثير قرفي... "
استوقفتها قبل أن تبتعد:
" تنكرينني لكنك تقبلين الأموال التي أحولها لك.."
" أموالك تسدد مصاريف المحاميين للأسر التي اساعدها... توقفي عن هدرها اذن و انسي أمري لأنني ببساطة لن أغير رئي بشأن أفريقيا... لن تمنعيني من تحقيق أحلامي بأن أكون انسانة جيدة... "
توجهت الى غرفتها و اغلقتها خلفها قبل أن تلقي بثقلها على سريرها، ارتطمت عينيها باطار صورة بجانب انارة الشوفيه، التقطتها، كما تفعل كل صباح عندما تستيقظ و كل مساء قبل النوم، الشاب في الصورة في العشرينات، sex appeal ايطالي حتى آخر التفصيل، هذا ما سلب والدتها رشدها، قربت الصورة منها، كان عمرها أربع سنوات، ابتسامة عريضة على وجهها بينما والدها يحملها بذراع واحدة و بدون اي مجهوذ، تصلبت بشدة في مكانها بينما يُفتح باب غرفتها لتظهر الجميلة الارستقراطية مجددا، عيناها الرمادية فقدت هجومها هذه المرّة، تجاهلتها و مسحت الصورة بكم كنزتها القديمة قبل أن تعيدها الى مكانها، تريد الاحتفاظ بذكرى الشاب الوسيم جدا، المفثول العضلات، صاحب الابتسامة المغرية و المدمرة على الرجل الذي جرفه اليأس...كان في الخامسة و العشرون عندما وضع حد لحياته.
لقد انتظرها و هي لم تأتي، و عندما قرر القدر الابتسام اليه و بدأ بالعمل في أكبر دور أزياء روما قررت هي قطع طريق شهرته بسبب الغيرة، كانت ترفض أن يكون لغيرها، لسيما و أن وجهه الجميل استقطب اهتمام دعائي و جمهوري قوي، وعدته ان تهجر زوجها و أن يكونا معا للابد، مع ابنتهما... لكنها لم تفعل أبدا... وهو... كان يحبها بصدق رغم فارق السن بينهما... مات لأنها كانت من الانانية بحيث لم تترك له الخيار.
" فلانتينا..."
جلست على السرير قربها، راقبت اصابعها الانيقة بأظافرها المشذبة بعناية تمسك بيدها و تعصر بشدة عليها، هزت وجهها نحوها أخيرا، كي تعثر فيه على كل انش من الوجه الذي تراه كل صباح في المرآة، لكن بحلة سمراء.
" أنا آسفة... لم يكن يجذر بي مهاجمتك بتلك الطريقة، لكنني فقدت رشدي عندما أخبرني عمك بشأن سفرك..." مدت يدها لتلامس وجنتها :" حبيبتي أنا خائفة عليك، أنت حساسة و هشة جسديا..."
تصلبت تحت الملاحظة:
" انها عاهة اعيش بها بطبيعية... لست مختلة عقليا..."
ابتسمت والدتها و اطل الحزن من عينيها:
" أعرف... لم أقصد جرحك، تعرفين أن الطب يتطور بإستمرار، سبق و كلمتك عن..."
" كلا..." اعترضت بقوة:" أرفض الخضوع مجددا لتلك الجراحات المؤلمة و الا منتهية"
" أريد فحسب مساعدتك..." وشوشت لها برقة.
" اذن دعيني أعيش حياتي بالطريقة التي تريحني... "
لكن لا يبدو أنها تنوي الاستسلام، بدت نظراتها حازمة:
" اسمعيني فلانتينا، الحياة التي تعيشينها لا ترضي أحدا حتى عميّك، انهما قلقان بشدة عليك، أخبروني عن احتجاز الشرطة لك مؤخرا لولا وجود المالك الجديد لمعاصر ايميليانو و اخراجك من الورطة... لكن مالذي تصنعه فتاة جميلة و ذكية مثلك مع المتشرذين و العجزة؟؟ لما ترفضين كل مساعداتي بان تصبحي شخصا مهما و ناجحا؟؟ لما تصرين على معاقبة نفسك بالعمل المضني و ارتداء هذه الخرق البالية ... لما تصرين على دفن شبابك و جمالك ابنتي؟؟"
" لأن هذا ليس مهما... "
" و المهم برئيك هو رمي نفسك في المخاطر لمساعدة أناس غرباء و تعريض نفسك للمشاكل؟؟"
" أحب الأعمال الانسانية..."
" هناك ألف طريقة لتساعدي الناس فلانتينا... أنت من رفض اتمام دراستك و أظنني كنت ورائك وحاولت جاهذة دفعك الى الأمام ... الرحيل الى افريقيا فكرة سيئة... أرفض أن تبتعدي عني و أن أراك تدمرين مستقبلك بنفسك... لن تجدي رجلا بهذا المظهر البائس... أريد تزويجك برجل دو مكانة تماما كما فعلت مع أخواتك..." شعرت برغبة عنيفة في الغثيان:" دعيني أخد موعدا مع إختصاصي ترميم في الخارج ، يُقال انه عبقري و تنجح كل عملياته ..." مسحت على وجهها و تأملتها بإهتمام:" أنت الوحيدة التي أخدت كل مقومات الجمال بين أخواتك، أنت تشبهينني في نفس العمر فلانتينا، دعيني أمسح الغبار على هذا الكنز الذي تصرين على اخفائه... دعيني أساعدك في تغيير حياتك للأفضل ابنتي... أتوسل اليك انسي موضوع افريقا فسأموت ان حذث لك مكروه"
انها المرّة الأولى التي تسمح لعاطفتها بالبروز بهذه الطريقة، بدى العذاب ينخر الملامح الرائعة التي لا تتوافق مع سنها، كيف تتمكن بالحفاظ على جمالها؟؟ من يراهما سيقسم بأنهما شقيقتين، لسيما أنهما تشبهان كثيرا بعضهما... هذا الشبه الذي حرّم عليها العودة الى صقلية كي لا يُكشف سر المرأة الأكثر جدلا في ايطاليا.
" لا تتكلمي بهذه الطريقة.. سأبدأ بتصديق حبك لي..."
" لكنني أحبك..." وشوت لها وهي تعود لتلامس وجهها.
" تماما كما أحببت والدي؟؟ "
سقط الصمت عليهما جليديا، تظن بأنه مسموح لها بتنظيم مستقبلها و كأن طفولتها كانت مثالية؟؟ بأي حق تعود اليوم متحمسة بجعلها نسختها و تقديمها كدمية لرجل ثري؟؟ لن تكون بغباء الشاب المغرم الذي كان عليه والدها، لقد صدّقها و آمن بها، و جعلته عبدها يفعل تماما ما تريد، أمضت ثمان و عشرون سنة في الظل، لأن هذه الحسناء أمامها بنظراتها الرمادية الرائعة قررت نبذها بإسم الفضيحة... لا تريد أن تكون مدينة لها بشيء، ولت الايام التي كانت بحاجة ماسة لها... تلك الليالي التي تفرغ فيها دموع الجسد لأنها وعدتها بزيارتها لكنها لم تأتي أبدا...
" أحب روتين حياتي... أحب ملابسي البالية و عاهتي و مظهري البائس...أحب العجزة و المتشرذين... أحبني لأنني أنا ... لأنني تعلمت أن أحب من أكون و ما أفعل... كنت بحاجتك و أنا طفلة، عندما أبكي بحرقة و أتسائل لما ليس من حقي العيش معك في ذلك البيت الجميل و الكبيرـ؟ عندما أمسك يد أبي و أراك مع عائلتك تستعدون للسفر في عطلة من دوني ! تظنين بأنني لا أتذكر هيه؟؟ عندما لاحظ أحدهم في القصر بأنني أشبهك... رميتي بي خارجا...قمتي بطردي الى كابري و منعتي عني العودة الى صقلية... كيف تجرؤين بإنتقاض خياراتي اليوم بينما لم تكوني يوما حاضرة لمقاسمتي أي شيء.؟ انتهت صلاحيتك... أريدك خارج حياتي فحسب "
* * *
" مالذي تفعله هنا؟؟"
اعتدلت صوفي في جلستها على الصوفا بينما خافيير يقتحم غرفتها و يغلق الباب خلفها، هذا الشبه بينه و بين اليخاندرو يفقدها رشدها، لكن سرعان ما يعود وجهه ليتخد صورة بعيدة عن شقيقه، كانت تتطلع اليه بحذر، تلقائيا لا تشعر بالراحة ناحيته، هذا الغموض الذي يلف هالته مريب للغاية، قد تكون مختلفة عن أفراد عائلتها لكنها ورثت على الأقل حدس الايميليانو.
" سألتك ما تفعله في غرفتي خافيير؟؟"
" اهدئي أيتها الجميلة اتيت للاطمئنان عليك..."
راقبته بحذر يقترب نحوها، ركبتيها المتورمتين بشدة آلمتاها طيلة الليل، لكنها لن تشاركه هذه المعلومة، يذهلها أن يتنقل بحرية في البيت بينما كل موظفي روكو لا يجرؤن على اختراق هذا الجزء من القصر، حتى سانتياغو، رجل شقيقها الأمين لا تطأ قدميه هذا المكان.
" سيتم طردك ان كُشف أمرك..."
" لما تتصرفين معي و كأنني عدوك صوفيا؟؟ الا يمكننا ان نكون أصدقاء على الأقل؟؟ "
" أخبرني لما يجب أن اكون صديقة لموظف روكو؟؟ "
رأته يهز كتفيه القويين و يدلف يديه في جيوب بنطاله الجنزي:
"اذن وظيفتي هي ما يزعجك لهذا الحد؟؟"
" كل شيء يحيطك يزعجني... اسمع... أنا لست مثالية، و عندما أغضب أبدأ بالتفوه بكلام جارح للغاية، يستحسن بك أن تغادر فورا هذا المكان لأن روكو ان عرف بتسلك هنا فسيلقي بك خارجا و تصبح بلا وظيفة..."
" لا تحتاجين لذريعة كي تكوني جارحة عزيزتي"
هزت رأسها بعدم تصديق، وقاحته لا حدود لها، لكن كيف تقارنه باليخاندرو؟؟ بينهما تناقض في الشخصيات صادم للغاية:
" ان اتيت لتطمئن على ركبتي فأخبرك بأنها بخير"
" هذا ما يبدو..." رد بتسلية متهكمة:" تملكين سمعة سيئة للغاية في القلعة... يُقال بأنك لا تطاقين، و بأن طاقمك الخاص يتدمر منك، تجعلين حياتهم مستحيلة... حتى أنهم قاموا بطلب انهاء عقد العمل لكن العظيم روكو الذي يرفض أن يتم اقلاق راحة شقيقته الصغيرة رفض قطعا الاستقالات مهددا بمقاضات كل من تجرأ على الاخلاء بمسؤولية عمله بما تنصه البنود بينهم..."
أبقت فاهها فاغرا لهذا التصريح، بينما هذا الأخير يغمز لها و يعود أذراجه، هل حقا طاقمها الطبي طلب الرحيل و منعهم روكو؟؟ تعترف بأنها صعبة للغاية، لكنها تحاول أن تتغلب على هذه الطباع التي تفاقمت بسبب عملية رأسها، تشعر بأن الامها الجسدية و النفسية تدفعها لحد الجنون... لا تطيق أحدا أبدا، عاد الباب ليفتح مجددا، هذه المرة كانت سابرينا، مثل المعتاد أنيقة الى آخر تفصيل:
" اتصل دافيد ريتشي... ينوي زيارتك..."
المفاجأة جعلتها ترمش:
" هل عاد الى صقلية؟؟ في آخر رسالة له أخبرني بأنه لن يعود مجددا..."
" والده مريض و ربما عودته بهذا الشأن... متى أحدد موعد زيارته؟؟"
" الليلة... سأكون سعيدة جدا برؤية منقذي مجددا...."
تنهذت سابرينا:
" منقذ بقناع زير نساء صوفي لا تنسي، ذلك الشاب يملك اسوأ سمعة شهدها التاريخ، أؤيد صداقتك به لكنني أعرف بأنك هشة و حساسة مؤخرا..."
" تتكلمين و كأنني سأقفز عليه ما ان يدخل غرفتي!"
" روكو لا يحبه.. لكنه مدين له لأنه أنقذ حياتك, أعتمد عليك بالا تنسى أبدا من يكون دافيد ريتشي عزيزتي..."
لم يكن سيء السمعة عندما خرج مع بيانكا فالكوني الغبية؟! فكرت صوفي وهي تهز عينيها الى السماء، ربما دافيد وسيم لحد الفثنة لكنها لن تنظر اليه أبعد مما تعتقد والدتها، عموما فقد كان رائعا معها في الأشهر الأخيرة، راسلها و أخد أخبارها، و اذا اتصل رسيما بالقلعة لأخد موعد فلأنه يدرك عقلية روكو الشديدة الحمائية، وهي سعيدة للغاية برؤية صديق في ظروفها الصعبة و القاتمة... هذه الزيارة ستكون علاجية لها و مفيدة للغاية، التقطت الهاتف و أدارت رقمه، أجاب بعد رنتين:
" يمكنك المرور هذا المساء"
" لست بمفردي هذا المساء أنا مع بعض الصديقات..." أجابها.
" يمكنهن المجيئ، سأعلم المطبخ بأن يهيئوا وليمة مميزة لشرفهن... ستسعدني رؤيتك دافيد...أنا لا أملك أصدقاء في هذه الجزيرة المريبة"
* * *
على غير عادتها، تركت زوجته التوأمين للمربية و لم تأتي لوجبة طعام العشاء، عموما ليست الوحيدة التي بقيت حبيسة غرفتها، دانيلا أيضا حذوت حذوها، رغم اغرائاته الا انها تفضل عدم خوض موضوع قرابتهما حاليا، يفضل ترك بعض الوقت لها، و المساحة أيضا، عموما سيستأنف بداية الأسبوع أعماله، يتمنى أن يتعدل مزاج نسوة هذا البيت... يبدو بأن لا أحد منهن يتحمل وجوده، ماعدا أوزلام... تبتسم له ملئ فمها... يعترف بانه غارق في غرامها حتى النخاع و سيفتقدها بشدة.
طرق على باب جناح آيا و اتاه ردا مختنقا، كان الصالون فارغا، وجدها في السرير، عيناها لامعتين ووجنتيها محمرّتين، كانت تحاول الجلوس الا انه منعها، جلس بالقرب منها و وضع فورا راحة يده على جبينها:
" أنت محمومة..."
" قربك مني يجعلني محمومة دون مارتينيز..." سخريتها الناعمة جعلته يهز رأسه، بحق الجحيم لما ترفض المساعدة من أحد عندما تكون مريضة؟" انت تضرم النار اينما حللت"
انزلقت عيناه عليها، كانت بشرتها مضاءة، أرنبة أنفها محمرّة، عينيها شفافتين للغاية، شعرها متكوم على كتفها، حمالات قميص نومها تظهر من تحت الشراشف التي تضمها اليها و كأنها تشعر بالبرد بالرغم من حرارة الجناح المعتدلة، في حياته لم يرى مريضة بهذا الاغراء، و كما تعود في وجودها... نعود ذكورته لتذكره بأنها تستيقظ فقط في وجودها...دفع يده الى جبينها مرّة أخرى ليبعد هذه الخصلة الناعمة التي تلتصق ببشرتها الندية، التقت نظراتهما... آيا الغريبة الأطوار... آيا التي لا يمكن التنبؤ بلسانها، العاطفية و الحية القوية التي تحرم نفسها عليه بكل الطرق الممكنة... آيا التي يجدها مرغوبة حتى و هي تهذي تحت حرارة مرتفعة... و ليكن صريحا مع نفسه... يعجبه هذيانها الجميل.
" أضرم النار أينما حللت؟؟ هل هذا مدح أم ذم؟؟؟"
ابتسمت له مجددا بتلك السخرية الناعمة:
" أنت فخور بنفسك أيها الاسباني...تظن بأنك لا تقاوم؟"
" كنت أظن ذلك قبل أن التقيكي.. " تأخرت أصابعه على وجنتها:" أنت غيرت موازين كل شيء..."
كانت الانوار الخفيفة للسقف المقعر ترتطم عليها و تجعلها شبه واقعية،الصمت الذي رد عليه كان يصم الآذان... كانت تتطلع اليه و كأنها تراه للمرة الأولى، أو ربما تعيد صياغة كلماته التي يقصدها و ليس ناذما عليها بالمرّة، لقد تزوج امرأة غير عادية، بإمكانها ارضاع طفلها و مراجعة دروسها بالوقت نفسه، في الوقت الذي يمكن للفتيات في سنها الاعتماد على الرخاء و على نقوده لتذليل أنفسهن، جمعت كل فلس لتشتري بيتا... شعر فيه بالدفئ اكثر مما احسه طيلة عمره في هذه القلعة، تزوج من امرأة كلما حاول الابتعاد عنها ازداد قربا منها... ازداد وجعا و ازداد اعجابا بها...
خلافا لكل توقعاته، راقبها تبعد الأغطية لتحرر ذراعها، توجهت يدها الى فكه، شد أنفاسه بينما تتحسس بشرته ببعض الاصرار، عادت نظراتهما لتلتقي مجددا:
" لماذا دخلت حياتي؟؟"
" لماذا أنت دخلتي حياتي؟؟" شعر بلمستها في كل خلية من كيانه:" في أشد الأماكن مجونا أتيت بكل طهارتك... أنت ملكة المتضادات... ملكة العصيان... لم يكن بإستطاعتي تركك ترحلين وقد عثرت عليك أخيرا..."
" مسألة كبرياء خوسيه... فأنت لم تحبني... كنت مناسبة لأمنحك ما تريد.. "
أمسك بيدها و قرب راحتها من شفاهه ليطبع عليها قبلة، بصيص من الفكاهة عبرت نظراته لفترة وجيزة. وهو يثبتها تجاهذ لتبقى واعية:
" أنت أيضا لم تحبينني... لكنك منحتني فرصة عيش ثانية"
هذه المرة أغلقت عينيها، يعرف بأن هذه المحاذثة لن تتذكرها بعد أن تفتح عينيها غدا صباحا، ان حكم على الدواء الموضوع قرب كوب المياه على طاولة الشوفيه فستنام بدون أي أحلام... نوع الأدوية الممنوع تماما على المرضعات فهل انتبهت لهذا الأمر؟؟ عادة لا تنجرف آيا وراء الحماقات...
بقي مكانها يراقبها، يدها ما تزال تحت شفاهه، رائحة بشرتها تخترق أنفه، كانت محمومة و نارية، ستنخفض حرارتها و لن يرحل قبل حذوث ذلك، في الحالة المعاكسة سيتصل بالطبيب، لا يعرف متى تعرضت لهذه النزلة من البرد، راقب شفاهها تنفرج ببطئ كي تلتقط من خلالهما الهواء... واحد... اثنان... ثلاثة... ثم بدأت بالشخير كما توقع... يحفض عن ظهر قلب هذه العادات التي آلفها بشدة في الماضي... لما بقي على اخلاصه لذكرياته معها التي لم تتعدى سوى ايام قليلة؟ كرس نفسه على الا ينساها اليس كذلك؟؟ هو من لا يرغب بنسيان شيء... لأنه... في ذلك الوقت كان سعيد حقا برفقتها.
ضغط مجددا بشفاهه على بشرتها الحارقة، مرة مرتين ثلاثة قبل أن يعيدها اليها تحت الأغطية و يعدل الشرشف على صدرها:
" أنت قادرة على حب اليخاندرو، الاعجاب بشخصية داركو، التودد الى سيزار و التواطئ مع روكو... لكنني الوحيد الذي تعجزين عن تقاسم أي نوع من المشاعر معه ... و انوي تغيير الأمور آيا الجميلة... لأنني أنوي تخليد ملكيتك..." وقف من السرير، بقي شاهق فوقها و كأنه ينتظر أي ردة فعل، لكنها تبدو غارقة في نوم ثقيل، مد اصابعه الى شعرها ليتحسس نعومته، كانت تنام على وجنتها اليمنى، يمكنه أن يلمح الشريان النابض في اسفل رقبتها:"برئيك أنا أب رائع؟!... يمكنني أن أكون زوجا رائعا ايضا..."استعاد أصابعه اليه... ادمانه لمسها شيء فوق طاقته :" فقط جربي... يمكننا ان نكون سعيدين آيا... فقط جربي..."
رد عليه تنفسها المنتظم، بقي للحظات يملئ عينيه بها قبل أن يلتقط علبة الدواء و يخرج من الجناح بهدوء، عليه قراءة التعليمات ليرى ان كان هناك من خطر على الأمهات المرضعات، و ان كان الأمر كذلك فسيتصل بالطبيب لأخد رئيه بالموضوع، عموما لن يتأخر عليها... ينوي السهر عليها لما تبقى من الليل... و لما لا لما تبقى من العمر؟

ملك جاسم and noor 1986 like this.

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:05 PM   #3813

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع عشر


" كل أحلامي الرومانسية تتحقق الليلة... هذا المكان اجمل من البطاقات التذكارية المنتشرة في المدينة"
تؤكد و تبصم بالتأكيد على كلام صديقتها، بعد كل ما شاهدوه في كاتانيا و تاورمينا، يعتبر قصر الايميليانو تاريخيا و يستقبط السياح بشدة ، من الخارج يبدو شاهقا على الصخور البحرية، لكن من الداخل يبدو مبهرا و يستحق التبجيل. هي التي اعتادت على الرخاء منذ نعومة أظافرها تعترف أن المكان أنيق بشدة، يمتزج بين العصرية و الكلاسيكية، و كمصممة ديكور، يبدو بأنها ستستمتع بشدة هذه الليلة.
" لطف من الايميليانو دعوتنا..."
الايميليانو الوحيد الذي تعرفه في أمريكا هو اليساندرو، لم تكن تتخيل يوما أن تقوم بزيارة بيت أسلافه في صقلية، يبدو أن صديق شقيقها ينتمي لعائلة عريقة للغاية... أخبرهم دافيد بأن دون روكو ايميليانو صاحب نفوذ، تقريبا يهتم بشؤون الجزيرة و كأنهم أسرة واحدة... حاكم لكن من منظار مختلف شيء يثير للدهشة حقا... لم يفقد الدوار شدته بينما تستمر بطبع كل جزء يمرون به في مخيلتها.. ربما تقدم والدها للانتخابات لكنه بالتأكيد لا يملك هذا الطاقم الهائل من الحراس، القلعة مشددة الحراسة... هل سيارة الشرطة تبقى دوما على مسافة غير بعيدة من البوابة الرئيسية؟
تاخر دافيد في باليرومو أكثر فإتصل بهن ليطلب منهن الذهاب قبله، الجميل في الأمر أن سائق قلعة الايميليانو من أتى ليقلهن ، يبدو أن دافيد محق، صوفي ايميليانو متحرقة للغاية لرؤيتهن، و هي متحرقة للتعرف على شقيقة اليساندرو الصغيرة، تلك التي كانت لترحل دون عودة لو لم يصل دافيد في الوقت المناسب و ينقدها من موت محتم.
" لما يوجد كل هذا الكم من الحراس؟؟ " سألت ايفا حائرة" هل شقيق اليساندرو سياسي؟"
" القلعة مشهورة و لابد انهم يمنعون دخول المتطفلين من السياح" غامرت ناومي بالقول بينما الليموزين تتوقف اسفل درجات نصف دائرية شاسعة تؤدي الى مدخل روماني التصميم، كانت الانوار في الارض تجعل منه شاهقا، حتى الرجال الثلاث الواقفين عليهم، من مظهرهم لا يبدون من عامية الحراس المنتشرين.
" هل سيفتشوننا قبل الدخول؟؟" سألت جيم بجدية.
" ان كان سيتم تفتيشي من قبل هؤلاء فلا مانع لدي..." علّقت ايفا بنبرة مغرية:" يمكنني التعري فورا... انهم رائعون"
هي أيضا لا مانع لديها، كاندي الثخينة كانت تخشى أن تحط عليها نظرات وجه وسيم لأنها تشعر بنفسها أسوء من فأر صغير، لكنها تعلمت أن تثق في نفسها اليوم، يمكنها ان تبقى رأسها مرفوعا، اذا اختلفت نظرة دافيد اليها و لمحت الاعجاب فيها فهي خطت خطوة كبيرة جدا، دافيد لا تعجبه أي إمرأة لأن ذوقه النسائي مرتفع للغاية... ربما هو أصعب رجال أمريكا فيما يخص النساء.
فتح السائق لهم الليموزين، القت نظرة فضولية نحو الرجال الثلاث امام المدخل المهيب، كانوا مميزين بشدة، لا ينتمون لقلعة الأحلام التي تشعل مخيلة أي امرأة عاطفية.
أقطبت قليلا بينما تلتقط ملامح وجه مألوفة للغاية... أنخيل أسيانو؟؟ هذا مستحيل... توقفت مكانها في الوقت نفسه الذي اقتربت صديقاتها منها، العالم ليس صغيرا لهذه الدرجة و الموقف سيكون غريبا ان صدق بالتأكيد.
" من هو شقيق اليساندرو؟؟" سألت ايفا بصوت مرتجف من الاثارة و الترقب.
" سنعرف حالا..." أجابت جيمي و هن تتسلقن الدرجات نحو المدخل.
ثلاث نكهات رجالية، لا وجه تشابه، لكن عندما تحرك الضخم الجثة ببدلة أنيقة مخاطة على مقاسه و أدركت بأنه هو صاحب المكان، لا يشبه مطلقا اليساندرو، كان هذا الرجل مظلمًا جدًا ...قويًا جدًا... مسيطرًا للغاية ... مدروسًا بجاذبية جهنمية، من المستحيل عدم الانجذاب اليه مثل الحشرات نحو اللهب... اللهب الذي يحرق الأجنحة بلا أدنى شك.
" سعيد برؤيتكن... أدعى روكو ايميليانو... شقيق صوفي .."
مد يده أولا نحو ايفا التي احمرت وجنتيها بينما تتطلع اليه و كأنه نزل من السماء، فلتكن صادقة مع نفسها، كلهن يتطلعن اليه بنفس الطريقة، انه فاثن و ايفا لا تحمر خجلا مجانا... لقد أثر بها حتى النخاع، ان كانت تعرف جيدا صديقتها فهي تتخيله سلفا عاري أمامها و بدون بدلته الفاخرة:
" ايفا جونس..."
أهملها بنفس السرعة ثم صافح جيمي:
" جومانا دارسي..."
ثم حان دورها،التقت نظراتها بأسود نظرات رأتها في حياتها... شعرت به و كأنه يقرأ فيها:
" ناومي مارشال..."
تأخرت يده على أصابعها، شعرت به يسجنها فجأة، لم تخفى عليها التقطيبة الرقيقة التي أفسدت هذه الوسامة الايطالية المتوحشة... بدى بغثة و كأن نظراته تحرقها حتى العضم... تقسم أنها تشم رائحة الدخان.
" مارشال؟؟ هل يقربك G-T Marshall أم أنه مجرد تشابه أسماء؟؟"
كان الجو بارادا لدرجة أن اجابتها تركت أثرها في الهواء:
" انه أبي..."
ترك يدها فجأة و كأنها تحرقه، شعرت بالإنزعاج للنظرات التي أصبحت جليدية للغاية، عادت نبرته الاجشة تقول بينما يهملها و كأنها أصبحت شفافة:
" صوفي بإنتظاركن..."
انتظرت أن يقدم الرجلين اليهن لكنه لم يفعل، هزت نظراتها الى من أربكتها هالته يوما و ظنت بأن ثمة شيء نمى بينهما...الم يتعرف عليها؟؟ لا يعقل... من المستحيل الا يكون هو... هي مقتنعة بأنها لا تهلوس.كان قلبها قد تجاوز لتوه مئتي نبضة في الدقيقة، من المستحيل نسيان هالة هذا الانسان، جعل من نفسه ذكرى قوية و لقبته مع صديقاتها بــ'رجل عبّارة الكاتراز'، تعرف أنه هو... في أعماقها تعرف بأنه هو و لن يمكنها الخطأ لأنها انسانة صاحبة ذاكرة قوية للغاية... هذه النظرات المميزة لملامح بديعة تجمع بين الوسامة و وحشية قاطع طرق...شعره أطول مما في ذاكرتها، وتعرف بأنه تعرّف عليها أيضا لكنه يتبنى تعابير محايدة... تعابير من لم يراها يوما في حياته... حتى في ذلك الوقت... لاحظت أن ذوقه في السرية راسخًا، في طابور العبارة الأخيرة إلى الكاتراز رأته يركز عليها بنفس هذه النظرات الرائعة و القوية... لقد سحرها، فثنها و أفقدها عقلها.
انجذابها الفوري اليه كان بمثابة جبل شامخ يسقط على رأسها، كل شيء جاء سريعا للغاية... يوما في الاستجمام في سان فرانسيسكو ، الضحك و المغازلة، تقاسمت معه ما لم تتقاسم في كل حياتها مع رجل، كانت الأمور مختلفة للغاية، بعيدا عن رجال الأعمال، أو حتى هوسها المراهق بدافيد ريتشي، و كم عشقت خفة دمه و مزاجه الميال للمزاح... الموعد الثاني انتظرته... لكنه لم يأتي أبدا... وهي لم تفهم لما نبذها بينما انفجرت بينهما كيميائية متوهجة و قوية للغاية... تعترف بأنها بحثت عنه... منحت اسمه كاملا لموظفي مكاتب العبّارات و أخبروها بأنه لا يوجد أبدا هذا الاسم من بين الزائرين!...
شكت صديقاتها أنها تخيلت رجلا بهذه المواصفات... أخبرنها بأنها ربما حلمت و لم تلتقي وسيما بشخصية قرصان فاثن، رجل وعدها أن يعود لكنه اختفى و كأن الأرض بلعته، و كم آلمها ذلك... لكنه الأن أمامها... تعرف بأنه تعرّف عليها...يكفي أن تلقي نظر على ظهر يده... هناك وشم غريب يجسد معلم في ميكسيكو... لكنه يخفي يديه خلف ظهره.
انتبهت الى أن صديقاتها لحقن بمظيفهن بعدة خطوات، جيمي انطلقت في حذيثها الشيق مع الرجل الذي يجيبها بكلمات مختصرة للغاية، بقيت تقف بمواجهته و نجحت بلاقرار بكلمات صلبة:
" أنخيل أسيانو!"
حط عليها نظراته الرائعة للغاية، تلك النظرات التي أبت مطلقا الانشقاق من ذاكرتها، كان يتجرّع كل قسم من وجهها على حدى، و كأنه بالمقابل متشوق لهذا اللقاء الذي أتى في أشد الأماكن بعدا مما أشعلته مخيلتها، تمنت أن تلتقيه مجددا لكن ... في صقلية؟؟ شيء لم يداعب خيالها... لكنه عندما تكلم لم تأتي الكلمات التي تمنتها:
" أظنك تخطئين الشخص..."
انه هو... نبرته أكدت لها شكوكها، فجأة تكسر أمامها ذلك الحلم الجميل و شعرت بالاهانة، الاهانة لأنها انتظرته حتى منتصف الليل تلك الليلة، الاهانة لأنه سخر منها و يستمر بالسخرية منها في هذه اللحظة، الاهانة لأنه احتل تفكيرها لأشهر عديدة و رحلتها الى فيغاس مع صديقاتها لإصطياد أي رجل للتخلص من أحلامها الرومانسية بسببه هو، لم تشعر متى ارتفعت يدها لتصطدم بوجهه، لم تصدر منه أدنى ردة فعل، بل تقبل هذا العقاب و كأنه يريحه هو الأخر... فجأة لم تعد ترغب بالبقاء في هذا المكان الغريب الذي جمعها بهذا الرجل الذي لم تتمكن من فهمه بالمرّة... ولا نسيانه.
الفضول الذي طل من عيون الرجل الأخر تتخللته بعض التسلية و كأنه يسخر من أنخيل أو مهما كان اسمه، هزت دقنها بكبرياء و التحقت بروكو و صديقاتها الى الداخل غير واعية بجمال ما يحيط بها.
* * *
" و بجانب العش المهجور ، توجد ريشة. نظر 'بينو' الى السماء قائلا: شكرا على هذه الهدية أيها الجرس الضائع ! قال للسماء الزرقاء... ثم صرخ من الفرح ، وركض لإيقاظ إخوته..."
أغلقت ديامانتي القصة، آريوس لا يبدو أنه ينوي النوم، كانت عيناه الشاسعة تتطلع اليها و كأنه يريد المزيد من القصص، لكن الوقت تأخر و قد تركا خلفهما وقت النوم منذ مدة، مسدت على خصلات شعره السوداء:
" ما الأمر حبيبي؟؟ لما تمتنع عن النوم؟؟"
" أبي..."
تبتسمت له متفهمة:
" سوف يعود في نهاية الأسبوع كما سبق و شرح لك... وسيجلب معه هدية كبيرة لك..."
ليس لأن نيوس عاد لعاداته القديمة، هي نفسها من اصرت على أن يسافر لتسوية أوضاعه في الصين، لقد امتنع و اعترض بسبب اقتراب الحمل أجله، لكن الموضوع استدعى حضوره، وعدها أن يدخل شركته في البورصة كي يتحرر من مجمل مسؤولياته، انها تصدق كلامه، خلال فترة الحمل كان رائعا، زوجا لطيفا متفهما و لسيما... انسانيا...
لن تقول بأنها كانت سهلة العيش، تعرف بأن شيء ما مات بداخلها منذ تلك الليلة في جزيرة القمر، و بأنها تجاهذ كي تستعيد حبها الكامل له، لسيما أنها في أسابيع حملها الأخيرة، لن تتأخر بالحصول على معجزتها الثانية... و آريوس متحمس مثلهما بالحصول على شقيقة.
ان كانت حياتهما مثالية؟؟ كلا... تشعر بالملل في زواجها، السبب أنها على حذرها كل الوقت رغم كل جهوذ نيوس... فليكن الاختبار سريعا... فلنأخد ورقة و نجعكها بحدة ثم نقوم ببسطها مجددا، بالتأكيد لا تعود لطبيعتها... زواجها ليس كاملا بسبب عواقب كل الأحذاث الصعبة التي مرّت بها علاقتهما منذ البداية... غريب جدا كيف يمكن للانكسار أن يغير المرء... لكنها تنوي معالجة نفسها نحو جراحها، ترفض أن يتحطم زواجها لسيما و هي تتهيئ لإستقبال الطفل الثاني، وضعت فكرة هجرانه بعيدا، بل نبذتها كليا، تحاول ملئ نفسها بكل الايجابيات الممكنة و نسيان سلبيات نيوس البغيضة، ثم يعود عقلها لسلبيات و تجد نفسها مجددا أمام الحاجز الذي يرتفع بينهما تلقائيا، ذلك الحاجز اللعين الذي فشلت بطمسه كليا... انها تحبه، ربما حبها ليس مثل البداية فهو تعرض لصدمات زعزعت قوائمه...
مدت يدها لتمسح على وجه ابنها... كم هو لطيف و حنون النظرات... ابتسم لها ابتسامته الرائعة:
" كل شيء سيتغير آريوس... والدك بصدد وضع شركته في البورصة... سيصير متوفرا لك و لأختك ... فأنتما بحاجة ماسة لوجوده... أعدك أن أتعلم حبه مجددا و أن نكون عائلة سعيدة للغاية..."
ان استمرت بترديد هذا الكلام فستنجح بتصديقه او بالاحرى فستبتعد لعنة سوء الحظ عن حياتها، تخشى بشدة ان تمنح نيوس مجددا كل ثقتها كي يخذلها ما ان يرى بأنها تخلت عن حذرها، بالنسبة لروبي... فنيوس صادق، تدور الايام كي تصبح عدوته اللذوذة محاميته... مؤخرا، أصبح الثنائي صديقين. بدأت جفون آريوس بالانغلاق، استمرت بملامسة وجهه، هذا يساعده على الاسترخاء و النوم، ابتسمت بحنان وهمست له عندما عاد ليحملق اليها بنظرات ناعسة:
" أنت طفل طيب جدا و سهل العيش آريوس... أريد أن أخبرك بأنك شمس حياتي و بأنني فخورة جدا بك "
تأخرت في غرفته الى ان اغلق عينيه و غرق في النوم، أطفأت النور و تركت الباب مفتوحا قليلا كما هي العادة، في غرفة نومها التقطت وشاحها و هاتفها، نيوس اتصل مرّتين، نزلت الدرج بحذر، ان تتمشى قرب البحر قبل النوم لتصفية ذهنها صار عادة من عاداتها المسائية، أخدت معها أيضا جهاز التنصت عن بعد قبل ان تقرر معاودة الاتصال بزوجها، صدمة البرد الأولى مرت بينما ترمي بقدمها خارجا، رغم كل شيء فالجزيرة دافئة في النهار رغم برودتها ليلا، نيوس لم يرغب مطلقا تركها بمفردها، بعض افراد عائلته من والدته قدموا من كريت للسهر عليها، رغم كل اعتراضها الا أنه فعل فقط ما في رأسه، في الحقيقة كانت تفضل وجود روبي معها بدل دزينة نساء مسنات و متشحات بالأسود تراقبنها بإستمرار و تطرحن كل ساعة نفس السؤال الميكانيكي ' هل لديك انقباضات؟'
ادارت رقم نيوس و ماهي الا لحظات حتى سمعت صوته القلق:
" هل أنت بخير حبيبتي؟ هل كل شيء على مايرام؟"
" كل شيء بخير إهدء... أهملت الهاتف في غرفة النوم بينما أضع آريوس في سريره... لن تكون هناك ولادة قبل عودتك "
سمعته يتنهذ بعمق ثم يقول بجدية:
" انا حقا اسف حبيبتي لكن الوضع هنا أسوء مما إعتقدته... أعمل ليلي نهار كي اتمكن من العودة قبل نهاية الاسبوع..."
ابتسمت رغما عنها:
" هل يجب ان اذكرك بأنني من اصر على هذه الرحلة؟؟ توقف من الشعور بالذنب... انا حامل و لست مريضة"
" حامل في الشهر الاخير ..." ذكرها بنبرة يائسة " لم اشهد ولادة اريوس... ارفض الا اكون موجودا في ولادة ابنتنا..."
لامست اصابعها البطن المكورة كالصخر امامها، الانقباضات متكررة في هذه المرحلة لكنها ليست قوية:
" سنكون معا لاستقبالها فلا تقلق"
تنهذ مجددا:
" أحبك يا زوجتي... دوما تجدين الكلمات المناسبة لطمئنتي و مواساتي... اخبريني مالذي تفعلينه الان؟"
" اتمشى قرب البحر..."
" آسف لانني لست معك..." يبدو حقا مقترفا من الوضع" رباه كم اكره بعدي عنك... أعدك أن أكون متوفرا ما ان اضع الشركة في البورصا"
" أعرف... "
" أنا قادم" سمعته يقول لاحدهم ثم يعود اليها " لدي اجتماع بعد خمس دقائق... لا تتأخري كثيرا في الشاطئ فالجو بارد و لا اريدك ان تمرضي... اهتمي بنفسك و بالطفلين سأتصل بك لاحقا..se agapo glykia mou"
" أنا أيضا أحبك..."
ابقت الابتسامة على شفاهها، مجددا تحاول اقناع هذا الاحساس اللئيم بعدم الامان داخل صدرها بأن كل شيء على ما يرام، بأن حياتها لن تنقلب مجددا الى جحيم، و بأنه سيبقى هذا الزوج الرقيق و المهتم و العاطفي الذي أصبح عليه منذ عودتهما من لوس أنجلس.
تنفست بعمق و حشوت رئتيها بهواء ايجيه المملح كي تبعد الافكار السوداء عن رأسها، سيكون كل شيء على مايرام، نيوس يحبها و هي تحبه و هما متزوجين و سيرزقان بطفلهما الثاني... اذن... يجب أن تتخذ قرارا قاطعا بنسيان أذيته لها بشكل نهائي... عليها ان تتعلم الوثوق به... لا خيار أمامها... سعادة آريوس و شقيقته القادمة أهم أولوياتها.
القت نظرة أخيرة للبحر المظلم و عادت أذراجها ... ستثق بالقدر... ربما تحرك نجمها من مكانه التعس و ربما سيكون مستقبلها أكثر اشراقا عما كان ماضيها.
* * *
تعرف تعابير روكو جيدا، عندما يكون محايدا لهذه الدرجة فهو ليس بخير أو ثمة أمر مريب يشغل باله، السهرة تتخذ مجرى مغايرا لما توقعت بريانا، صوفي انسجمت بسرعة البرق مع ظيفاتها، دافيد ريتشي وصل بعدهن بثلاثين دقيقة، لكنها ليست غبية كي لا تشعر بالتوثر المذبذب بينما روكو يفتح شهية إحداهن، حتى انها رأت الخيبة فيي عينيها بينما تعرفهن على نفسها كخطيبة سيد القلعة، هذا الوضع يسليها أكثر مما يثير غيرتها، تعرف بأن أعين خطيبها معها هي فقط، كان يتفادى محاولات الجميلة في الدخول بحوار معه، كانت تنتظر ان يعتذر كي يختفي مع سانتياغو كما هي عادته، لكن رؤية صوفي سعيدة جعلته يبقى أكثر، كانت ترى نظراته عليها، منذ متى لم تتوهج صغيرة القلعة لهذا الحد؟؟
" للأسف أنكن سترحلن الى البندقية غدا..." تدخلت صوفي بينما ينتقل الجميع الى غرفة المعيشة حيث تم تقديم القهوى و الحلوى المحلية.
" غدا ليلة رأس السنة... " علقت المدعوة جامي" حجزنا قرب الغراند كانال..."
" آخر مرة ذهبت البندقية كنت في الثالثة عشر..." أمام منظرهن المشدوه انفجرت صوفي في الضحك:" لا تتوقعن أنني أتنقل بإستمرار خارج صقلية؟َ!... شقيقي روكو مهووس بفكرة حمايتي، انه يحتجزني هنا..."
الأعين انصبت على روكو الذي لم تتغير ملامحه و تدخل بهدوء:
" أنا لا أحتجزك..."
" أنا لا أملك حبيب..." شرحت صوفي بطريقة مسرحية:" يريدني عذراء حتى يوم زفافي!.."
" صوفي هذا يكفي!..."
تجاهلت نبرته الصارمة، ثم عادت تتصنع الحماسة، بدت التعاسة في عمق عينيها مؤذية، ابتسمت لناومي:
" مازلت أحتفظ بذكريات عذبة عن البندقية لأنها كانت برفقة والدي الحبيب... " هزت بريانا مجددا نظراتها نحو روكو، لم تكن صوفي الوحيدة التي يتآكلها العذاب في هذه اللحظة، عندما يبقى صامتا هكذا و يضغط على فكه بهذه الطريقة فلأنه في هيجان نفسي حقيقي..." لقد... فقدناه منذ سبع سنوات..."
الغصة في حلقها لم تخفى عن أحد، مما دفع دافيد لمد يده ووضعها على يد صوفي مقترحا فجأة:
" ما رأيك أن تأتي معنا للبندقية؟؟ وعدت بأخدهن الى هناك... ستقضين وقتا رائعا..."
شعرت بهذه الكلمات مثل الرصاص، نظرات روكو اشتعلت مثل جهنم بينما انفجرت صوفي بحماسة و سألت الفيتات:
" هل يمكنني المجيئ؟؟ "
" بالطبع يمكنك... "أجابت ناومي الشقراء الفاثنة بنظراتها البنفسجية الشفافة.
ثم حان الوقت الذي ستتواجه فيه صوفي مع روكو، وقفت بريانا تلقائيا من الكنبة تعرف بأن هناك ثمة ما سينفجر بشدة اللحظة:"سنكون سعيدات للغاية..."
استدارت نحو روكو، كلها أمل... كل نظراتها توسل:
" أخي؟؟ هل يمكنني الذهاب؟؟ أرجوك وافق..."
لم يرد، بقي فحسب ينظر الى كل عنصر على حدى، بإعتقادها، يقوم بإخيتار أي منهم سيتم اغتياله أولا؟ هل يبدأ بدافيد صاحب الفكرة؟؟ أم ناومي التي رحبت بالفكرة؟ أم بإيفا التي لا تزيل نظراتها الحالمة عليه بالرغم من ان خطيبته على بعد خطوة منه؟ أم بسبرينا التي لا تتدخل لتضع حد للموضوع:
" حالتك...الصحية لا تسمح" كيف تمكن من نطقها بهدوء هي لا تعرف.!
دنت منه ووضعت يدها على كتفه، لكن لا يبدو أنه شعر حتى بلمستها أو بإقترابها، عيناه دخلتا في صراع حاد مع نظرات صوفي التي حاولت رغم كل شيء البقاء هادئة:
" لقد حُبست في غرفة طبية لأشهر طويلة جدا و لا منتهية... أظن أنني أعرف متى أكون قادرة على تمضية بعض الوقت بعيدا عن فريق التمريض و تلك الآلآت القاسية التي اتمرن عليها يوميا... أستحق بعض الراحة مع بعض الاصدقاء الجدد..." أمام صمته تابعت بصوت بدأت تظهر فيه بعض الشقوق:" أنا لا أملك أحد روكو... الوحدة تقتلني..."
عاد يحط نظراته على دافيد، لا بد أنه نادم على موافقته بزيارتهم الليلة، لكن تعترف أنها تشفق على صوفي، تبدو حقا يائسة وهي تترجاه ان يسمح لها بهذه الحرية الصغيرة:
" أخي؟؟"
" كلا... صوفي...نهاية الكلام" تكلم بالصقلية،سقط صمت جليدي على المكان مما تسبب بتوثر لا يطاق ، هذا التوثر صنع غمامة سوداء فوق رأس صوفي التي غرقت عيناها في دموع الكراهية لكنها لم تعلق، لا تعرف كيف تمكنت من الاحتفاظ بلسانها السليط في فمها، حاولت الابتسام لدافيد كي تخفي احراجها ربما، تذكرت بريانا الموقف ذاته عندما تعرفت على الايميليانو للمرة الأولى، تبادل الطبات الواخزة بينهما، برئيها روكو يبالغ في خنق صوفي، من حقها يوم راحة بعد معاناة أشهر من الضغط النفسي و الجسدي، ستكلمه جديا ما ان يصبحا بمفردهما:" سررت برؤيتكم و التعرف عليكم... اعذروني لدي بضع التزامات..."
وقفت ناومي في الوقت نفسه، تطلب الذهاب الى الحمام استغلت بريانا هذا لتقودها بنفسها الى المكان، تركتها و رائها و لحقت بخطوات خطيبها السريعة، تمكنت من التقاط ذراعه قبل ان يعبر باب القلعة، انه بصدد الهرب الى الملهى ليختلي بأحد اصدقائه:
" أريد اجابة واحدة روكو... لما هذا الرفض القاطع؟؟؟"
أمسك بيدها و قربها الى شفاهها، غاص في أعماقها مثل المعتاد، رأت سانتياغو يقترب منهما، لكنه يتوقف على بعد خطوتين يمنحهما الحميمية.
" عقاب صغير لأنها تحب يانيس أكثر مني؟؟"
شعرت بالعذاب لهذا التهكم الصغير:
" أرجوك اتركها تذهب... انها بحاجة للترفيه بعد كل ما مرّت به... لم أرها سعيدة كما هو الحال اليوم مع أولئك الفتيات... ان كنت خائف عليها لهذه الدرجة فيمكنني مرافقتها..."
" قطعا لا! ..." اعترض و كأن اقتراحها جنوني:" لا يمكنني العيش بدونك ليلة واحدة"
تنهذت و مدت يدها لتلامس هذا الفك الذي سينتهي بتحطيمه في النهاية ان لم يتوقف عن الضغط عليه:
" أنت أدرى... بأن الضغط يولد الانفجار... رأيت طباعها تسوء يوما بعد يوم، حتى فريقها الطبي طلب الاستقالة للتخلص من تنمرها و قسوتها، أراها سعيدة الليلة... تقرب منها روكو... انت قاسي جدا معها..."
" قاسي جدا..." ردد روكو و كأنه لا يصدق اتهاماتها..." أفعل كل ما بإستطاعتي لإسعادها ... لكنها تضعني دوما في خانة أكثر الوحوش خطورة و يُحذر الاقتراب منها..."
" لأنك كذلك..."
استدارت بريانا نحو الصوت، كانت صوفي، بمفردها، لابد أن بقية المدعوين بقيوا في الداخل برفقة سابرينا، يبدو أن كل ما امتنعت صوفي عن القائه في وجه روكو امام الاخرين تنوي تفريغه اللحظة، بطرف عينها رأت سانتياغو يقترب من صوفي متأهبا أيضا لأنفجارها:
" أجبني لما تفعل هذا؟؟ أحرجتني أمام الجميع... أنا بالغة روكو و تستمر بالتحكم في قراراتي اللعينة" ثم اشارت الى سانتياغو:" أنت... ابقى بعيدا عني أقسم أن أقتلع عينيك ان اقتربت مني أو أجبرتني على الرحيل!...."
" أتركها..." تدخل روكو وهو يدنو منها، كانت عيناها مبللتين فمها مزموم بحقد و كراهية بينما التعاسة أظلمت ملامح وجهها الجميلة:" لا أثق بذلك الرجل..."
" متى وثقت بأي رجل؟؟" سألته بنبرة محطمة:" مشكلتك معي شخصيا... أنت لا ثتق بي، تظنني سهلة، يمكن لأي رجل السخرية مني و استغلالي... أنت تنسى بأنني كبرت روكو... أنا امرأة الأن لما لا تغير نظرتك اللعينة لي بحق الجحيم؟؟"
القلق من هذه المواجهة يجمد أطرافها، رأته ينزل لمستواها:
" لما لا أغير نظرتي اللعينة؟؟ لأنك تتصرفين كطلفة مدللة و ليس كإمرأة صوفي... سأغيرها عندما تحصلين كليا على ثقتي و تفرضين الاحترام من حولك... كل من في هذا البيت يتدمر منك.. أنت لا تُحتملين ..."
فتحت بريانا فمها من المفاجأة كما فعلت صوفي، لم تتوقع انفجاره بهذه الطريقة، رأت وجهها يفقد كل أثر للدم، رأتها تبلع ريقها بصعوبة، تأخد عدة ثوان قبل أن تقول بصوت حيادي:
" فلنرى كيف ليكون مزاجك بينما كل جزء من جسمك يتألم و يرفض التجاوب معك..." وضعت يديها على لوحة تحكم كرسيها المتحرك لكنها لم تبتعد:" لا أعرف لما يمنحني الله فرصة عيش ثانية بينما أنت تضع نفسك بيني و بين الحياة... لو كان أبي حيا لما سمح لك بإيذائي بهذه الطريقة... أنت تستغل سلطتك روكو، تتدمر لأنني أرفض النضج... لكن الحقيقة أنك من يرفضن نضجي بعيدا عنك... كنت أتمنى لو لم يصل دافيد في الوقت المناسب ليخرجني من تلك السيارة اللعينة... الموت أهون من العيش بجانبك... لكن لحظة... من يستحق الموت ليس أنا... بل أنت... فقط لو رحلت مكان أبي لما كانت حياتي بهذا البؤس اللعين... "
لم تتجرأ بريانا بهز عينيها نحو روكو، يمكنها تكهن مشاعره اللحظة، راقبت صوفي ترمقه بنظرات ممتلئة بالضغينة ثم تدير كرسيها و تعود الى الداخل، عم الصمت قبل أن يتدخل سانتياغو:
" يمكنني مرافقتها و حمايتها ان كان هذا ما يقلقك..."
" سئمت دفاعك المستمر عليها..." تمتم روكو بصوت جليدي:" صار الأمر مزعجا "
" روكو..." تدخلت بريانا للدفاع عن سانتياغو الذي صمت أمام هذا الهجوم:" أرجوك اهدأ..."
" هذا الموضوع منتهي... أرفض سماع كلمة واحدة بشأنه... لا منك و لا منه و لا من أي لعين آخر... "
ثم منحهما ظهره و ابتلعه الظلام بينما يسلك الطريق الضيقة نحو الجزء الجنوبي من القلعة.
* * *
{ أتمنى أنك بخير...}
آخر شيء توقعته هو رسالة من اليساندرو، التعاسة و العذاب سحقا قلبها بينما تقرأ تلك الرسالة لعدد لم تعد تعرفه، برأي روكو، هي لا حق لها بالتدمر... حقيقة أن والدتها تم اغتصابها و بأن والدها مات لأن هذه الأخيرة اضرمت النار في مكتبه لا يفرق معه شيئا... هذه الحقيقة دمرّت كيانها و حياتها، خوسيه حاول مكالمتها، كان رقيقا لطيفا، لكن كيف ستشفى مما تشعر به بينما ترى وجهها فيه؟؟ ترى وجهها في اليونور؟ الوضع مريب حقا، و صار لمذكرات اليونور معنى...في داخلها... نوع من الطنين المؤلم. لا تتخلص أبدًا من هذا الشعور العميق بالظلم كلما فكرت في يانيس... الخصم الذي كان يملك كل الأوراق في متناول اليد، بما في ذلك الجوكر ، اليونور المسكينة... في أي مصيبة و وضع مزر وجدت نفسها في ذلك الوقت؟؟
bipe
وصلت رسالة أخرى، ابتسمت بعذاب من خلال دموعها بيينما تظهر صورة قطتها السوداء، عندما تركا نيويورك للطيران الى أروبا، أبقت قطتها الجميلة في مركز عناية خاصة الى حين عودتهما، يبدو ان اليساندرو لم ينسى أمرها و أعادها الى البيت.
{ كانت تشعر بالوحدة ....}
لم تجب، و ما عساها تقول؟؟ بأنها كانت حقيرة معه و أن ما فعله والده لا يتهمه في شيء؟ عموما كل شيء مريب للغاية حاليا و كبريائها يمنعها من الضغط على لوحة الحروف للرد عليه، هي ليست مصنوعة من حجر، لا تشبه روكو في صلابته، هو الذي يطلب منها نسيان الموضوع التافه بنظره، و كأن قلبها مجرد آلة يمكنها برمجتها على حسب المزاج، ربما نختار الخيارات ونتطور وفقًا لما تخبئه لنا الحياة. .. لكنها لن تتمكن من التكيف مع الموضوع بالسرعة التي يطلبها منها الجميع... تشعر بأنها ستموت من حزنها.
خرجت من سريرها، بدت تشعر بالإختناق و الشيء الوحيد الذي سيعيد لها رغبتها في الاستمرار و المقاومة هو رؤية التوأمين، ارتدت روبها و أهملت هاتفها خلفها كي لا تتملكها الرغبة في الرد على رسائل اليساندرو.
جناح الصغيرين مجهز بأشد الاجهزة حذاثة، مثلا كلما فتح الباب كلما عملت آلة تعقيم الجو تلقائيا، كانت أوزلام مستيقظة، المربية بصدد ترضيعها، ابتسمت لها:
" حبيبتي مستيقظة... رباه كم هي رائعة... هل يمكنني اتمام المهمة؟؟"
قبلت المربية شرط أن تعقم يديها كما هي القوانين، يمكن أن تكون أوزلام فخورة جدا بأب مثل خوسيه لأنه متيقض لأقل التفاصيل:
" هل هو حليب اصطناعي؟؟" سألت مستغربة لأن آيا لا تفوت وجبة واحدة للصغيرين.
" نحتفظ بحليب السيدة طازجا في البرّاد... انها مريضة و طلب السيد عدم ازعاجها"
أقطبت دانيلا:
" مريضة؟؟ لكن مابها؟؟"
هزت المربية كتفيها كإجابة عن جهلها التام، أوزلام ترضع الحليب بنهم، عيناها الشفافتين تثبتانها بفضول، مسحت دانيلا على جبينها المخملي بلطف، ابنة خوسيه... شعرت بالحزن لموقف والدتها التي عشقت رجلا بكل كيانها كي لا تستفيذ من حبه سوى الموت، وهاهو اليوم يعيد حياته، و يحصل على طفلين بدل الواحد... هل هي سعيدة حيث هي؟ أم أن روحها ماتزال هائمة على وجهها؟؟ امتلئت عيناها بالدموع بينما تضع أصبعها في راحة أوزلام التي أغلقت أصابعها الصغيرة عليه.
خوسيه أحب والدتها بصدق، انها المرأة التي فضل الموت على العلاج من السرطان، المرأة التي لم يتمكن من نسيانها، يمكنها ان تسمح لنفسها بالسفر بخيالها و لما العودة الى الماضي، تخيلهما معا، شابين و مغرمين بشدة، عيب اليونور أنها لم تكن في نفس مرتبة خوسيه الاجتماعية، كانت امرأة جميلة جدا و ذكية و تعمل بجد في شركة الفونسو مارتييز... الرجل الذي ورتث لون عيناه و ظنت لغبائها بأنهما لخوسيه و أن هناك تمة أمل على أن يكون والدها.
عادت آلة التعقيم للعمل تحت الحركة مما ينبؤ بوصول أحد آخر للجناح، لم تتفاجئ كثيرا عندما رأت وصيها، كان يبدو بصحة جيدة وسط جينز أسود و بولو أزرق الملكي، كانت الساعة قد تخطت منتصف الليل و لا يبدو بأنه ينوي الالتحاق بسريره بعد، رأته يعقم يديه ثم يدنو منها، كان شامخا أمامها، تجاهلته أيضا هذه الأمسية فلم يخفي رغبته بالكلام في الموضوع، تهرّبت منه... فلا تملك ما تخبره به.
" أراك صاحية..." لاحظ بصوت لطيف.
" لم أتمكن من النوم..." قالت وهي تعيد نظراتها الى أولازم التي ما تزال تسجن أصبعها بين أصابعها:" أفتقد قطتي..."
حاولت تبني الدعابة الا انه لم يكن يبتسم، كانت نظراته العميقة و الرائعة تثبتها بنفس طريقة روكو اللعين... لهذا هما صديقين اليس كذلك؟؟ فهما متشابهين للغاية.
" خدي استراحة..."
قال للمربية التي سارعت بالاختفاء من المكان، التحكم في مشاعرها صار صعبا للغاية، ربما هي أوزلام التي تتطلع اليها بنظراتها الرائعة للغاية و كأنها تفهمها، أو ربما لأنها تعرف بأنها لن تتحمل أكثر بعد اليساندرو... انها تفتقد حنانه.
جلس بالقرب منها، شعرت بدفئه يلفها،و يبدو ان اوزلام ايضا احست به، اذ انها حولت عيناها لوالدها، هذه الطفلة تشبه دمية مصنوعة من غزل البنات و الحلوى، تفتح الشهية لإلتهامها.
" بالكاد أصدق أنك أصبحت أبا... "
" انا أيضا أحاول التكيف مع الوضع..." اعترف خوسيه بصوت مشحون من العاطفة:" كل يوم أغرم بها أكثر..."
حطت عليه دانيلا نظراتها لتتأمل ملامح وجهه الفخور:
" يجب أن تغرم بوالدتها أيضا كي يكتمل زواجك..."
لا يبدو أن ملاحظتها تروقه، أبقى عيناه للحظات على أوزلام ثم مد يده ليلامس بأصابعه الأنيقة خصلاتها الشقراء .لقد كان لديه ما يكفي من التجارب، ما يكفي ليتم اختزاله عن النموذج الأصلي الذي عاش بجانبه لسنوات، آيا ربما لا تحمل كل المقومات، لكنها تراها سيدة خوسيه مارتينيز عن جدارة، انها من اذكى النساء اللواتي التقتهن في حياتها، لكن و صيها يصر على البقاء في ماضيه هذا الواقع أكثر تعقيدًا!
" هل تنوين منحي درسا في الحب؟؟" سألها بنبرة ناعمة... خطرة..." أنت التي انقلبتي عن اليساندرو 180°؟ "
الوضع مختلف، لأنها و اليساندرو ليسا زوجا و زوجة و لم يفكرا يوما حتى في احتمالية ذلك، أو حتى الحصول على أطفال، علاقتهما بدأت بشكل غريب، هي أحبته منذ البداية، لاحقته، استفزته ثم حصلت منه عما تريد، منحها كل ما حلمت به من رجل، و كانت سعيدة للغاية مؤخرا... انهما منسجمين بشدة، وهو رجل حياتها.
" هل كنت تنوي في يوم ما اخباري عن قرابتنا؟؟" سألته مباشرة، متجاهلة ملاحظته.
انتهت قنينة الحليب، التقطها منها خوسيه ليضعها جانبا، رأته يضع ملاية قطنية على كتفه قبل أن يأخد منها أوزلام و يضعها عليه، كانت حركاته موزونة و حانية لدرجة أنها حسدت الصغيرة في هذه اللحظة:
" يجب أن تهضم حليبها كي لا تتقيأ..." شرح لها بينما يضرب بكياسة على ظهر الصغيرة.
" تتعلم بسرعة خيالية..."
ابتسم لها ابتسامة عريضة:
" أريد استغلال كل لحظة معهما..."
هل يلمح لمرضه؟؟ يجهل تماما كم تمنحه له الحياة من مدة، ان عاوده السرطان فتلك ستكون مصيبة حقيقة... المادو لم ينتظر أكثر ثلاثة أشهر كي يموت... يقال بأنه اصبح شبح نفسه في أيامه الأخيرة، آلامه كانت قوية لدرجة أنه طالب بالموت الرحيم... لكن القانون الاسباني يرفض هذا النوع من المزاولات فتم رفض طلبه.
" ذات يوم... و بالفستان الأبيض و الطرحة ستتأبط أوزلام ذراعك لتقودها الى المذبح نحو زوجها المستقبلي..."
" رباه... ياله من كابوس...لن أترك ابنتي لأحد... "
ضحكت دانيلا بخفث كي لا توقظ المادو بالرغم من ان غرفته في الجهة الأخرى من الجناح.
" تقول هذا بينما فعلت المستحيل لتزويجي؟!..."
اختفت تسلية خوسيه و بدى فجأة جديا:
" سأبقى ظالما في نظرك مهما قلت و فعلت هيه ؟؟ ..." لم ترد، تركته يهزهز قليلا الصغيرة التي نجحت في التشجؤ أخيرا:" سبق و شرحت لك بأن الشبه بينك و بين اليونور دفعني للشك و كنت تملكين نظراتي أيضا... كنت مرتعبا في أن أكتشف بأن الجميع كذب فقط كي أتزوج من الخطيبة التي أجبرني أبي عليها... ثم اتخذت الأمور سياقا مختلفا... الأرقام تشير بأننا على قرابة بالرغم من أنك لست ابنتي،... ثم... فهمت لما تم اختياري للوصاية... ورثت ثروة والدك التي كانت كبيرة، و لا أحد يمكنه الحفاظ عليها غيري، حاولت ما استطعت لأكون وصيا جيدا و ابن عم متفهما، لكنك بدأت تكبرين و تشبهين اليونور أكثر و أكثر... بدأت أراها في أحلامي ... المرض زاد من قلقي على مستقبلك... رغبت بتأمينه لك قبل أن أختفي.. لم يكن هناك مشروع آيا أو حتى التوأمين... حياتي كانت تتأرجح بينك و بين اليونور... عشت حياة فاخرة و مترفة، كنت محظوظا ماديا، لكن تعس للغاية من دونها... عذاب الضمير جعل أيامي جحيما..."
الفضول تمكن منها، أوزلام لا تنام، عادة تستسلم للنوم فور انتهائها من الرضاعة، يبدو ان صوت والدها فثنها، اذا انها كانت تتابع بعينيها كل حركات و تعابير وجهه.
" عذاب ضمير لأنك لم ترد على استثغاتتها؟؟"
" اسمعي دانيلا..." التقط نفسا عميقا:" أنا و الفونسو كنا قريبين في السن، كلانا فثن باليونور... عمي حينها وجد من المعيب مغازلة امرأة بينما نخطط للزواج من أخرى... أظن أنه كان يملك ضعفا اتجاه اليونور، ضعفا حقيقيا...لم يسامحني بعد ان وقع اختيارها علي و ليس عليه... المنافسة اصبحت ضارية بيننا"
" لم تخبرني لما يؤلمك ضميرك بعد!..." قالت بينما قلبها يضرب بعنف في صدرها.
"كنت حبيبا سيئا" بان بعض الاحراج في عينيه:" لم أتمكن من الوفاء ا..."
المفاجأة تمكنت منها، هي التي اعتقدت ان ما جمعه بها هو حب حقيقي بلا أي شوائب، رومانسيتها في هذه اللحظة احترقت و لم يعد يبقى منها سوى الرماد:
" عفوا؟؟ هل هذه مزحة؟؟"
" أصابني الغرور...كنا في منافسة حتى أمام المجلس الاداري الذي وضع شروطا حازمة ليضعوا حدا لعزوبية الفونسو... والدي لم يحب أبدا بحياة شقيقه العابثة، ضاف شروطا كي يجبره على الزواج سريعا من امرأة بقيمته الاجتماعية ان رغب بمنصب شقيقه في الرئاسة..و بالنسبة اليه... اليونور هي المناسبة... كان يستغل فضائحي ليضغط عليها كي تتركني، لكنها لم تفعل أبدا... لم تسألني حتى ان كان الأمر صحيحا... لقد كنت شابا جدا و عابث و لم أحبها في البداية كما حذث معي في سنوات علاقتنا الأخيرة... فهمت بأنها هي حقا من أريد... كانت تفهمني و تتحمل مزاجاتي و تساندني... ثم فجأة انتهى كل شيء... عندما قررت فسخ خطوبتي من خيتانا ... تزوجت هي من رجل آخر... شعرت بالذنب لأنني لم أكن كما تمنت كي تستبدلني في النهاية دون ان تعلمني حتى بالموضوع... كنت مجروحا لدرجة أنني محيتها كليا من عقلي و قلبي... لكن... عندما انتحرت... بدأت أرى الموضوع بنظرة مغايرة... أظن أن أهلها أجبروها على تركي... أو ربما أبي استفزها كي أتمكن من الزواج من خيتانا... لقد ماتت بسبب اهمالي... كانت تحبني كما لن تحبني امرأة طيلة عمري..."
انزلقت دمعة على خدها، اذن فألفونسو أحبها أيضا، و خوسيه كان سافلا و عابثا و زير نساء حتى في حياة المرأة التي رغب بالموت من أجلها؟ ماهذا التناقض بحق الجحيم...؟؟ هذا الرجل مختل عقليا.
" كيف يعقل أن نخون من نحب؟"
" كنت صغيرا جدا، عندما أرى نساء أخريات يمنحني هذا بعض الأمان ... بأنني مازلت المسيطر الوحيد على حريتي..."
" أريد فحسب فهمك..." وشوشت له:" فهل سأنجح...؟"
رأته يبحث عن ابنته بأصابعه، عشقه لها في كل حركة و لهفة:
" اخبرتك قصة شاب ظن بأنه سيوفق بين الحب و الوفاء ثم فشل..."
" عادة لم تتخلص منها حتى اليوم على ما يبدو" علّقت متهكمة.
" ليس ذنبي ان كنت مدلل أنثويا ...حسنا.. اعرف بأنها مشكلتي الكبيرة لكن اليونور غيرت شيئا بي و ظننت بأنني سأمنحها إستقلاليتي التي كلفتني الكثير"
" لهذا تراها في أحلامك؟ لأنك لم تحبها كفاية؟"
" بالطبع احببتها..." لا تبدو نبرته مقنعة بالمرّة، بدأت تشعر بالشفقة على هذا الرجل التائه المشاعر، المفقود، المعقد بألف عقدة و عقدة:" كانت حامل مني عندما ماتت..."
" لم تحبها حقا... قصتك سخيفة و تنقصها المصداقية... فلأكن صادقة معك، تأثرت اكثر لوضع الفونسو على الاقل هو رغب حقا الزواج بها، أنت كنت مخطوبا، عابثا، خائنا و رغم كل هذا اجبرتها على تقبل استهتارك الى أن تدمرت كليا... اين الحب في هذه القصة؟؟ تتعذب فقط لأفتراضية حملها منك؟!... حتى انك لست متأكدا !.."
رأت وجهه يشحب بشدة، هل بدأ يستوعب بأنه يتشبث بقصة خيالية لا أساس لها من الصحة؟ اليونور لم تكن اكثر من عشيقة امضى معها بعض الوقت، تماما كما فعل مع جوليانا و غيرها، يبدو أن تجارته مع الجنس الأكثر عدالة تقتصر على الأنشطة الجسدية على مدى قصير... ميول خوسيه الشديد للنساء معروف، انه الأكثر مجونا بين اصدقائه، زواجه لم يمنعه من الاستمرار في رؤية كل ما راقه منهن ، كانت علاقته بزوجته باردة، جليدية، تعسة، كل محاولات سيسيليا لم تنجح بدفع ابنها الوحيد لإنجاح زواجه و منحها حفيدا، بعد موت خيتانا تحرر ليزداد رصيده النسائي ارتفاعا، و لا يبدو ان الجميلة و الذكية آيا غيرت شيئا في الموضوع.. لسوء الحظ، يجهل خوسيه أي جوهرة بين يديه، ربما ينتبه للأمر عندما تلمع في رائحة رجل آخر:
" فقط لو تركت فرصة لألفونسو ...ربما تغيرت الأقدار أظنه أحبها أكثر منك" تركت مكانها و القت نظرة أخيرة على أوزلام التي اغمضت عينيها متأثرة بتأرجح والدها " لا توهم نفسك ... فأنت لست الضحية... هي وحدها الملامة، آمنت بعابث مثلك...أنت لم تستحقها كما لا تستحق آيا "
ثم غادرت المكان دون ان تظيف كلمة.
* * *
التوهان في هذا المكان تجربة مميزة، تفهم لما سياح الجزيرة يتكبدون كل هذه المعاناة للتجسس على المكان، السهرة التي بدأت بمفاجئة غير متوقعة انتهت أيضا بمواجهة سيئة مع صوفي و شقيقها، روكو مختلف تماما عن اليساندرو، من المستحيل وضعهما في نفس الكفة، لم يخب حدسها الأول، صاحب هذه القلعة ليس رجلا عاديا، كانت هالته و طاقته تسيطر على كل فرد منهم حتى النهاية، الأروقة تنفتح أمامها لتقودها الى أروقة أخرى، انتهت حقا بأن تفقد طريقها، بقيت حائرة أمام باب خشبي منقوش يدويا، كان مغريا للغاية لتفقد ما خلفه، أدارت أصابعها على المقبض و انفتح هذا الأخير على ما يشبه مكتب يعود لعصر النهضة الايطالية، لم تمنع نفسها من طلق تصفيرة اعجاب، اللوحات التي يفترض ان تعرض للناس في مدينة فلورانس الفنية توضع بعناية على الجذران، هزت عينيها نحو السقف المقعر، الفنان الجداري يعود بلا أدنى شك لعصور النهضة، ناومي تعشق بشدة الفن الايطالي، للاسف لم تأخد معها هاتفها لإلتقاط بضع صور.
اقتربت من المكتب الماهوجني، اذا كانت اللوحات تعود الى فترة مايكل آنجلو فهذا المكتب الكبير و المسطح من جميع الجوانب يعود لفترة لويس الخامس عشر.. قشرة خشب الورد من إطارات خشب البنفسج خير دليل.
" هل يمكنني مساعدتك؟؟"
وضعت يدها على قلبها بينما يخرجها من انبهارها صوت خشن و متجرد بالمرة من الدفئ، استدارت ناحية الصوت، بحق الشيطان، بينما تقتحم هذا المكتب لم تنتبه الى أن أحد المقاعد الجلدية الفخمة يجلس روكو ايميليانو، بلعت ريقها ببعض الصعوبة، أصبح حلقها جافا لدرجة انه يصعب عليها البلع:
" الفضول سيمة سيئة..." سمعت نفسها تقول.
" هذا بالضبط ما فكرت به بينما أراك تدخلين..." سمعته يقول ببرود، كان قد فك ربطة عنقه و فتح أزرار قميصه الأولى، يبدو وسيما لدرجة لا تصدق، ليست وسامة المجلات... بل بدائية رجولية تتنفس حتى آخر طرف.
رأته يترك مكانه، يهمل كأس الوسيكي الذي لم يتبقى منه سوى جرعة واحدة، كان يحط عليها تلك النظرات الغامضة التي تبناها معها ما ان اخبرته بأنها من المارشال.
" آسفة لأنني اقتحمت خلوتك..."
" تأخر الوقت عن الاعتذار..."
عادت لتبلع ريقها، حاولت الهروب من هجومه، بما انه تم ضبطها كلصة فمن الافضل استغلال الفرصة لتملئ عينيها بروعة المكان. عصر النهضة الإيطالية فترة تغير ثقافي كبير في أوروبا امتدت من نهاية القرن الرابع عشر حتى بداية القرن السادس عشر ، تطلعت الى لوحة العذراء قرب جبال عارية مع مجموعة أوفياء، كل هذه التفاصيل رائعة:
" نسخة رائعة من Botticelli"
" ليست نسخة مقلدة... انها أصلية..."
شعرت و كأن السقف يسقط على رأسها، اتسعت عيناها من الذهول:
" تقصد... كل هذه المجموعة أصلية؟؟"
"منذ وصول فرانسوا سفورزا إلى السلطة وهذه المجموعة ملك عائلتي..."
هزت عينيها نحو اللوحات الزيتية مجددا، تبحث عن الأسماء المعروفة بنهم، الدم تجمد في دمها بينما تكتشف أكثر الاسماء شهرة، هذه المجموعة تساوي ثروة لا تقدر بمال، لو عرف اللوفر بهذا الشأن لرفعت باريس قضية ضد الايميليانو.
ثم كان هناك لوحة مختلفة خلف المكتب تماما، في البداية ضنت أنها تهلوس، بقيت متصلبة أمام الملامح المألوفة بشدة، وسامة بدائية، نظرات زرقاء غامضة، هبة غريبة، شعرت بروكو ورائها، أنفاسه على أذنها تماما:
" هذا ما أتى بك الى هنا اليس كذلك؟؟."
استدارت نحوه لتضع بينهما مسافة، شعرت اللحظة بأنها ضحية فخ ما.
" من هو؟؟"
" القائد العظيم Yannis Santo Davis Emiliano..." ظهر تعبير متهكم في عمق عينيه القاتمتين:" والدي..."
مستحيل... اتسعت عينيها من الهلع وعادت تحملق للوحة التي تثبتها بدورها و كأنها تسخر منها، هل هي ضحية كامرا خفية سخيفة؟؟ :
" انه صورة مطابقة لـ....لـــ....لكيليان..."
بدأ ينظر اليها و كأنه ينتظر منها كلام آخر، لا تفهم بالضبط ما ينتظره منها، لكنها لم تعد تشعر بالأمان معه، تريد الرحيل من هنا...الخوف جمدها لدرجة انها نسيت تماما طريقة الكلام:
" تظنيني غبيا كي لا ألاحظ في لعبتك الصغيرة؟؟" نبرته الايطالية طغت على انجليزيته:" مالذي يريده كيليان من مكتبي؟؟ مالذي يخطط له مجددا هذه المرّة؟؟ يعرف بأنني قادر على اخراجه من جحره الحقير..."
جحطت عيناها أكثر، لم تستوعب كلمة مما يقوله، هذه الصورة و اتهامات هذا الرجل لها بالتسلل و التجسس، هي التي ما ان وضعت رجليها أرض هذه القلعة و هي تشعر بأنها أليس في بلاد العجائب.
" عما تتكلم؟؟"
بدى السأم على ملامحه النبيلة، كما انه لا يبدو يمزح معها، كانت نظراته قاسية، صلبة، قوية و عازمة للغاية، خطت خطوة الى الوراء الا انه تمكن من الامساك بمعصمها و اعادتها الى مكانها:
" ادعائك البراءة أمر سخيف للغاية..."
" أقسم لك لا أعرف عما تتكلم..." القت نظرة عن معصمها:" أنت تؤلمني أتركني من فضلك..."
خفف قبضته لكنه لم يتركها، أبقى نظراته المتفحصة عليها مثل السكانير، شعرت بأنها ستموت من الرعب:
" كيليان من أرسلك الى بيتي؟؟ لما يريد ابعاد صوفي عن البيت؟؟ هل يخطط لإختطافها هي الأخرى كما اختطف خطيبتي؟؟"
هذه المرة لم تعد قادرة على السيطرة على ارتجافها، مالذي يقوله هذا الرجل؟ كيليان الهادئ ... الرزين .. الذي لا يتكلم كثيرا...رجل الاعمال الذكي جدا و الناجح و الاب المثالي لأوكتافيا:
" أظنك تخطئ الشخص... لا نتكلم عن الرجل نفسه"
ظهرت ابتسامة سيئة في زاوية فمه:
" كيليان ارشيبالد... زوج شقيقتك ايموجين، ابنتهما أوكتافيا، هل تكتفين بهذا أم أعطيك أيضا شجرة عائلتك؟؟"
انه لا يمزح،لا توجد كامرات و لا طاقم تصوير، الأمر لا يتعلق بكامرا خفية اذن؟... هذا الرجل القوي غاضب، بل هو هائج و هي السبب، عادت تحط عينيها على صورة من يسميه بوالده، انه كيليان في حقبة أخرى، بتصوير كلاسيكي أكثر، لكنه هو، انه ينتمي لهذا الرجل... لهذه العائلة... مهما يكن نوع الأسباب التي تدفع هذا الرجل في مهاجمتها، الا أن هناك قصة حقيقية و خطرة وراء الموضوع، تعلمت على ان تكون واقعية و منطقية و قوية، لقد حاربت السمنة و كاندي الحمقاء لتصبح ما هي عليه اليوم، وهذا الرجل يظنها مذنبة بشيء لا علاقة لها به.
" نحن هنا لأنك قمت بدعوتنا!..."
" انتم هنا لأن دافيد ريتشي اقترح رؤية شقيقتي... ربما استعملته للوصول الى صقلية ثم الى بيتي، لن أغفر هذا الاهمال لنفسي، عادة اتقصى عن الزوار قبل السماح لهم بدخول حميميتي..."
لمعت فكرة في رأسها:
" لو كنت جاسوسة كيليان...فلست غبية كي أعطيك اسمي الحقيقي الا تظن؟؟ سيد ايميليانو... أؤكد لك هناك خلل في الموضوع... هل يمكنك ترك معصمي والهدوء قليلا كي يفهم كلينا حقيقة الوضع؟؟"
بدى و كأنه يتمعن جديا في كلامها، و ربما يجده منطقيا... كيليان ارشيبالد الغامض غموض لا حل له، انه ابن جاك ارشيبالد، هذا كل ما تعرفه عائلتها عن رجل يكره اظهار وجهه للصحافة، تركتها أصابع الصقلي رويدا الى أن حررتها، فركت معصمها دون ان تفارق عيناه لحظة واحدة، كانت تريد أن تفهم الكثير من الأمور:
" أخرجي من هنا..."
أمرها بصوت جليدي، لكنها لا تنوي الرحيل، ان رحلت فلن تفهم كل ما يحصل معها الليلة، بدءا من أنخيل أوسيانو الى كيليان أرشيبالد...
" لما تظن أنني أتجسس على عائلتك أو اساهم في خطط خطف صوفي؟؟" هزت عينيها نحو اللوحة الغريبة على الحائط:" ما علاقة نسيبي بوالدك؟؟ "
لم يرد روكو، بقي يحملق لها بنظراته الذكية و الداهية، يقيمها أكثر و يتفرس فيها كمن ينوي بلعها قريبا، ترغب أن تفهم ردة فعله العنيفة نحوها، لك لا يبدو أنه ينوي الكلام بعد أن أمرها بحزم بإخلاء مكتبه، ان ظن بأنه يتخلص منها بهذه الطريقة دون أن يشرح لها موقفه منها فهو واهم:
" تتهمني بالتجسس لصالح زوج شقيقتي... و أجد أنجيل أوسيانو من ظمن موظفيك، الحقيقة هي انك من استعملني للحصول على معلومات قبل أشهر اليس كذلك؟؟ "
كل شيء واضح لا محالة، لقائها بأنخيل لم يكن مصادفة، بين هذا الرجل و كيليان حسابات، قبل اشهر ظنت أن اعجاب من النظرة جرفها مع رجل استثنائي، لا شيء كان طبيعيا اذن... انه يعمل لصالح هذا الرجل...
" من هو أنخيل أوسيانو... عما تتكلمين؟؟" سألها بهدوء.
" الرجل الذي كان بجانبك عندما وصلنا..." شرحت بغصة:" أنت من يدعي البراءة اللحظة..."
رأت عاصفة قادمة في عينيه:
" سانتياغو؟؟ خافيير؟؟ "
" الاسباني..."
" لا أحد منهما اسباني..." شرح لها ببعض الحدة.
لا يبدو بأنه يستمتع بهذه الأحجية، لا يمكن ان يكون بريئا أيضا... لا يعقل أن يكون كل هذا مصادفة:
" صاحب النظرات الرمادية..."
" خافيير ..." قال لها:" تقصدين خافيير ميندوزا؟"
" يعمل لديك و أنت تعرفه أفضل مني..."
هز حاجبه، بدى فجأة مهتما بالموضوع:
" أعرف بأنه لا يدعى أنخيل أوسيانو على الأقل... "
يبدو صادقا... ربما لا علاقة لهذا الرجل بما حذث بينها و بين السافل قبل أشهر.
"انه متعدد الهوايات على ما يبدو... محترف التنكر... طريقته الجميلة لاستمالة الفتيات الصغيرات و الساذجات مثلي" التقطت أنفاسها لتبعد عنها غصة في حلقها:" هل ستفهمني ما علاقة كيليان بوالدك؟؟ و لما قام بإختطاف خطيبتك؟؟ و لما تعتقد أنه ينوي مجددا الحاق الاذى بعائلتك؟؟"
أغرق نظراته القاتمة في عينيها و اقترب منها الى أن شعرت به مهيمنا و مسيطرا مجددا، مد يده نحو خصلة من شعرها لكنه لم يلمسها، كان فحسب يجرب قوته عليها كي يرعبها أكثر:
" اطرحي أسئلتك على نسيبك مباشرة جميلتي... سأمنحك حتى الغد كي تختفي من الجزيرة و الا تعودي اليها مجددا ، أفراد عائلة ذلك الرجل غير مرحب بهم هنا..."قوة هذه الكلمات دفعت ساقيها للوراء، لا تتذكر في كل حياتها ان كانت مرتعبة كما هذه اللحظة، من المستحيل أن يكون هذا المخلوق المريب شقيق اليساندرو... " اختفي من هنا... فورا"
هذه المرة تركت جرأتها جانبا و استجابت لأمره الجليدي، وجدت نفسها تجري بكل قواها في الأروقة التي أشعلت خيالها و تجدها الأن مظلمة و على استعداد للانقضاض عليها، عندما وصلت أخيرا الى أصدقائها الذين كانوا يمضون وقتا رائعا عكسها، أدركت من تعابير وجوههم بأن منظرها مرعب:
" ما بك؟؟ تبدين شاحبة كالأموات..." سألها دافيد بتقطيبة عميقة وهو يترك مكانه ليقف و يمسك بذراعها.
" أريد الرحيل من هنا... على الفور.."
دون ان تنتظر ردهم التقطت حقيبة يدها و سبقتهم الى الخارج.... لكن أنخيل أوسيانو لم يكن هناك.
* * *
فلم في التلفزيون، نار في قلب المدفئة، جسدين ملتصقين بحميمية على الكنبة، هذا ما استقبل خافيير بينما يدفع باب منزل توأمه... حلمه شخصيا في مزرعة عمل جاهذا لشرائها، و منعته الانتربول بأخد تقاعده اللعين، انه يحسد هناء اليخاندرو، هذا الأخير ادار رأسه نحوه، كانت بيانكا تنام على صدره، هي الأخرى هزت نحوه ابتسامة شاسعة:
" مساء الخير خافيير..."
القى نظرة على ساعة يده:
" صباح الخير عزيزتي..."
تقدم نحوهما، شعر بيانكا الغزير و الجميل متكوم على صدر شقيقه، كانت تجسد كل ما يرغبه رجل في امرأة، يفهم لما أفقدت اليخاندرو رأسه.
" أسف ان أفسدت سهرتكما... لن تشعرا بوجودي أعدكما..."إنحنى ليلتقط يدها و يضع عليها قبلة" أعيش على أمل أن تغيري رئيك و تتزوجيني بدلا منه..."
اتسعت ابتسامتها أكثر:
" ستنتظر طويلا جدا اذن..."
ترك يدها و غمز لها:
" لن أنتظر طويلا... ستكتشفين بأنه ممل المعشر حتى قبل أن تتزوجيه..."
" لما لم تمضي ليلتك اللعينة في القلعة؟؟" تدخل اليخاندرو وهو يرمقه ببرود:" الم تجد من تزعجه و قررت افساد مزاجي مجددا؟؟"
" أنت لست بحاجة لذريعة كي يفسد مزاجك ما ان تسقط نظراتك علي" ابتسم مجددا لبيانكا التي تعشق بشدة هذه المشاذات بينهما، ذهب الى المطبخ و التقط قنينة ويسكي:" سأترككما و شأنكما... توقف عن النظر الي بهذه الطريقة فلن تتأخر بإضرام النار في..."
بلع ابتسامته القسرية ما ان اصبح بعيدا عنهما، رغم برودة الجو الا انه بحاجة ماسة للهواء خارجا، جو الحب و الرومانسية في الداخل يزيد فحسب من اختناقه و خيبته.
ناومي في صقلية........ بحق الجحيم....... من كان يتخيل.؟
تذمر على مضض بينما يغلق مجددا باب عش الحب و يجلس على العتبة الجليدية، في تلك اللحظة... عندما تعرف عليها حتى قبل أن تتعرف عليه هي، ذاكرته النشطة التقطت فورا كل التفاصيل الصغيرة التي جعلتها مميزة جدا ... مميزة لدرجة دفعته للهرب.
حياته ليست لقصص الحب السخيفة...
و ناومي... في تلك العبّارة ... ما ان حطت عيناها البنفسجية عليه حتى ظهر كيوبيد اللعين من ورائها و أرسل سهمه الغبي الى قلبه.
لقد أمضى... أشهره الأخيرة، بأيامها... ساعاتها... دقائقها... ثوانها يحاول أن يقنع نفسه بأنه أحسن صنعا بعدم الذهاب لموعدهما ذلك المساء.
في الحقيقة... لقد ذهب لموعدهما.. رآها جالسة على الطاولة المحجوزة سلفا لعشاء لشخصين... هو بقي بعيدا يراقبها... حماستها التي تحولت الى عصبية، ثم الى خيبة و غضب... بقيت هناك ... الى أن دقت الساعة معلنة عن منتصف الليل...
عاد منظر الركاب وهم يكدحون على سطح السفينة بهواتفهم الذكية يلتقطون صورة للشاطئ وبرج Coit و جزيرة الملاك وسجن الكاتراز الذي يقترب رويدا.
لم يكن في اجازة... آه كلا... كان مع موعد عمل... تحول لموعد قدر، التقط الصور المطلوبة منه لاثبات ان ماريو دوغلاس ما يزال على قيد الحياه، هذا الرجل الذي يقف قرب شقراء فاثنة تدير الرؤوس، كان لا يفارقه بعينيه و يعطي الاشارة لبقية الفريق، ثم التقت نظراته بها، في تلك اللحظة التي اعتقدت ناومي بأنه يلاحقها هي و ليس جاسوس مختفي منذ عدة اشهر.
ثم انتبه الى ذلك اللون الغريب في عينيها... و فُقِدَ ببساطة.
لم تكن مسألة وقت لطيف مع امرأة في احد فنادق المدينة، ناومي ابتسمت له.. و ادرك بأنها ستكون أكثر من متعة ليلة.ابتسامتها جعلته محموما.
شق طريقه من خلال الحشد الذي يميل على الجانبين للتمعن في مياه البحر المضطربة. أبتعد قليلا على الجسر و اصبح امامها ، بنفس الوقت يمكنه الحصول على رؤية شاملة لماريو دوغلاس، كان مضطربا للغاية و كأنه ينتظر بفارغ الصبر ان تنهي العبارة رحلتها، و كأنه يشعر بأنه مُراقب:
" نظراتك احرقت كل مركباتي الجينية"
" يمكننا طلب المساعدة من خفر السواحل..." اجابت ببعض الجفاف دون ان تخفي تسليتها.
" يصدمك ان أكون مباشر؟"
" منعني والدي من التكلم مع الغرباء!"
ابتسم لها، راقب الحمرة الناعمة تغمر خديها، ثم مد يده نحوها:
" أنخيلو أوسيانو"
أطبقت اصابعها الانيقة على يده:
" ناومي مارشال..."
في ميناء سان فرانسيسكو في كاليفورنيا ... تحديدا في غرب الولايات المتحدة...أصابته حالة عشق رهيبة.. فهرب كالجبان لأنه لم يكن أهلا لما انقشع أمامه.
انفتح الباب خلفه، بعد لحظة راقب اليخاندرو يجلس بجانبه، راقب وجهه يقطع في العتمة، تردد الى مسامعه clik لفتح قنينة بيرة.
" الأرض صلبة، كيف تتحمل مؤخرتك المسكينة هذه القسوة؟؟" تمتم شقيقه.
شرب من قنينته وهز عينيه نحو السماء المظلمة:
" ستجد من يمسدها لك ان تورمت!..."
ضحك اليخاندرو بخفث، بقيا للحظات يستمتعان بصمت الليل و هدوئه، الويسكي يشعل النار في شرايينه:
" كل شيء على ما يرام في القلعة؟؟" سمع شقيقه يلقي بسؤاله القلق أخيرا.
" توقف عن التصرف و كأنك أمي..."
" مزاجك سيء... أعرف متى تحاول ايهامي بإبتسامتك الصفراء... مالذي يحذث؟؟ هل تشاجرت مجددا مع روكو؟؟ "
" ظروف العمل جيدة لا تسألني مجددا بهذا الشأن..." ارتشف من مشروبه:" صديقك أكبر من أن يستسلم لإستفزازاتي... "
شعر بإبتسامته و لم يرها، اليخاندرو يذوب مثل امرأة عندما يلمح الى أحد من أصدقائه... الوفاء بينهم رائع و يستحق التقدير:
" هناك ما انوي اخد رئيك به... " أعاد اهتمامه الى شقيقه الذي يبدو جديا:" أعرف بأنك رجل ميدان خافيير، طالما كنت كذلك... منذ طفولتنا و أنت تحب الحرية و تعشق المعارك بكل أنواعها، العمل عند روكو فكرة سيئة و منذ البداية، فكرت بمشروع لك... شركة أمن خاصة، تكون جميع أنشطتها مكرسة فقط لتطوير وتنفيذ أفضل تدابير الحماية المباشرة من أجل ضمان أمن الأشخاص الخاضعين للحماية بشكل فعال حتى حماية أصولهم وسمعتهم والمعلومات الحساسة الخاص...من الخدمة القصيرة إلى المهام الطويلة الأجل .. يمكنك ادارة حراسًا محترفين متخصصين يتم تعيينهم خصيصًا لكل نوع من المواقف... أظنك تملك الخبرة الكافية لتضمن جودة الخدمة والراحة التي لا تشوبها شائبة.. أنا أتكفل بالماديات... سأعطيك رأس المال..."
سخائه تركه بلا صوت، يعترف بأنها فكرة لامعة و رائعة، هو الذي امضى حياته في المغامرات الخطرة و الامنتهية يعرف جيدا كيف يدير شركة مماثلة بقبضة من حديد:
" هل ستبحث لي ايضا عن أميرة أتزوجها؟؟ امرأة جميلة مثل بيانكا لكن بحلة شقراء!..."
" خافيير..." تذمر اليخاندرو:" هل يمكن أن تكون جادا أرجوك؟؟"
" أنا جاد..." أجاب وهو يهز كتفيه :" أنا مرهق من المغامرات اليخاندرو... أريد عيش حياة طبيعية مع امرأة و الاهتمام بالحيوانات و الأحصنة... تماما كما هي مهمة راعي بقر!... امتفيت من حمل الأسلحة"
يبدو أن اليخاندرو تفاجئ من هذا التصريح:
" راعي بقر؟؟ واو... أراك مناسبا للمهمة...."
ابتسم خافيير و اردف بفخر :
" أملك مزرعة في التكساس، تحتاج لبعض التعديلات لكنها مناسبة لتأسيس أسرة..."
" أنت بصدد تحقيق حلم أمي..."
من المصائب و الالم تتكون شخصية المرء، ملاحظة توأمه فتحت جروحا يتجاهلها بإستمرار، لقد امضى حياته متمردا لأن استعاب صدمة طفولته فوق طاقة تحمله، و لليوم يرفض حمل عبء الماضي، مازال جبانا ليتقبل الموضوع مثل اليخاندرو الذي مجّد اسم سفانا... مازال يشعر بالعار و الذنب لما حذث لوالدته، لم يتمكن من انقاذها من بطش والده... هل سيأتي اليوم الذي يتخلص من هذا الغضب؟؟
في عمر العاشرة كان يقوم بالمهام البشعة لـ'خوليو سانشيز' أكبر تاجر مخدرات في كارولينا الشمالية، لقد تبناه ليصبح مجرما، وهو كان مستعدا ليصبح خارج قانون، قلقه المتزايد على توأمه لم يصلح شيئا من نفسيته المتدمرة، في الثانية عشر تم القبض عليه لأنه أشطر طفل مخدرات، الشرطة لم تتمكن منه رغم السنوات و خوليو كان فخورا به، بإمكانه التغلب على صبية أكبر منه، كان يملك من العنف و القوة ما يثير شهية رئيسه، لكنه أمضى سنوات في مركز خاص، تمكن من الفرار مرتين، جن جنون الجميع بحيله و ذكائه الخبيث، لكن قدره تغير عندما اهتمت به مجموعة سرية، جعلوه مقاتلا و استغلو هذه الطاقة لمصالحهم، وهو ممتن لأنه وجد نفسه عميلا و ليس مجرما في النهاية، أمضى كل حياته في خدمة العدالة، انتمى الى قوات عدة الى أن التحق بالانتربول في النهاية، و ينوي ان تكون آخر انتمائاته... يريد عائلته الخاصة بحق الجحيم... يريد أن يتزوج بشقراء و الحصول على أطفال لطفاء مثل شقيقه و ليس مثله.
" كيف عرفت بأن بيانكا هي المرأة المناسبة؟؟ّ"
لابد ان اليخاندرو لم يكن يتوقع هذا السؤال، لسيما أن عرضه مغريا و يستحق التفكير فيه.
" لا أدري... عرفتها و هي صغيرة جدا... كانت في الخامسة عشر..."
كشر خافيير:
" ياللهول..."
ضحك توأمه مجددا بنعومة:
" لم أغريها في ذلك العمر خافيير رباه هل فقدت رشدك؟؟؟ مع الوقت تطورت صداقتنا بسبب مرضها... بيانكا تعاني من القصور الكلوي... رأيتها شجاعة جدا... تقاوم بشدة... لا تتذمر من الألم...أجهل متى أغرمت بها
"شجاعة مثل سفانا..." خرجت الملاحظة دون ان يتحكم بها.
ملامح شقيقه أشعرته بالندم:
" أمنعك من هذا التشبيه الغير عادل... "
" انها تشبه أمي..."لم يجد ما يقوله شقيقه، راه يفتح فمه عدة مرّات ليعلق بشي دون جدوى:" أظنني أحبها لهذا الشبه أيضا... "
" كيف تنجح بأن تكون جارحا على الدوام ؟؟" سأله بغصة، يبدو أنه نجح بإيذائه.
" لا تحب أن نرمي بالحقيقة في وجهك؟؟ هل كلمت طبيبك النفسي عن هذا الشبه؟؟ "
بقيا يتواجهان كثورين ينويان التناطع قريبا.
" ان كانت هي تشبه أمي، فأنت تشبه أبي خافيير... أنت منعدم الضمير و جارح مثله..." هذه الملاحظة أوجعته أكثر مما تمنى، رباه... انتبه اللحظة بأن عينا اليخاندرو ممتلئتين بدموع اليأس و الغضب:" لم يكن خطئنا بحق الجحيم لما تحسسني في كل مرة بأنه لا حق لنا بعيش حياة طبيعية؟؟ ليس من حقي أن انجدب لسمراء فقط لأن سفانا كانت كذلك؟؟ انت من يجب أن يرى طبيبا خافيير... لم تتصالح مع نفسك بعد، لا تنوي التصالح معها يوما... أحب بيانكا لأنها امرأة حياتي... اكتفيت من الماضي و تصالحت معه منذ زمن... افعل الشيء نفسه فربما ستجد السلام ذات يوم..."
لا يطيق هذه المناقشة، ترك مكانه مع زجاجة فارغة و قصد سيارته القديمة، اليخاندرو في أعقابه، منعه من الابتعاد:
" افرغت نصف زجاجة ويسكي الى أين تنوي الذهاب بحق الجحيم؟؟"
" لما لا تهتم بحبيبتك الجميلة و تتركني و شأني.؟؟"
" مازالت ردود أفعالك نفسها و لم تتغير..." علق اليخاندرو بقسوة:" عندما كنا طفلين تقوم بضرب رأسك في الحائط الى أن تنزف فقط لتهرب من موضوع سفانا..."
" لا يمكنك الفهم..."
" تستمر بالشعور بالذنب لأنه بإعتقادك حمايتها اعتمد عليك؟؟ كنت في التاسعة فقط من عمرك خافيير لم تكن مسؤولا عليها أو على غيرها ..."
" أنت تعشق الدراما و مازلت تظن نفسك قادرا على انقاذ البشرية و انقاذي معها..."
" فقط لو أستطيع انقاذك..." الحزن أثقل هذه الكلمات المتألمة:" فقط لو تسمح لي بمساعدتك أخي..."
لا يرغب بسماع المزيد، استجابت السيارة له و انطلق مبتعدا، في الزجاج الداخلي تراى له اليخاندرو متجمد مكانه، انه يعيش حياة هادئة مع امرأة لطيفة و تحبه، لما تختار الانتربول اقحامه في حياته؟؟ هو الذي طالما تفاداه لأنه يعرف بأنهما مختلفين رغم تشابههما الجسماني الشديد، مهمته الأصلية في صقلية ليس لكشف النقاب عن روكو ايميليانو، بل لمواجهة شرسة مع ماضي أصر على دفنه للابد.
مزرعة روبيرتو ريتشي في حدود كاتانيا، يحدها البحر، ناومي تقيم هنا مع صديقاتها، بينما دافيد ريتشي يقيم عند شقيقته،هذا بالضبط ما سمعه من روكو ايميليانو، المزرعة شاسعة، هناك طاقم حراسة تقليدي و ليس المجموعة الخاصة التي يتمتع بها الايميليانو، التسلل الى الداخل لم يكن صعبا، احترف التسلل منذ نعومة أظافره.
ربما الأراضي شاسعة لكن البناية كلاسيكية، كل غرف النوم في الطابق العلوي، يمكنه حتى ايجاد ناومي بتعقب رائحة عطرها، مازال يحفظه عن ظهر قلب، مزيج من الياسمين و الفانيلا و الحلوى.
توقف عندما التقطت مسامعه أصوات نسائية من الشرفة الغير بعيدة عن الغرفة التي يعتقد انها لناومي، مازالت الفتيات مستيقظات، القى نظرة، كانت ناومي في بيجاما صوفية بينما صديقاتها في لانجري أكثر أنثوية، حط نظراته عليها كما فعل طيلة وجودها في قلعة الايميليانو... مازالت رائعة كما في ذاكرته...
" قمت بنقل هويته إلى مكتب المنصة ، للتحقق مما إذا كانت هناك تذكرة بهذا الاسم وما إذا كان قد استقل المركب... لا يوجد شخص اسمه أنخيل أوسلانو... لا أفهم لما كذب علي بتلك الطريقة؟؟ "
أغمض خافيير عينيه و استنذ برأسه على الحائط، من حيث هو من المستحيل أن تلاحظه الفتيات، لكنه يحصل على رؤية شاملة للوجع المرتسم على وجهها.
" اسمه خافيير ميندوزا... انه مكسيكي و ليس اسباني... حتى أنه كان يملك لكنة اسبانية بحق الجحيم لكن كيف نجح بإيهامي بالعكس؟؟ انه حقا موهوب..."
" لما لا تنسي الموضوع برمته هيه؟؟" سمع صوت صديقتها، لا يعرف من منهما تتكلم:" هذه القصة مضى عليها أشهر و تغيرت الأمور منذ ذلك الوقت... اليوم هذفك هو دافيد... كلنا لاحظنا الطريقة التي ينظر اليك بها..."
دافيد؟؟ دافيد ريتشي؟؟ لسخافته شعر بشعور مؤلم يلوي معدته:
" هل أذكرك بأنك كنت مغرمة به منذ... دعيني أخمن... منذ أن ولدتي؟؟" علقت العاهرة الثانية
بدأ يشعر بالنار تتآكله و تسلبه صبره... هل هو الويسكي؟؟ أم هو غبائه..؟؟ الم يتركها ترحل بباسطة؟؟ ليس في وضع يسمح له بالتذمر مطلقا... حتى وجوده هنا سخيف للغاية... ناومي الشقراء الوحيد التي حركت شيئا لعينا في ذاخله... لقد وقع في الحب بشوارع سان فرانسيسكو، تعمد ترك تلك المشاعر معها في تلك المدينة و أقنع نفسه مع الوقت بأنه أحسن صنعا... كل ما يشعره بالضعف يدفعه للفرار، يكره تلك الهشاشه التي أحس بها معها... لو احترم كلمته و التحق بها في ذلك المطعم تلك الليلة ربما كان قد طلبها للزواج أيضا... الأمور كانت عاجلة في ذاخله لدرجة دفعته للفرار... يمكنه مواجهة أشرس أباطرة المخدرات في العالم لكن الخوف أثلف أعصابه أمامها هي.
" طالما أحببت دافيد... انه حب مراهقتي أنا عاطفية وهو جنسي" سمع صوت ناومي متأثرا:" شيئا ما حذث بيني و بين أنخيل ذلك اليوم... أعرف أعرف... أعود لأتكلم عنه لأن الموضوع خارج سيطرتي...أعجز عن التفسير ... كأن ثمة روابط... ثمة خيوط غير مرئية تشدنا... شيء حقا استثنائي انفجر بقوة بيننا... أو ربما هذا ما شعرته رومانسية حمقاء مثلي ..."
ليس وحدك... هذا بالضبط ما جعلني أهرب كالجبان... فكر خافيير بمرارة... التعلق بفتاة بينما كل حياته انجازات خطرة، لم يكن مستعدا للحب الكبير الذي جائه في رحلة قارب قصيرة...
" انسي الموضوع ناومي... لقد اخفى هويته عنك و بالاضافة لم يكن واضحا ايضا... لا تنسى أننا في ايطاليا مع الوسيم جدا ريتشي، و غدا...مع القليل من الحظ ستنهين الليلة في سريره..."
العاهرة رقم 2 من تكلم اللحظة، لم تصله اجابة ناومي، مد عنقه لينظر اليها، كانت ابتسامتها مترددة، و كأنها تعيد الموضوع جديا في رأسها، كم يرغب بالاقتراب منها و تقديم اعتذاره، بأنه كان سافلا و ان تغيير هويته من عادة عمله اللعين، لسيما وقد التقت طريقيهما وهو في مهمة سرية وفي غاية الخطورة ايضا.
عندما قررت الفتيات انهاء سهرتهن و التحاق كل منهن الى غرفتها، كان بإنتظار ناومي عندما دخلت غرفتها، تعرفت عليه ما ان انتصب أمامها، قبل أن تبدي أي رد فعل وضع يده على فمها كي يمنعها من الصراخ، كانت عيناها متسعتين الى آخرهما:
" اهدئي..." مفاجأة الناس بهذه الطريقة صار جزءًا تقريبًا من مركباته الجينية:" ناومي الجميلة... أنا هنا لنتكلم... "
الاشارات التي يرسلها جسدها كفيلة بأن تحذره بأنها لا تنوي منحه فرصة الكلام، كانت متصلبة، ترتجف من الرعب و القلق، لم يترك فمها الى بعد أن شعر بها تستعيد هدوئها رويدا، صدمتها انقضت شيئا فشيئا، سحب اصابعه عن شفاهها، كانت تتطلع اليه بمزيج من المشاعر التي يصعب عليه تحليلها:
" هذه الجزيرة التعسة... أقسم الا أعود اليها مجددا..."
ضربته على كتفه لكنه لم يتحرك من أمامها، عاد نفس الاحساس للاشتعال بينهما مجددا، الأشهر لم تغير شيئا مما يدفع أحدهما للأخر، وضع يده على خدها المشتعل، تركته يفعل:
" اسمي خافيير ميندوزا... كنت في مهمة ذلك اليوم و لم اتمكن من منحك اسمي الحقيقي..."
" بحتث عنك في كل مكان..." وشوشت بخيبة:" كنت في مهمة لروكو ايمليانو؟؟"
" كنت أعمل لدى شخص غيره... اقامتي في الجزيرة ليست بالطويلة..." كان ملمس بشرتها ناعم جدا تحت أصابعه:" لم أنساك ناومي.... أبدا"
كانت مترددة بين تصديقه أو رميه من الشرفة بالتأكيد، نظراتها الفريدة من نوعها تنظران اليه بحذر، بدت حقا ممزقة بين خيارين و يبدو انها قررت عدم تصديقه في النهاية:
" من الأفضل أن ترحل من هنا..." جاء صوتها أقل ثقة:" لم تعد تبريراتك مهمة..."
"ناومي.."
" أرجوك لا تلمسني..." قالت وهي تبتعد الى الخلف:" هناك شيء غريب يحذث بيننا و لا يمكنني شرحه بالكلمات... أظن أنني أفضلك خارج محيطي بالنهاية!"
صراحتها كالأطفال و هذا بالضبط ما أعجبه فيها منذ البداية، ناومي صاحبة مزاج رائع للغاية، ميالة للضحك و الفكاهة، صفتين يعشقهما في امرأة، انه سافل و لا يستحق مطلقا تنازلها، لكنه لا ينوي ترك الفرصة الأخيرة التي تمنحها له الحياة... لما صقلية؟ في بيت روكو ايميليانو؟!... هذه المرأة هي من يحلم حقا الاستيقاض بجانبها كل صباح... فهل سيكون من الجرأة بالا تخذله مشاعره مجددا و يقوم بالهرب من محيطها؟
" اذهب أنخيل... أقصد... خافيير أو مهما كان إسمك..."
كانت متوثرة، حساسة لوجوده، قام بالنظر إليها بعناية و تعرف على الضباب في عينيها... الرطوبة... الرغبة... تريده بقدر ما يريدها... كما أرادها في سان فرانسيسكو.
" راقبتك لساعات على طاولة ذلك المطعم في fisherman's wharf كنت ترتدين فستان أزرق... تخفين كل النساء من حولك..."
" لما لم تأتي؟؟" سألته بغصة اتهامية.
"أصبت بالذعر..." أعترف ببساطة" الأمر كان.. شديد الكثافة و العمق...لم أكن مهيئا له"
كانت تتطلع اليه بينما فمها الجميل يتوقف في O كبيرة، تحاول استعاب هذا السر الذي لم يفقه له شخصيا سوى بعد شهر من التعذيب النفسي، لم يكن صعبا ايجادها، ناومي الفاثنة هي سيدة أعمال ناجحة، ابنة نيويورك عن جذارة، مهندسة ديكور ووالدها يتشرح ليصبح سياسيا، كان من السهل التواصل، من الصعب تقبل ما سيعقب، عيش الرفض و ربما السخرية، لقد أذلها، تركها خلفه بينما انتظرته لساعات حتى منتصف الليل، مسح على شعرها الأشقر الناعم، انزلقت نظراته على ملامحها الجميلة لتتوقف عند هذه الشفاه التي تذوقها بشراهة فيما مضى:
" أريد تقبيلك..."
" كي ترحل بعدها؟..." سألته بلكنة حادة:" مثل لص... مثل متخفي هارب من العداله...مثل ..."
لم يتركها تتمم كلامها،أمسك فكها بقوة بأصابعه و دفع رأسها للوراء قبل أن يحصل على ما تنوي منعه منه، انها تترثر كثيرا عندما تكون عصبيىة، شعر باندفاع الحرارة في رأسه بينما يلتقي بشفاهها الممتلئة،
الصمت الذي ساد في كل مكان جعله يشعر وكأنه خرج من الواقع، هذا بالضبط ما شعره في المرة الأولى التي قبّلها فيها، الغرق في المجهول جعله يفر دون الرؤية خلفه، توقفت مقاومتها، سمعها تتنهذ ثم بذراعيها تلفان عنقه، خفف من قبضته على فكها، ان استمر بالضغط فستسيقظ غدا بعلامات زرقاء مريعة، وهو لا ينوي افساد جمالها، انزلقت أصابعه في شعرها و حرر الدبابيس الواحدة تلو الأخرى ، وسرعان ما تجمعت كتلة شعرها الأشقر على كتفيها... تماما كما يحب...مرة أخرى ، أغمض عينيه ، غير قادر على التفكير..ناومي تشل عقله و هذا يرعبه... ثم عاد اليه نفس الاحساس بعدم الأمان... انه غير مستعد... انه في مهمة في صقلية و ليس ليقع مجددا تحت سحر ناومي... هذه المرأة تثلف كيانه اللعين.
قطع قبلتهما مرغما، يكرهسيطرتها عليه... لم يكن قد توهم في الماضي... ناومي تسيطر حقا على عواطفه.
" ستهرب مرة ثانية؟؟" سألته بصوت مرتجف من العاطفة بينما تبدو في محنة بالغة لالتقاط أنفاسها، تماما مثله هو:" ستظهر بعد أربعة أشهر في مكان عام كي تخبرني بأن اسمك ليس خافير انما لا أعرف أي كذبة أخرى؟؟" لم يجبها، لا يملك الكلمات، أغرته فكرة الاختفاء للسيطرة مجددا على نفسه، هذه المرأة خطر عليه، آلف على الا يستهين ابدا بحدسه:" أيها السافل..."
تمكن من حماية رأسه من الحذاء العالي الكعبين الذي ارتطم بعنف على الجدار خلفه، رباه... انها خارج السيطرة، كانت عينيها تلمعان من الغضب الأسود، كانت تحاول مقاومة دموعها بلا جدوى، لقد نجح بجرحها للمرة الثانية:
" ارحل من هنا ولا تعود... لا أرغب برؤية وجهك مرة أخرى"
لا يمكنها أن تفهم، لأنه نفسه لا يفهم الاضطراب النفسي و العاطفي الذي تتسبب له في كل لقاء، منحها ظهره و خرج من الغرفه كي يبتلعه الظلام مجددا... نفس الظلام الحالك الذي عاش فيه منذ التاسعة من عمره.
* * *
كما توقع خوسيه، آيا لم تتحرك من مكانها أو حتى تغير وضعيتها، كانت تنام بعمق شديد، الحرير الأسود لقميص نومها عزز لمعانه منحنيات الجسد بشكل فاضح، كان قد أعاد الغطاء اليها كي لا تقهره أي رغبة مجددا، حواره مع دانيلا يمنعه من النوم، ليس بمزاج ليتحمل أهوائه الجسدية ، الحقيقة أنه مرتعب من فكرة البقاء بمفرده في غرفة نومه، يعرف بأنها ستأتي أيضا الليلة، بعد أن توقفت من زيارته مؤخرا، سوف تأتي لتحاسبه مشاعرها، نهايتها المأساوية، منذ أن اصبح أبا تركته و شأنه، لكن ايقاض دانيلا لهذه الأشباح... دانيلا لم تواجهه سوى بالحقيقة.
هل حقا أحب اليونور كما يجب؟؟ أم أن غروره فحسب ما دفعه للبقاء كي لا يترك أدنى فرصة لألفونسو؟ عندما نحب لا نخون... ملاحظة دانيلا صائبة، كان يعاني مع الوفاء، حاول أن يكون طبيعيا، حاول ان يحتفظ بواحدة فقط، لكن شراهته منعته في كل مرّة، كانت مغامرات سخيفة أمام ما شعره حقا نحو اليونور، تقول دانيلا بأنه لم يحبها، لكنه متأكد من مشاعره آنذاك، لقد أحبها حقا... ربما بطريقته... ربما بطريقته البائسة، أحبها و قرر قطع صلته بسفالته و الزواج بها، لكن المادو رفض قطعا أن يهجر خيتانا، ثم انقلبت حبيبته عليه، بعد ستة اشهر من الزواج انتحرت، اكتشف في مذكراتها بانها كانت تحمل طفلا قبل موتها، بأن هذا الطفل لم يكن من أحد غيره هو... ثم انقلبت حياته الى جحيم... لم يكن رجلا كفاية ليحميها و يحمي ذلك الطفل الذي لم يقدر له أن يعيش...
عاد ليحط عيناه على الجمال النائم، ثم يبعد اهتمامه عنها متفاديا التفكير في الموضوع، دخول آيا حياته كان حصريا، لم يقرر يوما الحصول على طفل، كان قد حزم أمره بجعل دانيلا وريثته الوحيدة، كان ينتظر أن يزوره المرض و ينتشر فيه الى أن يرحل اليها... ان يجتمع بها وينهي حرب خاسر مع ضمير معذب طال أمدها.
انتشرت نظراته في الجناح الذي لم تغير فيه شيئا سوى الصور المؤطرة لها و للتوأمين على طاولة الشوفيه، وضعها في هذا المكان البعيد كليا عن مكان اقامته الخاص، ظن بأنه سينساها الى أن يحين موعد الولادة، آيا ليست شفافة كي يتم نسيانها بهذه السهولة، عاد ليلتقط مذكراتها و يقلب أوراقها دون ان يفهم كلمة واحدة، يجهل لما يفضل بعض الناس عرض حياتهم على الاوراق... هو شخصيا ضد هذه المزاولة التي يراها سخيفة.. اليونور ايضا فعلت الشيء نفسه... كتابة المذكرات كانت هوايتها المفضلة، او ربما... متنفسها الوحيد.
أقطب.. متنفس... لم يرى الامر بهذه الطريقة.
اعاد المذكرات لمكانها قبل أن يبدأ بالبحث عما يجهله في كل اركان الجناح، يرغب ان تترك اثرها هنا و ليس في ذلك البيت الذي سمحت له بدخوله مرة واحدة، لا شيء شخصي في هذا المكان، و كأنها تؤكد عدم بقائها...
الى جانب خزانة الملابس هناك باب لا يراه مفتوحا أبدا كلما أتى الى هذا الجناح، أمسك بالمقبض و حركه ببعض الصرامة و لكنه رفض الاستسلام، كان مغلقا بالمفتاح، مالذي تخفيه آيا هنا؟؟
القى نظرة حيرة عليها، عادت لترمي بالأغطية جانبا، ربما تشعر بالحر، عادت تمنحه رؤية مثيرة للغاية لجسد تحول كثيرا و تغير خلال الاشهر الأخيرة، ابتعد عنها مجددا بإهتمامه و بدأ برحلة البحث عن المفتاح، الجوارير و حتى حقيبة يدها حيث مفاتيح بيتها، انتهى به الأمر للطلب نسخة من الخدم، لم يتبقى سوى ساعات على طلوع الفجر، لكنه أناني جدا ليترك الناس تهنئ بنومها بينما هو عاجز عن ايجاد السلام الداخلي... كما ان زوجته تغلق بابا بالمفتاح و سيقتله الفضول ان لم يكتشف ما يوجد خلف هذا الباب.
عندما تمكن أخيرا من فتح الباب بفضل النسخة التي أتت بها الخادمة، استغرق الأمر بضع ثوانٍ ليفهم ما كان أمامه.. هناك مكتب عليه كمبيوتر مفتوح وجبال من الأوراق، على الحائط ، عرضت لوحة ضخمة قوائم والعديد من الجداول، انحنى على كتاب ضخم وفتحه ليتبين له بأنه كاتالوج لعينات نسيج مختلفة، البوم صور للعديد من السجاجيد التركية، بقي متصلبا أمام هذا الاكتشاف الذي الجم حقا لسانه، عاد يمر بعينيه مجددا على القوام و الجداول و العينات الملتصقة في الحائط، أرقام الهواتف، شعار ضخم لعلامة تجارية تحمل اسم {Oriental Ozlam-almado Carpets and Textiles}.
التقديم بالاسبانية، آيا تقوم بالترجمة للتعريف عن نشاط الشركة، أمسك بالورقة بين يديه و بدأ بالقراءة بصمت:
{ لطالما كان للسجاد الشرقي مكان مركزي في العديد من التصميمات الداخلية ، ويشتهر السجاد التركي بأنه الأجمل. هذا السجاد الفريد ذات الأنماط الرائعة قد سحر الناس منذ فترة طويلة ومن السهل فهم السبب. مع هذه الاختلافات التي لا نهاية لها والحرفية الرائعة التي تتمتع بها ، فإن هذه السجادات لافتة للنظر داخل منازلكم... }
أعاد الورقة مكانها ليلتقط أخرى تجسد سجاد بألوان مرحة:
{ صناعة السجاد الحرفي: نسج ، تلميم ، حياكة... رحلة مع نساء قبيلتي من غزل الصوف حتى وضعها على أرضية صالوناتنا المحبوبة..}
أعاد الورقة الى الملف الذي يضم شبيهاتها في شرح دقيق للحرف اليدوية لنساء قبيلة تركية، انه مشدوه، و مصدوم لدرجة لا يعرف كي يعلق على ما هو أمامه... يفهم لما تختفي النقود التي يضعها في حسابها بنفس السرعة التي يحطها فيها، آيا تقوم بالاستثمار، لقد أنشأت شركتها الخاصة و اطلقت عليها اسم 'سجاد ومنسوجات اوزالمادو الشرقي'... فعلت كل هذا بنقوده؟!
لقد مر وقت طويل منذ أن كان عاجزًا عن الكلام، و بقي هكذا... متحجرا لمدة دقيقة طويلة... أولاً لأنه عاجز عن التصديق،و ثانيا، لأنه يتسال اين وجدت الوقت بين حملها بتوأمين و دراستها بشراء بيت و تأسيس مشروع جيد ؟لا يصدق أنها أسست شركتها الخاصة دون اعلامه أو حتى أخد بضع نصائح منه...لقد تمكنت من انجاب طفليها، فتح شركتها شراء بيتها في بلد أجنبي غريب عنها و في أشهر قليلة للغاية..
لمح عنوان الكتروني، أدخله على الفور في محرك البحث ليسقط في موقع مبيعات خاص بنفس الاسم، الاثمنة ليست رخيصة بالعكس، تتأرجح ما بين عشرة ألف حتى خمسة عشر ألف، الصنع محلي و يدوي و الصبغات مستخرجة من نباتات محلية، سجاد عضوي، رباه انها المرة الاولى في حياته يسمع بهذا النوع من المنتوجات، آيا أتت بفكرة جديدة و مختلفة للغاية، لا يبدو انها تستفيذ لوحدها من هذا النجاح، بفضلها تعمل نساء قبيلتها في تركيا... رباه... لقد تزوج امرأة استثنائية و قوية للغاية جعلت من مصروفها الشهري ثروة حقيقية... أنشأت شركتها للترويج لمنتوج سكان قبيلتها في جميع أنحاء أروبا.
أغلق هاتفه، شعور بالاختناق يتملكه، انها تكبر... تتوسع...تبتعد... لن تحتاجه مستقبلا، انها سيدة أعمال حقيقية، يمكنها تكلم سبع لغات، انجاب طفلين و شراء منزل و تأسيس شركة و البحث عن الاستقلالية لأن حياتها بدونه هي طموحها اللعين.... هذه العجلة في الانفجار في عنان السماء مثل المفرقعات النارية لا يعجبه بالمرة، آيا ستنفلث من بين يديه... انها ذكية جدا كي تبقى مع رجل بائس مثله.
انها صغيرة، يمكنها أن تجد رجلا في سنها، تعيش معه قصة الحب الحالمة التي رغبت بها منذ البداية مع اليخاندرو، انها ذكية كفاية كي تخرجه من حياتها بأقل أضرار ممكنة و لما لا الحصول الكلي على حضانة الطفلين؟؟ هذين التوامين الذين تتنفس من خلالهما... وضعت اسميهما كعنوان شركتها الصغيرة التي ستنفجر أسهمها بعد سنوات قليلة؟؟...سجاد عضوي... يالها من فكرة جهنمية....مالذي يمكنه أن يفعله كي يمنع نجاحها؟؟ انها لامعة.. لامعة لدرجة أنها تعمي بصيرته.
التقط صور لكل مستجداتها التي كانت تعمل عليها ربما في صباح اليوم نفسه قبل أن تمرض، انتبه الى أن أصابعه ترتجف، توقف أمام لائحة مصاريف الأشهر الاخيرة، العاملين على تطوير الموقع في تركيا، الساهرين على الطلبيات من بلدان عُملتهم المصرفية أدنى من اليورو مما يساعد في كسب أرباح أعلى، عبقريتها تذهله، هل تدرس حقا اللغات و تجهز الدكتوراه فيها أم أنها في جامعة الأعمال؟؟ من هي هذه الفتاة بحق الجحيم؟؟
أغلق الباب خلفه ببعض الحدة، كانت عيناه مثل الجمر، ينظر اليها مسترخية في سريرها، تشبه الحمل الوديع بينما تخطط وراء ظهره للنجاح و الطيران بعيدا عن العش الذي ينوي جعله أبديا لها، لكن لما تفعل هذا؟؟ لما هي عاجزة عن رؤيته بشكل مختلف عن الوحش المريع الذي تصر على الاحتفاظ به نصب عينيها؟؟ لما هي عاجزة عن حبه كما أحبت اليخاندرو؟
ان كانت تظن بأنها ستتمكن من رميه من حياتها بهذه البساطة و قد استثمرت أمواله... ان كانت تظن بأنه مجرد جسر للنجاح.
{ أموالها و ليست أموالك... استحقت كل قرش... }
استوقفه ضميره، لكنه كان يغلي ليستمع لصوت العقل، لم يعد قادرا على تحمل بقائه معها في نفس المكان، ان لم يخرج من هنا فسيرتكب حماقة بالتأكيد... لا يحق لها النجاح من دونه... لا يحق لها النجاح بينما أتى بها من المستنقع و حدد لها دورها الذي يفترض بها الالتزام به لا شيء آخر... سيقص جناحيها، لا ينوي تركها تطير بعيدا عنه.
* ******

ملك جاسم likes this.

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:06 PM   #3814

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الخامس عشر


المشي في الشهر الأخير مفيد لتسريع الولادة، صيادو الجزيرة رحبوا بها، من لا يعرف هنا بأنها زوجة سيد المكان؟؟ تعيش عينة ضئيلة من الناس، تحب أخد العبّار من فينة لأخرى الى الجزيرة القريبة لأنها أكبر و بها أيضا الكثير من المحلات التجارية، نيوس احترم استقلاليتها، يمكنها العيش بدون حرّاس، هذا يذكرها فحسب بماضيها مع الأمير الأسود و الذي لم يعد أسودا في النهاية، بدأت تراه بألوان مختلفة في الجرائد، انه يعيش الحب الكبير مع الجميلة فلورانس... وهي سعيدة من أجلهما.
فقط لو تتغير الأحوال مع الرجل الذي فقدت ثقتها فيه و تعيش الهناء أخيرا، تتمنى من قلبها أن تقع مجددا في حبه بنفس الشغف، أم أنها عادتها المريبة؟؟ حذث معها الشيء ذاته مع داركو، ما ان شعرت بالخطر حتى تحول حبها اليه الى لا شيء... لم تستعد مطلقا مشاعرها نحوه، فهل نفس المصير سيصيب قلبها هذه المرة أيضا..؟؟ الا تحب نيوس و تبقى معه من أجل الطفلين فقط؟؟
و كأنه يعرف بأنه يستحوذ على تفكيرها، رأته يتصل بينما تأخد العبّارة:
" هل انت في طريقك الى موعدك؟؟؟" سألها بلهفة.
" أنا كذلك..."
" ارسلي لي الصور على هاتفي..."
ابتسمت مرغمة:
" لقد كبرت بشدة و لن تكون الصور بنفس الطريقة... انها آخر جلسة فحص... "
" أعرف حبيبتي..." يبدو حقا عصبيا للغاية:" أريد العودة الى البيت..."
" الم تتحسن الأمور بعد؟؟"
" انها أفضل من أمس، سأترك مساعدتي و أعود ديامانتي، لا يمكنني البقاء بعيدا عنك و أنت في حالتك الحساسة..." سمعته يلتقط نفسا عميقا:" أريد أن أخبرك شيا..."
الصقت أكثر الهاتف بأذنها، العبارة تحذث ضجيجا طفيفا، بإمكانها استعمال مركبها الخاص لكن الاختلاط بالناس من فينة لأخرى مفيد لها.
" ما الأمر؟؟"
" ربما ليس الوقت المناسب... لكن أصر أن أخبرك بأنني طالما كنت سعيد معك و طالما أحببتك بشدة، هذا الجمود بيننا يؤلمني، أريد أن ننسى كل شيء و أن نعيش سعيدين مع أطفالنا..."
بقيت صامتة، هل كان يقرأ في أفكارها؟؟ هل شعر بأنها لا تحب لمساته مثل البداية؟؟؟ بأن ليس الحمل وحده ما دفعها لإستعمال سرير آخر؟؟" الوضع يحزنني... أنا آسف لكل الأدى الذي تسببت به لك..."
لما يقول لها كل هذا بحق الله؟؟ مالذي يحذث؟؟
" سبق و تكلمنا بالموضوع..." قالت بصوت مرح تحاول كبث دموعها:" سيكون كل شيء على مايرام... فقط أنهي ما عليك و عد الى البيت، آريوس يشتاق بشدة اليك... ما ان تدخل مشاريعك للبورصة حتى تأخد أسرتنا مسار جديد..."
" أنا أعمل جاهذا لتحقيق ذلك زوجتي الحبيبة... أريدك أن تهتمي جيدا بنفسك و بآريوس، أخبريه أن والده يحبه بشدة، و بأنه سيفعل المستحيل للعودة سريعا الى البيت... لا تنجبي قبل عودتي..."
و كأن الأمر بيدها:
" سأنتظرك..."
في سبيل السعادة الزوجية يلزم بعض الكذب... بتعبير آخر... لم تكن لتستمر في هذه التمثيلية في ظروف أخرى، وعدت نفسها أمس أن تضع جانبا خيبتها و ان تتعلم مسامحته و الثقة به مجددا وستفعل.
الأمور طبيعية للغاية، الطبيبة رأت معها التفاصل الأخيرة، كانت هناك مشكلة في الدم لكن الفيتامينات الأخيرة أصلحت الموضوع، يمكنها الحصول على التخدير النصفي ان رغبت بذلك خلال الولادة فلا خطر نزيف على مايبدو، بعد ولادتها الصعبة الأولى تفضل أن تنظم كل تفصيل يتعلق بهذه الولادة.
انه آخر يوم في السنة، الطبيبة اخدتها استثنائيا لأن نيوس دفع لها ثروة، الجميع مشغول بتجهيزاتهم، بالنسبة اليها هو يوم عادي ككل ايام الاسبوع، اختلطت بالناس، رغم بطنها الكبيرة الا انها تثير الاهتمام الذكوري مثل المعتاد، شعرها الاشقر لا يمر مرور الكرام، ربما هي ايطالية مئة بالمئة الا أنها لا تحمل المواصفات الشرقية مثل روبي، ضمت اليها حقيبتها و احنت رأسها متفادية هذا الهجوم الصامت، ربما نيوس محق في قلقه بتركها تحت حراسة أحد.
كان المرفأ أقل زحمة، بإنتظار العبّارة قصدت الصخور لتلقي نظرة على بحر ايجيه المضطرب مع الريح.
"انتبهي فالمنحذر وعر"
هذا التنبيه أعادها سنوات الى الوراء، في قبيلة الغجر، أدارت رأسها فورا نحو اللكنة العميقة، رمشت عدة مرّات لأنها لا تصدق ما تراه عينيها:
" فرانكو!!..."
" كيف حالك أيتها الأميرة؟؟"
مد حولها يده ليساعدها على ايجاد توازنها، المفاجأة جعلت ركبتيها خائرتين، وضعت يدها في راحته الكبيرة و أغلق أصابعه عليها، فورا شعرت بأنها في أمان، شعرت منذ بعض الوقت بأنها مراقبة لكنها كذبت نفسها، اختلاطها بالناس جعلها مجددا حساسة، ظنت أن نظرات الاعجاب الرجالية ما جعلتها عصبية وولد لديها هذا الاحساس.
انها المرّة الأولى منذ سنوات، منذ معرفتها به، منذ رؤيته للمرة الاولى في المستشفى بروما برفقة الأمير المصاب لم ترى هذا الرجل خارج اطار بدلة عمله المهيبة، من أمامها شاب وسيم جدا بقميص أبيض و جنز أسود و سترة كحلية، أبقت فمها مفتوحا من المفاجأة:
" لكن مالذي تفعله هنا؟؟"
" أتيت للاطمئنان عليك..."
" كما تفعل دائما و أبدا؟؟" سألته مبتسمة.
" أصبحت عادتي فإعذريني أميرتي... " عادت الى الارض الصلبة مجددا، اندفعت نظراتها اليه، كانت عيناه الزيتونية لا تترك وجهها لحظة واحدة:
" لا يمكنك ترك داركو و المجيئ هكذا..."
" أنت بحاجتي أكثر منه... أنت حامل.. نيوس ليوندياس بعيد... هذا يغضبني..."
هذه الكلمات أصابت قلبها مثل السهم، فرانكو يحمل الكثير من المودة نحوها، لكن ان يعتبر نفسه مسؤولا عليها...
" أعماله الخارجية في محنة... أنا من اصر عليه الرحيل، هو لا يهملني فرانكو... و أنت... لست مضطرا لحمايتي بعد... انفصلت عن داركو منذ سنوات... لا أحد دفع لك لحمايتي..."
تصلبت ملامحه قليلا، نظر ببعض الحذر حوله و كأنه يتأكد بأنها بخير والا خطر محدق بها:
" لا أفعل هذا لأن أحدهم يدفع لي... فوق طاقتي رؤيتك وحيدة في أسابيع حملك الأخيرة... نيوس ليونيداس كان عليه ترك محنه المادية جانبا... لا يحق له تركك تحت أي ظرف..."
" فرانكو..."
" اسمي ليس فرانكو..." اعترف.
أقطبت بعدم فهم:
" عفوا...؟؟"
" Miloslav Borislav ، أنا سبيري من أم روسية-أمريكية عملت لسنوات قبطان في الجيش الأمريكي. قوة دلتا... اعتزلت بعد أن فقدت زوجتي و ابنتي في احدى المهمات... الأمير فالكوني أنقد حياتي .... انه عائلتي الوحيدة " أمام ملامح وجهها المشدوهة تابع:" أنا مدين له... و أنا وفي له... الا فيما يتعلق بك أميرة ديامانتي... "
كان يتكلم بميكانيكية و كأنه حفظ عن ظهر قلب هذه الكلمات، شعرت ببعض التسلية لأنها رأتها ايضا في عينيه، يسليه أن يفاجئها بهذه الثرثرة التي لم تتعودها منه.
" هل يزعجك ان استمر بمناداتك فرانكو لان اسمك معقد للغاية"
" نعم يمكنك.."
انتبهت الى شبح ابتسامة في عينيه، انه أكثر انسان يمكنها الشعور بالأمان معه، لا تنوي السؤال عن معرفته بشأن سفر نيوس، أو حتى سؤاله عن كيفية انقاذ حياتها من الموت بينما يلقي بها موظف ديل ماريا في البحر، أو كيف تم انقادها من الموت محتم في صحراء تونس القاحلة، طالما كان ملاكها الحارس، لم يطلب يوما مقابلا.
" تنوي حمايتي الى أن يعود زوجي؟؟"
" هل تمانعين؟؟" سألها، بدى قلقا حقا من رفضها:" أعدك أن أكون سريا للغاية..."
رغما عنها شعرت بغصة مؤلمة في حلقها، ليست بحاجة لحارس، انها تملك دزينة و تهرب منهم بإستمرار، لكن أن يهجر فرانكو زوجها السابق لأن ولائه لها بلا حدود... مطلقا لم يحبها شخص الى هذه الدرجة.
" لا أحتاج حارسا..."
" لا يمكنني تركك.."
" أنت لست مسؤولا علي..." ذكرته بنبرة حزينة.
" هذا أقوى مني... " قال ببساطة" أؤكد لك بالا شيء يجبرني على ترك مكاني بجانب الرئيس و الطيران الى هنا... حمايتك لا جدال قيها"
هذه المرة لم تعد قادرة على كبث عاطفتها، لكن مالذي فعلته لتستحق كل هذا الولاء؟؟ حتى انها لم تكن لطيفة حقا معه، كانت تراه النسخة المظلمة للأمير فالكوني، بالرغم من أنه فعل كل ما بإستطاعته لحمايتها، حتى عندما أخد داركو منها ابنها، كان يتسلل ليلا ليبقى معها كي لا تفقد رشدها، يعدها بأن كل شيء سيكون على مايرام.
" ربما لا أحتاج حارسا..." بدأت بصوت لطيف:" لكنني بحاجة لصديق... هل تعلمت في سنوات خدمتك كقبطان للجيش أن تكون كذلك؟؟؟"
" سأتعلم..." لم يكن يبتسم، يتخذ المسألة بجدية و تحدي:" العبّارة قادمة... سأرافقك"
ضحكت بنعومة و هي تبقى مكانها
" مازلت تتصرف كحارس..." القت نظرة نحو العبارة و عادت تبتسم له ملئ فمها"ابدأ بالتفكير كصديق و ليس كموظف..."
عاد فكه ليتصلب قليلا، بدى عليه التفكير قبل أن يلقي نظرة على ساعة يده:
" هل يمكنني دعوتك للغذاء؟؟ الوقت يمر و أنت لم تتعذي بعد... هذا سيء للطفل" هذه المرة ابتسم لها تلك الابتسامة الناذرة للغاية:" هكذا يتصرف الاصدقاء...؟؟"
ضحكت من قلبها، لايبدو أنه يمزح، كان جادا بشكل مسلي للغاية:
" أنت فعلا تتعلم بسرعة"
المطعم الصغير في المرفأ كان عكس كل ما آلفته مع نيوس من فخامة، لكنه نظيف جدا و يقدم أطباق سمك شهية، بعيدة كل البعد عن تصديق ما يحذث لها في هذه اللحظة، تجلس في نفس المنضدة مع ذراع الأمير الأيمن، رجل كل المهمات الصعبة، عادت تغرق في ملامح وجهه أمامها، لائحة الطعام باليونانية فقط، يبدو بأنه لا يفهم كلمة:
" أستطيع الشرح.."
" أتكلم أربع لغات لكن ليس اليونانية بالتأكيد..."
هزت حاجبها وهي تلتقط منه لوح الطعام لتقوم بالترجمة، سمعته يتابع:" الانجليزية، الروسية، الايطالية ..."
توقف عن الكلام، هزت عينيها عن لاحة الطعام:
" و ماهي اللغة الرابعة...؟"
" الصقلية..."
ضحكت:
" أنت تغش..."ابتسم لها مرة ثانية خلال دقائق، و كانت ابتسامته رائعة جدا .:" أنت تبتسم فرانكو و دون أن أطلب منك أراك تحرز تقدما.."
لم يعلق على كلامها، كان متأهبا و ليس مسترخيا، مازال في جلدة الحارس الشخصي، قد لا تكفيها كل الاسئلة التي تتزاحم في رأسها، شيئا ما ربطهما و منذ مدة لا يحتاج تفسيرا، برئيه هي ما تزال تحت حمايته، و برئيها هو الانسان الوحيد الذي وقف معها في أعز أزماتها، نظرت اليه من خلال رموشها، كان يتفقد كل الطاولات الشبه الفارغة، لن يتأخر المكان بالامتلاء لحد الانفجار، فهذا وقت الغذاء و رغم برودة الطقس الا أن الناس تحب المطاعم البحرية.
عندما أخد النادل طلباتهما تمكنت من استعادة نظراته، عاد ليعبس، عادت شفاهه للكتزاز، عاد لهويته التي عرفته بها، حاولت دفعه للاسترخاء:
" كيف أقنعت داركو بالرحيل؟؟ هو الذي لا يمكنه العيش يوما واحدا من دونك..."
رأته يشبك اصابعه القوية أمامه على الطاولة:
" طلبت اجازة..."
" أنت؟؟" سألته وهي تستنذ براحتها على كف يدها:" منذ معرفتي بك لم تغادر كاستيلو دي فالكوني برهة واحدة..."
كانت نظراته زيتونية غامقة، حطها عليها بكل هدوء:
" لا أحب الاجازات... "
لأنها تسمح له بالتفكير فيما حذث لحياته؟؟هو المستعد للتضحية بحايته لإنقاذ الأمير، تذكرت حاذثة فلورانس الأخيرة، مدت يدها لتضعها على اصابعه المشتبكة:
" كيف هي اصابتك؟؟"
" أنا بخير... " أجاب وهو يسحب يده منها:" الجرح لم يكن عميقا مثل جرح 'دونا فلورانس'..."
لم تعني بحركتها شيء سوى لفتة تعاطف، استعادتها بدورها و هي تشعر بوجنتيها تشتعلان بحدة:
" أنا سعيدة لأنها لم تصاب بأدى..." قالت تحاول اخفاء ارتباكها:" داركو يحبها بشدة..."
" انهما سعيدين... نيكولاي وحش حقيقي لكنه بهار العائلة..." يبدو صادقا في سعادته بينما ينطق بإسم الصغير، تثبتها عيناه بجديته المعهودة:" لقد مر كليكما بأزمات عدّة، فهل تعيشين الهناء الذي سعيت له أميرتي؟؟ هل نيوس ليونيداس استحق كل التضحيات التي قمتي بها من أجله؟!"
شعرت بالدم ينسحب من وجهها، آخر ما تتمنى التكلم به هو تضحياتها الكثير التي بقيت بلا مقابل لوقت طويل، اليوم نيوس يحاول شراء غفرانها، وهي بالتأكيد تحاول... و ستحاول... على زواجها أن ينجح.
" لقد... أبعد الأمير عن رأسه و ركز على عائلته..." لامست بطنها، هذه الحركة لم تفت فرانكو:" نحن ننتظر طفلنا الثاني..."
بدت كلماتها مثيرة للشفقة،لم تطر فوق الطاولة لتسرد له حكاية من الخيال، هو الذي أنقذها من الموت عدة مرات يعرف تماما نوع المصاعب التي واجهتها، عندما عادت من تونس الى سردينيا كانت تنام بمسدس تحت مخدتها، تتنقل به عندما تشعر بأي ضجة أو تهديد، نعم لقد فعلت كل ما بإستطاعتها لتحافض على طفل الرجل الوحيد الذي خلق كل هذه الاضطرابات في حياتها، لم تحصل على أي مقابل، لم يساعدها عندما اتصلت به من صقلية بعد اعادة داركو لها بالقوة، حاولت ايجاد اعذار، وعندما وجدها هددها فقط بأخد ابنها مما تسبب مجددا بما سمح لطليقها بإستعادة مناجم عائلته من اليونيداس، ثم بعد الولادة لم يلين، بعد الزواج ازداد سوءا، ابتعادا، تغطرسا، موت سبيروس أظهر اسوء ما في نيوس... فهل من حقها التدمر بحق الجحيم؟ تعبت من مسامحة كل من يؤذيها... تعبت من طيبتها التي يظنها اغلبهم غباءا.
" انت تستحقين السعادة"
هذه الملاحظة الرقيقة من رجل قوي مثله دفعت الدموع الى عينيها:
" أنت أيضا... لم تعد بناء حياتك منذ موتهما... لست مضطرا لإنهاء حياتك في حماية الأخرين و كأنه عقاب... "إنسحبت رقته، بدى فجأة و كأنها ضربته بحجر وسط رأسه:" أنا آسفة... لا يحق لي..."
لم يرد عليها، لا تعرف ان تقبل اعتذارها على كلماتها السخيفة، ارتاحت بينما النادل يأتي بأطباق السمك المشوي و السلطات، رغم كل التغييرات في جو الطاولة التي تفتح حاليا الشهية الا ان نظراته لا تبتعد مطلقا عليها، قالت تحاول تغيير الموضوع:
" اتمنى ان تعجبك السلطة..."
"أنت عصبية..." لاحظ بهدوء بينما تملئ صحنها بالسلطة.
" كانت ملاحظتي غبية... " اعترفت بضجة نفسية:" كل منا يفعل ما يستطيع ليهرب من أشباحه... "
هز رأسه موافقا، رأته يأخد السمك المشوي في صحنه، يتخلص من الجلدة، من الأشواك، يعصر بعض الليمون على الهبر الأبيض، لدهشتها وضعه أمامها:
" أعرف بأنك تحبينه هكذا... تناولي طعامك أيتها الأميرة... تغذي جيدا من أجل الطفل"
هل يعرفها شخص أكثر منه؟؟ تسائلت وهي تغرس شوكتها في السمك وتضعه بين شفاهها، لم تعش فترة طويلة في بيت داركو، تفحصته وهي تمضغ بتمهل، بدأ بتكرير نفس العملية مع قطعة سمك أخرى، وضعها مجددا في صحنها، يبدو جديا في عمله، مهمتما بمعدتها هي أولا، ابتسمت لهذا الاهتمام الذي يلامسها مرغمة:
" آخر شخص فعل هذا معي كانت أمي...."
رأت شفاهه المزمومة تسترخي و ظهرت تكشيرة تشبه الابتسامة:
" لا بد أنها كانت امرأة رائعة..."
هزت رأسها بالايجاب:
" في النهاية... اكتشاف حقيقة انها لم تكن حقا أمي لم يغير شيئا من انها كانت أما رائعة..."
عاد ليملئ صحنها، لكن هل يظن بأنها ستتمكن من ابتلاع كل هذا؟؟
" الأب هو من يربي و ليس من يلد.."
هذا صحيح، كلامه صحيح، و هو بالتأكيد كان ليكون أبا راعا لو عاشت ابنته التي رحلت باكرا جدا،لا تنوي مجددا التطرق لهذا الموضوع الذي يزعجه، اختارت اكتشافه أكثر:
" اذن فقد كبرت في سبيريا؟؟"ابعدت صحنها عندما حاول وضع قطع سمك جديدة و قالت بجدية:" هذا كثير و لن أتمكن من ابتلاع كل شيء... عليك اطعام نفسك أنت أيضا،ان كنت تنوي حمايتي حتى عودة نيوس..."
استقبل اعتراضها برحابة صدر، لأول مرة في حياتها ترى فرانكو يفعل شيئا آخر غير الحراسة، بدأ بملئ كأسها بالمياه قبل أن يباشر بتناول طعامه، في النهاية... هو قادر على الأكل أيضا... و ليس مجرد آله.
" أبي و أمي كانا يديران حانة في بلدة صغيرة، في عمر العاشرة قررت أخدي معها الى ماديسون بعد أن ملت حياتها السبيرية..."
كيف كان فرانكو في عمر العاشرة؟؟ يمكنها أن تتخيله سلفا أشد ضخامة من صبيان في عمره.
" لم ترى والدك بعدها؟؟"
" لحق بنا بعد خمس سنوات من النزاعات النفسية و القضائية، كان يكره أمريكا لكنه اضطر لايجاد حل مريح مع والدتي... "
" هل مازالا على قيد الحياة؟"
" والدتي تعيش حاليا في هوستن ووالدي في روسيا، لقد أعاد كليهما بناء حياته مع الانسان الذي يناسبه.."
" تملك أشقاء آخرين؟؟"
" نصف أخت... تعيش في ويتشيتا بولاية كانساس..."
اذن فهو يملك عائلة، لما يقول بأن الأمير فالكوني هو عائلته الوحيدة؟؟ عموما علاقتهما صلبة للغاية، و ربما هناك أمور لن يفصح لها عنها بالرغم من فضولها المتآكل.
" التحقت بالجيش الأمريكي في عمر صغيرة؟؟"
" ما ان بلغت سن الرشد حتى هربت من حماية أمي الزائدة، والدي كان فخورا، لسيما و أنني حققت الانجازات تلوى الاخرى و أثقلت سترتي بالمداليات... "
ابتسمت للكنة الفخر في كلماته:
" تزوجت أيضا في نفس السن؟؟"
بلع ما في فمه قبل أن يمسح شفاهه بمحرمة و يعديها على الطاولة.
" أنا و لورين كنا عدوين في الاعدادية، حبيبن في الثانوية، تزوجنا فور تخرجنا..."
ابتسمت ديامانتي:
" لا بد أنها كانت مميزة جدا لتعجب و تتزوج بها"
بدى عليه التفكير قبل أن يعترف:
" كانت حامل... جوي جاءت بعد ستة أشهر من زواجنا... أبي صاحب مبدأ... اضطررنا للزواج، ربما كان خطأ في النهاية، بسبب خدمتي في الجيش لم أكن متوفرا أبد... وهي لم تكن سعيدة"
يمكنها أن تفهمه جيدا، شاب في الجيش، كل حياته أمامه، يجد نفسه مسؤولا عن أسرة بينما عمله خطر نوعا ما.
مرّت الوجبة في دردشة ناعمة، لا شك أن فرانكو بئر علم في كل المسائل، و رفيق مميز، مستواه الثقافي جيد للغاية، بالرغم من أنه غير ميال للدعابة لأنه يبقى جديا و مهنيا في أغلب الاحيان، لقد هجر داركو من أجلها، السبب تعلمه السماء، تجهل ما فعلته لهذا الرجل كي يقطع وعدا على نفسه بحمايتها حتى النهاية.
* * *
" كيف تشعرين اليوم؟؟؟"
ابتسمت آيا لزائرتها، أتت على ترك سريرها، مازالت تشعر بالتخاذل و الضعف و الهشاشة، الطبيب منع عنها الرضاعة بسبب المضادات الحيوية، التوأمين سينتقلان تلقائيا للحليب الاصطناعي مما يسبب لها الحزن، لقد اصيبت بالتهاب القصبة الهوائية و يمكنها معرفة السبب، في برد قارس عرت على صدرها في الحديقة لاطعام ابنيها.
" القليل من الحمى... أمرني الطبيب الا اقترب من التوأمين ليومين آخرين..."
" أعرف..." وشوشت لها الجميلة السمراء بتعاطف:" لا تقلقي سأهتم بهما جيدا..."
" أعرف... " لكن هناك سؤال يحرقها بشدة:" لم أرى خوسيه!... عادة يتنطط مثل القط بين غرفتي و غرفة التوأمين!"
ابتسمت دانيلا:
" نهاية السنة مقدسة لدى خوسيه و بقية أصدقائه... لقد رحل الى مونتي كارلو...الجميع يجتمع هناك كل سنة"
رغما عنها شعرت ببعض الخيبة التي بلعتها فورا كي تترك المرارة على لسانها.. مالذي آملته في النهاية؟ هذا بالضبط هو خوسيه الذي تزوجته، لا يفكر سوى في نفسه، و بالتأكيد لن يمضي ليلة مماثلة مع امرأة تستمر برفضه... من أخد معه الى هناك؟؟ جوليانا؟؟ أم إمرأة أخرى!؟... الغيرة آلمت قصباتها الهوائية المتضررة، لابد أن دانيلا انتبهت لشحوبها:
" هل أنت بخير؟"
" أحيانا يستعصى علي التنفس..." بررت، هناك شيء من الحقيقة، لكن ان تبقى طبيعية بينما تتآكلها نار مريعة امر مريب! عليها أن تتوقف عن الحلم... عن تمني المستحيل، لن ينظر اليها يوما بطبيعية، ستبقى فتاة المستنقع، و لسيما الأن... فتاة المستنقع بنذبات مريعة على بطنها.
" خدي وقتك في التنفس عزيزتي... يقول الطبيب بأنك ستعودين الى حالتك الطبيعية قريبا"
" المريب في كل هذا انني مضطرة لقطع الرضاعة الطبيعية.. انهما في شهرهما الأول فقط".
" لم تتعمدي المرض آيا... الأدوية قوية جدا و حالتك هشة، فكري فقط في صحتك، لا تقلقي فخوسيه يبحث سلفا عن مرضعة بديلة... "
مرضعة بديلة، ثم أم بديلة، لا تثق به مطلقا... ثقتها به مثل ثقتها بإبليس، مرضعة بديلة رباه...صحيح انها لم تتعمد المرض لكن الرضاعة ضمانتها للبقاء أكثر بجانب طفليها ريثما تأمن جيدا نفسها و تهجر خوسيه للابد قبل أن يهجرها هو... قبل أن يجد طريقة لتفقد كليا الحضانة و يستولي على كل حقوقها الشرعية.
عندما اعتذرت دانيلا و اخلت المكان بقيت مسمرّة مكانها و كأن صاعقة ضربتها، الكثير من الاحتمالات عادت لتعذب مخيلتها، المشكلة انها تجهل دوما ردود أفعال خوسيه، ثارة يكون آدميا، ثارة يكون غريب الأطوار، ثارة متناقضا و قليل الصبر و ثارة... يمسد ظهرها و يساعدها للتغلب على آلامها الجسدية، انها متزوجة من كوكتيل خوسيه و لا تعرف من ستواجه في كل لقاء... الأمر يستنزف طاقتها... تجهل ان كانت ستخرج سالمة من اللقاء أو سيتمكن من ضعفها.
" العاهر..." القت بالوسادة عرض الحائط
رحل الى مونتي كارلو... رحل مع امرأة هي متأكدة... من المستحيل أن يبقى من دون رفقة أنثوية، هو الذي أمضى الايام و الاسابيع الطويلة في القلعة، معها و مع التوأمين، و استعمل كل الاساليب المغوية في البداية لاستمالتها و امام رفضها استعمل أساليبه القذرة، في النهاية يستسلم فقط... مرضها لم يوقف خططه، لقد غادر دون أن يلقي نظرة أخيرة... لا شيء يغير خوسيه... لا التوأمين و لا هي... لكن من هي أصلا.؟؟ ثم هي قامت بقطع أي أمل بينهما فلما تشعر بالغيرة فقط لأن هناك امرأة ستكون معه الليلة و ربما كل الليالي القادمة؟
" ركزي فحسب على خططك اللعينة و انسي أمره أيتها البلهاء المثيرة للشفقة... " نبهت نفسها ببعض الحدة قبل أن تدفع بيدها تحت مرتبة سريرها و أخرجت مفتاحا..." تظنين أنك ستغيرينه؟؟ تعتقدين نفسك ساندريلا وهو الأمير؟..."
تحاملت على نفسها لتصل الى الغرفة التي جعلت منها مكتبها الخاص، كانت هشة وضعيفة لدرجة انها أمسكت بالحائط كي لا تقع، عندما عادت لتفتح عينيها و قد انقضى الدوار و جدت أن الدموع سبقت الى خديها، لا تعرف ان كانت دموع المرض، ام دموع الغضب من رجل لا تجد له موقعا تضعه فيه، رجاد شاذ عن القاعدة و لا يستحق ان تهدر وقتها الثمين في التحسر عيله، لسيما و قد قررت سلفا الا يكون شيئ بينهما بسبب تشوه جسدها... أكثر ما يهم الاسباني فيها.
لما اذن تشعر بالخذلان؟... لما آملت أن تكون النتيجة غير هذا؟؟ بأن يسارع فارس الاحلام ليتحقق من المخاوف التي تدفعها لرفض عرضه بتوثيق زواجهما و جعله حقيقيا؟؟ حتى انه لم يكرر عرضه... لم يحاول التقرب و فهم ما يجعلها مرتعبة و خائفة.
توقف عقلها عن العمل عندما وضعت المفتاح في الثقب و انفتح هذا الاخير حتى قبل المحاولة، أقطبت... الباب مفتوح.
" لا لا لا لا..."
اختفت آلامها الجسدية أمام فضاعة امكانية تسلل أحدهم الى حميميتها، من المستحيل أن تترك هذا الباب مفتوحا، تتعمد اغلاقه حتى وهي في الحمام، بحثت بعينيها و يديها عن ملفاتها و عن جداولها و حاسوبها، كل شيء في مكانه سوى كاتالوج الصوف ملقى على الأرض، انحنت عليه و التقطته بكلتا يديها كي تقلب في أوراقه الثقيلة و تعيده الى المكتب.
جلست على مقعدها اماما الحاسوب و أشعلته كي تتطلع على آخر المستجدات في قيد التنفيذ، كل هذا سيتدمر ان كانت شكوكها في محلها، بالأمس كانت مريضة للغاية، كانت فاقدة الوعي تقريبا بسبب الحمى، ربما نسيت الباب مفتوحا، و ربما احدى الخادمات تسللت لتنظيف المكان، لكن لا... شعور سيء للغاية يكبر في ذاخلها... خوسيه مريض بالفضول، مريض بها هي شخصيا... يفعل كل ما بإستطاعته ليطبق عليها سياسة القمع و التحقير كي يضمن بقائها مثل الخادمة بجانبه و بهذا يضمن السلطة الكلية على التوأمين... فهل استغل هشاشتها ليطلع عما تحاول اخفائه بكل قوة منذ أشهر؟؟ هذا المكان لم يعد آمنا لها... عليها التصرف و بسرعة، ان صدق تخمينها فعالمها سينهار قريبا.
عادت الى غرفتها تبحث عن محمولها، جلست على السرير و بحتث عن رقم الشخص الوحيد الذي تثق به في اسبانيا:
" كارلوس... هذه أنا آيا... نهاية سنة سعيدة"
وضعت يدها على صدرها، التكلم بطبيعية بينما كل كلمة تكلفها مجهوذا... كان لابد تبريد أعصابها و التفكير فورا في مخرج للمصيبة القادمة... ان كان خوسيه... ان كان هو فعلا من دخل مكتبها، فهي تعرف سلفا بأن الحرب قد بدأت.
" آيا... مرحبا عزيزتي، نهاية سنة سعيدة لك أيضا... سمعت بأنك مريضة"
" نزلة برد قاسية تسببت في تعفن قصباتي الهوائية..." شرحت له بصوت ضعيف:" اسمع كارلوس... أظن أنني في ورطة... أنا بحاجة دعمك... "
" كل ما تريدين..."
" هل يمكنك المجيئ الى القلعة؟؟"
" تعرفين ان خوسيه منعني من الاقتراب منك..."
أغمضت عينيها، كارلوس المتنفس الوحيد، الصديق الرائع الوحيد الذي ساعدها في دراستها عن بعد، خوسيه طرده بكل لباقة، هو الذي امضى طفولته في القلعة يجد نفسه مضطرا لقبول عرض مستخدم والده بالسكن بعيدا بجانب عمله كذريعة.
" لكن لم يمنعك من العودة الى القلعة..." قالت آيا" اسمع كارلوس... أنا حقا بحاجتك... تسلل الى جناحي أو قم بأي وسيلة للوصول الى هنا... أريدك أن تأخد كل أغراضي الى بيتي، اظن أن خوسيه اكتشف انشائي للشركة..."
صمت كارلوس، هو الذي طالما حذرها، هو نفسه من ساعدها بإجاد مرشد اعلاميات و أيضا من عرفها على محاسبها الحالي.
" سيقلب الارض دون أن يقعدها..."
" أنا مرتعبة..." اعترفت بغصة:" انوي أخد الحيطة و الحذر فلا شيء مؤكد بأنه فعليا أتى الى مكتبي و اكتشف سري..."
" اهدئي عزيزتي"
" كيف يمكنني الهدوء اخبرني؟" لم تعد قادرة على حبس دموعها" ذلك الرجل هو آفة حقيقية... لا يهمه عدد الضحيا التي تخلفها انانيته كل ما يهم هو الانجاز الاخير، انه يعشق التوأمين، سيحاربني حتى اخر قطرة دم، لقد كافحت كي اصنع مصدر مادي موثوق به كارلوس... انا اوفر أقل قرش كي انسحب من حياته بكرامة"
سمعته يتنهذ من الجهة الأخرى، ان كان شيا مميزا في كارلوس فهو يعرف كيف يكون مفيد، كما انه عملي للغاية و يملك افكار استثنائية لرجل اعمال مميز، تجهل لما اختار الشرطة العلمية بدل التجارة التي تراها مربحة للغاية.
" يلزمني زوجة مثلك..."ابتسمت من خلال دموعها، يكرر لها هذه الكلمات كلما رآها تتخطى العواقب و تنجح خططها." اسمعي... قومي بحشو اغراضك في الكراتين و سأنقلها لك بعد ساعة... هل الوقت كافيا بالنسبة اليك؟"
شعرت بالراحة تغمرها، بسبب صحتها الهشة لن يمكنها التكفل بالموضوع وحدها.
" أنا مدينة لك"
" اه نعم... انت مدينة لي بالكثير أيتها التركية الجميلة..."
" نصفي فقط هو التركي"
" لكنه الطاغي عزيزتي... أنت أكثر النساء تأثيرا التقيتهن في حياتي و لا احتاج للذكاء كي استنتج بأن هذا ما يجعل الرئيس متأهبا و يقضا فيما يخصك..."
" انه ولد افسده والداه انانية و يجهل قيمة الاشياء"
" انه رجل يدرك جيدا قوة المرأة التي منحته شرف الابوة أخيرا.... جهزي أغراضك كلها.. سأكون في القلعة خلال ساعة"
* * *
" أنظر الي أحترق... يستهويك منظري؟؟ اتدمر امامك كل يوم اكثر... كل يوم أكوام و أكوام مني تتكوم تحت قديمك لكنك لا تعير الأمر اهتماما... مالذي يجب أن أفعله أكثر مما أفعله؟ "
و مثل المعتاد هو لا يرد على استغاثاتها الى أن تصل به للحد الذي لا يتحمل صبره صوتها، يكتفي فحسب بهز عينيه الزرقاوين نحوها، يقمها و كأن بيده آلة التحكم عن بعد...فتضطر للصمت... لأن بقية الكلام تتجمد في حلقها، من أغرب عاداته، عندما يكون بمزاج كارثي، يغلق على نفسه في 'الغرفة المظلمة'، يمضي فيها ساعات في الصلاة و طلب الغفران قبل أن يعود للرجل الذي يتطلع اليها بهذه الطريقة التي تجمد الدم في شرايينها:
" أغلقي... هذا الفم الذي لا يخرج كلمة واحدة مفيدة" عاد الى المستنذات أمامه و تجاهلها كليا.
كي يراها يجب أن يعترف بأنها موجودة.. بأنها تحتل مكانة في روتينه... بأنها تحمل اسمه... الا انها شفافة أمامه... يمكنه أن يخترقها بجسده كما يخترق الهواء.
ما يجمعهما هو المكان الوحيد الذي يسارع فيه للحصول على وريث لكل هذه الامبراطورية التي يتراسها... خارج غرفة النوم... ينسى أن له زوجة، لأن وقته الحميمي الحقيقي يمضيه هناك... مع المرأة الأخرى.
" كذبت علي... لم تقم بالتخلص منها" اتهمته بحدة أكثر مما هو مسموح لها:" قمت فحسب بنقلها الى 'كابري'"
مرّت المرمدة الكرستالية على انش واحد من وجهها كي تنفجر عرض الحائط خلفها، بقيت متسمرة مكانها، قلبها نسي تماما الطريقة الصحيحة للخفقان، لا تعرف ان كانت ما تزال حية أم انه تمكن منها و أسقطها ميتة.
" لا ترفعي أبدا صوتك في وجهي .. "ثم وقف من مكانه... انغلق المكان من حولها كأنه قفص صغير، بدأت الحيطان بالتقارب بطريقة مهددة، الهواء نفذ تماما من رئتيها و من الغرفة:" تظنين بأنك تملكين أدنى قيمة... بأن لكلمتك أقل هبة؟؟"
اقترحت بتحدٍ:
"أنقذني من أوهامي اذن لقد حان الوقت لأن تكشف لي أخيرًا ما تتوقعه من زوجتك ... اذ من الواضح بأنك لا تريد ذلك على الإطلاق..."
" أريد من زوجتي أن تغلق فمها الكبير و أن تختفي من أمامي قبل أن أتسبب لها بإرتجاج قد يمنعها من التكلم لأشهر طويلة" لم تتمكن حتى من الابتعاد عندما تمكنت يده الكبيرة بسجن حلقها:"... و صدقيني... هذه الفكرة تغريني بشدة، أصبح الحاحك مزعجا لي... "
" لأنك عاجز عن حبي؟؟"
" لا أحب حسب الطلب... بيننا زواج تقليدي قبلت بشروطه كما قبلت عائلتك... أمنحيني أطفالا و سيحصل والدك على الدعم الذي وعدته به... سأمنحك حتى نهاية السنة... ان فشلتي في منحي صبيا... فستختفين من حياتي..."
" و ان منحتك ما تريد... هل ستخرجها من حياتنا؟؟"
لكنه لم يرد، ازدادت فحسب أصابعه على الضغط الى ان توقف دماغها على العمل، كي تنقذ نفسها من غضبه القت ما لديها بسرعة وهي تضع يدها على بطنها:
" أنا حامل... أرجوك توقف أنت تؤلمني..."
"أمي؟؟" عادت سابرينا فورا الى الواقع، كانت يدها ما تزال فوق بطنها، صوفي بصدد الوقوف على قدميها أمامها، الرؤية بدت لها خيالية و بعيدة عن الواقع أيضا، من الرائع رؤيتها منتصبة أمامها مثل قبل... لا تراها كذلك سوى في حصص الترويض، كانت تعتمد على عكاز واحد : " تبدين شاحبة... هل أنت بخير؟؟"
بالتأكيد هي بخير، الصبي الذي كان يحلم به يانيس هو من يدير حاليا امبراطوريته، و لم تربح أوكتافيا الحرب ضدها، في النهاية اختار العرّاب أن يبقى مع اسرته الشرعية...معها و مع ابنه ... هوسه بتلك الساقطة لم يكن كافيا لابعاده... جسديا فقط... فلم يتوقف عن حبها حتى النهاية.
" كنت شارذة التفكير..." شرحت وهي تدنو منها لتمسح على بشرة وجهها المخملية :" ارى بأنك تتجولين دون الكرسي!..."
أنيرت الابتسامة وجهها الجميلة، رغم مشاذتها العنيفة مع روكو هذا الصباح الا أن صوفي تكون أكثر انطلاقا عندما يغيب هذا الأخير عن القلعة.
" ما رأيك بي؟؟ "
" أنت مذهلة..."
" سأستعيد قريبا جميع قدراتي و آخد زمام أموري بيدي... صارت المشاحنات كثيرة جدا مع روكو... أظن بأنني بحاجة ماسة لمسافة... للطيران بعيدا و عيش استقلاليتي... "
شعرت ببعض التعاسة لهذا، مدت يدها لتبعد خصلات شعرها التي صارت طويلة الأن، تلامس أسفل رقبتها:
" تفكرين في هجره و تنسين أمري... لا يمكنني العيش من دونك!"
" لا يمكنك البقاء عبدة له لبقية عمرك أمي... سوف تأتين معي... أرى كيف يعاملك! انه لا يطيقك، شيء تغير منذ الحاذث، لاحظت أن التواطئ بينكما اختفى و تلمع عيناه كراهية كلما حطهما عليك... لما تتحملين اذلاله لك...!؟"
ربما لأنها تستحقه بكل بساطة... ان عرفت صوفي الحقيقة فلن تكلمها لما تبقى من عمرها...
" هذا البيت هو ذكرياتي... صوفي و من المستحيل ان انهي حياتي بعيدا عن هذه الجذران التي شهدت سنواتي الجميلة مع والدك..."
بان التعطف و الحب في عينيها، موضوع يانيس يجلب دوما الابتسامة لشفاه صوفي، اقتربت منها ووضعت رأسها على صدرها كما كانت تفعل دوما وهي طفلة صغيرة:
" أفتقده بشدة في حياتي..."
" اعرف يا طفلتي..." وشوشت لها سابرينا برقة وهي تمسح على شعرها بحنان.
" لما رحل و هجرنا أمي؟؟ لماذا؟؟لو كان حيا لأختلفت حياتنا ..."
تجهل ابنتها كليا من كان يانيس، برئيها روكو وحش؟؟ روكو حمل وديع، انه يتمتع بالمنطق، بالرأفة، بالرحمة، تمكن من حب امرأة و يعاملها و كأنها آخر نساء الأرض، يملك حساسية من الخيانة، من الخداع، صاحب وعد، كلمة، رجل المواقف النبيلة... نقيض والده بالتأكيد... يانيس كان لئيما لؤما لا معقول، لم يأخد أبنائه من شره شيئا وهي سعيدة جدا بأن جيناته الفاسدة لم تؤثر بهم.
" أنا بحاجة للاستقلالية أمي..." وشوت صوفي في صدرها:" بحاجة لعيش قصة حب، السهر، الرقص، بحاجة للاشياء البسيطة مثل شرب قهوة لعينة مع شاب بعمري في مقهى دون أن يرتمي علي واحد من رجال روكو و اعادتي بالقوة الى البيت... لم أعد صغيرة...عبئ اسم الايميليانو ثقيل جدا أمي... أنا مرهقة"
كما كان ثقيلا على كتفيها هي أيضا، وزن اسم يانيس ايميليانو جعلها تحت الضغط النفسي المستمر.. الزواج منه لم يكن اجازة مفتوحة، بل حكم بسجن مؤبد مع الأعمال الشاقة.
ظهرت مساعدتها الخاصة، بقيت على بعد تمنحهما بعض الحميمية، ابتعدت صوفي عنها فيما سألتها سابرينا بصوت عملي:
" ما الأمر لورا؟؟"
" دونا جورجينا كوستانسو هنا... تريد رؤيتك!"
جورجينا هنا؟؟ منذ أن منعها يانيس من وضع قدميها في القلعة لم تعد أبدا، حتى صوفي لم تخفي مفاجئتها، أطل الفضول الشديد من عينيها الزرقاوين.
" مالذي تريده والدة سيزار منك؟؟؟"
" لا أدري ابنتي. لما لا تذهبين الى غرفتك ريثما أعرف ما تريد؟؟"
لم تعترض كثيرا، رأتها تخطو خطواتها ببطئ شديد و شعرت بالفخر لكل جهوذها، كل مرة تثبت صوفي بأنها من الايميليانو و بأن الاستسلام لا يوجد في قائمتها.
وقفت جورجينا ما ان لمحتها، مثل المعتاد، فاثنة لحد مهوس في طاقم أبيض و كأنها عروس ستزف الليلة، شعرها الشديد الشقرة متموج حول وجهها الذي لم يفقد شيئا من شبابه، تعرف كيف تعتني بنفسها، تصل تضحياتها في سبيل ذلك الى أخد حمام ثلج كل صباح، خمس ساعات رياضة يوميا، انها امرأة مليئة بالنشاط.
" جورجينا..."
" سابرينا أنا آسفة لأنني لم أتصل بك قبل المجيئ... " قبلتها على وجنتها بينما يلفها عطرها :" هل يمكننا الكلام في مكان خاص؟؟ مكتب مثلا؟؟"
* * *
" الفرار من أي مناقشة مجدية ليس الحل و أنت تعرفين هذا جيدا.... "
تركت فيرنا ما بين يديها وعادت تواجه عمّتها التي قطعت كل هذه المسافة من صقلية لتعيد لها رشدها كما سبق و قالت في كلامها، على ما يبدو، الكل صار الداعم الأول لوالدتها، ان كانت قد وجدت فكرة السفر الى أفريقيا جيدة فيما ما مضى فهي الان تجدها فرصتها الوحيدة للفرار من سيطرة تلك المرأة، يكفي أن قلبها الأحمق محطم، عقلها لا ينفك من استعادة تلك الذكريات الشحيحة مع سانتو، رغما عن انفها مالت اليه ، كونه متزوجا لا يكفي لطمسه كليا من عقلها، انها بصدد ارتكاب نفس خطأ والدها المسكين... والدها لم يكن مسكينا... بل ضعيفا، ووالدتها... امرأة مناورة و قوية جدا و تصل دوما لما تريد.
" فليكن عمتي... أواجه بإستمرار مشاكلي و لا افر قطعا منها... "
هجرت الأواني التي كانت تقوم بترتيبها في الرفوف و مسحت يديها في مريولها ثم نزعته لتضعه في طاولة المطبخ، عمتها تتطلع اليها ببعض الحدة.
" بغض النظر عن كرهك للسيدة فكلامها منطقي... لا أنا و لا عمك نوافق على طريقة عيشك... "
" السيدة؟؟" رددت فيرنا متهكمة و هي تجلس على كرسي كي تريح ركبتها المرهقة من عمل النهار في الحقل:" لسنا في مطبخها الأنيق فدعي رسمياتك جانبا... ناديها فحسب بجورجينا"
بدانة عمتها لا تسمح لها أيضا بالبقاء واقفة، جلست على الكرسي القريب منها ووضعت ساعديها على الطاولة المصقولة.
" تريد أن تجعل منك شخصا ذو فائدة بدل دور ساندريلا الذي تصرين على ارتدائه لأخر يوم في حياتك..."
" أنا لست سيدة... أنا لقيطتها و لن تعترف بي يوما، لا أفهم لما تصر اليوم على العودة و كان شيئا لم يكن؟؟ عمتي... أنت تكبدت مشقة السفر للاشيء... يمكنها الاحتراق في الجحيم مع أموالها و صدقتها اللعينة... أفعل بحياتي ما أريد... لن أكون لعبة في يدها كما كان أبي... أبدا"
الغصة كسرت كلماتها الأخيرة، تجهل لما تم نسيانه و كأنه لم يكن، أعمامها بصف تلك المرأة التي أتعسته بشدة، لن تفلح في فهم العقول البشرية، مدت عمتها يدها لتلتقط يدها و تعصر عليها بحنو:
" فلانتينا... كوني عاقلة يا بنتي... السيدة لا ترغب سوى بسعادتك، ربما هي طريقتها في التكفير عن أخطاء الماضي... والدك لن يكون راضيا عن وضعك... تعملين بكد شديد و تهدرين جمالك و تتجاهلين اعاقتك التي قد تزداد سوءا ذات يوم بسبب هذه الاعمال الشاقة التي تفرضينها على نفسك... قد تكرهين نصائحها ... لكنها محقة للغاية في القلق بشأن سفرك لأفريقيا, هناك يوجد خطر الخطف و الاغتصاب و القتل... شابة حسناء مثلك لن تمر بدون أن يتم الانتباه اليها... قد تكون رحلتك الأولى و الأخيرة نحو الهلاك"
" كما كانت نهاية والدي؟؟"
اعترضت عمتها متنهذة:
" فلانتينا..."
أوقفتها فيرنا بعصبية:
" توقفي عن مناداتي بهذا الاسم أكون منونة..."
" انه الإسم على شهادة ميلادك..."
" أبي اختاره لأنه اسمها الثاني... لا أريد أي علاقة معها لما تبقون ايديكم على أذانكم و ترفضون فهم ما أقوله... يمكن أن تكون المهمة التي أنوي القيام بها خطرة نوعا ما... لكنني سعيدة للغاية بهذه التجربة و أتحمل مسؤولية ما سيعقب... على الأقل هذا خياري... ما أصاب أبي كان خيارها هي و رأيتم بأنفسكم نهاية حبه وولائه لتلك الشمطاء الشريرة... أخدت مني الشخص الوحيد الذي أحبني بصدق... أخدت مني أبي"
هذه المرة لم تعد قادرة على كبث تعاستها، انهمرت دموعها بشدة، دموع خيبتها في حياتها، في رجل ظنته بشكل ما يشبه والدها لكنه أخفى بأنه مرتبط و أيضا أب لطفلة رائعة، لم تعد تتحمل ارهاقها النفسي، و ترفض أن تكون لعبة لجورجينا، ليس الحب ما يحفزها، تلك المرأة تكون لها أهذاف ما عندما تهتم فجأة بأمر شخص ما.
فجأة شعرت بجسد يلتقطها من مكانها كي يضمها اليه بكل رفق و حنان، انها تعرف جيدا هذا الحضن، هو نفسه من أخرجها مرارا من كوابيسها ليلا و هي صغيرة بعد أن فقدت والدها، مسح على شعرها طويلا الى أن هدأت، هزت نحوه عيون متورمة شاكرة و سمعته يوجه الكلام الى شقيقته:
" هذا يكفي... جورجينا تأخرت ثمانية و عشرين سنة، أخبريها بأن فيرنا بالغة و ستفعل تماما كل ما يحلو لها و أنا سأساندها... و ان كانت تنوي قطع معونتها الشهرية فلا باس بذلك... سأعمل مرتين زيادة لأكفلها... اكتفينا من اوامرها... "
لم تجب عمتها، أبقت فحسب نظراتها على شقيقها لا تعرف بما تجيب، كل تضحيات عمها إيليو لها منذ سنوات، لم يتكفل فقط بأمرها هي بل بمارسيلو أيضا، لقد كان ابن زوجته من رجل آخر، تتذكر فيرنا طيبة تلك المرأة التي ماتت بسبب مشاكل في الرئة لم يتم السيطرة عليها، تكفل ايليو بإبنها، و عندما قرر الزواج للمرة الثانية لم تسر الأمور كما تمنى، الخطيبة لم تكن لطيفة معهما لذا قرر قطع خطوبتهما فورا و السهر عليهما... هي كانت كبيرة كفاية للاعتماد على نفسها، بسبب اعاقتها يرفض ايليو ابتعادها عن جناحه.
" لا تبكي عزيزتي أعدك الا تزعجك تلك المرأة مجددا"
* * *
" هل فكرتي جديا في عقوبة مطالبك جورجينا؟؟"
في حقبة بعيدة، مثلت جورجينا لها منافسة خطرة، يُشاع ان ثمة علاقة ربطتها بيانيس، ملكة جمال ايطاليا، في ذلك الوقت حامت حول أشد الرجال سلطة، لكن يانيس موهوب في الاغراء فقط و لا يتزوج عشيقاته، جورجينا تحتاج لإسم عريق كي يفكر جديا بها العرّاب، لذى ساعدها في مهنتها مقابل ليالي اغراء، لم تتمكن منه لدرجة انها لاحقته الى صقلية و أغرت دومينيكو كوستانسو الذي كان صديق يانيس المقرب كي تثير غيرته، ما حذث أنها تزوجته و لم تنجح خططها بشأن عشيقها السابق.
" لا مخرج آخر... روكو يملك الكثير من النفوذ..." قالت جورجينا بثقة و هي تزم شفاهها الجميلة.
" هذا صحيح... لكن تنسين أنه الصديق الروحي لسيزار..."
لا يبدو ان هذه الملاحظة راقتها، بدأت تلعب بالعقد الماسي الذي يزين رقبتها الخالية من اي تجعيدة، و كأن الزمن لم يمر على هذا الجسد.
" لسنا مضطرين لمنحه الكثير من التفاصيل..."
ابتسمت سبرينا و انحنت أكثر الى الأمام كي تتطلع الى عينيها الرماديتين:
" لسنا ماذا؟؟" اتسعت أكثر ابتسامتها على اسنانها البيضاء:" يكفي أن تضعي القليل من الشك..." وحددت لها الكمية باصابعها المشذبة بعناية :" القليل فقط... من الشك في عقل روكو... كي يكتشف أسوأ أسرارك جورجينا... ورث دهاء والده فلا تظني أنك الأذكى..."
رأت وجنتيها تفقدان القليل من لونهما، انها من الأقلية الشديدة التي تعرف بشأن مغامرتها القديمة مع البستاني الوسيم جدا و الذي سلبها رشدها فإرتكبت الحماقة التي يُصعب تصليحها، انتهى الموضوع بشكل سيء للغاية...
" وحده يملك السلطة ليمنعها من الابتعاد..."
" رجل شديد الملاحظة مثل روكو سيراك فيها فورا عزيزتي... انتما تشبهان بعضكما بشدة، ربما فلانتينا ورتث لون شعر والدها لكن وجهها مطابق لوجهك حتى في هذا العمر لا يمكننا تجاهل الشبه..." عادت سابرينا لتستوي في جلستها و تضع رجلا على رجل:" جدي حلا آخر لمنعها من الخروج عن الحدود الايطالية... سيكون هناك تسوية مناسبة افضل من حشر روكو... لأنه في نهاية المطاف... ان عرف روكو ان لك ابنة تنوين حمايتها... فسيعرف سيزار بأن له أختا... و الله وحده يعلم ما سيحذث بعدها..."
زمت شفاهها:
" و كأنني لا أعرف ما سيعقب... نصف شقيقات داركو لسن من دم سيليو... أنا و أنت فقط نعلم بهذا الشأن، ايستر لم تتحمل يوما زوجها و مغامراتها لم تكن من أجل الحب... ما حصل مع والد فلانتينا مختلف... وقعت حقا بحبه لكن دومنيكو رفض منحي الطلاق، هدد بحرماني من كل شيء حتى من أطفالي... كان على يانيس أن يقحم نفسه..."
" يانيس و دومينكو كانا أصدقاء منذ الطفولة... لا تظني بأنه سيتركك تشوهين سمعة صديقه..."
" تعرفين ما فعله زوجك بي..."
" الماضي وراء ظهورنا..."
" لقد جعلني أوقع على تنازل كامل لكل حقوقي الشرعية في حالة تركي زوجي و الهروب مع عشيقي..." أتممت جورجينا و كأنها لا تسمعها:" أدخل كل عائلتي للسجن و أنهى مستقبل شاب في مقتبل العمر وسد كل الأبواب في وجهه... تظن فالنتينا بأنني السبب، بأنني هجرتها و هجرت والدها عن قناعة..."
تتذكر غضب يانيس حينها، حتى الجبال لا تطيق لعنته، مسكينة جورجينا، في ذلك الوقت فقدت نصف وزنها، لا أحد يتمكن من تحمل عداء رجل مثله، سرعان من هجرت الطفلة لوالدها و عادت الى صقلية مدعية انها فقدت حملها و كل الأمور اتخذت وضعها الطبيعي... والد سيزار كان ضعيفا أمام سحر زوجته، لقد كان يعشقها بشدة، جورجينا رغبت برجل مسيطر مثل يانيس، رغم هذه الكراهية التي تتكلم بها عنه الا انها الوحيدة التي بكيت كثيرا على موته كما لم تبكي على موت زوجها.
" ستضيع مني ابنتي ... أرجوك كلمي روكو... حيكي أي قصة ممكنة لأقناعه فأنت تعرفينه أكثر من الجميع..."
" قصصي لم تعد كافية جورجينا فقد اكتشف أن صوفي ابنته و منذ ذلك الوقت و هو عاجز عن مسامحتي" بدت الخيبة على وجه زائرتها:" اسمعي... لما لا تلغي عقدها؟؟ ادفعي المال لمسؤول كبير كي يبطئ الاجراءات ريثما نجد حلا..."
" لا يمكنني فقد سبق و حاولت..."
" اذن استخدمي حارسا شخصيا لها حتى انهاء مهمتها... لا تملكين خيارا اخر... و ان كنت مصرة للغاية على حشر روكو في الموضوع فتأكدي بأن وثيقة ولادة ابنتك السرية ستصل اليه حتى قبل أن تخرجي من مكتبه... فكري جديا فيما أقول، لا تتعاملي معه ان كنت خائفة من أن يتم فضح ماضيك 'كارا'..."
* * *
اختيار مدينة العشاق لقضاء 31 ديسمبر وإنهاء العام بأناقة هو اختيار موفق بلا أدنى شك، كاتدرائية القديس مارك في الليل ، المطبخ الإيطالي العالي: ليلة رأس السنة في البندقية لا تنسى، و انطباعها السيء بلقائها بروكو ايميليانو انقضى تقريبا بفضل سحر ما يحيط بهم الليلة...الا صورة ميخايل... أو خافيير أو مهما كان اسمه... مازالت عواطفها في انفجار تام منذ أمس.
ايفا و جيمي اصرا على دافيد بالبقاء بالرغم من رغبته الشديد للاختفاء و الانفراد بنفسه، يبدو هو ايضا في حالة نفسية مزرية أكثر من حالتها شخصيا، لا تعرف ما يحذث بالضبط في رأسه الا انها بالتأكيد تتفهم كرهه لصقلية، هي ايضا انضمت للقائمة، لن تعود يوما الى هناك، تعرف أيضا أن حبيبته السابقة مع رجل آخر، و بأن علاقته باردة بزوج شقيقته التي اصرت عليه النزول عندها، خيارت دافيد دوما مميزة، و لأنه ايطالي فقد اختار لهم مطعما أنيقا بأطباق محلية استثنائية ليس بعيدا عن ساحة سانت مارك بحيث هناك ترثيبات لحفل سيدوم حتى الصباح.
أحبت الأطباق المحلية و لم تحب أبدا اكتضاض المدينة بالسياح الذين أتوا خصيصا لعيش أمسية لاستقبال السنة الجديدة، شعرت بيد دافيد على يدها، بدى و كأنه طرح عليها السؤال مرارا:
" لم يعجبك الأكل؟؟"
رأت النظرات المتواطئة بين ايفا و جيمي، تظنان حقا بأنها ستسقط في سرير دافيد فقط لأنه رقيق معها؟؟ سبق و أخبرتهما بأنها تثوق لعيش قصة حب، و لا تنوي عيش مغامرة جسدية مع فارس أحلام مراهقتها.
" انه لذيذ.."
عادت تحملق للاطباق الموضوعة بعناية على الطاولة،سمك التونة المبستر مع الأعشاب العطرية، Bacchala Mantecato و mantecato snapper على عصيدة من دقيق الذرة الأصفر والأسود،رافيولوني مع الاسكالوب وكريمة الكركند، فيليه تربوت مع البطاطا المقرمشة والزيتون تاجياشي مزين بالكوسا، ميرنغاتا مع صلصة التوت و ثاني قنينة شامبانيا شبه فارغة، كمية الكحول لم تنجح بفك أعصابها، بما انها ماتزال تفكر في خافيير فهذا يعني بأنها ليست ثملة كفاية.
" أريد الانضمام للساحة و الرقص على انغام D-Jحتى الصباح... أنا متحمسة..."
أشارت الى النادل، تريد شراب أقوى، هي بحاجة لما هو أقوى كي تنسى جنون الاربع و العشرين ساعة السابقة..." قنينة تاكيلا من فضلك..."أمام نظرات الجميع المتسلية و الفضولية:" انها ليلة مثالية... ليلة للرقص و الجنون..."
" تعجبك ايطاليا؟؟" سألها دافيد بنصف ابتسامة متهكمة.
" أكره ايطاليا... "
انفجر هذا الأخير في الضحك، دمه ليس ايطاليا بالكامل، فهو نصف ايطالي نصف انجليزي و نصف برازيلي، لكنه أمريكي بكل ما للكلمة من معنى.
ضحكته تدير رؤوس نسائية، لكنه موجوع متخبط في يأس يرفض تقاسمه مع أحد، ليست هذه نظرات دافيد المتألقة و الشقية، انه في حفرة وجع، تراه تائه النظرات و متألما، لكنه ممثل رائع، يمحي كل هذا بنفس السرعة التي تظهر فيها عليه.
" دافيد ريتشي... أنت تملك معجبات..." همست له و هي تشير الى طاولة غير بعيد.
" العكس ما سيفاجئني..."
انفجرت ايفا و جيمي في الضحك بينما علقت ناومي ساخرة:
" أنت حقا مغرور...ذات يوم ستجد من لا يؤثر بها جمالك الفاحش دافيد ريتشي"
لم يعلق، ابتسم لها ابتسامة لم تصل الى عينيه و التقط قنينة التاكيلا التي وصلت ليخدم الجميع، عيناه المميزتي الزرقة منطفئة الليلة... الفاثن عاد ليدفن سعادته مجددا في صقلية.
* * *
الإدمان لا يقتصر على المخدرات و غيرها، انها مزاولة سيئة تشمل البعض، وهي ادمنته، اصابعها ترفض الرد على رسائله، ربما هي محتاجة للوقت، لكن حاجتها الى دعمه ووجوده أكثر من اي وقت مضى، سيسيليا طارت الى الأندلس عند عائلتها كما تفعل كل نهاية سنة، لم يتبقى غيرها و غير آيا في القلعة، هذه الأخيرة ماتزال مريضة و لا تخرج من غرفتها، وهي من يسهر على التوأمين لأن المربية أيضا رحلت لتمضية نهاية السنة مع عائلتها.
خوسيه يتصل كل ساعة تقريبا، مزاجه جهنميا، لا يتوقف عن القاء الأوامر، انفجر في الغضب عندما أخبرته بأن المربية أخدت اجازتها، نسي تماما أنه نفسه من وقع على اجازتها، هذا التقلب المفاجئ في تصرفاته يتركها حائرة، فلتكن صادقة مع نفسها، ظنت ان عاداته ستتغير هذه السنة، لسيما بمجيئ التوأمين الذين غيرا حياته، لكنه هرب مثل لص دون تنبيه، لم تجرؤ بسؤال آيا... عموما هي ايضا بدت متفاجئة بغيابه، تعترف بأن ما يربط الاثنين يفوق قدرتها على الفهم و لا تنوي التورط في مشاكلهما، التوأمين هما نعمة من الله و قد غيرا حياتها، تتوق بشدة لتصبح عرابتهما و هذا لن يتحقق الان، يكفي ان تتطلع الى وجهيهما حتى تنسى تعاسة قصة والديها المريبة, و حنينها المؤذي لاليساندرو.
أخدت المادو بين ذراعيها، لكنه كان عصبيا هو الأخر، انه يعاني من غازات منذ رضاعة الصباح، لا يبدو أن الحليب الاصطناعي يليق به، مسدت برقة على بطنه:
" هكذا أفضل اليس كذلك؟"
كشر، و كانه ضد خلاصتها، لا فهو ليس بخير، التقطت هاتفها و بدأت تبحث عن طرق طبيعية للتخلص من غازات البطن عند الرضع، لكن البحث تلاشى ما ان ظهر اسم خوسيه مجددا، كم من مرة اتصل؟؟ الف مرة؟؟ لما رحل ان كان سيضل ملتصقا بهاتفه؟
" هل كل شيء على مايرام؟؟" سألها للمرة الألف.
" لما لا تركز فقط على سهرتك المقدسة خوسيه؟؟ أخبرتك بأن كل شيء بخير، ان احتجت للعون فسأتصل بالأرقام التي تركتها لي فلا تقلق..."
صمت قليلا يحاول الاقتناع بكلامها، ثم سألها :
" كيف حال آيا؟؟"
اذن فهذا ما يقلقه أكثر؟؟ لم يحاول السؤال عنها منذ رحيله... تجنب اسمها طيلة اتصالاته.
" عاودتها الحرارة و هي تعسة للغاية لأنه لا يُسمح لها بترك غرفتها و خصوصا الاقتراب من التوأمين..."
" هل عاد الطبيب لرؤيتها؟؟"
" لا..." اعترفت دانيلا:" قمت بحسب بالاتصال و قال بأنها مجبرة على اتباع العلاج ... خلال ثلاثة ايام ان استمرت الحرارة فهو مجبر على نقلها الى المستشفى..."
عاد ليصمت مجددا، كانت هناك جلبة من حوله، يمكنها تخيل موناكو في هذا التوقيت من السنة...
" اتصلي بالرقم الذي تركته لك كي تهتم المربية بالتوأمين لهذه الليلة و ابقي بجانب آيا أرجوك..."
لسبب لم تتمكن من تحديده ، جعلتها هذه الملاحظة الأخيرة غاضبة للغاية.
" لما لم تبقى أنت بحق الجحيم بما أنك قلق الى هذا الحد على حالتها؟؟"
" لأنني آخر شخص قد ترغب به بجانبها..." أجاب ببساطة.
عندما اغلق الخط بقيت مكانها، أشد الناس تناقضا التقتهم في حياتها هو وصيها، أو ابن عمها كما اكتشفت مؤخرا، عادت لبحثها تتقاتل لعدم الغوص في هذه القصة مجددا، حاجتها لاليساندرو تزداد حدة، انه مرتبط بالموضوع بشكل أو بآخر، التفكير في اليونور يقودها رأسا الى علاقتها مع الحبيب الذي اخرجته بجبن من حياتها... نفس الحبيب الذي أعاد قطتها الى البيت لأنها تشعر بالوحدة.
أعمت الدموع عينيها، هي ايضا تشعر بالوحدة و التعاسة و الضياع، قرارها في البحث عن الحقيقة كاملة يمنعها من اي مشاريع حاليا أو أي ارتباطات، ستخضع رحلة العودة الى الماضي، المتحري وصل الى قرية والدتها، حيث كبرت و ترعرت قبل انتقالها الى مدريد لملاقاة مصيرها، في ذلك المكان تم عزلها الى أن أنجبتها... و هناك ستجد الاجابة على كل تساؤلاتها اذا كان روكو المحق في قصته أو سابرينا.
وضعت المادو على ظهره وبدأت تمسد على بطنه تماما كما في الفيديو، هذه الحركات أراحته بشدة على ما يبدو، بدأت غازاته بالخروج مما دفعها للضحك:
" أظنني عرّابة جيدة ..."
كما توقعت ارتاح الصغير ما ان تقلص بطنه و غرق في نوم فوري، أخدت معها الـــ babyphone قبل أن تخرج من الجناح و تغلق الباب خلفها بهدوء، قصدت المكتبة اذ لا تنوي البقاء بمفردها في غرفتها مع اشباحها، و بصراحة آيا فتحت شهيتها للقراءة و الاطلاع مجددا، كانت بصدد اختيار رواية لكارلوس رويز زافون عندما عاد الهاتف يستوقفها مجددا، هل هو خوسيه؟؟ ...
هذه المرة اليساندرو لم يكتفي بارسال رسائل لم ترد عليها مطلقا... كان يتصل بها... بقيت متسمرة مكانها تتطلع الى الرقم دون ان تنجح حتى بإلتقاط أنفاسها... انفلث الكتاب من يدها و أحذث دويا بينما يصتدم بالأرضية الخشبية، عادت الشاشة للظلام مجددا، يمكنها أن تفخر بجبنها... أكد لها روكو بأن شقيقه الصغير لا يعود عندما يتم الرمي به، في الماضي... عندما وضع العرّاب شقيقه أمام خيار... اختار هذا الأخير أن يكون أمريكيا و تجرد من صقليته، لم يبقى له منها سوى الشهرة... يبدو أن جينات يانيس لم تؤثر به.. اليساندرو يترك كبريائه جانبا و يصر عليها و هذا... هذا يجعلها ضعيفة للغاية.
من المستحيل أن تبقى بمفردها أمام شاشة تحمل مكالمة مهجورة لم يتم الردّ عليها...تنهذت و انحنت على الكتاب الذي سقط على وجهه، استقبلتها الأحرف بسخرية، تهرب من الواقع لخيال 'زافون'، هذا ليس الحل بحق الجحيم، لا يمكنها التهرب من مواجهة كلامية حقيقية مع رجل اهداها كل شيء، لا يستحق منها هذا اللؤم المجاني... لكنها عاجزة عن نسيان انه ابن يانيس ايميليانو.
تأبطت الكتاب و قررت العروج على جناح آيا كما وعدت خوسيه قبل الالتحاق بغرفتها، ضحكة مخنوقة استقبلتها، اتسعت عيناها الى آخرهما بينما تراها مكورة في سريرها أمام التلفزيون:
" يبدو ان المضادات الحيوية أتت أكلها..." لاحظت دانيلا مسرورة.
" هذا صحيح..." قالت آيا وهي تحاول الاعتدال في جلستها، بدت حقا صغيرة بشعرها الطويل المكوم على كتفها و وجنتيها الزهريتين بقعل الحرارة، لكنها تبدو أقل مرضا من الصباح:" سئمت النوم ... لذا وجدت فلم كوميدي و قررت رؤيته... "
القت نظرة على جهاز التلفزيون المعلقة على الحائط:
" وهذا ما يجعلك سعيدة؟؟؟ سمعتك تضحكين..."
" انها نهاية السنة... لا انوي استقبال العام الجديد بين الأغطية... ما رئيك أن نتابع مشاهدته معا من الصالون؟؟"
شككت دانيلا في حماستها، لكم آيا محقة في رغبتها بالابتعاد عن السرير، وهي... بكل صراحة... تفضل عدم الاختلاء بخيباتها في غرفتها.
بعد قليل كانتا على الكنبة أمام الشاشة العملاقة، رغم حرارة المكان المعتدلة الا ان آيا تضع عليها بطانية، مسافة محترمة بينهما تفاديا لأي عدوى، التقطت دانيلا كأس الكوكتيل الذي حضرته لنفسها بينما رفيقتها تدفئ أصابعها في كوب شكولا ساخن:
" نهاية سنة غريبة هيه؟؟ الا يفترض بك التواجد في نيويورك مع الوسيم اليساندرو بدل الاهتمام بصغيري وصيك؟"
ابتسمت دانيلا و حطت عيناها على الشاشة المضائة، تجاهلت الرد على ملاحظتها:
" هذا هو الفلم الذي يخرجك من مرضك؟؟ "
نفخت آيا على شرابها:
" رابيل ويلسون تلعب دور ناتالي و هي امرأة تكره كل ما له علاقة بالرومانسية، تتعرض لحاذث كي تجد نفسها فجأة عالقة مباشرة في قلب عالم الخطمي من الكوميديا الرومانسية... "
" امرأة ضد خداع أساطير الحب الرومانسي ؟؟ "
" تضطر للعب اللعبة..." أضافت آيا." كي تخرج من كابوس الرومانسية التي يحيطها"
عادت دانيلا تتابع الفلم الذي يجعل زوجة وصيها مسرورة... و اصغر من سنوات سنها الحقيقية، قلما تراها متخلية عن حذرها و منشرحة، في وجود خوسيه تكون شبيهة بمحاربي الساموراي مستعدة للقتال.
الفلم كان كوميديا و ابعدهما عن حالة التعاسة و المرض و اليأس الذي تعيشه كل منهما من جانبها، انسجمتا فورا مع الأحذاث و تشاركتا الضحك على نفس المواقف المضحكة، تعترف إن الفكرة الجيدة الحقيقية لهذه الكوميديا العاطفية وما يسمح لها بتمييز نفسها على نطاق واسع تمامًا هو تفكيك النوع الذي توضحه بلطف... لكن ما ان قررت نتالي تجربة حظها في الغناء و انطلقت رائعة Whitney Houston في أغنية I Wanna Dance With Somebody حتى تركت مكانها لتبدأ بالرقص، انها نهاية السنة حبا بالله و قد هجرت خطيبها مع قطتها المسكينة و لا تنوي أبدا الغوص في تعاستها.
{... أريد أن أرقص مع شخص ما
أريد أن أشعر بالحرارة مع شخص ما
نعم ، أريد أن أرقص مع شخص ما
مع شخص يحبني
أريد أن أرقص مع شخص ما
أريد أن أشعر بالحرارة مع شخص ما
نعم ، أريد أن أرقص مع شخص ما
مع شخص يحبني...}
يبدو أن قصبات آيا الهوائية تحمست لفكرة التسلية، ما ان مدت لها يدها حتى قبلتها و رافقتها في جنونها، لم تعد خائفة من العدوى اللعينة، العدوى الوحيدة هي ان تنغلق على نفسها و تنفجر من قهرها، يبدو أن زوجة خوسيه تملك صوتا رائعا للغاية رغم تضرر صوتها، الا انه يمكنها التقاط روعته... السهرة بعيدة على أن تكون مملة في النهاية.
* * *
" أنا أحلم"
ملاحظ فلورانس دفعت بريانا و البقية للاستدارة نحو الفردين الوحيدين المفقودين في المجموعة، أقطبت بينما تنتبه الى أن خوسيه مارتينيز لم يصل مع زوجته الشابة و الفاثنة، بل شقراء ملفوفة في فستان سهرة مثير، خنقت روبي ضحكتها بيدها بينما بيانكا فتحت فمها و عيناها على آخرهما بلا تصديق.
" من اين اتى بها؟ هل هي Escort girl؟"
" per favore cara " نبهها داركو وهو يضع يده على يدها" لا ملاحظات!..."
التقت نظراتها بروكو، هذا الاخير يكرر نفس الكلمات بنظراته الغامقة، وماعساها ان تقول؟ سبق و اخبرته بأنها تكره طريقة عيش خوسيه، ظنت ان الامور ستتغير منذ زواجه الا ان انحلاله بدون دواء على ما يبدو.
" لا أنوي تقاسم سهرتي مع عاهرة.. أرفض البقاء!"
هذه الملاحظة أسقطت صمت جليدي على الطاولة، كي لا يغير الرجال من عادتهم السنوية قررن المجيء، لتكن صريحة مع نفسها لم تتوقع أبدا مجيئ آيا مع خوسيه، سبق و أخبرها روكو بأن ما يجمهما هو ورقة، و الكل يعرف هذا بلا أدنى شك، لكنها ترفض مثل فلورانس تقبل خيانة خوسيه العلنية، بشكل أو بآخر هذا يمس سمعة الصغيرة التي أتت على وضع صغارها... كم تشعر بالشفقة عليها.
تم استئجار صالون خاص في أرقى مطاعم مونتي كارلو، في آخر مرة، كادت ان تفقد حبيبها بسبب قناص غامض، لديها ذكرى سيئة، العودة الى هنا ليس بالهين، لكنها لن تفسد مطلقا سهرة تبدو مقدسة لجميع الذكور، يكفي أن اليوم بدأ بشكل سيء للغاية لروكو الذي لم يتمكن من اقناع صوفي بمرافقتهما، كل السبل لاستمالة المدللة الصغيرة فشلت، أخبرته أن يحترق مع دعوته المريبة، بأنها تفضل الموت على امضاء وقتها معه... مثل المعتاد يظل صبورا أمام قسوتها، يظن بأنه يستحقها... صوفي موهوبة في دفعه للاحساس بالذنب.
" فلورانس سيسمعك..." عاد داركو ينبهها ببعض الحدة هذه المرّة.
" وهل تظن بأنه سيستوعب شيئا؟؟ يبدو ثملا..."
فلور لا تحتفظ مطلقا بملاحظاتها لنفسها، و دوما مستعدة للقتال بشراسة للدفاع عن رئيها، خوسيه بدى بمزاج سيء للغاية بعد وصوله، تجهل من أين التقط هذه المرأة التي لا تناسبه، تبدو رخيصة ايضا، عكس نسائه الاعتياديات، هل هي محاولة يائسة كي لا يشعر بأنه بمفرده الليلة بينما يرى كل أصدقائه مع نسائهم؟
"فلورانس... من فضلك... ليس الليلة..." هذا كان تنبيه روكو وهو يقف من مكانه ليستقبل صديقه، هذا الاخير انشقت ابتسامة متهكمة على وجهه، كان يبتعد عن رفيقته و كأنها تقرفه... ياله من توقيت سيء للمزاح.
" مرحبا... المطعم رائع مثل المعتاد... صديقي روكو الأجدر في مفاجئة الكل... أنت وسيم يا رجل"
أحاط كتفي روكو بذراعه:
" أقدم لكم تاتيانا... "
" براندا..." صححت المرأة دون أن تعير اهتماما للموضوع.
" اسم العمل..." شرح الاسباني قبل أن ينفجر في الضحك:" انها لا تؤمن بالقصص الخرافية... و بالتأكيد... لا أحد يريدها هنا... الكل تزوج و ترك العبث خلفه"
" تعالى معي..." شد روكو بحزم على ذراع صديق، و كأنه متبوع بسلسلة حديدية، بدأ الرجال بالانسحاب الواحد تلوى الأخر، داركو، سيزار، ثم اليخاندرو.
بقيت المدعوة براندا تتطلع اليهن ببعض الفضول، كما توقعت وقفت فلورانس من مكانها:
"مالذي تنتظرينه يا فتاة؟؟"
" 1500 يورو ..."
" الم يدفع لك؟؟" هزت هذه الأخيرة رأسها بالنفي، أخرجت روبي فورا دفتر شيكاتها و بسرعة زركشت الرقم قبل أن تلتقطه منها فلور و تمنحه للمرأة التي القت عليه نظرة لتتأكد بأنه يحمل المبلغ المثفق عليه من قبل مستخذميها:" و الأن اختفي من هنا قبل أن أوشم لك الرقم في مؤخرتك"
عادت روبي تحبس رغبتها المجنونة في الضحك، لكن بريانا لم تعد قادرة على تحمل الموضوع أكثر، ما ان التقت نظراتهن حتى انفجرن في الضحك الهستيري، أفرغت بريانا مخزونها قبل أن تستعيد جديتها، بيانكا لا تشاركهن الضحك، بدت متأثرة:
" لا يبدو سعيدا في زواجه..." شرحت لزوجة والدها التي جلست بالقرب منها :" ما حذث اللحظة ليس مضحكا... "
" خوسيه ليس مغرما... لا أظنه قادرا على ذلك مع امرأة..." تدخلت روبي بواقعية:" انه بالغ و ما يفعله في حياته يخصه فقط..."
" آيا أيضا لا تحبه..." أكدت بيانكا بينما تدفع خصلات شعرها جانبا:" كانت منجذبة لأليخاندرو في فترة من الزمن... أظن أن هذا يجرح أي رجل لسيما أن كان متملكا و غيورا مثل خوسيه"
لا يبدو أن هذا التصريح فاجأ أحد، يبدو ان الكل على علم بمشاعر آيا لأليخاندرو، هي عن نفسها اكتشفت الموضوع مصادفة، نظرات امرأة عاشقة لا تُخطئ.
" انت تدافعين على سفالته بيانكا..." نبهتها بهدوء:" كل منا يعرف الظروف التي تزوج بها الاثنين... خوسيه لا يستحق أي ولاء من تلك الفتاة... لو كنت مكانها لتركته...لا يحق لك القاء الملامة على تلك المسكينة"
" بريانا..." استوقفتها روبي مدافعة:" خوسيه مرّ بظروف صعبة للغاية... أخبرني سيزار بأنه فقد حبيبته منذ زمن و لم يتمكن من ايجادها في أخرى"
" أنت فنانة رومانسية و ترين من هذا المنظور العاطفي المتفرد... في الحقيقة أجرم بحقها.. مهما كانت الشروط بينه و بين آيا الا انه ظهر علنا مع نساء غيرها و هذا يؤذي مشاعر أي كان..." قالت بريانا.
" خوسيه غير متزن عاطفيا..." أكدت فلور و هي تلتقط كوكتيلها الذي لم تلمسه اي منهن حتى الأن:" أحبه بشدة نعم لكنني أخشى من تأثيره السيء على زوجي"
" على زوجي أيضا.." اعترفت روبي التي كانت اللحظة تدافع عن خوسيه بحرارة.
" اذن فكلتاكما تدافعان عنه و تنتقداه..؟؟..." تسائلت بريانا بسخرية.
" سفالته ما يجعله مميزا.." ردت فلور بضحكة خفيفة:" ان كانت آيا مختلفة فستتمكن منه، ستغيره و تجعله تماما كما تريد هي!... "
" لو كانت آيا عاقلة بنظري لهجرته... عليها حماية نفسها منه، فلا شيء يمكن أن يغير عاداته السيئة... أظنها أفضل منه... روكو يفقد رشده عندما أكرر هذا الكلام، من المستحيل مناقشته مساوء صديقه... يضعه فوق أي تقديس"
" ليس روكو فقط..." اعترفت فلور:" عندما سألت داركو اكتفى بالقول 'أحبك بشدة كارا لكن لا تقحمي نفسك في علاقتي بأصدقائي'"
ضحكت روبي معلقة بنعومة:
" اظنهم نسخوا نفس الجملة..."
" أمر مؤسف للغاية ... لقد رزق بطفلين رائعين... أي شيء أكثر من هذا كي يغير المرأ؟؟" قالت بريانا متنهذة بأسف:" أظنه عابث و مغرور أبدي..."
لو رزقت بطفل من روكو لتغيرت الكثير من الأمور بينهما، ربما أصبح أكثر أنانية ليفكر في نفسه بدل أن يفكر في الأخرين كل الوقت.
" انهم هنا... " نبهتهن بيانكا التي لم تنتقض خوسيه بكلمة واحدة.
الاسباني الوسيم مازال مبتسما تلك الابتسامة القسرية بينما يلمع بشدة بين اصدقائه، تجهل ما حذث بينهم في الخفاء الا انه يبدو أكثر استرخاءا، يمكنه أن يكون فخورا بوجود هؤلاء الرجال الى جانبه، يمدون ايدهم اليه في كل محاول سقوط، رأته ينتبه اخيرا الى أن رفيقته المريعة غير موجودة، بينما بدأ الرجال يأخدون أماكنهم بجانب نساهم، تمتم ما ان انهار بجسده القوي على مقعده:
" أين جاكلين!؟..."
" براندا" صححت له فلور متهكمة وهي تمنحه ابتسامة شاسعة متحدية:" قمنا بالتخلص منها... لا تقلق فقد دفعنا لها، روبي كانت سخية...."
برقت عيناه بتسلية و ابتسم لها متهكما تلك الابتسامة التي تليق بشدة برجل مثله:
" داركو فالكوني... لقد تم النصب على زوجتك ..."
رأت وجه الأميرة يشحب من الغضب، روبي التي دفعت الشيك لم تتأثر بالموقف مثل فلورانس نفسها، رأتها تقف مجددا من مكانها مانحة مجددا الرؤية الشاملة للجسد الرائع و سط فستان أسود سهرة بلا أكمام، محاولات زوجها لتهدئتها لم تنفع، تعرف جيدا الأن هذه المرأة كي تشك بإستسلامها، منعته من اللحاق بها بينما تهجر المكان كالعاصفة:
" ستقوم بقتلها..." ردد هذا الأخير بيأس وهو يغادر المكان بدوره ملقيا في وجه خوسيه:" هل كنت مضطرا لاستفزازها بحق الجحيم؟؟"
فلورانس لم تقتل المرأة لأنها عادت بعد عشر دقائق و بيدها الشيك تلوح به لخوسيه قبل أن تضعه على الطاولة أمام روبي التي ابتسمت ملئ فمها لربحها هذا التحدي، الأميرة عادت لتجلس بأناقة على مقعدها و ترد ابتسامة الاسباني المسترخي في مقعده بدوره، مستمتعا بشدة بالعرض:
" لا أحد ينصب على زوجة داركو فالكوني..."
تعالت التصفيرات لكلامها، حماسة لم يشارك بها الأمير الذي جلس بجانب زوجته مقطب الجبين، وجه اليه سيزار الكلام بدعابة ساخرة:
" هل مازالت المرأة حيّة؟؟"
" أفضل نسيان الأمر..." قال داركو بجدية.:" لكنها لن تنسى لقائها هذا لوقت طويل"
يبدو أن الأمسية التي بدأت بشكل سيء تعتدل أخيرا، لم يحذث ما يربك الامزجة، تخللت الدعابة وجبة العشاء الفاخرة،الأمسية استثنائية من عروض الصوت والضوء على واجهة كازينو دي مونت كارلو في قلب مكان أسطوري حقا بحيث ينوي الرجال اتمام سهرتهم بالتأكيد، و استقبلوا العام الجديد في مزاج جيد!
تبادلت قبلة مع روكو الذي لم ينوي تفويث اللحظة بينما تنفجر الالعاب النارية في السماء و ترتفع الهاتافات من كل مكان، كانت تشعر بنفسها تذوب تحت حرارة نظراته:
" انها سنتنا الأولى..." قالت له بنعومة، الكحول يجعل منها حالمة للغاية.
" لن تكون الأخيرة أعدك... عيد سعيد حبيبتي..."
اتسعت ابتسامتها:
" أين هديتي؟"
" في جيبي..."
يمكنها التخمين... مجوهرات مجددا؟؟ كم أصبحت تملك بحق الجحيم؟؟ بينما الكل يقوم بتبادل التهاني حطت عليه نظراتها الأكثر جدية:
" ما أريده ليس في جيبك أيها الوسيم..." تجرعت رائحة روكو المميزة التي تثملها و معها بعض الحذر بينما تتابع بإصرار:" سأوقف استعمال حبوب منع الحمل... أريد طفلا روكو"
* * *
" happy New Year......."
هز سانتو عينيه بعيدا عن أكوام الأوراق المكومة فوق مكتبه، ان كان ينتظر زيارة مماثل في قلب الليل؟؟ ايموجين في اطار باب مكتبه، لا ترتدي شيئا سوى لانجري ساخنة من ثلاث قطع، قنينة شامبانيا في يدها، كانت الاغراء بعينه بشعرها الاحمر المتموج حولها، و جسدها الذي لا خطأ فيه، تجاهلها منذ عودته من أروبا، لكن زوجته الفاثنة لا تستسلم أبدا.
" مالذي تفعلينه هنا؟؟ أين اوكتافيا؟؟"
يبدو أن قلة اهتمامه بعرضها المغري أزعجتها، لا يحتفل أبدا برأس السنة، برئيه لا يختلف عن باقي الأيام المتشابهة، وهي تعرف جيدا بأنه لا يمنح اهتماما لهذه السخافات، لكنها فضلت قطع المحيط لملاقاته بالرغم من تأجيله المستمر لهذا اللقاء الحتمي، لا يطيق رؤية أحد، منذ ما حذث مع فيرنا لا يحتمل الاختلاط بالبشر، لسيما زوجته.
" أراك متحمس لرؤيتي..." قالت بخيبة وهي تتقدم الى قلب الغرفة و تضع قنينية الشامبانيا على الطاولة المنحذرة أمام الكنبة:" تجهل ما تكبدته للوصول الى هنا و امضاء الليلة معك... مع زوجي الذي وعدني ان نحاول لانجاح زواجنا من أجل ابنتنا, انت لا تقوم بأدنى مجهوذ..."
ثم بدأ العضاض، ملامة ايموجين لا تتوقف عند الحدود المعقولة، فهي ترتدي رذاء المرأة المغلوب عن أمرها، لكنه يمنحها العذر، هو الملام الوحيد، منحها فرصة أخيرة بينما في قرارة نفسه يرفض الإستمرار في زواج لم يعد يتحمله.
" اين ابنتي؟؟"
" تركتها مع أهلي في أمريكا..." ردت بنبرة خشنة:" أتيت و بنيتي امضاء بعض الوقت مع زوجي... أخد يومين عطلة ، فقط أنا و هو كما لم نكن منذ سنوات طويلة..."
تحولت خديها إلى اللون الوردي تحت تأثير الغضب و أصبح فمها أرجوانيًا. لم تبدو له أكثر ازعاجا مما هي عليه في هذه اللحظة، ليس مستعدا لأي نوع من أنواع المشاذات الكلامية، ايموجين مثله، تطمح دوما للخروج منتصرة من أي نقاش، وهو حاليا تعزيه بشدة وحدته، كان يأمل لو أن فيرنا أقل احتراما لذاتها كي تقبل بوضعه و تنسى أمر القطيعة، أمنية أنانية و غريبة، فما أحبه في تلك المرأة هو نزاهتها الشديدة.
" تعود مجددا لتقليل من شأني!..."
" دور الضحية الذي تتعمدينه أصبح سخيفا ايموجين..." انطلق بالقول وهو يغادر مكانه ليتوجه نحوها:" أخبرتك بأنني أرغب بالبقاء بمفردي، لكنك تقومين بالرحلة متجاهلة تعليماتي و تناقضينني لأنني لم أوفر لك الاستقبال المطلوب..."
" هذا هو عيبك تماما... تستمر بالقاء التعليمات و لا ترى من زاوية أخرى بأنني تكبدت كل هذا العناء لأنني أرفض تركك وحيدا في ليلة مماثلة... على الأقل أحاول أن أكون زوجة جيدة... لكنك لست متعاونا بالمرّة..."
" لم يطلب منك تكبد كل هذا العناء.."
قاطعته بخيبة.
"رأسك مليء بالأفكار المسبقة عني ...بالأفكار الجاهزة و السلبية"
" لأن على علم بانهيار واجهتك المزيفة قريبا..."
" لا ترغب حتى بالمحاولة بينما أترك عالمي خلفي من أجلك..." أمسكت بيده ووضعتها على الانتفاخ الجميل لصدرها:" هيا كيليان... أعرف بأنني أثيرك، من هذه الناحية طالما كانت الكيميائية قوية، نحتاج فقط لبعض المزاولة المستمرة كي تشتعل النار مجددا حبيبي... المسني... افعل بي كل ما تشاء..."
بدت بشرة يده السمراء متناقضة من بشرتها الحليبية، ليس بحاجة للجنس كي يدرك أن الهوة التي انفرجت بينهما لن تلتئم مجددا، ترك قلبه مع فيرنا، قد تفرقهما الظروف و أيضا كبريائها و مبادئها لكنه لا ينوي ترك الأمور على حالها، لن يستمر بالتوجع لأنها فضلت التخلي عنه أمام زواجه، سيعمل على أن يجتمع بها، و كي يصل الى هذا الهذف على ايموجين التنحي منها... استعاد يده اليه!.
" لن ينجح لأنني لا أشعر بشيء نحوك..."
رآها تشحب تحت تبرجها المثالي، لا يبدو أنها توقعت هذا، لسيما أنها من طلبت الاطلاق في المرة الأولى و هو من حاول لأجل أوكتافيا، هو من وضع تلك الشروط القاسية و هي قبلتها لمفاجئته!
" بالأحرى... لم تشعر يوما بشيء نحوي" سمعها تقول من بين أسنانها:" في ميدان مونتي كارلو للسباق اخترتني من ظمن كل الحاضرات... و لليوم أتسائل مالذي جذبك في بينما أظهرت علامات السأم في بداية علاقتنا! مالذي أبقاك؟!..."
لوكا كان صديق اليساندرو ايميليانو ببساطة...هذا التصريح سيدمر كبريائها المبالغ فيه، لا ينوي تقاسم أشباح ماضيه مع أحد... ربما فعل... مع فيرنا... تقاسم معها ما لم يفصح به لأحد... وهو يفتقدها لدرجة أن أحشائه تتمزق بحدة.
" أريد أن نتكلم كبالغين ايموجين... للمرة الأولى... يمكننا ان نناقش بجدية ما يحصل لحياة كلينا... ففي النهاية... حياة أوكتافيا تتوقف عن نتيجة ما سنتباحثه ... هل يمكنك ارتداء ملابسك و الانضمام لي في الصالون؟؟"
كبثت ايموجين فورا هيجانها داخل صدرها و ارتدت قناعها المحايد، قد تمضي كل حياتها لفهم كيليان لكنه أشد الرجال غموضا التقتهم في حياتها، محاولتها الأخيرة اليائسة لاستمالته، الأمور لا تسير كما خططت لها، لا يبدو سعيدا بهذه المفاجئة التي ظنت أنها ستمنحها بضع نقط عليه، راقبت وسامته الشديدة امظلمة، نظراته الزرقاء التي تنظر من خلالها و كأنها شفافة، لقد مثل تحديًا في عينيها قبل سنوات... نموذج جديد تمامًا يصعب الحصول عليه ، كأس غير عادي لوضعه على لوحة الصيد الخاصة بها، ثم وصلت الى مبتغاها بايقاعه في الفخ... و ماذا بعد؟؟ كيليان يشبه الخيول المتمرة التي كبرت في البراري و ترفض ان يتم ترويدها، تعرف بأنه صعب المنال، بأن ما يبقيها في حياته هو أوكتافيا لأنها نقطة ضعفه اللعينة و الوحيدة.
" فليكن... فلنتحذث كيليان... امنحني خمس دقائق"
بدى بعض الارتياح في نظراته لتجاوبها، كانت تغلي في ذاخلها مما يمنع عنها ملاحظة ردات أفعال أخرى، ارتدت بسرعة الروب على ملابسها الداخلية التي أتت بها خصيصا من مصمم فرنسي في عاصمة الموضة، رغبت بتخليد الليلة، و لما لا الحمل مجددا؟؟ انها الفترة المناسبة لتحقيق ذلك...انها في فترة التبويض.
كان بصدد افراغ القليل من الشراب في كأس عندما التحقت به، لا يبدو أن اكتفائها بالروب يسعده، سألها بنبرة محايدة:
" هل ترغبين بمشروب؟؟"
" كنت أمل فتح الشامبانيا الا انك تملك خطط أخرى مناقضة لأتمام السهرة..."
" يمكننا فتح الشامبانيا لبداية حياة جديدة لكلينا..."
حياة جديدة لكليهما؟؟ لكنه هو حياتها... لن يكون لها وجود من غيره... فجأة بادرتها فكرة مجنونة لكن ربما هي السبب في تغيره مؤخرا بعد ان اتفقا على المحاولة... هل هناك امرأة أخرى؟؟ تعرف أن أطنان من النساء تحمن حوله و كأنها فايروسات لكن كيليان بطبعه سري للغاية و يكره تماما المغامرات السريعة و المنتهية الصلاحية.
" حياتي الجديدة هنا في روسيا معك و مع أوكتافيا... " ذكرته مجددا و رأت عضلات ظهره القوية تتصلب تحت هذا التنبيه.
" قبلت من أجل أوكتافيا فقط ... "
" و تستمر في التقليل مني!..."
" انها الحقيقة..." زمجر بها وهو يواجهها بنظرات حادة متخليا عن هدوئه الأسطوري:" لا يمكنني التقليل منك لأنك ستظلين والدة طفلتي الوحيدة، لكنني أثوق لنقاش جدي بعيدا عن كل هذه التراهات ... دعيني أخبرك بأنني لست سعيد، ولا تدعي العكس لأنك تعسة أيضا في هذا الزواج، لن يمكنك البقاء بعيدا عن عملك و مجدك فقط لإرضائي... هذا غير ممكن... أنت امرأة أعمال و طبيبة ناجحة و لن أصدق نيتك الصادقة في التخلي عن كل هذا فقط لأنني خيرتك بيني و بين مجدك... قد نكذب عن أنفسنا أشهر و ربما سنة أو أكثر لكننا سننتهي بتدمير أنفسنا... أحب أوكتافيا... أحبها بشدة و أريدها ان ترانا سعيدين لأنها حساسة للغاية فيما يخصنا... فيما يخصك خصوصا، تشعر بالذنب نحوك... " ثم حط عليها نظرات اتهام:" أنت تشعرينها بالذنب... "
" هذا ليس صحيحا..." أنكرت متظاهرة بالصدمة.
" تقحمينها في مشاكلنا و تبعدينها عني... في المرة الأخيرة... أخبرتني بصراحة بأنها ترفض السفر معي مجددا لأن هذا يجعلك تعيسة..."
" هذا سخيف أنا لم أمنعها..."
" أنت ملكة الاستفزازات العاطفية" قاطعها ببعض العنف:" رأيت ما فعلته معي أنا شخصيا بينما تمنعينني من التواصل معها... هذا لن يحل الوضع بل سيزيده تعقيدا ايموجين.. فكري بعقلك رجاءا... عالمك الأمريكي البراق... مستشفياتك، أطبائك، مشاريعك الاخرى القيد التنفيذ... افصلي بين خيبتك و بين ابنتي... لا ذنب لها ان كنت عاجزا عن الاستمرار في هذا الزواج الذي لم يكن ليشهد النور لولا حملك"
وقع صمت متوثر ازاء هذا التصريح المذل، لا يبدو أن كيليان يمزح بشأن مصير زواجهما هذه المرة، يبدو عازما عن اخراجها من حياته، لكنه لن يفلح بهذه السهولة.. لسيما ان كان عزمه ناتج عن علاقة سرية مع امرأة أخرى... لم تخلق بعد من تأخد منها كيليان أرشيبالد... انه ملكها حتى النهاية.
تنهذت وفركت جبينها متظاهرة بصداع مريب:
" تريد الطلاق؟!" سألته بصوت منخفض:" لم يكن كافيا كل ما فعلته لك مؤخرا؟؟"
" انت تبيعينني أوهاما ... لا يمكنك الوفاء بوعودك أعرف... لا يمكنك التخلي عن أعمالك و العيش معي في موسكو... أنت تكرهين هذه المدينة"
" هذا صحيح أكرهها..." اقرت بهدوء و هي تقترب من البار الصغير لتسقي نفسها كأسا ترخي به أعصابها المشدودة:" هناك دوما طرق عديدة لتسير الأعمال عن بعد... على الأقل أنا حاولت وضع مستقبلي بين قوسين لإرضائك... بينما أنت... تتخلى عنا من أجل امرأة أخرى!"
الاضطراب الطفيف في عينيه جعلها تتأكد بأنها لم تخطئ التقدير، الغيرة سحقت قلبها بشدة لدرجة انها أخفقت في ابتلاع مشروبها الذي أحرق في طريقه حلقها و معه معدتها.
" أنت واهمة... لا توجد امرأة..." قال بهدوء وهو يدخل يديه في جيوب بنطاله.
" تظن بأنني أهتم حتى لو كان صحيحا؟؟" قالت ببعض الصعوبة و هي تترك نزعتها الانثوية الشرسة جانبا:" أوكاتفيا هي من ضمن أولوياتنا... و ان كنت أنت مصرا على الطلاق فلن نجبرك على البقاء... أتمنى من قلبي أن تجد السعادة و الهناء مع غيرنا..."
" أنا أهجرك بمفردك ايموجين ، لا تجمعي أوكتافيا مع أغراضك عندما تخرجين من حياتي لأنني لن أكون لطيفا هذه المرة..." النبرة الجليدية التي نطق بها هذا التهديد جعلتها تتصلب مكانها:" الوقوف في المحاكم في وجهي ليس فكرة جيدة لسمعتك الامعة التي أقسم أن أقوم بتسويدها... أنظري الي... بفضلي أنا أصبحت ما انت عليه اليوم... و ان وضعت مشاريعك التعسة نصب عيني فلن يتبقى لك سوى مجدك القديم... أحذرك للمرة الأخيرة... اتركي ابنتي و شأنها... كفاك تلاعبا بمشاعرها، لن تعاقبيها فقط لأنني قررت انهاء هذه المهزلة التي طال أمدها... أتركيها تعيش طفولتها بسلام..."
" تقوم بتهديدي؟؟"
" أهددك؟؟" اقترب منها ليحملق مباشرة في عينيها:" فلنبسط هذه الكلمات أكثر و نضعها في خانة التنبيه... لأنك... تجهلين تماما ما يعنيه التهديد الذي يصدر مني ايموجين... تجهلين تماما من أكون و لا ما أنا قادر عليه لحماية مصالحي... اعبثي في علاقتي مع ابنتي و سأغلق أبواب أحلامك في وجهك بأشد الطرق المشروعة الممكنة... سأدمرك"
بقيت متسمرة مكانها حتى بعد رحيله لدقائق، تعرف أنه ذهب الى مصنع ارشيالد، عندما يكون منزعجا يغلق على نفسه فيه ليعود بمحرك لعين أقوى و أنجح من سالفه، الموضوع جدي جدا هذه المرّة، كيليان مصر على أخراجها من حياته و الاحتفاظ بمكانه في حياة أوكتافيا... هي التي تحسدها عليه كل نساء العالم... الانفعالات لن تجدي نفعا، عليها اكتشاف سبب تغيره هذا، فكما يبدو... لا يمكنها مجددا لعب ورقة أوكتافيا فلم تعد تنفع... كيليان مصر على الطلاق حتى على حساب سعادة ابنته التي يضعها في موضع التقديس... من التي همته لدرجة الا يتأثر مجددا بمشاعر أوكتافيا؟؟
عندما وصلت كان منغلقا على نفسه في المكتب... ستجد الرد هناك... يجب ان تجد غريمتها و غريمة ابنتها بالتأكيد.. لكن كيليان... و كما حسبته دوما متيقظا للغاية و ليس ساذجا... مكتبه اللعين مغلق.
* * *
نهاية سنة من دون قمر، الجو بارد الليلة مثل غيره من ليالي ديسمبر، جزيرة القمر بنكهة مختلفة هذا المساء، فرانكو يستعمل البيت الخاص بروبي في الطرف الأخر من الجزيرة، لم يكن ينوي البقاء بعيدا، عندما رأته بصدد استئجار قارب للنوم تركته يستعمل ملكيات روبي الخاص و هو لم يعارض، فرانكو جدي للغاية... لا ينوي البقاء بعيدا بينما الطفلة ستخرج قريبا، ينوي ملئ الفراغ الذي تركه نيوس... وبالتأكيد... لا ينتظر مقابلا لهذه الحماية و لا هذا الوفاء... تعرف بأنه سختفي ما ان يلمح نيوس في الجوار... تماما كما ضهر اليوم.
النفس البشرية صعب فهمها.. صعب فك طلاسمها، شيء ما فيها يجعله على طريقها بإستمرر، و شيء فيه يطمئنها للغاية و يشعرها بالأمان... أو ربما... حقيقة أنه أنقد حياتها من موت محتم عدة مرّات؟؟ يقول بأنه صائب في الحكم على شخصية الأخرين، بأنه خريج كلية الحياة، و بأنها بنظره امرأة من زمن آخر.
ضمت الـbaby-phone اليها و تعمقت في الشاطئ نحو الصخور المنحذرة، يمكنها رؤية أنوار الجزيرة المقابلة، أضواء الاحتفالات العارمة، عموما لن يمكنها النوم بهناء هذه الليلة التي كان يفترض ان تمضيها مع زوجها في جو احتفالي، لكن الامور تمر دوما عكس كل امانيها، تتطلع لأن تتغير احوالهما قريبا، جلست على الصخور الكلسية تتابع رحلة باخرة سياحية متلألأة في ضلمة بحر ايجيه، على الاقل روبي تستمتع بوقتها، بعتث لها بصورهم في مونتي كارلو، تتسائل احيانا لو بقيت زوجة داركو، كانت لتمضيها بجانب روبي ايضا... شقيقتها التي تفتقدها في كل لحظة... عائلتها الوحيدة.
{ لن تصدقي... سيزار وقع في حب آنجلو... أظن بأنه لن يتأخر بالموافقة على التبني...}
حماسة روبي أمام احتمالية تكوين اسرة حقيقة مع طفل متبناه جعلتها تبتسم، سيزار المغرم يفعل كل ما بإستطاعته لاسعاد زوجته... حتى تبني طفل ليس من صلبه... فهل هناك ولاء أكثر من هذا؟ الحب الحقيقي ينعكس بشدة في زواجهما، ربما مرا بالعديد من العقبات المريبة، شقيقتها كادت أن تفقده و معها رشدها في لوس انجلس، لكنها تركت كل شيء خلفها كي تستعيده، و نجحت.. تعمل اليوم على الا تفترق طرقيهما مجددا.
{ قررنا الزواج دينيا في الربيع... جورجينا ستصاب بأزمة... أظنها تثوق بشدة أن يمل ابنها مني و يهجرني... ما لا تفهمه أن سيزار مثيم بحبي و لن نترك بعضنا سوى في أحلامها السافلة}
عادت تتفقد هاتفها اذ تلقت صور أخرى من روبي، كان ' السيلفي' يبرزها بوضوح مع سيزار الذي يبدو أن أحدهم يشد انتاهه في حوار ما و هي تستمر بإزعاجه و اجباره على التقاط الصور:
{ لو لم تكوني في شهر حملك الأخير لكنت تستمتعين معا}
هذه الملاحظة أحستها بالسخرية، ضربت بسرعة على لوحة الحروف:
{ تريدين للمتوحشة خضراء العينين ان تصاب بأزمة قلبية؟ عزيزتي انا ممنوعة كليا من الاقتراب من محيط داركو فالكوني... هذه سخافة، ذلك الرجل لا يهمني بالمرة}
اتى رد روبي فوريا، هذه المرة اجبرت سيزار على النظر للكامرا بالشد على فكيه بأصابعها، ضحكت على منظرهما، لكنهما لذيذان للغاية، روبي لم تعلق على فلور او داركو، اصبحت تتحاشى التكلم عنهما معها، تعرف بأن دخلت سلسلة الولاء المتبادلة بين تلك المجموعة التي كرهت دخولها يوما.. الوحيد الذي كانت تراه انسانيا و يحمل لها المودة هو سيزار، و أحيانا اليخاندرو.
{ زوجي يكره الصور...}
{ أنتما رائعين للغاية}
وكانت الحقيقة، يكملان بعضهما البعض بطريقة مبهرة، سعادة روبي مثل البلسم على جروحها الخاصة، لا تتوقف عن الابتسام كلما قرأت رسائلها:
" تبدين سعيدة أيتها الأميرة...!"
كاد الهاتف ان ينزلق من بين اصابعها بين الصخور الكلسية، وضعت يدها على قلبها:
" فرانكو!؟... كيف تنجح بأن تكون بهذه السرية؟؟ ذات يوم ستصيبني بذبحة صدرية! أو ربما ستُعجّل بولادتي" كان يحمل بطانية صغيرة في يده:" هل تنوي لعب دور المربية لي؟؟"
انبثقت من موقفه انطباعًا عن الرجولة لدرجة تحبس الأنفاس، وهذا الانطباع بالقوة ، الصلابة ، لم تصادفه إلا في شخص واحد حتى الآن، وهذا ما يميزه بالتأكيد في عمله، كان صوته العميق محجباً قليلاً ، أجش تقريباً ، كما في ذاكرتها:
" أنوي فحسب الاهتمام بصحتك أيتها الأميرة، الجو بارد جدا..."
تركته يضع ما بين يديه على كتفيها كي تشعر بالدفئ فورا، وصلت رسالة أخرى من روبي، هذه المرة كانت ترقص مع سيزار بين حشوذ زبائن الــ night club أغلقت الهاتف و أعادته الى جيب بلوزتها الواسعة:
" وضعك مريب فرانكو... أنت بصدد امضاء ليلة رأس السنة في جزيرة شبه مهجورة و مع امرأة مملة بينما كان بإمكانك التسلية في مونتي كارلو مع البقية..."
سمعت الابتسامة في كلماته بينما يقول:
" أكره الاحتفالات و لا احب مونتي كارلو... أما فيما يخص أن الجزيرة مهجورة فلا أراك حقا تمضين بقية حياتك هنا...ربما تكون جميلة و استثنائية لكنها كئيبة "
تركت بنظراتها الأضواء التي تنير السماء الحالكة من بعيد:
" لم تعلق على كوني مملة.."
" لا نملك نفس الرؤية للأمور..."
" لست مرحة مثل شقيقتي ..." عادت تحملق في البحر الهائج قليلا:" لا أملك شيئا من شخصيتها الرائعة، أجهل كيف يعقل أن نكون توأمين على أية حال..."
" أنت متفردة و هذا يحذث الفرق... يكفي أنك أنت... المرأة التي قاومت رجل تخشاه صقلية و حافظت على حملها بينما تتوه في صحراء تونس، وضعت ابنها الأول دون المساعدة الطبية، تظنين أن كل هذا سهل.. ؟؟ صحيح فهناك فرق بينك و بين توأمك...هناك اختلاف في الشكل كما الشخصية ... دونا سيفيرانو كبرت كوريثة، كبرت كزهرة ظل... أما أنت... فعملت بجهذ منذ سنوات و تأثرت شخصيتك بعوامل شتى، مثل زهور الصيف البرية التي لا تؤثر بها الحرارة... برئي... من المستحيل أن تتشابها يوما أيتها الأميرة... "
كانت نبرته محددة و كأنه طالما فكر في هذا الفرق،هي لم تعش كوريثة، والديها أقما الارض دون أن يقعداها ليوفرا لها كل ما تأمله، لم تكن محظوظة منذ البداية، لم تملك اصدقاء لا في الطفولة و لا المراهقة، و ازداد الوضع بؤسا عندما تفجرت أنوثها فبدأ الرجال بالسقوط أمامها كالذباب، لم تكن تملك خبرة لنوع الجمال الذي حظيت به، هذا خلق لها عدوات لسيما في العمل، تعترف بأن شخصيتها منغلقة بشدة، بأن تجاربها محدودة، بأنها لم تمنح نفسها فرصة لتكتسف تجارب حقيقة رغم حظها الرجالي الوفير، كانت تملك كل الخيارات، يكفي فحسب اقتناء الأفضل... ثم ذات يوم... فثن بها أمير... شعرت بكرة حرارية في بطنها:
" هل تدري فرانكو؟؟! لم اشأ يوما الزواج بأمير... كانت طموحاتي الرومانسية محدودة... محدودة للغاية... " التقطت أنفاسا من الهواء المملح مما أنعشها:" كنت خجولة جدا في طفولتي بسبب التأتأة، و أفضل الاحتفاظ بالصمت كي لا يسخر مني بقية الأطفال... تمت معالجتي مع الوقت لكنني احتفظت بداخلي بتلك الطفلة التي تفضل الهرب بدل مواجهة الناس بعيبها، كنت أشعر بالأمان مع أمي و أبي لأنهما الوحيدين الذين يُشعراني بأني مهمة و بأنني جميلة حتى بعيوبي... ثم حلمت بحبيب يشبه أبي... حنون و رقيق و ان يحافظ علي و يحميني من هجوم الناس... داركو لم يرى في شخصي سوى وجه جميل جدا رغب بالتفاخر به أمام الناس... هذا أصابني بالفزع... وهذه الجزيرة المعزولة... كانت ملاذي... آه لا تسخر مني لكنها الحقيقة، نيوس لا يحب عرض زوجته مثل داركو... و بما أنني لست اجتماعية.. هذا المكان مثّل لي الجنة و اليوم أراه قفص... أعرف... تقلباتي مثيرة للشفقة"
شعرت به ينظر اليها بتمعن شديد ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيها.
" تظنني مجنونة؟ أتيحت لي فرصتي سعادة لكنني فاشلة كبيرة مع الرجال... حكمي ليس صائبا بالمرّة... لكنك تميل بشدة لداركو... برئيك توجب علي البقاء بجانبه في صقلية..."
" لم أقل هذا..." قال لها بهدوء:" عندما رأيتك للمرة الأولى في المستشفى بروما، أدركت بأنك خجولة جدا... خجولة حتى على رفض مناورات رجل خبير مثل الأمير... ما يحذث بأنك تحاولين ارضاء الجميع بالرضوخ... تبحثين عن ملاذا باي ثمن!"
شعرت بغصة في حلقها، هذا بالضبط ما حصل مع داركو، ربما أحبته، لكن زواجهما جاء بسرعة لم تروقها، لم ترغب لا بالزواج به و لا بالنوم معه، تركته يقودها مثل المغلوب على أمرها.
" أخبرتك بأنني لم أرغب بأميرا يوما... أردت فقط رجلا يحبني و أحبه و يحميني و يهتم بي... "
" و وجدته في ليونيداس؟؟"
السؤال جعلها تتصلب بشدة و تنغلق عن نفسها مثل المحارة، هذا الصباح تناولا نفس الكلام، و سألها نفس السؤال، لا تعرف لما يصر عليها؟ ان عرّت عن حقيقة هذا الزواج فلن يتأخر فرانكو من الهرب فعليا، سيكتشف بأنها مهتزة عقليا و عاطفيا، بأن كل اجلاله لها لا يساوي شيئا، كان ينتظر ردها، رغم انعدام القمر الا ان ملامحه الرجولية تلفت الأنظار ، أكثر من مرة ، خلال جولتهما في الجزيرة المجاورة ، رأت النساء يستديرن في طريقهما، فرانكو لم يكن واعيا بأن هيئته الضخمة تثير الانتباه الرجالي ايضا... شعرت بانطباع عابر...مثل نوع من خيبة الأمل الناجمة عن لهفته في انتظار ردها ، لكنها لم يكن لديها الوقت لتحليل غرابة هذا الشعور لأنه ، مرة أخرى ، تجهل نوع الردود التي يمكنها قولها، فكررت ما قالته له خلال الغداء:.
" لدينا عائلة...سنرزق بطفلنا الثاني..." بلعت ريقها ببعض الصعوبة:" أظن أن الوقت فات لاعادة تقييم الوضع"
انطلقت الالعاب النارية في هذه اللحظة من الجزيرة المجاورة، كان العرض مبهرا لدرجة انها نسيت وساوسها المعتادة،رفقة فرانكو تشعرها بالطمئنينة، الشيء الذي لم تحسه فورا عندما سقطت عيناها عليه للمرة الأولى في المستشفى بروما، الوحش الأدمي لم يزل نظراته عليها خلال عملها حتى قبل أن تلتقي المريض الذي اتى على الخروج من غرفة العمليات، كان داركو سيئ المزاج حينها لدرجة أن الممرضين يتفادون غرفته، لكنه اصبح حملا وديعا ما ان رآها، بعد أسبوع من خروجه المستشفى طلب يدها للزواج كي تتغير حياتها الى الأبد.
* * *
كان المركب يشق ببطى أمواج موناكو المضطربة، منذ زمن لجئت نساهم للأسرتهن، و ربما لمنحهم تلك الحميمية التي يرغبون دوما بها ليناقش كل منهم طريقه التي توقفت فجأة أمام باب مسدود، يراهم الليلة اليخاندرو شارذو الذهن، ربما أمضوا ليلة رائعة لكن روكو اصبحت ابتسامته قسرية بدءا من منتصف الليل، خوسيه أصبح أكثر صمتا، سيزار أكثر قلقا، يبدو انه و داركو الأكثر ثرثرة:
" من سيبدأ بالإعتراف؟؟ و من سيلعب دور الكاهن؟؟"
قال داركو وهو يفتح قنينة شامبانيا لم يعد يتذكر اليخاندرو عددها، توقفت محركات اليخث على منظر جزر قريبة و الالعاب النارية تضئ رداء السماء الحالكة و الخالية من النجوم.
كانت مياه المسبح المضاءة مضطربة أيضا بسبب الرياح، بفضل الكحول الكل يشعر بالحر على ما يبدو، كانو يسترخون فوق كنبات وثيرة في مؤخرة اليخث العملاق، رذاذ البحر لا ينفك عن الالتصاق بشعرهم و ملابسهم.
" اليخاندرو الكاهن..." اقترح خوسيه وهو يهز كأسه نحوه:" يملك دوما الكلمات المناسبة ..."
" ان كنت ترى بأنني المناسب لما لا تبدأ بإلقاء ما لديك؟؟" سأله اليخاندرو وهو يقبل بكأس الشامبانيا الذي قدمه له الأمير:" أم تفضل الانعزال لتبكي خيبتك الواضحة؟"
" خيبتي؟؟ لما تظنني خائبا؟؟" هاجمه خوسه بصوت خالي من التسلية.
" لأنك جلبت عاهرة لطاولتنا و بين نسائنا... ظننا ان الجميلة آيا تمكنت من كسر قيودك اللعينة..." تدخل سيزار لم يروق لخوسيه الذي عدّل من جلسته و رمقه بنظرات سوداء:
" لا أنتظر أن يتم اصلاحي من طرف امرأة..." قال بصوت جليدي:" أحب أن تبقى قيودي في مكانها اللعين ، لما تظن بأن امرأة مثل آيا تؤثر بي؟؟"
" لأنها تؤثر بك..." أكد داركو وهو يجلس على الكنبة:" أنت تعس الليلة، و لو كان العكس لجلبتها معك..."
" لما تظن بأنني قابل للتأثر؟؟" سأله متصنعا عدم الفهم.
" هناك ما يزعجك بشدة خوسيه... ان احتفظت به فستنفجر... يمكنني وضع العنوانين الكبيرة لو رغبت..." اقترح مجددا سيزار بتهكم:" الجميلة ترفضك في سريرها؟؟"
بقي خوسيه بلا صوت، يبدو أن أصبع سيزار وُضع تماما على الجرح النازف الشيء الذي دفع روكو للتدخل.. مثل المعتاد... لا يمكنه تركه يتلقى الضربات بمفرده.
" حبا بالله أتركوه و شأنه... لقد بالغ في الشرب، لم يكن يهذف للإساءة"
" يمكنني وضع أي امرأة شئت في سريري فالخيارات متاحة و بكل النكهات..." قال خوسيه متجاهلا دفاع العرّاب عليه:" رفض آيا لي لا يعني بأنها المرأة الوحيدة!..."
ثم أتى على الاعتراف علنا، انصبت كل الأعين عليه، عادة خوسيه يتفنن في اجوبته، انه غامض أيضا و صاحب كبرياء مريب، أن يلقي بهذه الملاحظة يكلفه الكثير، عاد ليدافع عن نفسه بهدوء:" مجيئ التوأمين جعلاني عاطفيا و ارتكبت خطأ اقتراح تعديل بنوذ عقد زواجنا... خطأ... لا أنوي ارتكابه مرتين... أظنها تملك خطط أخرى بعيدة جدا عني... استثمرت أموالي و اشترت بيتا لعينا و أسست مشروعا سينفجر خلال سنوات لأن فكرته استثنائية و متفردة... قامت بوضع زرابي عضوية في السوق و تشغيل كل سكان قبيلتها التركية النائية..."
ان كان ينتظر تعاطفا فهو واهم، الكل أبدى اعجابا بآيا تخللته بضع تصفيرات طويلة تحمل كل معالم الاجلال، رغما عن أنف خوسيه الا أن الجميع يحب تلك المرأة و يقدرها، ذكائها يجعلهم بصفها، الشيء الذي جعله ينفجر من الغضب:
" أنتم معي أم معها؟؟"
" أحب زوجتك..." اعترف سيزار:" أظنها أجمل استثمار قمت به حتى الليوم دون خوسيه مارتينيز فلا تكن معميا, انها تملك كل مقومات المرأة الناجحة و القوية... برئي حاول كسبها بدل محاربتها... "
" تحبها؟ لكن هل تسخر مني؟؟" سأله خوسيه وهو يواجهه:" انها تخطط لأخد أطفالي مني؟؟"
" لما تصر على انها خائنة رغم كل ما فعلته أنت بها؟؟" سأله اليخاندرو متعجبا:" لما تصر على وضع الملامة عليها بينما لم تكن نزيها و منذ البداية؟؟"
" بما انها رفضت الرضوخ لي فلأنها تخطط للطلاق كما هو متفق عليه، سوف تتركني من أجل رجل آخر و ستحصل على الدعم المالي الكامل لمحاربتي... "
وقف روكو فجأة من مكانه ليقترب من خوسيه و يجلس بجانبه، و ضع يده على كتفه و كأنه يكلم طفل صغير:
" لن يحذث ذلك خوسيه... "
" ستكرر ما فعلته اليونور أنا متأكد..."
سقط الصمت المثبق على المكان، تبادل اليخاندرو النظرات مع داركو الذي التقط أيضا الخلل في الحذيث، الكل يحفظ قصته مع اليونور عن ظهر قلب، لكنها لم تكن يوما مسألة خيانة، لما يتكلم الأن و كأن كل المعلومات لديهم مجرد واجهة زائفة؟! رغم كل تساؤلهم الا ان روكو قطع فورا الحذيث الخاص بماضي صديقه المقرب، و جذب الانتباه اليه... تضحية جميلة لرجل فضل الالتزام بالصمت فقط ليخرج صديقه من ورطة الانزلاق وراء انفعالاته:
" أظن أنني أكثر من يحتاج للفضفضة..." ربث مجددا على كتف خوسه و كأنه ينبهه بالمتابعة في الموضوع، هذه الحركة زادت فحسب من تكثيف شكوكهم:" رفضت بريانا هدية نهاية السنة... و أخبرتني بأنها تريد طفلا..."
" هديتها ليست في جيبك انما في بنطلونك!" تهكم خوسيه بعد صمت لهذا التعقيب فإنفجر داركو في الضحك.
" لما لا نستبذل نسائنا روكو؟؟ أنا أريد طفلا بينما فلورانس ترفض الموضوع بتاتا؟؟"
" لن أستبذل بريانا بزوجتك ... لا وقت لي بترويضها..." علق روكو بتسلية مزيفة، يبدو أن موضوع الطفل يزعجه بشدة.
" من يملك طفلا متوحشا مثل نيكولاي فبالتأكيد سيمتنع عن التفكير حتى في الموضوع..." علق سيزار مبتسما:" أخبرتني روبي بأنه تناول طعام الكلبة..."
" ماذا؟؟" تسائل خوسيه بقرف و هو يمنع نفسه من القاء كل ما شربه خارجا... مهووس النظافة يرفض قطعا تخيل منظر الصغير بصدد تذوق غذاء الحيوان، اندفع الأمير للدفاع عن ابنه:
" لم يأكله... انتبهت لأمره المربية في آخر لحظة و أجبرته على القاء ما في فمه خارجا... من الطبيعي أن يحاول الاطفال اكتشاف ما حولهم..."
" ذلك الطفل مصيبة كبيرة، أظنه سيبدأ بإكتشاف ما تخفيه تنانير النساء باكرا جدا..." علق خوسيه مجددا:" برئي يستحسن تعليمة كيفية استعمال العوازل في الرابعة من عمره..."
" لن أقلق بهذا الشأن بينما ستتوفر له أوزلام..."رد داركو على الملاحظة بتهديد مبطن." يمكنه كسب تجاربه منها..."
" لكن كيف تجرؤ؟! أنت حقا سافل داركو..."
" أنت من قمت بسب ابني اولا..."
" ابنك ليس بحاجة للتشهير، سيكون زير نساء مثل والده... هذا في الجينات داركو لن يمكنك التحكم به"
" لكن أنظرو من يناقضني... رجل لم يترك سريرا في اسبانيا..."
قاطعهم روكو مجددا:
" هذا يكفي... للتذكير أيها الأمير... تنسى بأن أوزلام لها عرّاب سيحميها... و الأمير الصغير سيفقد أعضائه التناسلية ان فكر حتى بالاقتراب منها" هز داركو عينيه الى السماء بينما ابتسم خوسيه ملئ فمه، سعيد بدفاعات روكو عليه:" و الأن هل يمكنكم أن تكونو جديون للحظة؟؟ بريانا تنتظر جوابا مقنعا غدا... "
هذه المرة، سقط صمت محرجا للغاية، روكو لا يحتاج لنصائح أحد، يمكنه أن يفهم اسبابه بالتأكيد، وهم لا يملكون حلولا، من حق بريانا المطالبة بالأمومة لسيما بماضيها الحزين، اكتفى اليخاندرو بحط نظراته على سيزار الذي تراجع الى الخلف و قد فهم نواياه:
" انتزع ملابسك و ارمي نفسك في البحر.."
اعترض سيزار أمام عدم فهم البقية:
" هو لم ينطقها..."
" لن يحتاج لنطقها.. انه يقلق بشأن ردة فعلها... و هذا له تفسير واحد, هيا سيزار... كن عند كلمتك و انتزع ملابسك"
أمام تردده ابتسم اليخاندرو و وجه كلامه لروكو، سائلا اياه بنعومة:
" أنت تحبها؟؟"
" بالتأكيد أحبها و الا لما أطلب يدها بحق الجحيم؟؟ "
هذا التأكيد جعل سيزار يشتم بقوة بينما انفلتث صرخة نصر من شفاه اليخاندرو الذي راقبه بإستمتاع يبدأ بالتخلص من ملابسه قطعة قطعة الى أن بقي فقط بملابسه الداخلية:
" أقسم أن أدفعك الثمن اليخاندرو..."
أمام دهشة الكل اندفع الى نهاية المركب و قفز بين الأمواج، اندفع الجميع لمراقبته بينما شرح اليخاندرو بإنتصار:
" لقد خسر الرهان..."
" أظن أنني خسرت أيضا الرهان.." قال روكو بتسلية حقيقة هذه المرة و بدأ بدوره بإنتزاع ملابسه:" أيها السفلة الحمقى... أجهل لما أستمر بتحمل جنونكم..."
التحق بسيزار في المياه الجليدية و ترددت شهقة صدمة التقائه بالمياه الباردة، انفجر ثلاثتهم في الضحك، داركو أحب الموضوع، في لمح البصر تخلص أيضا من ملابسه و ارتمى بين المياه، لم يتبقى غيره و خوسيه:
" جبناء" صفّر سيزار من بين أسنانه.
" أقبل التحدي..." قال خوسيه وهو يتخلص من ملابسه ليرتمي في المياه و يشتم عاليا بالاسبانية مما دفعهم للانفجار في الضحك.
" هيا اليخاندرو... المياه رائعة" صرخ به داركو، يبدو سعيدا بين الأمواج التي تنيرها اضواء اليخث القوية.
يشك في هذا... لكنه لا يمكنه التجزأ من هؤلاء الذين يعتبرهم عائلته قبل أن يكونوا اصدقائه، يعرف بأنهم سيمرضون، وقد يجد روكو الفرصة ليتملص من طلب بريانا و كسب بعض الوقت بمرضه، تخلص من بنطاله و قميصه و صلى في نفسه قبل أن يصدمه التقائه بالمياه المثلجة التي سلبته أنفاسه:
" ايها السافل سيزار... "انفجر هذا الأخير في الضحك بينما يحاول تفادي المياه التي يلقيها اليه اليخاندرو بهياج حقيقي." كان يفترض بك السباحة بمفردك..."
و ككل سنة... نهاية العام ذكرى لا تنسى معهم.




ملك جاسم likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 06-11-20 الساعة 12:23 AM
أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:08 PM   #3815

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس عشر.

الانتربول لم ترسله للتجسس على ناومي مارشال بل على من تعتبره أخطر رؤساء مافيا في صقليلة، عموما هو في اجازة نهاية السنة، العرّاب اختار أخد رفيق دربه سانتياغو بدله الى مونتي كارلو و لا يبدو أن رؤسائه يأخدون تقاريره الأخيرة بجدية بالغة، برئيهم يبتعد عن الهذف، منحهم معلومات عن جماعة أسوغارا و أيضا يوليا فولكوفا، وضع كل أعمال روكو ايميليانو في قائمة كبيرة، رجل أعمال يستثمر في كل ما تسقط يده عليه، بعيدا عن المخدرات و عن الأسلحة، أعماله مخصصة جزئياً للxxxx ، والذي يضمن عدة سلاسل فندقية ، مؤسسات مرموقة من أربع أو خمس نجوم في العواصم حول العالم ، يملك معامل نسيج، معامل الطاقة، ملاهي ليلية، مطاعم راقية، مزارع و معاصر للنبيذ، اسم الايميلانو على محلات تجارية دائعة الصيت، كما انه رئيس المجلس الاداري لأضخم مشروع يتم انشاؤه في أغريجينتو، بواخر سياحية و يهتم بالرياضة اذ انه زعيم فريق كرة القدم المحلية، لا يبدو أن الانتربول مقتنعة و لا شيء كافي بالنسبة اليهم، المعلومات تبرء العرّاب و تبيضه و هم يرغبون بإسقاطه، ان كانت هناك تحركات مثيرة للشبهات فلم يراها للأن، الابتزازات للسياسي كانت منطقية برئيه فهو يضع شعبا بأكمله في مأزق مع مجرمون خطرون، و لا يعرف لما فضل الالتزام بالصمت بهذا الشأن.
راقب ناومي تهتز على الموسيقى العالية للــ D-J كبقية الجمهور من حولها، صديقاتها المستهترات لا يقمن وزن لحراكتهن المثيرة و هذا بدأ بجمع بضع الفضولين من حولهم، دافيد ريتشي تركهن بعد منتصف الليل، ان كان ينوي انهاء ليلته مع ناومي فربما انسحب ليهيء لها استقبالا مناسبا، لكنه هنا لمنع هذا ... تصرف سخيف من رجل أتى على هجرانها مرتين، تسلل بين الحشود بينما يرى أحدهم خلف ناومي مباشرة، و كما توقع قام بالتحرش بها مما جعلها تنتفض و تستدير نحوه لتدفعه بكل قوتها، لا يبدو أن رفضها راقه، رآه يمسكها من ذراعها ليقربها منه، لا يبدو أن الدخيل يفهم كلمة لا التي تكررها له، الحريق استهلكه و تحول دمه الى حمم، في ظرف ثانية حطّم قبضته على فكه ليجبره على تركها، الهتافات، و الصراخ، و الموسيقة العالية حالت دون ان يُسمع له صوت، أمسك بذراع ناومي ليبعدها عن الحلبة المكتظة، صديقاتها لم تنتبهن حتى للهجوم الذي تم عليها، شعر بها تقاومه بينما يجرها خلفه، بدأ الضجيج يبتعد ثم يتلاشى رويدا، تركها بعد أن أصبحا في عتمة احد الزقاق الخالية، كانت شاحبة و تهتز من الغضب، بالكاد تلتقط أنفاسها:
" كيف... كيف تظهر و تختفي بحق الشيطان؟؟ لكن من تظن نفسك لتجرني خلفك ككلبة ضالة؟"
وضع يديه على خصريه، كان غاضبا منها، غاضبا من دافيد ريتشي لأنه ترك ورائه ضيفاته، غاضب من نفسه لانه لم يقم بقتل المتحرش المعتوه:
" بهذه الملابس أنت تنادين للتحرش علنا..."
كانت ترتدي فستان بالكاد يخفي فخديها، ملاحظته جعلتها عمياء من الغضب، تبدو ثملة ايضا.
" ماهي مشكلتك معي بالضبط هيه؟؟ لما تلاحقني؟؟ مالذي تريده مني؟؟" لقد بدت عنيفة بينما تعود للهجوم عليه جسديا:" أجهل من تكون، لكنني متأكدة بأنك تعاني من خلل عقلي لذا أمنعك من الظهور أمامي مجددا"
تجاهل تنبيها بينما يراها مستعدة للعودة الى الساحة مجددا:
" اتيت على انقاذك من التحرش..."
" المتحرش الوحيد هنا هو أنت... مهما يكن اسمك.. انا لا أعرف من تكون و لا أريد أن أعرف... " وضعت أصبعا على صدره تضرب عليه ببعض الحدّة:" أو ربما أنت بصاص متسلسل تلاحق الفتيات مثلي... لا تبدو نزيها أو حتى واضحا... "
ابتعدت عنه تحاول الهرب الا انه عاد ليلتقط ذراعها، منظرها بهذا الفستان المثير جدا دعوة حقا للاعتداء الجنسي، لسيما من شبان أمضوا وقتهم في افراغ قنينات الحكول للاحتفال، اشتعل غضبها وضربته على صدره مجددا، هذه المرة لم يترك لها الفرصة، بقبضة واحدة التقطها من خصرها و سمرها مع الحائط الى ان حبست أنفاسها من المفاجأة، مازالت النار تتآكله و تجهل ما هو قادر عليه عندما يفقد صبره:
" لا أنوي تركك تعودين الى هناك... انها الثالثة صباحا و أنت ثملة و بفستان فاضح، الايطاليون ليسوا متحضرون..."
" و أنت تظن نفسك متحضرا؟؟" سألته من بين انفاسها المتسارعة تحاول التحرر منه بدون جدوى.
أجاب بلهجة مؤكدة:
" سأنسى تحضري ان استمريتي بتحديي و ضربي ناومي... سوف آخدك الى فندقك"
لم يكن يمزح! آه كلا... يمكنها رؤية النار المتأججة في عمق عينيه العاصفة، الكحول أعطاها جرأة لكنه يخل توازن أفكارها، كانت تتلوى، تلهث، تشتعل تحت لمسته التي تبصمها مثل الحديد المصهور، هذا ما يحذث في كل مرّة معه، مشاعرها تنطلق في عنان السماء مثل المفرقعات التي زيّنت سماء البندقية في منتصف الليل معلنة عن بدأ عام جديد، ما يحذث بينهما غريب للغاية... لقد تشكلت نوعًا من الروابط الخالدة بينهما يصعب شرحها، ولا شك في أنها ماسوشيًة للانخراط في هذا التعذيب، لأن كل ثانية تمضيتها بالقرب من جسده الدافئ و الرائع هي تعذيب حقيقي، وشوشت له بصوت أجش بينما تنجح مشاعرها من سلبها سيطرتها.
" أوقف هذا أرجوك!"
" أوقف ماذا؟؟"
" اللعب معي... لم يعد الأمر مسليا..."
تعرف أنه يشاركها مشاعرها المحرقة اللحظة، يمكنها الشعور بطاقته تلفها، بأنفاسه المتسارعة و التي تصفع وجهها، كانت صغيرة الحجم مقارنة به، قمة رأسها بالكاد تلامس دقنه، حتى بكعبها العالي دي التسع سنتمترات، شعرت به يخفف قبضته على خصرها لكنه لم يمنحها المسافة المطلوبة للهروب من جاذبيته التي تخدرها، لم تعد تشعر ببرودة الحائط الحجري ورائها و لا بخشونته التي تنهش لحمها العاري، حرارة جدعه تحرقها حتى العضم.
" لابد من اختتام هذا الفصل... " بدى صوتها غريبا جدا في مسامعها، هزت وجهها نحوه، كان يميل اليها كي يصبح بطولها، يتفرس في عينيها كمن ينوي الدخول من خلالهما"لا أعرف من أنت حقيقة... لما تستمر بملاحقتي! اليوم لست في مزاج لتحمل أهواءك!.. لعبة الغميضة خاصتك أصبحت مملة"
وضع يده على الحائط، قريبا جدا من وجنتها:
" أخبرتك من أكون... إسمي خافيير ميندوزا و انا مكسيكي ... التقيت بك ذات يوم و لم أتمكن من انتزاعك من رأسي... أما لما الاحقك... فأنا أجهل الاجابة ناومي... ما تفعلينه بي مثير... و مريب في الوقت نفسه"
هذا التصريح قضى تماما عليها و دمرّ خلاياها العصبية كلها، هي نفسها لا تفهم ما يفعله بها، لقد تشاركا يوما واحدا فقط، و تمكن من حفر نفسه بقوة في رأسها و قلبها، ان كانت تؤمن بالحب من النظرة الأولى؟؟ أصبحت تؤمن به منذ ذلك اللقاء الذي لم يكن في الحسبان.
" أتيت من صقلية لأجلي؟؟" سألته بنبرة غريبة.
" تعرفين الإجابة .." أكد لها بجدية.
كانت أنفاسه تقترب أكثر من وجهها، في عتمة الزقاق و برودة ديسمبر أصبحت عبارة عن كرة لهب متفجرة:
" كيف وجدتني؟؟" سألته وهي تقترب غريزيا من شفاهه.
" من المستحيل عدم إيجادك أو ملاحظتك..." اقترب أيضا منها و كأن ثمة مغناطيس يستحيل عليهما مقاومته:" أنت الفتاة، الأكثر اثارة و الأكثر جاذبية التقيتها في حياتي belleza "
ركضت أصابعه الرجولية حول خصرها ، وبينما كانت تهتز في صدمات كهربائية رائعة ، أدركت أنها فُقدت، لسيما وهي تقطع بنفسها المسافة الضئيلة جدا لتتجرع شوقها من تلك الشفاه الرجالية المغرية،من المستحيل عليها التراجع بينما تتفجر مشاعر قوية بداخلها... لقد كانت فريسة رغبة ملتهبة، منومة بجاذبيته الشديدة التي تسلبها كيانها... كان يقبلها و كأنه لم يقبل امرأة غيرها في كل حياته.
"mi amor"
هل هذا يعني حبيبتي بالاسبانية؟! الكلمة انسابت عليها و كأنها خليط من الشكولا و العسل، رغم كل التاكيلا التي شربتها لتنساه الا ان عقلها صافي اللحظة للاحساس بكل قبلة، بكل لمسة، بكل كلمة.
فتح باب قربهما كي يغمر الضوء المكان، ابتعد عنها خافيير لكنه لم يتركها، الرجل بدى متسليا بمنظرهما و لاحظ شيئا بالايطالية فلم يتأخر خافيير بالرد عليه مما جعله يضحك قبل أن يغلق الباب و يبتعد بإتجاه الساحة المكتضة بالرقصين.
" مالذي قاله؟"
" بأنك فاثنة..." تعرف بأنه يكذب، ضمها الى صدره القوي مجددا و عصرها الى ان انحبست انفاسها:" انا جدّي جدا... أرفض أن تنهي سهرتك مع بقايا شبان ثملة... يفترض أن تُحذّري صديقاتك أيضا... سآرافقكن للفندق..."
عندما أمسك يدها لم تهرب، أتت الحركة عفوية، حتى أنها وجدت نفسها تشبك أصابعهما و كأنهما عشاق منذ سنوات مضت، نوع من السعادة خدّر حواسها، كانت تتطلع اليه و كأنها بالكاد تصدق نفسها، خائفة و مرتعبة من أن يهجرها مجددا دون تفسير مقنع، تماما كما فعل أمس...
ايفا و جيمي لم يحتفضا بلسانهما، ما ان سقطت نظراتهما على خافيير حتى فضحا كل اسرارها اللعينة، الكحول السبب، على الفور نادينه بمجهول عبّارة كاتراز... شعرت بخديها تحرقانها بشدة.
العودة الى الفندق تبعثر بين الضحك الهستيري لصديقاتها و أيضا... ايفا أفرغت كل معدتها في زقاق ضيق غير بعيد على الفندق:
" بالغت في التاكيلا..."
لم تعد قادرة على المشي، انحنى خافيير عليها ليحملها فوق كتفه، اتسعت عيناها من الرعب بينما تشاهد يدي ايفا تبحث في عضلات ظهره و تنزل نحو وركيه:
" اللعنة... مما أنت مصنوع؟؟ كل شيء فيك صلب..."
جيمي ضحكت من قلبها بينما خافيير تمكن تخليص نفسه من تحرشها بوضعها مجددا أرضا بعد وصولهم الى الفندق، بدت ايفا حقا مريضة و شاحبة للغاية، لم يتركها الا وهي في غرفتها و فوق سريرها، نامت فورا على وجهها، انتزعت ناومي حذائها و وضعت عليها البطانية.
" أظنها بالغت في الشرب..." قالت ناومي وهي تغلق الباب خلف صديقتها التي بدأت تشخر.
" ستستيقظ بألم رأس فضيع..." قال خافيير وهي يدخل يديه في جيوب بنطاله:" حان دورك للخلود الى النوم..."
هزت رأسها نحو الغرفة التي قصدتها جيمي قبل قليل:
" أتقاسم غرفتي مع جيمي... "شعرت بعاطفة شديدة تشع في صدرها، لا تنوي الالتحاق بجيمي فورا، تخاف ان يختفي مجددا و الا تراه أبدا...طائرتها غدا" فندقك بعيد عن هنا؟؟" قالت محاولة تأخيره أكثر.
" في الواجهة المقابلة"
أقطبت قبل أن تفهم قصده، هزت عينيها الى السماء:
" حجزت في نفس المكان؟؟ أظنك تحريت جيدا بشأني؟؟ كيف تمكنت من العثور على غرفة بينما الفندق يعلن عن امتلائه؟!..."
ابتسم لها ابتسامته الساحرة التي تسلبها رشدها:
" ضربة حظ..."
" لا أصدق كلامك..."
" هل تريدين المجيء؟"
كانت دعوته مباشرة، انسحبت ابتسامتها بينما تراه متحرقا لردّها، ان ذهبت معه فستمضي الليلة في سريره، و هي... ترفض أن تكون مرّتها الأولى بهذه الطريقة، من المستحيل مقاومته في خلوة بينما كل جسدها منجذب اليه بهذه القوة:
" أظنها... أظنها فكرة سيئة..."
يبدو متفهما، يعرف تماما ما تقصده، ما بينهما يشتعل مثل أعواد الثقاب، مثل البنزين، ان انغلق باب خلفهما فستتحول الدعوة البريئة الى انفجارت مدوية.
" لا بأس... تصبحين على خير إذن..."
لامس خدها بأطراف أصابعه و منحها ابتسامته المغوية، قوة وكمال الانسجام الجسدي بينهما غريب، يكفي لمسة هاذفة كي تشتعل مجددا... هل يشعر بهذا؟؟ بهذه الطرطقة في الجو؟؟ نعم هو يفعل... انسحبت ابتسامته كي تظلم نظراته من رغبة سلبتها أنفاسها، قطع المسافة بينهما ليلتقط شفاهها في قبلة جائعة، هذا بالضبط ما يخيفها... قوة مشاعرهما ، يمكنه ان يكون غريب و تجهل من هو الا ان تفادي ما يحصل بينهما مستحيل.
" أه عفوا... سأمضي الليلة في غرفة ايفا أظنها ستكون بحاجتي..."
جيمي لم تلقي نظرة أخرى نحوهما، أبعد خافيير شعرها عن الوجه الذي تشعر به ساخنا جدا و يكاد ينفجر من الاثارة، أمسكت بيده لتجره خلفها نحو الغرفة التي أصبحت لها وحدها، لم تفكر في العواقب بينما يغلق الباب خلفهما، في لاس فيغاس بحتث عمن يُمكّنها من عيش لحظات لا تنسى و بدون تتمة فقط لنسيان هذا الرجل أمامها، لحسن الحظ أن اليساندرو ايميليانو كان مفثونا بسكرتيرته و لم يأخد دعوتها على محمل الجد، و قد يمضي العمر و تتسائل عما سيكونه الحب بين ذراعي من رفض عقلها تحاشي صورته طيلة أشهر.
" لا أريد فرض نفسي ..."
" أعرف..."
لكن في الحقيقة، هي لا تعرف شيئا، كل شيء ضبابي و مشوش في عقلها، الاتصال بينهما أقوى من أي منطق، قد تكرهه لممارسة هذا الإغواء الشيطاني مرارًا وتكرارًا! ولكن في كل مرة تنظر فيها إلى هذا الوجه المشبوه تشعر بضعف غريب يخذر أطرافها، هذه البشرة البرونزية ناعمة ومشرقة. هذا الفم الذي يُقبّل جيدا، و هذه الهالة من الدفء والقوة ... مستعدة لإعطاء أي شيء لتمحي انجذابها له، ظننت أنها الأذكي بتقويم عرضه بالفكرة الغير الجيدة، لكنها من جرّته من يده الى هنا... هو من يقود اللعبة.
" ماذا؟؟ هل تنوي الاختفاء ككل مرّة؟؟"
سألته بينما تنتبه الى بعض التردد في عينيه، رأته يدنو منها قبل أن يحط يده على شعرها، يتلمسه ببعض الاجلال:
" أريد البقاء... أريد البقاء بشدة ناومي... " لكنه لا يريد وعودا، انه منجذب اليها بنفس الطريقة الملتهبة و المتفجرة الا انه بعيد عن الرومانسي الذي يمكنه ان يمنحها الاستقرار العاطفي الذي تبحث عنه، انها تثوق لعلاقة حقيقية و ليس ليلة عابرة في فندق بالبندقية،لم يدع لها مجالا للتفكير لسيما وهو يلامس اللحظة خطوط شفاهه بإبهمه و يتأخر على السفلى منها:" أنت امرأة فاثنة للغاية يا صاحبة العيون البنفسجية..."
ابتسم لها مرة أخرى، ابتسامة مغرية ومرحة... تعبت من الحرب مع انفعالاتها، منذ ذلك اليوم في عبّارة كاتراز... وهي تحترق من الرغبة له، من الأفضل وضع حد لهذا الهوس.لا شك في انه لا داعي من المماطلة. فضلت أن تكون مباشرة، وقفت على أصابع قدميها كي تضع كل موهبتها في قبلتها، لكن خافيير يبدو أكثر تجربة، و كأنها لا تزن شيئا حملها اليه، أحاطت خصره بساقيها، قبلته المتمهلة و الحسية تفقدها رشدها، تخللت أصابعها خصلات شعره الكثيفة، كان ملمسها ناعم للغاية، ينزلق تحت بشرتها مثل الحرير، شعرت على الفور بجسدها يتفاعل. بغض النظر عن خوفها من الحميمية وخبراتها المنعدمة السابقة مع خافيير فغرائزها الأساسية سيطرت على جسدها. لن تستطع المقاومة - ولا ترغب في ذلك..دون أن يرفع عينيه عليها وضعها فوق شراشف السرير الباردة ، تقوست ورمت رأسها الى الوراء بينما يخلصها من فستانها بلمحة بصر:
" جميلة من الداخل كما من الخارج mi amor "
يمكن لــ'كاندي البدينة' ان تكون فخورة بتحولها، فكرت بسرور و هي تستنذ على ذراعيها للتطلع الى الاعجاب في عينيه، ان كان يحب ما يرى فهي ايضا ترغب بإكتشافه من الداخل:
" هل تنوي البقاء بملابسك؟؟"
تلاعبت مجددا تلك الابتسامة النصف متسلية و اللعوبة المتهكمة، تخلص من سترته الجلدية قبل أن يأخد بحواشي كنزته السوداء و يبعدها عنه كاشفا عن جدع قوي جعلها تحبس أنفاسها، لا تميل مطلقا للـ Bad boys tattooed ، ربما المغواين مثل دافيد لكن رجل يعرض انجازاته على صدره شيء جديد عليها، كل هذه الوشوم لا تخفي روعة العضلات تحتها، أمام هذه الصورة ، خيمت الإثارة على أفكارها مثل دوامات من الدخان. كانت تعلم أن الرغبة تفقدها محاملها ، والآن ، هي تعاني مع نفسها.
" يالهي...أنت.. أنت رائع جدا "
وضع ركبته على السرير الذي اهتز تحت ثقله و اطل شامخا فوقها، مسيطرا عليها، مدت اصابعها الى تاريخ مكتوب أفقيا، تحته تماما رأس ثنين بوجهين! رمز القوة والحكمة.
" ما معنى هذا؟ تتمتع بشخصيتين ؟"
ابتسم لها كي تظهر غمازته اللئيمة التي تسلبها رشدها:
" أملك توأما...اسمه اليخاندرو و صدقيني, نحن مختلفين جدا "
المفاجأة الجمت لسانها، لم تتوقع أبدا أن يكون له توأما:
" واو... لم أتوقع هذا... هل يعيش في المكسيك؟"
" بل في صقلية... انه خطيب الاميرة فالكوني، حبيبة صديقك دافيد السابقة"
توقفت يدها على عضلة قلبه التي تكشف عن وجه ثنين بتعابير متناقضة، مَن مِن التوأمين الهادء و من منهما المتقلب؟ هذا ما يوحي به الوشم، تطلعت الى عيناه الرماديه العاصفة من الرغبة، ادركت بأنها على وشك تقاسم الحميمية مع رجل تجهل من يكون بالمرة، غريبة حقا هذه الصدف، ان يكون توأم خافيير من سلب دافيد حبيبته... مزاج هذا الاخير سيء للغاية... هل مازال يحبها؟ العودة الى صقلية مريب له... لسيما ان يرى حبيبته مع رجل آخر... اذن ففي النهاية دافيد يملك قلبا.
اندحرجت اصابعها على الرسوم الأخرى، لامست رمز الشجاعة والقوة في بداية عضلات معدته القوية، تأخرت على رمز فالكيري الذي يضعه الجنود المستعدة في المعركة و الحفاض على الشرف العسكري، الرسوم على جسده ذو جودة عالية للغاية، في أسفل بطنه حفر الجعران رمز خلود الروح على نذبة غائرةـ و كأنه تعرض لطعنة سكين، انها امام قصص و أحداث لا يمكن نسيانها مدى الحياة لأنها محفورة فيه،تعكس الحالة الداخلية خاصته ، وشخصيته ، وخصائصه وعاداته،أي من الوشوم أمامها تحمل معانى خفية ، لكنها تعكس دائما قوة وثقة رجل حقيقي، وفي الوقت نفسه تخفي نذوبة، هل هذه آثار طلقات نارية؟ استعادت اصابعها و هزت نظراتها اليه، تخمة من المشاعر المتناقضة:
" هل أنت جندي؟"
" سأكون كل ما تريدينه الليلة mi amor "
تبخرت بقية اسئلتها في الوقت نفسه الذي امسك بمؤخرة رقبتها ليطبق عليها بشفاهه الشرهة، بادلته شغفه بنفس الالحاح و القوة، شعرت بوجوده في كل خلية من كيانها، أغمضت عينيها بينما يجردها مما تبقى لها من ملابس و من تعقل أيضا ،كانت تسمع أنفاسهما المضطربة فقط، و لم يكونا رومانسيين في اندفاعهما، كانا مثل حيوانين يتقاتلان بشراسة في بركة وحل ، هي الفتاة الرومانسية التي تنتظر عشيق هادء و لطيف بصدد صدم نفسها، لا شيء بريئ في لمساتها، و كأنها فعلت هذا مع عدد لا يحصى من الرجال، وربما خافيير يفكر في الشيء نفسه لأنه مستعجل للانتماء اليها، هل هي مريضة كي تعجب بالحيوان فيه؟ نفس الذئب المكشر عن أنيابه الموشوم في المنطقة الذاخلية لذراعه؟
ليست هذه الافكار ما تتناوب في رأسها عندما تتخيل مرتها الأولى، و لسبب ما... هذا السيناريو يروقها أكثر... فليذهب التعقل الى الجحيم.
* * *
استيقظت ببشرة شاحبة و هالات مريعة، منظرها في المرآة مريب للغاية، أمضت أسوء ليلة منذ صراعاتها الأخيرة معه، لغبائها ظنت أنها تسيطر مجددا على الوضع، الا ان حياتها تعود للانفلاث من بين يديها مجددا، أمضت ليلتها في التفكير و التفكير دون الوصول الى نتيجة، الوجه الجديد الذي منحه لها كيليان غريب عليها، انها المرة الأولى التي يقوم بتهديدها فيه، و لا يبدو أنه يمزح، الشيئ الذي تركها بلا نوم، تستعمل كل دهائها الأنثوي لتعثر على حل للمصيبة، ان فقدت كيليان فستفقد كل شعبيتها، ستفقد عائلتها، و من المستحيل أن تعثر على أحد بقيمته و سلطته، انها زوجته، و هذا ما يجعلها ما هي عليه اليوم.
انها بحاجة لربح الوقت، ستعمل على أن يغير رئيه، ستفعل المستحيل للعثور عمن تحاول نزع ممتلكاتها منها، ثم ستغويه مجددا، و ستمنحه وريثا جديدا، تعرف بأنه لن يفكر مجددا من الابتعاد عنها ان تحققت آمالها.
تجملت قليلا لتخفي شحوبها و خرجت من غرفة النوم التي ظنت بأنها ستتقاسمها مع رجل فضل قضاء وحدته بين محركاته اللعينة، شدت على حزام روبها بينما تراه في غرفة المعيشة أمام طاولة الفطور، جريدة في يد و قدح قهوة فوار في الأخرى.
اضطربت رؤيتها بالسقوط عليه و تشوشت، مثل المعتاد... وسيم لحد الهذيان، شعره الحالك السواد مصفف الى الوراء، دقنه المربعة حليقة، يرتدي سترة رقيقة من الكشمير بيضاء كالثلج شكلت ذراعيه القوية و جدعه العضلي وأخرج اللون الابيض أكثر زرقة عينيه... ست سنوات و نصف من الزواج و لازالت تفقد كل قدراتها لدى رؤيته، لسيما وهي تعرف بأنها لا تمثل له أكثر من والدة ابنته... قيمتها أقل من الجريدة التي تسلبه اهتمامه بشدة، حتى أنه لم يلتهمها يوما بنظراته بالطريقة نفسها، هل من المعقول أن تشعر بالغيرة من حفنة أوراق اقتصادية؟؟!
هز نظراته الزرقاء من فوق الجريدة ليمنحها لفتثة وجيزة ثم يعود ليغوص في أسهم البورصة و أخبار منافسيه الذين يحتاجون لسنوات ضوئية للحاق به، كيليان ارشيبالد خلق مع ورقة الحظ في يده، وهي... بصدد فقدان كل هذا.
جلست مقابلا له و تنحنت قليلا لتصلح صوتها قبل أن تقول:
" صباح الخير !"
التقطت ابريق القهوة لتسقي لنفسها فنجانا بينما تراه من خلال رموشها يطوي الجريدة و يضعها فوق الطاولة.
" صباح الخير ايموجين..."
اضافت العسل الى فنجانها و رأت أصابعه الانيقة و المقلمة جيدا تلتقط هاتفه ليتفقد الشاشة قبل أن يعيده فوق الطاولة بحركة جافة، هل ينتظر رسالة لم تصل؟ هل هي المرأة الاخرى التي ينفي بقوة وجودها؟
توفر النوافذ الضخمة ورائه إطلالة بانورامية على المدينة. كانت أبواب الشرفة مغلقة، الثلج يتساقط بكثافة شديدة على العاصمة الروسية، تملك يوما كاملا معه، قد يستأف اعماله غدا لان كل موظفيه في اجازة، لجس النبض سألته وهي تلتقط كرواسون من الصحن الذي يعرض كافة المخبوزات المفضلة له.
" عملت طيلة الليل؟"
يبدو و كأنه لم يسمعها، عاد يحمل هاتفه الذي أصدر صوتا مخنوقا، رأت ملامحه تنغلق بسخط شديد، هل تلقى خبر سيء؟ حط عليها نظرات جليدية لدرجة انها اخفقت في بلع قهوتها، ثم رأته يدفع بظهره على ظهر المقعد :
" أتمنى أن الليل كان مرشدا مميزا؟!"
" القصة تبدأ مع زوجة و أم تأمل بالحفاظ على أسرتها... " مسحت اصابعها في المنديل الانيق بجانب صحنها الفارغ " ارجوك كيليان فكر في الموضوع مجددا... ليست استغاثة عاشقة مجروحة القلب بل أم تخشى عن مشاعر ابنتها"
" هذا يكفي" تدخل بصوت منخفض بينما يعود مجددا لتفقد هاتفه و يكتب رسالة ما مردفا" انت تضيعين وقتك بتحسيسي بالذنب... لم أولد أمس... و لا يتم ابتزازي بسهولة، سأكررها لك للمرة الاخيرة... أنا و أنت تنتهي رحلتنا الان... و ان قمتي بإستعمال مشاعر أوكتافيا فسأعمل على أن تتحول حضانتها لي، لا اسعى لإيذائك فلا تتذاكي معي... أريد الحصول على حريتي في اسرع وقت... هل أنا واضح الأن؟ هل هذا يلخص لك وجهة نظري؟"
لم يهز مطلقا عينيه اليها، كان مايزال ينقر على ذلك الهاتف اللعين، كم تتمنى اختطافه منه لرؤية ما يكتبه و لمن يكتبه.
" انا لا أفهمك" قالت ببحة يائسة" تعيدني اليك بشروط كي تخرجني بنفس السرعة؟!"
هذه المرة هز عينيه اليها مجددا، نوع من المعاناة مر بسرعة في عمق نظراته الزرقاء، معاناة لا علاقة لها بها هي تعرف، انه يعاني من ارتكابه خطأ العودة فحسب، و هذا بالضبط ما أكدته كلماته الحامضة:
" اعذري غباء تخطيطي"
" لست مجردة من المشاعر كيليان كي تعاملني بهذه الطريقة.... وضعت كل اعمالي، كل روتيني، كل حياتي العائلية جانبا من اجل ارضائك و لا يبدو هذا كافيا... أنت وحش من الأنانية" قالت من خلال الدموع التي تحرق عينيها" مالذي جرى ؟ هل من حقي معرفة الحقيقة على الاقل؟ مالذي جعلك تنقلب ضدي؟"
" توضحت الرؤية بعد عودتك و أدركت أنك عاجزة عن جعلي سعيدا"
انزلقت الدموع على خديها، هذه الكلمات مؤلمة للغاية، يرفض ان يكون صادقا و يخبرها الحقيقة. لكنها تقسم أن تكتشف ما يحاول اخفائه بكل قوة، تحتاج فقط للوقت كي تضغط عليه من خلال أوكتافيا.
" آسفة لأنني لم أتمكن من اسعادك... أنا حقا آسفة و أظنني استحق هذا العقاب... لسيما و قد منحت عملي الاهمية... كنت اتمنى فحسب أن تمدد الفترة التجريبية, من أجل اسرتنا... من أجل ابنتنا"
قفزت بعنف بينما يضرب على الطاولة بقبضته، ست سنوات زواج... تقريبا سبع سنوات لم يظهر ادنى مؤشرات العنف حتى اللحظة، من هذا الرجل أمامها بحق السماء؟:
" توقفي عن حشر أوكتافيا ... أنت من سيخرج من حياتي و ليس هي... منحتك ست سنوات من حياتي كي تتمتع الصغيرة بأكبر مدة ممكنة مع والديها معا لذا توقفي عن استغلالها مرارا و تكرارا"
" لكنني أريد البقاء في حياتك كيليان أنا أحبك"
" لكنني لا أبادلك مشاعرك..."
" لماذا لأنك تحب أخرى؟؟"
رأته يثبتها بطريقة قوية، كان ينسلخ تماما عن معطف كيليان الذي طالما عرفته، اللبق و الذي يختار كلماته كي لا يجرحها، انها امام غريب لا تعرفه، عندما تكلم جاء رده هادئا:
" فليكن ايموجين... تريدين لعب هذه اللعبة؟ " وقف من مكانه دون ان يتركها بنظراته" لم اخفي يوما عنك مشاعري و بأنني منحتك اسمي من اجل الطفل الذي تعمدتي الحمل به لأنني لست أبلها كما تظنين... أنت طبيبة ووسائلك عديدة اليس كذلك؟ لم اتمكن من الغفران لك، لن يمكنني الثقة بك يوما، لم اعد احتمل تعاليك و تبجحك و انانيتك، لا ارى نفسي محبوسا في زواج زائف لما تبقي من عمري، من حقي كما من حقك بداية جديدة... فلا تحاكمي مشاعري، لا تحاكمي قراراتي بينما فعلت تماما ما يرضي ضميري كأب نحو ابنتي، دعيها تعيش طفولتها و ارحميها من انانيتك...أنا من يرغب بالطلاق فلا دخل لها بقراراتي كي تدفعيها الثمن و تتعسيها... هذا آخر كلام بيننا... سيتواصل المحامي معك"
" لا انتظر" التقطت ذراعه قبل ان يبتعد "كيليان اسمع... انت محق في كلامك لكنني اطلب مهلة فحسب ارجوك... "
نجحت بإستقطاب انتباهه لم يعد امامها سوى الخطة B
" ابي يتقدم للانتخابات و هذا النوع من الفضائح سيقضي على حلمه السياسي... فلنؤجل موضوع الطلاق حاليا... سأعود الى ميامي و اتركك و شأنك لن اخبر اوكتافيا بشيء، أعدك ان تكون راض ما ان يحصل والدي على منصبه... طلاقنا سيدمر كل شيء... انا ارجوك .. لقد عمل جاهذا و هو ايضا لا ذنب له في خلافاتنا... سيخسر كل شيء ان تركت العائلة الان"
بقي ينظر اليها قليلا و خلافا لتوقعاتها بالتعاون قال لها:
" أعدك ان يكون الأمر سريا للغاية... آسف ايموجي ليس في نيتي الانتظار"
شعرت و كأن يدا تسللت الى صدرها كي تلتف على قلبها و تعصره بلا رحمة، تخادلت و جلست مجددا في مقعدها تراقبه من خلال دموعها يتوجه نحو غرفة نوم الضيوف التي قضى فيها ليلته، لم تجعله سعيدا... وهو؟؟ هل جعلها سعيدة بحق الشيطان؟؟ رجل غامض لا يتكلم عن نفسه و لا يسمح له بالدخول سوى لجزء ضئيل جدا من حميمته، مسحت دموعها بهياج و غضب، يظن بأنها ستستسلم بهذه الطريقة؟؟ يلعب بها و بمشاعرها و كأنها بلا قلب، انها في فوضى عارمة يستعصى عليها التفكير بينما كل كيانها يحترق في هذه اللحظة، عاد الى مجالها البصري، كان يجر خلفه حقيبة معطف كاشمير على ذراعه، اصابها الهلع، هل سيرحل بهذه السرعة؟
" الى اين تنوي الرحيل في هذه العاصفة الثلجية؟"
" السباقات التجريبية على الابواب..." شرح لها بهدوء" سوف يتصل بك المحامي في الأسابيع القادمة..."
" كيليان... لسنا مضطرين لهذا..."
تجاهل تعلقيها:
" سآخد أوكتافيا الشهر القادم لأنني سأكون مشغولا للغاية... و أنتظر منك أن تمرريها لي عندما أتصل بها هاتفيا، انها صغيرة جدا على أن تحصل على هاتفها الخاص لهذا أتوقع تعاونك ايموجين..."
عندما تزوجا، كيليان أرشيبالد لم يكن مستعدا لتقاسم ثروته معها، لهذا وقعت على عقد زواج بشروط، و اليوم سيكون الطلاق سريعا جدا بفضل هذا، لسيما و قد ترك لها سلفا كل ممتلكاتهما في ميامي التي عاشا فيها خلال زواجهما.
" أترك لك فرصة التفكير..."
" أنت لا تستسلمين هيه؟؟" سألها متهكما و هو يضغط على الزر لينادي المصعد:" و أنا أيضا لا أستسلم... سوف ننفصل ايموجين رضيت بذلك أم لا... "
رأته يدخل الى المصعد:
" أنت ترتكب خطأ كيليان..."
" سأتحمل عواقبه بمفردي..." أجابها بنبرة سئمة :" أنا مسؤول بالغ تماما على قراراتي... و ما أعرفه، أنك خارج دائرة حياتي منذ اليوم"
* * *
" سنيورا فليبينا أنا هنا..."
أغلقت فيرنا الباب خلفها و تحكمت بصندوق الخضر بين ذراعها و خاصرتها بينما يطل رأس العجوز من المطبخ، لمعت عيناها بسرور بينما تقعان عليها، ككل مرة و منذ طفولتها توفر لها المرأة هذا النوع من الاستقبال الحار:
" أدخلي يا صغيرتي لقد أنتظرتك طيلة الصباح..."
جرّت رجلها أكثر مما يلزم مما نبّه العجوز بينما تتقدم لتساعدها في التخلص من الصندوق ووضعه على طاولة المعيشة:
" تبدين متألمة يا طفلتي!"
"انزلقت في ارضية الحمام هذا الصباح و انتهى الأمر بكمادات مريعة لكن لا تقلقي... أنا بخير..."
لكن العجوز لا تنوي سماع احتجاجاتها، أجبرتها على الجلوس و ابعدت ثنورتها الطويلة كي تلقي نظرة، عضت فيرنا على شفتها السفلى بينما أصابع المرأة تضغط على مكان الألم:
" صغيرتي انها متورمة للغاية ينبغي الا تعملي..."
" ليس المرض ما سيدفع ثمن الفواتير، لسيما و قد قررت رفض كل قرش من السيدة..."
هزت العجوز عينيها نحوها، لابد أن نبرتها اليائسة نبهتها بوجود مشكلة، فليبينا ليست فحسب امرأة وحيدة مثل بقية العجزة الذين تقوم بمساعدتهم، لكن كانت صديقة مقربة جدا لجدتها، و عملت لمدة أربعين سنة كقابلة للقرية و أيضا كمعالجة بالطب البديل، انها تعرف سرها، تعرف بأنها من الكوستانسو، لأنها و بكل بساطة هي من ساعدت جورجينا في الوضع، بعيدا عن المستشفيات التي من الممكن ان تفضح سرها:
" ألتقط غضبك ... مالذي حصل؟؟"
سألتها وهي تستوي كي تلتقط قنينة سوداء من أحد الرفوف و تعود للجلوس أمامها، رغما عنها شعر فيرنا مجددا بالرؤية تتضبب أمام عينيها:
" تتذكر فجأة بأن لها ابنة..." شرحت فيرنا و هي تشعر ببرودة المرهم على بشرتها المتضررة:" قررت قطع الروابط المتبقية، فلا داعي للاستمرار في هذه المسرحية المقيتة، أظنني كبرت كفاية كي أنسلخ عن ظلها... تعبت كوني البنت الغير شرعية للمرأة الثرية"
دعكت فليبينا بخبرة على ركبتها، المرهم مصنوع من الزيوت الأساسية التي تسللت بقوة الى أنفها،القرنفل ، الكاجيبوت ، القرفة ، الأوكالبتوس ،النعناع و الكافور، أصبحت معتادة على هذه الروائح، نزلات البرد و الحرارة و حتى وجع دورتها تتكفل بها المرأة بكل سهولة، لم تتمكن من تحقيق المعجزة مع ركبتها التي كادت ان تفقد ساقها في تلك الحاذثة المأساوية، تنهذت بإرتياح تحت الاصابع الخبيرة، مرّ من أمام نافذة المطبخ شاحنة عملاقة لمعدات البناء مما دفع المرأة للتعليق:
" الأشغال في أوجها في معصرة صديقك..."
" هو ليس صديقي..." صححت لها فيرنا بجفاف:" كنت أتقاضى أجرا للاهتمام بالمعصرة... "لمحت ابتسامة على شفاهها:" ما المسلي دونا فيليبينا...؟؟"
" اعذري مباشرتي يا صغيرتي فنظرا لسني أفضل أن أكون كذلك... لكن... ذلك الرئيس يبدو مهتما بجدائلك أكثر من عملك..."
فتحت فيرنا فمها لتتكلم و عادت لتغلقه، عموما فسانتو طالما أحب شعرها، تعرف أن العجوز لا تقصد هذا بتلميحاتها، فجأة تذكرت شيئا:
" كم من سنة عملت عند الايميليانو؟؟"
" حتى و فاة 'دون يانيس' و اهمال المزرعة..." ردت بهدوء وهي تأخد مجددا المرهم لتضعه هذه المرة على المنطقة الداخلية لركبتها.
" كان صاحب اسرار كثيرة..." أقرت فيرنا تجهل باي طريقة يمكنها الاستفساء بشأن والدة سانتو دون ان تثير فضولها..." منها عدم الوفاء اليس كذلك؟ دونا سابرينا لم تكن الوحيدة في حياته..."
" القي سؤالك مباشرة يا صغيرتي... "
لا يمكنها أن تكون مباشرة دون أن تفشي سر سانتو الذي أمنها عليه، بأنه الابن البكر ليانيس ايميليانو من راقصة روسية سلبت الديكتاتور لبه، فضلت نسيان الموضوع، هزت كتفيها مدعية عدم الاهتمام:
" عملت في طفولتي في المزرعة و كنت أتذكر رقته و لطفه معي..."
" طالما كن حمائيا بشدة معك...فلم يُخفى عليه أصلك هو من استأمنني على والدتك..."
" أعرف..." قالت متنهذة:" ذات مرّة أخبرني بأنني أشبهها بشدة ... "
" لم يخطئ التقدير... حتى أنني أراك أجمل و لابد أن ابنه يرى فيك نفس الميزات كوالده"
شعرت فيرنا بالدم يتجمد في عروقها، رمشت عدة مرّات بينما العجوز تنتهي من الاهتمام بكمداتها و تبدأ بجمع عدتها الصغيرة.
" من تقصدين بكلامك؟..."
" صديقك هو ابن يانيس من امرأة أخرى..." شرحت العجوز وهي تمنح لها ظهرها:" الشبه خارق للغاية، انه نفس صورة العرّاب، سبحان الخالق... برئيك لما اختارني كي أسهر على ولادة والدتك؟؟ سبق وو ضع حبيبته الغالية بين يداي... وضعت الصغير تماما كما وضعتك فيرنا... "شعرت بشيء ينفجر في داخلها، من الصعب تقبل هذه التصريحات، تعرف أن فليبينا اصفر وجهها عندما سقطت نظراتها عليه للمرة الأولى، حتى انها دعته عندها و طرحت عليه الكثير من الاسئلة، لكن أن تكتشف انهما يملكان كل هذه النقاط المشتركة تجعلها بلا صوت." هذا ما كنت تحومين حوله منذ البداية؟؟"
" عندما رايته للمرة الاولى التقطت الشبه بينه و بين دون يانيس، ذاكرتي الطفولية لم تنساه أبدا، كنت معجبة للغاية بغمازاته و سانتو يملك كل تفاصيله حتى تلك الغمازات شيء حقا لا يتقبله عقل، لكنه أنكر... أخبرني بأنه روسي..."
" نصف روسي... والدته أوكتافيا روسية... "
الفضول كاد أن يحرقها حية:
" اذن فقد تعرفت على عشيقة دون يانيس؟!.."
هزت العجوز رأسها بعدم فهم وهي تصحح:
" كانت زوجته.."
لم تعد فيرنا تفهم حقا ما تسمع:
" العرّاب تزوج من امراة و احدة و هي دونا سابرينا...."
منحتها العجوز مجددا ظهرها و رأتها تملأ الإبريق القديم بالمياه قبل أن تضعه على النار،اذن ففليبينا تملك مفاتيح ماضي سانتو تماما مثلها، صدفة غريبة حقا، تبدو منزعجة لأنها لاحظتها واقفة على قدميها مجددا:
" يا فتاة لن أتركك تعملين بقية اليوم، سوف تعودين الى بيتك و تهتمين بهذه الركبة المتضررة..."
" لا أنوي الكلام على ركبتي دونا فيليبينا... أرجوك أخبريني عن أوكتافيا, كيف يُعقل أنها تزوجت العرّاب؟؟"
أشارت لها للجلوس فأذعنت دون نقاشن طالما اهتمت بصحتها، تعرف بأنها تقلق بشدة عليها.
" كيف كانت؟؟؟"
" تشبه الملاك..." شرحت العجوز وهي تجلس بجانبها و تضع يدها مجددا على ركبتها و كأنها تتأكد أن مرهمها يقوم بدوره:" و تشبه الشيطان في نفس الوقت..."
هزت فيرنا حاجبيها منتظرة تفاصيل أكثر:
" كان مخطوبا لدونا سابرينا عندما تزوج أوكتافيا، ثم خشي على حياتها بسبب الصراعات فإخرجها من صقلية كي يضعها في المعصرة، العرّاب لم يكن نفسه في وجودها، أحيانا محبا لدرجة شاذة و احيانا... يكسر الجذران بسبب غيرته الشديدة، لدرجة انه سجنها لشهر كامل في غرفتها فقط لأنه رآها تتكلم مع احد قطاف العنب، لكنها لم تكن سهلة أو مغلوب على أمرها... طباعها النارية و شراستها جعلتها مميزة أمام رجل لم يجرؤ أحد على تحديه أو ترديد كلمة لا أمامه... "
لم تتكلم فيرنا، كانت تفضل الاستماع حتى النهاية:
" عندما حملت بطفلها كاد العرّاب أن يفقد رشده من السعادة، ظننتُ كما ظنت المسكينة بأن الأمور ستتخذ مجرى آخر و بأنه سيقوم أخيرا بتحديد خياراته، لكنه استمر في خطوبته لدونا سابرينا بل الزواج بها ايضا ... لصدمة كلتينا.... "
" العرّاب... تزوج امرأتين في الوقت نفسه؟؟ هذا خارق للقانون" صرخت فيرنا بلا تصديق.
" هو كان القانون عزيزتي.... جرأته أدت الى نهاية علاقته الجنونية مع أوكتافيا التي أقامت الأرض دون أن تقعدها و هددت بالرحيل و أخد إبنها معها... بالطبع هو لم يسمح لها... كان يخبئها عن الأخرين، جوهرته الثمينة التي يرفض كشفها لغيره، يغار عليها لدرجة أنه طرد كل الشبان العاملين في حقول العنب ليضع مكانهم نساء و رجال فوق الخمسين..."
عند هذه الكلمات ، شعرت بغضب يندفع عبر عروقها ، ونبض الأدرينالين في صدغيها.لقد تغلبت علي المفاجآت المتسلسلة بنوع من الحمى ...تيار حارق لا يطاق في أعماقها ، تكره الرجال الاستغلالين لضعف الاخرين كما تكره الاستغلاليات من النساء، ربما اوكتافيا لم تكن حقا بريئة او ضحية فقد شبهتها فليبينا بالملاك و الشيطان،لكن قصتها أشعلت حواسها الخمس... لا توجد من تستحق هذا الاذلال في سبيل الحب.
" يالهذا التناقض من رجل أحلّ لنفسه امرأتين!" علّقت متهكمة:" مسكينة أوكتافيا... سقطت ضحية مناور متلاعب و نرجسي... كيف يُعقل أنك من أشرف على و لادة سانتو؟؟"
" بسبب منصبه الحساس و تجرده من المنطق عندما يتعلق الأمر بأوكتافيا ، رفض ان تتلقى ولادة طبيعية في المستشفى... كان يضعها في مكانة التقديس و يخاف عليها اكثر مما يخاف على نفسه و لم يكن يثق بأحد غيري، استأمنني عليها في أسابيع حملها الأخيرة، أتذكر.... بأنه كان قلقا بشدة، أشيع آنذاك بأنه تورط في قضية كبيرة، لسلسلة اغتيالات سياسية، لكن حذره لم يكن كافيا.... قتلت أوكتافيا بأبشع الطرق بعد أشهر قليلة من ولادتها... سلطته و نفوذه أفقداه حب حياته... انطفئ البريق من عينيه منذ رحيلها الى الابد... لم يعد الى المعصرة منذ ذلك الوقت و أوكل لغيره التكفل بالأعمال.."
مريض نفسي نرجسي بقلب كبير قادر على الحب حتى الجنون، يالها من نهاية تعسة لامرأة تمكنت من افقاد الوحش السيطرة، شعرت بالحزن على والدة سانتو، الحزن العميق على نهايتها التعسة و المريبة... ياللسخرية القدر... الوسيم الذي ورث كل خصال العراب الجسدية يحارب شياطينه لهذا الشبه و يعيش الرفض و يوهم نفسه بقصة مختلفة تماما...هو الذي يظن بأن والده هجره كما اساء لوالدته، و في النهاية و كما هو واضح...أبعده ليحميه لأنه ثمرة عشقه المجنون... رغب له بوجود مغاير.
"من قتلها؟؟" سألت بغصة بينما تشعر بأوثار صوتها تهتز بحدة و بحلقها يؤلمها.
صفر ابريق المياه مما استدعى انتباهها، راقبتها تصب المياه المغلية في فناجين بها أكياس الشاي و أعشاب خاصة فقط بها و بخبرتها.
" تم خلق الكثير من القصص حول اغتيالها... كانت كابري في حالة انقلاب تام... كل الاباطرة نزلوا بها ليبرؤا أنفسهم أمام رجل غاضب ينوي حرقهم الواحد تلوى الأخرى... أشيع بأنهم المخابرات... ثم بأن والد العرّاب الذي رفض رؤية ابنه مع راقصة من سلط أحد للتخلص منها... ثم انتشرت قصة بأن دونا سابرينا وراء القصة...في النهاية... اتهموه بأنه وراء الاعتداء عليها و محيها بسبب غيرته المريضة و قرارها الاكيد بهجره ... أوكتافيا كانت حازمة للغاية معه و لم تكن وعودها هباءا"
" كل الاحتمالات واردة..."
منحتها فنجانها و عادت لتجلس بالقرب منها:
" لم تموت أوكتافيا بمفردها ذلك اليوم بل أخدته معها... لم تكن حبيبة عادية، كانت رفيقته، العقل المدبر أيضا، كان يستشيرها فيعمل بنصائحها في أغلب الأحيان، كانت ذكية، سريعة النباهة، حكيمة و آسرة للغاية... لم يكن يانيس ليكمل من دونها"
" اذن لما تزوج أخرى ان كانت حقا نصفه الثاني؟؟"
" لم تكن ايطالية و هذا ذنبها الوحيد... كي يستلم ارث و الده و جده كان عليه الزواج من ايطالية و الحصول على وريث ذكر بدماء صقلية مئة بالمئة... "
ثم تزداد قناعة بأن البشر أكثر الاشياء خلقها الله تعقيدا و أيضا سُخفا... ايطالية الدماء... هل توجد سخافة اكثر من هذه؟؟ هو الذي عشقها حتى الموت... تزوج غيرها بإسم التقاليد السخيفة... ياله من رجل... ماذا عن سانتو...؟ هل ورث عقد والده النفسية؟؟ أم ذكاء و دهاء و حكمة والدته؟؟ أم جمع كل خصالهما؟؟ من هو الرجل الذي اخفى عنها زواجه و أخدها الى جزيرة رائعة ثم قبّلها كما لم يقبلها رجل من قبله؟ هل هو أيضا بئر أسرار مثل يانيس ايميليانو؟؟
* * *
" استيقظي أيتها الجميلة النائمة.. أنا هنا! "
فتحت ديامانتي عينيها، لم يكن صوت فرانكو الذي آلفته منذ أسبوع الأن، نيوس يجلس على السرير، يده على كتفها و يهزها برفق، كان يرتدي بدلة رجل الأعمال، شعره مشعث قليلا و التعب باد بشدة على وجهه، هرب النعاس من عينيها فورا ، لم تكن تحلم... نيوس عاد حقا.
شعرت بالراحة تغمرها، هذه الأيام الأخيرة كانت بغاية القلق عليه و آريوس لا ينفك عن السؤال عنه، ساعدها على الجلوس و ماهي الا لحظة حتى كانت بين ذراعيه.
" متى عدت؟؟" سألته وهي تضع رأسها على صدره.
" لتوي عزيزتي... آسف لم أتمكن من الامتناع عن ايقاضك... الوقت مبكر للغاية..."كانت الساعة بالكاد تتجاوز الخامسة صباحا، لم تسمع صوت المروحية التي يقودها نيوس كما يقود سيارته، شعرت بيده على بطنها، يتحسسه برفق:" اذن فقد وفيتي بكلمتك و لم تلدي خلال غيابي؟!.."
" لن يتأخر ذلك بالحذوث... منذ يومين و أنا أعاني من التقلصات..."
شعرت به يضمها أكثر الى قلبه، يُقبّل شعرها، يشم رائحتها ببعض النهم، وشوش في أذنها:
" كم افتقدتك يا زوجتي!..."
" و أنا أيضا !..."
هزت نحوه وجهها مبتسمة، هذا الاسبوع برفقة فرانكو جعلها أكثر ترحيبا بنسيان كل تقلبات و قسوة نيوس، فلنقل أنه طبيب نفسي برتبة ممتازة، أو ربما ينتمي الى نخبة الإختصاصين في علم الطاقة، منحها الكثير من الدعم النفسي الذي جعلها قابلة لإمتصاص الألوان و الأمل، أتى اليها فرانكو و بنيته دفعها مجددا الى أحضان نيوس... أتى لأن سعادتها من أولى اهتماماته، تجهل اسبابه لكنها سعيدة للغاية لأنه كان بجانبها و أضاء حياتها.
" سوف أخد دوش و التحق بك في السرير لأنني لم أنم منذ يومين..."
قبل شفاهها مطولا و تركها متوجها نحو الحمام، وضعت يدها على بطنها المتصلبة بشدة و المتحجرة، موعد الولادة يقترب بشدة انها تشعر بذلك، و من ناحية أخرى هي سعيدة للغاية لأن زوجها تمكن من تحرير نفسه أخيرا و المجيئ، مندفعة بالحاسة السادسة تركت السرير ببعض الحذر و ارتدت روبها و خفيها، يدها على بطنها توجهت الى الشرفة الزجاجية لتفتحها على فجر حالك السواد، يناير بارد هذه السنة، لاحت بعينيها في الجزء الأخير من الجزيرة حيث يقيم فرانكو في ممتلكات روبي... حركة تحت الشرفة أثارت انتباهها، و كان هو، و كأنه خرج من تفكيرها ليتجسد أمامها، هل سمع صوت المروحية؟ بقيا يحملقان الى بعضهما ثم أشار الى المرفأ حيث العبّارة:
{ سوف أرحل...} هذا ما فهمته من حركته.
هزت رأسها معترضة... ليس بهذه السرعة:
{ كلا...}
{بلى... أرجوك اهتمي بنفسك..} كان يرتدي نفس الملابس التي ظهر بها في المرة الأولى أمامها، هل أتى تحت شرفتها و هو متأكد بأنها ستخرج للاطمئنان بأنه دوما في الجوار؟؟ غريب هذا التواصل, غريب أن يكون حساس جدا نحوها، أشار فجأة الى بطنهاففهمت بأنه يقصد حملها و أشار لها :{ اهتمي بالطفل}
أعمت الدموع عينيها و هي تراه يلقي عليها نظرة أخيرة قبل أن يتسلل بخفة فهد متمرس في جناح الليل نحو المرفأ، ابتسمت في تأملاتها و دموعها، أمضت أسبوعا وهي مدللة وهو أدرك كيف يكون صديق جيد، عليها أن تكون ممنونة لأنه أتى... ككل مرة يأتي عموما... يمكنها أن تكون في الطرف الأخر من العالم و في موقف صعب كي يظهر أمامها لإنقاذها من مأزق.
" وداعا ملاكي الحارس"
* * *
" ما هذا الاقتراح اللذيذ دون ايميليانو؟؟ أنت؟ ... مهووس العمل تنوي أخد عطلة؟!..."
راقب ملامحها المنشرحة فمنع ابتسامة كي يحتفظ بجديته، لم يصل بعد الى الأهم من الاقتراح، ربما حماستها لعرضه لن يدوم عندما تعرف نواياه، منذ تلك الليلة في مونتي كارلو لم تتطرق الى موضوع الطفل و هو لم يكن مجبرا على منحها اي وعد، للأن الأمور تسير بطبيعيتها المعتادة، تأمل خطيبته الجميلة في فستان شتوي من القطيفة، حدائها الأسود العالي الرقبة يصل الى ركبتيها، لا شيء في مظهرها شهواني لكنه يشعر بالغيرة مثل المعتاد من نظرات الأخرين، لا ينوي دفعها لنعثه مجددا بالدكتاتوري كما فعلت ليلة زفاف خوسيه، مشكلته مع التملك مريبة، انه يحاول التأقلم مع فكرة أنها لا ترى غيره كما لا يرى غيرها، لكنه عاجز، لسيما عندما يلمح نظرات اعجاب رجالية تتملكه رغبة وحشية في القتل، في تلك الليلة أخبرته أيضا بأن ليس قطعة قماش ما سيبعدها عنه، هراء.... الكلمات لا تنفع للتخفيف عنه.... أحيانا تتملكه رغبة بلفها بلحاف من رأسها الى أخمص قدميها و اخفائها في برج من أبراج القلعة كي لا يراها سواه....
دنى منها بخطوات كسولة و لف خصرها بذراعيه ليقربها منه، يتردد مثل كل صباح في تحريرها كي تلتحق بمكتبها، هي تجهل ذلك لكنه يتفقد يوميا مذكرتها للاطلاع على زبائنها، رجاله يتحرّون عليهم حتى قبل أن يضعوا أقدامهم في مكتبها، لامس خصلات شعرها السوداء العقودة في مؤخرة رأسها، يتجاوب جسده تلقائيا كلما كانت في محيطه، أبدت علامات نفاذ صبر و هي تتطلع الى ساعة يديها:
" حبيبي... يمكننا انهاء الكلام الليلة ان رغبت؟!...."
" سوف أوصلك... يمكننا التكلم خلال الطريق!..."
" آه ...." تنهذت و هي تهز عينيها الى السماء.
" ماذا كارا؟؟ " فرك أنفه بأنفها مستنشقا أكثر عطرها "كل دقيقة معك ثمينة و أرغب بإستغلالها حتى النهاية"
" يالهي... مالذي يمكنني فعله بك روكو ايميليانو و بكلماتك؟؟" أبعدت وجهها و لمعت عيناها بتسلية و هي تحملق اليه:" تتعمد في كل مرة ايصالي كي لا أتوفر على سيارة فتعود بنفسك مساءا لتقلني؟!..."
" كزوج محب و غيور على راحة زوجته..."
" لم نتزوج بعد..." ذكّرته متنهذة.
" سنتزوج نهاية الشتاء... " قبّل جبينها:" لو لم أكن شخصية مهمة و كل صقلية بإنتظار زواج بفارغ الصبر لأخدتك الى البلدية و ارتبطنا فورا دون دعوة أحد..."
يبدو ان كلامه يروقها، أشرق وجهها أكثر:
" حتى أصدقائك؟؟" كشر قليلا مما دفعها للانفجار في الضحك:" هم لا ينتمون الى 'دون دعوة أحد'!..."
" أقسمنا منذ زمن أن نكون دوما الأشابين في زواج كل منا... لم يتبقى سواي و سيزار و اليخاندرو..."
" سيزار تزوج من دونكم..." ذكرته متهكمة.
" ليس أمام الله... و نعدّر تسرعه... لم تكن هناك طريقة أخرى لإستمالة المرأة التي يحبها..."
ارتخت شفتها السفلي بدلال و بطريقة مغرية و سألته بتلك اللكنة التي تفقده رشده:
" هل كنت لتتصرف بالطريقة نفسها ان قررت الابتعاد؟!..."
ابتسم لها قائلا بجدية متخللة ببعض الصرامة:
" لن أتركك تبتعدين بريانا... أنت ملكي الان...الموت وحده ما سيُفرق بيننا"
ابتسمت و تلألأت أسنانها الصغيرة البيضاء ثم قبلت دقنه النامية:
" تعجبني شراهتك نحوي أيها العرّاب... هل يمكننا الذهاب الأن؟؟ أريد معرفة المكان الذي تنوي أخدي اليه في هذا الجو البارد.!.."
ساعدها بإرتاداء معطفها، و عندما قرر اغلاق أزراه حتى عنقها عادت لتهز عينيها الى السماء، لم يتركها تلتقط حقيبة أوراقها و حاسوبها، أخد كل شيء بيد و بالاخرى أمسك يدها ببعض التملك، لم تُخفى عنه ابتسامتها التي تحاول اخفائها، لم تعد لإنتقاض تملكه، انها تتعايش مع الموضوع و هذا يناسبه، لن تتجرأ بهجره مجددا، في الخارج ظهر سانتياغو أمامه حط عيناه على بريانا أولا ثم عليه ثانيا:
" صباح الخير سيدي... "
" صباح الخير سانتياغو... اعلم الطيار لأننا سنذهب بعد ساعة الى روما... خافيير سيرافقنا"
رآه يقطب بعمق لكنه لم يعترض، فتح باب سيارة المرسيديس الى بريانا التي أدلفت اليها تتقاتل مع الزر الأول من معطفها لتحريره، يعرف بأنها تكره بشدة سياراته الاخرى السريعة و تفضل شيء أكثر سرية...
" شيء آخر؟؟"
" صوفي طردت خادمتها الخاصة، ابحث لها عن أخرى أكثر صبرا..."
" انها رابع خادمة..." دكّره سانتياغو بحيادية.
" تظنني لا أعرف؟؟" سأله وهو يدور حول السيارة ليفتح باب السائق بحركة جافة:" ابحث لها عن امرأة بلا مشاعر و تتقبل أن يتم رميها بالاهانات... سأدفع أكثر مقابل أن تضع مشاعرها في ثلاجة "
عهد العبيد و لى و هذا بالضبط ما تجبره عليه ابنته التي يزداد مزاجها سوءا يوما بعد يوم، بالرغم من أنه متأكد من تعمدها كل هذه الفوضى، انها تستفزه شخصيا... تنوي اخراج الأسوء فيه... لكنه لن يسقط في شركها، الملل من حياتها يدفعها لإرتكاب الحماقات الواحدة تلوى الاخرى، عندما أخد مكانه بجانب بريانا تطلعت اليه هذه الأخيرة بنظرات يعرفها جيدا:
" برئي الا توظف أحدا بعد اليوم!..."
" انها ابنتي حبيبتي... و أنا فاشل حتى في التقرب منها... لن أمنحها فرص كره اضافية، يكفي أنها لا تطيق حتى جودي في محيطها!"
اهتز المحرك القوي تحته و انطلق بالسيارة نحو البوابة مانعا اي كلام في الموضوع، المطر يسقط برتابة، لكن رفيقته عادت تتململ في مكانها و لحسن الحظ انها تجاهلت موضوع صوفي و سالته:
" لما تقرر فجأة أن نسافر؟؟ و الى أين؟؟"
" أملك جزيرة خاصة في افريقيا" مد يده ليلتقط أصابعها المتجمدة، انه بحاجة ماسة للتواصل معها، انه نوع من أنواع البقاء:" غير بعيدة عن 'زنجبار'، جزيرة رائعة تقع قبالة ساحل تنزانيا..."
" و تريدنا أن نذهب في شهر عسل سابق لأوانه؟؟..."
ضغط على أصابعها قبل أن يلتقطها الى شفاهه و يضع عليها قبلة طويلة:
" طموحاتي هي اسعادك 'كارا'... و نظرا لمزاجك الفني فأنا متأكد بأنك ستغرمين بالمكان، لحظات حقيقية من الاسترخاء في قلب أرخبيل زنجبار مع سواحلها من الشواطئ الرملية البيضاء والشعاب المرجانية... جزر 'مافيا' و 'تشومبي' و 'بيمبا' مناسبة جدًا للغوص، أعرف بأنك تعشقين الغوص... بأنك تسبحين أفضل من الدلافين..."
" تريد ايهامي بأنك ستترك صقلية و أعمالك الكثيرة كي نسبح في سواحل افريقيا و نسترخي على رمال بيضاء؟؟"
" يمكننا أيضا تقاسم الغرام..."
ضحكت بنعومة، تمنى لو تدوم كي تتغلغل أكثر في شرايينه لكنها عادت لجديتها و حثته للاعتراف:
" هيا روكو... أخبرني كل شيء..."
ah dio...حبيبته اليونانية تعرفه جيدا، انحرف برفق الى اليمين عندما تأكد بأن الطريق فارغة، و بدأ بالشرح بهدوء..
" ستكون نوعا ما رحلة عمل ..." لم تعلق و تركته يتابع:" أعمالي الأخرى - كما تسمينها أنت- تستدعي ذلك!..."
يمكنه أن يتخيل الفضول الذي يطل من عينيها البنيتين في هذه اللحظة:
" تقصد الأعمال المتعلقة بيانيس؟؟"
" انه ماضيه عزيزتي... علي تسوية بضع أمور مع امبراطورة أسلحة روسية، سنستقبلها خلال يومين في الجزيرة و بالتأكيد أرغب بزوجتي بجانبي للعب دور المظيفة..."
لم تعد لرنتها المعتادة بأنها ليست زوجته بعد، اكتفت بالقول ببعض الاصرار:
" بالتأكيد لا أنوي تركك وحيدا مع امرأة... " تعجبه غيرتها:" أخبرني فحسب متى تنوي أخدنا الى هناك كي أوظف أحدهم ليساعد باولينا في المكتب!..."
" شكرا يا الله لأنك منحتني هذه المرأة... "انها تجعله عاطفيا و هذا... يعجبه.
سمعها تعود للضحك فوضع ذراعه خلف كتفيها كي يجذبها نحوه، وضعت رأسها على كتفه و قبّل قمته مستنشقا عبيرها المألوف:" هل أخبرتك كم أحبك؟؟"
" مرتين منذ وجبة الفطور..."
" أنا حقا مقصر في حقك..."
" أمممم... كثيرا"
عادت تختنق في ضحكتها مما جعله يبتسم كما آلف منذ دخولها حياته، في كل يوم يغرق فيها أكثر، يتورط فيها أكثرـ و يزداد تملكه خوفه من أن تهجره مجددا، تحاشى هذه الأفكار السلبية و ركز فقط عن مكانتها التي تكبر بشدة في قلبه و في كل خلية منه.
* * *
" يُشاع بأنك تنوي تبني ابن جوزيف سيفيرانو... هل هذا صحيح؟؟"
اذن فهذا ما دفع والدته لطلبه على عجل و أيضا بحضور جدّه؟! ظن بأن هذا الأخير تعرّض لوعكة، لكنه الأن أمامه، على مقعده الشاهد على مجده منذ عشرات السنين، يتطلع اليه و كأنه ينوي سبر غوره، لم يتفق يوما جدّه مع جورجينا، منذ البداية كانا عدوين لذوذين لكن يبدوان اللحظة متفقين ضده هو، أدار اهتمامه نحو والدته، كانت مشعة في طاقمها مثل المعتاد، رمز الاناقة الايطالي، حتى في هذا السن يمكنها أن تظهر على غلاف vogue و لن تنافسها امرأة بالتأكيد...
" ابن جوزيف سيفيرانو يدعى آنجلو وهو طفل رائع للغاية و ذكي... ناديه بإسمه..."
" هل تنوي تبنيه؟؟" هذه المرّة جدّه من سأله بصرامة.
لم يتخد قراره بعد، منذ أن أتمم الاجراءات بشأن نقل جثمان والدته الى صقلية، يعيش آنجلو في سلام داخلي، حتى أنه تأقلم مع أصدقائه الجدد في المدرسة، لن يخجل بالاعتراف بأنه يحب الساعات التي يمضيها معه، يسعده لعب كرة القدم معه و يقوم بتعليمه السباحة أيضا، ثمة رابط جمعها و أصبح صلب مع الوقت.
" تفعل هذا لإرضائها!؟..." سمع والدتها تقول بغل مبالغ فيه:" تلك المرأة تسيطر عليك سيزار... انها تفعل بك ما تشاء و أنت كالأحمق تتركها تتحكم بك و كأنك دمية خيوط... أنت ضعيف تماما مثل وا..."
لكنها صمتت عندما تذكرت بأن جدّه معهما في نفس المكان، هو الذي يرفض قطعا أن يسيء أحدهم لإبنه الوحيد الذي فقده في ظروف غامضة، ربما دومينيكو كوستناسو كان قويا الا في شيء واحد... جورجينا، كانت نقطة ضعفه التي تسببت في هلاكه.
" ضعيف مثل والدي؟؟..." أتمم عنها ببرود.
نزل الصمت على المكتب بينما راقب ملامحها تتصلب تحت النظرات المتحدية التي يرمقها بها... لكن مالذي تنتظره منه في النهاية بحق الجحيم؟؟ ربما حان الوقت ليوضح لها بضع نقاط مهمة.
" أحب روبي، انها زوجتي على الورق و ستصبح زوجتي أمام الله في الربيع... القرارات التي نتخذها ، و ما نفعله بحياتنا يخصنا فقط..."
" أنت ضحية متلاعبة و مناورة متمرسة..."
" كلام معقول من امرأة امتهنت ذلك كل حياتها..." ردّ سيزار وهو يدخل يديه في جيوب بنطاله:" أجهل لما تكرهينها الى هذه الدرجة... الا تري بأنني سعيد معها؟؟ لما لا تستسلمين الى الأمر الواقع؟؟ روبي هي حب حياتي... هي المرأة التي اخترتها كي أنهي أيامي بجانبها... لما تصرين على رؤيتها استغلالية و مناورة؟؟ لكن جورجينا انت كنت معلمة جيدة معي منذ الصغر... بفضلك أستطيع التميز بين النساء... أنا تلميذك المجتهذ فلا تخافي عليّ..."
" لا أرى اجتهاذك في ضعفك!..." علقت متهكمة.
" أنا لست ضعيف... أنا أحبها هذا كل ما في الأمر..." شرح بهدوء غير متأثر بإستفزازها.
" هذا يكفي..." تدخل الجد بلكنة قوية، جورجينا لا يمكنها مناقشته أو حتى تحديه، بعد موته، لم يترك والده لوالدته شيئا سوى الاسم العريق الذي تحمله،تأخد مصروفها من جده حتى هذا اليوم، جورجينا التي تتهم والده بالضعف في كل مناقشة، ذلك الذي أضعفه حبها تركها بلا مال... يتذكر ردة فعلها عندما تمت قراءة الوصية... ذهبت الى قبره كي تنعثه بكل الصفاة السيئة... أخبرته بأنها سعيدة لأنها جعلت من حياته جحيما... كيف يعرف؟؟ ببساطة سمع كل الكلام القاسي الذي وجهته لرجل ميت لأنه هو نفسه من أعادها الى البيت مع زجاجة كحول فارغة.
" قررتما الاحتفال في الربيع اذن؟؟ " قال جده.
" السيفيرانو يهتمون بكل شيء..."
" السيفيرانو يهتمون بكل شيء.!.." كررت جورجينا بسخرية و هي تضم ذراعيها اليها:" أصبحت فردا منهم و ليس لك أم و عائلة؟..."
" أمي أرجوك!..." اعترض بسأم.
" هذا بالضبط ما تتعمده تلك المرأة... ابعادك عنا... بعد كل الاذلال الذي تسببت لك به، هل يجب أن أذكرك بأنها هجرتك قبل أسابيع قليلة من زفافكما؟؟ جعلتك أضحوكة الجميع ... الصحف تلذذت بخلق القصص الزائفة بشأن هروبها، و ماذا فعلت أنت؟؟ جثوت على ركبتيها ما ان ظهرت مجددا في زفاف الأمير و الأميرة فالكوني! لم تكتفي بهذا فحسب... هدرت أموالك لإسعادها و تزوجتها سرا و كأنك لص... دعني أخبرك بأن تضحياتك مثيرة للشفقة... المرأة لا تحب الرجل المضحي بل تضعه في قائمة الحمقى... المرأة تحب الرجل الذي يقول لا... تخلص منها قبل أن تتخلص هي منك ما ان تنتهي مصالحها ..."
" اصبح الحوار سخيفا..." تجاهل جورجينا و تقدم من جدّه:" أفكر جديا في تبني آنجلو ليس لأن روبي من طلب مني فهي لم تفرض شيئا علي، بل لأن ذلك الطفل هو وريث السفيرانو و لا يملك من يقود أعماله، هذه نقطة لصالحنا الا تظن؟؟ يمكننا الاستفاذة من أسهمه حتى بلوغه، تبنيه سيزيدنا قوه فحسب... هذا ما كنت تأمله من زواجي من روبي جدي اليس كذلك؟؟ "
نقط ضعف جدّه هي الأرقام، و من الأفضل اقناعه عمليا بدل عاطفيا، ان أخبره بأنه تعلق بالصغير فسيتهمه بالضعف تماما مثل جورجينا، يبدو أن وجه نظره راقت جده الذي اكتفى بهز رأسه:
" أنتظر وريثا سيزار..."
" قررنا البدء بالعمل لتحقيق ذلك بعد زفافنا مباشرة جدّي...." كذب وهو يمنحه ابتسامة قسرية، لن يسر اليه بأنه عاجز عن جعل زوجته حاملا مرّة أخرى:" عليّ الرحيل لأنني تأخرت على المكتب..."
" تشجعه لتبني ذلك الطفل؟؟" صرخت جورجينا بعدم تصديق." أيها العجوز المجنون أنت تساهم في خرابه"
" أنا بالغ و أعرف مصالحي أمي..." ثم دنى منها ليقبل صدغها: "يمكنك التواصل مع السفيرانو للمساعدة في التجهيزات... أحب دوقك الراقي جورجينا... و سأحبك اكثر ان تركت زوجتي و شأنها..."
ثم و دون أن يترك لها مجالا للرد اختفى من المكتب.
* * *
* *
" اخلوا المكان فورا..."
لكنة سانتياغو الآمرة و الاذعة دفعت فريقها الطبي للرضوخ، كلب روكو الوفي، شعرت صوفي برغبتها في الاختفاء من المكان، لكنه اتى لأجلها، ستبدأ حصة السباحة و المسبح الداخلي الخاص مجهز ككل صباح لهذا، لكن سانتياغو يفضل المجيئ هنا مجددا لمنحها درسا في الأخلاق كما هي عادته، ضمت الروب الذي ترتديه فوق ثوب سباحتها و دفعت كرسيها المتحرك بعيدا عن هجومه:
" لا تقتحم مجددا هذا المكان سانتياغو..."
" تعرفين اين يمكنك وضع أوامرك صوفي!... "
هذه الاهانة جعلتها شاحبة من الغضب، كان ينسخ كل تصرفات شقيقها، انه صورة منه، حتى هذه النظرة المخترقة لدرجة أنها تفقدها وسائلها ...رجل كامل بدفوته الذكورية:
" مالذي تريده؟؟"
" لم أعد أجد لك أعذرا أمام روكو، هل يمكنني ان أفهم السبيل لكل هذا الهجوم؟؟ "
" لا أعرف عما تتكلم..." اندفعت الى الوراء مجددا بكرسيها مبتعدة عن هجومه الأسود.
" أنت تبالغين في الاقتصاص من الجميع... تبحثين لإثارة انتباه روكو أو ربما اخراجه عن طوعه؟؟ انه يطلب مني العثور عن خادمة جديدة... يدفع لها كي تضع كرامتها جانبا... الحقيقة أن المدللة الصغيرة من تستحق ضربتين قاسيتين على مؤخرتها... أنت تخيبين ظني..."
لا تنوي تخييب ظنه، طالما كان بجانبها للدفاع عنها أمام روكو و أحيانا يأخد غضبه عليه، شعرت بهجومها يتلاشى رويدا ثم شعرت بالخجل أمام نفسها، انها تبحث لمعاقبة شقيقها، تشعر بالراحة العارمة عندما تراه يتراجع أمام هجومها و قسوتها، لكن الأمر لم يعد مسليا مؤخرا.
" انه يرفض أن أكون طبيعية..."
" أنت لست طبيعية..." زمجر بها سانتياغو و هو ينحني على كرسيها كي يحملق مباشرة في عينيها:" أنت ابنة يانيس و شقيقة روكو ايميليانو... لا يمكنك أن تكوني كبقية الفتيات في عمرك... الا ترين انه يخاف عليك؟؟ لقد فتح بطنه من أجلك بحق الجحيم أي برهان حب آخر تريدينه؟؟"
زمت شفاهها بحدة، تتطلع الى عينيه الخضراوين بتحد، لم تكن تعرف ما إذا كان يجب أن تصرخ من القهر أو تنفجر من الضحك لتذكيره هذا، صعقتها صرامته ، نظرت إليه بتحد أكبر. كان منتصبا مثل لوحة رخام مهددة للسقوط عليها و سحقها، لكن عزيمتها لم تهزه. في الواقع ، يبدو أنه قادر على إقناعها بالتراجع عن اعلان الحرب... وبدأت أتساءل عما إذا سينجح.
" أكرهك كما أكرهه..."
" أنت لا تكرهينني...." أكد لها بصوت جاف و بتعبير متجهم:" سأقنعه كي يبدأ بتركك للخروج أكثر... لما لا السفر... أعرف كيف أكون مقنعا معه... لكن مقابل هذا صوفي... كوني متعاونة... " رغما عنها أغرتها وعوده، هو الوحيد الذي لا يخلف معها وعدا، انحنى اكثر عليها حتى شمت رائحة عطره المتحفظة للغاية:" لا تنسي صوفي كل ما فعلته من أجلك... قمت بشراء صمت الطبيب كي لا يكشف معدل الكحول في دمك خلال الحاذث... لذا... لا تقتصي أكثر من روكو... لديه ما يكفيه من المشاكل... "
حاولت أن تبقى بلا تعبير ، بينما اخترقتها كلماته مثل الشفرات الفولاذية.
" سوف أعيد نفس الخادمة التي قمتي بطردها..." سمعته يقول بهدوء و كأنه يكلم طفلة:" تجهلين ظروف تلك المرأة التي قمتي برميهه بلا سبب فقط لتبرزي انتصاراتك على روكو... انها تعيل طفليها اليتيمين صوفي... لذا... أثق في انسانيتك التي اعرف بأنها موجودة و لكنك تتعمدين محيها..." بقي صامتاً للحظة، هذا لا يعني أنه ينتظر إجابة. يرتب أفكاره وعواطفه قبل أن يوجه الضربة القاتلة لها مثل عادته"أنت العمياء و ترفضين الرؤية "
ثم ترك كرسيها و استوى في وقفته، عمياء و ترفض الرؤيه، فهذا اذن هو رئيه بها، يظن بأن حياتها سهلة؟؟ حتى انها تملك كل شيء لكنها ليست حرة كفاية لعيش حياة طبيعية، رأته يرتب سترته الفاخرة، يتفقد المكان و كأنه يتأكد من خلوه من المخاطر قبل أن يعود اليها ليلقي عليها نظرة سريعة أخيرة:
" لن أكون ضدك صوفي سأبقى دوما في صفك...فقط كوني متعاونة"
ثم منحها ظهره وغادر المكان.

* * *
منذ يومين وهو يختبئ عند شقيقتها كاثرين لكنه اليوم قرر أخيرا المجيئ الى ستار هاووس لرؤيتها، أو بالأحرى، الى رؤية نصف أخته التي لم يراها أبدا، في حقبة سابقة، كان الأكثر تقربا منها، فلورانس مهرة متمردة لدرجة أن دافيد مثل الحمل الوديع أمامها، تخلف عن المجيئ في العيد و ظنت بأنه لن يبادلها الكلام مرّة أخرى منذ مناقشتهما الحادة في الهاتف، لقد رفض المجيئ متعذرا ببيانكا و حبيبها، لكنها بدأت تعطي الموضوع أهمية الأن، لم ترى ابنها مهملا من قبل، كانت هالاته تثير الريبة، هل يتعاطى المخدرات؟؟ في فترة من مراهقته فعل ذلك و قادته فورا الى مستشفى اعادة التأهيل و منذ ذلك الوقت و هو حذر جدا لا يتغابى فيما يتعلق بصحته، و اليوم اصبح بالغا و عاقلا و لا تراه مستهترا كما كان في مراهقته، راقبته يلامس وجه اليسيا التي تتطلع اليه بفضول بعينيها الجميلتين و تبتسم له كما تفعل مع كل شخص حتى و ان كانت المرة الأولى التي تراه.
" تجهزين لتصوير فيديو كليب جديد؟؟"
كانت الحديقة تعج بطاقم التصوير الذي يأخد الصور الأولية.
" هذا صحيح..."
" ظننتك اعتزلت مع حياتك الجديدة!؟..."
" أبدع أكثر لأن حياتي الجديدة تعجبني.. لا أنوي الاعتزال دافيد."
لا تريد الدخول في المشاجرات معه، جلست بجانبه، حاولت لمسه الا انه ابعد رأسه، لقد بدى مكتئبا لدرجة أنها شعرت بقلبها يتمزق:
" دافيد... ترفض مسامحتي لأنني تركت والدك؟؟"
لكنه لم يرد، من الواضح أنه كان يواجه صعوبة كبيرة في تخليص نفسه من ثقل التغيير، لقد أمضت عمرها مع روبيرتو، كان زواجهما من أشهر زيجات هوليوود، لم ينفصلا، لم يتشاجرا يوما، كان روبيرتو نعم الزوج و الأب، لكن قلبها بقي في لندن، مع الكونت أندريس، لما يرفض دافيد فهم هذا؟؟ بأنها ضحت طويلا و لا تنوي التضحية أكثر.؟
" كنتِ سبب عيشه فرجينيا... اليوم يريد فحسب الرحيل لأن الحياة مظلمة بدونك!" هذه الكلمات تعمدها مؤذية كي يجرحها، هز نحوها نظرات الريتشي الشهيرة:" لما لا يفهم البعض بـأننا نندم على ارتكابنا الأخطاء و يرفضون منح فرصة أخرى لتسوية الأمور؟؟ أبي أخطأ بطلب الطلاق أولا... أخفى عنك مرضه لأنه يحبك و رغب بتحريرك قبل موته، لكنك استغليتي الموضوع، و ما ان شفي حتى هجرته...."
" أظن أن هذا الأمر يخصنا فقط... مهما قلت و مها فعلت فلن تغفر لي سعادتي الحالية... الذي تعتبرها على حسابه!..."
" سعادتك على حسابه.." أجزم بنوع من الاحتقار.
" استخلص بأن الأمر لم يكن ليزعجك ان كانت سعادته على حساب تعاستي؟!"
" لم أراك تعسة يوما..."
" هذا لأنني أحب أولادي و أظهر لهم فقط ما يحبون رؤيته... كأم فعلت كل ما أستطعت لحمايتكما أنت و فلورانس، أما كزوجة... لم أكن مكتفية دافيد... عليك أن تكبر و تبتعد عن انانيتك الصبيانية كي تفهم ... تزوجت روبيرتو كي ادفع أندريس ثمن سفالته معي... لكنني لم أتوقف يوما عن حبه... بعض ردود الافعال تكون سخيفة و بلا اي معنى "
رأته فجأة يشحب بشدة لدرجة انها اضطرت لأخد ابنتها من بين ذراعيه، من خلال هذا الاعتراف ، حاولت الاحتفاظ بنبرة مرحة على الرغم من الألم الذي اخترق صدرها...لقد نسيت هذه الحقبة الكئيبة، روبيرتو كان زوجا رائعا نعم...لكن... من الأفضل التزام الصمت حول تفاصيل زواجهما... هي التي استيقظت في فندق بلاس فيغاس ووجدت نفسها متزوجة لرجل لا تحبه... لا ترغب في الظهور بأي حال من الأحوال كفريسة أو كضحية للحياة تبكي على مصيرها... كان بإمكانها الغاء زوجها آنذاك... لكنها خشيت من جبروت أندريس ما ان يعرف بأنها تنتظر منه طفلا... فدفعت الثمن طيلة سنوات بعدها عنه.
" هذا ما تفعله بيانكا..."
" عفوا؟" كانت قد سمعت جيدا كلامه، دافيد لا يبكي أبدا على امرأة، النساء عامة لا تهمه.
" تنوي الزواج من ذلك المكسيكي الذي يكبرها كثيرا فقط كي تبرهن لي بالا مشاعر بيننا..."
وضعت يدها على كتفه بينما تراه فجأة كالطفل الذي عانى في طفولته مع البدانة و لا يجد حلا لمضايقة الأخرين له لسيما و أن كل عدسات البابارتزي على والدته، و الناس لم ترحم آنذاك طفل بسنه، كانو يسخرون علنا منه.
" عليك التفريق بين المفاهيم المتقاربة مثل الاعجاب و الحب... أنت متأثر برفضها لك ...سلوكها معك اختلف عما آلفته فأنت لم تحتاج للاعتذار كي تعود اليك امرأة..."
" كان عليك العمل كخبيرة علم النفس الإجتماعي البيداغوجي بدل الغناء" علق متهكما، لكنها تعرفه جيدا كي تلمح العذاب في أعماق نظراته الزرقاء.
" كم عشت معك من مغامرة قبل أن أكون رئي بنظرك؟؟" سألته بجدية:" دافيد أنت مثل مضخة نساء... تسأم بالسرعة نفسها التي تعجب بها... برئي رفض الأميرة لك ما يجعلك مرتبكا..."
" تظنيني أحمق كي لا أنتبه للفرق؟؟.."
" انه ضميرك..."
" فلورانس حذرتني في نيويورك... قالت لي ببساطة بأن زواجها مهم جدا و ترفض أن تخسر زوجها بسبب زير نساء مثلي... طلبت مني الانسحاب من حياة بيانكا... و بدل أن أقاتل من أجلها أجد نفسي مضطرا للابتعاد بحق الجحيم كي لا تتدمر علاقة أختي بزوجها... لكنه لم يكن الخيار السليم... رجل آخر استغل الفرصة ليأخدها مني... أعرف بأنها تحبني أمي... أشعر بذلك كلما تواجدنا معا في نفس المكان...العودة الى صقلية هو الجحيم... أنا مغرم بها و كان كافيا عودتي هذه المرّة كي أعرف بأنني أستخف بقلبي و عبثي ليس كافيا لنسيانها"
دنت منه لكنه رفض مجددا دعمها، وقف من الكنبة، مال بجسده الضخم، ارثه من والده الايطالي، رأته يحشر أصابعه بين خصلاته السوداء التي لا تحتاج لضوءا حقيقيا كي تبرق بشدة، اذن فالمسألة ليست في المخدرات و انما في الصغيرة بيانكا التي لم تمنع نفسها من السؤال عنه بدورها في العيد؟! لكن هذا سيمنح دافيد أملا، ان اخبرته بهذا فستدفعه مجددا في الركض ورائها، فلورانس محقة... عليه نسيان أمرها... لمن هذا التحول في قلبه مربك حقا... دافيد غير قابل للحب.
" لا يوجد شعور أكثر تعسفية وأكثر غدرًا من الحب... أحيانا يكون شيئًا مزيفًا ان لم يكن جديا"
بعد التزام الصمت الطويل ، سأل:
" تعودين للتشكيك في عواطفي؟؟"
"السعي غير المجدي وغير النافع لإمرأة رجل آخر؟؟من المستحيل تفادي هذا المأزق بخلق المشاكل في زواج شقيقتك".
" لا أنوي زعزعة استقرارها... تعرفين كم أحب فلور... "
شعرت حقا بالاسف، لكن الأمور صعبة للغاية و معقدة، لا يمكنها السماح له بالركض مجددا وراء بيانكا، رأت تألمه ليلة زفاف فلور عندما أعلن كيفن خطوبته بها.
" تقليل الحب إلى نوع من المعادلة و الاستجابة للمعلمات المنطقية ..." توقفت عن الكلام عندما عاد يثبتها بنظراته الزرقاء و الشفافة، كانت غارقة في الدموع، انها المرة الأولى في حياتها ترى عيونه دامعة، دنت منه و هذه المرة تركها تعانقه، اليسيا في حضنها سعيدة بهذا التقارب تعلقت بأخاها الكبير:" دافيد... أظن أننا كلنا أخطئنا في تقدير مشاعرك نحوها... أنا آسفة عزيزي..."
تلك الدموع التي لمحتها اختفت تماما بينما تعود لتفحص وجهه، مسحت برقة على ذقنه النامية، وهمست له مشجعة:
" سوف تنساها دافيد..."
ظهرت ابتسامة متهكمة في زاوية شفاهه:
"يسعدني إلى حد ما أن تُقدمي طموحاتي من هذه الزاوية التبسيطية ، ثلاث سنوات لم تفلح في ابعادها من رأسي... أظن أن مشروعك يحتاج لبعض المصداقية... كم من النساء أيضا؟؟ فقد مللتهن ... تجهلين الى أي مدى صارت حياتي مكانيكية، لسيما و قد انشقت العائلة التي كانت عائلتي ذات يوم... ربما هذا ما يجعل فراقكما انت و أبي مؤذيا أكثر... لا شيء مثل السابق أمي... فقط... لو أعود الى الماضي... كي أحذف تلك الحلقة من حياتها..."

* * *
كل شيء في مكانه، كارلوس قام بعمل رائع للغاية و هي ممتنة له، كانت فكرة جيدة للغاية تقسيم الكاراج و جعل جزء منه مكتبها الخاص، منذ توقفها عن ارضاع التوأمين أصبح لها الكثير من الوقت لإستغلاله في مشاريعها القادمة، لم ترى خوسيه مجددا منذ أن غادر القلعة في رأس السنة، سيسيليا عادت منذ ثلاثة ايام و دانيلا رحلت بدورها الى وجهة مجهولة، شيء ما نما بينها و بين هاته الأخيرة، صداقة جديدة توطدت بينهما، حتى انهما تتبادلان الرسائل النصية يوميا، تطالب برؤية التوأمين، خوسيه يفضل الاتصال مباشرة بالمربية و والدته، تعرف بأنه في آسيا ، و في الحقيقة لا يستهويها كثيرا طرح الأسئلة بشأنه.
منذ عشر دقائق و هي على اتصال بعمها باريش و برجاله، هناك مشكلة في تزويد الصوف العضوي، لكنها تفكر جديا في شراء الماشية و الاستفاذة منها بدل الدفع للممون، حاليا هي بحاجة عاجلة للمأونة كي يتمكن النسوة من انهاء الطلبات، لكن مزودها الوحيد يتذاكى منذ يومين معها:
" يطالب بعشرة في المئة اضافية..." شرح باريش بعد انتظار.
فكرت آيا قليلا، في الوقت الراهن لا تملك أدنى خيار، لكنها تبحث عن ممونين آخرين في أنحاء العالم و لن تتأخر بالحصول على مؤونتها الكافية و بالثمن المناسب أيضا، لكنها تنوي فتح باريش في موضوع الماشية، ستفعل ما ان تحصل على المعلومات الكافية بهذا الشأن، تنوي شراء قطيعها و تصديره من آسيا و افريقيا الى تركيا،ماعز الأنجورا المعروف بصوفه للتجارة، ستصبح نفسها الممون و المصنّع، لكنها بحاجة لمساعدة على نطاق واسع، حرفة خالها باريش في هذا المجال و يمكنه مساعدتها للحصول على أجود الانواع.
" مرره لي..." أمرت خالها وهي تترك مكتبها و تقصد السلالم المؤدية الى الطابق العلوي من بيتها، كانت بحاجة الى قهوة لأن رأسها سينفجر تحت الضغط، وصلتها لكنة مترددة، الرجل يشرح لها بأنه لم يكن حقا مطلعا على أرقام السوق قبل أن يوقع مع خالها العقود الأولية، هناك بند أخير يمنحه الأحقية في الإنسحاب، لكنه لا يمكنها التراجع الأن و الا شركتها ستنهار...
" لقد توصلت بالدفعتين و قمت بحبس دفعتي الاخيرة..."
" شاري ثاني منحني سعر أفضل...؟" اعترف الممون بحزم.
" بيننا اتفاق... يمكنك وضع شروطك في العقود القادمة..."
" لا أملك صوف عضوي، لكن بإمكانك أخد الكاشمير و فثيل الألبكة و صوف المارينيو..."
انها تحلم، ضغطت على صدغها:
" هذه الاصناف متواجدة بشدة في السوق، اخترتك منذ البداية لأنك تناسب احتياجاتنا، لا اريدك ان تقترح علي ما لاستعمله في صناعتي..."
" أعطيني نفس الثمن الذي اقترحه منافسك و يمكنك أخد الجُملة بأكملها..."
" لن اضيف اليك سنتا واحدا هل هذا واضح؟! من المعيب استغلال حاجة الزبائن انت حقا ممون مجرد من المبادئ... ان تجرأت بمنع دفعتي الأخيرة عني فسألتجئ الى القضاء... اتفقنا على سعر، لن تغير رأئيك فقط لأن شاري جديد انتبه أخيرا الى خرفانك التي لم يهتم بها أحد غيري!"
عندما عاد باريش الى الهاتف فهمت من نبرته بأنه غاضب مثلها، لكن الغضب لن يحل الشاكل:" اسمع خالي... حتى ان قبل أن يمنحنا المؤونة فسيتعمد التأخر كي يوفر البضاعة كاملة للشاري الأخر، سأحاول البحث بسرعة عن ممون آخر... يُستحسن أن نوفر الماشية الخاصة بنا... لدي بضع مذخرات... سأرى ما يلزم و أكلمك لاحقا بالتفاصيل..."
بعد أن جهزت قهوتها طافت في الساعتين اللتين أعقبتا في النت تبحث عن مصادر آمنة لتجار الجملة للصوف العضوي، الأسعار الانجليزية و الفرنسية مبالغ بها، من المستحيل أن تقدّم عملا مثقونا بسعر مناسب، عليها أن تضاعف أسعارها كي تكسب وراء عمل السيدات، لكنها بحاجة ماسة حاليا لدفعة كي تتمكن من تلبية الطلبات التي اخدت عربونها.
عصبيتها ازدادت بحدة عندما فشلت في ايجاد شيء مهم في النت، عليها التواصل هاتفيا مع معامل النسيج، تذكرت فجأة بأن روكو ايميليانو يملك الكثير منها، جودة الصوف الايطالي في اعلى القائمة، و ان كان ينتج أيضا صوف عضوي فلن يتبقى لها سوى شحنه الى تركيا لتلوينه بنفس الطريقة التقليدية و حياكته ريثما تجد مخرجا آخر...
المشكلة هنا... أنها لن تصارح روكو بشأن شركتها، لأن هذا الأخير مرتبط روحيا مع خوسيه، و ما عليها سوى المرور عبر هوية أخرى للحصول على طلبيتها، كتبت في محرك البحث Emiliano fabrics لم تتأخر بملئ عينيها بكل هذا الكم من المعامل التي تحمل نفس الاسم، و كما خمنت، انهم يقومون بصنع كافة الأنواع، و منها العضوي أيضا و من نفس الحيوانات التي تلهب حاسة المستهلك، الأثمنة كانت منخفضة مقارنة بباريس لكن كما توقعت، روكو لا يتعامل مع مبتدئين، انه يتعاقد مع شركات عالمية .
" ياله من حظ..."
لا تنوي ان تفقد عزيمتها و لا أملها، ظنت أن الحظ يبتسم لها، لكن شاري جديد وجد ممونها و سارع بقطع خبزها، و ليس فقط خبزها، بل خبز كل امرأة تعمل بكد كي تؤمن قوت أطفالها في القرية.
أخدت الباص لأقرب محطة للقلعة و تمشت عدة أميال قبل أن تبدأ ممتلكات المارتينيز بالظهور، تعرف بأنها ستجد حلا عاجلا للمشكلة، و الا ستضطر لإعادة الأموال لأصحابها و هذا... سيحطم اقتصادها كليا لأنها وضعت كل قرش في الأرباح القادمة.
" مساء الخير سيدتي..." البواب مثل المعتاد يبدو مندهشا من رؤيتها تسير على الأقدام بدل استعمال سيارات القلعة التي لا تعد و لا تحصى، خوسيه لن يمنحها سيارة و هي لا تريد طلب السائق لأنه سيعرف تفاصيل تنقلاتها:" ترغبين بأن أقلك الى القلعة؟؟
" أفضل ان اتمشى قليلا... شكرا لك"
المسافة طويلة نوعا ما بين البوابة الرئيسية و القلعة، لكنها و كاليوم الأول تبقى منبهرة بجمال ما يحيطها من طبيعة خلابة، لكن مزاجها سيء اليوم لتجرع كل هذا الجمال، و كأن كل المصائب التي تسقط على رأسها ليست كافية، اكتشفت أن الوحش عاد الى البيت... يمكنها أن تشم رائحته دون رؤيته، و عندما خرج من العدم بينما تصعد الدرجات الى مدخل القلعة تباطئت خطواتها... يالله... ليس اليوم... ليس اليوم:
" أرى بأنك بحال أفضل!..."
لن تهرب من نظراته الذهبية التي يغلفها بها في هذه اللحظة، انها أمام المالك والمدير التنفيذي لمجموعة من الشركات و من الطبيعي هذه الهالة التي تحيطه و تنساها كلما اختفى من القلعة، رغم اضطراباته العاطفية و تناقضاته و تغيراته المزاجية الا أن هذا لا ينفي بأنه رجل أعمال لامع، النتائج لا تترك أي شك فيما يتعلق بمهارته. في ظروف أخرى كان بإمكانها الاعتماد على خباراته، انه يملك أسماء لا منتهية من الممونين في كل الميادين، في جيبه أسماء ثقيلة الوزن و ذات نفوذ، منها بالتأكيد روكو ايميليانو، لكنها تعرفه جيدا... انه رجل بلا قلب... ما ان يعرف بمشاريعها حتى يحاربها بكل قوة.
" أنا بخير شكرا لك..."
حاولت تجاوزه لكنه استوقفها:
" أرى بأن مزاجك سيء!؟.."
" يكفي أن مزاجك أفضل..." ردّت عليه بنفس النبرة وهي تضع بينهما مسافة:" اعذرني لكنني سأذهب لرؤية التوأمين..." لكنه منعها جسديا هذه المرّة، أصابعه على ذراعها قوية، هزت عينيها اليه متسائلة:
" هناك ما يجب أن أكلمك به... عموما فالتوأمين أتيا على تناول طعامهما و النوم... يمكن للهفتك الانتظار، أخبرتني المربية بأنك رحلت منذ الصباح الباكر و لم تعودي..."
يتهمها بالتهاون؟؟ لم تفعل هذا كل الأايام السابقة، لكن بعد الجامعة اضطرت لايجاد حل للمصيبة التي تنوي هدم كل ما بنته منذ أشهر:
" كنت مشغولة للغاية اليوم... عدت الى الجامعة... فلا أرى داعي لبقائي في البيت لسيما و أنني توقفت عن ارضاع التوأمين..."
كيف تمكنت من العيش مع هذا الكائن دون أن يصيبها اكتئاب حاد؟؟ انجاز عظيم أنها ما تزال بكامل قواها العقلية، لكنه ظاهريا لا يبدو يعاني من انفصام حاد في الشخصية، بل رجل وسيم للغاية، متميز، لعوب، مثير، مغري و يملك ابتسامة متهكمة رائعة.
" انت أكثر النساء حماسة عرفتها في حياتي... الدروس مقدسة اليك..."
" سبق و وضحت لك طموحاتي و لن أحققها بغلق باب غرفتي علي في هذه القلعة الجميلة... " ردت بهدوء وهي تنجح بتحرير معصمها منه:" أخبرني خوسيه... فيما تريد مكالمتي؟؟ أنا حقا مرهقة و أريد الالتحاق بغرفة التوأمين قبل أن أذهب الى غرفتي..."
بقي يحملق اليها و كأنه يريد فهم سبب عصبيتها التي تحاول اخفائها،انها تكرهه... تكره كل شيء فيه،وكذلك... هذه الطريقة التي يتفحصها بها و كأنها لا تسوى شيئا... تخونه نظرات الازذراء في كل مرة، لن ينسى من اين أتت، لن تكون سيدة في نظره، لسيما اللحظة و هي ترتدي بنطلون من الجينز و كنزة بسيطة ارتدتهما على عجل في الصباح كي تتمكن من الالتحاق بكارلوس الذي اعلمها في آخر لحظة بأنه سيكون في الجامعة و أنه يملك كل المعلومات اتي طلبتها منه، عكس سيد القلعة... فهو... مثل المعتاد، أنيق أناقة المجلات... تحسد اناقته... لن تصل يوما لمستواه مهما حاولت.
" نحن... مدعوان لنهاية أسبوع في باريس!"
" نحن؟؟!..." كررت متعجبة وهي تضع يدها على صدرها:" خوسيه.. لا يوجد... نحن.. في أي قاموس في العالم!"
" يوجد بينما توقعين أوراق الزواج... سوف ترافقيني في حفلات استقبال، تظهرين معي علنا، تبتسمين و تلعبين دور المظيفة أمام المدعوين..."
لم تجد بما ترد، كل كلامه صحيح، وقعّت على أن تلعب دور الزوجة علنا في حفلات العمل، و الان جاء الوقت الذي عليها تأبط ذراعه المُقرفة و التصرف تماما كما علمتها سيسيليا طيلة أشهر اقامتها هنا.
" متى؟؟"
" نهاية هذا الأسبوع... "
يبدو مستمتعا بحيرتها و ارتباكها، تقسم بأنه يحاول كبث ضحكته المتهكمة ايضا، كادت أن تنخرط في البكاء، لا يمكنها الذهاب،لا يمكنها الابتعاد بينما شركتها في محنة، عليها ايجاد حل فورا كي تبدأ النساء بحياكة الطلبيات، لكن خوسيه يملك خطط أخرى لإبعادها... ثم هناك شيء آخر...
" هل سننام في غرفين منفصلتين؟"
" أنت رجعية..." تهكم.
" أعرف بأنك تنوي استغلال الوضع لصالحك... فأنا لا أهمك شخصيا خوسيه...شهيتك الجنسية شرهة و أضمن لك انتظاما على الأقل في هذا المجال، تريد زوجتك أولا وقبل كل شيء في سريرك." كل عصبية يومها الأسود عادت الى السطح.
" أنت موهوبة أيضًا و بخيال مذهل"
" في أحلامك فقط خوسيه... لن تلمسني مجددا... ان كانت هذه أهذافك لنهاية الأسبوع فأنصحك بالنزول من غيمتك الوردية... أنت آخر رجل أنوي تقاسم سريري معه..."
بينما تبتعد عنه بإتجاه القوس الفخم الذي يجسد مدخل القلعة سمعت صوته ناعما خلفها:
" لكنك ستتقاسمينه معي آيا الجميلة... عاجلا أم آجلا سيحذث ما تهربين منه"
امتنعت عن الرد،لا ينتظر تعاطفها ولا تساهلها، يتعمد استفزازها في كل مرّة كي تمنحه متعة رؤيتها عصبيىة و متفجرة، التجاهل يُفقده عقله و هذا ما تنويه، لديها ما يكفيها من المشاكل، خوسيه رجلاً فخورًا جدًا لتحمل هذا النوع من رد الفعل لسيما من زوجته. كان من الأفضل السماح له بالاستمرار في لعب الورق الذي يحب لعبه ، حتى يتمكن من العثور على الثقة بأنه دوما الأقوى... لكنها وحدها تملك الكلمة الأخيرة.

ملك جاسم likes this.

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:09 PM   #3816

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السابع عشر

أطلت دانيلا برأسها من نافذة السيارة الى المزرعة التي تبدو الان مهجورة مقارنة بالصور التي أعطاها اليها المتحري، أكد لها بأن السكان الأصليون مازالو هنا، لكن لا يبدو أن احدا يسكن هذه الأماكن، صمت فظيع يلف المكان منعها من التنفس بشكل طبيعي، لقد كانت متوترة للغاية، و كلفها الكثير اتخاذ قرارها بالبحث عن ماضي والدتها في انقاض الماضي، أخبرها المتحري بأنها ستجد الاسرة التي سهرت على والدتها خلال حملها، و لكن من النظرة التي تلقيها اللحظة يخيل لها بأنها الوحيدة في المكان.
انها مرهقة للغاية، لقد قادت بلا توقف من مدريد الى غرناطة لملاقاة المتحري ثم اتممت طريقها الى مالقة نحو بلدة روندا التي تقع على قمة الجبل. هنا...حيث يفترض انه تم نفي المسكينة اليونور لحين ولادتها، كانت محملة بالفضول و الأمل و الألم ايضا، تشعر و كأن هذه المروج مألوفة جدا و كأنها عاشت هنا في حياة أخرى، او ربما بدأت ترى من خلال نظرات والدتها، خرجت من سيارتها الرباعية الدفع، لو علم خوسيه أنها أمضت ليلتها بداخلها لأصيب بذبحة صدرية، لكنها كانت تعبة لدرجة أنها لم تتمكن من العثور على فندق، عموما فقد هيئت نفسها لهذه الرحلة... رحلة البحث عن ماضيها.
لفت ذراعيها حولها بينما تقودها رجليها نحو الحيطان الرمادية الكئيبة المتناقضة مع هذه القرية الأندلسية البيضاء المحاطة بالوديان الوافرة والمناظر الخلابة.
"hola "
صرخت بأعلى صوتها وهي تدفع الباب الحديد الثقيل الذي احذث صريرا قويا، لاحظت أن المكان مهملا للغاية، النباتات نامية في كل مكان، إنها ترتجف من الاشمئزاز. أصبحت جلدتها الرقيقًة رطبة في ذكرى مخاوف الماضي.
" هل من أحد هنا"
لكن صوتها تردد في أعماق المكان كي يعود الى مسامعها، لما يقول المتحري أن السكان مازالوا يقيمون في هذا المكان الذي يبدو مهجورا منذ سنوات..؟؟ تطلعت الى أحد النوافذ العالية و تملكها احساس انها نافذة والدتها خلال تلك الحقبة التي تم نفيها فيه، لا تعرف بالضبط ما يحدث بداخلها لكنها تشعر بروح اليونور في داخل كيانها، و كأنها ترى من خلالها أقل التفاصيل.
" أرجوكم... أحتاج للتكلم مع أحد..."
لا رد... شعرت بغصة تهدد حلقها، هي لا تهذي، هذا المكان حقا مهجور، لكنها لن يمكنها الرحيل دون الحصول على أجوبة، سابرينا و روكو ايميليانو اختار كل منهما قصة مغايرة لرويها اليها، و قصة حماتها السابقة أشد قسوة، ترفض تصديق أن والدتها أضرمت النار في مكتب والدها بعد ان اعتدى هذا الأخير عليها جنسيا و تسبب في حملها... ترفض تصديق كل هذا السناريو المريع... ترفض تصديق انها ثمرة اغتصاب... كلا السناريوات يسود صورة اليونور... روكو يقول بأنها خائنة، عاشرت الاب و الابن في الوقت نفسه... قصة سابرينا أسوأ... تتهمها بالقتل... وهي تعرف بأن اليونور... على الأقل... لم تكن في قواها العقلية قبل موتها... ربما ماتت مجنونة لكن ليس قاتلة هي متأكدة من ذلك...حدسها ينبؤها بذلك.
" أحتاج لمعرفة الحقيقة..." وشوت لنفسها وهي تتوغل في المكان بخطوات حذرة:" أنا ضائعة... حياتي بصدد التصدع ..."
حتى انها لا يمكنها الاعتماد على خوسيه الهش العواطف، ازدواجيته في موضوع اليونور يزيدها فحسب ضياعا، بدأت تعاني من الصداع النصفي المؤلم و المرتبط بالتوتر...لا تنوي الاستسلام عليها ايجاد سكا ن البيت الذين استقبلو اليونور لمدة سنة كاملة، حتى بعد ولادتها بقيت المسكينة في هذه البلدة... عادت ادراجها الى السيارة و بدأت بالضغط بعنف على زمارة السيارة كي تثير انتباه سكاءن المكان، لكنها لم تفلح سوى بإخراج عجوز من بيته يهددها بإبلاغ الشرطة، هرولت اليه معتذرة:
" سيدي... سيدي أرجوك لحظة..." كان يتطلع اليها و كأنها مجنونة، تفادت سحق دجاجة قررت سد طريقها في اللحظة الأخيرة" أبحث عن السيد و السيدة رايميرز أخبروني بأنهم مايزالون يسكنون المزرعة الا انني أ راها مهجورة..."
" من أنت؟؟" سألها الرجل متجاهلا أسألتها و القى نظرة على سيارتها ثم الى هندامها:" لا يمكنك ان تكوني من اقارب الرايميرز لأنك نظيفة و هم قذرون..."
ملاحظتها الاولى أن هذا الجار لا يتحمل جيرانه بالتأكيد...
" الموضوع مهم للغاية سيدي... "
هز كتفيه بعدم اكثرات:
" مهم لك و ليس لي..."
كادت أن تهز عينيها الى السماء، لكنها يمكنها جس نبض هذا العجوز الذي يبدو بأنه أمضى عمره في هذه المنطقة، لجأت الى عقلها فكرة:
" هل تعرف يانيس ايميليانو؟؟"
كما توقعت، الرجل ابيض وجهه بشدة و نظر الى السيارة و كأنه ينتظر ظهور الشيطان بنفسه، حول التراجع لكها سبقته قائلة:
" يمكنني منحك الكثير من المال مقابل معلومات..."
" معلومات مثل ماذا؟؟ ان كنت من طرف ذلك الايطالي فأنصحك بالرحيل فورا من البلدة... لا أحد يحبه هنا..."
مجددا حاول الهرب لكنها منعته بجسدها، كانت رائحته نثنة لكنها لا تهتم مطلقا:
" ما رأيك بألف يورو؟؟"رأت عينيه تتوسعان من المفاجأة: " أريد فقط ان أعرف ان كانت امرأة من مدريد عاشت سنة في ضيافة الرايميرز قبل واحد وعشروين سنة..."
لم يبدو عليه التفكير حتى، كان يتطلع اليها و يتمعن وتضيق عيناه أكثر:
" رجل أتى قبلك ليطرح نفس السؤال..."
" انه المتحري..."
" هذا بالضبط ما دفع أولائك القذرون بالرحيل فورا من المزرعة الى مكان مجهول... " ثم بدى عليه الجشع وهو يعود ليتفقد سيارتها التي يبدو بأنها راقته:" ماهي ماركتها؟؟"
القت نظرة على كثلة المعدن الضخمة الرباعةي الدفع:
" بورش..."
" تبدين من عائلة ثرية..."
" و أملك المال... يمكنني منحك الكثير منه ان ساعدتني بالوصول الى ما اريد..."
بدى عليه التردد أكثر:
" هل حقا مات يانيس ايميليانو...؟؟"
مالذي فعل ذلك الرجل بأهل هذه البلدة كي يتكلموا عنه بكل هذا الذعر؟؟
" منذ سبع سنوات نعم... مالذي فعله لك؟؟"
أشار بيده لكل الاراضي المحيطة بمنزله:
" أحرق محصولي لانني كنت فضوليا جدا كي استقصي عن صوت المرأة التي لا تتوقف عن الصراخ... لكنه... لكنه فضل ابعادها عن هنا... يُشاع بأنه أخذها الى ايطاليا..."
امرأة لا تتوقف عن الصراخ و فضل يانيس اخدها الى ايطاليا، هل يتكلمانعن اليونور أم امرأة أخرى؟؟
" كيف كان شكل تلك المرأة؟؟"
عاد ليهز كتفيه:
" لا أدري يا آنستي... لم أرها يوما..."
أتتها فكرة أخرى:
" هل كانت تستنجد بالاسباني او لغة أخرى...؟؟"
هذه المرة بدى عليه التفكير العميق، ثم اشرق وجهه:
" الاسبانية..."
انها والدتها، خنقتها المشاعر الجياشة و شعرت بأنها تحقد أكثر و في كل مرة على يانيس ايميليانو السافل.
" اسمعي..." قال فجأة الرجل:" ان أضفت القليل من المال يمكنني اعطائك اسم من يمكنه مساعدتك حقا..."
نعم يمكنها... من السهل دوما شراء الناس بالأموال، حتى بخوفه من شبح ميت يبدو هذا الرجل الفضولي مستعدا للمغامرة:
" ان كانت معلوماتك ذات قيمة فسأكافئك "
بدى راضيا بتجاوبها:
" الأب غزافيار في كنسية القديس نيقولاس، كان يأتي كل يوم اربعاء لرؤية تلك المرأة... مازال يزاول مهنته في نفس المكان... لا تخبريه بأنني من اعطاك المعلومات"
لم ترد دانيلا، نفس العاطفة تغلق بشدة على حلقها، اكتفت بتدوين المعلومة و محاولة اكتشاف مكان تواجد العائلة، اشترت وعد الجار بالمال، ما ان يعرف مكانهم حتى يتصل بها على الفور، عادت الى سيارتها و قصدت وسط البلدة حيث كنيسة القديس نيقولاس و ربما موعدها مع الماضي الذي تنوي اكتشافه مهما كلفها الثمن.
* * *
لن تكلف نفسها لمنح حماتها ابتسامة ترحيب قسرية، هذه الأخيرة أتت الى بيتها و في يدها سلاح تنوي التخلص منها به، لا تبدو ودية، منذ متى كانت جورجينا ودية بحق السماء؟؟ منذ ان اتصلت بها تنوي مباحثة التجهيزات معها هي تدرك بأن أهدافها بعيدة جدا عن الترتيبات، جورجينا غاضبة جدا لأن خططها ترتطم بالفراغ، هي و سيزار سيرتبطان أمام الله. هذا يجعل حماتها في كل حالاتها.
لكن هذا لا منع بأن تعترف بينها و بين نفسها أن المرأة التي وضعت سيزار تستحق كل التقدير لأناقتها، ملكة الموضا الميلانية، حتى انه من المعيب القول أنها أم لخمسة أبناء، من المعب ايضا وضعها بجانب سيزار و الاشارة بأنها ليست حبيبته انما هي والدته... يمكنها ايضا ان تحمل سمة الشباب الدائم لما تبقى من عمرها.
كانت لديها ملامح جميلة، تعابير قوية، بشرة أطفال رفيعة و راقية، حسنها أثيري... يمكنها شكر الله و طبيبها لأنهما منحاها امتياز النضارة حتى في سنها.
" جورجينا... متفاجئة لرغبتك في رؤيتي..."
" تنوين سرقة طفلي مني روبي..." ابتسمت لهذا التعليق المتهكم:" لا أحد يسرق مني أولادي لسيما النساء من طينتك"
" سرقته منك منذ مدة... انه ملكي الأن، تقبلي الأمر الواقع لأن سيزار يعشقني لحد الجنون ..."
لا يبدو أن ملاحظتها تروقها، راقبت شفاهها الممتلئة و المغرية تكتز ببعض الاشمئزاز:
" كما لا تعشقينه أنت!؟..."
" تريدين ادانتي بأي طريقة..."
" رأيته يعاني بينما تفضلين مجدك عليه..."
" انا امرأة مستقلة و ابنك كان سافلا... "
" كل نساء ايطاليا تحلمن به و أجهل ما يعجبه في متكبرة مثلك..."
" يعجبه ما أعجب والده فيك جورجينا... تكبري..."
سقط الصمت بينما تتواجهان مثل عدوتين، من امامها امرأة تعرف جيدا كيفية الانتصار على اعدائها، صقلية برمتها تفضل عدم اثارة غضبها أو حتى الاحتكاك بها، لا هي و لا بناتها، انهن حفنة أفاعي متمرسة للغاية...
" أعرف بأنك معه فقط لإغاظتي و بأنه لا يمثل لك أكثر من صيد آخر... ابنة اثنا النارية... كم رجل استغليته تماما كما تستغلين ابني اليوم؟؟ّ" لم ترد روبي، اكتفت بالتحديق في كمية السم التي تنفث بها في وجهها:" ان كنت انت ابنة اثنا فأنا والدته... لم اخسر يوما معركة مع أحد... أبدا... سيكون انفجاري في وجهك مدويا"
" أنا لست عدوتك..." نبهتها روبي بجليدية.
" لم تكوني كذلك في البداية نعم..." أكدت جورجينا:" لكنك صرتي ما ان ادرت له ظهرك قبل ايام قليلة من الزفاف و أذليته علنا، و كأن ذلك لم كن كافيا... استغليت عاطفته نحوك و قدته الى المذبح بدون عائلته و كأنه غريب.."
" هو من قادني الى المذبح..." اقتربت منها لتتطلع مباشرى في عينيها:" هو من توسلني الزواج... هيه... يؤلمك سماع هذا... أرى نظراتك تتغير و تشتعل مثل البركان... جورجينا القوية، بنات جورجينا اللواتي تزوجن من أرقى العائلات الايطالية و أنبلها... ترفضين أن يختار ابنك طريقه بنفسه... ترفضن قطعا ان تقوده مشاعره و يقترن بالمرأة التي يحبها في حميمية بالغة بعيدا عنك... الرجل المتلاعب و الغير حساس الذي كانه اختفى... ذلك الوحش من الأنانية الذي خلقته يداك تبخر في العدم و حل محله زوج حنون و رائع يعمل جاهدا لإرضاء زوجته... برئيك كل هذا تنازل و ضعف منه!... لكنه أقوى الرجال بنظري، و مهما أوهمت به لك أفكارك السئية حماتي... لا أستغل ابنك و لم أستغله يوما، تزوجته لأنني أعشقه بنفس الجنون، و هذا بالتأكيد لن تفهمه امرأة متحجرة القلب عاجزة عن الحب"
كانت مندفعة بالغضب نحو هذه المرأة التي رفض رؤية علاقتها بإبنها بعين سالمة، على هذا الوضع أن ينتهي، هزت عينيها نحوها بتحد:" مهما فعلتي جورجينا فلن يهجرني أبدا, و الأن أخبريني ما لذي تفضيلنه؟؟ وضع يدك في يدي لأننا نحب نفس الرجل أم معاداتي الي ستتسبب فحسب بإبعاد سيزار عنك..."
لماذا؟" سألت جورجينا بسخرية" لأنه سيختارك ان عاديتك؟"
ابتسمت روبي ابتسامة لم تصل الى عينيها
" نعم عزيزتي و هذا بالضبط ما يزعجك... انت بصدد فقدان السيطرة كليا عليه...سيزار لم يعد طفلك... بل رجلي أنا"
عادت النار تتقدد داخل نظراتها الرمادية المتطابقة لنظرات ابنها، لا تنوي كسبها كعدوة لكن جورجينا تضيع وقتها بمحاربتها، لا تفهم بأنه رغم زواجه منها الا انها لا تحتل كل المراتب، سيزار يقلق بشأن والدته، بشأن اخواته، بشأن عائلته برمتها، لا تنوي ابدا الاستحواذ عليه بأنانية، و هذا بالضبط ما تظنه حماتها... بأنها ستفقده بمجرد زواجه منها، لذى تفضل أن يقترن بإمرأة من اختيارها شخصيا، الشيء الذي لم يستجب له هو منذ سنوات مضت... فشلت في تزويجه... قرر وضع حد لعزوبيته عندما دخلت هي حياته، هذه الحقيقة تؤلم بشدة هذه المرأة التي تتطلع اليها و كأنها تنوي قتلها:
" لا باس روبي..." سمعتها تقول أخيرا:" سأحتفظ حاليا برئي لنفسي و اركز فحسب عما يقتصر به دوري... أنا هنا لأناقش بتفاصيل الزفاف..."
اتسعت أكثر ابتسامة روبي متجاهلة التهديد المبطن في الكلمات التي سبقت:
" بالتأكيد حماتي... لن أجد أفضل منك لتجهيز عرس راقي تتكلم عنه صقلية لسنوات طويلة....فلا يمكن ان يختلف اثنان على ذوقك العالي" كثفت ذراعيها فوق صدرها:" هذا بالتأكيد عائد للسنوات الطويلة التي قضيتها في عرض الأزياء بعد تتويجك كملكة جمال ايطاليا..."لم تجبها جورجينا، بقيت فحسب متأهبة لما سيعقب هذه الكلمات، و روبي لا تنوي السكوت:
" أصلك البسيط جدا لم يردع طموحاتك... كنت تفتقدين للاسم النبيل "
" الى أين تنوين الوصول؟؟"
" بأنني لست أنت..." قالت روبي بينما تنسحب ابتسامتها و تلمع عيناها ببعض الحدة:" الكل يعرف بعلاقتك التعسة مع دومينيكو كوستانسو فلا تري نفسك في فتظنين بأن هذا بالضبط ما أهذف له مع سيزار... أنا أحبه، راقك ذلك ام لم يروقك لست طموحة مثلك و لا أبحث عمن يملئ حسابي البنكي أو من يمنحني اسم اسلافه... السيفيرانو بنفس الوزن و نفس القيمة... لا أشحذ منه سوى حياة آمنة متخللة بالحب و الثقة...هل كلامي واضح؟؟ "
" كل الوضوح روبي سيفيرانو.." تمتمت جورجينا بهدوء بعد صمت طويل.
" روبي كوستانسو.. " صححت لها بنعومة خطرة :" و الأن... بما أن الأمور واضحة بيننا حماتي الغالية... يمكننا مناقشة تفاصيل الزفاف..."
* * *
عندما يكون كيليان بمزاج سيء فهذا يجلب للجميع مجهوذ نفسي مريب، رجل صعب الرضى مثله يضع جميع الموظفين على صفيح ساخن، السباق التجريبي الشتوي في شيكاغو يجعل رئيسها في كل حالاته المزاجية، و لا تظن أبدا بأن المحرك الجديد السبب، كيليان تغير مؤخرا... انه أكثر وحشية.
كان بيت رئيسها الشاسع للغاية يطل على بحيرة ميتشغان، تركت نيويورك على عجل كما بقية الموظفين و ان كان يجب أن تحسب على اصابع اليد عدد الساعات التي نامت فيها، هو أيضا لا ينام، منذ أيام و هو يتطلع الى الجميع بملامحه المتجمدة و و عيناه المحمرتين و أوامره الامنتهية، بطلي سباقات ارشيبالد تحت الضغط أيضا، و برئيها كيليان يبالغ في استخبار صبر الكل، سباق السيارات هو نظام متطلب للغاية ، جسديًا وذهنيًا. يسمح باستكشاف العديد من المجالات: النفسية والتقنية والفسيولوجية، حيث يكون التركيز وإدارة الإجهاد أمرًا بالغ الأهمية... ايليوت هالي و سام كوين طالما خصلا على كل البطولات التي تدخلها ارشيبالد، البطلين لم يضعان طاقتهما في خدمة جودة المحركات التي لا تحتاج لتشهير أعلى على جودتها، لكن كيليان يرفض اي تماطل لأي تفصيل كان، حتى انه ساهم في السباق التجريبي الأولي و في كل مرة يجد عذرا لينفجر في وجه الفريق، انه موهوب رغم عيوبه...
تم تنظيم حفل خاص لكل المتسابقين و المتنافسين بعد انتهاء السباقات التجريبية ككل موسم، اختارت للمناسبة فستان سهرة يليق بالماركة التي تعمل من أجلها منذ سنوات، كان اليخث الذي يُقام فيه الحفل كبير جدا و فخم للغاية، هذه الوجوه تعرفها جيدا و من كل الجنسيات، ابطال وقفوا على المنصات العالمية في مونتي كارلو الموسم الفائث و جلبوا الفوز للماركات التي يتبارون من اجلها.
" أرشيبالد صانعة المجد." استوقفها زاك بلير مدير ماركة منافسة لهم منذ سبع سنوات:" قد تكون نهايتها هذا الموسم!"
ضحكت ميغان ملئ فمها، و بحتث بين الرجال ببدلات السهرات و النساء بفساتين سهرة باذخة، صارت مسابقة الموضا هذه الليلة:
" نعشق روح المنافسة زاك..."
" كيليان محظوظ بك... أنت سبب نجاحه"
العروض التي تنهال عليها منذ حصولها على الادارة لفرع ارشبالد الأمريكي لا تعد و لا تحصى، الكل يضنه قادر على الحصول على سر ارشيبالد بمجرد ضمها لفريقه، الحقيقة لا يوجد سر ... السر الوحيد موجود عند المالك... هو فقط من يعود له الفضل لكل هذا النجاح.
شعرت بوجوده حتى قبل أن تلمحه، كيليان يُحذث دووما نفس ردود الأفعال عندما يظهر، تتوقف الناس عن الثرثرة أو حتى عن التنفس، منحت زاك ظهرها و بحتث عن رئيسها الذي كان مثل المعتاد، مشعا في سموكن كحلي، هال النبالة هذه تجعله دوما متفردا و استثنائيا، هذا ما يجعل النساء جائعات ما ان يظهر في مجالهن البصري، لو كانت ايموجين هنا لما فارقته لحظة، ايموجين و اختفائها,لم ترغب بطرح السؤال عليه بشأنها، حياة رئيسها الخاصة لا تعنيها مطلقا.
أخبرها لوكا بأن شقيقته و زوجها يمنحان نفسيهما فرصة جديدة و هذا بالتأكيد ما دفعه للسهر شخصيا على أوكتافيا كي يمنحهما القليل من الحميمة! تعرف كيليان كفاية كي تفهم بأنه يكره اي نوع من الحميمة مع زوجته، انه معها من أجل أوكتافيا، و تعترف بأن تصرف لوكا نحو شقيقته أثار اعجابها، مثل المعتاد، انه مستعد لكل التضحيات لحماية شقيقاته، بالرغم من أنه لم يكن حمائيا معها شخصيا خلال علاقتهما، انه يحاول مجددا استمالتها، منذ أن طلب منها تغيير طريقة تعاملها معه وهو يحاول ما بإستطاعته ليكون على الأقل صديقها، تلك الليلة و كما قررت هي لا هو... أمضى ليلته بمفرده في فندق بينما استقبلت أوكتافيا في الشاليه برفقة لونا التي سعدت برفقتها، و لتكون صريحة مع نفسها... لا تحب أبدا أنانية ابنة رئيسها مع طفلة رقيقة و مؤدبة مثل لونا، لكن هل ينتبه الجميع الى أن أوكتافيا تتأهل لتصبح وحش حقيقي من الأنانية تماما كما هي والدتها؟؟ انها حقا آسفة جدا على كيليان، ان كان يضحي من أجل أوكتافيا و ينتظر رد معروف فهو واهم... الفتاة تفوق عمرها بسنوات ضوئية من المراوغة و الحيل النسائية... ايموجين أحسنت بصنع مثيلتها.
هذه الحفلة ممنوعة من الصحفين ككل مرة يتواجد فيها كيليان فالمدعوين مجبرين على ترك هواتفهم جانبا، حساسيته اتجاه الدعاية ووسائل الاعلام مثيرة للشبهات، لما يرفض هذا الرجل الظهور علنا كي يقرنه الناس بالاسم الذي لامس عنان السماء منذ سنوات طويلة فضل ذكائه و اجتهاذه؟
رغم كل اهميته الاجتماعية الا انه لا يكون مسترخيا بين الناس، لسيما هؤلاء الذين ينظرون اليه و كأنه هبط من السماء، كان يبحث عن شخص ما، رأت نظراته الزرقاء تسودان بينما ينتبه أخيرا الى الرجل الذي طلب منها شخصيا استقباله، اليساندرو ايميليانو، هذا الأخير صديق لوكا منذ سنوات و بالتأكيد لا أحد منهما يفلتان اي سباق كان، لسيما عندما تشارك ارشيبالد في احداها.
راقبت رئيسها يلتحق بشقيق زوجته و صديقه، لكن عيناه اهملتا كليا لوكا لتلتحمان بوجه اليساندرو ايميلانو الذي انفجرت اساريره بصدق عند رؤيته، تركت زاك و اتباعه لتلتحق برئيسها الذي يتوجب عليها البقاء بجانبه، حط لوكا عليها تلك النظرات المشتعلة التي تجاهلتها، منذ بداية السهرة و هي تتحاشاه، الصائد يفلح معها مرة واحد فقط، و لا تسقط في الشرك مرتين.
" ميغان عزيزتي لم اشكرك لأنك اهتممت شخصيا بأليساندرو..." سمعت كيليان يقول ما ان شعر بها بجانبه:" اين خطيبتك الجميلة؟؟ أتذكر أنني دعوتها هي أيضا في تلك الأمسية الصيفية..!"
ان كان اليساندرو سعيد بشدة برؤية من يعتبره مثله الأعلى، فعيناه اللحظة ضاقتا بينما يُلمّح له كيليان الى خطيبته.
" رزق وصيها بتوأمين و هي في اسبانيا لهذا الغرض..."
" خوسيه مارتينيز بالتأكيد... " قال كيليان بإبتسامة زائفة وحدها فقط ما يفرقها عن غيرها من الابتسامات.
" أرى بأنك تعرفه..!؟"
" أعرفه من خلال راؤول كورتيز والد دانيلا الذي سبق و تعاملت مع مصنعه في الماضي.." شرح كيليان ببساطة بينما يتجاهل كليا مساعدته الخاصة التي اتت اليه بخبر ما، انه مركز بكل اهتمامه على ضيفه المميز جدا و الذي يبدو بأنه أهم حتى من سباق البعد غد.
أشارت الى المساعدة التي تبدو ايضا تحت الضغط الشديد كي تتبعها، و على بعد خطوتين من الرجال سألتها:
" ما الأمر؟؟"
" إيموجين هنا..." قال لها غريس :" سوف يقوم بقتلي، أمرني ان اعلمه فورا ان قررت الظهور... لكنها ليست بمفردها، أوكتافيا معها و لا يمكنني التصرف...."
اذن فتوقعاتها في محلها، عاد الجدار لينتصب مجددا بين الزوجين، ماذا سيكون رئي لوكا بهذا؟؟ هو الذي ظن ان تخلف شقيقته عن المجيئ بسبب الارهاق النفسي الذي تتسبب لها به تجهيزات السابقات و ايضا مزاج كيليان الذي يسوء لهذا السبب.
لكن ايموجين لا تنوي انتظار تصريح زوجها بالظهور، تعترف ككل مرة بأنها تتفوق على نفسها، كانت متألقة للغاية في فستان سهرة أحمر، تفردت هي الأخرى عن نساء الحفل تماما مثل زوجها، شعرها الناري منساب بإغراء على كتفيها، أوكتافيا تبدو مرهقة، لا بد أنها أجبرتها على هذا السفر كي تغلق فم زوجها عن اي اعتراض، الطفلة ترتدي فستان من الحرير وشريطة من نفس اللون على رأسها، ما ان رأت والدها حتى تركت يد والدتها و هرعت اليه .
" لا أنت و لا أنا يمكننا التدخل في هذه الظروف..." أجزمت ميغان لغريس التي تيبست مكانها ما ان عثرت عليها نظرات كيليان... بدت المسكينة و كأنها ستموت من الرعب، انحنى هذا الأخير عن ابنته و حملها بين ذراعيه و تركها تغمر وجهه بالقبل و تحيط عنقه بذراعيها الصغيرتين.
" هذا تملكي للغاية!" سمعت ملاحظة غريس المنخفظة، تعرف بأنها لا تقصد الصغيرة، بل الزوجة الفاتنه التي تأبطت ذراع زوجها منحته ابتسامة شاسعة بادلها اياها و كأن شيئا لم يكن... من المستحيل ان يشك أحد من الحضور بأن ثمة مشاكل بينهما.
" انه كيليان ارشيبالد عزيزتي... تظنين ان اي امرأة ستستلم بسهولة ان قرر اخراجها من حياته ؟؟"
و بالتأكيد كل النظرات النسائية نحو المرأة التي اصطادت أهم الرجال الأعمال، نظرات حسد و غيرة... وهذا يُشعر دوما ايموجين بالغرور و الأهمية... هذا ما يروقها بينما تتأبط ذراعه و تهز دقنها الى السماء بكل فخر... بأن هذا الرجل الوسيم جدا و الناجح جدا ملكها فقط و لا سبيل لأحد منهن الحصول عليه.... كم تتحسر على طبيعتها الزائفة... ايموجين تعيش في عالم لا يمت للواقع بصلة.
لكن مفاجآت رئيسها لم تتوقف عند هذا الحد، السيد و السيدة مارشال ظهرا أيضا برفقة الجميلة جدا ناومي، المرأتين تتأبطان ذراع الرجل السياسي،ايموجين تحصل دوما على دعم الجميع... كيليان الذي يكره المفاجآت يجد نفسه مجبرا على استقبال عائلة زوجته في بيته الكبير.
* * *
" هل أنت بخير؟؟"
سؤال نيوس دفعها لطمئنته بإبتسامة، لكنها استمرت بمسد ظهرها المتألم، تمر وجبة العشاء في جو دافئ عكس كل الأمسيات التي قضياها معا منذ بداية حملها، لا بد ان زوجها شعر بتغيرها اذ أنه كان مسترخي للغاية معها و أحيانا عفوي، يتصرف أحيانا بإهتمام فرانكو، يذكرها قلقه بملاكها الحارس، و ربما فرانكو أصل هذه السكينة التي تتملكها منذ زيارته، تعرف بأنها ليست وحدها، بأن هناك من هو مستعد للقدوم فورا في حالة مشكلة، لا بد أن رجال نيوس اخبروه بالطبع عن زيارة فرانكو لكنه للان لم يفاتحها بالموضوع، في لوس انجلس، عندما أصيب فرانكو و فلورانس بطلقة، عاد اليوناني ليعترض عن زيارتها بسبب وجود داركو في الجوار، لكنها أفهمته بأنها ان كانت ماتزال حية ترزق فبفضل فرانكو و ليس بفضله هو شخصيا، لأنه آنذاك فضل التخلي عنها بدل سماع استفساراتها و الدفاع عنها و مد يد العون.
ابتلعت القليل من المعكرونة في صحنها دون ان تفارق عيناها وجه زوجها الذي عاد ليملئ صحنه مجددا، يبدو مسترخيا و مسرورا و بشهية جيدة، عكس الرجل الشديد العصبية الذي كانه عليه في الهاتف:
" هل انتهت كل مشاغلك؟؟"
هز نظراته القاتمة اليها، لكنها تفضل قول ما سمعته هذا الصباح في المطبخ، النسوة اللواتي أصر هو على وضعهن خلفه خلال غيابه ثرثن طويلا، ربما لم يعد فرد آخر من اليونيداس بعده لكنه يملك عائلة كبيرة جدا من جهة والدته، هناك ثمة مشاكل تتعلق بالأعمال و الارث، كما أن الانجليزية الباردة جدا زوجة ابن عمه الراحل تطالب بضم ارث ابنائها ايضا، بحيث نيوس يدير بقبضة حديد أعمالهما، يبدو أن الجميع قرر شن الحرب عليه ما ان تبين انه يمكنه الحصول على أطفال عكس ما ظنه في الماضي، و بأنه لا يملك فقط وريث لكن وريثين، نيوس لا يكلمها مطلقا على مشاكله العائلية.
" الصين ورائي... و زوجتي أمامي و أنوي عيش كل لحظات حملها الأخيرة..." لاحظ بتسلية وهو يقطع قطع اللحم المشوية في صحنه.
" لا أتكلم عن اعمالك نيوس بل مشاكلك العائلية"
بقيت قطعة اللحم معلقة بين الشوكة و فمه، يتطلع اليها و كأنه مصدوم من معرفتها بالأمر، تلك القطعة عادت الى الصحن مجددا، رأت نظراته تسود أكثر:
" لا أنوي ازعاجك في هذا الوضع بالسخافات"
" اتمنى ان اعرف ما يحدث بالضبط" قالت بهدوء وهي تمد يدها لتضعها على يده و تعصر اصابعه:" اعرف بأن ابن خالك عنيف جدا و مهدد منذ أن تمت اقالته من مجلس الادارة..."
" مايحدث ان أبي كان كريما جدا مع أمي" في ظروف أخرى كان نيوس ليعترض بعنف عن تدخلها في حياته، و ان يكتفي بالصمت بعدها تاركا ياها تتخبط في يأسها، لكنه تغير بشدة نعم، انه يقوم بشرح المسألة دون أن تطلب منه ذلك مرّتين:" عندما تزوجها كانت تملك بضع اسهم بلا قيمة قام هو باستثمارها و توسيعها الى أن أصبحت ثروة حقيقة، بعد موتها استمر بدفع الارباح لوالدتها و شقيقتها و عندما مات هو الأخر استمريت انا بهذا الموضوع واضعا مصالح العائلة فوق اي خلافات، اتهموني بأنني انحاز لأولاد عمي لأنهم من اليونيداس و بأنني اهمل مصالحهم، ثم أخيرا طالبو بإستعادة تركة أمي التي تعود لي شرعا..."
" طالما كنت كريما معهم..." قالت ديامانتي بصدق.
" يريدون ضمانات.." وضّح أكثر:" وعدتهم بنصف الثروة في حالة لم احصل على وريث لكن قدوم آريوس صدم الجميع حتى أنهم... اعذريني عزيزتي.... حتى انهم شككوا في ان حملك مني..."
بالكاد تصدق ديامانتي وقاحة هؤلاء الذين يأكلون و يعيشون بكل بذخ بفضل نيوس الذي يقتل نفسه في العمل:
" لقد انطلقت المشادات منذ عودتك الى اليونان، لن يمكنني ترك أموالي بينما سأرزق بإبني الثاني... الكل يقول بأنني اخليت وعودي... هذه الوعود أجبرت على منحها للحد من الصراعات، و لم أكن أتوقع أن أصبح أبا يوما... لكن بينما تتحقق المعجزة.... أنوي الحفاظ على ثروة أولادي و عدم التفريط بها... اقاربي اصابوا بالصرع ما ان فهموا بأنني انوي وضع التعديلات في وصيتي و ترك كل شيء لاريوس و شقيقته"
لم تحب يوما العمدة راموس، انه ابن خال نيوس و عمدة الجزيرة التي كبرت فيها والدة نيوس حتى زواجها، لم تعجبها يوما النظرات التي يحطها عليها.
" يرغب ان احول الوصاية له في حالة حدوث شيء لي"
" مالذي تقوله نيوس؟" قالت بصوت قلق و مهتز من الغضب" هذا الرجل تخطى حدوده"
" كوني يوناني فأنا مضطر لوضع اسم رجل ثقة في وصايتي تماما كما فعل ابن عمي معي...."
" راموس ليس رجل ثقة... " ذكرته ببعض الشدة:" اسمعني نيوس... الوحيدة التي تملك كل الحقوق الشرعية على اطفالها هي أنا... و ان حدث لك شيئ في يوم ما فصدقني اليونان هي آخر مكان يمكنني البقاء فيه... لا تفعل هذا بي أتوسل اليك... لا تضع أحدا غيري كوصية، أعرف بأن القانون اليوناني يمنح الأحقية الكاملة للرجال لكنني لست يونانية نيوس انا ايطالية و أطفالنا مزدوجوا الجنسية...." شدت على أصابعه:" كما أنه لن يحدث لك مكروه نيوس... ذلك الرجل ينوي لك عن شر... و كأنه يرغب بضمان مكانه قبل التخلص منك..."
" أعرف... " هذا التصريح أشعرها بصدمة:" لهذا سأضع اسم مارك انطونيو ريتشي، انه شريكي، يعرف كل شيء عن أعمالي كما انه قريبك و يحبك كثيرا... منذ ولادة آريوس و أنا في حرب معهم ديامانتي... أنا لا أخشاهم أبدا، انها أموال أمي و يرغبون بسلبها مني بالرغم من وضع الأمر في يد القضاة الا انهم لن يستسلموا و قد يؤذونك أو يؤذون آريوس هل تفهمين؟؟ "
نعم هي تفهم... اذن فهذا هو سبب اضطرابه في الهاتف و رغبته في العودة الى البيت سريعا، الأمور تتفجر بينه و بين عائلته، لكن نيوس لا يخشى أحد، انه رجل ذو نفوذ، سبق وحارب داركو فالكوني دون ان يرف له جفن، ابتسمت له بعاطفة:
" أنا لست خائفة نيوس..."
" أعرف بأن زوجتي امرأة قوية للغاية..." أكد لها بإبتسامة صغيرة و هو يحمل يدها الى شفاهه ليقبلها بحنان:" ما ان يعرفون بأنني ظمنت من سيسهر على مصالح آريوس حتى بلوغه حتى يتركونني و شأني... لقد كنت متعاطفا بإسم العائلة... لكن راموس تجاوز حدوده بمحاولة سحب شرعيتي، الأمر الذي انقلب عليه فتم سحب شرعيته هو.... انه غاضب جدا مؤخرا... انتظر ضربة منه سواءا على المجال الاعلامي أو القضائي، لكن المحاميين متأهبين للغاية... يحزنني ان تصل الأمور الى هذا الحد مع أفراد عائلتي..."
المال يجعل الناس شرسون و بلا اي ضمير، هي التي تخلت عن حصتها لأنجلو ابن جوزيف سيفيرانو تبدو متناقضة للغاية مع راموس الذي يريد الاستلاء على تركة لا تخصه أبدا، بل أيضا يجبر نيوس على وضع اسمه في الوصاية ليتمكن من استغلال كل حقوق الصغيرين، شعرت برجفة اشمئزاز تهز بدنها، و في الوقت نفسه صوت مياه تلتقي بالأرض اثار انتباهها معا:
" ماهذا؟؟" سأل نيوس بعبوس.
احنت رأسها نحو الأرض لتتاكد من ظنونها:
" فقدت ماء الرأس... علينا الذهاب الى المستشفى"
* * *
" انها لا ترد"
القوة التي ردد بها خوسيه هذه الكلمات جعلت آيا تجفل مكانها، ابقت رأسها منحني على صحنها، تحول العشاء الذي تمنحه سيسيليا كل الأهمية الى محاولات العثور على مختفية، دانيلا استغفلت وصيها و هذا يجعله في كل حالاته، هذه المرة غضبه ليس منصبا عليها، بالرغم من ان تبادلاتهما كلها وجيزة للغاية الا انها تعمل على الا تلتقيه في حميمية لأنه يقلق سلامها الداخلي، بدت سيسيليا قلقة ايضا على اختفاء دانيلا وهي نفسها لا تملك ادنى معلومات، كل ما قالت لها الفتاة ان تنتبه جيدا لنفسها، وشئ نبئها بأن خوسيه يظنها تخفي عنه معلومات لأنه يحط عليها نظرات سوداء جليدية في كل مرّة.
" استغفلتني تماما تلك المتهورة و استغلت الحرية التي منحتها ايها منذ خطوبتها ..."
اكتفت آيا بإتمام طعامها دون تعليق، لديها أمور أهم تشغل تفكيرها، تنتظر ردودا على الفاكسات التي ارسلتها لعدد من المزودين، البنغلاديش و الهند من ضمنها، أخبرها باريش بأنه عثر على مصدر مستقل و ينوي الذهاب اليه لرؤية العينات بأم عينه، انها تضع الكثير من الآمال على هذه الزيارة، و ان كانت تعرف جيدا المنطقة فتظن أن المنتوج سيكون بجودة جيدة للغاية.
" لا تقولين شيئا آيا.."
اضطرت للعودة الى الواقع و هزت عيناها نحو وجه مشوه من الغيض، انه يبحث عن ضحية لشفي غليله و لا يوجد افضل منها في هذه الطاولة لنفث سمومه فيها.
" ماذا تنتظر مني خوسيه؟؟"
" أنت وهي صرتما صديقتين مؤخرا..." قال وهو يدر ردود أفعالها:" أظنك تعرفين مكانها و ترفضين التكلم"
هزت رأسها بالنفي، لما يظن بأنها تعرف مكانها بحق الجحيم؟؟ لكنه مستعد للاستمرار في تعنيفها كلاميا حتى ببرائتها و لا تنوي منح الفرصة اليه كي يذلها كما يفعل في كل مرّة.
"لديك موهبة التشكيك واستخدام المحادثة كنوع من التهديد المندفع و المتهور ،من المثير للاهتمام دائمًا مشاهدة المكان الذي ستأخذك إليه طريقتك!..."
لمعت التسلية في نظرات العجوز التي تندفع دوما للدفاع عن ابنها الوحيد، متى اكتشفت هذه المرأة أنها أفسدت طفلها دلالا و انانية؟؟ قبل أم بعد فوات الأوان؟
" أشكك في مصداقيتك عن سابق تجربة... "
" لدي ما يكفيني من التجارب معك أيضا و أعيد لك الإطراء..." صرّحت بلهجة لاذعة:" تهاجمني و كأنك قمت بإكتشاف مؤامرة ضدك بينما الموضوع يقتصر عن رغبة شابة بالغة بإستنشاق الهواء بعيدا عن سيطرة وصيها... "
" استنشاق الهواء بعيدا عن وصييها؟!" ردد من بين اسنانه دون ان يبتعد عنها بنظراته التي تتطاير شرا:" هل افهم بأنك وراء وضع هذه التفاهات في رأسها؟؟ قبل أن تصلي الى هذه القلعة لم تحتاج دانيلا للابتعاد بحجة استنشاق الهواء..."
يتلاعب بمقاصد الكلام، انه هائج مثل كلب مسعور و يبحث عن ضحية و لا يوجد افضل منها لوضع كل الملامة على كتفيها، مسحت شفاهها بمحرمة ووضعتها بجانب صحنها ثم وقفت مكانها معتذرة:
" ليلة سعيدة دونيا سيسيليا...كانت وليمة ممتازة مثل المعتاد" ثم اعادت نظراتها الى خوسيه قائلة ببرود:" اتصل بها لتعرف اين هي و اتركني بسلام... انا بعيدة عما يحذث بينك و بين دانيلا... ليلة سعيدة"
" لم أتمم كلامي..."
لم تتوقف لنبرته الصارمة بل ادارت ظهرها للأم و ابنها و اختفت من غرفة المعيشة حيث الخدم يراقبون بصمت ما يحدث.
ما ان اصبحت بمفردها في غرفتها حتى ادارت رقم دانيلا، عكس محاولات خوسيه قررت هذه الأخيرة الرد على محاولاتها الثانية، بدى صوتها مهتزا في الجهة الأخرى:
" اين انت دانيلا؟؟ وصيك بصدد فقدان عقله..."
" لا عقل له كي يفقده آيا..." انها توافقها في هذه الملاحظة، خوسيه مجنون رسمي :" انا بخير ان كان هذا ما يدفعك للاتصال..."
" انا حقا قلقة عليك..."
" أنا بخير..." عادت لتكرر دانيلا يتنهيدة بدت لها تعسة للغاية:" أفتقد التوأمين بشدة..."
ابتسمت آيا وهي تلقي نظرة على المهد حيث أوزلام تنام بعمق:
" أظنهما يفتقدانك أيضا... " فكرت قليلا قبل أن تقرر القول بوضوح:" اسمعي دانيلا... يمكنك دوما الاعتماد علي ان احتجتي لأي شيء, خوسيه آخر من يمكنه أن يعلم..."
" لست بحاجة لقول ذلك آيا أعرف بأنه آخر من يمكنك الاسرار اليه... شكرا عزيزتي لن أنسى هذا"
{خوسيه آخر من يمكنه أن يعلم}
هذه الكلمات قلبت بنوع من الشدة في ذكرياته القاتمة، هناك، في مكان ما، ماتزال مختبئة و ترفض الظهور، بدل اقتحام جناح زوجته على الورق و مواجهتها هزته الذكريات كزلزال عنيف و اجبرته على تغيير مساره، مكتبه هو المكان الوحيد الذي سيمح فيه بخروج شياطينه من الظلمة الحالكة التي تغلف ماضيه بأسره.
جلس خلف مكتبه في العتمه، رأسه يرفض النور، الشق في روحه ازداد اتساعا و حدة و حالته ترغب في الانغماس أكثر في الظلمة، روحه المتجولة و المشردة منذ سنوات تعود لتطالب ببعض التفاسير التي لا يجد لها اي اجوبة، لكن كلمات آيا أعادته مرغما الى الحقبة التي تشاركها مع اليونور، لكن الذكريات التي سممت ذاكرته لا علاقة لها بحبها اليائس اليه، ليس هذا هو الوجه الذي أطل من الماضي، اليونور كانت عائقة، هائمة على وجهها، قلبها الأحمق نبض أكثر لغيره، امتنعت عن اللعب معه، ملته شخصيا.... ملت شياطينه و روحه المظلمة... تغيرت القواعد مع الوقت....اليونور ملّته و غدرته.
{تجذبني إليك مثل المغناطيس ثم تدفعني بعيداً. لا تنظر الي بعد ذلك أبدًا، تجبرني على دربي في هذه العلاقة بدون مستقبل... ليس الحب خوسيه...لا.... إنه تدمير ذاتي. وأنا لا أنوي البقاء... }
بقي في العتمة يحاول اختراق الضباب في رأسه، يحاول عدم الهروب كما هي عادته و الدخول اكثر دون ان تعيقه رغبته الملحة في التراجع، لما يرفض عقله الباطني استراجع كلي لذكرياته تلك؟؟ لا شيء كان طبيعي في علاقته مع اليونور... لقد كانت صغيرة جدا، جميلة، قادمة من البادية بأساليب و مبادئ مختلفة، مختلفة عمن صاحبهم حتى ذلك الحين، لكنها لم تختطف بصره فقط... الفونسو ايضا افتثن بها، عكسه... رغب بها زوجة.
ثم عادت للظهور، شعر بها حتى قبل ان يلمحها، لم تكن بطنها مكورة تماما كآخر مرة ظهرت فيها، و ملامحها واضحة رغم العتمة... كانت جميلة و مكسورة للغاية، بقيت على مسافة منه، و كأنها تخاف ان تقترب نه فيصيبها السوء كما أصابها منه في الماضي، عادة اليونور متهكمة، ساخرة، جارحة، مؤذية، بقيت تتطلع اليه ببعض التردد المغلف بالخجل، وهو لم يتحرك من مكانه لأنه يعرفها بأنها غير موجودة، بأن مخيلته تتلاعب به، لكنه بحاجة لهذه المواجهة الخيالية... بحاجة ليرى وجهها الذي يرفض مفارقة عقله.
" أي أكاذيب أخرى اتيتي لرميها في وجهي؟؟ "
" أقول ماترغب أنت بسماعه..." أجابته وهي تدنو أكثر منه" أنت رجل سيء خوسيه... مكسور ، متضرر ، غارق بكومة كاملة من الذكريات التي تتشبث به مثل القطران."
تحاشى قسوتها، ليس هو من يستحق هذه الكلمات بل خيانتها هي و الفونسو له.
{خوسيه آخر من يمكنه أن يعرف...} كانت هذه كلماتها بينما تشجع عمّه بالاستمرار في التستر عما يجمعهما، لكنه ليس الضحية بحق الجحيم... لم يكن ملاكا.
أغمض عينيه بقوة شديدة و استعادت حواسه الواقع، عندما عاد لفتحهما كانت قد اختفت من أمامه تماما كما ظهرت، انتبه الى أن اصابعه ترتجف ببعض الحدة، سقطت عيناه على الهاتف الأرضي، لم يتردد بالاتصال بالشخص الوحيد الذي يكون هنا عندما يحتاجه:
" لماذا تصرفتُ بتلك الطريقة؟؟ لما لم أتركهما و شأنهما فحسب؟؟ "
سقط الصمت من الجهة الأخرى، سمع روكو يسحب نفسا عميقا و يحاوره برقة:
" لم تكن مستعدا لخسارتها..."
" لم أحبها كما أحبها الفونسو... " أكد ببعض القوة :" جعلت حياتها جحيما لأنها اختارته هو... لم أرفض الخسارة روكو؟؟ مالذي يحصل معي بحق الجحيم؟؟"
" اهدأ خوسيه... العلة ليست بك..."
" العلة بي توقف عن حمايتي من نفسي اعرف أنني انسان سيء"
" أنت لست سيئا... اسمعني... اسمعني..." زمجر به روكو بينما ينتبه الى أزمة الهلع التي ينوي دخولها ككل مرة يتكلم بها بنفس الموضوع:" خد نفسا عميقا خوسيه و حاول التفكير في اي شيء آخر عدا هذا الموضوع، لا تنسى أن حياتك تغيرت اليوم، لديك طفلين رائعين للغاية لديك ألف سبب لتعيش سعيدا..."
أمسك برأسه، يشعر بأنه بصدد التصدّع تحت أصابعه، عاد ليغمض عيناه مجددا، عندما فتحهما وجدها أمامه، تبتسم له بتهكم، تسعدها رؤيته مدمرا و تائها:
" توقفي عن الظهور أعرف بأنك غير موجودة"
سمع روكو يقول شيئا عبر الهاتف، لكن كلماته لم تلتقطها مسامعه، كانت عيناه عالقتان على اليونور، عيناها مشتعلتين بحدة في العتمة.
" آه خوسيه... خوسيه المصنوع من الأسود... الأناني... حتى آيا لم تسلم منك... تقوم بتدميرها لأنها أفضل منك... أنت لست سليما بالمرّة... الشياطين التي تسكنك ستقودك الى الهلاك ... لن تعرف السكينة، لن تعرف الحب، ستبقى ملعونا الى آخر أيام حياتك البائسة"
شيء من بعيد يتردد بقوة في رأسه، بدأت اليونور تتلاشى رويدا من أمامه و يسحبه الواقع مجددا اليه، ما يعيده هو صوت روكو الذي يكرر نفس الكلمات التي لا يفهم منها شيئا، لكنه بحاجة لأن يعرف ما يحذث له بالضبط، انه بحاجة للتكلم مع سيسيليا.
" هل أنا من أضرم النار في مكتب الفونسو؟؟" سأل صديقه الذي تنهد ببعض الحدة.
" أنت لم تفعل شيئا له..."
" لما عقلي يرفض استعادة الأحداث اذن؟؟ هل فقدت الذاكرة في يوم ما و لم استعدها؟؟" عاد ليلح على روكو الذي قال فجأة.
" سوف آتي..."
" كلا..."
" لا يمكنني تركك في هذه الحالة بحق الجحيم... كما أنني اشتقت للصغيرين و بريانا تريد رؤيتهما... سأكون عندك غدا صباحا... لكن عدني خوسيه ان تنسى هذا الموضوع حاليا و أنا أقسم لك... أقسم لك بكل ما هو عظيم في هذا الكون بأن لا علاقة لك بموت الفونسو أو حتى موتها هي... "
شعر بالراحة لهذا التأكيد، لكن الألم الذي يسحق صدره يرفض الانسحاب، يرغب بإنتزاع قلبه من صدره كي يتوقف عن العذاب.
" انا مرهق روكو... مرهق من نفسي من شياطيني ... كيف يمكنني الهرب أخبرني؟"
" رأيتك مختلف منذ ولادة التوأمين... ركز عليهما فحسب... كل شيء سيكون بخير أعدك..."
ابتسم ابتسامة تعسة:
" أنت الوحيد الذي يرى الجيد في شخصي الكريه..."
" أنت ايضا الوحيد الذي يرى الجيد في شخصي الكريه..." كرر له روكو بلطف:" أتذكر عندما قال الأمير نفس الكلمات لك بينما تدافع عنه فيما فعله لديامانتي... أظن أننا... كلنا... نملك جانب مظلم خوسيه... ان كانت اليونور هي شياطينك فأنا حياتي برمتها تدور حول أبي و أسراره... أنا أيضا شخص متضرر للغاية منه... "
" ثم اتت بريانا..." همس له خوسيه وهو يغمض عينيه و يسترخي في مقعده، بفضل روكو مرت أزمة هلعه، انه يعشق هذا الرجل.
" أتت وغيرت حياتي..." يستطيع لمح شبح ابتسامة في هذه الكلمات:" انها أجمل ما حدث لي منذ زمن بعيد..."
" أريد أن أغرم مجددا..." قال خوسيه:" أو بالأحرى... أنا أغرم حقا... مثل داركو و سيزار أو حتى اليخاندرو... اشعر بأنني عاجز عن منح ثقتي لإمرأة..."
" آيا امرأتك المناسبة..."
" آيا خائنة تماما مثل البقية... ما ان تضمن مستقبلها ماديا حتى تهجرني انا اعرف... الحاجة ما تبقيها حتى الأن و ليس قلبها..."
بعد انهاء المكالمة مع روكو وجد والدته في غرفتها، كانت بصدد جمع عدد وفير من الصور باللونين الأبيض و الأسود، ابتسمت له بحنو ما ان دخل غرفتها، انحنى على الطاولة حيث كانت بضع صور قديمة متبقية، و التقط واحدة لجده الذي شارك في حرب اسبانيا منذ زمن بعيد.
" هل كان أيضا يعاني من اضطرابات عقلية مثلي؟؟"
رآها تقطب بشدة و تبقى على حذرها وهي تجيب:
" أنت لست مريض خوسيه..."
" اذن اخبريني لما ترفض بعض الذكريات العودة الى رأسي؟؟"
جلس على الصوفا بجانبها، عاد يدقق النظر في صورة جدّه الذي كان في العشرينات من عمره، كل الأندلس تشهد بشجاعته و مروته، يمكن لوالدته أن تكون فخورة بوالدها الذي ترك خلفه تاريخا من الانتصارات.
" أريد أن أكون أبا طبيعيا لألمادو و أوزلام... و أنا... لا أشعر بنفسي طبيعي أمي..." هز عينيه نحوها وهو يعيد الصورة الى الطاولة:" اتذكر بانني أمضيت شهر كامل في مؤسسة تأهيل سرية في سويسرا... قبلها بقليل... رحلت اليونور... ثم لا شيء بعدها سوى ما أرغب أنا بتذكره..."
مدت يدها المجعدة لتمسح على وجهه، كانت لمستها حانية:
" تعرضت لصدمة بسبب موتها..."
" هذا ليس كل شيء... في عمر العاشرة كنت في نفس المؤسسة اللعينة... لما وضعني أبي بين ايادي اطباء نفسين ان كنت طبيعيا؟"
" منذ منى بدأت تعود اليك هذه الذكريات؟؟"
" منذ أقل من نصف ساعة..." قال ببعض السأم..." أخبريني لما تم اغلاق ذكرياتي..."
" اغلاق ذكرياتك؟؟" كررت والدته متعجبة.
" سيسيليا... أرجوك... تعرفين بأنني لا أهذي... هناك أشياء حذتث في حياتي لا أتذكرها... أرى اليونور متجسدة أمامي كما أراك معي اللحظة... تكلمني و اسمعها... هل أنا خارق و يمكنني التحاور مع الأموات؟؟ "أتت ملاحظته الأخيرة متهكمة للغاية." لما أغلقني ابي في مستشفى خاص مرتين اخبريني؟"
* * *
فتحت آيا عينيها في الوقت نفسه الذي حطت يد خوسيه على كتفها، تجهل كم الساعة الأن، لقد تحاشته منذ مواجهتهما الصغيرة امام سيسيليا و هو تصرف و كأنها شفافة، تجهل ما يفعله في جناحها، في غرفة نومها بينما الصغيرين في جناحهما تحت رعاية المربية، ابتعدت في مكانها بينما أصابعها تنزلق نحو حمالة قميص نومها لتبعده عن كتفها، لم يكن في وعيه، كانت عينيه بركتي دماء حمراء، لا تعرف ان شرب أكثر من المعتاد ام استعمل شيء آخر ليكون بهذه الحالة المريبة.
" التوأمين ليسا هنا..." قالت أول ما تبادر لى ذهنها.
" لا أبحث عنهما..." بصق بكره يائس:" بل ما ترفضين منحه لي..."
" توقف خوسيه..."
أمسكت يده لتمنعه من ازاحة الغطاء عنها، هذه المقاومة مددت شفاهه في ابتسامة، هي احست ان النعاس هجر فورا جفنيها، أصبحت واعية للغاية بالوضع، خوسيه في غرفتها، فوق سريرها، يديه لا تنويان البقاء بجانبيه بل اكتشاف ما تجاهذ اخفائه تحت البطانية...
" لما تكرهينني الى هذه الدرجة؟؟"
" أنا لا أكرهك..." تأففت بينما تدفع يده بعيدا مجددا.
" اذن ماذا؟؟" أصرّ من بين أسنانه، نظراته المحمرّة مشتعلة مثل الجحيم:" أرغب بك مثل المجنون، و أنت تعرفين بأنني ضعيف نحو جسمك، تستمرين برفضي، تستمرين بصدك اللعين... أي مقابل تريدين أخبريني؟ "
هذا السؤال يشبه السكاكين التي انغرزت في كرامتها، يعاود مساومتها، لن ينسى أبدا بأنه اشترى خدماتها في السابق، أو بالأحرى أجبرها على قبول عروضه المذلة، لكنها حذرة اللحظة لمنحه رد مناسب لتتأثر لأنوثتها، انه خارج السيطرة، ثمل أو مخدر هي لا تعرف، سيصبح عنيفا ان تحدته كما تفعل عادة:
" عندما تتوقف عن معاملتي بتنازل ... " لم تتمكن من اتمام كلامها اذ انه انفجر في الضحك، ثم تبثها بنظرات فارغة، هذه الليلة ، الوهج الذهبي الذي يميز عينيه باهت بشكل عام... يكاد يكون معدوما.
" انت تعيدين كلماتها حرفا حرفا, اليست هي أنت؟؟ ارسلتك كي تنتقم مني؟؟"
أقطبت بعدم فهم، خوسيه يهلوس، يُهرج، يرى من خلالها أشباحه:
" كانت أقوى منك فتمنكنت من كسرها... تظنين انني مع الوقت فقدت مهاراتي؟؟"
هزت رأسها بالنفي، ستسايره في كلامه الى ان يسئم تعاونها و يتركها بسلام، فما يحفزه هو غضبها و مقاومتها، عندما تكون متساهلة يبحث عما يوهجه اكثر.
" أظنك صرت أكثر قوة مع الوقت..."
انسحبت ابتسامته، بدى و كأنه ينظر جيدا في لعبتها، مد يده ليمسك دقنها، يمرر ابهامه على شفتها السفلى و يضغط قليلا عليها:
" مشاعري مغلقة في خزنة... "
" أعرف..." ردّت بصوت خان ثقتها، انها مرعوبة مما سيعقب، لا يبدو طبيعيا بالمرّة.
" تعرفين؟ شيء حقا مثير للاهتمام..." ثم اهمل ذقنها ليتحسس هذه المرة شعرها:" تعرفين بأنه لن يمكنني حبك يوما، أو حتى حب غيرك... ثم منحتك عرض أفضل... رغبت بأن نُكوّن أسرة حقيقة لطفلينا... كنت صادق في عرضي اذ انك الوحيدة التي اريدها حقا في سريري آيا... ثم رفضتني... أسبابك ليست واضحة بالمرة... ربما تكونين رومانسية و تنتظرين اعترافات بالحب و قصائد شعرية... لكن تقرّين أنك تعرفين بأنني لست روميو... بل أنا كازانوفا وقد وجد المتعة الأبدية بين احضانك أنت..." اصابعه المتسامحة قبل لحظات شدت بقوة عليها لدرجة انها لم تمنع شهقة ألم" أخبريني بحق الجحيم مالذي تنتظرينه مني؟؟ لما ترفضينني بينما كل نساء اسبانيا تنتظر لفتة لعينة مني؟؟ "
وضعت يدها على شعرها كي تمنعه من الشد أكثر، كان وجهه قريبا من وجهها، أنفاسه تلهب بشرة عنقها، يبدو مستعدا لقتلها أو ربما تقبيلها هي لا تعرف، كل حواسها في حالة صدمة عارمة، مطلقا لم تواجه حقا هذا الجانب الظلم من شخصه، انه خيال خوسيه، رجل مُعذب و مظلم مثل الليل، شظايا رجل لا يعرف السلام، لكنها لا تنوي انقاذه من نفسه بقدر رغبتها في الهرب و حماية نفسها و أطفالها منه:
" أنت تؤلمني..."
" لأنك أنت لم تؤلميني؟؟"
" بيننا اتفاق..."
صرخ بها مقاطعا:
" احترقي بإتفاقك اللعين في الجحيم ... "
هزت عينيها نحوه، كانت نظراته معمية بالدموع، كان يعاني و هي تجهل بأي طريقة ستهدئه، انها لا تعرفه كفاية، مشاعرها متحجرة نحوه كنوع من الحماية، ولدت جدار ردع لكل هجومه، لكنه في هذه اللحظة ينتظر شيئا محددا منها و هي تجهل ما حدث كي يعاني بكل هذه الحدة، فعلت أو ما جاء في رأسها، مدت يدها نحو وجهه و تحسسته كما تفعل مع ألمادو و أوزلام، برقة، بعطف، يجب أن تبقى متحكمة ما استطاعت، لو كان خوسيه واعيا لما سمح لنفسه بهذا الضعف أمامها، انه رجل فخور جدا و صاحب كرامة عالية، عالية لدرجة تتخطى الحدود... من امامها روح مشردة و معذبة و مكسورة.
عادت لتلمس خده الخشنة بظهر يدها بنفس الطريقة، خفت قبضته تذريجيا الى ان صارت لمسة هادفة لفروة رأسها، و كأنه يعتذر من خلالها بالاعتذار عن عنفه... ياله من رجل غريب.
" أنا بحاجتك... هل تفهمين؟"
أومأت بالايجاب، كان صوته متشقق لدرجة انها خشيت من أن يتكسر الى الف شضية، تجهل كل ما يتعلق بماضيه، لقد كان متزوجا من امرأة ماتت بسبب السرطان، تعرف بأنه لم يكن يوما وفيا لها، بأنه رجل يحب الكمال و الجمال، وهذا بالضبط ما جعلها تخشى على قلبها منه، ما ان ينتبه لكمية النذبات التي تركها الحمل على بطنها حتى ينفرها للابد.
" لا تبكي..."
تعجبت لهذا الطلب، و تعجبت أكثر بينما تنتبه الى أنه يلتقط بأبهامه دمعاتها... من اين اتت هذه الدمعات؟ منه هو أو منها هي؟؟ و ان كان منها فلما تبكي؟؟ رؤيته فاقد السيطرة و هش و مختل التوازن تحزنها؟؟ ام امكانية نبذها ما يرعبها لهذه الدرجة؟؟ تعرف بأنها تتفوق عليه بنقطة واحده، و هي انجذابه الامعقول اليها، ان فقدت هذا فستفقد كل شيء.
" أنظري الي..." وشوش لها و هو يمسك بوجهها بين يديه:" يمكننا دوما المحاولة... يمكنني ان اكون زوجا جيدا أيضا..."
انه يشير لكلامها مع روكو في زيارته عندما أكدت له بأن خوسيه أب جيد،هذا زاد فحسب من حزنها، كم ترغب بتصديقه، بأن ما بينهما يملك أدنى مستقبل، خوسيه متقلب، شهواني، مزاجي و ناري الطباع، وهي امرأة غيورة و متملكة... سيقوم بتحطيمها في أو خيانة لها تحت اسم السئم و نفور.
" هذا لن ينجح..."
" لأنك تحبين اليخاندرو؟؟" سألها ببعض الحذر.
" لم أعد احبه خوسيه و منذ زمن أيضا..." أكدت له يتنهيده تعسة:" المشكلة فينا... في اختلافنا... المشكلة في المستنقع الذي ترفض نسيان انتمائي اليه..."
" نحن لسنا مختلفين كثيرا..." دافع بصوت مرهق، لا يبدو أنه قادر على متابعة الحوار طويلا:" في افريقيا كنا سعيدين..."
ابتسمت ببعض التعاسة:
" أنت كنت مختلفا..."
" و أنت أيضا" أكد لها وهو يلامس مجددا وجهها و شعرها و كتفيها:" كنت تحبين لمساتي آيا و تحبين قبلاتي و ليالينا الحارة كانت مميزة للغاية و استثنائية... سأمنحك كل هذا مجددا و ربما أكثر...لأنني أريدك بشدة و أحتاجك ..."
لا تجد بما تجيب، هل ترغب حقا بالمحاولة؟؟ هل ستشتعل مجددا شرارة الحب التي ايقضها خلال ولادتها بحيث كان نعم الزوج و الحبيب و الصديق كي تأتي تشوهاتها و تنهي كل هذه الأحلام؟؟ أتت شفاهه اليها و لم ترفضها، قال بانه بحاجتها، أغمضت عينيها و بادلته قبلته الناعمة و الخالية من اي شهوة، انه يقبلها لأنه بحاجة للتواصل و ليس للجنس، يمكنها ان تفرق هذا لأنها صارت تعرفه من هذه الناحية على الأقل في الثلاث اسابيع التي امضتها معه و كانت عشيقته بكل ما للكلمة من معنى.
" أريد النوم بجانبك..."
لا يشير مجددا للشيء آخر أكثر من الكلمات التي نطقها، هزت راسها موافقة، راقبته يبتسم لها فإنتزع منها ابتسامة رغما عن أنفها، انه رائع جدا عندما يزعم بأن يكون آدميا و لطيفا، راقبته ينتزع ملابسه و يكشف القسم العلوي، ميزت فورا اثار الجراحة التي لم تكن من قبل، يبدو غافلا عن هذا التفصيل بينما يقوم بالتخلص من بنطاله بنفس العجلة و يندس تحت الأغطية بالقرب منها، انه بحاجتها... آه نعم... برهن لها حاجته في الطريقة الشبه يائسة التي ضم جسدها اليه و لم يتركها ابدا، تمكن من النوم بعد فترة قصيرة جدا من انضمامه اليها، بينما هي ابقت عيناها مفتوحتين حتى اطل الفجر بأنفه البنفسجي.
* * *
لم تمر الأمور كما خطط لها و تستمر ايموجين بالتلاعب به، كانت متفجرة كعادتها امس، سيدة راقية مثقفة و متعلمة و ناجحة تتأبط ذراعه، يعرف بأن كل رجل في شرايينه دماء حارة سيفخر بزوجة مثلها، لكن فيما يخصه، الاستمرار في التمثيل و التظاهر بالاكتفاء يشعره بالاشمئزاز، انه يفتقد حبيبته الايطالية... فيرنا تسير في دمه، فيرنا تنبض مكان قلبه، فرنا أخدت لياليه و معها نومه، انها لا ترد على اتصالاته، لا ترد على استغاتاثه، محته من حياتها و كأنه لم يكن، تجعله لاهثا خلفها و كأنها الحياة، و كأن لا شيء يستحق العيش من دونها، انه مغرم حتى الأعماق، حتى الشريان، حبها منتشر فيه كله مثل الوباء، فقط لو تمنحه فرصة كي يعبر لها عما يشعر به نحوها الى آخر يوم في حياته، و كيف يمكنه التعبير؟؟ لن تكفيه كل الكلمات، لن يكفيه العمر ... هو في حالة حب يائسة.
اضطر لدعوة الجميع في منزله حي يقيم ايضا طاقمه الخاص، رؤية أوكتافيا سعيدة للغاية بالتجمع العائلي ابردت غضبه، ايموجين تستعملها و تستعمل عائلتها،و كأن ذلك لم يكن كافيا، أتت ايضا ليلا لتقاسم غرفة نومه، ما ان خرج من الحمام حتى وجدها بقميص نومها في سريره، تنتظره ان ينضم اليها و أن نقاشهما قبل أسابيع في موسكو لم يحذث بالمرّة:
" أخرجي من سريري..."
" و فيما سيفكر الأخرين؟؟" سألته دون ان ترمش:" لازلنا السيد و السيدة ارشيبالد و هذه الأمسية أظهرت لك بالتأكيد بأن مسألة الطلاق غير واردة بالمرة... نحن نليق ببعضنا، نكمل بعضنا، نحن خلقنا لبعضنا البعض و لدينا طفلة بحق الجحيم كيليان... لدينا اسرة سأحارب من أجلها الى آخر نفس..."
" أخرجي من سريري..." كرر هذه المرة وهو يقترب منها ليلتقط ذراعها و يخرجها بوحشية من سريره، لم تكن تتوقع هذا الهجوم، راقب وجهها يشحب بقوة:"من تظنين نفسك بحق الجحيم كي تجبريني على استقبالك و استقبال عائلتك في اهم سهرة؟ سبق و اخبرتك عن وجهة نظري و لم اغير رئي ايموجين... مازلت مصرا على الطلاق، مصرا على التحرر من هذا الزواج ... لكن أرى بأنك لم تأخذي تحذيراتي على محمل الجد... "
هزت رأسها بعنف، الدموع تنزلق على وجنتيها:
" لا يمكنك تركنا..."
" أنا أتركك أنت ايموجين... لا تقحمي ابنتي..."
انفجرت في البكاء، أسوأ ا يمكنه تحمله هو دموع امرأة، ايموجين تعيش فراقهما بطريقة سيئة للغاية، لكنه لا ينوي التراجع امام دموعها، يمكنها البكاء ما شائت، هذا لن يغير شيء من قراره، فجأة أدرك بأن امضاء الليلة في غرفته من المستحيل، لذى توجه الى الخزانة و التقط ملابسه على عجل، لكنها قطعت طريقه، يدها على ذراعه، انتفض الى الوراء:
" لا تلمسيني..."
" أنا أحبك..."
" توقفي عن ترديد ذلك بحق الجحيم لأنني لا أحبك... لكن من تظنين نفسك؟؟ كيف يمكنك تخيل بأنني سأرغب بك ثانية بعد كل ما قلته لك في موسكو؟..."
تضاعفت دموعها، العذاب حفر في ملامح وجهها الجميلة:
" كيليان توقف... أرجوك..."
" ترفضين سماع الحقيقة؟؟" أمسك بدقنها كي لا تهرب بعينيها منه و كي يتمكن من غرس كلماته جيدا في عقلها:" نبهتك بأن تبتعدي عن طريقي و ان ننفصل بطرق حضارية... صدقيني ايموجين... سيرعبك شخصي الغير متحضر بالمرة... سوف تتمنين لو لم تلتقيه ابدا في كل حياتك"
ثم تركها مع دموعها و خرج، امضى ليلته في غرفة الضيوف، لكن النوم رفض طرق جفونه، ارسل عدد لا حصر له من الرسائل الى فيرنا... مثل المعتاد... الصمت من رد على توسلاته... لقد شعر بالخيبة و الغضب من صمتها، سبق و أوضحت له بأنها لا تريد اي علاقة مع رجل متزوج، و يبدو أنا اشد عنادا منه، لكنه لم يكن يوما صبورا في حياته، ان رفضت التجاوب معه بالحسنى فسيجبرها على القبول به، لأن فكرة تركها لا تداعب خياله بالمرّة.
عائلة زوجته هنا لحضور سباق السيارات غدا، كان برفقة فريقه الثقني، يتهرب بشدة الاختلاء بأفراد عائلة زوجته، لكن يبدو أن ناومي ترفض هذا الصد و تنوي حقا حصره و الاختلاء به:
" يجب أن أكلمك..."
كان بصدد التكلم مع مدير التقنين، و يعترف بأن الموضوع ليس مهما كي يترك اخت زوجته جانبا، ناوي عنيدة بشدة، انها تملك شخصية قوية للغاية و ان وضعت رغبتها في مكالمته بالاجبار فلن تتردد في تنفيذها:
" لا وقت لي..."
" كنت في صقلية و تعرفت الى روكو ايميليانو... انه يبلغك تحياته...."
كما توقعت ناومي، انسحب الدم من وجه كيليان الذي اضطر اخيرا للتخلص من موظفه ليمنحها كامل اهتمامه، لم يكتفي بذلك، بل جرها من ذراعها بعيدا عن الاذان الفضولية و اغلق خلفها الباب الثقيل لمكتبه الذي كان في فوضى عارمة من الاولاء و التخطيطات للسباق.
" مالذي أخدك الى صقلية بحق الشيطان؟؟" لقد كان خارج السيطرة، لم تره من قبل غاضبا لهذه الدرجة.
" قبلت دعوة دافيد ريتشي الذي انقذ صوفي ايميليانو من الموت في حاذثة سيارة، هذه الاخيرة دعوتنا الى بيتها ما ان عرفت بان منقذها في الجوار... احزر ماذا رأيت في مكتب القلعة... لوحة ضخمة لكيليان ارشيبالد في حقبة أخرى... ظن روكو ايميليانو بأنني اتسلل الى قلعته لأتجسس على عائلته... و رفض اطلاعي على تفاصيل أخرى... قال ببساطة أن أستفسرك عما يفعله وجهك في مكتبه..."
لم يجبها، بقيت عيناه الزرقاوين الشبيهتين جدا بنظرات الرجل في اللوحة، شعرت بالبرد و بقشعريرة غريبة تنتشر في بدنها:" ذلك الرجل محق... أنت تلاحقه... كيف تفسر وجود شقيقه الصغير هنا ؟؟"
لم يجبها أيضا، بقيت عيناه عالقتان بها لا ترمشان حتى، شعرت بالجفاف في حلقها و هي تنتظر بلهفة تفسيراته لكل هذا الغموض الذي يلفها، أمام صمته المطبق عادت تستفزه:
" من هو يانيس سانتو ايميليانو؟؟" اقتربت أكثر منه " لما أنت صورة مطابقة عليه؟؟"
رأته يقطب بشدة و يسألها فجأة:
" اسمه يانيس سانتو ؟؟"
" هذا ما قاله العظيم روكو ايميليانو... اتهمك بخطف خطيبته... و يظن بأنني هناك كي استذرج شقيقته الصغيرة خارج القلعة كي تقوم أنت بخطفها..."
" هراء.." ثم منحها ظهره، رأته يقطع المسافة بينها و بين المكتب، يجلس عليه و ينغمس فجأة في الأوراق أمامه، بقي في مكانها حائرة لردة فعله، رأته فجأة يهز عينيه نحوها:" هل مازلت هنا؟؟"
" لكن... أنت لم تمنحني اي رد..."
" لا أملك أجوبة لهراءك ناومي... لا أعرف من هو روكو او يانيس أو ما علاقتهما بوجهي الذي رأيته في مكتبه.. أظن ان الجميع يخطئون الشخص... و من الأفضل لو تركزي على شقيقتك و تقنعيها بأن تتوقف عن ملاحقتي... لأنني عازم على الطلاق و لا شيء سيغير رئي..."
حان دورها كي ينسحب الدم من وجهها، أبقت فاهها فاغرا، عندما قرر والدها و ايموجين مفاجأة كيليان بحضورهم السباق و جدتها فكرة جيدة، لسيما و هي تتحرق لمكالمته منذ عودتها من ايطاليا،هجوم روكو عليها أرعبها و كان عليها البحث عن الاجوبة لكل التلميحات التى تركها معلقة في ذاكرتها، لكن على ما يبدو كيليان غير مهتم بالمرة بالموضوع، حت انه يقول بأن الكل يخطئ الشخص، كل اهتمامه هو رمي ايموجين من حياته:
" ظننت أنكما تتفقان مؤخرا؟"
" سنتفق عندما تنبت الاجنحة في ظهرها... أوكتافيا سبب ممطالاتي... ايموجين تستمر بإستغلالها للبقاء... "
" للبقاء..." اقتربت من مكتبه بينما ينفجر غضبها:" اي بقاء هذا منحته لها؟؟ هي من طلبت الطلاق في المرة السابقة و انت وضعت شروطك المذلة لإعادتها بالقوة ثم تتهمها بملاحقتك"
" أخطأت التقدير و هذه المرة أريدها خارج حياتي..."
هزت رأسها موافقة:
" أختي ستكون أفضل بدونك ... انها تستحق الأفضل...انها امرأة رائعة و ناجحة و كل الرجال يتمنونها "
ادارت له ظهرها بينما الدموع تملأ عينيها، كانت تشعر بالقهر و التعاسة من أجل شقيقتها المسكينة، هذه الأخيرة تعشق كيليان بكل كيانها، كما أن موقعه الاجتماعي يناسبها ايضا و تفخر بزواجهما، المسكينة ستتحطم بالتأكيد، توقفت عند الباب و انتبهت الى ان كيليان يتابعها بنظراته الثاقبة:
" لن أنسى موضوع الايميليانو و سأعثر على الاجابات التي تتجاهل الرد عليها..."
" افعلي ما يحلو لك ناومي..."
تجاهلت جليديته و قالت:
" أنت نسخة مطابقة للرجل على اللوحة، لو لم تكن ابن جاك ارشيبالد لظننتك ابنه هو.." هزت كتفيها:" و لما لا في النهاية؟؟ فأنت غامض جدا مثل المستقبل, و لن استبعد اي احتمالات ..."
ثم خرجت هذه المرة و أغلقت الباب خلفها.
* * *
" أغفر لي أبتاه فقد أخطأت..."
كان للأب غزافيار صوت جميل. لكنته خشنة قليلا ، لكنها مطمئنة. كان يبدو لطيفًا ومهتمًا ، انتظرت دانيلا حتى كانت الكنيسة فارغة قبل الدخول إلى غرفة اعتراف للكاهن ، كنيسة القديس نيقولاس كانت مغيرها من الكنائس الصغيرة و القديمة العتيقة، لم تنم طيلة الليل بينما تنتظر موعد الكاهن غوافيار لياخد اعترافات المؤمنين، وهي ليست كاثلوكية، أو حتى مؤمنة، لم تعترف في كل حياتها لكاهن، لكنها تعرف طريقة الصلاة، حاولت اختراق جذار الخشبي بالارابيسك بينها و بين الكاهن لكنها لا ترى سوى خياله:
"صلى لـ لله من أجلي يا أبي ، فقد مر وقت طويل لم أصلي فيه"
" التسامح مع نفس مهمة... لن يغفر لك الرب ان لم تستطيعين مسامحة نفسك... كل الاخطاء يتم الصفح عنها" عصرت اكثر اصابعها التي بدأت تتنمل بسبب الضغط عليها و قالت:
" وقعت في حب رجل محرم أبتاه... يحمل دماء من انهى حياة والدتي..."
" تابعي..." صوته الناعم و المطمئن شجعها على المتابعة لرؤية ردود افعله، ربما لا تراه لكن يمكنها معرفة ردود افعاله من خلال صوته.
" انا منبوذة الاصل فهل سيغفر الرب لأمي؟" سالت دانيلا وهي تعود لتعصر على اصابعها:" تم معاقبتها بسجنها و اخد طفلها منها، و اكتشفت ان من احب ابن من قرر الفصل بيني و بين امي" تصدع صوتها" كل هذه الحقائق اكتشفتها من مذكرات مهملة و غير واضحة، من ظننتها أمي هي خالتي، أصبحت في حالة ضياع و تدمرت حياتي... "
ضجيج من الجهة الثانية أجبرها على الصمت، الكاهن قرر كسر الحواجز و الخروج من مخبئه، كان رجلا في نهاية الاربعينات، نظراته احتوتها و بدى فجأة و كأنه لا يصدق نفسه، انها متأكدة بأنه يقارن بينها و بين والدتها اليونور، لا تعرف كم مضى من الوقت وهو يراقبها بنفس التعابير المتضاربة، ثم فجأة تراجع و تغيرت تصرفاته.
" هل تعرف شيئا عنها؟؟ المرأة التي كنت تأتي كل أربعاء لتصلي من اجلها؟..."
" مات ربنا يسوع المسيح من أجل خطايانا . هل تفهمين يا ابنتي ؟ ان كنت تحبين ذلك الرجل فلا تحكمين عليه من خلال تصرفات والده... امنحي نفسك فرصة...."
" أنا هنا للحصول على أجوبة... أنا محاصرة... أريد أي جواب شافي...أنا متعبة أبي "
" ثقي بالرب مخلصنا و اعلمي انه خلاصنا و تعلمي تقبل واقعك و عي حياتك بعيدا عن النذوب و الجروح" هذه الاحجية التي يصدقها المؤمنين يمكنه الاحتفاظ بها لنفسه، تعرف بأنه يتهرب بلباقة و تراه مستعجلا فجأة للتخصل منها، تقسم انه يعرف أكثر مما تتوقع هي نفسها:" سأصلي لله كي يغفر لك و لوالدتك ، دعي ربنا يأخذ جروحك عنك"
امتنعت عن هز عينيها الى السماء، منحت الكاهن امنيته بهجرها سريعا، عادت لى سيارتها بعزم أكبر، يمكنها مراقبته عن كبث، يمكنها اكتشاف ما يرغب بإخفائه عنها بشدة، انه يعرف اليونور، كما يعرف يانيس، يعرف ظروفها شخصيا، حتى ان شهادة ميلادها مزورة و تجهل هل ولدت في مدريد ام هنا... تريد اجوبة بحق الجحيم.
مرت نصف ساعة قبل ان يظهر الكاهن مجددا، كان قد ركب سيارة قديمة، بدى مستعجلا لدرجة انه اخفق في ادارة محركها مرتين، كل شيء فيه يدفع شكوكها و فضولها الى حده، فلترى اين يمكن ان تصل في اسرار الثلاثي اليونور و خوسيه و الفونسو.
لكن قبل أن تدير عجلة القيادة لتتعقب الكاهن غوافيار رن هاتفها الخلوي فاستعملت الاتصال عن بعد لترد:
" هل وجدتهم؟؟"
" نعم أيتها الثرية الصغيرة..." قال الرجل بلكنة رضى:" مرّي على بيتي بالمبلغ المتفق عليه و سأعطيك عنوانهم"
* * *
كانت كعب روبي العالي يضرب على الأرضية الامعة لرواق المستشفى في اثينا، يعشق سيزار رؤية زوجته سعيدة و متحمسة، ما ان استلما رسالة نيوس ليونيداس حتى طارا الى أثينا حيث ديامانتي التي انجبت في فجر هذا اليوم، كان الجناح الطبي غارقا في الورود المختلفة الألوان، ديامانتي في سريرها، آريوس بين ذراعي والده، الاثنان مأخودان بالطفل الصغيرة الملتحفة بالوردي، شعر بقلبه يذوب بين ضلوعه بينما تسقط عيناه عليها، روبي لا تتحكم في عواطفها، رآها تنفجر في البكاء بينما تضم الطفلة و الام الى قلبها، صافح سيزار رجل الاعمال اليوناني بينما اريوس تهلل وجهه برؤيته و اسرع بالارتماء بين احضانه:
" لم تعد وحيدا أيها الطفل الجميل... أصبح لديك شقيقة الأن..."
" انها جميلة..." قال آريوس بفخر، من الجيد ان يتكلم اللغتين معا الايطالية و اليونانية.
" إنها كذلك..." أكد سيزار وهو يدنو من وجنتها المدورة ليقبلها.
بينما تدخل روبي في سلسلة لا منتهية من المدح للصغيرة و تؤكد بأنها تشبهها هي لا والدتها فضل سيزار قطع كلامها ليقم التهاني لتوأم زوجته:
" شكرا لحضوركما سيزار... تسعدني رؤيتكما حقا..."
" و نحن ايضا.. أتمنى أن الولادة مرّت بشكل جيد.."
" ديامانتي قوية... كانت رائعة جدا و انا فخور بها..." شرح نيوس وهو ينحني ليطبع قبلة على جبينها:" أحبك..."
" أنا أيضا أحبك..." أجابت ديامانتي بإبتسامة مشرقة للغاية، بدت سعيدة و جميلة و تشع نورا، القى سيزار نظراته الى الطفلة الرائعة ليلتهم جمالها، كانت صغيرة جدا، صغيرة لدرجة انه يرفض الاقتراب و لمسها، تقول روبي بانها تشبهها، لكنه ليس موهوبا في التقاط الشبه أو شيء مماثل ، بالنسبة اليه الطفلة تشبه جدا دمية تفننوا صناعها في صناعتها، كيف لا ووالدتها شقراء فاتنة تسلبب الالباب و خالتها سمراء حسناء تخفي النساء من حولها؟ يكفي القاء نظرة على آريوس بجماله الملائكي لمعرفة أي حسناء ستكونها شقيقته الصغيرة.
" سيزار... ترغب ببعض القهوة معي؟؟" سأله نيوس بينما يوافق هذا الأخير.
" بكل سرور... "
ديامانتي مدت ذراعيها الى آريوس الذي يرفض مطلقا الابتعاد عن الفرد الجديد من الليونيداس، و نيوس يبدو مكتفي للغاية و سعيد... يبدو أنه وجد أخيرا سلامه الداخلي.
ما ان اخليا المكان حتى هجمت روبي على توأمها:
" يبدو مختلفا... من كان يصدق أن يقول لك نيوس احبك أمامي؟؟"
" أو حتى أمامي" أجزمت ديامانتي مخاتقة في ضحكاتها:" انه رائع جدا منذ عودتنا من لوس أنجلس... انه يرغب بإنجاح زواجنا بأي شكل من الأشكال...."
" هذا ما اراها و هذا جيد رائع للغاية...." قالت روبي بحماسة و هي تقبل رأس الطفلة النائمة بكل رقة و حذر:" و أخيرا أنت هنا... لقد انتظرناك طويلا نيسلي سولينا ليونيداس... تقسم لك عرابتك بألا يمسك ضر مهما كبرتي و ستبقى بجانبك في السراء و الضراء... ستكون صديقتك و كاثمة اسرارك..."
اختنقت ديامانتي في كحتها لكن بدت مترددة قليلا مما جعل روبي تتسائل:
" ما الأمر؟؟"
" نيوس منحها اسم والدته..."
اتسعت عيناها بذعر:
" كلا.!!.."
" لكن لا تقلقي اضفت اسمي نيسلي سولينا..."
أقطبت روبي، هذا لا يطمئنها:
" ما اسم والدته؟؟"
" ليم..."
" ليم؟؟ " ثم اعادت عينيها الى الصغيرة التي ترفض فتح عينيها لتتعرف على خالتها المتحمسة و التي تتعمد هزهزتها لايقاظها:" ليم تيسلي سولينا ...حسنا.... انه اسم خفيف وجميل يمكننا تقبله... انا سأستمر بمناداتها نيسلي..."
" ليم..." ردد آريوس وهو يمضع اصبعه، قذفته روبي بنظرات حادة:
" ايها الغادر... أصبحت في صف والدك هيه؟؟.... أنت الذي كنت في صف البنات و داعمهم الأول..."
يبدو ان كلامها يسليه، آريوس يعشق روبي، اكتفى فحسب بالاقتراب منها و تقبيل وجنتها بحرارة بالغة، شعرت ديامانتي بقلبها ينتفخ عشقا و فخرا بإبنها:
" انت تقوم برشوتي الأن... لا بأس" أمسكت بوجهه لتقبله بدورها:" أنا مجنونة بك و بشقيقتك آريوس... ستظل طفلي الجميل و المفضل فلا تقلق..."
* * *
الاستيقاظ في سرير آيا و نسيان كل تفاصيل و أحذاث ما حصل الليلة الماضية هو أسوأ ما يمكن أن يحصل معه لسيما في علاقة مهتزة و مليئة بالأشواك كعلاقتهما، وهاهي تتفادى نظراته كل الوقت، حتى انها تبدو هادئة و مسالمة أكثر من الازم، هل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟؟ أم أن وجود روكو و بريانا ما يجعلها كذلك؟ صديقه الوفي جدا لكلمته كان في قلعته في الصباح كما وعد، و للان يشعر بحاجز غير مرئي بينه و بين الافصاح، لكنه يتسلى بشدة برؤية ملامحه بينما برينا تذوب عشقا في التوأمين، لن تتأخر بمطالبته بطفل مجددا، فأي عذر سيمنحها هذه المرّة.؟!
في المكتب لم يمنع نفسه من الانفجار في الضحك امام تجهم ملامحه، راقبه يختار سيكارا كلومبيا من الصندوق الخشبي المزخرف على سطح المكتب، يشم رائحته قبل أن يضعه بين أصابعه دون ان يُشعله.
" ماذا كنت تتوقف بالضبط؟؟" سأله خوسيه متهكما.
" عموما... بريانا أوقفت حبوب منع الحمل منذ سهرتنا في مونتي كارلو..."
" تبدو متأكدا..."
" أبحث عادة في أغراضها..."
" لا اثر لأقراصها الصغيرة؟؟"
أمام تعبيره عاد لينفجر في الضحك، القى بالولاعة اليه و التقطها روكو لكنه لم يشعل سكاره، كانت نظراته تتفحصه بتمعن شديد، ثم سأله :
" كيف حالك أنت؟؟"
" أنا آسف بالنسبة للأمس..." تمتم ببعض الضيق.
" لم أطلب منك الاعتذار..." وضح روكو وهو يترك مكانه ليدنو منه ببطئ، يتفحص كل ردود أفعاله:" سألتك كيف تشعر؟؟"
لا يعرف الجواب لهذا السؤال لأنه يرتدي في كل مرة شخصية جديدة، الذكريات تعود الى السطح ثارة ثم تختفي و كأنها لم تكن، و توضيحات سيسيليا تنقصها المصداقية، أخبرته أن صدمة فقدان جده أدخله في هستيرية دفعت المادو لادخاله الى المستشفى بسبب التهيئات، كان يكلم جده الراحل كل الوقت مما اضطرهم للتدخل، اعترفت بأنهما اخضاه لعدة جلسات من التنويم لنسيان ذكرياته السيئة، و ليكن صادقا مع نفسه، لا يؤمن بهذه الاشياء، انه شديد الاضطراب داخليا، و احيانا يخيل اليه بان روكو يعرف عنه أكثر مما يرغب اظهاره.
" استيقظت في سرير آيا و لا أتذكر شيئا مما حصل بيننا" قال مكشرا وهو يمسد صدغيه:" لا اعرف ان كنت عاشرتها...؟ اغتصبتها ...؟ امضيت فحسب ليلة في حضنها؟... "
روكو يأخد هذه الكلمات بجدية بالغة:
" في خضم صراعاتك النفسية و العاطفية قادتك الحاجة اليها...هل ترى؟؟ "
هز خوسيه نظراته نحوه:
" أنا لا أرى شيئا و لا أحب تلميحاتك روكو... لست بحاجة لأحد لسيما اليها هي..."
وهذا يرعبه، ان اكتشفت آيا بأنه يعاني من عدة امراض منها الهلوسة فستستغل الموضوع ضده، ستسلبه حضانة ابنائه بكل سهولة، يكفي فحسب خبرة محامي شاطر.
" حاجتي لبريانا لا تنتقص من رجولتي..."
" بريانا راقية و سيدة بحق..."
" عيب آيا أنها من وسط بسيط؟؟" سأله ببعض الاصرار:" هل يجب أن أذكرك بأنك أنت من اختارها كذلك كي تمنحك التوأمين؟؟ خوسيه.... لم أعد أفهمك صديقي... أشعر أحيانا بأنك تكرهها لأنك في الحقيقة تحبها بشدة؟؟"
شعر خوسيه بالدم ينسحب من شرايينه، وبغض النظر عن مدى صعوبة محاولة صد هذا الشعور الغريب الذي يحدث في داخله في هذه اللحظة ، دائمًا ما يعود إلى نفس النقطة. أنه محاصر... محبوس في شرك، و الله يعلم كم يكره أن يكون مدين لأمرأة تحب غيره و تراه مثل الشيطان.
" مشاعري نحو تلك المرأة... تحوي العديد من الألغاز... انها غير مفهمومة, تماما كما كانت مع اليونور..."
وضع يده على كتفه، من المستحيل التخلص من هذا الاحساس بالنقص و الاختناق، اليونور لم تكن ملاكا، و هو كان شيطانا، كان عبارة عن شظايا سوداء متناثرة، هي حاولت انقاذه، لكنها احرقت فحسب جناحيها، حاولت الى أن يئست ثم وجدت الحب مع الفونسو، عاقته أشباحه منذ سنوات، مجرد التفكير في الأمر يجعل رأسه يدور... تلك الأشباح التي ظن والديه بأن حلها موجود في جلسات التنويم ، وضع يده على حلقه... أنه يختنق... يديه متعرقة ويتغلب عليه شعور مزعج. كما لو كان جزء منه يحاول تحرير نفسه من سلاسله... هو ليس حرا...لا أبدا... انه سجين نفسه... منذ البداية، ظن أن الخلاص في النساء، لكن نهمه لم يبعد الظلمة التي تتدفق عبر عروقه... بدل ان تشرق اليونور ظلمته مسها الضر منها الى أن اسودت روحها فهربت ... لم يكن يجب أن يدعها تدخل حياته...
" مالذي استفز كل هذه الذكريات خوسيه؟؟" سأله روكو بلطف.
هز رأسه بعدم فهم:
" خانتني ثقتي ... "
" خوسيه..."
هز نحوه نظرات مثقلة بالعذاب:
" أنا خائف على التوأمين... خائف الا أكون في المستوى المطلوب... هذا الوسواس و الهواجس، التشكيك في كل من حولي، الخوف من الجراثيم، الخوف من التعرض للخيانة و الأذى... مبالغتي في تكرير نفس الاشياء مرارا و تكرارا ممل جدا و مريب... و كأن هذا لا يكفي... لدي إدمان جنسي و اشتداد الشهوة مما يجعلني عاجز عن الوفاء..." توقف ليلتقط أنفاسه، يمسح على وجهه و شعره ثم يضحك على نفسه:" أكرر هذا و كأنك لا تعرفني... نحن صديقين منذ الطفولة، الوسواس القهري ابتدأ منذ تلك الحقبة... لا يبدو أن العلاجات أتت بمفعولها..." التقط نفسا عميقا، فجأة أصبح ثرثارا، مع روكو يحذث نفس الشيء و دائما، انه يمنحه الرغبة في الفصح عما يعصر صدره:" ثم تأتي تلك اللحظات... التي أحط فيها نظراتي على المادو... مقتنعًا بأن كل شيء سوف يسير بشكل خاطئ ،أخشى دائمًا على كل شيء ومن أجل لا شيء ، وأتخيل باستمرار الأسوأ...التوقعات السلبية المستمرة تدور كحلقة في رأسي... "
" أعرف بأنك تعاني من القلق الاستباقي..." شرح له روكو متفهما.
" إنه خوف خرافي ، أتظاهر ، تقريبًا لدرء المصير، أنا واع لمرضي " تخللت أصابعه خصلات شعره مجددا وعاد يمسح للمرة الثانية على وجهه بعصبية:" كنت ارى الأسوء في اليونور... لكنها تركتني من أجله لأنه كان اقل تعقيدا... أكثر نضجا... الفونسو كان رائعا و افضل مني.... ثم هناك في داخلي ذلك الاحساس المريع بالظلم... بالرغم من أنني المسؤول عما آلت اليه الأمور... لهذا أعرف سلفا بأن آيا... لن تبقى... و سوف ترحل... وقد لا يتحملني التوأمين ما ان ينضجا و يعيا و يدركان بأنني... لست طبيعيا..."
" هناك علاجات للوسواس القهري خوسيه يمكننا أن نجد أفضل الأطباء..."
هز كتفيه راميا بالفكرة جانبا:
" كي تستغل آيا الأمر و تختفي مع التوأمين..؟؟"
" تظن حقا بأنني سأسمح لها بالاختفاء مع أبنائي بالمعمودية؟؟" سأله روكو بجدية وهو يقطب جبينه:" قد لا أكون مندفعا مثل يانيس لكن عندما تتخد الأمور الطرق التي لا تروقني فأنا أستعمل أساليبه... انسى أمر آيا و لا تتخيل الأسوأ و لا تكن سلبيا... خوسيه... أنت بحاجة للعلاج... و مهما يحذث... مهما يكن، سأبقى دوما الى جانبك... أنت تثق بي هيه؟؟"
" بالتأكيد أثق بك" كرر خوسيه و كأن الأمر لا يستحق حتى التفكير في امكانيته:" أحتاج لأتغير روكو... من أجل أن أكون في نظر التوأمين بطل و ليس رجل مثير للشفقة تماما كما أنا في نظر آيا..."
" أنت تركز كثيرا عن وجهة نظر آيا و رأيها بك..." نبهه روكو وهو يعقد ذراعيه فوق صدره:" الا تظن بأنها أكثر أهمية مما تحاول ايهام نفسك به؟؟ "
" التوأمين ما يهمني أمرهما... تلك الفتاة ليست سهلة بالمرة... انها ذكية للغاية و تعرف تماما ما تفعله... لقد انشأت شركتها في غضون أشهر قليلة و في بلد ليس بلدها بينما تستمر في دراستها الجامعية و تحصل على تقديرات أستاذتها... "
هز روكو حاجبيه و قد لمعت عيناه بتسلية:
" و كيف عرفت بأنها تحصل على التقديرات؟؟"
" لأنني استعلمت عنها بالتأكيد..."
انفجر روكو في الضحك:
" خوسيه انت متيم بتلك المرأة... توقف عن ادعاء العكس... حتى مع اليونور لم تكن متوفرا لهذه الدرجة... كنت تتذكرها عندما تنتزع ثيابها أمامك..."
خوسيه لا يملك رغبة للضحك، لأن ملاحظة روكو مزعجة و ليست مسلية، اقترب من طاولة الشراب و مسح كأسه مرارا و تكرارا الى ان استوقفه روكو كي يسقي نفسه كأسا، التقط هاتفه و بحث ضمن الصور الى أن وصل الى غرضه، روكو الفضولي أمام المحتوى الذي ينشره أمامه سأل:
" ماهذا؟؟"
" مذكرات آيا... انها بالتركية أحتاج لشخص ثقة كي يترجمها لي, قد أكتشف الى ما تخطط من وراء ظهري..."
أمسك روكو بالهاتف و تطلع الى الشاشة، كان هناك أكثر من صورة، عدد لا منتهي من الصور التي التقطها خوسيه لكل ورقة من المذكرات:
" سأحاول الترجمة..."
" تفهم التركية...؟؟"
أومأ بالايجاب و بدأ بالقراءة، فهم خوسيه بأنه يسخر منه عندما نعثه بالغبي في آخر الجملة، استعاد هاتفه و وجه اليه نظرات قاتلة بينما عاد روكو ينفجر بالضحك، عندما استعاد جديته قال بهدوء:
" سأجد لك من يترجمها خوسيه ان كان هذا سيطمئنك..."
لا شيء يطمئنه، ماذا يمكن أن تكون هذه المواقف اليومية ، أكثر أو أقل تعقيدًا ، مستعصية الحل بالنسبة لبعض الناس... بالنسبة اليه خاصة، حالته مستعصية...إنها حالة على حدة تقريبًا.
أتت من الطفولة...المراهقة ... البلوغ، شيء الذي لم يتغلب عليه و الذي تيبس في الماضي ... لا يوجد ملف تعريف نموذجي كما قال طبيبه. {ليس من غير المألوف أن يعاني الأفراد الذين يعانون منه من صعوبة في تحديد أي محفز لأنفسهم..}. .. لم يعش في بيئة قلقة كي يعاني بهذه الطريقة، كان الابن الوحيد لأسرة تفننت في تدليله و منحه كل ما يحلم به أي طفل في العالم، حتى ان والده لم يكن بقسوة و لا سيطرة يانيس ايميليانو، من يجب أن يعاني من الاختلال هو روكو... فهذا الأخيرة تعرض لسلسلة صدمات منذ طفولته مع أب يرغب به كاملا و لا يسمح بالخطأ... و مع ذلك... لا عواقب وخيمة على شخصيته القوية، لا تجاوزات نفسية، لا تجاوزات جسدية، لا أزمات رهاب، لا قلق استباقي و إنكار و عزلة... بل هو ... من يساند و يمد يده نحوه كما فعل منذ أن كانا طفلين صغيرين يسبحان خفية في المكان المحضور و يقومان بأسوأ ما يمكن ان يقوم به طفلين بعمرهما، ثم سمع نفسه يكشف على أقرب الأماني لقلبه..
" أريدك أن تتبنى التوأمين ان حذث لي مكروه..." نعم... الطفلين سيكونان بأمان مع رجل بقوة روكو.
استرخت ملامح هذا الأخير و اقترب نحوه أكثر كي يمسك بذراعيه و يجبره على النظر الى عينيه كي يمرر له صدق الكلمات التي أعقبت:
" لن يحذث لك مكروه... سوف نتجاوز المحنة معا... أعدك."

ملك جاسم likes this.

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:10 PM   #3817

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن عشر

تفحصت فيرنا لمرة لا تعرف عددها مجمل الوثائق و الدلائل التي ارسلها لها سانتو في هاتفها، انه حقا بصدد الطلاق و هذا قبل أن يجمع القدر بينهما، اذن فلم يكذب عليها؟ و هي ليست السبب في هز هناء أسرته؟! لكن الحاجز بينهما نفسه و لا يتزعز ولا شيء سيغير رئيها.. هي لا تنوي الرد أبدا، هذا الرجل الذي هز مشاعرها لن تقبل به في حياتها مهما فعل، انه محرّم عليها و ستمنحه فرصة التراجع، برئيها الأسرة مهمة للغاية، الم تكن تعسة لأنها لم تحصل أبدا على يوم واحد بين والديها؟ انها ترى نفسها في ابنته، تلك الطفلة تتألم بالتأكيد بسبب فراق والديها و لا تنوي أن تشارك في حزنها، لسيما ان تراها تأخد مكان المرأة التي يفترض أن تبقى للأبد بجانب زوجها.
عادت تقرأ مجددا رسائله، أصبحت كلماته الأخيرة ناشفة، انه عصبي لأنها تستمر في تجاهله، و ماذا بيدها فعله؟ لقد كانت واضحة للغاية معه في تلك الجزر الشاعرية، أخبرته بأنها لن تدخل علاقة مع رجل متزوج، و لتكون صريحة مع نفسها... لا تريد دخول علاقة بتاتا...
أهذافها واضحة، و تنوي الطيران في نهاية الشهر الى كينيا كما هو متوقع و ستنسى سانتو، جورجينا و كل ما يؤلم صدرها، و كأن هذه الأخيرة تعرف بأنها تفكر فيها رأت رقمها على شاشة هاتفها، ان تعمدت عدم الرد فهي تعرف عنادها، ستجدها في البيت قبل أن تغرب شمس اليوم:
" ما الأمر ؟؟"
" لما لم تسحبي شهريتك؟؟" سألتها والدتها بصوت حازم.
" تبدين متفاجئة..." قالت فيرنا وهي تعصر على ركبتها المتألمة بأصابعها:" كنت واضحة معك في آخر مرة، لا أنوي أخد فلس منك بعد اليوم..."
" لماذا؟؟" سألتها والدتها، بدأ صوتها يفقد من حزمه:" لأنني قلقة عليك و أرفض سفرك الى بلاد غريبة؟؟"
صمتت فيرنا، فكرت في الدير مجددا، في الأم ماريا، كي تمنع نفسها من أي تحرش في كينيا أو حتى من محاولات جورجينا لإدخالها بالقوة الى عالم ترفضه بالمرة... أمامها فرصة لحماية نفسها من كل المطامع:
" قررت تكريس حياتي للرهبنة! "
جورجينا اختنقت في صوتها لدرجة أنها لم تستطع نطق 'ماذا'؟ بالطريقة الصحيحة، تحب ارشادات الأم ماريا و صوتها الحنون، و تعرف بأنها خلقت كي تساعد الناس و لما التعمق في خدمة الله أيضا؟؟ لم تتخد حقا قرارها الا انها تعرف بأنه الأصح لانقاذها من مطامع أمها، أو حتى من اصرار سانتو الذي يبدو بأنه يحمل لها أكثر من حب عابر، انه نوع من الهوس و تعرف بأنه لن يتأخر بالقضاء على مقاوماتها، لأنها... في أعماقها، تشاركه هذا الشغف... تحلم ليلا برجل متزوج و هذا يشعرها بالعار... قلبها يتمزق و لا وقت لها لمواجع الحب المستحيل.
" هل تريدين قتلي؟؟" سألت جورجينا بصوت محطم عندما استعادة سيطرتها على مشاعرها:" هل تنوين القضاء علي؟؟ لما تفعلين بي هذا لماذا؟؟"
أغمضت عينيها تشعر بالذنب بينما تلمح غصة في صوت أمها، لكنها تقوم بالصواب بإبعادها.
" أجهل لما قراري يفقدك صوابك؟؟"
" كل قراراتك تفقدني صوابي لأنها كلها خاطئة..." صرخت بها أمها من الجهة الثانية لدرجة أنها شعرت حقا بحريق كلماتها على وجهها:" سفرك اللعين الى كينيا و الأن... و الأن تقررين بين لحظة و أخرى أن تغلقين نفسك في الدير؟؟"
" أريد الذهاب الى كينيا كراهبة ... بهذا... لن يمكنك القلق علي..."
" تستخذمين الرهبنة لحماية نفسك..." أجزمت جورجينا غير مصدقة:" فلانتينا... شيء ما حذث لعقلك... أنت لا تعرفين معنى التفاهات التي تلقين بها... لكن بحق السماء الا تنظرين لوجهك في المرآة؟؟ أنت خلقتي كي تكوني نجمة... أنت رائعة الجمال يا ابنتي لما تريدين بكل قوة دفن هذا و تجاهله؟؟"
منذ صغرها و هي تغني في جوقة الكنيسة الصغيرة للقرية، انها دوما بصدد مساعدة الراهبات و حتى الكهنة في كل المناسبات و ربما هذا ما دفعها للوقوع في حب الأعمال الخيرية، لكن ان تنضم اخيرا الى الدير الذي طالما انتمت اليه لا يشكل لها أي عائق، كما أن الأم ماريا تراها مناسبة لخدمة الله و من قدرتها على حياة البتولية، وعموما... لا ترى نفسها قادرة يوما على الزواج أو حتى الحصول على أطفال.
" فلانتينا... حبيبتي..." اعادها صوت جورجينا، مكسرا:" أعرف بأنني أخطأت بحقك كثيرا لكنني هنا اليوم لأكفر عن أخطائي... ان كنت بصدد فعل هذا لمعاقبتي فأخبرك بأنني دفعت الثمن منذ أن فقدت والدك... كنت أحبه بشدة و رغبت بالاستمرار معه الا ان زوجي آنذاك رفض الطلاق هل تفهمين؟؟ كنت مستعدة لأدير ظهري لأبنائي بلا استشناء فقط لأكون معك و مع والدك"
" أنت تكذبين..." شهقت بينما ترفض استعاب هذه الأعذار المخزية، كيف لها أن تدير ظهرها لخمسة أبناء؟؟ 'ميرابيلا' ثم 'كوزيما' 'و سيزيا' توأمتين.. 'سيزار'و أخيرا 'دوناتيلا ' مدللة الكوستانسو، ثم قررت جورجينا خيانة زوجها المريض مع شاب في مقتبل العمر كي تحمل بها هي، دومينيكو كوستانسو لم يكن غبيا و عرف بأنه من المستحيل ان يكون حملها منه، بعد سنتين من الحب السريري بين والديها اتت هي الى الحياة..." أبي جسد لك الاغراء التام، وجه وجسم جميل أثار رغبتك لوقت قصير فحسب... توقفي عن اختلاق الاعذار جورجينا لأنني لا أصدق بأن امرأة مثلك يمكنها أن تدير ظهرها للنعيم الذي يضمنه زواجها من الكوستانسو "
" فلانتينا أرجوك اسمعيني... سوف تدمرين حياتك"
لكنها أغلقت الخط، لم يعد بإمكانها تحمل صوتها، ان كانت رغبتها في الالتحاق بالدير عابرة فهي اليوم واقعية أكثر، انها الطريقة الوحيدة التي ستنقذها من والدتها، و ايضا... من مشاعرها المحرمة لرجل متزوج.
* * *
البحث عن الهوية، البحث عن الحقيقة، البحث عما فعلته حقا الحياة بالشخصين الذين يجري دمهما في شرايينا، من هي المرأة التي ورتثت كل قسمات وجهها؟ خائنة مراوغة و متلاعبة أم ضحية أناس أصحاب نفوذ؟ و الرجل الذي ورتث عيناه الذهبيتين؟ هل هو مغتصب سافل بلا ضمير أم أنه ضحية مثل والدتها؟ كل هذه الأسئلة تدور بلا توقف في رأسها و ستجن ان لم تجد لها جوابا.
الجار منحها عنوان الهاربين، في الواقع هربوا أميالا عن مالقا، هذه الأميال التي تبلعها سيارتها بلا أدنى جهد، مسحت الدموع من عينيها، انها قوية نعم، لكن التعب النفسي و الجسدي تمكنا منها في النهاية، انها ترغب فحسب بمعرفة الحقيقة لا قتل أحدهم، و بما أن الجميع يرفض منحها أجوبة فهي متأكدة بأن القصة أكبر مما قاله روكو و والدته، أبقيت عيناها على الطريق بينما بحثت في العلبة الأمامية عن الصورة ووجدتها بسرعة، و ضعتها أمامها لترى اليونور بنظرات تعسة و ابتسامة حزينة تحمل طفلة بين ذراعيها، وهي تلك الرضيعة ... كانت عوارض النفاس عليها، لكن كيف للمرأة التي ربتها الا تنبس بكلمة لها؟؟ أو حتى ترك رسالة لعينة في حال حدوث شيء؟؟ لما رآى الجميع أن الصمت أفضل الحلول اليها؟؟ ضمت الصورة الى قلبها بشدة الى أن شعرت بأصابعها تحرقانها تحت الضغط، عادت الدموع تنهمر على خديها فتركتها تنزل لعلها تبعد هذا الضغط المريب من صدرها، البحث عن الهوية... كم هذا مؤلم الا تعرف لمن تنتمي حقا و ما حدث بالضبط لوالديها الحقيقين و ما دخل خوسيه في كل هذه الدراما.
خوسيه التي اختارت أن تكون عرّابة توأميه و أقسمت أن تحميهما كل حياتها، الرجل الذي سهر عليها بعد أن استلم وصايتها، صحيح انه لم يكن دافئا يوما، كان يعيش زواجا تعسا للغاية، تقلباته المزاجية الشديدة جعلتها دوما حذرة، لم يتقرب منها سوى مؤخرا، عندما حصل على التوأمين الذين منحاه رغبة في الإستمرار بعيش حياته بطبيعية.
استمرت دموعها في النزول الى ان جفت من تلقاء نفسها، استعادت رباطة جأشها ما ان لمحت مدخل los pueblos blancos، رغم تعاستها ميزت مناظرها الطبيعية الجميلة والمميزة. تقع القرىة البيضاء على قمة التلال مما يجعلها تبرز من بعيد، الدليل الالكتروني يدلها على اتخاذ طريق فرعية، خففت السرعة كي تترك مجموعة من السياح بالمرور، هز أحدهم يده اليها شاكرا، كان يملك ابتسامة شبيهة بإبتسامة اليساندرو، زمت شفتيها كي لا تنفجر مجددا في البكاء، كم تحتاجه بجانبها في هذه المتاهة التي قررت الدخول اليها لإكتشاف نهايتها، هذا اذا كانت لها نهاية.
" أنت من تدفعينه خارج حياتك بينما هو يصر على البقاء بإتصالاته و رسائله"
رددت لنفسها، اليساندرو لم يتخلى عنها، هي التي تخلت عنه، انه ابن يانيس ايميليانو، حتى ان قطعها الصلة بصوفي يجعل هذه الاخيرة تبحث عنها من خلال خوسيه و سيسيليا، اكتفت فحسب برسالة تخبرها فيها بأنها في فترة نقاهة شاسعة و تحتاج لأن تكون بمفردها... الوحيد الذي لا يحتاج لإذنها بالبقاء في حياتها هو روكو... يمكنه الدخول و الخروج متى شاء هي تعرف... لأن من ضمن كل أولوياته... مصلحة خوسيه تكون في المقدمة.
توقفت سيارتها في المكان الذي يشير اليه نظام تحديد المواقع، بقيت جامدة مكانها تتطلع الى البيت الأبيض بالحديقة العشوائية حيث نمت فيها كل أنواع الزهور مما جعلها متوحشة قليلا، تجهل ما ينتظرها وراء هذا الباب حيث يختبئ الراميريز منها، لكنها مضطرة لهذه المواجهة، انها بحاجة لمعرفة من تكون.
قفزت من سيارتها و احتك حذائها الجلدي ببعض الحدة مع الحصى، الحياة ليست صديقة... ليست صادقة، الحياة تمنحنا الفكرة العامة لموضوع كي تجبرنا على التقاط أبعاده، قد يعتقدها البعض محظوظة، ورتثت عينا الفونسو و ثروته الكبيرة، انها تنتمي لأرقى العائلات الاسبانية الراقية، حبيبها من الايميليانو، و تعيش في شقة رائعة تطل على سانترالبارك في منهاتن، ثم تستيقظ على حقيقة ان كل هذا بلا أهمية أمام سباقها مع رجل ميت تلاعب بماضيها، رجل مختفي منذ سنوات و يستمر بالتحكم بها كدمية خيوط... يانيس الذي لم ينجح الزمن بإزالة هيبته اللامنتهية، التقته في مناسبات قليلة، لكنه كان يحط عليها تلك النظرات التي تقول لها بأنها ضمن مجموعته الخاصة التي يضعها على الرفوف و يستمتع بها... انها بيدق من ضمن بيادقه التي يحركها كما يشاء...
دقت على باب المنزل و حبست انفاسها الى ان سمعت وقع اقدام و ظهرت فلاحة بعمر لا يمكنها تحديده، لكنها ليست عجوز، تطلعت اليها و عبست ثم شحب وجهها قبل ان تنادي على زوجها الذي شمت رائحته القوية حتى قبل أن يظهر، تفحصاها هما الاثنين بنفس الاصرار قبل أن يخرج الرجل ويغلق الباب وراها حاميا المرأة بين الجذران:
" مالذي تريدينه منا أيضا؟؟"
" يمكنني شراء المعلومات ان كان هذا يهدء من غضبك ..."
" سبق و تلقينا المال كي نختفي من تلك المزرعة... "
" ممن تلقيت المال؟؟" سألته بإصرار:" من يدفع لكم للتهرب من لقائي؟؟"
صمت الرجل، أخرجت دانيلا من حقيبة ظهرها دفتر شيكاتها و زركشت رقما قبل أن تلوح به أمام أعين الرجل النهمة:
" أعدك الا أخبر أحدا عما ستخبرني به... أعدك الا ترى وجهي مجددا ان حصلت منك عما اريد..."
مد يده الى الشيك لكنها أبعدته عنه قائلة:
" ستحصل عليه عندما تخبرني عن اليونور كورتيز... انا الطفلة التي كانت تحمل بها بينما تنغلق عليها جذران تلك لمزرعة...مالذي تعرفه عنها أيضا ؟؟"
أدخل الرجل يديه في جيب بنطلونه قائلا:
" اعرف انك ابنتها فأنتما تتشابهان كنقطتي ماء..."
هذه الملاحظة سحقت قلبها بلا رحمة:
" أريد أن أعرف ما حدث في الماضي... "
كانت تحترق على جمر الانتظار، الرجل يدرسها بتمهل، ان كان راغبا في تصديق وعودها بإلتزام الصمت، اذن فأحدهم يمنعها من الوصول الى الحقيقة؟؟ من هو؟؟ خوسيه؟؟ روكو؟؟ يانيس من قبره اللعين؟
" اسمعي... لم تكن تلك المرأة مسجونة لدينا لقد قمنا برعايتها الى أشهر حملها الأخيرة... السيد عاد ليأخدها الى ايطاليا..."
" السيد؟؟ تقصد يانيس ايميليانو؟؟"
بدى الانزعاج على قسمات الرجل، رباه... هذا الاسم يثير مشاعر كل انسان، حتى و هو ميت يستمر بالتسبب بالذعر لمن حوله.
" نعم... " بصق بصعوبة و كأن هذا يكلفه مجهوذا:" تلك المرأة لم تنجبك عندنا... بل في ايطاليا... "
لم تتمكن دانيلا منع نفسها من التعجب من تثبيت هذا الرجل معلومة جاره الذي اكد أن يانيس أخذ اليونور الى ايطاليا في أشهرها الأخيرة، ظهرت المرأة خلفه مجددا، في يدها ورقة مزركش عليها بالحبر الأحمر كلمات تبدو عصبية، التقطتها منها و تعرفت فورا على خط اليونور من خلال مذكراتها، وضعت يدها على صدرها تحبس العذاب الذي مزقه في هذه اللحظة:
" عكس ما تظنين لم نكن أعدائها... "
قرأت الكلمات مرات عدة دون ان تفهم المغزى، يبدو و كأنه عنوان، هزت عينيها الممتلئتين بالدموع نحو المرأة متسائلة:
" ما هذا؟؟"
" زركشت لي عنوانها في ايطاليا... كانت خائفة الا تعود... طلبت مني المساعدة ان اختفت اخبارها"
انهمرت الدموع على وجنتيها، لم تعد قادرة على التحكم في ساقيها، ركبتيها ترتعدان بشدة تحتها، مالذي فعلوه بها؟ مالذي اجرموه في حق والدتها المسكينة؟؟ والدتها الحبيبة؟!
" نحن لا نريد مشاكل..." قالت المرأة بصوت تتخلله الشفقة.
" لن أخبر أحداً عن هذا اللقاء أقسم لكما..." أكدت من خلال روحها المكسورة:" هل احتفظت بشيء آخر منها؟؟ "
رأت الزوجين يتبادلان النظرات، لكن الرجل سبق زوجته في القول:
" كم ستدفعين؟؟"
" هذا يكفي..." نهرته زوجته بصوت غاضب:" الم تتعب مع هذه القصة؟؟ هل يجب ان نستمر في عيش أشباحهم؟؟ " أعادت نظراتها اليها و قالت لها" و كأنها كانت تتوقع زيارتك ذات يوم... تركت لك عدة رسائل... لكن، لا أحد يعرف بها و قد يتسبب ظهورها بالكثير من المتاعب لنا... لقد أمرونا بإخلاء المكان ما ان وصل المتحري قبلك... لكنني لم أعد قادرة على تحمل هذا الثقل... اليونور كانت رقيقة معي... أنا مدينة لها لسيما و قد وافقت بإستلام أمانتها قبل أن يأخدوها قسر الى ايطاليا..."
هزت رأسها بينما عاطفتها تخنقها أكثر و أكثر، و كأن أفعى ضخمة أحاطت رقبتها و تشد عليها بكل قوة... اليونور تركت لها رسائل مع امرأة غريبة و لم تتركها مع ناديا التي هي شقيقتها؟؟ يبدو أن المرأة أحست بمعاناتها و بأزمة الرهاب التي بدأت تهددها، أمسكت بذراعها و قادتها نحو المنزل الأبيض.
بعد قليل كانت تجلس على طاولة خشبية، بين يديها فنجان حليب بالشوكولا، برئي المرأة هذا سيساعدها على تجاوز أزمتها، راقبتها تجلس أمامها، صندوق قديم بين يديها، وضعته أمامها و أخرجت ثمان رسائل محكمة الاغلاق، اذن فالمرأة لم تقرأ محتواها و وفيت بوعدها لوالدتها.
" كتبتها خلال حملها" قالت المرأة و هي تضعها أمامها، زوجها الواقف ورائها لا يبدو سعيدا بهذه الهدية التي ظن أنها ستجلب له الكثير من الأموال." ثمان رسائل... ثمانية اشهر حمل... قضت شهرها الأخير بعيدا..."
لم تتمكن من ابعاد عينيها عن الرسائل المصفرّة بفعل الزمن، تجهل ما كتبته لها اليونور في عز أزماتها، تجهل ما تحويه تلك الكلمات، فجأة لم تعد دانيلا الشجاعة التي تبحث عن ماضيها، أصبحت جبانة أمام حفنة أوراق تحمل رائحة الغموض.
" لقد أتى بها أهلها في شهر حملها الأول..." بدأت المرأة بالشرح:" كانت بعمرك و ربما أصغر بقليل... في البداية، صدقنا ادعاء والدها الذي اخبرنا بأنها تعاني مع عقلها و بأنها تعرضت للاغتصاب، لذا وافقنا على اخفائها من رجل ينوي الحاق الأذى بها، في البداية ... اليونور لم تدافع عن نفسها و عن اتهاماتهم لها بالجنون، لم نسمع منها كلمة خلال الشهر الأول و تعاملنا معها على اساس شابة متضررة نفسيا، لكنها عندما ادركت أن الكل قام فعلا بهجرانها أصبحت عنيفة، أظن لأن والدها وعدها بالعودة لكنه لم يفعل، و زيارات شقيقتها كانت متتالية لكنها لم تسمع كل توسلاتها، اكتشفت بأنها ليست مجنونة... بل شابة ينون تخليصها من حملها بكل الطرق... لم تكن ثرثارة و كانت لا تتوقف عن الكتابة و الكتابة، ثم في ليلة... تقربت مني و طلبت مني أن أرسل بضع رسائل عنها... تقول أنها لوالد طفلها... بأنه سيأتي ما ان يعرف بأنها مسجونة هنا و بأنه يجهل ان كانت حامل منه... "
" قالت ذلك؟؟" سألت دانيلا بينما الأمل يغزوها:" اذن فأبي لم يقم بإغتصابها؟؟"
هزت المرأة راسها بالنفي:" هذا ما حاولوا ايهامنا به... اليونور كانت عاشقة لوالدك... كانت متأكدة بأنه سيجدها و سينقذها و يعيش ثلاثتكم في سعادة..."
" الشيء الذي لم يحدث؟؟"
لم ترد المرأة اكتفت بالصمت و منحها نظرة أسف، عدة عناصر من مصلحتها تشويه صورة اليونور المسكينة، حتى بعد موتها تدفع ثمن علاقتها مع الفونسو... لكن شيء غير مفهوم بالمرة... اين خوسيه من كل هذا؟؟ وصيها عشقها لدرجة انه فضل الالتحاق سريعا بها بإهمال صحته، اذن فاليونور كانت تتوسل الفونسو في مذكراتها و ليس خوسيه، ثم تذكرت كلامه تلك الليلة، عندما تراجع عن صورة الملاك الذي تظنه قائلا:{ كنت حبيبا سيئا... لم أتمكن من الوفاء} ... مسدت صدغيها بألم بينما يعود كلامه اليها، رأسها سينفجر حقا، و لا تجرؤ للان على الاقتراب من رسائل والدتها، عادت تتفقد الورقة المزركشة بالأحمر، العنوان يشير الى منطقة ما في كابري بإيطاليا... اذن فهي خُلقت هناك؟؟
رأت المرأة تدفع بصندوق الرسائل نحوها :
" لا أملك ما يمكنني تقديمه لك غير أمانة والدتك... لا يمكنني مساعدتك أكثر من هذا..."
هزت برأسها متفهمة، أمسكت بصندوق الرسائل و ضمته بين يديها، تشعر بحرارة والدتها من خلاله...
" قد تجدين الاجابات المتبقية في العنوان..." همست لها المرأة مشجعة.
ابتسمت دانيلا ابتسامة تعسة:
" أتمنى ذلك..."
* * *
من الممكن تحليل السلوكيات والمواقف المختلفة المتعلقة بالسرعة، الفرضية القائلة بأن الجنس والسرعة متعادلان، وهو بالـتاكيد في أعلى نشوته بينما يترك العنان لسيارته في باحة السباق الخاصة بأرشيبالد، يعشق أن يجلس خلف المقود، أن ينسى كل ما حله ليجعل انجازه يهتز تحته، بعد خمسة عشر دورة حلبة بدأ يشعر بأن مزاجه يتحسن، لكن السرعة مثل الجنس، مثل الهروين، متعتها محدودة الفترة، سرعان ما عادت ملامح يانيس ايميليانو اليه، حازمة، قاسية، ملامحه شخصيا بعد عدة سنوات... ارتجفت أصابعه على المقود بينما يركز على الطريق المنعرجة أمامه.
{ مالذي آملته في النهاية؟؟ بأنني أقدم شهادات الميلاد للقيطين أمثالك؟؟ أنت لست سوى ابن عاهرة ... كنت أعاشر أمك فحسب و أرميها ما ان انتهي منها و ان كان يجب أن أبحث عن كل اللقطين الخاصين بي فالائحة ستكون طويلة للغاية... " راقبه يغادر مكتبه، يشمر على ساعدين قويين جدا مقارنة بسنه، يانيس رائع مقارنة بعمره، انه يهتم بجسده، يملك هالة السياسين و المجرمين في الوقت نفسه، انه شيطان بأجنحة من نار، وهذه النار أحرقته كما كلماته:" النصيحة الوحيدة التي سأعطيك أياها هي أن تختفي من أمامي و الا تظهر مجددا في ايطاليا... عش حياتك بعيدا عن ماضي والدتك الراقصة... فأنا لا أملك ما يمكنني منحك اياه، الولدين الوحيدين الذين أملكهما هما روكو و اليساندرو... أما فيما يخصك، فلست سوى ثمرة ليلة ساخنة لإمرأة أمضت لياليها بفتح ساقيها لكل من يمر في طريقها...."
خفف السرعة عندما نمت الاشارة الى أنه يبالغ في دفع المحرك لأقصاه، كان يضغط على فكه لدرجة يشعر به على وشك التحطم تحت المجهود، الدموع في عينيه اخفت عنه الطريق، هذا العذاب في صدره يأبى الاختفاء، كل الحقد و الكراهية التي ولدهما بشأنه كل هذه السنوات، يانيس فعل كل ما في وسعه ليبعده، ليكرهه، ليحتقره، لينبذ أصوله الايطالية، و في الوقت نفسه... منحه اسمه.
لكن لماذا و اين المعنى من تصرفاته القاسية معه في الماضي؟؟ ان كان يصدق المعلومات التي منحها له روكو ليلة اختطافه لبريانا فيانيس اشترى له مستقبلا بعيدا عن الايميليانو و ايطاليا، اشترى له جاك ارشيبالد، اشترى له النجاح، اشترى له مستقبل زاهر، و ان كان يصدق الاوراق فيانيس اعترف به بعد ولادته مباشرة، شهادة الميلاد تحمل اسم 'سانتو كيليان دافيس ايميليانو' و اكدت ناومي بأن اسم والده الكامل هو {Yannis Santo Davis Emiliano}... لم يكتفي بمنحه شهرته، بل اسمه كاملا... و كأنه يتقاسم معه الروح و ليس فقط الشهرة.
اذا كان يحبه حقا لما نبذه بحق الجحيم؟؟ لما تركه يكبر وحيدا بينما كان بإمكانه تبنيه و تربيته بين ابنائه كما يفعل الجميع... لما ابعده عنه و بأسوء الطرق؟
" أنا أفضل بدونك..."
هذه الكلمات كانت تشعره بالراحة من قبل، لكن هذا الفضل يعود الى يانيس، ان كان يقود هذا المحرك الشديد القوة فلأن رئيس العصابات الاجرامية الراقية رسم له هذا المستقبل، انه مدين له بكل شيء... كل شيء.
خفف السرعة بحركة جافة مما تسبب بدوران السيارة بشكل خطر للغاية، فجأة بدأ كل شيء يدور من حوله، و شعر بأن السيارة ستنقلب على سقفها، بعد عدة امتار أخرى شعر بها ترتطم بشيء صلب ثم تتوقف أخيرا، بقي مكانه بلا حراك، قلبه يخفق بسرعة، موجات مقدسة من الأدرينالين تندفع في شرايينه، كان ينظر أمامه دون القدرة على التحرك، غير مصدق بأنه مازال على قيد الحياة.
أغمض عينيه لتمتزج الدموع بالعرق، مد يده الى خودته ليبعدها ثم رأى فريقه يركض نحوه بينما يخرج من السيارة التي فقدت خلفيتها، لكن شعر بأن قلبه يتوقف عن النبض عندما اكتشف بأن فريقه يتوجه نحو الرجل الممدد على حافة الطريق، جسد طفلة بجانبه.
" أوكتافيا"
صرخ بكل قوة وهو يركض اليهما، بدأ عقله يسترجع الأحذاث، المكابح التي تسببت بدوران خطر للسيارة، ارتطامه بشي وهذ الشيء هي الصفائح الحامية التي تحطمت كليا، وصل الى ابنته التي كان نصف جسدها تحت... اليساندرو؟؟"
بكل قوته أخرجها من تحته، كانت فاقدة الوعي، ما ان وصل أعضاء فريقه حتى بدات ميغان بالشرح لاهثة، وجهها مصفر من شدة الصدمة:
" ركضت أوكتفيا نحو الساحة ما ان رأت سيارتك، اليساندرو حاول تجنيبها السقوط فسقطا معا بسبب الاصتدام...."
" أوكتافيا..." كرر سانتو و هو يصفع وجهها برقة بينما اهتم رجاله باليساندرو الذي أحذث صوتا متألما بينما يحاولون تقليبه على ظهره:
" هل هي بخير؟؟" سألت ميغان في الوقت نفسه الذي فتحت فيه اوكتافيا عينيها الزرقاوين و التقطت نفسا عميقا.
ضمها سانتو اليه بقوة، و احتل مكان الخوف و الرعب الغضب العارم، مالذي تفعله ابنته في ساحة السباق التجريبي؟؟ أين ايموجين بحق الشيطان؟؟
" اليساندرو ...." انحنى على أخاه الصغير الذي كان شاحبا مثل الأموات:" هل أنت بخير؟؟"
" لا استطيع تحريك ذراعي..."
" اللعنة..." زمجر سانتو قبل ان يبدأ بالصراخ على الجميع." اطلبوا الاسعاف حالا..."
بعد اربيعن دقيقة في المشفى الخاص، أشعة أوكتافيا أقل خطورة من أشعة اليساندرو، هذا الأخير كسر ذراعه، بينما اوكتافيا تعرضت لبضع رضوض، لم تقتل بفضل حماية هذا الأخير لها، أخبرته ميغان بأنه انطلق خلفها ما ان انتبه الى أنها تركض نحو ساحة السباق، لكن حاذتثه تزامنت مع وقوفهما في الحافة مما تسبب باختلال توازنهما، اليساندرو ضم اليه الصغيرة و عرض نفسه لصدمة الأرض... لو كانا في طريقه، لقتلهما على الفور، كل غضبه انكب على ايموجين التي اذرفت كل دموع الجسد، هناك شيء غير مفهوم... أوكتافيا تعرف بأن منطقة السباق محضورة كليا عليها.
دخل غرفتها بعد ان انتهى الطبيب من اعادة فحصها، وجهها الجميل متورم، تم تنظيف الدم من أنفها، شعر بقلبه يحرقه بشدة، دنى منها ليضمها مجددا الى صدره و يتحسسها كي يتأكد بأنا ماتزال على قيد الحياة، انه مدين لاليساندرو... كم القدر ساخر.
" أنا بخير أبي..." أكدت له بإبتسامة رقيقة.
" مالذي اتى بك الى حلبة السباق أوكتافيا؟ المكان خطر و انت تعرفين هذا جيدا.."
بدأت تتجاهل نظراته و تعض على شفتها السفلة بعصبية:
" أريد أن أكون معك كل الوقت..."
هذا التصريح جعله يدنو منها مجددا كي يعانقها و يضمها الى صدره بقوة، يحمد الله ان الحاذثة مرت على خير، ابنته بخير، اليساندرو بخير... بغض النظر عن الكسر في ذراعه... شم رائحة عطر ايموجين حتى قبل أن يراها، أوكتافيا القت بنفسها بين ذراعيها، راقبهما معا، متعلقتين ببعضهما البعض:
" لم نفقدك حببتي انت هنا" همست لها ايموجين بغصة.
" أنا بخير أمي..." سمع الصغيره تقول.
" لما ذهبت الى الحلبة؟؟ تعرفين انها ممنوعة عليك؟؟"
" أحب البقاء بجانب أبي..."
ابتسم لها عندما هزت نحوه نظرات معتذرة، مد يده ليلامس شعرها الأشقر الذي انزلق بين أصابعه، مسحت زوجته دموعها و تمتمت:
" انها المرة الأخيرة التي تتهورين فيها أوكتافيا.. أمنعك من التسبب لي و لوالدك بخوف مماثل... أعرف بأنك تحبين جدا البقاء بجانبه طوال الوقت لكنه رجل مشغول لذا أمنعك من التهور"
" الخطأ ليس خطئها..." وجهه سانتو الكلام اليها اذ لم يعد قادرا على التحكم في غضبك" لو لم تهمليها لما أتت الى الحلبة للبحث عن1ي..."
" تظن أنني تعمدت تعريضها للخطر؟؟" سألته بلهجة تتخللها الصدمة، مما دفع أوكتافيا للتدخل بينهما.
" أرجوكما لا تتشاجرا... "
النبرة اليائسة لأوكتافيا كانت بمثابة لكمة لمعدته، بلع هياجه و سعوره في ذاخله و دنى منها بينما تمد ذراعها نحوه، التقط يدها ليقبلها بحرارة ثم يبعد شعرها عن وجهها:
" نحن لا نتشاجر طفلتي... "
" بلى..." تمتمت وهي تغرس رأسها في صدره و تفرك وجهها في قميصه" لا أريدك ان ترحل مجددا ..."
قبل أن يجيب أخدت ايموجين الدور وهي تضع يدها على شعرها:
" لن يرحل أوكتافيا... "
رفض الهجران... هذا ما تعيشه ايموجين و يبدو انها وضعت بجدية نصب عينيها افشال كل محاولاته بالابتعاد، التقطت نظراتهما من فوق رأس ابنتهما، تعرف أن الاعتراف بالانفصال هو خطوة حاسمة في المضي قدمًا و الانتقال إلى شيء آخر، و لا يبدو أنها تنوي الاستسلام، يعرف بأن محاميه عاودوا الاتصال بها لاستئناف الاجراءات، وهي لا تريد مواجهة الحقيقة وتفضل إنكار أسباب الانفصال تمامًا، انها تعيش في حالة إنكار حاد سيؤدي حتمًا إلى تعقيد عملية تعافيها و يؤثر عن تعافي أوكتافيا.لن يسقط في نفس الأخطاء والفخاخ التي سبق و وقع فيها من أجل ابنته... يريد حريته ... يريد فيرنا.
" لن أرحل من حياتك أوكتافيا مهما بعدت بيننا المسافات... عليك الا تنسي أبدا بأن والدك يحبك بشدة..."
لوت شفتها السفلى، أوكتافيا ذكية، و يبدو انها انتبهت بأنه يقصدها هي فقط في هذا الكلام.
" لن تعود للعيش معنا في ميامي..؟؟"
" مهما يؤول اليه الوضع فلن يقل حبي لك... سأكون دوما بجانبك وقتما احتجتني هل فهمتي عزيزتي؟؟"
هزت رأسها بالايجاب و تشبتث به أكثر، هذا التوضيح العاجل كان بحاجته ليضع زوجته مكانها و كي تكف عن استغلال كل الظروف لقمع خططه:
" يجب أن أطمئن على اليساندرو عزيزتي، هو من قام بإنقاذك"
رآها تومئ برأسها الصغير الذي عاد يقبل خصلاته الشقراء الناعمة و يحمد الله ان اليساندرو كان في المكان و الوقت المناسب، عندما خرج من الغرفة اخد مكانه والدي زوجته و لوكا الذي كان ينتظر في الرواق اختفى كما ميغان، لم تكن أمامه سوى ناومي التي هاجمته ما ان رأته:
" تعمّدت فقدان السيطرة لأذية اليساندرو هيه؟؟!..." هذا أسخف ما قيل له في كل حياته، ان كان ينوي أخاه الصغيرة فبالتأكيد لن يؤذيه جسديا بل عمليا" روكو كان محقا في قلقه على عائلته... انت تلاحق أولائك الناس!..."
استدار نحوها و تبثها بنظرات جليدية:
" هل من الممكن أن تُخفضي صوتك؟؟"
" الى متى ترغب بإخفاض صوتي؟"
تقصد بالتأكيد سر الصورة المعلقة في مكتب أخيه، تنهذ و مسح على وجهه ببعض العصبية:
" صدقا ناومي... هذا اليوم هو الأسود في حياتي، كدت أفقد حياتي بينما أفقد السيطرة ثم اكتشف بأنني تسببت بإسقاط ابنتي التي كانت لتموت لو لم يتم انقاذها في الوقت المناسب... فهل تظنين بأنني تعمدت الاذى لها؟؟"
" ليس لها ربما له ولم تنتبه الى أوكتافيا بأنها في الجوار..."
" تفسيراتك مثيرة للشفقة!..."
تركها خلفه وهو يقصد غرفة الفحص مجددا، متمنيا ان يكون الطبيب قد انتهى من اليساندرو، الا انها التقطت ذراعه لتمنعه من الابتعاد، انها لحوحة مثل شقيقتها.
" ماذا أيضا؟؟"
" ما علاقتك بهم؟؟ لما تربط صداقة مع اليساندرو بينما شقيقه يكرهك بشدة؟؟ مالذي يفعله وجهك في تلك اللوحة.؟؟؟"
" ليس وجهي ناومي..."
" لا تظن بأنني سأتسلم...من الأفضل أن تخبرني الحقيقة لأنني لا أنوي البقاء على فضولي أو حتى غموضك"
" حسنا فليكن..." زمجر وهو يلصقها بالحائط خلفها و يقول بصوت منخفض:" انا ابن الرجل في اللوحة، و أقسم أن أخرجت كلمة من هذه الشفاه فسأعمل على الا تتكلمي مجددا لبقية عمرك"
عندما تركها تستعيد توازنها كانت قد فقدت كل جرأتها و شجاعتها، تتطلع اليه كالعائد من الموت:
" انت ابن جاك أرشيبالد..."
" بالتبني..." صحح لها بلهجة قوية، عليها أن تدرك بأنه لا يمزح:" هذه المعلومة لا يعرفها أحد سوى روكو و اليوم صرت تعرفينها ايضا... و ان قررت التحامق يوما... فليست حياتي فقط ما ستكون في خطر بل حياة أوكتافيا... هذا سري أنا و لا أنوي تقاسمه مع ممتهني ا الاشاعات و القيل و القال هل أنا واضح؟"
* * *
بريانا ملتصقة بالعرّاب على المقاعد الفاخرة للطائرة الخاصة التي تقوم بإقالتهما الى وجهتهما الأفريقية، بقي خافيير يراقبهما من مكانه بينما سانتياغو في المقعد على يساره لا يمنحهما قدر الاهتمام الذي يمنحه لهاتفه، انزلقت نظراته على الفاتنة السمراء التي تمنع رجل الأعمال من تفقد حاسوبه، انه يراه مسترخيا معها فقط، مبتسما، متخليا عن دفاعاته، بلع ابتسامته بينما يراه يستسلم لها و يهجر حاسوبه كي يأخدها بين ذراعيه و يجلسها على ركبتيه... هذين الاثنين... متعلقان حقا ببعضهما البعض... فكر بينما تقوم الجميله بهمس شيء في أذنه مما يدفع هذا الاخير للضحك.
وصلت المضيفة بالمشروبات، منحتهما طلباتهما و قادت عربتها نحو الثنائي الملتصق و الغير قابل للفصم، حول عيناه عليهما و اعادهما الى رجل روكو الأمين، أقطب بينما ينتبه للصور التي يتفقدها عبر الاسلكي، كان حساب صوفي في تويثر ، و سانتياغور يتفقد كل صورة و كل كلمة مكتوبة.
" تملك ضعف لشقيقة الرئيس سانتياغو؟؟"
هذا الأخير لم يهز عيناه نحوه أو حتى يخفي ما هو بصدد فعله:
" سيكون افضل لو اهتممت بأمورك لنفسك أيها الأحمق"
ضحك خافيير بخفث، القى مجددا نظرة نحو العراب الذي مازال يحتفظ بحبيبته فوق ركبتيه، اصابع هذه الأخيرة بين خصلات شعره، لكنها تحاوره بخفث و بسرعة وهو يبدو عليه الاهتمام الكامل، و كأن العالم تلاشى و لم يتبقى غيرهما... العرّاب مغرم.
" ستكون أنت الأخمق عندما يكتشف بأنك تتجسس على حساباتها!..."
" هذا عملي..." قال الرجل وهو يقوم بتكبير على جملة مكتوبة:" التجسس على حسابات صوفي هو عملي... و الأن هل يمكنك تركي و شأني و الاهتمام بأمورك؟؟"
كشر خافيير قليلا و استرخى أكثر في مقعده الفخم و المريح قائلا:
" لا أملك ما أفعله سوى ازعاجك سانتياغو..."
دون ان يبعد عيناه عن مقالات صوفي و سخافاتها و صورها دس سانتياغو أصبعه الأوسط تحت أنفه كرد أخير، مما جعل ابتسامة خافيير تتسع أكثر... هوايته الأكيدة و المسلية بعد التجسس عن أعمال روكو و هي دفع سانتياغو للجنون بملاحظاته، ان كان البرازيلي يظن بأنه غافل عما يشعره نحو صوفي فهو واهم، في كل مرة تكون مشكلة بين العرّاب و شقيقته المدللة، يضع نفسه بينهما، مستعدا لتلقي غضب الرئيس على رأسه مقابل حماية محميته الشرسة التي لا تعرف الاحتفاظ بلسانها داخل فمها... ولغرابة الأمر... الشرسة الصغيرة تتبخر قسوتها أمام سانتياغو فقط.
بما ان هذا الاخير لا ينوي فك التوثر بينهما و الذي يتعمده منذ التحاقه للعمل عند الايميليانو و الجميلة الفاثنة تحاول جذب العرّاب الى غرفة النوم الجانبية بكل ثمن فلم يتبقى له سوى النوم لأن أمامهم عدد طويل من ساعات الطيران ، عدّل وضعية مقعده و مد قدميه أمامه معترفا أن المكان أشد راحة من سريره في شقته الصغيرة في فلوريدا.
" حذائك نتن" سمع سانتياوغو يلاحظ بهدوء.
القى خافيير نظرة على converse القديمة المتناقضة مع رقي التصميم الذاخلي للطائرة، أمسك بقدمه ليقربها من أنفه قائلا:
" ليس حذائي سانتياغو انما هي ملابسك الداخلية..."
ثم أعاد رأسه الى الوراء و اغمض عينيه مبتسما بينما يسمع شتيمة رفيقه التي تعمدها واضحة في مسامعه ، ثم دون انتظار دس بدوره أوسط أصابعه في وجهه و اعاد يده اليه مسمتعا بإنتصاره الصغير.
وسحبه الماضي اليه بسرعة...
كان يكره سماع صوته، عندما يعود من العمل يصبح الجو في البيت كئيبا و انفعاليا و لا يُطاق، والدته السمحة تنغلق ملامح وجهها، تحميهم وراء ظهرها لتواجه وحدها غضبه الذي لا سبب له، انه ينفعل من اجل لاشيء، يدخل في نوبة غضب عارمة كلما سقطت عيناه عليه شخصيا، وهذه الليلة لا يبدو طبيعيا، دخل الى البيت بنفس الانفعال، بنفس الوحشية، سافانا مريضة، ملتهبة، حرارتها عالية و بالرغم من ذلك تحاول الدفاع عنه، لكن هذه المرة لا ينوي تركه يسلخ جلده بلا اي سبب، اليخاندرو ينزوي بعيدا في كل هجوم، سافانا أرتهما مخبأ في المطبخ، يهربان اليه كلما لاح الخطر، راقب توأمه يأخد برأسه بين يديه، يضغط على ادنيه كي لا يسمع أصواتهم العالية و المهددة، يرتجف مثل ورقة في مهب الريح، سفانا تلقت الضربة الاولى لأنها لا تنوي تركه يقترب منه، الضربة الثانية كانت اقوى و لطخ دمها وجهه و ذراعه، كل شيء يمر ببطئ كلقطة مريبة في فلم رعب، الاشياء من حوله لا تتحرك بالسرعة الاعتيادية، عيناه عالقتان على اسنان دييغو المصفرة من شدة الكحول و سجائر الحشيش، كانت النار تخرج من انفه و عيناه، يجن جنونه لأن بينه و بين ضحيته عائق، و هذا العائق هو والدته المريضة بالقلب و المحسوبة الأيام.... كان موتها مضمونا، فتستمر لحمايته مخاطرة بنفسها.
شعر بقبضة دييغو على كتفه، أصابعه تنغرز في لحمه، اليخاندرو يترك مكانه كي يندفع نحوه لحمايته، يتلقى هو الاخر ضربة ترميه في الطرف الاخر من الغرفة، والده مصاب بالجنون... يريد شفي غليله فيه لجرم لم يقترفه... هو لا يحبه بكل بساطة... تحسس خصره ووجد مراده، قاوم ليتخلص من قبضته القوية ووجه مسدسه الى وجهه فورا، الفوهة مهددة و اصبعه على الزناد مستعدا لقتله:
" اهدأ ميندوزا... "تحول وجه دييغو الكريه و المتجهم ببطئ الى ملامح ارستقراطية و نبيلة...العرّاب يجلس القرفصاء أمامه... يده القوية على كتفه و الاخرى على سلاحه ليبعده عن وجهه:" كنت تتخبط في كوابيسك هل انت بخير؟؟"
شعر بالدم ينسحب من شرايينه، يتخبط في كوابيسه؟؟ مالذي قاله بحق الجحيم؟؟ ببطئ اعاد سلاحه الى خصره ووضع فوقه كنزته، بريانا تقف وراء خطيبها، تتطلع اليه بقلق صادق، بينما سانتياغو يبدو مستمتعا للغاية بالعرض، حتى انه لم يمنع تفسه من منحه ابتسامة متهكمة و رفع نحوه كأس شرابه ... آه اذهب الى الجحيم!
" آسف... أظنني غفوت...!"
" هذا ما يبدو... " أجاب روكو وهو يبعد يده على كتفه و يستوي في وقفته واضعا كلتا يديه في جيوب بنطاله الكحلي ووجه كلامه لسانتياغو:" أسقيه كأسا... انه يرتجف..."
ادار لهما ظهره مع خطيبته بعد هنيهة، سانتياغو مد له كأسا تحت أنفه و همس له كي لا يسمعه غيره:
" أنت تصرخ مثل الفتيات..."
" اذهب الى الجحيم ..."
اتسعت ابتسامة هذا الأخير وهو يلقي بجسده الضخم - الملتحف بأفخر القطع عكسه- على المقعد، فهو يفضل جينزه الممزق و ال convers و كنزاته بشعاراتها المتعددة، أناقة سانتياغو لا علة فيها... يبدو كرجل أعمال.
رجل أعمال يخفي في حقيبة أوراقه بندقية رقمية بالغة الدقة... سانتياغو قناص ماهر للغاية... سانتياغو خطر.
بلع محتوى كأسه دفعة واحدة مما الهب حلقه و معدته لكن منحه الدفئ و ابعد الخوف عنه، بدأت حواسه بالهدوء، انتبه الى أن روكو هو من يثبته بنظراته ولا يزيلها أبدا... هل قال شيئا عن عمله؟؟ هل اكتشف العرّاب من يكون؟؟
* * *
بطاقة اعتمادها لا تعمل، بالكاد تصدق دانيلا هذا صباح اليوم الثالي بينما تحاول شراء بطاقة طائرة الى كابري من مطار مالقا، الموظفة أكدت لها أن بطاقتها لا تعمل و لم تقبل الشيك الذي اقترحته، ابتعدت عن الطابور لتسمح لأخرين بشراء بطاقتهم او منحها للموظفة، بقي ثلاث ساعات على مغادرة الطائرة و عليها ان تسرع بإيجاد حل ان رغبت بإكمال رحلتها في ماضي والدتها، جرت رجليها المرهقتين نحو الكراسي الخالية و رمت نفسها و حقيبة ظهرها عليها، رن هاتفها و رأت اسم خوسيه، اذن فقد توصل الى رسالة الرفض لبنكها:
" مالذي فعلته بحساباتي؟؟" صرخت فيه ما ان سمعت صوته.
" الطريقة الوحيدة لتجيبي على اتصالاتي" بدل الصراخ كان يتكلم بهدوء من الطرف الثاني:" أين أنت دانيلا؟؟"
فركت صدغيها المتألمتين بشدة، عينيها عادتا لسبحان في بركة من الدموع،انها جائعة، مرهقة و ممزقة، منذ ان غادرت القرية نحو مالقا لأخد الطائرة و راسها لا يتوقف عن التفكير و التفكير، أمضت ليلتها في فندق المطار ورغم وجود سرير الا انها لم تتمكن من اغلاق عينيها، كانت تدور حول الرسائل التي تركتها اليونور دون ان تقربها، و رغم كل فضولها الا انه لم تتمكن من فتحها..
"أين أنت ؟؟" عاد صوت وصييها للتكرير مع تشديد في لهدته المتغطرسة.
"أنا في الجحيم هل تعرفه؟؟" صرخت به مما تسبب في اثارة انتباه بعض المسافرين.
" بالتأكيد أعرفه لأنني أعيشه كل يوم..."
التقطت نفسا عميق و توسلته بصوت منخفض:
" أرجوك وصيي... أنا عالقة بدون أموال..."
" أين أنت؟؟" عاد ليصر بنفاذ صبر.
عادت تلتقط أنفاسها، ممزقة بين الاعتراف و الاحتفاظ بالامر لنفسها، ثم.. لا يمكنها الاعتراف له بشيء لايمكنها معرفة ان كان حاليا في صفها ام ضدها
" أحبك خوسيه..."
" دانيلا لا... انتظري"
قطعت الاتصال عليه... بقيت للحظات تحتفظ بهاتفها تحت ذقنها، عيناها مثبتتان على ارضية المطار الامعة، الناس تروح و تجي دون ان تمنحها اهمية، بدون مال رحلتها تتوقف هنا، لا يمكنها ان تخبر خوسيه عما تقوم به، ان عرف فلن يعجبه ما وصلت اليه من اسرار، ووعدت أولائك الناس ان تحتفظ بسرهم، اذن عليها ان تجد مصدر مال آخر... آيا... لا يمكنها ان تطلب مساعدتها لأن خوسيه يطلع على كل مصاريفها، سيسيليا سترفض لأنها دوما لجانب ابنها... بقيت تحملق للحظات اظافية الى الارض قبل أن تقرر كتابة رسالة... الكلمات تراقصت امام عينيها، أبقت أصابعها على الخانة الخضراء، تتردد لارساله و عندما فعلت اتصلت بها صوفي فورا:
" أيتها المجنونة قلقت عليك..." ابعدت الهاتف عن اذنها بينما صوت هذه الاخيرة ياتي مجلجلا" لما لا تردين ؟؟ أخبرتك بأن الأمر عاجل؟"
" كنت ... شديدة الانشغال مؤخرا اعذريني... كما انني على خلاف مع خوسيه... جمّد أرصدتي..."
" ماذا؟؟ّ" و بدل ان تسبه كما هي عادتها انفجرت ضاحكة من قلبها، ان كان الوضع يسليها فهي لا تدرك في اي معبر مريب تمر حاليا." آسفة عزيزتي... قبل سنتين تصرف روكو بنفس الطريقة معي ..."
" و لما لست متفاجئة...؟" علقت دانيلا متهكمة:" اسمعي... صوفي..."
" انت اسمعي..." قاطعتها صوفي متنهذة و قد التقطت انفاسها و استعادت جدّيتها:" اليساندرو يسأل عنك..."
" صوفي ليس الان رجاءا..."
" لقد كسر ذراعه جراء حادث.." سمعت صوفي توضح كأن صوتها آتي من مكان آخر:" وعدته الا أخبر أحدا... لسيما مجنون الحماية روكو...لكن بعدك يذبحه دانيلا، هو لم يقل ذلك حرفيا الا ان اسئلته عنك و طريقة كلامه... نبرته... صدقيني انه يعاني و أظنه يحبك أكثر مما توقعت"
شعرت بأن ارضية المطار تهتز تحت قدميها، لا بد أن صوفي لم تفقه لصدمتها اذ انها استمرت في الشرح و الشرح و الثرثرة مثل عادتها، اليساندرو تعرض لحاذث، هذا كل ما استوعبه عقلها، طلب من صوفي التوقف عن الكلام و هذه الأخيرة لم تفعل الا بعد ان صرخت بها بان تغلق فمها:
" اليساندرو في نيويورك؟؟"
" في شيكاغو..."
نعم... كيليان ارشيبالد، انها الفترة التي دعاهما لحضور السباق السنوي في شيكاغو، مررت يدها على صدرها جهة قلبها، كان يعتصر بشدة لدرجة تمنعها من التنفس بشكل صحيح، اليساندرو في كفة و ماضيها في كفة أخرى، لا تعرف مسار من تتبع في هذه اللحظة... أغمضت عينيها بشدة و عندما عادت لتفتحهما كانت وجنتيها مبللتين بدموع اليأس... هل يمكنها فقط نسيان يانيس ولو للحظة ووضع حقدها و كراهيتها جانبا؟؟
" هل هو بخير؟؟" سالت صوفي بصوت لاهث بعض الشيء و كأنها بصدد الركض:" مالذي حدث له بالضبط؟؟"
" انزلق على ما يبدو و دفعت ذراعه الثمن... هيا داني... اذهبي اليه... أعرف بأنك متيمة به رغم هذه القطيعة التي لا أفهم رأسها من ذيلها... "
هزت راسها بالرفض، لا يمكنها الذهاب اليه، انها قريبة جدا من الحقيقة، تشعر بأنها ستعرف ما يحاول الكل اخفائه عنها قريبا... لكن تخيل اليساندرو بذراعه المكسورة حاجته اليها تثلج حماستها... طالما وقف بجانبها في كل الظروف... حتى انه طلب يدها ليبعد خطط خوسيه بتزويجها.
" أحتاج للمال صوفي... هل يمكنك مساعدتي؟؟"
" بالتأكيد يمكنني... " أكدت بلطف:" عزيزتي داني... انا مستعدة لبيع روحي للشيطان مقابل رؤية خوسيه فاقد السيطرة... تجهلين المتعة التي اشعر بها حيال ذلك...أحب رؤية وجه خوسيه و روكو عندما تنفلث زمام الامور بين من ايديهما..."
رغما عنها ابتسمت دانيلا، صوفي لن تتغير ابدا، انها المناضلة القوية لحرية النساء و عدم اضطهادهن.
" كم أحول لحسابك؟؟"
" حساباتي مجمدة لا يمكنك تحويل شيء... لكن... على الفور اشتري لي تذاكر سفر..."
" تذاكر سفر الى أين؟؟"
فكرت دانيلا مجددا، رأسها يحرقها، عينيها تحرقانها، قلة النوم و التفكير و القلق مما يمكنها اكتشافه، تعرف بأنها فقدت الكثير من وزنها، من روحها، لقد اصبحت ظل نفسها مؤخرا، موضوع اليونور يلاحقها كالشبح ليل نهار، وهي مرهقة للغاية... مرهقة حتى آخر خلية... لكن الى اين تنوي شد الرحال في هذه اللحظة؟؟ الى ماضيها هي أم ماضي اليونور؟؟
* * *
{ عزيزي خوسيه...
صاحب الرجولة السيادية التي تسحق ناظرها... صاحب الأشباح المظلمة... صاحب مقولة 'الحب هو أفيون الضعيف ... نقص الوضوح... تمويه لطيف لممارسة الجنس'
أتيت الى أحضاني هشا و رغبت بفرصة لأن ما تشعره نحوي لا يُقهر... ثم استيقظت بفراغ في الذاكرة... تحاشيتني بكل الاساليب الممكنة... كنت آمل لو كانت تلك هي البداية حقا.
ما هو سر نكرانك للوقائع؟؟ دفنك لكل ذكرى لا تروقك؟! لا يبدو أنك تعيش أبدًا في الوقت الحاضر ولا تشعر بالارتياح أبدًا.
ثم تلتم شظاياك بوجوده... ذلك الشخص الذي تصبح أمامه رجل صغير لا يهمه سوى رؤية الرضى في نظراته، و هو من الوفاء بحيث يبحث عن نفس الرضى في وجهك...
عزيزي خوسيه... تقول بأنك غير قادر عن الحب.... كن متأكدا بأنك مغرم حتى أذنيك... و ليس بإمرأة.
فولائك تركته لهؤلاء...
لسيما له هو...}.
باريش و جد ممون جديد كما وعدها و من خلال تقاريره فيبدو أن المنتوجات تتوافق مع طلبياتهم، هذا الأمر أفرحها جدا لدرجة أنها لم تتوقف عن الشكر لله الذي انقدها من مصيبة حقيقية، في الجامعة التقت كارلوس الذي اتى خصيصا ليحتفل معها بهذا النجاح، طلبا القهوة في كافتيريا الجامعة، مثل المعتاد ينير الشاب يومها باساليبه المرحة، و لأنها سعيدة جدا بحصولها على شحنتها في الوقت المناسب تشعر و كأن أجنحة نبثت لها و ستطير من شدة ما تشعر بنفسها خفيفة.
" نخب النجاح..." قال لها و هو يلامس فنجانه بفنجانها.
" نخب الصداقة الطيبة..." غمزت له وهي تتذوق من شرابها اللذيذ:" مالذي يدفع رجل ذكي جدا مثلك ليختار الشرطة العلمية؟؟ ابرزت مهارتك في التجارة كارلوس..."
" حكم امرأة نابغة يسعدني سيدة مارتينيز..."
لمعت عيناه بتسلية بينما تضربه على كتفه:
" هل انت مضطر لنطق اسمه؟؟"
هز كتفيه و ضحك بخفث قبل أن يستعيد جديته و يشرح لها:" كنت مهووس بالأفلام البوليسية و طالما وجدت الشرطة العلمية مثيرة للاهتمام... المسألة تحتاج الى تركيز كبير جدا و ذكاء و فطنة... لم تكن مسألة أرباح بقدر ما كانت تحقيق حلم مراهقة.."
وضعت آيا ذراعيها على الطاولة، تتطلع الى الوجه الوسيم أمامها، انه في سنها تقريبا، يكبرها سنتين ثلاثة لا أكثر و لم تسأله يوما، في ظروف اخرى كانت لتدخل معه جديا في علاقة حب، فهو محب مثلها للعلم، للعمل، ذكي مجتهذ، و يمكنها الاعتماد عليه في كل الظروف، انه يميل بشدة للدعابة و ينجح بإضحاكها كل الوقت... هل ستأمل المرأة صفات أكثر من هذه؟!
" هل ستوقعين عقدا مستمرا مع الممون الجديد؟؟" سألها وهو يلقي نظرة من حوله، قلق فجأة.
" وقّع خالي عقد أولي لستتة اشهر بنفس الثمن لنفس الجودة..." اتسعت ابتسامتها بينما يحول نظراته الزرقاء الصافية اليها " أنا سعيدة للغاية..."
ابتسم بلطف و امسك يدها في يده ليمسدها مشجعا
" تجدين الحلول لكل شيء... خوسيه ابله كي لا ينتبه للكنز الذي يعيش تحت سقف بيته"
هذه الملاحظة ايقظت فحسب كل فضولها الدائر نحو خوسيه منذ زواجهما
" لا اريده ان ينتبه كارلوس... تعرف بأن لا رغبة لي بالبقاء تحت اسمه" اومأ بالايجاب " خوسيه و اساليبه... و اسراره... لا امرأة ستتمكن من تحمله... انه رجل لا يعرف الحب"
" عرف الحب في حقبة ما" سمعت كارلوس يقول " لم يتمكن من الزواج بها لأن والده منعه... لم تكن من اسم معروف وهو كان موعود للمرأة التي تزوجها بعد ذلك.."
شعور غريب اخترق صدرها... هل اشباحه متعلقة بحب ضائع؟؟ من المستحيل تخيله في جلدة عاشق... خوسيه مريض بالخيانة، مريض بالشك، مريض بكل ما يدفع امرأة للنفور منه.
" لا أصدق كلمة... ذلك الرجل عاجز عن الحب..."
هز كارلوس فنجانه لشفاهه و انهى مشروبه قائلا:
" لكن هذا بالضبط ما حصل له... و لعلمك... حبيبة خوسيه القديمة هي خالة دانيلا... أخبرني والدي أنهما متشابهتين كنقطة ماء..."فتحت شفاهها بذهول، هل هي بصدد الدخول الى دوامة الا فهم؟؟ ان كانت اليونور من اسرة فقيرة و اسم غير معروف فمن اين أتت دانيلا بكل تلك الأموال؟؟ شيء لا يفهمه عقل أو منطق... " يجب أن أرحل عزيزتي... أراك بعد عودتك من باريس؟؟"
انه يستمر في استفزازها بهذا الشأن، منذ ان أخبرته برحلتها نهاية الاسبوع مع خوسيه و هو يسخر منها.
" ستمر علي؟"
" سأفعل دوما كل ما تريدينه ايا الجميلة... احذري خوسيه... انه ليس سهلا فإنتبهي لنفسك ارجوك"
عندما رحل بقيت مكانها تقلب في عقلها المعلومات الجديدة، حبيبة خوسيه تشبه دانيلا... شيء حقا مثير للاهتمام! هل هذا ما يجعل زوجها في كل حالاته عندما تبتعد عنه ابنته بالوصاية؟؟ تذكره بحبيبته ؟ و اين هذه الحبيبة؟ لما لم يعود اليها خوسيه رغم موت والده و زوجته؟ أم أنه يميل بإستمرار للفتيات الصغيرات مثلها هي؟
" مرحبا آيا... حبيبك الوسيم رحل سريعا هذه المرة"
كارول من اول الطالبات اللواتي تعرفت عليهن في الجامعة، وهي في اسبانيا لتعزيز لغتها الاسبانية، في الجامعة الكل يعرفها على اساس آيا ماريا أذاروفا، طالبة قادمة من المجر و من أصول تركية و بوسنية، خوسيه مارتينيز لا يدخل اطلاقا في حياتها الجامعية.. لا أحد يعرف بأنها زوجته.
" مرحبا كارول... " رحبّت بها ثم دعتها للجلوس:" سبق و شرحت لك بأنه مجرد صديق..."
" لا ينظر اليك كصديقة... ذلك الوسيم هائم بك... و أظنه يعجبك أيضا... رأيت نظراتك اليه..."
حتى و ان كان يعجبها حقا، و مع الوقت تزداد اعجابا بشخصيته، فمالذي يمكنها ان تفعله في حالتها الراهنة؟؟ محبوسة في شرك تجهل كيفية الخروج منه!
كارلوس يشبه بشدة اليخاندرو في خصال عدة، أحيانا يذكرها به، لسيما عندما يحط يده على كتفها و يخبرها بأن كل شيء على مايرام.
" كيف حال إبنك...؟؟"
" إنه مع والدتي..." كذبت، الكل أيضا يعتقد بأنها أم عزباء :" وهو بصحة جيدة ..."
"من الرائع ان والدتك هنا تدعمك... " قالت الفتاة بإبتسامة.
" أنا محظوظة بها..." قالت وهي تحتسي أخر قطرات قهوتها:" حان موعد المحاضرة، علينا التحرك..."
" رأيت اعلان الأمسية في الحرم الجامعي الأسبوع القادم؟؟ هل ستأتين؟؟" سألتها كارول وهما تتمشيان بين الطلبة نحو القاعة الشاسعة حيث بدأ الأخرين بالدخول اليها.
" لا أدري..."
" هيا عزيزتي... سوف نستمتع بشدة..."
لم ترد، ابتسمت لها فحسب... عليها ان ترى ان كان لعمرها بقية بعد نهاية الأسبوع مع خوسيه، لن يكون الأمر سهلا على الاطلاق، تجهل بأي طريقة ستكون الأمور بينهما في باريس لسيما بعد الذي صار بينهما تلك الليلة... هشاشة خوسيه لا تبتعد اطلاقا عن رأسها... ذلك الرجل هو لغز كبير، وهي... لا تريد اكتشافه، لأنه لا يهمها اكتشافه بقدر ما يهمها الابتعاد عن دماره قبل فوات الأوان.
* * *
كانت بريانا تقف على نافدة غرفة النوم التي تطل على تلال بيضاء رائعة تحبس الأنفاس، جزيرة روكو مختلفة عن الجزر اليونانية الخاصة التي آلفتها، هذا المكان متوحش الجمال، ناعم في الوقت نفسه و رائع مثل صاحبه، وليس البانورما المذهلة ما تحبس نظراتها، بل الرجل الفاثن الذي يتريض على ضفاف بحر أيوني بمياهه الصافية المتلألئة تحت أشعة الشمس الذهبية، انه فاثن... حبيبها أشد بهاءا من كل ما يحيطه اللحظة بينما عضلات صدره تهتز تحت ركضه، كان يرتدي بنطال سبور، قسمه العلوي عاريا، انه على أرضه و يمكنه فعل ما يشاء في خلوته، و هي تعشق هذه الخلوة الرائعة... كما سبق و أخبرها... يمكنهما أن يفعلا كل مايرغبان به بعيدا عن الأعين الفضولية... الا ان هذه الحميمة لن تدوم... بعد منتصف النهار ستصل ظيفته... ظيفتهما كما يصر روكو.
لا يمكنها ان تجسد تلك المرأة في صورة، تتخيلها عجوز روسية امضت حياتها في القاء الأوامر، روكو يفضل لقائها بعيدا عن ايطاليا، بسبب... أعماله الأخرى... أعمال يانيس التي- حتى بعد موته- ماتزال نشطة للغاية.
عندما اقترب من الفيلا اختفت من مجاله البصري، تفقدت حالها في المرآة و عادت الى سريرها بين الشراشف، الوقت مازال باكرا ولا تنوي تفويت عناقات الصباح، يكون ناعما عندما يتمنى لها صباحا سعيدا
ادعت النوم بينما يدخل الغرفة، تسمعه يتخلص من ملابسه... خطواته تتجه الى الحمام، ثم صوت مياه الدوش، تحفظ تفاصيله عن ظهر قلب، يمكنها تخيله بصدد الاستحمام دون حاجتها للتجسس عليه، سبقته رائحة الصابون بينما يلتحق بها، حاولت ردع ابتسامتها وهو ينحني عليها و يقبل جبينها قبل ان يحط شفاهها قرب اذنها ويهمس بسخرية ناعمة:
" اعرف بأنك مستيقظة... رأيتك على النافذة"
فتحت عينيها و تعلقت بعنقه قبل ان يبتعد، خلت توازنه فسحقها بثقله، لكن هذا لم يؤثر بها، تحب ثقله عليها، استنشقت رائحته المسكية ملئ رئتيها بينما تغرس انفها في عنقه و تضمه اليها بكل طاقتها، مازلت بشرته ندية، نظيفة، ورطبة، كان يلف منشفة حول خاصرتيه و لسعادتها لم يتمسك بها بينما تنزلق.. ترغب به و بطفل منه.
" ظننتني سرية "
" لا يمكنك ان تكوني سرية بريانتي... اعرف بأنك موجودة دون الحاجة حقا لرؤيتك"
يعجبها عندما يحسسها بأنه لا موانع بينهما، بأن شعورهما متبادل، روكو توأم الروح، شعلة الروح، الرجل الذي خلقت له.. فقط له.
القبل الناعمة اشتعلت، لاجديد في التهابهما الفوري، يكفي ان يضع يده عليها حتى تشتعل مثل عود الثقاب، تأخرا كثيرا في السرير و لم تخرج منه الا و أنوثتها مكتفية، و ربما ابنهما بصدد التكون وهذا ما تأمله، منذ ان أوقفت حبوب منع الحمل وهي تأمل أن تتحقق أمنيتها الغالية، طفل من روكو... هل يوجد طموح أكثر من هذا؟؟ ستعيش لهما فقط... من أجلهما لما تبقى من عمرها.
أمضيا بقية الصباح في السباحة بين البحر و حوض السباحة، تشمست طويلا بكسل بينما فضل روكو العمل لساعة قبل العودة اليها كي يسبحا مجددا بين امواج البحر الرائعة.
تم نصب خيمة بديعة تحت ظلال اشجار النخيل حيث تناولا طعام غذائهما، لا تنكر ان الوجبة كانت لذيذة للغاية لكنها ليست معجبة بالطعام الافريقي بينما روكو، الايطالي روكو فضل بالتأكيد طبق الماكرونا بزيت زيتونه الذي لا يفارقه، بعد الغذاء احتسيا كوكتيل كحولي قرب المسبح مما جعلها تشعر بالخمول أكثر، استرخت عينيها تحت دفئ الشمس لكن الظل حال بينها و بين الحرارة، فتحت عين واحدة ووجدت روكو بصدد تعديل المظلة عليها:
" مالذي تفعله؟؟"
" أهتم بصحة امرأتي... لا أريدك أن تمرضي..."
ابتسمت و تنهذت بإكتفاء، مدت يدها نحوه فإلتقطها وجلس بالقرب منها، قربت يده من شفاهها ووضعت عليها قبلة حارة:
" تحميني دوما بأجنحتك الفضية دون ايميليانو؟؟"
هز يدها الى شفاهه ليقبلها بدوره:
" أنت من يجعلني ملاك بريانا... بدأت أشعر بفضلك... شكرا لك"
شعرت بالدموع تحرق عينيها...و للمرة المليون تتسائل عما فعلته لهذا الرجل القوي كي يحبها الى هذه الدرجة دون انتظار مقابل، لن تذرف الدموع لأنها سعيدة، للدموع ذكرى سيئة للغاية، قضت سنواتها الماضية في محاولة دفع ديميتريس لحبها، لكنه كان معمي بشدة بحب الفاثنة الشقراء شانيل كاريرا... زوجة ابن عمه.
ثم تجسدت شانيل في يوليا فولكوفا ... شعرت بريانا و كأن فكها سيسقط أرضا بينما تقف بجانب روكو ليستقبلا في نهاية اليوم الامبراطورة الروسية.
المرأة التي نزلت من المروحية مع رجالها عكس العجوز التي تخيلتها منذ ان أخبرها روكو عنها، لقد كانت... كانت قنبلة.
رمشت مرارا بينما تأمل أن تنقلب الصورة الى عجوز بغيضة، لكن الملاك الرائع وسط فستان أبيض و جدائل شقراء مثل حقول القمح لم تختفي، بدت كعروس تتقدم نحو عريسها... هذه الفكرة لم تعجبها، وجدت نفسها تبحث تلقئيا على أصابع روكو الذي اضطر لإخراجها من جيبه كي يشبكها بأصابعها، يوليا لم تعرها ادنى التفاتة، نظراتها الخضراء الرائعة متوقفة عنده هو وحده، و كأن لا شيء بعده...
هل هذه المرأة حقا على رأس منظمة قوية نشاطها الأسلحة أم أنها عارضة أزياء؟؟ كانت الرياح تتلاعب بفستانها الذي يلتحف بها مثل الحلم، كانت تملك صدر جميل للغاية، عموما... أكبر من صدرها شخصيا، خصرها نحيف جدا بينما وركيها... اللعنة... هل ستبقى في هذه الجزيرة لمدة ثلاثة أيام معهما؟؟ مستحيل...
" روكو..." بدت نغمتها متنهذة و كأنها بصدد ممارسة الحب معه.
" يوليا..." تقدم نحوها بدوره لكنها لم تتركه، بقيت أصابعهما ملتحمتين الى ان اجبرها على تركه لمصافحة الضيفة التي لم تكتفي بذلك، بل قبلت وجنتيه بحرارة..." دعيني اقدم اليك..."
" بريانا..." قالت الروسية الفاثنة وهي تمنحها ابتسامة شاسعة:" المرأة التي خطفت قلب العرّاب... لقد حاولت معه... لكنني لم أنجح... عليك منحي سرك..."
حاولت معه؟؟ هزت عينيها نحو روكو الذي كان يهرب منها كشخص يشعر بالذنب، صافحت المرأة التي مدت اليها يدها، أصابعها كانت ناعمة للغاية، كل شيء فيها يذكرها في شانيل... فجأة أصيبت بالذعر و خذلتها ثقتها في نفسها و حتى في روكو الذي كان يضاجع المرأة بنظراته... يلتهمها...لا يرفع عينيه عنها . هذا الأحمق منوم بواسطة هذه الشقراء ذات المظهر الرهيب.
ثم هجرها كي يهتم بضيفته، أو هذا ما خيل اليها، ربما عاد يلتقط أصابعها مجددا، لكنها لم تعد تشعر بوجوده معها، كل اهتمامه مع الأخرى، ثم ضحكت يوليا بنعومة...
ضحكتها دعوة صريحة للاختلاء بها في غرفة النوم.
" بريانا..." عادت الى الواقع بينما روكو يحملق اليها بعبوس:" ما رأيك أن تُرين ضيفتها جناحها؟؟! سأتكفل برجالها..."
بلعت ريقها بصعوبة، يوليا تتطلع اليها بفضول ممتزج بتسلية، النساء تفهمن بعضهن جيدا، وهذه المرأة تمتهن القتل و تسيطر على امبراطورية احتار الأخرين في انزالها من عرشها، كيف لها الا تشم رائحة الغيرة التي بدأت تفوح منها بقوة:
" بالتأكيد حبيبي..." أجبرت نفسها على ترك اصابعه التي تيبست بقوة عليه، لا تدري ان كانت قد كسرت احداها..." رجاءا اتبعيني..."
" أنا لا أتبع أحدا..." قالت رئيسة المافيا الروسية دون ان تفارق الابتسامة وجهها.
" هل تروقك كلمة رافقيني؟؟"
" هذا أفضل..."
انجليزيتها باللكنة الروسية تجعلها أكثر اغراءا، لم تخفي المرأة اعجابها بالجناح الذي أمضت شخصيا وقتا لتجهيزه لها بورودها المفضلة، لو علمت بأنها غريمتها لوضعت الافاعي بدل الزهور، سمعتها تتنهذ وهي تطل من الشرفة الدائرية لمنظر البحر و السماء و كثبان الرمال البيضاء.
" روكو يملك ذوقا مميزا كالعادة..." سمعتها تقول، و شعرت بأنها تتحرق لإظافة { الا فيما يخصك}
" انه كذلك..." قالت بريانا بينما عيناها تلتهمان المرأة الهيفاء.
" أرى بأن هناك بركة سباحة..." قالت يوليا بحماسة:" رائع جدا... أخبري العرّاب ان نجتمع على كوكتيل الترحيب حول المسبح... المياه المنعشة ستبعد عني ارهاق السفر..."
بقيت متيبسة مكانها، هل هذه المخلوقة تنوي الظهور بثوب سباحة أمام خطيبها؟؟ لم تفكر حتى في هذا الاحتمال... ان كانت مثيرة لحد الجنون بهذا الفستان فكيف ستكون عليه بدونه؟؟
وهي عليها استضافة هذه القنبلة تحت سقف البيت و الاهتمام بها و ان تكون تحت راحتها الى ان ترحل كما يتوجب عليه دورها كخطيبة العرّاب، عليها تقبل رؤيتها تهز وركيها الرائعة في ثوب سباحة و الابتسام لروكو و التهامه بنظراتها الخضراء المشعة.
" نملك حديقة رائعة ستروقك..." قالت بريانا في محاولة يائسة لإبعاد فكرة المسبح على رأسها.
اتسعت أكثر ابتسامة الضيفة:
" افضل بركة السباحة... "
عندما خرجت من الجناح لم تقصد أبدا الدور الأول لإعلام روكو بأماني السيدة، بل توجهت جناحها و اغلقت عليها بالمفتاح كي تتمكن من افراغ الضغط على صدرها قبل مواجه الحقيقة مجددا... يوليا فولكوفا لم تكن عجوزا بشعر مستعار أو فم فارغ من الاسنان، بل امرأة رائعة تخفيها كليا... و قد لمحت بأن ثمة شيء جمع بينها و بين روكو.
زفرت بيأس كي تخرج كمية النار التي تشتعل بحدة في صدرها، انها بحاجة للصراخ ما طاب لها، ان فعلت فستثير انتباه كل سكان الفيلا.
تخللت اصابعها شعرها الأسود تبحث في الجناح عما يمكنه اخراجها من حالة اليأس التي استحوذت عليها، رأت الوسائد الوثيرة، ارتمت عليها لتخنق الصرخة التي أخرجتها من أعماقها، وضعها مثير للشفقة هي تعرف... لكن سبق و عاشت هذا الجحيم... شانيل أعمت بصر ديميتريس كما ستعمي يوليا بصر روكو.
بعد ان افرغت جمام غضبها، تفقدت زينتها و كأن شيئا لم يكن ثم غادرت غرفتها تقصد روكو.
يوليا لم تظهر بثوب سباحة فحسب، القطعتين بالكاد تخفيان صدرها الرائع و مؤخرتها، كان ابيض اللون وسط بشرة برونزية، شعرها الاشقر المصفف في تموجات شهية تتلاعب حولها، صندالها الصيفي العالي الكعبين يمنحها ساقين رائعين تحسدها عليهما أشهر عارضات الازياء، لم يكن روكو فقط من يركز ببصره عليها. سانتياغو و خافيير أيضا... و لتكن صريحة مع نفسها... هي أيضا مأخودة بها.
المرأة واثقة للغاية من سحرها، كانت أنيقة حتى في طريقة جلوسها على الكرسي الذي قدمه لها روكو كما يتوجب دوره عليه.
" أتمنى أن جناحك يروقك... بريانا شخصيا من اهتم بزهورك..."
" مازلت تتذكر نوع الزهور التي احبها!" قالت يوليا مبتسمة له تلك الابتسامة التي تمنحها النساء المغرمات لرجال حياتهن.
" المعلومات عنك متاحة في الانترنت..." تدخلت بريانا واضعة حد لنظراتها نحو خطيبها:" كان من السهل العثور على ما يروقك... اعذروني سأحضر المشروبات"
ثم وقفت من مكانها، غير قادرة على تحمل هذه الغيرة التي تنهش جسدها مثل السكاكين، من الأفضل لها الانسحاب قبل أن تلقي بنفسها عليها فتمزق وجهها الجميل بمخالبها الى أن تكتفي، فريق كامل من الخدم يقوم بخدمتهم لكنها قالت أول ما جاء على لسانها كي تهرب من رغبتها العارمة في القتل.
في المطبخ لم يتأخر روكو باللحاق بها، كانت تغلي من الغضب، من القهر، من الغيرة، هاجمته ما ان شعرت به في الجوار، كانت تصنع الكوكتيل و تتسائل كم كمية سم ستكفي لقتلها؟؟
" مالذي اتى بك؟؟ الا يفترض بأنك في اجتماع عمل؟؟"
" هل أنت بخير؟؟"
لم يعد بإمكانها التحمل، تركت كؤوس الكوكتيل وواجهته من خلال دموع الغيرة في عينيها:
" بالتأكيد أنا بخير... لما تظن عكس ذلك؟؟"
بقي عابسا ينظر اليها و بينما ترفض قطعا الاعتراف له بغيرتها القوية من الشقراء الروسية بقيت على حذرها الى ان رأته يستسلم.
" فليكن حبيبتي... اتركي الخدم يهتمون بالخدمة و ابقي لجانبي..."
بلعت ريقها لكن الغيرة لم تجتاز حلقها... ثلاثة ايام... رباه... لما قبلت المجيئ؟
* * *
هز اليساندرو راسه نحو الباب ما ان دخل كيليان ارشيبالد الى غرفته الطبية، هذا الشبه الشديد مع والده يربك حواسه في كل مرة، حاول ابعاد تأثره و الابتسام، القلق في نظرات الرجل أكبر من أن يطمئنه بمجرد ابتسامة.
" كيف تشعر اليوم؟؟"
" بعد ربح ارشيبالد السباق أشعر بانني بخير..." قال اليساندرو، عموما فاليوم سيخرج من المستشفى، أخبرته والدته بأن يعود الى صقلية لأمر عاجل لا يقبل التأخير، أمام تردده اضطرت للتعرية على مخطط روكو، لكنه لا يرى نفسه عائدا بدراع مكسورة، و أيضا ما أخبرته به والدته لا يمكنه ان يتجاهله, عليه النزول مجددا من اجل شقيقه.
" تابعت السباق في التلفزيون؟؟" سأله كيليان وهو يدنو منه أكثر قبل أن يحشو يديه في جيوب بنطاله.
" المهدئات حالت دون وضوح الرؤية الا أنه... لا أظنني أهذي اليس كذلك؟؟ سيارتك فازت؟"
اتسعت ابتسامة كيليان مما أنار وجهه، هذه الابتسامة المطابقة لوالده الذي كان يمنحها لفرد واحد في العائلة، صوفي.
" فزنا نعم..." ثم هز بذقنه نحو ذراعه المجبسة:" هل تتألم كثيرا أم بإمكانك استقبال شخص مهم؟؟"
أقطب اليساندرو في الوقت نفسه الذي شعر بحركة قرب الباب، هز عينيه نحو شبح المرأة التي تبدو مترددة في الدخول، رمش كي يتأكد من الرؤية و عندما استعاب عقله الواقع ترك سريره نحوها في الوقت نفسه تركت دانيلا الباب وهرولت نحوه، بعد لحظة كانت بين ذراعيه، من الرائع الشعور بدفئها و رائحتها مجددا، كانت ذراعه تعيق حقا التواصل مع جسدها مئة بالمئة الا انهما سرعان ما وجدا وضعية اكثر راحة .
" افتقدتك حبيبتي"
" افتقدتك أكثر..." هزت رأسها اليه، لا تبدو متوهجة مثل دانيلا التي عرفها، كانت قد فقدت من وزنها، هالات سوداء تحيط عينيها، بدت مهملة عكس الشابة التي تهتم بشدة بمظهرها، ناقوس الخطر دق في رأسه، أمسك بذقنها ليحملق في وجهها:
" مالذي يحذث معك؟؟ لما انت في هذه الحالة؟..."
" يانيس لم يكن سهلا..." قالت بصوت منخفض الا ان كيليان يبدو أنه يلتقط كل كلامهما:" كيف وقع الحاذث؟"
" اليساندرو بطل... قام بإنقاذ ابنتي من الموت..." تدخل كيليان هذه المرة، يمكنه ان يرى الامتنان في نظراته الزرقاء:" سأبقى مدين له..."
" لم افعل شيئا..." عاد اليساندرو ليعترض لمرة لم يعد يعرف عددها:" اي شخص كان ليمنع طفلة من الخطر... ما يحذث انني كنت في المكان و اللحظة المناسبة"
كانت دانيلا تستمع لحوار الرجلين دون ان تبتعد عن حضن اليساندرو، تتفادى النظر الى كيليان، الشبه بينه و بين يانيس يغرقها اكثر في تعقيدات الماضي، ورغم ذلك تعامل مانغا الاعمال المشهور كجنتلمان حقيقي ما ان اتصلت لتستعلم عن مكان خطيبها حتى انه اتى شخصيا ليقلها من المطار، لم يكونا قد تبادلا الكثير من الكلام، لكنه طرح عدة اسئلة متعلقة باليساندرو، بدى فجأة مهتما بمعرفته أكثر.
" سوف أترككما لأنهي معاملات خروجك ..." سمعت صوت رجل الأعمال في ظهرها قبل ان يخرج من الغرفة و يتركهما بمفردهما.
جلسا على حاشية السرير، يدها على فكه النامية، مازال رجلها يطفح وسامة حتى و هو يرتدي الجبيرة.
" هذا الرجل يشبه والدك بشدة..." قالت فجأة بينما عقلها يرفض الابتعاد عنه:" مكانك كنت لأسرق عينة منه و ارسلها للمختبر كما فعلت أنا مع خوسيه... انا متأكدة ان تكون النتائج ايجابية..."
لم يرد اليساندرو، بقي فحسب ابهامه يلامس خدها، عيناه متبثتان على وجهها، يتأخر عند كل تفصيل، فجأة فتح باب في عقلها، شهقت قبل أن تقول بخفث:" أجريت فحوصا... اليس كذلك؟؟"
" انه ابن يانيس..." أكد اليساندرو متنهذا:" أجريته قبل خمس سنوات بينما تتعدد لقاءاتنا... لم أهمل الشبه بينه و بين أبي..."
" روكو يعرف؟؟" سألته غير مصدقة أن ظنونها في محلها.
" انه يعرف... لكن مؤخرا فقط... لم أرغب يوما بإخباره مخافة عن عواقب اكتشافه للموضوع..."
" و كيليان يعرف بقرابتكما؟؟" عادت تلح بينما قلبها يتسابق بشدة.
" أظنه يعرف أيضا..." أجاب اليساندرو وهو يدفع شعرها الى الوراء بعيدا عن وجهها:" جاك ارشيبالد تبنى كيليان... بقية القصة أو كيف حذث ذلك اجهله كليا, و احترم تكثمه... حياته الحالية افضل ، اسم الايميليانو ثقيل ... انظري الى روكو... عبئ مسؤوليات اعمال والدي لا تتركه يعيش حياة طبيعية... نحن لم نختار والدنا دانيلا... ليس من حقك معاقبتي بهذا الشأن"
وهي، عبدة لمشاعرها ، أومأت برأسها. لقد اتت اليه بدل الطيران الى كابري لاكتشاف مكان ولادتها، قد تستأنف بحثها لاحقا لكن معرفة انه مصاب لم تتركها تفكر مرتين في واجهتها القادمة، انها تحبه بشدة، قد يكون ابن يانيس لكنه لا يشبهه اطلاقا، اليساندرو رقيق و حنون و هو بنفسه هجر صقلية منذ سنوات بسسبب ثقل وزن اسم الايميليانو، دنت منه ووضعت شفاهها على شفاهه في قبلة ناعمة
" فقدت عقلي اليساندرو... ارجوك اغفر لي"
" لا بأس حبيبتي... حاولت ان ابقى متفهما حتى النهاية... لكنني انوي دعمك لتعثري على الحقيقة كاملة...لن ننفصل مجددا دانيلا... هذه الأسابيع كانت مثل الجحيم بدونك"
" و انا أيضا... كان من الغباء وضع المسؤولية عليك اليساندرو... أنا حقا آسفة... اعدك الا يتكرر الأمر"
مرغت انفها في ثنايا قميصه تشتم رائحته بنهم، لقد افتقدته اكثر مما هي قادرة على الاعتراف به، تعب الايام الاخية عاد لها دفعة واحدة لكن وجودها بالقرب منه يطمئنهاا و يمنحها القوة، يقول بأنه ينوي دعمها حتى النهاسى، فهل سيتقبل اليساندرو حقيقة يانيس؟ سابرينا حاولت حمايته و لا يبدو انه مطلع على كل زوايا والده المظلمة مثل روكو... فهل سيكون قويا لمواجهة الحقيقة الكاملة؟
* * *
كان الجو ثقيلا، محملا بالكهرباء، بالنظرات الهاربة، الملتوية، العميقة، يبدو أن يوليا تتسلى بخطيبته، انه يعرفها جيدا، يحفظها عن ظهر قلب، انها تمساح شرس في الأعمال، سيدة قوية للغاية، وهشاشة بريانا بمثابة حفنة هواء نقية لها، تماما كما كانت له عندما اصطدمت بسيارته لأول مرة... هذا ما يحذث الفرق في العالم الذي ينتمي اليه هو و يوليا... الالتقاء باناس طبيعين بمشاعر و أحاسيس .. الشيء الذي فقداه مع الوقت بفضل ممارساتهما الخطرة، حذرهما و قياس كل تصرفاتهما و قراراتهما، انتقل بنظراته بين المرأتين، وجبة العشاء تمر ببطئ شديد، ضيفته تتعمد التأخر وهو في الحقيقة سئم دفعها لبريانا لحد الفوران.
" اذن فأنت مصممة يخوت؟؟ أخبرني روكو بأنك موهوبة للغاية..."
ابتسامة بريانا القسرية أشعرته برغبة شديدة لحمايتها، مد يده ليمسك بيدها و يعصر عليها برقة:
" خطيبتي امرأة متفوقة وذكية... انها امهر مصممة يخوت في العالم..."
لمعت اسنان يوليا تحت ابتسامتها الشاسعة:
" روكو ايمليانو صاحب ذوق نسائي عالي دائما...لكنه قلما يكون مكتفيا"
حطت بريانا عينيها في عينيه، رفع اصابعها الى شفاهه متفاديا وخزات يوليا المتسلية:
" أتى القمر ليزيح الظلمة من صدري..." هذه المرة منحته خطيبته ابتسامة حقيقية" صدقيني يوليا... هذه المرة أنا مكتفي للغاية... أتمنى فحسب أن تقبل بي الى آخر أيام حياتها..."
كرد عليه انحنت لتقبله برقة قبل أن ترمي ظيفته بنظرة متهكمة:
" هل ترغبين ببعض القهوة سنيورينا يوليا...؟؟"
" بالتأكيد شكرا لك.." اجابت يوليا دون ان تختفي الابتسامة من شفاهها المطليتين بالحمر الفاقع، بينما بريانا تأمر بإحضار القهوة قالت ضيفتهما وهي تمسح شفاهها بمحرمة:" الم يخبرك روكو بأن هناك اتفاق بين والده و والدي بالزواج للاحتفاظ بمصالحنا المشتركة؟؟"
استرخى روكو في مقعده، انه يعرفها جيدا، مشهد العاطفة امامها لم يبعدها عن رغبتها بكسب الكلمة الأخيرة.
" هل هذا صحيح؟؟" سألته بريانا بصوت مشحون.
" هذا صحيح..." تكلمت يوليا بدلا عنه، اشبكت أصابعها الأنيقة تحت ذقنها :" بعد ان أدرك أبي بأنه رزق بطفلة في عمر صغير ألغى الاتفاق لخيبة يانيس..."
حط روكو نظراته على الشقراء الفاثنة التي فعلت في الماضي كل ما استطاعت لتمنعه من الابتعاد، اذن فهي تعرف بشأن صوفي أيضا! انها تحاول هزهزته، تحاول مفاجئته، منذ وصولها وهي تحاول ربح الجولة، تنوي غرس اوثادها في ارضه، لكنه وحده من يربح الحرب.
" يانيس كان يملك أحلامه... و أنا أحلامي..."
لا يبدو أن كلماته تعجبها، راقب نظراتها الخضراء تتوهج أكثر:
" كان صاحب رؤى شاسعة الأبعاد... رجل تمكن من كسب الجميع ووضعهم تحت السيطرة.. لن يعيد التاريخ مثله..."
" لحسن حظ هذا البشرية..."
وصلت القهوة، لكن يوليا لم تلمسها، عيناها متثبتتين عليه، تبدو و كأنها تجلس على جمر مشتعل:
" تنوي مناقشة الأعمال أمامها ؟"
ضغطت بريانا على يده، و كأنها تعارض بأن يتركها على الحياد، الا انه لا يملك الخيار، يوليا خطرة عندما تفقد صوابها، و لا يبدو أن الشراب الذي استهلكته حسّن مزاجها.
" في مكتبي..."
" أفضل فضاء مفتوح... لنتمشى قرب الشاطئ..."
غادرت المكان دون ان تترك له حرية الرفض، بقيت بريانا متيبسة مكانها، تجاهذ كي تحتفظ على ملامحها محايدة.
" اخلدي للنوم عزيزتي... قد يطول اجتماعي ..."
" تريدني ان انام بينما ستجتمع بخطيبتك السابقة؟؟ هل تسخر مني؟؟" سألته بنبرة عدم تصديق.
" لم تكن يوما خطيبتي... ذلك الكلام انتهى قبل أن أنهي دراستي الجامعية ... "
وقفت بينما عيناها تشتعلان نارا:
" أجهل نوع الاعمال التي تنوي مناقشتها بها لكنني ارى بأنك تعجبها روكو... و يبدو ان هذا الاعجاب متبادل..."
هز حاجبيه متفاجئا من هذا الاتهام، لا الوقت و لا المكان مناسبين لأزمة غيرة، الا أن ردود أفعالها تعجبه و يجهل لماذا يشعره هذا بالاكتفاء.
" انت مخطئة..."
لكن لا يبدو انها ترغب بسماع احتجاجاته، اكتفت بدورها بمغادرة المكان.
كانت يوليا بصدد اشعال سكارها، مازلت نظراتها تتوهج ببعض الوحشية، لم يكن القمر كاملا، اشار الى سانتياغو و خافير بالا يتبعاهما، كانت قد تخلصت من صندالها و تركته على الرمال، تلتزم الصمت بالتأكيد بصدد جمع الكلمات المناسبة الذي هو متأهب لها مثل عادته:
" كيف تجرؤ بالكلام.. بكل ذلك التنال عن والدك..؟ بالكاد أصدق" تمتمت من بين اسنانها.
" نسيت انه تمت عبادته طويلا..." علق متهكما و هو يدلف يديها في جيوب بنطاله.
" ومازل ... برئيك لما العلاقات بيننا قوية و مثينة؟؟ ذلك الرجل تمكن من خلق نوع من القرابة التي لا تشوبها شائبة... المافيا الروسية بنفسها انحنت امامه و استراجيته مكنت الجميع من التقدم... مازلنا نتبع خطواته حتى اليوم روكو... والدك لم يكن انسانا عاديا للاسف أنك لست مثله..."
" هل قطعت كل هذه المسافة كي ترثي لأبي؟؟"
" أنت تجهل ما يحدث ..." قالت متجاهلة سخريته.
" الكل على دراية كاملة بأنني رجل يحب الأرباح النظيفة... كانت ليانيس حياته، انسلخت عنه منذ سنوات عدة، كانت حياتك لتكون أفضل لو فعلت الشيء نفسه يوليا... اليوم أنت غارقة حتى عنقك..."
توقفت أمامه لتمنعه من التقدم، كانت تقف عكس الريح، لا تتوقف عن ابعاد خصلات شعرها عن وجهها:
"و لهذا تركتني؟ لم تتقبل أن أكون امرأة قوية... تناسبك هشاشة بريانا... تبدو بأنها توافق على كل ما تريده...عكسي أنا..."
" لا تقحميها في كلامنا..."
" هي جزء مما يحدث..." قاطعته دون ان ترمش:" عنادي لم يكن يستهويك روكو... و ياللغرابة... كان في الوقت نفسه يثير شهوتك الجنسية... لا أظنها ستعجبك مثلي... نحن نكمل بعضنا فقط لو تتنازل كي ترى بأنها لا تناسبك بالمرّة... نحن ننتمي لنفس الوساخة و القذارة روكو...هي لن تجعلك نظيفا..."
" ان استمريتِ فسأتهمك بالغيرة..." صمتت أمام لهجته الاذعة، لم يعد الأمر مسليا بحق الجحيم، تعرف كيف تضع السكين في الجروح الغائرة :" أخبريني ما تنتظرينه مني بالضبط؟؟ ... أعتقد في النهاية بأنني أملك الجواب لسؤالي... أنت متورطة مع عدة منظمات، قوتك تنهار ببطئ و يلزمك مرفأ أمان... ثم تذكرتي ابن يانيس الذي طالما وجد الحلول لكل المشاكل، ما تنسينه هو أنني أسعى الى حياة طبيعية... فكما لاحظتي أتأهب للزواج و أنوي تكوين أسرة... لن أدخل حرب بلا نهاية فقط لدعمك و أعرض من أحبهم للخطر..."
رآها تلتقط أنفاسا عميقة، تحاول التحكم في أعصابها:
" الزواج من امرأة عادية لن يغير من حيقيقتك... أنا أعرفك... قي تلك الحقبة التي جمعتنا... كنت المثال الحي ليانيس... كان اتفاقنا مذهلا، كملنا بعضنا البعض، انسحابك لن ينقذك صدقني... العالم يزداد قوة... الأنتربول على اعقابك هل تدري هذا على الأقل؟؟"
هز كتفيه بلا اهتمام:
" لا شيء يخفى عليّ... و قد غرسوا جاسوسهم في بيتي، لن يجدوا شيئا لأنه لا يوجد شيء... ماضي يانيس مات معه... لكن ان اتيت للحصول على نصيحة قد اقدمها لك... لن أدعمك بشيء أكثر يوليا لأن اتفاقياتنا الماضية انتهت بموت والدي...
كشرت على انيابها:
" تظن بأنني أحتاج لنصائحك؟؟ ان حدث لي شيء فسيتبخر كيليان ارشيبالد في العدم لأن الحصانة تسقط عليه ايضا... برئيك لما كان والدك على علاقة مثينة للغاية مع الروس؟؟؟ فعل كل ما بإستطاعته لحماية ابنه... "
رغما عنه شعر بالغيرة لهذا التصريح، فيما يخصه شخصيا فقد شحذ اهتمامه بكل الطرق، فعل كل ما بإستطاعته ليحصل على حبه و عطفه دون جدوى... كان يراه مثل آداة عليه شحنها جيدا لتأخد زمام الأمور بعده... لم يحبه يانيس كما أحب كيليان و لا يظن انه احب اليساندرو بنفس الطريقة.
" يمكن للروس ان يتخلصوا من كيليان ارشيبالد لأنه بالمقابل عقبة في طريقي... ذلك الرجل لا يهمني..."
بانت ابتسامة ساخرة على زاوية شفاهها المغرية، مظهرها الملائكي في هذه اللحظة متناقض مع روحها الشيطانية، يوليا كوكتيل سام من التناقضات:
" دم الايميليانو مقدس للغاية... أعرف بأنك ستطير لمساعدته ما ان يعلق في ورطة!"
زم شفتيه، هذه اللعبة بدأت تتعبه، تبثها بنظرات جليدية :
" لا تظني كيليان سهل... انه أخطر مما تظنين، دعيني اخبرك أنه ورث ذهاء والده مئة بالمئة ولا يشبهه شكلا فقط، بحوزته اسوء أسراركم، حتى أسرار المافيا المكسيكية التي تقوم بضربك مع أوسوغارا... يانيس أمن مؤخرة ابنه المفضل جيدا... ان حذث له شيء فسينجرف الكل معه في فوهة البركان... الكل سينهار... يانيس لم يكن فحسب قائد عصابة اجرامية شاسعة، بل خلية مهمة ضمن قوى من المستحيل ان تصدقي أبعادها... أمامهم... كلكم مجرد بيادق يوليا... لدى لا تهدديني ... ان تورطت معي أو مع كيليان فستصبح مصائبك مع أوسوغارا هينة للغاية و بلا اي معنى... "
تعرف جيدا بأنه لا يدعي، بانه جاد للغاية، كل كلمة صادقة، استرخت كتفيها و استأنفت المشي، بعد عدة خطوات قالت بهدوء هذه المرّة عندما أدركت أن التهديد لن ينفعها:
" هناك مُنافِسة قوية تستعين بالعديد من المنضمات لينقلبوا ضدنا، والدي مريض جدا، انها ثاني محاولة اغتيال هذا الشهر... أوسوغارا تبحث في شؤونك لأنهم يعرفون بعلاقات الايميليانو بنا، يحاولون جس النبض، ان كنت ستظهر داعما منظماتنا..."
" من هذه المُنافسة؟؟" سأل بالرغم من أن له بعض الشكوك حول هويتها.
" خوانتيا... أرملة منافسنا القديم ريكاردو لا ايستيلا.. سبق و تعامل معه يانيس...هذا الأخير حرّم عليه السوق لخمس سنوات الى أن طالب ريكاردو مافيا الصين للتدخل بينهما و طلب العفو... "
توقف روكو عن المشي، أصبح الموضوع مهما فجأة، اترسلت يوليا بتفسير استلاء خوانتيا على السوق مؤخرا بأساليب قذرة، امرأة متعطشة للدم، متعطشة للسلطة، كل هذا لا يهمه بقدر اهتمامه بملاحظة واحدة:
" أسوغارا تتعامل مع خوانيتا؟؟"
" انهم يدا في يد.." أكدت له يوليا وهي تضم ذراعيها الى صدرها.
" و أنت من أعلم ذلك السياسي المنتخب عن شحنة أسوغارا كي يركزوا فجأة انتباههم علي؟؟"
رآها تقطب، هزت رأسها بالنفي:
" لما أفعل هذا بحق الجحيم..؟؟"
" كنت متأكدا بأنك وراء محاولة اشعال النار يوليا لإثارة انتباهي... لكن بدأت أرى بوضوح"
أخبره السياسي بأن أحدهم يريد الايقاع برأسه، و بما أنه وقف في وجه خوانيتا و حصل على حصانة للكونت أندريس و عائلته فقد فقدت المرأة عقلها و تريد التخلص من العقبة الوحيدة التي تحول بينها و بين انتقامها، فعل هذا حبا في داركو، زوجته كانت بين الحياة و الموت، هو لا يهجر مطلقا أصدقائه، و خوانيتا تجهل أي ثنين تريد ايقاضه، انها تستفز يوليا كي تحصل على تعاونه... فالامبراطورة الروسية ليست المقصودة انما هو.
" سوف اساعدك..."
رأها ترمش عدة مرات و تتلعثم بغير تصديق:
" مــ... مـــاذا؟؟"
" سوف أساعدك باستعادتك السيطرة على السوق و هزيمة خوانيتا و سحب مصداقيتها... "
بقيت يوليا تتطلع اليه بعينيها الخضراوين، تنتظر أن ينفجر في الضحك كي يكذب عرضه، الا انه صادق، ان لم يوقف هذه المرأة عند حدها فستشعل النار في حياة داركو، و لما لا حياته هو أيضا، عندما رأت بأنه لا يغير رأيه اتسعت ابتسامتها حتى أدنيها:
" بطريقة يانيس ايميليانو؟؟"
هز رأسه مؤكدا:
" بطريقته نعم... " عندما حاولت الاقتراب منه لتعانقه شاكره مد ذراعه أمامه ليمنعها:" مقابل وضع يدي في يدك يوليا أريدك أن ترحلي غدا باكرا الى أن تصلك أخباري التي لن تتأخر فلا تقلقي... خطيبتي لا تتحملك و أنا أكره رؤيتها منزعجة... "
ابتعدت عنه كما أمر محترمة المسافة بينهما:
" أنت متعلق بها اذن؟؟ قلبك يخونك. إنه الحب ، الأسوأ من بين جميع السموم.." دفعت شعرها الى الوراء مجددا :" بما أنك وافقت على التعاون معي فأفضل الرحيل الليلة... بريانا... امرأة محظوظة"
ادلف يديه في جيوب بنطاله مستطردا بصدق:
" أنت مخطئة يوليا... أنا المحظوظ بها..."

ملك جاسم likes this.

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:11 PM   #3818

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع عشر

انفتحت أبواب المصعد الذهبية على المشغل الشاسع، مثل المعتاد سابرينا من تهتم شخصيا بتنظيفه، لا أحد من الخدم يحق له الدخول الى هنا، انه المكان المقدس و المحرّم أيضا، دفعت صوفي كرسيها المتحرك الى الداخل، المرأة الشديدة الاناقة أمامها ماتزال تحترم حميمية زوجها حتى بعد موته من ازيد من سبع سنوات، استدارت هذه الاخيرة نحوها عندما شعرت بوجودها، كان بين يديها صورة لبورتريه والدها، تقوم بإبعاد الغبار عنها بقطعة قماش.
« ظننتك ما تزالين مع منظمة المناسبات؟؟»
«انتهينا و ذهبت الى حال سبيلها… ستعود غدا لانهاء بقية التفاصيل…» ردّت سابرينا و هي تعيد الصورة لمكانها و تدنو منها بدورها، أنفها ما يزال يلتقط رائحة الخشب القوية الممتزجة بعطر والدها، مزيج من القوة و السيطرة و السانتال و العود.
« و كأنه ما يزال هنا…» كانت تعرف بأن والدتها تدرك جيدا عمن تقصد بكلامها.
« لكنه ما يزال هنا صوفي الغالية» انحنت عليها لتلامس وجنتها برقة " في قلوبنا…»
« تختلف رحلة الحزن لكل واحد منا ... كل منا سلك طريقه الخاص على ما يبدو… الوحيدة التي تجهل باي طريقة ستتخلص من عذاب فقدانه هي أنا»
مات الشخص الذي أحبته فوق أي تعقل… هذه الخسارة أخدتها عبر واحدة من أصعب التجارب البشرية…أخبرها روكو بأن تتعلم كيفية التعامل مع الحزن بطريقة صحية و التكيف مع الحياة في غياب من نحب ليس بالمهمة السهلة، و أنه في كثير من الأحيان ، يستغرق الأمر مزيدًا من العمل والوقت… لقد كان انسانيا معها بينما يراها تفقد وزنها و رغبتها في الحياة برحيله، كان تقريبا يشبه يانيس في حنوه عليها، و في الليل… أتى ليأخد مكانه بجانبها خلال كوابيسها… كل شيء تغير معه ما ان بدأت بوادر الأنوثة تظهر عليها… رفض روكو ان تستقطب شقيقته الصغيرة نظرات الرجال.
أبعدت موضوع روكو الشائك على رأسها و أخرجت هاتفها المحمول كي تكشف صورة لأليساندرو دانيلا لوالدتها، رأسها على صدره و هي بنفسها من التقط السيلفي، يبدوان سعيدين للغاية مما يجعل مزاجها طيبا للغاية، انها تعشقهما للغاية:
« عادا لبعضهما؟؟ » سألت والدتها، لا تبدو مطلقا سعيدة لهذه المفاجأة.
أقطبت صوفي حاجبيها :
« ما لأمر سابرينيا ايميليانو؟؟ الم تكوني متحمسة للغاية لخطبتهما؟؟ تلعبين دور الحماوات الشريرات! …»
« لعلمك… روكو من كان متحمس لخطبتهما فهو و خوسيه فعلا كل ما بوسعهما لرميهما في طريق بعضهما…»
كانت على معرفة بهذا،اتسعت عيناها بعدم فهم:
« الم تكوني صديقة مقربة لوالدتها؟؟»
« يانيس كان مقرب جدا لعائلة كورتيز و المارتينيز هذا صحيح…"صححت والدتها و هي تضم ذراعيها اليها « لكن هذا لا ينفي بأن دانيلا تفتقد النضج و لا تستحق رجلا مثل اليساندرو… قامت بالتخلي عنه بطريقة مذلة و اجهل لما استعادها.. ففي النهاية شقيقك يملك كرامة من نار… حتى انه لم يتمكن من مسامحة روكو يوما»
« روكو قام برميه خارج البيت ان لم تخني الذاكرة» ذكرتها صوفي بلهجة لاذعة
« لأنه رغب به مستقيما!»
« مثله؟؟ مستقيما مثل العرّاب؟؟ انه ممتلئ بالأمراض النفسية… ابنك بحاجة لطبيب سابرينا… أولا اليساندرو و ثانيا أنا… سجينته في هذا البيت الواسع بحيث يرفض أن أنهي دراستي خارج جذرانه اللعينة »
سابرينا تكره بشدة ان يتم انتقاد ابنها المفضل، رغم كل نزاعاتهما الشخصية الا انها تذوب عشقا به.
« ذلك المتنمر قام بفتح بطنه من أجلك… كوني ممتنة له و لو قليلا صوفي… اجحافك بحقه مريع للغاية… ولا تظني ان اليساندرو نجح و اثبت بأنه رجلا بعيدا عن شقيقه… ان كان اليوم من ضمن انجح رجال الأعمال في أمريكا فلأن روكو دفع ثمن نجاحه… هل الأمور واضحة الأن؟؟ »
زمت صوفي شفاهها:
« طريقته غريبة لإظهار حبه لنا الا تظنين؟؟!…»
« انها طريقته الوحيدة نعم و التي يعرفها….»
« دعيني أضحك» استهزأت صوفي وهي تضع يديها على عجلات كرسيها المتحرك " طرقه أقل وحشية مع الجميلة اليونانية… يصبح الحمل الوديع حتى انه لا يرفع صوته في وجودها و كأنها تشكل له الحياة برمتها… ابنك يعرف متى و لمن يتخلى عن شراسته… أشعر أحيانا بانه يعاقبني لسبب أجهله… لو كان أبي حيا لما سمح له بإيذائي بهذه الطريقة…»
هزت سابرينا راسها ببعض الأسف، لكن صوفي لا تنوي البقاء هنا لتبادل الكلمات بشأنه، في كل مرة لا تخرج منتصرة أمام والدتها، هذه الأخيرة محامية جيدة.
«صدقيني… لو كان يانيس حيا… لكانت حياتك اسوأ »
لم تجبها، هي مقتنعة بأن والدها كان ملاكا و لن يكون لدى أي شخص آخر نفس تجربة الحزن مثلها ولا توجد طريقة "صحيحة" للتعامل مع الخسارة الفادحة، لن يكفيها العمر حدادا عليه، تعرف بأن علاقته بوالدتها لم تكن ورودا كل يوم، هذه الأخيرة كانت تخشاه لدرجة أنها لا تتنفس سوى بأمره، شقيقيها لم يكن لهما اعتبار أكبر من والدتها… لكن الوضع اختلف معها… أخبرها في عدة فرصة بأنها أجمل ما حذث في حياته.
عندما عادت الى غرفتها ارتمت بكل ثقلها على سريرها و دخلت الى مواقعها الاجتماعية المفضلة، رمشت عدة مرات بعدم تصديق بينما تكتشف أن الصورة التي وضعتها اختفت… صورة لها في سن الثالثة عشر مع والدها، نفس الصورة تحتفظ بها بجانب السرير الشبه بينهما قوي، لقد ورتث نظراته الزرقاء تماما مثل اليساندرو، لكن ملامحها قريبة منه أكثر و هذا شيء تفتخر به بشدة، روكو لم يرث شيئا من يانيس سوى السلطة… إنه إبن أمه عن جدارة.
كتبت رسالة فورا الى سانتياغو، هذا العمل من افعاله هي تعرف
( لما تدخل على صفحاتي الشخصية بحق الحجيم و بأي حق تحذف صورتي مع أبي؟)
جائها الرد بعد دقائق:
( صور ‘دون يانيس’ ممنوعة النشر كليا… اهتمي بالأحرى بصور كلابك و حيواناتك الاليفة و اتركي افراد العائلة بسلام)
زمت شفتيها بحدة، هذا حقا ما ينقصها، لو كان مكانها لقامت بخنقه بيديها، ضربت اصابعها بسرعة على مفاتيح هاتفها:
( ليس أنت من يملي علي تصرفاتي)
(ربما قد تروقك اكثر وسائل روكو المتعددة؟)
هزت عينيها الى السماء و ردت بحروف ضخمة مهددة:
(نصيحة…اهتم بحياتك المملة و اتركني اعيش حياتي)
( انت حياتي المملة صوفي… توقفي عن التصرف كطفلة و لا تبحثي عن اثارة الانتباه مجددا… روكو يملك امور أشد أهمية من تفاهاتك)
فريق الدفاع عن روكو كبير، الكل يراه المثل الأعلى مؤخرا، حتى اليساندرو تخلى عن عدواته، حتى أنه أصبح يخرج مع أصدقائه عندما يتصادف وجوده في صقلية، عموما فهي لم تبالغ عندما انتقدته قبل قليل بسبب تصرفاته مع بريانا، و تعترف بأنها تشعر بالغيرة لتواطئهما، روكو تغير بشدة منذ دخولها حياته، كم تمنت لو تكون بهذا القرب معه كما كان الامر مع والدهما، تشعر به دوما على صف الهجوم، لا يسعى لفهمها حتى و ان كانت تهذف لمحاذثة سلمية.
عاد الهاتف ليرن، لم تتفاجئ عندما رأت رقم خوسيه مارتينيز، منذ ايام وهو على جمر مشتعل بسبب اختفاء دانيلا، هذه الاخيرة نجحت بافقاده عقله و تظن انها تسلت كفاية بمعاناته، ابتسمت بشر و هي ترد عليه بنبرة متشفية:
« ما هو سبب اتصال رجل مشغول جدا مثلك لفتاة عديمة الاهمية مثلي»
« لا تدعي البراءة صوفي تعرفين بانني اتصل من أجل دانييلا»
« أمنطقي ما اسمع؟ هل تلتجئ لي عزيزي خوسيه؟؟ الحياة دوارة حقا… انا حقا منفعلة…»
« توقفي عن درامياتك فلا احد بجانبك ليعلق على صدرك ميدالية… انت ساعدتها ماديا اعرف بأنكما مقربتين للغاية»
هزت كتفيها بلا اهتمام:
«انا لا أنكر… نعم ساعدتها «
« أين هي؟؟»
«لست مجبرة على الرّد…»
سمعته يلتقط أنفاسا كي يتحكم في أعصابه التي نجحت دانيلا مؤخرا بإثلافها، ان كان يظن بأنها ستشعر بالشفقة نحوه… خوسيه صورة مطابقة لروكو… الاثنين سافلان و لا يُحتملان.
« عزيزتي… يا قلبي الطيب… لن يمكنني الغضب منك… أعرف بأنك تحبينني كما أحبك و ستخبريني عن مكان وجودها… « سمعته يتنهذ مجددا، صوته يأخد نبرة متحسرةx» دانيلا هي كل حياتي… أخشى عليها بشدة… «
رغما عنها بدأت تشعر ببعض التعاطف، لكنها ترغب بالاستفاذة من الوضع رغم قلبها الذي يدعوها لمساعدته:
« لما يجب ان افعل ما تطلبه؟ انت الذي طالما وقفت مع روكو ضدي كما أنك تأخرت ‘دون مارتينيز’"
قال مُقرّا:
« رحلت اذن؟؟…»
« أنت لا تستحق ولائي… لكن هناك ما قد يروقك معرفته، مدللتك المحمية عادت لاحضان اليساندرو… انهما في شيكاغو»
« هل انت متأكدة عزيزتي؟؟» بدى الارتياح عارما في صوته.
« قد اكون لطيفة لمنحك بعض المعلومات مقابل ان تقنع شقيقي بمنحي فرصة الالتحاق بالجامعة»
« الوقت مبكر يا طفلتي… أتيتي على الخروج من محنة جسدية و ماتزالين في فترة نقاهة»
هزت عيناها الى السماء، يتكلم بلسان شقيقها دوما:
« صرت قادرة على المشي بفضل اعادة التأهيل….يمكنني حضور المحاضرات… أريد الخروج من القلعة حتى بدزينة حراس فهذا لم يعد مهما»
عم الصمت لدرجة انها ظنته اغلق الخط، قال أخيرا:
« سوف اتفاوض معه»
« لا أريدك ان تتفاوض معه خوسيه… أقنعه… انه يثق بك بشدة و انت الشخص الوحيد الذي يؤثر عليه… أعرف أنه يكن لك محبة استثنائية »
« ماهذا الهراء صوفي؟؟ ان ظننت بأنه يحبني أكثر منك فأنت تهذين يا صغيرتي، مكانك كنت لأخضع نقاشا جديا و عميقا معه… انه يعشقك اكثر من الهواء الذي يستنشقه… فقط توقفي عن التعامي و امنحيه فرصة»
الكل يردد نفس الكلام، بأنه يحبها و انها الوحيدة الغير قادرة على رؤية هذا الحب، الحقيقة تتجلى في ان الوحيد الذي احبها حقا و بدون اي مقابل، الوحيد الذي وضعها قبل اي مصالح، الوحيد الذي كان يأخد بيدها وقت الحاجة و ينير طريقها و الوحيد الذي… اكد لها ذات مرة… بأنها ورتث نظراته و بأنه يرى نفسه من خلالهما كان والدها… بعد موته… مات كل شيء طيب معه… لن يتمكن روكو من أخد مكانه أبدا.
* * *
لا أثر له... لقد تنمرت على روحها و سخرت منها بينما كل خلية تطالب بتكسير أوامره و الإلتحاق به لمعرفة ما يحذث خارجا... هي تثق به.. آه بالطبع
فشتان بينه و بين زوجها الأول... أمام العرّاب ديميتريس باهث و بلا أي أهمية... وليس ديميتريس فقط... روكو يخفي كل الرجال من حوله... انه استثنائي...رجل بحق.
هي ليست العاقلة التي يظنها... انها مجنونة بالغيرة،و في هذه اللحظة النار ما تغلي في شرايينها بدل الدم، حتى مع ديميتريس لم تصل الى هذه المرحلة من الانسلاخ و الأدى العاطفي، تجهل متى أخد العراب مكان الهواء في رئتيها، أو حتى متى أزاح قلبها من قفصها الصدري ليجلس مكانه؟ لو أتى أحدهم ليخبرها بأنها بعد ديميتريس ستحب رجلا لحد الجنون لما صدقته... و رغم كل حذرها هذا بالضبط ما حصل... انها مغرمة و تحترق حبا و شغفا.
وهي امام منافسة أرادها يانيس بقوة لإبنه... ابنة بارون أسلحة... حسناء و سياسية و زعيمة مافيا... انها تليق به أكثر... فلتكن صريحة مع نفسها... اختيارات يانيس دوما في محلها.
وهذه الحسناء من يختلي بها حبيبها في هذه اللحظة.
إنه مع محتالة متمرسة لم تخفي ابدا بأنه يعجبها بشدة... بأنها تنوي تجربة كل اسلحتها لاستمالته.
شعرت بالضيق لأفكارها ووضعت يدها على بطنها تمنع رغبتها الكبيرة في تقيوء عشائها... ياله من وضع مريب... حتى انه لا يمكنها التصرف بتهور، ترك سريرها اللعين و التسلل الى الخارج للتجسس عليهما.
يوليا على الشاطئ مع خطيبها... سيكون مظهرها أشد فثنة تحت ضوء القمر... وفي النهاية... رغم كل اخلاصه، روكو هو مجرد رجل…. قد يفثن بها… قد يسحر بها كما سحر بها الجميع اليوم.
بلعت ريقها الذي يجري في فمها بطريقة غير مريحة.
لقد طلب منها.... النوم و عدم انتظاره.
لا و الأدهى أنه كان يعبس بتلك الطريقة التي يتبناها عندما يكون جديا للغاية، هل يدرك بأن النوم هو آخر زائر؟ بأنها في هذه اللحظة تحترق على نار هادئة؟؟ تتخيل الأسوأ؟ يوليا الحسناء تحت الضوء الفضي لقمر كامل في خليج جزيرة ساحرة… هي نفسها كانت اللوحة لتغريها.
وهي هنا… وعليها التصرف برقي و وعي…
« تبا…»
لقد ملت التصرف بعقلانية… فليذهب التعقل الى الجحيم.
رمت الاغطية جانبا و ارتدت على عجل روبها فوق قميص النوم الجديد الذي آملت أن يعجب الرجل الذي يتأخر في الظهور، أهملت خفيها و تسللت في الفيلا النائمة خارجا حافية القدمين، استقبلتها الرياح الشهية المحملة بنسيم البحر و الطبيعة المتوحشة، كان المكان شبه مهجور، تدرك بأن سانتياغو لا ينام قبل أن ينام رئيسه، و بأن أعينه منتشرة في كل مكان، لكنها لا تلمحه، لا هو و لا توأم اليخاندرو الغريب الأطوار، حتى رجال يوليا الخمس لم يكونوا متواجدين في الخارج، فقط هي و أشباح غيرتها السامة و القاتلة، تتسابق مع مشاعرها المشتعلة، كنمرة هائجة و مستعدة لقتل من يقترب من صغارها.
أمامها مساحة لا منتهية من السواد، الشاطئ خالي تماما، لا أثر للخطيبين القديمين، الارتباك نجح بدفع الادرينالين أكثر في شرايينها، كانت تلهث تقريبا بينما تسرع الخطى لتمشط بعينيها المكان… أين هما بحق الجحيم..؟؟
« آنسة بريانا » قفزت من مكانها مذعورة بينما تظهر فجأة أمامها جثة سانتياغو الضخمة، كانت ملامحه الجميلة متقطعة بين الظلمة و اللون الفضي، رغم صرامته الاعتيادية الا انها تلمح بعض التسلية في عمق نظراته الخضراء البندقية « هل يمكنني مساعدتك؟»
هل يمكنها الوثوق به…؟ يبدو بأنه يعرف سلفا بأنها بصدد البحث عن رجلها المفقود.
«لا أظن ذلك!…»
تجاهلته و حاولت تجاوزه الا انه عاد يسد طريقها، الريح الهادفة أتت لأنفها برائحة عطره التي لا تعرف اي فصيلة عطور رجالية تنتمي! لكنها رائحة متحفظة للغاية… رائحة تخصه هو فقط.
«ما الأمر سانتياغو؟؟ نحن في جزيرة خاصة… التمشي بمفردي لن يشكل أي خطر على سلامتي »
بقي يحملق لها للحظات قبل أن يقول:
«xأنت في الطريق الخطأ ان كنت تبحثين عن الرئيس…» أقطبت… تبحث في ملامحه بشك، رأته يهز رأسه نحو بيت من القش سبق وزارته هذا الصباح « انهما هناك…» أمام ملامحها ابتسم بسخرية قائلا:" لا تستغربي… فأنا أيضا لا أحب تلك المرأة »
منحها ظهره قبل أن يبتعد نحو الظلمة مجددا و يختفي تماما كما ظهر، لم تكن تملك الوقت حتى لطرح الأسئلة بهذا الشأن، سانتياغو وفي جدا لروكو، انه مستعد للموت بدلا عنه ان اقتضى الأمر، و بدل ان يمنعها من اقلاق راحته قام بتوجيهها الى الطريق الصحيح، جمعت شتات أفكارها و عادت تركز على الحاظر، مالذي يفعلانه في بيت القش؟ الم تقل تلك الأفعى السامة بأنها تريد فضاء عاري لأنها تشعر بالاختناق؟ هل استذرجت روكو بسوء نية لإغوائه؟ تراءت لها صور مريعة، لا يمكنها حتى تقبل خيالاتها اللئيمة و الجارحة، تعرف أن ثمة علاقة جسدية سبق و جمعتهما في الماضي، يوليا لم تتوانى عن التلميح الى الموضوع في سبيل مضايقتها و روكو لم ينفي شيئا… هل اشتعلت مجددا نار الجمر الخامدة؟؟ هل فقدته بسبب روسية حسناء قررت الدخول الى حياتها لأخد سعادتها؟
انطلقت ساقيها تحتها نحو بيت القش حيث اتضحت لها انارته على مسافة قريبة، كانت المشاهد القوية تتراقص امام عينيها لدرجة انها عجزت عن كل تعقل، شيء واحد فقط عالق في رأسها، يوليا بين ذراعي روكو...
تخاذلت وهي على بعد خطوة من المدخل… وماذا ستكون عليه ردة فعلها ان عثرت عليهما في وضع حميمي؟!! هل حقا تملك من الجرأة ما سيجعلها تتحمل صدمة مماثلة في أكثر الرجال وثقت فيهم في كل حياتها؟ من الممكن إدراك هذا النوع من المواقف بشكل مختلف.
أخذت وقتها في التفكير في الفكرة التالية… هل هي قادرة على تحمل صدمة أخرى؟
هل هي قادرة على … مواجهة ما يختبئ وراء هده الجذران الهشة؟!!
هل ستفقد روكو الى الأبد الليلة لأنه عكس كل ما ظنت؟
غيرت اتجاهها نحو الباب و اختبئت وراء الجذران حيث تصلها كلمات منخفضة غير مسموعة، وضعت أذنها على القش، تحاول سماع الحوار بينهما، لكن كل جهوذ التركيز ذهبت سدى، لا يمكنها التقاط شيء واضح، أنفاسها العالية تحول ايضا بينها و بين الكلمات،لم تكن قادرة على التحكم في نفسها، تشعر و كأنها مذبوحة من الوريد الى الوريد و تتخبط بيأس في دمائها، روكو هو كل ما تملك… ان فقدته ايضا فستموت.
استعادت بهجة الحياة بفضله هو و تشعر بأنها تعيش لأجله فقط.
ذلك الرجل أصبح الهواء الذي يجعلها على قيد الحياة… و لا حياة من دونه.
حاولت يائسة للمرة الأخيرة بتجاوز مسافات القش بينها و بين الثنائي، بعدها… لا تعرف بالضبط ما حذث… وجدت الجدار يبلعها، كل شيء مرxبسرعة شديدة، انتقلت من مرحلة الجاسوسة الى الحمقاء التي سقطت على وجهها أرضا، وكأن هذا لم يكن كافيا، انهار المتبقى من القش عليها ليترك من حولها كوخ ثلاثي الابعاد، كانت تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعها بينما تتسلل الى أذنيها شتيمة بالايطالية، بعد لحظة شعرت بيد قوية تنتزعها من الأرض، تعرف بأن منظرها مضحك للغاية، وهذا بالتأكيد لم يترك المرأة محايدة، سمعتها تنفجر في الضحك بينما روكو يواجهها بنظرات قلقة، يديه تتفحصانها كي يتأكد من سلامتها:
« ارجوك قولي بانك بخير…»
صوت الروسية الرنان مزعج جدا في ادنيها، لم تكن تعرف ان شعرت بذل أكبر من هذا، روكو الذي يراها دوما عاقلة و غير قابلة بالتأثر للغيرة الانثوية، تحاشت النظر اليه، نفضت الغبار عن ذراعيها و شعرها و روبها الذي انفرج ليسمح بظهور قميص النوم الجديد.
« لقد تعثرت… آسفة لازعاجكما لم اكن اعرف بأنكما هنا»
« انت كاذبة سيئة » علقت يوليا بنعومة.
القت نحوها نظرة كراهية، على الاقل احمر شفاهها في مكانه و هذا يطمئنها.
« اغلقي فمك يوليا» امرها روكو بهدوء.
« تنقص الثقة علاقتكما ! » تابعت يوليا وهي تدفع شعرها الاشقر الرائع الى الوراء متجاهلة اوامره:" تجهلين قيمة الرجل معك ايتها المسكينة!…»
تعترف انها منحت العصا لغريمتها كي تضربها بها، و هذه الفاثنة لا ينقصها الذكاء، كيف لها ذلك بينما تترأس عصابة اجرامية دائعة الصيت، رأت روكو يستدير نحو ظيفته قائلا:
« لكنني لا أجهل قيمة المرأة معي…» وضع ذراعه حول كتفيها و جذبها اليه، شعرت بدفئه و رائحته تلفانها، كان يفترض بها أن تشعر بالطمئنينة لكن وضع روكو في مواجهة ملاحظات لاذعة مماثلة تشعرها بالعار، هو الذي انتظر منها تصرفا اكثر تحضرا، أكثر رقيا… تقتحم خلوته بأشد الطرق سخافة، تشعر بنفسها مثل البهلوان على حبل ممدود في الهواء يحاول التحكم في توازنه" تعلمي التحكم في لسانك أو انسي موضوع التطبيع يوليا…»
رأت ملامح المرأة تستعيد جديتها، ليست بحاجة لروكو كي يدافع عنها، التقت نظراتها بنظرات خضراء شفافة، يوليا تشبه دمية البورسلان، انها جميلة جدا، جميلة و مغرمة حتى اعماقها ، ليست غبية كي لا تنتبه للمعاناة المرتسمة في اعماق نظراتها، تلك النظرات التي اختفت فورا لتتصلب و تعود للحيادية.
«xلمعلومك يوليا… ليس هو من لا أثق به…x» نبست من بين شفاهها" تكونين مخطئة ان ظننت لحظة بشكي في وفائه… العراب لا يخون ابداx»
ان كانت تظن بانها ستلعب دور الضحية، ثم نفضت المتبقي من الثراب على يديها « انتظر فراغك منها»
« فرغت منها…» رد روكو وهو يلفها بنظرة مشتعلة" حصلت عما اتت من أجله… و أنا متحرق للبقاء معك بمفردنا »
عادت نظراتها لتلتقي بنظرات الروسية، انها أقل هجوم، مثل وحش تمت تهدئته مؤقتا، لكنها ما زالت تخون نفسها عندما تنتقل عيناها الى روكو، يمكنها قراءة الخيبة، قراءة عبارة { أنت حقا لا تستحقينه}.
« قررت يوليا الرحيل الليلة…" قال خطيبها بلهجة عملية، و كان أجمل خبر سمعته منذ وصول هذه المخلوقة الى الجزيرة، شعرت بالراحة العارمة تغمرها" يمكنك تودعيها و انتظاري في السرير ريثما انهي واجبي معها…»
{ لا تشعري بالانتصار} نبهتها النظرات الخضراء ببعض التهكم، وهي لا تستهين مطلقا بالاشارات التي ترسلها، هذه المرأة تريد العراب، وهي امام مشكلة حقيقية، لقد منحتها فرصة لمح هشاشاتها، تعرف بأنها خائفة على علاقتها به منها، يوليا تذكرها بأفعى جميلة و بهية الالوان، سمها أفتك السموم في العالم بحيث يمكنها ان تقذفه على مسافة أمتار لتتمكن من ضحيتها دون الحاجة لأن تكون قريبة، و هذا ما يحذث… ستتمكن منها حتى و هي على بعد اميال منها… لأنها امرأة و تفهم جيدا ما يعنيه شعور عاشقة مجروحة القلب.
« كانت فرصة لطيفة…» قالت الحسناء وهي تمسك بيدها لمصافحتها" انت محظوظة به…»
ابتعدت بيدها فور ملامستها، رغم مظهر اناملها الرقيق الا ان قبضتها بقوة رجالية مذهلة.
« هذا صحيح… أنا محظوظة به»
تردد صوت المروحية في السماء بعد دقائق من عودتها الى الجناح، ازالت أثار غبائها بحمام سريع و التجئت الى السرير، فتحت الكتاب ما ان ترددت خطوات روكو، كانت تحاول الظهور بطبيعية بينما كل حواسها على أهبة الاستعداد، الكلمات تتراقص أمام عينيها و لا تفهم منها شيئا، انها أسوأ ممثلة على الأطلاق، فهمت هذا بينما ترى أصابعه تلتقط كتابها و تضعه أمام عينيها بوضع جديد:
« لا أظنك ستفهمين شيئا من كتاب مقلوب ‘كارا’…»
اذلال جديد أمامه، حسنا… انه يوم سيء من أوله…شعرت بوجهها ينفجر دما، تجرأت وهزت عينيها نحوه، رؤية التسلية في نظراته اراحتها، لكنها مدينة له بالاعتدار:
«لقد افسدت كل شيء… أنا آسفة»
هز كتفيه بعدم اهتمام و هو يجلس بالقرب منها و يدفع يده نحو شعرها الذي ما يزال نديا من حمامها:
« ان كنت تظنين ان رئيها يهمني اكثر منك حبيبتي فأنت مخطئة… آسف لأنني لم أخبرك بشأن ما ربطنا في الماضي…تكون يوليا لاذعة و مسيئة مع منافسيها »
« انا واحدة منهم؟…» مالت بوجهها لتتمكن من التقاط حرارة اصابعه" انها امرأة متفوقة الجمال و ذكية و صاحبة سلطة… اظنها تلائمك أكثر…»
« تظنين ذلك؟؟» سألها و هو يقطب بجدية، ينتظر جوابها ببعض اللهفة التي لم تعجبها أبدا، فجأة انفجرت غيرتها مجددا دون القدرة على التحكم بها:
« لا أيها العراب… لا أظن ذلك… تفوهت بهذه الحماقة فقط لأسمعك تنفي الأمر… لكن تبدو مفكرا اللحظة»
ثم انفجر في الضحك، رباه… انه يسخر منها، انه يتلاعب بمشاعرها و هي مثل الحمقاء تترك اندفاعاتها تفضحها، ضربت بيدها على صدره لكنه تمكن من حبس قبضتها في اللحظة الأخيرة، كانت تغلي من الغضب و الخجل، انه يجهل ما عانته في هذه الساعات الأخيرة،و كأنه فقه لنواياها بالابتعاد، أحكم قبضته على كتفيها و قربها منه، في لحظة أصبح رأسها فوق صدره، يده تداعب بنعومة شعرها، و كأنه يهدئ من روع حيوان خائف،حظنه امان، من المستحيل نكران هذه الحقيقة، من لم تمر بين ذراعي روكو ايميليانو لن تفهم ابدا هذا الاحساس بالكمال و الطمئنينة، تحب أن تلتصق برجلها لساعات و ساعات حتى بدون تغيير وضعيتها فلن تشعر بالعياء او التعب، كيف للمرأة أن تشعر بالارهاق من موطنها، من هويتها، من عنوان أنوثتها؟
« أحبك بريانا… لن يكون غيرك في قلبي… آسف لأنني لم أكسب ثقتك أكثر… لم أكن مقنعا كفاية… لكن أعدك أن أفاجئك بأجمل الطرق… بعدها لن يفرق شيء بيننا »
أجمل الاعترافات و الاعتذارات التي جرفت في طريقها كل السحاب المظلم كي تشرق شمس ساطعة في قلبها المعذب، هزت وجهها نحوه، من هذه الزاوية تراه فوقها مثل القدر، قبله… لم تكن تعرف احتياجاتها الفردية ، لقد دخلت بشكل منهجي في رغبة الآخر (هذا ما هو الإدمان: في رغبة الآخر). لم تكن تعرف رموز العلاقة الرومانسية الدائمة ، لقد قامت بتقييد قصتها الفاشلة مع ديميتريس وظلت دائمًا مع ذلك الطعم المر ، معتقدة أنها ليست محبوبة.
بالنظر إلى الوراء وسنوات قليلة من التدريب والعمل على نفسها ، ترى بأنه لا علاقة لها بخيانة ديميتريس . في الواقع ، لم يتمكنا من التعرف على احتياجاتهما في ذلك الزواج ، أو احترام نفسها اولا. في هؤلاء النساء اللواتي يعشقن كثيرًا ، ترى نساء مثلها ، لطيفات للغاية ، كريمات مع رجال لا يناسبنهن ، لكنهن لا يرين ذلك و يبقين معميات ، ولا يعرفن كيف يحترمن أنفسهن. مثلها تمامًا من قبل: أصبحت تعتمد على الآخر بدلاً من حبه ، فعلت أي شيء من أجله لإنجاح العلاقة. حتى لا تحبط كثيرا أمالها و توقعاتها.
ما اكتشفته في علاقتها مع روكو…بأن العاشقات للرجال الخطأ بحاجة إلى إدراك جذري… الابتعاد عن الآخر. بدل البقاء ملتصقًات برجال مؤقتين في اندماج لذيذ لا يمكن أن يستمر طويلاً، انهن يخاطرن بالدفع ثمناً باهظاً… تماما كما حذث معها…
تنازل المرأة لا يبني علاقة… تخاطر بتحويل ما هو لذيذ في البداية إلى سم قاتل. تعمل هذه المتعة السريعة بنفس الطريقة التي تعمل بها المخدرات والوجبات السريعة… هي تنازلت و ظنت أن هذا التناظل سينفع لتوطيد علاقة تبخرت و كأنها لم تكن يوما موجودة.
مع روكو تقف على أرض صلبة… هو لا ينتظر منها تنازلات… هو من تنازل من أجلها… هو المنزل الذي يسعى لأن يكون مريحا جدا لإقامتها… ومعه… تعرف بأنها المرة الأولى التي تغرم فيها حقا… التقطت نفسا عميقا و قالت من كل قلبها:
"وأنا أحبك كما لم أحب في كل حياتي روكو ايميليانو….»

* * *

« كيف هذا لا يمكنني الالتحاق بالدير؟»
لم تتوقع هذا الرفض القاطع من الأب لويس، هذا ثاني خبر سيء لهذا اليوم، رئيس الجمعية اتصل بها ليخبرها بأن ثمة مشاكل في كينيا و لا يمكنهم المغامرة بإرسالها حاليا، كل شيء خططت له ينفلث من بين اصابعها كحبات رمل، اليوم كان موعدها مع الكاهن الذي يعرفها منذ طفولتها، ولا يبدو انه يداعبها برفضه طلبها بدخول الدير… انه جاد… جاد جدا.
ثم أتت اليها فكرة جمدّت الدم في شراينها، التقطت فيرنا أنفاسا متتالية في محاولة تهدئة أنفاسها:
« هل ‘دونا كوستانسو’ مرّت من هنا؟»
بدت ملامح الكاهن أكثر حزم بينما يشبك أصابعه أمامه على الطاولة الخشبية و يحاورها بلهجة صارمة و كأنه يكلم طفلة صغيرة:
« نوياياك نحو الله ليست بالصافية» لم يترك لها فرصة الدفاع عن نفسها و انطلق شارحا:"اسمعيني فلانتينا…عليك أن تفهمي اختيارات نمط الحياة التي تتخذينها،أن تذهبي أبعد في التعبير عن إيمانك ورجائك بإله المحبة ليس بالهين لأنه تفريغ كامل و عطاء لا منقطع، إمكانيات الالتزام بالتعاطف مدى الحياة في مجتمع نسائي دولي ومتعدد الثقافات ومتعدد الأجيال… اعرف مكارم أخلاقك يا طفلتي، لكن هذا ليس كافيا… انت لست مستعدة لخدمة الله بينما قلبك يغلي حقدا و كراهية لوالدتك»
شعرت بالدم ينسحب من وجهها، ظنونها لم تخب، والدتها تواصلت مع الكل و قلبتهم ضدها، لا أحد في القرية يعرف بأن جورجينا والدتها، اذن فهذي الأخيرة كشفت كابوسها المريع و أكثر أسراها قتامة للكاهن فقط كي تثنيها عن عزمها؟؟ هل هي أيضا من حرض ادارة الجمعية كي يتم تأجيل سفرها الى كينيا؟ دفعت بيدها الى جبينها تفركه بعصبية.
« القلب المحب لـ لله لا يعرف الكراهية يا ابنتي»
« الله لا يحب الظلم أبتاه » ردت فيرنا و هي تهز عينيها المعميتين بالدموع نحوه:"انت تجهل كل شيء عن حياتي…»
فقدت اذن المعركة ضد والدتها و نجحت هذه الأخيرة لمرة لم تعد تعرف عددها لردعها و افشال خططها بالحرية؟!! انها امرأة قوية و لا تعرف التردد، لا تعرف معنى اليأس، هذا اليأس الذي تدفعها شخصيا اليه… و سانتو لا يسهل الأمور أيضا… أقسم على أن يطير الى ايطاليا ان لم ترد على رسائله… كانت مضطرة لكتابة رسالة صغيرة:
{ دعني و شأني و انسى أمري}
جاء رده سريعا… و لاذعا:
{ هذا ما سنرى}
لا تريد البقاء ليجدها و يستغل هشاشتها نحوه، و تجهل اين يمكنها الاختباء، بما ان الدير يرفضها بدعوى قلبها الممتلئ كراهية و كينيا التي اغلقت أبوابها بسبب الأوضاع السيئة فيها… عموما… سئمت الضغط برمته… لا تعرف اين يمكنها الرحيل ريثما تجمع شتاتها العاطفي و المعنوي.
«قبل اتخاذ القرار بتبني أسلوب حياة الراهبة ، يجدر بك الصلاة وتثقيف نفسك وسؤال نفسك عما إذا كانت إرادة الله لك لمتابعة هذه الدعوة غير العادية. الراهبات نساء محترمات للغاية ومثيرات للإعجاب من جميع النواحي. إذا كنت تعتقدين أن هذا طريق يمكن أن تزدهرين به فستجدين طرقًا لذلك… بعد أن تنظفي نفسك من الضغينة… انا من رئي والدتك… أنت مهتزة عاطفيا لاتخاذ هذا القرار المهم…»
بعد مغادرتها الدير لم تعرف فيرنا اي مسلك تأخد، كانت في فوضى نفسية عارمة لدرجة انها تفضل الاختلاء بنفسها، الأمور لا تسير مطلقا كما تتمنى، مازالت و ستظل لعبة خيوط والدتها، هذه الأخيرة ترفض مطلقا الخروج من حياتها.
ساقت شاحنتها القديمة نحو القرية، توقفت أمام منزل فليبينا، هذه الأخيرة كانت بصدد سقي خضارها في الحديقة الأمامية، استقبلتها بإبتسامة شاسعة من ان رأتها تترجل من السيارة لكن ابتسامتها اختفت بعد ان انتبهت لملامحها.
«ياطفلتي… ما الأمر؟»
بعد قليل كانتا بصدد شرب الشاي في الداخل بعيدا عن الجو البارد خارجا، غاصت أصابعها في الكوب الملتهب دون ان تشعر حقا بسخونته، بعد ان روت لها كل ما يحذث لا تشعر حقا بالراحة بفضفضتها، ماتزال الغصة المؤلمة تحول بينها و بين التنفس الطبيعي.
« راهبة؟؟ لكن فيرنا عزيزتي… من أين اتيتي بهذه الفكرة المجنونة؟»
« من الضغط الذي يولده الجميع علي… ضقت ذرعا بهم » أدركت خطئها ما ان نبست بهذه الكلمات، قد تكون فليبينا عجوز الا انه لا ينقصها الذكاء أو اليقظة.
« تتكلمين بصغة الجمع… x» مدت يدها لتمسك بالكوب الذي احرق تقريبا أصابعها المبنجة ووضعته على الطاولة:"هل هو حبيبك؟»
« هو ليس حبيبي دونا فيليبينا… هل تعيشين على كوكب آخر؟x» لكن هذه الدموع بحق الجحيم تأتي عندما لا نريدها" انه متزوج و أب لطفلة رائعة و تشبهه بشدة…»
لا تبدو العجوز متفاجئة من تصريحاتها التي تقذف بها خارجا للمرة الأولى:
« ظننت ان ثمة شيء ينمو حقا بيننا… انه يملك كل ما أريده في رجل…» توقفت بعد ان تعدّر عليها المتابعة، لم تكن تعرف بأنها متأثرة لفقدانه لهذه الدرجة، تشعر بأنها تنسلخ ببطئ عن جلدها:" و بينما كل شيء يسير بشكل جيد… أخبرني انه متزوج و أراني صورة ابنته… شقراء رائعة بعينان زرقاوين ذكيتين… كيف لي ان اغرم برجل متزوج دونا فيليبينا؟؟ لكن لما يحذث معي هذا دائما؟؟ يسقط اختياري على الرجل الخطأ؟ في البداية ذلك التعس جوفان الذي اخفته جورجينا الى هذا اليوم… ثم… سانتو… أشد الرجال تناقضا معي…»
أشبكت اصابعها لتضعها تحت دقنها بينما تحاول التحكم في اهتزازها بعصبية:
« سانتو متزوج؟…» رددت العجوز و كانها تكلم نفسها.
« يقول بأنه بصدد الطلاق منذ أشهر… » همست فيرنا وهي تمسح على وجهها الشاحب:" كل تبريراته لم تعد مهمة… تلتصق بظهره صفة متزوج… تعرفين جيدا رئي بالموضوع»
مدت العجوز يدها لتضعها تماما على مكان الأم في ركبتها في محاولة لطيفة لإيقاف اهتزازها العصبي، لكن هذا لم ينفع، هي صاحبة الطباع الهادئة، الفتاة المسالمة، الطيبة الفتاة المقاتلة و الشجاعة تترك أمرا سخيفا مماثلا يخرجها عن طوعها، بل و يخرج الاسوأ فيها… لم تخطط لحبه… تجهل متى تعلقت به أصلا، و هذا الاحساس بالعجز في داخلها مؤلم للغاية… الاحساس انها عاجزة عن الحصول عما تريده حقا للمرة الأولى في حياتها.
« أنت لست والدك فيرنا و سانتو ليس والدتك… »
هذه الملاحظة مؤذية للغاية، لأنها ما يجرحها الأكثر في أعماق روحها، أن تركض وراء رجل امرأة أخرى و أن تتألم تماما مثلما تألم والدها الذي مات حتى قبل أن يتجاوز الخامسة و العشرين سنة من عمره.
أن تحب شخصا مرتبطًا مؤلم دائمًا ، حتى لو كانت لحظات الفرح أكثر تألقا… بين الأمل والاعتماد والأحلام المحطمة: ‘السعادة بدوام جزئي’ هذا هو ما عليه الوقوع في حب شخص مرتبط.
في البداية ، قد يبدو الأمر ممتعًا. ما الذي يمكن أن يكون أكثر بهجة من بضع لحظات مسروقة بين ذراعي رجل يريد منحنا السعادة التامة؟ عندما يتعلق الأمر بالحب ، يصبح كل شيء معقدًا ، سواء كنت حرًا أو متزوجًا أيضًا.
« القصة الممنوعة بين أبي و أمي علمتني أن النزاهة مهمة و أن الحب خارج اطار الشرعية.. خارج القاعدة ، خارج القانون…مضيعة للوقت و تدمير للذات… أبي توغل في حبها مؤمنا بالمستحيل… ماذى جنى منها غير تكفلها بجنازته ماديا و ارسال باقة ورود كل شهر لقبر منسي تماما؟؟»
{ سوف نكون مع بعضنا فلانتينا… سوف ترين يا طفلتي…}
ترددت كلماته في اذن طفلة الخامسة، ممتلئة بالأمل، حتى في ذلك العمر كانت ترى الحقيقة التي يرفض والدها رؤيتها، لقد آمن بحبه لها حتى آخر لحظة، جورجينا تسلت به، لم تفعل شيئا لهجر الزوج الثري الأقل جمالا منها، دومينيكو لم يكن وسيما بالمرّة، كان يغار بشدة من الشاب الفاثن الذي أفقد زوجته عقلها.
زادت معاناته من العوائق… عاش كابوس حياة محكوم عليها بالسرية والتضحية… ما بدأ في البداية كترفيه جنسي و متعة والحصول على "الجانب الجيد" من الحب فقط تحول الى عذاب يومي، والدها أحب جورجينا حقا… بالرغم من أنه من عمر ابنتها ماربيلا.
هذا النوع من العلاقات يتم تشغيلها على الأمل… مثل اليناصيب… اما ان تربح… أو تخسر.
"لقد كانت علاقتهما مكثفة ، الأولى في حياته ، لكنها علاقة لا أتمناها لألذ أعدائي… أرفض عيش كابوس ابي"
« أعود لأكرر بأنك لست والدك و بأن خياراتك مختلفة… الم تفكري بأن زواج سانتو منهار بك أو بغيرك؟ بأن تضحياتك بالابتعاد لن يغير شيئا من قراره؟؟ ما تفعلينه بلا معنى… رأيت كيف ينظر اليك… رأيت فيه نظرات يانيس لأوكتافيا… لن يتركك فقط لأنك قررت مكانه بأنك تتنحين بسبب علاقة منتهية»
« علاقة منتهية» رددت فيرنا متهكمة:"برئيك من أنا بالنسبة لسانتو؟؟ سابرينا؟ أو أوكتافيا… من يضمن لك بأن التاريخ لن يعيد نفسهx! آه دونا فليبيبينا… أنت لم تتعلمي بعد من تجربتك العظيمة مع يانيس ايميليانو… الجينات لا تكذب أبدا… قد يكره سانتو والده الا انه صورة طبق الأصل عنه… و أنا لن أغير رئي مطلقا… لن أكون لذلك الرجل»
ترديد الكلمات جهرا تحبطها، قلبها في صراع عنيف مع عقلها، في الأشهر الأولى قد يكون النسيان صعبا، لكنها ستنساه لأن القلب مجرد عضلة كغيرها و مع التمرين الجيد سيتخلص من كل السموم، مشاعرها له مسمومة نعم،ربما تكون عظيمة، مثيرة بجنون، لكن هذه الاثارة بلا اي معنى، متناقظة مع اخلاقياتها، عاشت حلم يقظ لثلاثة ليالي كما طلب منها تبعه فتبعته بلا ثانية تفكير،الحب ليس اقوى من الواقع و المنطق، و هي… عليها الخروج مما يشلّها.
ضرب هاتفها و تفقدته بينما التقت حاجباها مما ثار اهتمام فليبينا:
« هو المتصل؟؟»
« ليس هو… بل مدير الجمعية…» ردت على المكالمة ببعض الحماسة، هل غيروا رأيهم؟؟ هل يمكنها الذهاب الى كينيا" مساء الخير سيدي»
« فيرونيكا ظننت انك لن تردي ابدا… لدي انباء جيدة… هناك بعثة خاصة بحاجة لمتطوعات ففكرت فيك…»
بلعت ريقها ببعض الصعوبة قلبها يدق بصعوبة :
« الى أين؟»
« جزر ياساوا في فيجي» قال المدير شارحا:" هناك 27 قرية تعيش تحت خط الفقر على الرغم من طبيعة الأحلام ، يعيش سكان هذه القرى الصغيرة في ظروف صعبة ، ناهيك عن محدودية الوصول إلى نظام تعليمي. ستساعد مشاريعنا التطوعية في تحسين الظروف المعيشية للمجتمعات المحلية… يحتاجون لمعلمة و مساعدة اجتماعية و نفسية… »
شعرت بأن الظلمة المهددة منذ الصباح تنقشع أخيرا،الابتسامة أقسمت وجهها الى نصفين:
« متى يمكنني السفر؟ »
« الفريق الايطالي سيلتقي في روما للقيام بالرحلة نهاية الأسبوع… هل هذا كافي لك؟»
هزت رأسها بالموافقة و كأنه يراها و أمامها في هذه اللحظة:
« كم مدة العمل التطوعي؟»
« من ستة أشهر الى سنة…»
مدة كافية لنسيان كل المآسي الأخيرة.
« انا مستعدة لخوض المغامرة… " أكدت بحماسة مما جعل العجوز بجانبها تتلوى من الفضول "
شكرا لأنك فكرت بي»
« بدوتي لي محبطة عندما تم الغاء مهمة كينيا من البديهي أن أفكر بك.. لسيما و قد قدمتي مؤخرا عونا كبيرا للجميعة، صرتي سفيرة ارشيبالد السخية…»
هذا بفضل سانتو، لا تعرف مالذي قاله لمالك ارشيبالد كي يكون هذا الأخير كريما و سخيا معهم.
عندما أغلقت الهاتف استعجلتها العجوز كي تشرح لها بحماسة
« سوف أطير الى جزر ياساوا للعمل التطوعي، سقط اختيارهم علي… " لكن ردة فعل المسنة لم تكن حماسية بالمطلق، رأتها تقطب قليلا:" ما الأمر دونا فليبينا؟»
« جزر ياساوا… ان حكمت على كلمات المرحومة أوكتافيا فإنها أجمل الجزر على الأطلاق، أمضت فيها أجمل أيام حياتها مع ‘دون يانيس’..كانت وجهتهما لشهر العسل»
ابتسامة فيرنا انسحبت ببطئ:
« مالذي تعنيه؟؟ »
غادرت المرأة مكانها بمجهوذ :
« لا أعني شيئا أيتها الصغيرة ولا تهتمي لتفاهات عجوز مثلي… سوف اجهز لك العديد من الكمادات تأخدينها معك في حالة اصاب ركبتك التهابا… »
بقيت فيرنا تراقبها بينما تعود هذه الأخيرة الى المطبخ لتنشغل بوصفاتها التقليدية، تجهل ما يقحم اوكتافيا كل مرة في حياتها، يانيس اخد زوجته الى هناك، و ماذا بعد؟؟ أهذاف زيارتها مختلفة، انها متعطشة للانغماس التام في ثقافة فيجي من خلال تقديم يد المساعدة للمعلمين الذين يعملون من أجل تعليم أفضل للأطفال في المناطق الريفية. ستعيش فقط من أجلهم لرسم الابتسامة على شفاههم، ستة اشهر كاملة من الهروب التام من ملاحقة جورجينا… قد تمنح هذه الفترة لسانتو فرصة التراجع و أيضا منح كيان جديد لعلاقته بزوجته و ابنته، و ان أحبت الحياة هناك قد تطيل فترة اقامتها، تشعر بأنها ستتعلم الكثير و الكثير… تشعر بأنها ستعطي ايضا الكثير.
* * *
لعب دور زوجة خوسيه مارتينيز ليس بالهين، انه متطلب، متطلب للغاية، ينبح كل الوقت و لا يتوقف عن اطلاق الأوامر، منذ ان حطت بها الطائرة الخاصة في باريس و هي تضع على وجهها قناع جديد يليق بالدور الذي يتوجب عليها لعبه خلال يومين، كل دقيقة هي محنة يجب أن تتحملها، كان وجوده بجانبها بحد ذاته محنة، أوزلام و المادو بقيا في القلعة مع حماتها و المربية، فشلت محاولات تفاوضها، أخبرها ببساطة بأنه لا ينوي تعريضهما للخطر من أجل نهاية أسبوع، أما فيما يخصها فظنتهما وسيلة جيدة للتخلص منه خلال النهار، تعرف بأنه سيحتاجها لسهراته ليلا و ليس قبل ذلك.
منذ وصولهما الى هذا الجناح الفاخر المطل مباشرة على برج ايفل و سيد الاساءة التامة ملتصق بهاتفه، و هذا يلائمها، بعد ان تأكدت بأن الجناح يحتوي على سريرين منفصلين شعرت بالراحة العارمة، كانت بصدد تعليق فساتين السهرة في الخزانة عندما شعرت بوجوده خلفها، استدارت على عقبيها لتجده واقفا على عتبة باب الغرفة، يديه في جيوب بنطاله، شبيها بفرسان عصور مضت… لكنه ليس بطل حرب،خوسيه مارتينيز… شغوف الأناقة، هي لا تتحدث عن أناقة الروح. لكن الجاذبية الخارجية الطاغية على الرغم من أنها تجد صعوبة في تقدير الثانية إذا كانت الأولى مفقودة.
« تظنين انك ستكونين في المستوى المطلوب الليلة؟»
«عطيتني طن من المعلومات عن المستثمرين أظنني املك موهبة خاصة في تدوين كل شيء و بسرعة و ان كنت عاجز عن رؤيتي بمنظار غير فتاة المستنقع خوسيه فهذه مشكلتك… كان يجذر بك تركي في اسبانيا بدل جلبي معك الى هنا»
تجاهل ملاحظتها، بقيت نظراته الذهبية متبثة عليها ثم انتقلت الى الخزانة التي تضم التحف التي قام شخصيا بإختيارها و كأنه يقيم الكل مجدد بمن فيهم العارضة أمامه، ثم القى فجأة نظرة على ساعة يده قائلا:
« لدي موعد خلال عشرين دقيقة مع بعض الشركاء… وانت لديك موعد مع خبير الشعر ليجد حلا لهذه الخصلات التي تتعمدين اهمالها » تلقائيا هزت يدها نحو الكعكة خلف رقبتها، لقد كانت تسريحتها صارمة و توافقت مع التايور العاجي الذي ارتدته للسفر، رغما عنها ملاحظته جرحتها، هو سيد الاناقة الطاغية، كبر بينما يهتم بمظهره خبراء أشد دور الازياء شهرة" أريدك أنيقة هذا المساء… هل هذا مفهوم؟»
انفجار… هذا بالضبط ما يحذث بذاخلها و لسانها يتآكلها بشدة كي ترسله الى الجحيم هو و حفلته اللعينة، لكن هيجانها لن يفيدها بشيء، عليها التصرف بحيادية، عدم تخييب اماله الكبيرة الليلة و العودة بعد يومين الى روتينها و منح طاقتها الى اعمالها التي تتركها بين قوسين لتقوم بما ينصه عليها العقد بينهما.
" مفهوم "
اكسيل هو اسم مصفف الشعر الذي لم يأتي بمفرده كما توقعت، التكلم بالفرنسية يعجبها، لكن ليس أكثر من الاجابة على ايمايلاتها المتعلقة بالدفعات الاخيرة، وثقت بمهارة الشاب الذي فهم جيدا بأنها تنوي الاحتفاظ بطول خصلاتها و لم تكن ضد فكرة منح لمعان اكثر للاطراف لمسايرة للموضا، خوسيه انتقد ذوقها التقليدي، لكنها تنوي مفاجئته الليلة و ليس فقط من خلال مظهرها، ستمنحه فرصة الانبهار بها كسيدة مجتمع حقيقية و ليس كدمية ينوي تقديمها الى رجال الاعمال و يتباهى بها.
انهت كتابة ايميالاتها في الوقت نفسه الذي طلبت منها مساعدة اكسيل منحها يدها لتقليم اظافرها… هل هي الانثى الوحيدة فوق الارض التي تشعرها هذه الاشياء بالملل؟ صحيح انها في بعض الأحيان ، يبدو الأمر وكأنها تقضي اليوم كله في عجلة من أمرها في حالة الطوارئ دون أن يكون لديها وقت للتنفس… بين الشركة و التوأمين و الدراسة لا عجب أن تتراجع احتياجاتها… نادرًا ما تضع رفاهيتها في صدارة أولوياتها… ومع ذلك ، فإن الاعتناء بنفسها أمر ضروري بما انها تحمل اسم المارتينيز.بالنسبة اليها فإن التركيز على الذات مرادف للأنانية و الكسل…و قد يكون هذا الرأي أكثر خطأً وظلمًا للبعض ربما أفضل طريقة للمواكبة هي التأكد من أنها تعتني بنفسها أيضًا بدل التركيز على الأعمال و الدراسة بينما تتوفر لها كل الرفاهية المجانية لتحقيق ذلك.
اختارت الخبيرة الوانا جريئة لاظافرها لم تكن لتفكر حتى بتجربتها يوما، تفضل الالوان الطبيعية و احيانا بلا اي طلاء لان من عاداتها السيئة قضم اظافرها، تغار من اناقة أظافر زوجها الذي هو رجل، يهتم بنفسه أكثر منها.
« هل يعجبك؟» سألها المصفف بينما يراها تتطلع الى أظافرها.
« أممم…» ردت آيا وهي تعيد يدها الى الفتاة التي استأنفت عملها بجدية.
تذكرها هذه الاهتمامات الزائدة بالماضي عندما قبلت عرض خوسيه بتقاسم ثلاثة اسابيع معه، عندما فقدت ملكية نفسها و جسدها و أصبحت دمية يتم الاعتناء بأقل تفاصيل لتروق المشتري كل ليلة، خوسيه احب بشدة جسدها المتناسق، كان يعلق عليه بكلمات عميقة مما يجعلها تشعر بالافتخار كونها تملك شيئا يميزها عمن سبقنها في حياته، و اليوم هي بنذوب… قد يكون جسدها استرجع رشاقته الا ان الندوب الحمراء ماتزال ملتصقة ببطنها و بجوانبه التي كانت بيضاء رقيقة في الماضي.
« أكسيل… أخبرني زوجي بأنك مصفف خاص لأنجلينا باكس… و بأنك المفضل لدى عارضات شانيل و ديور»
هذه الملاحظة جعلت الشاب يبتسم حتى اذنيه:
« هذا صحيح… لهذا قام السيد بطلبي لأهتم شخصيا بتسريحتك الليلة»
« انا حقا محظوظة و أنا متأكدة بأن النتيجة ستكون مبهرةx» تنهذت «x هناك حقا سؤال يحيرني.. أنجلينا والدة لأربعة أطفال و ما تزال الممثلة و العارضة التي تخطف الأضواء… كيف لهؤلاء النساء أن يحتفظن بأجسادهن بعد الولادة؟؟ »
اشار لها بالمشط الذي في يده منبها من خلال المرآة:
« هناك شيئ اسمه أطباء التجميل عزيزتي هل سمعتي بهم؟؟"
انفجرت في الضحك لطريقة سخريته منها بتلك النعومة التي تليق أكثر بالنساء:
« هناك العديدون نعم… لكن من منهم يمكنه ان يجعل جسد أم لأربعة أطفال بتلك البراعة؟؟»
التقط ورقة صغيرة من حقيبته الجلدية و انحنى ليدون شيئا قبل أن يحطه أمام عينيها:
« لا تنسي اسمه أبدا… انه طبيب خاص بالنجوم… اثمنته مرتفعة جدا لكنه يخلق المعجزات…" ثم اشار الى أنفه» هو من أعاد ترميم أنفي»
« أنفك رائع…»
« شكرا عزيزتي… يمكننا غسل شعرك الأن من المواد لتصفيفه…"
و النتيجة كانت مبهرة، ان كان الجميع يتسابق لأخد موعد مع هذا الرجل فلأنه حقا يملك أصابع سحرية، أطراف شعرها متلألئة و كأنها أمضت شهرا كاملا تحت أشعة الشمس، احتفظ بطول شعرها بينما حصلت على مظهر عصري للغاية و مشع، كيف يمكن لهذا أن يحذث كل هذا التغيير في وجهها؟ تشعر و كأن لون يعينيها مختلف، بشرتها أيضا التي لم تقم بعد بتجميلها.
« أظن أن زوجي احسن صنعا بشراء خدماتك اكسيل… أنت موهوب و انا مغرمة بما أرى"
«قولي هذا بعد انتهائي…»

* * *
«برئي هي أجمل مني في نفس العمر…»
تعلقيق ديامانتي على ابنتهما جعل ابتسامة نيوس تتسع، الرضيعة التي اتت على الخروج من المستشفى و تم استقبالها بحفاوة في الجزيرة ما تلبث تفتح عينيها الرائعتين لتغرق في سبات آخر، لم تسنح لهما الفرصة لرؤيتها مستيقظة أبدا، آريوس متأهب و دوما يطل بأنفه في المهد ليتأكد بأنها ما تزال هنا.
أخد مكانه وراء زوجته و أحاط خصرها الذي مايزال ممتلئا، قبل عنقها مستنشقا في الوقت نفسه عطرها المألوف، نزلت عيناه مجددا على الطفلة في المهد، تنام على ظهرها، قبضتيها الصغيرتين جدا بجانب وجهها، بشرة شديدة البياض تقريبا شفافة، شعر لا يمث لكثافة شعر آريوس بصلة، الخصلتين الاماميتن رماديتين، قد يتغير اللون مع الوقت لأن اريوس بدأ يسترجع ملامح والده الاثنينة مع مرور الايام، الا انه لم يفقد لون عيناه الفيروزية المتطابقة مع ديامانتي.
« ارفض الجزم عمن هي اجمل من الأخرى… أحبكما بشدة معا… انا عاجز عن الاختيار»
ترددت ضحكة ديامانتي بخفث:
« امنحك مباركتي نيوس… يمكنك القول بأنها الأجمل… " وضعت يديها على يديه فوق بطنها " تظن روبي بأنها صورة منها"
« ابنتي شقراء و تشبه والدتها» رد نيوس فورا.
« روبي توأمي»
« لكنكما لا تشبهان بعضكما… أنت النهار و هي الليل…»
« ليل ببدر كامل…» هز نيوس عينيه الى السماء " أعرف بأنك تحمل لها الكثير من المودة،آراكما متواطئين مؤخرا»
تحركت الصغيرة في مهدها، آريوس يشد على قبضتها فجأة ليوقضها:« هل تظنه غيور منها؟؟»
« أظنه مغرم حتى أذنيه مثلي » تركها بعد قبلة أخيرة على رأسها و انحنى على ابنه ليأخده بين ذراعيه " ما الأمر أيها الرجل الصغير؟؟ أدرك بأنك فضولي للغاية و أنا مثلك لكن الجميلة النائمة ترفض الاستيقاض منذ خروجها من بطن أمك و لا يسعنا سوى الانتظار للتعرف أخيرا عليها ».
ابتسمت ديامانتي ملئ فمها بينما تلاحظ الحب الشغوف في نظرات ابنها نحو شقيقته، الكثير من التواطئ بينه و بين والده، آريوس ينتقل بسلاسة من الايطالية الى اليونانية عندما يتكلم، انه طفل ذكي جدا و يستوعب بشدة كل ما يقال له، بعد تعليقات والده بدى متفهما للوضع، ما عليه سوى انتظار خروج الصغيرة من روتينها الذي اعتادته في البطن.
« لا تتوقف روبي عن طرح اسئلتها بشأن حفل المعمودية، كما ان هناك خالتي و زوجها ينويان التعرف على الصغيرة و الجزيرة »
هز نيوس عيناه القاتمتين نحوها:
« مازال الوقت مبكرا جدا الا تظنين؟؟ لم تستعيدي عافيتك بعد»
« انا بخير… فكرت في نهاية الشهر ما رئيك؟؟ "لا يبدو موافقا: " ما الأمر نيوس؟؟ انت ضد فكرة أن تكون روبي عرابة ابنتنا؟؟»
« بالعكس هذا يسعدني… "
« اذن لما هذا التحفظ؟؟»
أعاد آريوس الى الأرض، هذا الأخير توجه فورا الى شقيقته النائمة في محاولات يائسة لجذبها من النوم، تقدم نيوس منها و لامس خدها بظهر يده:
« الأمور ما تزال مضطربة في العائلة… دعيني أصلح الموضوع أولا كي لا تكون ابنتي بمفردها في هذا اليوم المهم »
« راموس لا يستحق أي تنازل… «
« أعرف حبيبتي… عموما ناقشت مارك أنطونيو في موضوع الوصاية و هو موافق…»
« نيوس انت تبالغ… لا أريد مارك أنطونيو بل أريدك أنت بجانب أطفالك و جانب مصالحهم… راموس طماع و خطر و انت تتهاون بإسم العائلة…"
« انا لست متهاونا ‘ديا’ عزيزتي… لكنني منطقي للغاية وواقعي، أفضل تأمين حياة الصغيرين و حياتك فلا أحد يضمن ما تخبئه الحياة و الظروف… مارك أنطونيو بنفسه يضع جوشوا مسؤولا عن مصير التوأمين ان حذث له مكروه، جوشوا يضع فلورانس و أيضا مارك في وصايته… هذه الأمور شائعة بين الاسماء الكبيرة، و يستحسن ان يؤمن كل فرد مستقبل افراد أسرته…»
يبدو مقتنعا بكلامه، انها تعيش الخوف منذ أن اسر لها بشأن الحرب مع ذلك السافل الذي يظن أن من حقه ثروة نيوس و يشكك حتى بأبوته لأريوس، لكن زوجها ليس سهلا هي تعرف، في الوقت نفسه متساهلا مع أفراد عائلته الكبيرة بإسم القرابة.
« اعطيه ما يريد كي يتركنا و شأننا »
« انها أموال والدتي، و هي تعود لأطفالي و ليس له…» رد نيوس بصرامة " لقد استفاد الجميع من أبي و مني كل هذه السنوات… و بالنسبة لراموس فلم تعد المسألة تقتصر على الاموال، انه ممتلئ بالضغينة نحوي و نحو آريوس، خاب أمله لأنني تمكنت من الحصول على وريث و بذل كل جهذه لتسميم افكار البقية الذين يتطلعون لي اليوم و كأنني سرقتهم… أمي كانت لتحزن لو رأت الى اي مدى توثرت علاقتي بعائلتها »
« كانت لتتفهم ايضا انهم ينون ورثك في الحياة نيوس، و بأن سرقة ارث حفيذها مباحة لهم» قالت ديامانتي بعصبية » اسمعني افضل ان اضع مسافة مع بقية العائلة حاليا تفاديا لاي مشاكل، و برئي من المستحسن ان نعود للعيش في اثينا كي لا تضطر في كل مرة اخد المروحية و التنقل بين العاصمة و الجزيرة، بهذا تكون ابنتنا ليم قريبة من طبيب الاطفال و يمكن لاريوس دخول الحضانة و الاختلاط بأطفال من عمره "
بدى نيوس يقيم العرض من كل الزوايا:
« سأشتري بيتا اكبر اذن فشقتي في العاصمة ليست مناسبة لاستقبال اسرة بكاملها»
« شقتك شاسعة نيوس» تدخلت متنهذة؟
« ليس مناسبة لطفل بعمر اريوس انه يلمس كل شيء و هذا خطر عليه… دعينا نطلع على سوق العـــقـــارات و نختار ما يناسب حاجياتنا…»
شعرت بالراحة لانه وافق دون ان يعترض كما كانت عادته في الماضي، زوجها تغير حقا.
« فليكن حبيبي… «
ابتسم لها قبل ان يدنو منها كي يأخدها بين ذراعيه:
« انا سعيد لأن الامور بيننا تحسنت و تسير على مايرام… سوف ترين ديا حبيبيتي… سأعمل على اسعادك كما اسعدتني بمنحي طفلين لم اكن لأحلم بهما… انت حقا هدية من السماء… سبيروس لم يخطئ بتقديراته»

* * *

« توصلت بالملف الذي تنتظره »
توقفت ميغان فجأة وسط مكتب رئيسها أمام الرأس الأحمر البراق المنحني على الأوراق يعبث بها، هزت ايموجين عينيها الخضراوين نحوها، متفاجئة بلا أدنى شك بمفاجأتها اياها.
« مالذي تفعلينه هنا؟ »
هاجمتها بعد ان قفزت هذه الاخيرة لرؤيتها، و راقبتها تقصد باب المكتب لتغلقه بالمفتاح، منذ يومين وهذه المرأة تحوم في كل مكان، كيليان يحاول البقاء محايدا بسبب وجود عائلة زوجته و بسبب اصابة أوكتافيا فيبدو أن الاقامة ستطول، لم يتمكن من منع نفسه من التعقيب ببعض المرارة على الوضع، في الماضي كانت تراه بارد التصرفات مع زوجته، كانت تعرف بأن زواجه ليس سعيدا، بأنه ليس مغرما بزوجته، لكنها لم تراه يوما متسرعا للتخلص منها من حياته.
« هل كنت تبحثين بين أغراض كيليان أم أنا أحلم؟؟»
لكن لا يبدو ان ايموجين متأثرة بهجومها الجليدي، رأتها تلقي بكومة شعرها الحمراء الى الوراء و تنتصب أمامها متطلعة الى الملف بين يديها.
« ما هذا؟؟»
« هل تظنين حقا بأنني سأعطيكي اي معلومات ان رفض كيليان فعل ذلك بنفسه ؟؟»
« أعرف بأنك أمينة اسراره نعم…" بدأت ايموجين بصوت بارد» ما أعتقده أيضا أن هناك امرأة في حياته…و اريد مساعدتك ميغان لأعرف من تنوي سرقة زوجي مني»
« هل تستمرين بالكذب عن نفسك ايموجين؟؟ كلانا يعرف بأن سبب انهيار زواجك منه ليس امرأة أخرى… لم يخنك كيليان طيلة زواجكما لأن الخصلة المميزة في شخصه ان كنت تجهلينها فهو الوفاء… توقفي عن البحث في اغراضه لأنني لا أنوي تركك تفعلين…»
« ما تجهلينه هو أنه منحني وعدا ولم يفي به…» علا صوت ايموجين يائسا " قال بأنه يمككنا المحاولة مجددا ان قررت ترك عملي فلحقت به الى روسيا كي نطوي صفحة الماضي و نبدأ حياة جديدة مع ابنتنا… لكن شيء ما حصل بين وعده لي و سفره اللعين الى ايطاليا… لا يمكن لحدسي ان يخطئ فكل المؤشرات تشير الى ان هناك امرأة اخرى و انا يائسة ميغان…» امسكت بيدها لتعصر عليها متوسلة» ارجوك ساعديني… اعرف بأنني لم افعل شيئا لك بينما تقوم بريتني بتخريب علاقتك بأخي …»
انتزعت منها ذراعها، اسم تلك الحقيرة يتسبب دوما بايذائها:
« لا تقارني بين الوضعين… لوكا خانني مع بريتني…»
ضربت ايموجين جبينها بيدها شاتمة بعنف قبل ان تستدير نحوها:
« امرأة ذكية متلك… امرأة تمكنت من الحصول على ثقة اسوأ رجال الاعمال طباعا في العالم كي يمنحها ادارة فروعه الامريكية من تقول هذا؟؟ كان مسليا وضعكما في البداية… لقد كنت انانية اعترف… لكن لوكا لم يلمس يوما امرأة وهو معك… بريثني اختلقت كل هذا للحصول عليه و قد قمتي بمنحها اياه على طبق من فضة… الشيء الذي لا انوي فعله مع تلك الحقيرة التي بسببها يستعجل كيليان الطلاق… انه زوجي بحق الجحيم ووالد ابنتي نحن نكون عائلة و هناك من تنوي تحطيم بيتي و تدميره»
بقية كلامها لم يعد واضحا، اتت ايموجين بتكرير كلام لوكا الذي رفضت تصديقه، المعاناة التي عاشتها في تلك الحقبة اهون مما ضرب قلبها في هذه اللحظة، هذه المرأة امامها هي وحش حقيقي، كيف يمكنها ان تتسلى بعذابها انذاك و تترك سوء الفهم يدمر مشاعرها نحو لوكا ؟ لقد عاشت الجحيم النفسي و المعنوي… إحساس مؤلم شعرت به في كل جزء من الجسد ، ولكن الاشد الما في هذه اللحظة هو الانعدام الأخلاقي لهذه المخلوقة الجميلة خارجيا و السامة داخليا. كيف امكن كيليان الزواج من امرأة مثلها؟ لكنها لا تنوي الاحتفاظ برئيها لنفسها… لوكا كان حبيبها و انتهى الامر، لكن الوجع ترك جروحا غائرة في قلبها والعلامات الجسدية للإجهاد العقلي حينها.
ايموجين تجهل العواقب النفسية لتلك التجربة المؤلمة التي مرتها و لم تكن تشمل فقط علاقتها بحبيبها.و تعترف انها اختبرت تقديرها لذاتها وهياكلها النفسية الأساسية. السؤال المطروح الآن هو: بعد ان تركت المها يصبح معاناة فهل تظن حقا بأنها ستقفز على فرصة مساعدتها فقط لانها اعترفت بأنها كانت لها يدا فيما حذث؟
« كيف تجرؤين بقول ذلك.؟؟» سألتها و هي تغرس في عينيها نظرات نارية
« قول ماذا؟»
« بأن انانيتك منعتك من قول الحقيقة لي بشأن لوكا بينما رأيتي الظروف الصعبة التي كنت اعيشها آنذاك؟؟ اتيت على فقدان أختي و زوجها و اصبحت مسؤلة عن طفلة صغيرة … احتفظت بالصمت فقط لأن الوضع كان برئيك مسليا؟ »
رأت كتفيها تتصلبان، بدت بأنها تجاهذ لايجاد الكلمات المناسبة:
« اسمعي ميغان… أعترف بأنني لم احبك يوما… لم اكن موافقة على علاقتك بأخي »
دنت منها ميغان اكثر، صدرها يغلي من الغضب:
« و من يهتم لموافقتك او عدمها؟ دعيني اخبرك بأنك امرأة فارغة و بلا اي ضمير، بأنك غيورة من سعادة الاخرين… في ذلك الوقت تعيشين الفراغ التام في زواجك و ترفضين رؤية لوكا مستقرا مع موظفة كيليان التي يستئمنها على اسراره اكثر من زوجته »
« هذا صحيح » صرخت بها ايموجين بعصبية « كلامك صحيح و لا يمكنني تغير شيئا مما حذث في الماضي سوى الاعتذار منكما… لكن انت يمكنك تغيير المستقبل ميغان… لا اريد ان افقد زوجي فأرجوك ساعديني… انا مستعدة لرد المعروف بأي شيء تطلبينه… سأخبر لوكا بأن تلك المحامية السبب و بالتأكيد لن اخبره بأنك كنت حاملا في ذلك الوقت و اسقطتي الجنين »
انسحب الدم من وجه ميغان، كانت تتوقع كل شيء سوى هذا، ايموجين تقوم بتهديدها «x اتفهم ظروفك و لا احاكمك ميغان… طفل من رجل خانك و »
« اصمتي» زمجرت بها وهي تمسكها من ذراعها « من اين اتيت بهذه المعلومات؟»
« انا طبيبة… » ذكرتها وهي تهز ذقنها" عندما اتينا انا و ناومي الى بيتك بعد طردك للوكا رأيت في سلة المهملات في الحمام اختبار حمل… لم اقل شيئا خلال اسابيع انتظر ان يعود لوكا بهذا الخبر و ربما ان تبدأ بطنك بالظهور… لا شيء حذث بالمرة فبدأت اشك بالموضوع… لدي احقية بالعثور على كل المعلومات الطبية… قمتي بالتخلص من الطفل في الاسبوع العاشر من الحمل »
تركت ميغان ذراع ايموجين التي التقطتها و فركتها تتطلع اليها بانتصار.
" لن يعرف مطلقا لوكا بالموضوع… يمكنك الاعتماد على صمتي كما يمكنني الاعتماد على مساعدتك…»
هزت ميغان راسها بإشمئزاز، هي تساعدها؟؟ أبدا… لقد اتخدت قرارها بالتخلص من حملها لأسباب عديدة منها لونا التي دخلت حياتها و كان عليها تغيير روتينها كله من اجلها، لم تكن تملك لا الطاقة و لا المجهوذ لاظافة حمل غير مرغوب به في القائمة.
« يمكنك اخبار لوكا… هذا لا يهمني أبدا… شقيقك خرج من حياتي و مشاكلك مع كيليان هي آخر اهتماماتي… لن يفلح أبدا الاستفزاز معي… لأنني ان اتبعت طريقتك ايموجين فلدي الكثير لأقوله أيضا عنك… مثلا أنك وراء ركض أوكتافيا الى حلبة السباق… سمعتك تكلمينها في المستشفى، أنت لا تصلحين ليس فقط كزوجة بل ايضا كأم…»
بالتأكيد لم تتوقع ايموجين هذه الضربة، رأت وجهها يشحب بشدة و تفقد كل جرأتها و شجاعتها، بقيتا هناك تتواجهان كعدوتين، كل منهما تعرف أسرار الأخرى، بالتأكيد هي اتخذت قرارها بالتخلص من حملها و قد يحاكمها البعض بوحشية، لكنها لم تكن تملك أي مخرج لوضعها و لم ترى نفسها كأم عازبة أبدا، الاجهاض كان الحل الأمثل، ربما هذا ما عزز كراهيتها للوكا كل هذه السنوات، لأن خيانته جعلت منها قاتلة، احدهم يحاول فتح الباب، ترددت طرقات صارمة مما جعلتهما تنهيان حرب النظرات، ايموجين كانت السباقة في الاستجابة، كما توقعت كان رئيسها الطارق.
رأت تقطيبته تزداد عمقا بينما يتنقل بينهما بنظراته الزرقاء الشبه شفافة.
« مالذي يحذث هنا؟ لما الباب مغلق؟»
« كنا بصدد الكلام و لم نرغب بأن يزعجنا أحد…» شرحت ايموجين قبل ان تلقي نظرة اخيرة على ميغان و تقرر مغادرة المكان.
دون ان يبعد نظراته عليها اغلق كيليان الباب، كان بهيا في قميصه الزرقاء من الحرير الصيني و شعره المسرح بأناقة، يتنقل بخفة الفهد و رشاقته، ملامحه الرائعة اتخدت تعبيرا مختلفا عندما انتبه للمغلف بين يديها.
« هل هذا لي؟ » بادرها بلغته الأم.
مدته اليه دون ان تجيب، تقدم من مكتبه و التقط سكين فضية شق بها فتحة المغلف ليخرج حزمة من الاوراق، بعد أن أمضى بضع دقائق في تفحص الأوراق الأولية عاد لينظر اليها و كأنه تذكر وجودها:
« يمكنك الانصراف ميغان شكرا لك »
الفضول دفعها لإلقاء نظرة على الأوراق و اكتشفت بأنها مكتوبة بلغة أخرى غير الروسية و الانجليزية، شيء يشبه … الايطالية؟
« أرى بأنك كنت متحمس جدا لوصول هذا الملف لدرجة انك استئمنتني شخصيا عليه… هل له علاقة بالعمل؟»
تجردت نظراته من الدفئ، يبدو حقا متسرعا للتخلص منها في مكتبه:
« لا أظن ان ما بين يدي يهم العمل أو يهمك بشيء… "
« يهم سفيرة ارشيبالد للاعمال الخيرية؟؟ » هذه المرّة ترك مكتبه و عبر المكتب الفخم الأنيق ليقف أمامها، هي ليست غبية و تلك الفتاة تتلقى اهتماما خاصا جدا من رئيسها، و ياللمفاجأة.. انها ايطالية… الاسم الذي تبحث عنه ايموجين بكل يأس." أحذرك كيليان… قبل قليل كانت زوجتك تبحث بين اغراضك … تشك بأنك على علاقة بأخرى »
« و ماذا برئيك أنت؟؟ هل أنا علاقة بأخرى؟؟»
« رئي لا يهم…افعل بحياتك ما تشاء» قالت بصدق ما تفكر به بأمانة.
« هذا بالضبط ما قلته قبل لحظة … بالنسبة لإيموجين فليس مكتبي فقط ما تقوم بتقليب أوراقه… لقد استعانت أيضا بمتحري لتعرف تفاصيل تنقلاتي… تستغل وضع اوكتافيا لتبقى في هذا البيت مع عائلتها… عموما كل شيء سيأخد مكانه قريبا… أريدك ان تركزي على عملك بدل حياتي الخاصة… و الان اخرجي من مكتبي لأن لدي أمور مهمة أقوم بها…»
أشار الى الباب، بقيت ميغان تنظر اليه بعيناها الرائعتين و كأنها تحاول القراءة فيه، لكن مالذي تظنه؟؟ بأنه غير واع بما يحذث؟ يعرف بانها تحبه و تحترمه و تخاف مصالحه، هذه المشاعر يتقاسمها معها، انها الوحيدة التي لم تخذله منذ التحاقها للعمل لديه، ميغان وفية جدا بطبعها، تنهذت و هزت كتفيها كعلامة استسلام:
« فليكن كيليان… طائرتي بعد ثلاث ساعات ان احتجت لشيء قبل رحيلي»
« قمت بعمل رائع …» قال لها كنهاية المقابلة.
بعد ان رحلت اغلق الباب بالمفتاح قبل ان يجلس مجددا وراء مكتبه و يفتح الملف الذي اتى على استلامه من رجله الامين ‘جاندر’…
"Valentina Dal Re"
«الجميلة كذبت عليه بشأن اسمها، عندما اختارها كسفيرة للاعمال الخيرية ادرك حينها ان فيرنا او فيرونيكا اسم مستعار تفضل ان يناديها الكل به، انها تنسلخ عن اسمها و عن اصلها مثله، او ربما مثلما كان.. شتان بين كيليان السابق و الحالي، تعلم من سانتو انهما شخص واحد و تعلم الحب منه ايضا، انه سانتو يانيس دافيس ايميليانو و اصبح يتقبل هذه الحقيقية، وثيقة شهادة الميلاد تحمل فقط اسم والدها {Lorenzo ugo Dal Re}
تاريخ الميلاد و الوفاة، كان في الخامسة و العشرين، يتفهم مرارة حبيبته العنيدة صاحبة المبادئ الجبارة، الصورة توضح ملامح شاب وسيم جدا و ايطالي حتى الجذور الصورة الثانية له مع طفلة الثلاث سنوات، يمكنه ان يخمن بسهولة بأنها فيرنا او فلانتينا بعيناها الشاسعتين الرائعتين و شعرها الحالك السواد مثل شعر والدها.
يصدق ادعاءاتها بشأن مميزات والدها الجسدية، يمكنه بالتأكيد اثارة اعجاب كل النساء، صفحات لا منتهية من السيرة الذاتية لـ لورينزو دال ري… ثم عثر على الخطوط المدونة بالأحمر حيث عمل في سن العشرين عند عائلة صقلية شديدة الثراء، بالاشارة الى هذه الاسطر جاندر يحاول اثارة انتباهه الى الاسم المعروف للكوستانسو…
سيزار كوستانسو هو الصديق الروحي لروكو، داركو فالكون هو قريب هذا الأخير و ايضا ضمن شلة اصدقاء العرّاب، مرّ الى صفحة اخرى تحمل العلامات الدراسية الخاصة بفيرنا، سبق و أكدت له بأنها كرهت المدرسة بسبب التنمر و هذا بالتأكيد ظاهر في نتائجها، ان كان شخصيا مجموعه يؤهله لدخول اي جامعة مشهورة، فهي كانت ضعيفة في كل المواد حتى الايطالية، بدأ بقراءة ملاحظات الاساتذة:
{ تفتقد للتركيز}
{ تلميذة غير نشطة و غير متألقة}
{تلميذة غير سعيدة}
{ مشكلة الاندماج مع الأخرين..}
المئات من الملاحظات على مدار سنوات دراستها التي توقفت دون ان تصل حقا لمستوى عالي، ديبلوم صغير للمساعدة في الحضانات، دبلوم آخر كمساعدة اجتماعية، شهادة اعاقة و المبلغ الذي تتقاضاه من الدولة أيضا، كل الكشوفات الطبية هنا، من يوم اصابتها حتى آخر عملية قامت بها قبل ثمان سنوات في روما.
انه ينوي بالتأكيد طرح مشكلتها على طبيب متألق يعرفه جيدا و يحذث المعجزات، ليست الاعاقة في حد ذاتها ما يزعجه بل رؤيتها شاحبة نهاية النهار بسبب الالم المبرحة، لا يمكنها الاستمرار في العذاب بصمت، ينوي تقاسم كل شيء معها.
على المكتب وضع الأوراق التي بحث في تفاصيلها عما هو أهم، سيأخد وقته بقراءة كل جزء، وصل الى المعلومات التي تتعلق بالمرأة الثرية التي نبذتها، لم يكن متفاجأ بينما يكتشف بأن دونا كوستانسو هي نفسها والدتها، شك بالأمر عندما سقطت عيناه على الاسم في البداية حيث عمل والد فيرنا في بداية شبابه.
صور جورجينا كوستانسو في عدة مناسبات، انهما شبه متطابقتين، يملكان نفس النظرات، فيرنا أرق من والدتها، أكثر انسانية، رمى بإهمال الصور و الاوراق بجانب سالفاتها و احتفظ فحسب بالمعلومات الطبية، جلس خلف مكتبه ثم التقط هاتفه ليركب رقما:
« كيليان ارشيبالد… هل يمكنني مكالمة الدكتور Stanislas رجاءا؟؟ »
بعد قليل وصله صوت صديقه الذي ابدى حماسة عالية جدا لاتصاله، بعد ان افرغ حماسته في التكلم عن السباقات الاخيرة التي اهلت مجددا ارشيبالد في المراكز الأولى انتقل الى الموضوع الأكثر أهمية برئيه:
« تتذكر تلك الصديقة التي كلمتك عنها و التي عانت مع ركبتها التي تم اعادة ترميمها عدة مرات الى ان يئسم الاطباء… ملفها الطبي أمامي… هل يمكنك القاء نظرة رجاءا و رؤية ان كان هناك أمل في شفائها…»
« نعم بالتأكيد أتذكر…» أكد الاختصاصي:" الطب دوما في تقدم و هناك العديد من التقنيات الجراحية المبتكرة القليلة التوغل… ارسل لي ملفها الطبي و سأهتم بالموضوع »
شعر بالراحة لهذا الأمل الذي يلوح في الأفق:
« لن انسى لك هذا الجميل ستانيسلاس… تجهل ما يعنيه هذا لي…»
« يمكنني التخمين نعمx» ضحك الرجل من الجهة الثانية" نفس ما يعنيه لي موديل ارشيبالد الأخير … اسم غريب لوحش من حديد ‘ночная бабочка’ قل بالأحرى نمر الليل »
فراشة الليل… ومن غيرها؟ فيرنا الجميلة بشعرها الحالك السواد و هي تنام على ركبته في تلك الليلة الهادئة و تكلمه عن نفسها… ثم طارت فراشته في الليل ما ان عرفت بأنه مرتبط.
« سيكون امام بيتك بعد اسبوعين… جد حلا لها و أعدك الا أخيب أملك »
بعد أن اغلق الخط مع الطبيب، أعاد الأوراق كلها الى المغلف ثم ترك مقعده ليضعها في خزنته الأمنة، أشعل جهاز التلفزيون قبل أن يعيد تسجيلات المكتب، ايموجين تبحث في كل أوراقه قبل ان تقتحم ميغان المكتب، المواجهة المرأتين تبدو حامية، رفع صوت الجهاز ليتمكن من سماع القذائف المتبادلة.
منذ سنوات، كان يشك في أن ابنته ضحية أمها… ايموجين تعاني من اضطراب الشخصية النرجسية، كانت مضحكة و ساحرة و جذابة في البداية و كشفت تذريجيا عن وجه مختلف تماما، وجه متلاعب خبيث و سام، تأرجح زواجهما بين التلاعب و الدمار… أوكتافيا من تدفع الثمن… و هو آسف لأجلها و لأجل نفسه.
اطفأ جهاز التلفاز ما ان ترددت طرقات على باب المكتب، فتحه محتفظا مثل المعتاد بمشاعره لنفسه، اليساندرو و دانيلا من استقبلاه بإبتسامة عريضة.
« سوف ترحلان اذن؟؟ » سأل سانتو متبنيا أهدأ وجه يملكه في سلسلة الوجوه الامنتهية التي يضعها في عدة مناسبات.
« يجب أن نعرج على نيويورك قبل الطيران الى صقلية… " شرح اليساندرو و هو يحكم بذراعه خصر خطيبته الشابة و يقربها أكثر منه « شكرا للدعوة كيليان و للاستقبال الحار، أمضيت وقتا ممتعا »
« تقصد قبل ان تطير لانقاذ ابنتي و تكسر ذراعك؟؟» لاحظ سانتو ببعض المرارة، مازال يشعر بالذنب لما حذث، شعور غريب نحو رجل طالما حمل الضغينة له و لعائلته، مشاعره تغيرت تماما نحو اخاه الصغير.
«اي شخص مكاني كان ليسرع بإنقاذ طفلة صغيرة من الخطر…»
هز رأسه موافقا:
« مالذي يمكنني فعله لرد الجميل؟؟»
« مفاجأتي بزيارة الى سكاي ذات يوم لشرب قهوة؟؟ » اقترح أخاه بإبتسامة مشرقة.
شاركه ابتسامته، كيف لا يمكنه خفض موانعه أمام هذا الرجل الذي لا يخفي مطلقا حبه نحوه:
« سوف أفعل بالتأكيد… فكرت بوضع مجموعة من الخبراء تحت امرتك ريثما تستعيد عافيتك… ‘سكاي’ لن تتقدم بمفردها…»
« سبق و تكفلت بالموضوع شكرا لاهتمامك… ما ان اعود من صقلية حتى تكون هذه الجبيرة ذكرى من الماضي »
« تنوي دونا سابرينا الاهتمام بطفلها المصاب بنفسها؟؟»
ضحك اليساندرو لسخريته الناعمة:
« شقيقي ينوي مفاجأة خطيبته و وجودي ضروري و لا نقاش فيه …»
تصلبت ابتسامته التي تعمدها خلال حوارهما، تجعد جبينه ، ثم أومأ برأسه :
« تفعل دوما كل ما يطلبه شقيقك؟؟»
« انا مدين له … اكن له الكثير من التقدير و المحبة… xبدونه لم تكن عائلتي على ما هي عليها اليوم… انه يستحق كل الامتنان»
اليساندرو هادئ و لطيف بطبعه، لم يرث شيئا من شراسة يانيس ايميليانو، يجهل من هو روكو حقيقة، يتكلم عنه و كأنه احدى عجائب الدنيا السبع،وكيف يلوم ذلك الرجل بينما يجد نفسه وقد ورث الكثير من يانيس حتى بدون الاحتكاك به؟، القيم ، وجهات النظر العالمية ، أنماط الحياة ، العقلية ، الأذواق ، طرائق التفاعلات ، السلوكيات ، سمات الشخصية ، آليات الدفاع ، الميول العاطفية ، المهمات ... هذا الانتقال التوافقي الجيني يجعله ‘يانيس’ في زمن آخر سواء أراد ذلك أو لا، فكيف لروكو الذي عاش بجانبه حتى بلوغه و امتص منه كل شيء حتى لقب العرّاب؟؟
لم يتوقع ان يحضنه اخاه الصغير بطريقة حميمة لتوديعه:
« اهتم بنفسك أخي » سمعه يقول قبل أن يأخد بيد خطيبته و يغادر المكان.
أخي… الكلمة غريبة جدا في أذنيه… حميمة و مريعة… أقطب سانتو مفكرا… هل اليساندرو يعرف بحقيقة قرابتهما؟؟ أم أن الكلمة اتت عفوية مقابل المودة التي يحملها له؟؟ أخرج هاتفه ليدير رقما عائدا الى مكتبه في الوقت نفسه، انغلق الباب خلفه بصوت هامس:
« هذا أنا…» جلس خلف مكتبه، صورة أوكتافيا مبتسمة في الاطار الذهبي، لامس ملامح وجهها الطفولية قبل أن يعود لمستمعه « لا أريدك ان تغفل عن زوجتي لحظة واحدة، كل تحركاتها و تعاملاتها و اتصالاتها أريدها بإستمرار على مكتبي، يمكنك تجاوز كل الخطوط الحمراء… لم يعد أمرها مهما »
« أمرك » جاء الصوت صارما من الجهة الثانية:
« شيئ آخر…» اضاف سانتو وهو يسترخي في مقعده"قل لرجالك أن يتركو اليساندرو ايميليانو بسلام… جد طريقة كي يستعيد صفقاته الاخيرة دون ان تثير الشبهات »
* * *
" لا ننطق الكلمة بهذه الطريقة آنجلو… " تدخل سيزار للصبي الذي يراجع دروسه وانحنى عليه لينطقها بالطريقة الصحيحة، ثم بدأ بالقراءة من بداية الجملة" لقد عبرت إيطاليا بالعديد من الانقسامات الجغرافية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تؤدي أحيانًا إلى التشكيك في أهمية الدولة الموحدة "
تنهذ آنجلو و رفع عينيه نحو الرجل الذي أصبح تقريبا في مكانة والده:
" أكره التاريخ…"
" أنا أيضا كنت أكره التاريخ…» اعترف سيزار و هو يستوي في وقفته و يدلف يديه في جيوب بنطاله"أنت تميل أكثر للرياضايات و الحسابات مثلي… لكن على التلميذ المجتهذ أن يكون متفوقا في كل المواد و أن يتعرف على البلد التي ينتمي اليها… " هزّ آنجلو رأسه موافقا بينما منحه سيزار ابتسامة مشجعة:
"تجهل الى أي مدى أنا فخور بك… رغم اختلاف الثقافات و اللغة الا انك الأكثر تفوقا في الصف… أتصل بي المدير ليخبرني بأنك طفل فضولي للغاية و متعطش للمعرفة "
" أفعل هذا لأجلك " اعترف آنجلو، خديه محمرّتين قليلا.
أقطب سيزار بعدم فهم
" من أجلي؟؟"
" أنت و عمتي روبي منحتماني أسرة… لا أظن أن أبي كان ليكون أفضل منك لو مازال حيا"
شعر سيزار بأن هذه الكلمات تخترق قلبه بطريقة غريبة لدرجة أن الالم و السعادة انفجرا داخله، هو شخصيا كان مقرب جدا من والده الذي كان نعم الأب لو لم تحوله جورجينا الى رجل مرير و تعس و مجنون بالغيرة، يتفهم الاهتزاز النفسي الذي كان يعيشه آنجلو، وهو يشعر بالخجل من غيرته عندما ابدت زوجته اهتمامها به، مجددا انحنى على الصغير و لامس خصلات شعره السوداء الناعمة، العاطفة تخنقه بشدة:
" إعلم انني لا انتظر منك شيئا يا صغيري، أن تفوقت في دراستك فلأنك بحاجة لصقل نفسك لأنك ذات يوم ستحصل على ثروة والدك و جدك أيضا… تلك الثروة كبيرة و بحاجة لقبضة حديدية، انت لست مدين لي بشيئ… سأحبك حتى و ان كنت متأخرا دراسيا… أرفض قطعا أن تجهذ نفسك لأنك تظن بأنك مدين لي بالنجاح… فكر في والديك كلما حصلت على علامات ممتازة، أظن أن نجاحك سيجعلهما أكثر سعادة حيث هما…"
بدى آنجلو يجاهذ للتحكم في عواطفه، فجأة ترك مكانه ليلقي بنفسه بين احضانه، يديه الصغيرتين تحيطان خصره بشدة و كأنه لا ينوي تركه أبدا.
آنجلو طفل قوي الشخصية و حساس جدا ايضا، احيانا يكون سهل الكسر، لكنه يعمل على نفسه كإنسان بالغ، أخبرته طبيبته النفسية بأنه يعيش بشكل أفضل اختفاء والدته، و بأن كل كلامه يدور عليه، يراه مثله الأعلى و بالتأكيد هذا يدفئ قلبه، ربما حان الوقت كي يسأله السؤال الذي يتباذر بشدة في رأسه منذ أسابيع.
" آنجلو… هناك ما يجب أن آخد رئيك به"
ابتعد الصغير عنه كي يتطلع اليه بعيناه الواسعتين بإهتمام شديد، نظراته دوما هائمة به، ملتصق به أكثر من التصاقه بروبي التي بدأت هي من تشعر بالغيرة من تواطئهما و ليس ما خشيه من البداية، دخول آنجلو حياته غير فيه الكثير.
" هل سبق و سمعت بكلمة التبني؟؟"
هز الصغير رأسه:
" التبني؟؟"
" نعم أيها الصغير…" قال سيزار مبتسما " التبني هو لقاء قدرين… قصة سيتم كتابتها معا… مغامرة حب وصبر… التبني هو الرغبة في تكوين أسرة جديدة ووقتًا للفرح والسعادة … التبني هو أن تصبح رسميا الإبن الذي أريده و أنا الأب الذي تحتاجه…" أبقى الصغير فمه مفتوحا من المفاجأة " آنجلو… هل تريد أن اصبح أنا والدك و روبي والدتك بشكل رسمي؟؟ سأمنحك اسمي الى جانبا اسمك كآنجلو سيفيرانو… سيصبح اسمك كاملا هو آنجلو جوزيف سيفيرانو كوستانسو… و أعدك بأنني سأحبك مثل ابني البيولوجي، ان أمنحك الدعم الذي ستحتاجه، أعدك ان اقف بجانبك في السراء و الضراء…"
عيون آنجلو امتلأت بالدموع، كان يمنع نفسه من الانفجار في البكاء، يراقبه بصمت من اثقلت المشاعر قلبه الصغير، لن يطرح على نفسه المزيد من الأسئلة بعد اليوم. هذا الطفل هو ابنه وسيتصرف مثل كل الأباء: سيستيقظ ليلاً ليتأكد من أنه يتنفس ،يغضب عندما لا يأكل ، ينفجر فخرا عندما يجامله الناس على ذكائه و تهذيبه و أخلاقه العالية.
" ليس أنا فقط من سيتبناك… نحن سنتبنى بعضنا البعض"
" ويمكنني مناداتك بأبي؟؟"
" كلما راقك ذلك…" هذا التأكيد سلب آنجلو كل سيطرة، عاد ليحضنه غارقا في دموعه، كان يهز نحوه نظرات ممتنة للغاية…" لم تمنحني ردا؟؟"
" أنا موافق… أبي"
لم يكن يدرك سيزار ان هذه الكلمة ستؤثر به لهذه الدرجة، في الأساس ، آنجلو من يتبناه… ما هو الجزء الأكثر صلة بالأبوة ، أخلاقياً ونفسياً؟ الكثير من الأسئلة التي من المؤكد أنها ستظهر أجوبتها في المستقبل .
" هل انت موافق من أن نتقاسم هذه الأخبار الجميلة مع روبي؟؟"
وافق الصغير بسرعة، في كاتانيا، يقيم مع زوجته في شقته بعيدا عن عائلتيهما اللتين حاولتا بكل الطرق ليعدلا عن رغبتهما في ايجاد حميمتهما، جورجينا أكثر من تصر ليسكنا معها في قصر الكوستانسو، بالتأكيد روبي رفضت العروض بحزم، ينتظرا فحسب توسيع العائلة للحصول على منزلهما الخاص… حاليا آنجلو يفضل النزول في شقتهما على البقاء في قصر السيفيرانو مع جدّيه.
شم رائحة جورجينا فور خروجه الى الرواق المؤدي الى الصالون، لم تكن فقط والدته هناك، بل أيضا دوناتيلا، شقيقته الصغيرة، الملل المرتسم على وجه روبي نبهه بأن المباحثات في تفاصيل الزفاف لا تمر كما يتمنى… فقط لو تتمكن والدته و زوجته الاتفاق معا.
" أه حبيبي… أنت هنا" بدت سعيدة للغاية لهذه المقاطة التي هبطت عليها من السماء.
راقبها تترك مكانها في الوقت نفسه مع جورجينا، ان كانت زوجته تكتفي بمنحه قبلة فجورجينا تحضنه كما تفعل عندما كان صبيا، طريقتها الخاصة بالقول بأنه مايزال طفلها.
"دوناتيلا يالها من مفاجأة" هذه الاخيرة تركت مقعدها كي تمنحه قبلة مختصرة بدورها، عيناها نزلتا على الصغير بطريقة باردة لم تروقه.
" اذن انت هو ابن جوزيف… أنت لا تشبهه اطلاقا"
« آنجلو هو صورة مطابقة لأخي في نفس العمر » تدخلت روبي و تقترب من الصغير و تضع يديها على كتفيه " القي التحية حبيبي… هذه دوناتيلا… شقيقة سيزار الصغرى… لا تأبه دوما بكلامها فغالبا ما تنطق بالسخافات »
يد سيزار وجدت أيضا كتف الصغير الذي تكمش ازاء هجوم دوناتيلا، يجهل كيف لعائلته أن تكون على الدوام عدوانية…؟ نظرات والدته تتنقل بينه و بين آنجلو الذي بدى فجأة يفتقد لكل ثقة.
" لدينا مفاجأة…" تطلع اليه الصغير ببعض التردد أمام هذه الكلمات و كأنه يشك مجددا في نواياه " طلبت من آنجلو أن يصبح ابني بالتبني فوافق"
سقط الصمت المطبق على المكان، الوحيدة التي احذتث ردة فعل فكانت زوجته، انحنت عن الصغير الذي توهجت نظراته أمام العواطف المنعكسة على وجه عمته، بدت فجأة تفتقد للكلمات، هزت نحو سيزار نظرات ممتلئة بالامتنان و التقدير و الاحترام و الكثير من العشق الامحدود:
" سيزار… حبيبي شكرا لك"
تعلقت بعنقه لتتبادل معه قبلة شغوفة، قبل ان تنحني عن الصغير و تأخد وجهه الجميل بين يديها:
" ستصبح ابننا هذا أجمل خبر سمعته في حياتي"
"بإمكاني مناداته أبي"
هزت رأسها موافقة من خلال دموعها
"و مناداتي أمي…"
بدت جورجينا و كأنها تتقلب على جمر مشتعل، التقت نظراتها بنظرات ابنها بينما روبي تأخد ابن شقيقها و الذي سيصبح ابنها قريبا بين ذراعيها، وعندما حاولت التدخل بكلمة قاطعها وهو يدنو منها كي لا يسمعها غيره
" ان تجرأتي بجرح مشاعره بملاحظات لاذعة أمي فستكون الليلة نهاية علاقتنا "
أمام هذا التهديد الهادئ بلعت ما كان في حلقها قبل ان تشير لدوناتيلا بتبعها، لكن شقيقته ( تربية جورجينا عن جدارة) لا تحتفظ برئيها لنفسها، اقتربت منه هامسة بنبرة جليدية:
" أنت تثير الشفقة بكل هذه التنازلات…»
لكنه لا ينوي افساد مزاجه بتصرفاتهما، كل ما يهم في هذه اللحظة هي السعادة المرتسمة على وجه زوجته و ابنه المستقبلي، استقبل الجميع بين احضانه ليخلد هذه اللحظة… يعرف بأن المستقبل سيكون أفضل… خلافا لكل سلبية والدته.. روبي هي امرأة حياته، و آنجلو هو الطفل الذي ارسلته اليه السماء ليملأ حياتهما… لسيما حياته.
* * *
انزلقت نظرات خوسيه عن منحنيات آيا التي لم تنتبه بعد لوجوده في المكان، سبق و تنبأ بنتيجة مرضية، لم تخيب أمله بينما تلعب دور عشيقته في السابق، لكنه يعترف بأن ما أمامه يفوق كل توقعاته، آيا فاثنة حتى بجنز و كنزة سيئة الالوان، لكنها متألقة و مبهرة بفستان الترتر من ابداع Sass & Bide، التحفة تركت كتفيها عاريين، التحمت بخصرها الذي استعاد نحوفه، و أبرزت بإغراء وركيها، الثنورة تتوقف فوق ركبتيها، بينما شلال من القماش الناعم ينزل من خصريها ليلامس الأرض، صندال غوتشي العالي الكعبين جعل من ساقيها اغراء بلا حدود.. تبدو مثل الأميرة… او بالأحرى ملكة.
بلع ريقه بينما يقترب منها، عيناه عالقتين على الخصلات المتموجة و الامعة بشدة تحت الثرايا دعوة لا تقاوم لأصابعه التي تتشنج من رغبتها في الغرق مجددا في نعومتها، و كأنها شعرت بوجوده، استدارت أخيرا نحوه، صندالها منحها سنتمترات أكثر، يمكنها النظر تقريبا مباشرة في عينيه، عادة لا يصل طولها الى كتفه.
كانت متجملة بطريقة ممثلات السجاد الأحمر في مهرجانات السنما، كل هذا جعل منها أكبر من سنوات عمرها الصغيرة، جعلها امرأة جريئة متمرسة يمكنها و ضع أي رجل تحت قدميها.
" هل النتيجة على ذوقك ؟؟"
التقط نكهة السخرية في صوتها لكنه تجاهل الرد، أكثر ما يشغله اللحظة هو كمية الرؤوس التي ستستدير لتبجيل كل هذا الجمال، وهو أولهم بالتأكيد.
العصبية نجحت بإتلاف أعصابها، كانت تتوقع ردة فعل مختلفة من قبل هذا الرجل الذي يتطلع اليها و كأنها شفافة، لقد أمضت بعد الظهر في تحويل مظهرها الى المقبول، لكن لا يبدو أن النتيجة ترضيه، لم يكن قد جهز نفسه بعد، ترك نظراته المتكاسلة تمر من خلالها و كأنها أدنى شأنا من حذائه قبل أن يقرر هجرها متجها نحو غرفة النوم ليغير ملابسه، ردة فعله أغضبتها، أكد لها المصفف بأنها رئعة الجمال، بأن زوجها سيفقد عقله، و ما تراه هو أنها فقدت فحسب ماء الوجه أمام اهماله.
" على الأقل لا أبدو فتاة المستنقع؟؟" سألته في ظهره غاضبة.
"ان احتفظت بفمك مغلقا فلن تفوح رائحتك" أجابها دون أن يلتفت نحوها.
فتحت فمها لترد و لم تجد بما تجيب ، لكن مالذي توقعته بحق الجحيم؟؟ أن يتغير مزاجه السيئ بمشاهدتها؟؟ لا شيء تغير بينهما و لن يتغير شيئ، مازال خوسيه وفيا لطباعه السيئة، ستفضل فتاة المستنقع بنظره حتى بإرتدائها فستان يزن ثروة.
عندما عاد ليظهر مجددا كان قد ارتدى بدلته الفاخرة التي كانت بإنتظار جسد مماثلة لتشع، رائحة الصابون ما تزال تفوح منه، شعره المصفف الى الوراء يبرز بجمالية جبينه العريض و نظراته الذهبية الخالية من اي تعبير، كان يتفادى النظر اليها، هل تقززه الى هذه الدرجة؟؟ يخشى أن تفتح فمها خلال السهرة كي يُكشف أمرها؟؟ بأنها ليست من نبيلة و بأنه منح اسمه لمن لا تستحق؟
" فلنمضي…"
التقط الفرو الذي يتنظر على الصوفا كي يمده اليها، أخدته منه ووضعته على كتفيها، الا انه استوقفها:
" لا يُرتدي هكذا" بحركة جافة عدّله عليها.
" آسفة لكنني لم آلف هذا النوع من الملابس…"
" و لا تنوين التعلم…"رد بجليدية.
"لما أهدر وقتي على أمور سطحية لن احتاجها بعد انتهاء زواجنا؟؟" ردت بنبرة لاذعة.
هذه المرة لم يهرب بنظراته التي غرسها في نظراتها، كانت تغلي من الغضب أمام كمية البرود التي يعاملها بها، جرحها ايضا الا يعلق بكلمة عن هندامها، و كأن كل المجهوذ المبذولة لم تغير شيئا.
"ريثما يحين وقت الرحيل احترمي الاسم الذي تحملين"
" تجهل كم أنا متحرقة لذلك… الا احمله بالمرة"
لم يجبها، اشار اليها كي تسبقه نحو الباب.
لا يبدو أنه يأخد كلامها بجدية، منذ ولادة التوأمين يتصرف خوسيه و كأن لا وجود للعقد بينهما، انه يرفض قطعا الكلام في الشروط بينهما، تعرف بأن الحرب ستكون شرسة عندما يحين الوقت الذي لن تعود فيه قادرة على تحمل تقلباته المزاجية و تقرر الرحيل، تعرف بأنه سيقلب الأرض و السماء دون أن يقيمهما، وهي تعمل جاهذه لذلك اليوم، المال سيساعدها في حربها العدلية معه، و خوسيه في موقف ضعيف أمام العقد الموثق، لا توجد قوى ستمنع عنها حضانة ابنيها، أخبرها كارلوس بأن القانون سيكون معها، لسيما و قد أخد رأي بعض أصدقائه العدليين… ستجد حريتها و ستتخلص أخيرا من متكبر متغطرس يراها أقل شئنا من الأرض التي يسيران عليها في هذه اللحظة… الرجل الذي تنوي الارتباط به حقا هو رجل يقدرها، يحترمها، يساندها، يشاركها معاناتها، يفهمها دون أن تعبر عن ضناها، رجل مثل كارلوس بكل بساطة… مع الوقت… تشعر بأنها ترتبط به عاطفيا أيضا… كارلوس مثال فارس الأحلام… انه لا يملك سوى عمله و روحه الجميلة، بعيد على أن يكون ملياردير مثل خوسيه… لكنه الرجل السنذ الذي رأته ذات يوم في اليخاندرو.
لا تنوي تركه يسحقها بتعاليه هذه الليلة، ان يقدمها للجميع كصيد جديد جميل المظهر و بلا أي عقل، تمام كما تكون عليه صديقاته.
انها ليلة مهمة لها أيضا، لشركتها الصغيرة التي هي بصدد الطلوع و الازدهار، فرصتها لملئ دفتر معارفها باسماء لامعة جديدة فلعلمها، كل شركاء خوسيه ليسوا اناس عاديين، ان كان مهتز نفسيا فأعماله لا تعاني نفس الاهتزاز، انه رجل أعمال لامع و ذكي جدا، و تحتاج للاستفاذة منه على الاقل من هذه الناحية.
سيارة فاخرة بسائق كانت بإنتظارهما أمام مدخل الفندق الأنيق، ترك السائق يفتح لها الباب بينما اهتم زوجها بنفسه، احتك جسمها بنعومة الجلد تحته، مسافة شاسعة بينها و بين الاسباني الذي غرق مجددا في هاتفه، نور الشاشة ارتطم على ملامح صارمة، بدى مهتم بشدة بالرسالة التي توصل بها على ما يبدو… عادت تتسائل… هل هي امرأة؟؟
ابعدت اهتمامها عنه لتركز عن شوارع العاصمة التي يتغنى برومانسيتها العالم بأسره، انزلقت السيارة بسلاسة قبل أن تعلق في الزحام مما يترك لها فرصة ملئ عينيها بالجمال الليلي الذي يحيط بها، ليست زيارتها الأولى الى العاصمة، لكنها المرة الأولى التي تقيم فيها في فندق خارج امكانياتها المادية الاعتايدية و ترتدي ثياب كانت تراها فقد على العارضات في واجهات محلات الشانزليزيه ، إذا كان الجو مذهلاً أثناء النهار ، فإن باريس تصبح مزدحمة في الليل! بفضل الحانات والنوادي وقاعات الحفلات الموسيقية والملاهي الليلية، سبق واستمتعت بلحظات لا تُنسى بمجرد حلول الليل في الزوايا الأربع للعاصمة مع صديقاتها اللواتي تعشقن الاكتشافات مثلها، نفس الصديقات اللواتي قطعن صلتهن بها ما ان تزوجت من رجل ثري.
تطلعت لهذه اللوحة التي لا تنضب من المباني ، كل منها أكثر تنوعًا من التالي ، سحر المدينة وجوهر هويتها،توجد الآثار في كل مكان ، في الشوارع ، في الساحات ، في الحدائق ، مما يضفي إشراقة على كل نزهة برائحة الاكتشاف.
" هل أنت جاد في قرارك؟؟"
خوسيه يتكلم بصوت خافث في الهاتف، يمكنه الهروب الى أي لغة، الا انها تفهم و هو يعرف هذا مما يجعل مزاجه أسوأ في هذه اللحظة، و ان كانت تعرفه فهي متأكدة بأن من في الجهة الأخرى هو روكو ايميليانو… هو الوحيد من يستعمل معه زوجها هذه اللكنة… و كأنه امرأة مغرمة.
"بالتأكيد… " سمعته يؤكد بنبرة أقل ثقة في هذه اللحظة، لا يبدو سعيدا بشأن خبر قاله له صديق عمره…" تعرف بانني معك في كل شيء… لا تقلق… سنكون هناك "
عندما أغلق الخط، كانت أنفاسه حقا مضطربة…
" سنكون هناك؟؟ » رددت كلامه بالاسبانية " هل كنت تقصدني أم تقصد احدى حبيباتك؟؟ "
هز نحوها عيناه المشتعلتان في عتمة السيارةx:
" لا املك حبيبات "
" امر صعب التصديق و لا يهمني الحقيقة…"
" اعرف بأن حياتي برمتها لا تهمك آيا"
" لماذا؟؟ لأن حياتي تهمك أنت؟؟؟" هاجمته بشراسة.
" لأنك تتركين لي المجال؟؟ " أعاد سؤالها بنفس الطريقة " انت دوما على أهبة الانقضاض مثل اللحظة… ترفضين النظر لي كزوجك و ليس كعدوك…"
لم تتوقع أبدا هذا الكلام، هي من ترفض النظر اليه كزوج؟؟ كيف يمكنها فعل ذلك بينما تتبدل شخصياته مع تبدل مزاجاته، تجهل مع من ستكون في كل مرة، هو الذي يرفض النظر اليها بطريقة مختلفة عن فتاة المزاد، الفتاة التي اشترى خدماتها لثلاثة أسابيع و أجبر على منحها اسمه بسبب الحمل.
" سنطير الى صقلية بعد باريس مباشرة…"
لا يمكنها الابتعاد أكثر عن أعمالها بحق السماء…
" صقلية؟؟ لكن لماذا؟؟"
" لأنه مطلوب منا الحضور … لا يمكنني رفض طلب من روكو "
" و أنا لا يمكنني الغياب أكثر عن التوأمين…" رددت آيا أو عذر أتى على لسانها.
اشاح بوجهه عنها بينما تتوقف السيارة أمام جوهرة قوطية مشعة عائدة للقرن الثالث عشر، جذرانها من الضوء، تبهر الانظار بإشعاعها المساء الفرنسي البارد، لاحظت أن هناك أناس بملابس أنيقة تدخل المبنى ففهمت بأنهم وصلا لوجهتهما.
ارتفعت الاحاسيس الجبّارة في جسدها.
ابتدأ الامتحان.
و تقسم الا تفشل فيه أبدا.

* * *

" آه يا طفلتي كم اشتقت اليك…."
انحنت دانيلا على القطة السوداء كي تأخدها بين ذراعيها ما اقتحما شقة اليساندرو الذي أغلق الباب خلفهما، لقد كانت من الارهاق النفسي الكثير ما سيكفيها لبضعة أشهر، فركت الفرو الناعم و دست انفها فيها قبل ان تعود بعينيها لخطيبها الذي ترك حاجياته في الصالون و دخل المطبخ الانيق المكشوف:
" من كان يهتم بها خلال غيابك؟؟"
" الخادمة… كانت تأتي يوميا لتطعمها "
اخرج قنينة مياه من الثلاجة و بدى فجأة حائرا امام كيفيه فتحها بسبب ذراعه المكسورة، تركت مكانها و ماهي الا لحظات حتى اصبحت أمامه، أخدت منه القنينة لتفتحها و تمدها اليه:
"شكرا لك حبيبتي…"
"على الرحب و السعة… يمكنني مساعدتك لانتزاع ملابسك و أخد حمام أيضا…"
يبدو ان الفكرة راقته بشدة، راقبت عيناه تلمعان بشدة و هز رأسه نحو غرفة نومه:
" أنا بحاجة ماسة جدا للاسترخاء "
وهي بحاجة له و لنسيان جبال الاسرار التي تركتها خلفها و فضلت اليساندرو عليها، لقد تركت شيكاغو و معها كيليان ارشيبالد الذي اتضح في النهاية بأن الشبه بينه و بين يانيس ليس مجرد مصادفة، انه الابن الفعلي للدكتاتور.
" تبدين مهمومة..."
" أنا بخير.." كررت له لألف مرة منذ أن أخدا الطائرة من شيكاغو الى نيويورك، ترفض اي كلام عما حصل مؤخرا معها.
وعدها بأن تغير الأمور، كما عرّى لها عن نيته في تقاسم كل شيء معها، و هي تحترمه بشدة و تخجل من تهورها و جرحها لكبريائه بسبب جروحها شخصيا، بيد انها لا تشعر بنفسها مستعدة بعد لتقاسم شيء حيال كل اكتشافاتها، ما ترغبه في هذه اللحظة هي الغصة في اعماقها لأنها اشتقات لحنانه بشدة.
بقيت عيناه الزرقاوين عالقتين بها و كأنه يحاول سبر غورها، بدأت اصابعها في تحرير ازرار قميصه، المسألة صعبة للغاية و ليست بالسهولة التي توقعتها، ابعاد الخرقة الأنيقة عنه مجهوذ حقيقي.
"يجب ان اشتري لك كنزات فضفاضة…"
" ترغبين بالاهتمام شخصيا بملابسي؟"
هزت نحوه عينان ممتلئتان بالامتنان:
" هذا أقل ما يمكنني فعله لرجل جرحته فإستقبلني بإذرع مفتوحة…"
" ذراع واحد مفتوح… الأخر مكسور " أمام دعابته أحست بالدموع تملئ عينيها، لقد افتقدته بصدق، ابن يانيس ام لا هذا لم يعد مهما حقا… اتخدت ملامحه مجددا جديته المعتادة " تبكين دانيلا؟؟"
" أبكي لأنني سعيدة بعودتي… افتقدتك… و افتقدت قطتي و أيضا… كل ركن من هذا المكان…"
حاولت الابتسام من خلال دموعها لكنها فشلت، العذاب المرتسم في عمقهما دفع اليساندرو بأخد يدها و جرها ورائه الى الكنبات الفخمة في الصالون حيث قضيا جل أمسياتهما امام التلفزين و تناول الفشار و الصودا مثل مراهقين، لم يعد بإستطاعتها السيطرة على أمواج العاطفة المتلاطمة في صدرها، هي ليست من المخلوقات «العقلانية" فقط كما عرّف أرسطو ،لكنها تملك مشاعر… تعيش حياتها من خلال عواطفها وهذه العواطف هي التي تفقدها اللحظة السيطرة في المقاومة أمام كمية المشاعر المرتسمة في العيون الصافية التي تراقبها بإهتمام… و كأنه يعرف ما يزعجها ، ما يحركها ، ما يؤلمها ، هذا ما يميزه في نظرها على الدوام.
« انا مرهقة…» اعترفت بغصة وهي تضع أصبعا على صدغها « عقلي… عقلي لا يتوقف عن العمل ليل نهار… أشعر بأن رأسي سينفجر»
عواطفها تشكل خطرا عليها مؤخرا فهي تقطع حياتها وتزعجها لأنها سلبية اتجاهها ؛ فهل هذا ما كان عليه الحال بينما تقطع تحرياتها عن والدتها للعودة الى حضن اليساندرو؟؟ خافت من نفسها و من نشاطها الزائد في معرفة الحقيقة؟ تعرف بأن الذخيرة العاطفية للشخص ليست مسألة مصير ، ولكنها مسألة سلامة عاطفية… ربما وصلت لمرحلة استحسنت فيها وجود طرف آخر ليجر خيوطها عندما تتوه في العدم، و هذا الشخص هو ابن عدوها اللذوذ الذي حبس اليونور و تسبب في دمار اسرتها.
سلوكها يحبطها بشدة…مهما كانت أسبابها ، فإن المشاعر السلبية تلقي بظلالها على تفكيرها فتحولت لهواجس ثم وقفت في طريق منطقها.
ما ان وضع يده على كتفها حتى انطلق لسانها بمفرده، اليساندرو الذي يرى يانيس في صفة قديس كيف ستكون ردة فعله عندما تخبره تفاصيل اكتشافاتها؟ القلق…؟ عدم الراحة ؟؟أو حتى الصدمة.؟؟ لكن أفضل سلاح لاستنباط أقوى المشاعر هو الموضوعية. يجب أن تتقبل الأمور مهما كانت لتضعها في نصابها. فالهذف هو تحليل تأثيرها بشكل ملموس… ولم تلمس تغييرا في ملامح خطيبها رغم كل ما تفوهت به، و تجهل ان كان فعليا تحت الصدمة ام أسوأ… لا يصدق كلمة مما قيلت اليه.
« رغبت في دفن كل شيء في أعماقي لكن… لن أتمكن من تحرير نفسي و لن يزول العبء الواقع على ضميري بدون جهد… و أنت طلبت مني الكلام اليساندرو… رغبت بتقاسم كل شيء معي»
وضعت يدها على خده و تطلعت اليه برجاء « لقد تولت عقلي بشكل ملموس… اريدك ان تنظر بعمق في ذاخلي… عدت لأنني مستعدة للتقاسم اليساندرو…أولوياتي ليس وضع الملامة فحسب على والدك بدون دلائل بل محاربة الشكوك التي تغزوني و العثور على الحقيقة، تلك الحقيقة التي انوي قبولها واحتضانها حتى تظل واعية ويتخذ عقلي الخطوات اللازمة للتخلص من الضغط المرتبط بها… ان لم أعثر على حقيقة أمي فلن أعيش بسلام »
بقي صامتا ينظر اليها، لكن بياض عيناه تحول الى الوردي، العروق الصغيرة اتخذت لونا أحمرا قانيا، اصبحت نظراته ندية:
« منذ طفولتي… نفيت بشدة كل القصص بشأنه دانيلا… كنت أرفض… بشكل قاطع، أنني أحمل دماء وحش حقيقي… التعامي كان أسهل من تحمل الحقيقة…»
كلماته تمر من خلالها ببعض الوحشية، لم يكلمها اليساندرو يوما عن يانيس، المعاناة أصبحت أكثر وضوحًا مع تقدم عملية الاستبطان.
« قد تكون هناك احتماليات أخرى….» حاولت أن تدافع عن صورة عدوها في نظره .
« احتماليات أكثر شراسة مما وجدته حتى الأن…»
هزت رأسها بأسف، لا تعرف ما يمكنها اضافته للتخفيف عنه:
« أحدهم يعرف بما حصل في الماضي و يحاول وضع العقبات في طريقي… أجهل من هو… فكرت في روكو… و لما لا خوسيه…. بنظري الكل متهم و مشكوك في أمره»
« و لما لا سيسيليا؟؟» سألها فجأة بجدية بالغة…تفاجئت من هذا الاحتمال…" علاقتها بإبنها علاقة قوية جدا فهو أوحدها… حماية ماضيه ضمن أولوياتها المقدسة الا تعتقدين؟؟»
ارتجفت اليد التي ابعدت بها خصلة عن وجهها، كل شيء يزداد تعقيدا و اشتباكا، لابد ان خطيبها انتبه الى حالتها، أمسك بيدها و ضمها بين اصابع يده السليمة:
« دانيلا انظري الي…» من خلال الضباب تبينت له ملامح وجهه المألوفة و الجميلة:" لم تعودي وحدك… أنا معك…»
لن تزذهر الا معه… هذا التأكيد أتى تلقائيا لعقلها بينما تلفها الثقة مجددا بفضل الدعم الذي يمنحه اليها، انها مغرمة حتى شراين قلبها، في البداية رأت هذا التقارب الروحي ضار و مدمر فقط لأنه ابن من لف حياتها بكل هذا الغموض، لكنها اليوم مقتنعة بأنه الحبيب الذي لن تتقدم من دونه،عليها تقبله و تقبل نفسها، انها الحاجة المحتملة للتغيير الذي يقودهما إلى حياة كريمة.
* * *
الدودة تحولت الى فراشة و نفضت أجنحتها الملونة كي تحط على كتف كل رجل أعمال لينبهر بجمالها و بلاغتها و ذكائها، بل و نجحت بمنح نصيحة لـ شارل كوهين بشأن مرآب المول خاصته بحيث يأخد مساحة شاسعة يمكن لرجل الأعمال الاستفاذة منه، كانت تتكلم معه بينما كل الأعين مركزة عليها حتى اعينه هو شخصيا:
" نظرا للكثافة الحضرية لمعظم المدن في اليابان فهناك أبراج وقوف السيارات بسبب نقص المساحة بحيث تتنافس مواقف السيارات ببراعة لتكديس السيارات فوق بعضها البعض، اجهل لما لم يستعمل أحد في اروبا هذه الفكرة التي اجدها عبقرية بدل تضيع مساحات لا منتهية من المرآب التي يمكن استغلالها لأغراض أكثر أهمية… و ما يمكنني اقتراحه أيضا سيد كوهين… نظرا للقيمة المادية التي تركها الزبون خلفه في المول يمكنه استعادة سيارته مجانا دون الدفع مقابل وضع ورقة دفعه المشتريات تحت آلة الدفع…. هذا سيحفز الزبائن بهدر المزيد من الاموال لا شعوريا… درست علم النفس يمكنني الجزم في هذه النقطة"
يبدو كوهين راضيا جدا لحل المرآب يتطلع الى آيا و كأنها نزلت من السماء، بدل أن تحرجه قامت بسرقة الأضواء منه، تكلمت عن السياسة، عن الاقتصاد، حتى الفن و الدواوين الشعرية، تتعامل مع كل فرد و كأنها على احتكاك دائم بشخصيته و تعرفه جيدا، كانت متألقة و متوهجة و رائعة، سيدة أعمال حقيقة وواثقة من نفسها.
بينما تنطلق في ضحكة موزونة و ناعمة عن ملاحظة ريتشارد فيليب رجل أعمال فرنسي يبدو بأنه منجذب بشدة لها، وضع كوهين يده على ذراعه و اقترب من اذنه هامسا:
" اين وجدتها بحق السماء؟؟ عادة ترافقك جميلات بلا عقل… احسنت الاختيار لإنجاب أطفالك مارتينيز… "
بينما يعرض ‘ساشا براسور’ عليها مراقصته لم يتمكن من منع نفسه من التدخل، لم يعد يتحمل رؤية شركائه مجتمعين عليها، كل فرد منهم يحاول لفث اهتمامها…
« حان الوقت لأراقص زوجتي…»
الابتسامة تصلبت على شفاهها، المكان مكتض بالمدعوين، الاوركسترا تعزف لأناس همهم مناقشة مصالحهم، عندما أصبحت بين ذراعيه بعيدا عن المجموعة الصغيرة التي كانت على وشك افتراسها سألها:
« متى درستي علم النفس؟؟»
« السنوات الأولى في الجامعة… " ردت دون أن ترمش، مثل العادة تضع مسافة بين جسديهما، و كأن ملامسته تقرفها.
" هل يمكنني ان اعرف اي لعبة تلعبين؟؟x» هاجمها من بين اسنانه.
" انا لا العب… انت طلبت مني أن أتصرف بطريقة جيدة والتزم بوعودي … بفضلي ستبرم الصفقة مع ‘برنارد يوزلاف' "
" ما يهم ذلك الرجل هو وضعك في سريره و ليس برم الصفقات معي…. و انا لم اطلب منك الثرثرة التافهة بل التصرف فحسب بشكل لائق دون ان تفتحي فمك بكلمة "
اشتعل الغضب في عينيها :
" لم تطلب مني اغلاق فمي خوسيه… حتى انك منحتني قائمة بالاسماء و الأعمال… أظن أنني تفوقت على أمالك مما يجعلك غاضبا هكذا…"
" هل هي سنتي الجامعة في علم النفس ما كون لديك هذا الاستنتاج؟؟"
"بل معاشرتي اياك كل هذه الاشهر الطويلة… أجهل ما تنتظره مني بالضبط، لكن أحذرك… قمت يما ينصه العقد بيننا و تصرفت تماما مثل ما ينتظره الكل من السيدة مارتينيز… لا تسيئ مزاجي فقط لأن مزاجك عكر مثل المعتاد… جد في من تنفث سمومك و اتركني بسلامx… سأذهب الى الحمام لاعادة زينتي "
انتهت المقطوعة و استغلت الامر للتملص من بين ذراعيه، القى نظرة عن مجموعات النساء اللواتي تترثرن في كل ما له علاقة بالسوشيال ميديا و الموضا، زوجته لا تنوي المشاركة في هذه المواضيع التي لا تهمها بالتأكيد، بل الغرق في أحاذيث محتدمة مع رجال أعمال محنكين و امتصاص خبراتهم، تبدو منتشية بذلك، رآها متوهجة أمام كوهين، كما تكون عادة عشيقاته أمام عقود الماس التي يهديها لهن، آيا بعيدة على أن تكون سطحية… انها سيدة أعمال في بداية مشوارها، و مما يراه… تنوي توسيع دفتر عناوينها.
زوجته خصم لن يمكنه الاستهزاء بقوته… انها لا تقهر.
تسللت آيا الى الباحة الخاصة بالمدخنين بعد ان غادرت الحمام، الأمسية أشد رقيا مما تخيلت و كل هؤلاء المدعوين قشدة المجتمع الراقي، الأمسية كانت عبارة عن عرض الازياء و في الحقيقة لم تتوقع أن تجد مكانها أيضا ضمن هؤلاء النساء اللواتي امتهن البروز قبلها بسنوات ضوئية، لقد تمكنت من ايجاد مكانها فورا و بلا اي مجهوذ، و ما ان عرفها خوسيه على العناصر الاكثر أهمية في محيط عمله حتى استحوذت على اهتمامهم و رفعت رأسه بدل التسبب له بالاحراج، لذا تجهل تماما سبب دخوله في نوبة غضب من هذا الانتصار الصغير في اول تجربة و خروج رسمي لهما معا؟؟
أخرجت هاتفها من حقيبة سهرتها الصغيرة كي تتطلع على رسائلها، ترك لها كارلوس رسالتين بينما خالها قرر استعمال الايمايل بدل ارسال تفاصيل متقطة عن السوق، أحيانا يفتقد للمهنية و يتصرف مثل هاوي فقط، لكنها أخبرته بحزم في اخر اتصال أن يرسل لها الأوراق بالأرقام الدقيقة على بريدها الالكتروني، و هو بدأ بالتعلم، عندما يتعلق الأمر بالنقود فإن باريش يتفنن في مفاجئتها، و هي سعيدة جدا بتوليه أمورها في تركيا، لأنها بكل بساطة لا يمكنها التنقل شخصيا الى هناك، فتحت رسائل كارلوس، وجدت الابتسامة طريقها الى شفاهها بينما تقرأ الكلمات الناعمة
{ أذهليهم يا فتاة… أعرف بأنك قد المسؤولية }
الرسالة الثانية:
{ عاجز عن النوم بينما أفكر بك… أتمنى ان الأمور تمر على خير ما يرام…}
ضغطت على عدة أزرار وهي تجيب:
{ خوسيه صعب الرضى… يبحث عن طريقة كي يتملص من الاعتراف بأنني قمت بواجبي كما يجب… نم عزيزي كارلوس و لا تقلق بشأني… أنا فتاة كبيرة}
{ سأقلق دوما بشأنك… لا تطلبي مني النوم بينما أعرف بأنك معه و قد يقوم بإيذائك}
أخدت أنفاسا عميقة، هي أيضا قلقة بهذا الشأن، لكن ليس المسألة متعلقة بالعنف الجسدي… بل بالرغبة الجسدية… رغم كل شيء خوسيه مارتينيز يؤثر بها بشدة.
" تبدين جدية…"
أخفت هاتفها بينما يتسلل اليها صوت رجولي هادئ وراء ظهرها، تعرفت فورا على رجل الأعمال الذي لم يزل مطلقا عيناه عليها منذ دخولها متأبطة ذراع خوسيه، عرفها عليه على أساس رجل اعمال ورث اعمال والده، انه يتجار في كل شيئ، لسيما في النسيج، أكثر ما يهمها، لم يكن وسيما حقا، كانت ملامحه مرتبة لكنه جذاب بهيئته الرياضية، بالتأكيد وسامة خوسيه تخفيه.
" سيد مورو اذا لم تخني الذاكرة "
ابتسم كي تلتمع اسنانه المصففة تحت الانوار الخافثة و المتعمدة حالمة في المكان:
" لا اظن ان فتاة ذكية مثلك قد تعاني من خيانة الذاكرة… راقبتك جيدا هذه الليلة… خوسيه محظوظ للغاية "
رأته يخرج علبة سجائره من الجيب الداخلي لسترته الفاخرة و يهديها واحدة رفضتها بتهذيب:
"أنا لا أدخن…"
"صفة جديدة اضيفها الى القائمة؟؟ "
ابتسمت لكنها قررت الاستفادة من اللقاء، هذا الرجل يبدو حقا تحت سحرها:
" اتمنى انك تلمح الى قائمة الايجابيات…"
" كلك ايجابيات آيا "
" أفضل ان نحتفظ بالرسميات فيما بيننا… سأبقى بالنسبة اليك السيدة مارتينيز…"
اتسعت اكثر ابتسامة رجل الأعمال، انه يقوم بتجربة ولائها لخوسيه، تفضل الموت على الحط من قدر زوجها، رغم كل الخلافات الا انه الرجل الذي منحها اسمه و يستأمنها عن سمعته بالتأكيد.
" خوسيه لا يحتفظ مطولا بإمرأة… يمكنك دوما الاعتماد علي عندما تشعرين بنفسك مُهملة "
ابتسمت آيا متجاهلة سهمه المسموم:
" أظنني تمكنت ممن فشلت فيه غيري… انا زوجته و لست عشيقته سيد مورو…" فليذهب الى الجحيم طموحها ازاء شركتها، لن يمكنها تقبل تصرف مماثل، لا تنوي الاساءة لذلك السافل الذي هو زوجها حتى بمغازلة بريئة من هذا الرجل… " و الان عن اذنك… أظن أن زوجي يبحث عني "
احنى راسه كرجل مهذب للغاية مع النساء وتراجع خطوة للوراء كي يتركها تمر لم تمنحه أدنى التفاثة، بحتث بعينيها عن زوجها و رأته في حذيث محتدم مع كوهين، كم يبدو مسالم و طبيعي في هذا المحيط الصعب و الشائك، كم يبدو واثقا من نفسه، أسدا و سط الادغال، البلاي بوي المستهتر والفاضح … الفاثن بشكل لا تشوبه شائبة في بدلة توكسيدو ، خوسيه رائع… ليس بالطريقة التي يستخدم بها هذا المصطلح عادة… لكنه رجوليًا جدًا، مختلفا تماما عن الرجل الذي نام في سريرها كطفل ضائع يبحث فحسب عن حضن يرمي فيه كوابيسه… أخدتها خطواتها نحوه… تلتقط نظراتها ملامحه الصلبة والمتوازية، فكه الواسع والمربع ، وشفاهه المحددة و المزمومة بحيث تمنحه تعبير صلب نوعا ما، نظراته الذهبية زجاجية لدرجة أن الأضواء قد ابتلعتها.
لا شيء حقيقي في كل هذه المظاهر الشديدة الكمال… فقط لو لم يكن سرابا… فقط لو تتمكن من الامساك به فتجده في يدها… خوسيه ليس ملك أحد سوى لماضيه المبهم و الغامض، و ان تنازلت بإسم المحاولة فلن يرحمها… في السيارة اتهمها بالبرود. بأنها لا تحاول فهمه… من المعيب دوما وضع الملامة على الأخرين… فيما يخصها ان كانت دوما على اهبة الاستعداد فلأنها تدرك ما ينتظرها ان منحته ثقتها و خذلها، و خوسيه… يعرف الوفاء مع روكو فقط و شلة أصدقائه لا غيرهم.
رحلة العودة مرت في نفس الصمت الذي لفهما في مشوارهما الأول، كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل منذ زمن و الكحول اطلق اعصابها بينما الارهاق و النوم اثقلا جفنيها، رغم ذلك ابقت نفسها بعيدة جدا عنه، حتى و هما يأخدان المصعد لجناحهما، بينما ينحني عليها ليضغط على الازرار الذهبية، حبست انفاسها بينما ذراعه قريبة جدًا لدرجة أنها احتكت تقريبا بصدرها، ان كان قد تعمد ذلك أم لا هي لا تعرف، هزت نحوه نظراتها بينما يعود للاستواء مجددا في وقفته:
" استرخي فلا انوي اغوائك… ليس الليلة على الأقل"
فتحت فمها لترد لكنها اكتفت بإلتقاط نفسا عميقا قبل أن تشيح بنظراتها عنه، انها مرهقة لأي مشاذه كلامية، تشعر بالفخر لإنجازها الليلة و ستترك خوسيه مع خيبته في هذا النجاح الذي لم يتوقعه اطلاقا، خرجت أولا من المصعد ما ان فتحت الأبواب الذهبية و هرولت نحو الغرفة الجانبية، قبل ان تغلق بابها خلفها سمعت خوسيه يقول في ظهرها:
" تصبحين على خير…."
اعترتها الراحة فقط عندما ادارت المفتاح في القفل… انها في أمان… هذه الليلة على الأقل.

ملك جاسم likes this.

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:12 PM   #3819

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل العشرين






مد يديه نحوها كي يحملها بين ذراعيه، لفته فورا رائحة الطالك و شامبو الأطفال، راقب عينيها الزرقاوين تتسعان أكثر بينما تحملق اليه بفضول و مرح، يشعر بأنه يذوب عشقا فيها كلما حطت عيناه المشتاقتين عليها، ناذرا ما تسنح له الفرصة للحصول على هذه الحميمية، انه بالكاد في التاسعة عشر من عمره، ووالده يرفض قطعا أن يضيع وقته في الاهتمام بالرضيعة التي سلبت قلبه في اللحظة التي دخلت فيها الى هذا البيت، أغلق باب المكتب عليهما، كانت يدها الصغيرة تحاول التقاط خصلة من شعره المتهدلة على جبينه، لكنها سقطت على انفه و اقتصت منه الى أن شعر بأظافرها تنغرز في بشرته، جلس وراء الحاسوب ووضعها على ركبته، الضوء أثار اهتمامها، انها تحب كل ما هو مضاء، الشاشة تعرض سماء حالكة حيث تنتشر النجوم الامعة، هوسه بعلم الفلك يخرج لوالده مخالبه، و في هذه الاوقات الناذرة ،يمكنه تقاسم هوايته الكبيرة مع شقيقته الصغيرة التي تبدي بدورها اهتماما بالغا بالموضوع،

« قد يبدو علم الفلك كموضوع معقد مرتبط بفيزياء و رياضيات ثقيلة… لكنه في الحقيقة اشد رومانسية من مجرد ارقام و حسابات… » تململت فوق ركبته و مدت يدها نحو الشاشة و كأن النجوم تثيرها بشدة "ما ان تنتهي الامتحانات صوفي حتى آخدك في رحلة تأمل ‘اشار الى الشاشة « يمكننا التعرف على الإتجاهات و التوقيت من خلال التعرف على الكوكبات الأهم لكل شهر » حدد نجمة لامعة « يسمى بالدب الأكبر يمكننا التعرف على الشمال من خلاله »

تبدو مستمتعة بشرحه و هو يعرف بأنها لا تفهم شيئا مما يقول فقط صوته الاجش ينجح بتهدئتها، امتدت أصابعه ليلامس خصلات شعرها السوداء ليثير انتباهها فمنحته تلك الابتسامة التي تجعل قلبه يذوب بين ضلوع صدره، لمعت السنتين الصغيرتين في الانوار الشاحبة، لو عاش طفله لكان بنفس العمر، لكن و كما أخبره والده… الأمور أفضل هكذا… عليه التركيز فحسب على الجامعة و الأعمال التي ينوي والده ترك قيادته له، ربما هو ليس شرسا مثله، و خيبة أمل والده فيه تؤلمه… يجهل بأي طريقة يمكنه إرضائه.

فتح باب المكتب على مصراعيه و ظهر فجأة، ردة فعل صوفي عفوية نحوه، مدت ذراعيها اليه و هو لم يتأخر كعادته، لكنه بدى غاضبا جدا … والده لا يحتاج لسبب كي يكون سيئ المزاج.

« هل تلعب دور المربية بينما نتائجك الاخيرة مزرية و مثيرة للشفقة و الخجل؟؟ أحيانا أتسائل ان كنت حقا ابني… لأنك في كل الاحوال ورتث فحسب غباء والدتك » بلع الاهانة مثل سابقاتها، ليس والده مضطرا لدفع ظميره للتأنيب، بالرغم من ان النتائج جيدة جدا الا ان يانيس ايميليانو يريد الكمال التام، الا ينقص المجموع عن المئة بالمئة.. اشار له بأصبع مهددة « انها المرة الاخيرة التي اراك فيها ملهيا عن دروسك بصوفي أو بهذه السخافات المتعلقة بالفلك… أنت تجهل في أي موقع أنت »

« انا واعي بالوضع أبي… » أكد بجدية,

بدى يتخبط في غضبه و كأنه سيختنق بأنفاسه، انه غاضب برؤيته مع صوفي أكثر من مجموعه الذي استحق عليه امتياز لكن يانيس لم يكن موافقا على نتيجة مماثلة:

« ما يزعجني ان اليساندرو متأثر بك… أتمنى فحسب الا يكون فاشلا مثلك »

أصاب صوفي الفواق و يبدو أن صوت والده قد أربكها، رآى ملامحها تنغلق، كانت على وشك البكاء، السلام الذي كان يعم قبل ظهوره انقضى، النظرات الزرقاء الصافية التي حطتها عليه منحته بعض السلام… بغض فشله الساحق في كسب مودة والده و حبه أو حتى بعض التشجيع لكل المجهوذات التي يقوم بها الا انه على الأقل يمكنه الاعتماد على حب الصغيرة التي اتت كمفاجأة كي تنير سماء حياته الكئيبة:

« أنا لست فاشلا… »

« تكون فاشلا عندما تترك ما ذهبت من أجله لفرنسا و تتسبب في حمل فتاة طموحة محبة للمال … تكون فاشلا عندما تترك عواطفك تتحكم بك… تكون فاشلا عندما تتناسى أهمية الكرسي الذي ينتظرك، تكون فاشلا عندما لا تخمن قوة و سطوة و شراسة أعدائنا الذين ينتظرون فحسب الفرصة ليأخدو مكانك و يسيطروا على اعمالنا قاطبة… تكون فاشلا عندما تستهين بإسمك و اسم أجدادك الذين غزوا العالم علما و حكمة و قوة… اشتهر الايميليانو بالشهادات العاليا و ليس فاشل مثلك ما سيسيء لهذه الأمجاد… ليس ابني من سيحني رأسي… لذا أحذرك روكو… لن تعود الى هذا البيت الا و اسمك مسجل على رأس قائمة الأرقام القياسية… أريد رؤية صورتك على حائط الشرف في تلك الجامعة اللعينة هل أنا واضح؟؟؟ »

وكأن صوفي شعرت بالتوثر الشديد و سعيت فجأة لمواساته رآها تمد ذراعها الصغير نحوه، لكنه امتنع عن الاستجابة بينما يرى والده يستولى عليها و يمسك بذراعها ليعيده اليه، عبء أب مفرط في الاستبداد أهون من منعه كليا بالاقتراب من صغيرته المفضلة، ثم تحولت الصغيرة فجأة الى شابة جميلة، لكن تلك الابتسامة البريئة تحولت الى أخرى مزذرية، يمكنه قراءة الكراهية و الرفض في عيناها، رآه يأخدها منه، يدها على ذراعه و يسحبها خلفه وهو أصبح فجأ ة مقيد في مكانه لا يمكنه تحريك سوى فمه:

« أنا و الدها و ليس أنت… »"لم يدع الخوف يضعف عزيمته هذه المرّة، كل شيء انفجر في رأسه، هذه الشابة هي حقا ابنته، الابنة التي ظن أنها ماتت بسبب متلازمة الرضع، سابرينا بكت وهي تأخده بين ذراعيها، أخبرته بأنها آسفة لكل ما يحصل، بأنها عاجزة عن التخفيف، عاجزة عن تغيير الوضع بينما اكتفى هذا السافل بالتطلع الى عينيه متهما اياه بالضعف و الجبن و كل صفة لا تنتمي اليه شخصيا، الجبان هو يانيس ايميليانو الذي عجز عن وضع ثقته به كفاية، هو الذي استمر في تحقيره كل الوقت ووصل ظلمه الى أن سرق ابنته منه « اجتحت حياتي كالوباء و حرمتني من أن أكون أنا... و قد أكون مستعدا لتحمل المزيد بعد الا فيما يخصها هي… انها ابنتي ».

اشتعلت الاساءة في عينيه، تلك الملامح التي تحولت تذريجيا الى الابن الذي منحه السلام الداخلي بعيدا عن حياة الايميليانو الشائكة، من كان بمواجهته اللحظة هو سانتو ، تمكن من التحرك لإستعادة ابنته منه، لكن هذه الأخيرة ترفضه بشدة، هذه الملامح التي ورتثها من جدها… حتى انها لا تشبهه… بدات تنتمي اكثر لسانتو و ليانيس على انتمائها له…اشتعلت النار في قلبه، سانتو فخور جدا بإنتصاراته المتوالية، يعيش الحياة المريحة التي أمنها له والدهما و يأخد عائلته منه…

أجفل بينما يشعر بيد تحط عليه، تسللت اصابعه الى كتفه رافضا اي اتصال، يانيس لم يكن يوما عنيفا معه جسديا، لم يستعمل معه تلك الاساليب، لأن لسانه، كان اسوأ الف مرة من اللكمات، وهذه المرة لا ينوي الاستمرار في الخنوع لأنه ضاق ذرعا…

« حبيبي … » عموما… يانيس لم يستعمل معه يوما كلمة مماثلة، وهذا الصوت الناعم و كأنه قادم من النعيم، استعاد وعيه بينما اليد اللطيفة تهزه برفق، الغرفة عائمة بأشعة الشمس وهو غارق في عرقه وسط الشراشف، بريانا تجلس على ركبتيها قربه، ملامح وجهها قلقة، كانت تنحني عليه و كأنه يسري في شرايينها، لهذا يحبها… لأن مشاعرها تنعكس دوما على ملامح وجهها و ليست قادرة على التحكم في ذلك.« لقد كان كابوسا… » شرحت له و هي تدفع بيدها بين خصلات شعره…

عادت أنفاسه لطبيعتها فورا و انسحبت من فوق رأسه الظلمة الحالكة التي بلعته، الشمس بجانبه، نورها بالتأكيد يصل لكل الزوايا القاتمة، مد يده الى رقبتها ليجلب رأسها الى صدره و يضمها اليه، هذا الاحساس من الكمال لا مثيل له، أغمض عينيه و استنشق عطر شعرها، انها محقة… لقد كان كابوس… حياته برمتها كانت كابوس نعم قبل أن تدخل هي حياته .. ومثل المعتاد قربها يتسبب له بحالة انفصام تام، جسده يسيطر على عقله و تحتاجه الانفعالات لدرجة يرقي من امامه للتمجيد، هذه المرأة هي من انتظرها كل حياته و سيعتز بما بينهما لبقية حياته..

« هل كنت تحلم بــ… » وشوشت له لكنه سارع بإيقافها

« لا…. » ابعدها عن حضنه ليتمكن من النظر الى عينيها مباشرة ، لا يرغب بالكلام فحسب.

تسللت يديها الى صدره الذي مازال نديا بسبب كابوسه و تركها تتبع خطوط عضلاته البارزة هذه اللمسة تنسيه ماسيه القديمة :

« فليكن ايها العراب…لن اعارض امتناعك لكن هل يمكنني استخدامك قليلا ؟ »

اتسعت ابتسامته:

« استخدميني وقتما تشائين كارا… انا ملكك »

احمرت وجنتيها من السرور، راقب اسنانها المصنفة تنغرس في شفتها السفلى بينما تبعد ما تبقى من غطاء عليه كي تتسلل الى جانبه

« بالتأكيد أنت ملكي… »ضغطت على كل كلمة هادفة لرسخها في عقله…

كلما رآها مشعة هكذا كلما أتته دوما نفس الشكوك… ماذا ان فشل في اسعادها حتى النهاية؟ ماذا ان دفعها للفرار بدون قصد و قسى قلبها نحوه تماما كما حدث مع صوفي الذي يجهل باي طريقة يستعيدها و يكسبها.

« أنت جدي فجأة » وشوشت له وهي تطبع قبلة بين حاجبيه في محاولة ازالة حرف V المرسوم بدقة، « ركز معي فقط و لا تفكر في شيء آخر… »

أمسك بيدها التي انزلقت فوق بطنه بإتجاه الجنوب:

« بريانا اسمعي… « تجمدت ملامحها فجأة، بدت قلقة مما قد يقوله، لكنه يرغب بمعرفة ردها « هل ترغبين حقا الزواج بي؟؟ أشعر أحيانا بأني لم أترك لك المسافة و لا حتى الوقت لتقييم الموضوع برمته… " بقيت تتطلع اليه بعينين مدورتين و كأنها في حيرة:« في زفاف خوسيه هددتني بالرحيل لأنني أخنقك… »

« لما تتكلم عن الموضوع ألان روكو؟؟ » سألته بحذر.

« ثم هجرتيني لأن الأمور تخرج عن سيطرتك »

« و عدت » أكدت له بحرارة « عدت لأنني اقتنعت بأنني لا شيء من دونك… روكو انت لاتفهم… حياتي برمتها تغيرت بدخولك اليها… لا أنكر بأنني أموت من الرعب عليك، أخاف أن يصيبك مكروه بسبب ( الأعمال الأخرى)، ربما طاقتي في تحمل هذا القلق و الخوف أكبر من أن تتحمل خروجك نهائيها من محيطي… نعم أنت انسان غيور جدا، أنت متملك، متغطرس أحيانا تتدخل في طريقة لبسي، أكلي، حتى أحذيتي لم تتركها و شأنها… وباللغرابة… مناقشة مهمة جمعت بيني و بين فلورانس و روبي… أظنهن يعانين من نفس المسألة، ثم اكتشفت أنه ليس استقواء بل حب… بدأت أعيشه بشكل أفضل… حتى أنني قد أصاب بخيبة ان غيرت سلوكك » رغما عنه ابتسم متخليا مثل المعتاد عن جديته أو حتى سيطرته على مشاعره: « أنظروا الى هذه الابتسامة… انها أجمل ما رأيت حتى ألان… يمكنني عرضها في اللوفر و أتوقع أن تحدث ضجة »

هذه المرة انفجر في الضحك فرافقته من قلبها، عندما استعادا جديتهما أسر لها :

« أريد أن تنجح علاقتنا بريانا… أن تكوني دوما صادقة معي… ان رايتي بأنني سافل أحيانا امنحيني اعذارا الى أن أهدأ و ان تكثمت على بضع أمور فهذا لمصلحتنا جميعا… لكن حبيبتي.. كوني على يقين بأنني اضعك عاليا جدا و أراهن بالكثير عليك… نعم الكثير… نعم الحياة التي تركها لي أبي ليست سهلة… لكنني قادر عليها و للان الأمور لا تخرج مطلقا من تحت السيطرة… لدى أطلب منك التركيز فحسب عما هو جميل في علاقتنا و ترك البقية لي… »

« لا أنوي ترك البقية لك… سأكون زوجتك، أنوي تقاسم كل شيء… حتى مزاجك السيء… »

« بريانا » اعترض.

« أنا جادة جدا » قاطعته بكل قوة « سأطلب من سانتياغو أن يعلمني التصويب… و أريد الحصول على رخصة سلاح »

لم يتوقع مطلقا هذا، يبدو أن مظهره المشبوه يسليها، أضاء لهب مظلم بصرها ، دليل على استعدادها للتحدي.:

« تظن أنه من صالح زوجة العراب أن تجهل كيفية استعمال الأسلحة؟؟ »

« لا أريدك أن تلمسي تلك القذارات »

« آسفة أيها الوسيم… أنوي حقا التعلم… » ثم بدأت تعد على أصابعها الاشياء التي تنوي تعلمها « الملاكمة في القائمة، قراءة كل ما له علاقة بالمافيا، المخابرات، تخصيص جزء كبير من وقتي لأهتم بأعمالك الداخلية و أنظم أوراقك و مواعيدك »

« هناك موظفين يقومون بهذا العمل عزيزتي » جاء صوته ناشف أكثر مما تمنى: « ما أفضله فوق كل هذا هو الاهتمام بالبيت و أيضا بالأطفال القادمين »

لوت شفتها ببعض الإستياء:

« يمكننا التفاوض؟؟ »

بدى عليه التفكير قليلا ثم قال:

« سأهتم أنا بتعليمك فنون التصويب و القتال… »

« لا تملك الكثير من الوقت لمنحه لي… » ذكّرته بجدية.

« تظنين أنني سأسمح لرجل آخر بوضع يده عليك غيري؟؟ ثم ان هناك دوما الوقت لأوفره لحبيبتي… سأكون متاحا وقتما ترغبين »

« سانتياغو ليس غريبا… انه رجلك الامين… »

« رجُلي الأمين في أمور غير هذه عزيزتي… »

اتسعت ابتسامتها بينما توهجت النار في نظراتها، كانت متأهبة لاغوائه و هو لا ينتظر سوى هذا، ما ان وضعت شفاهها عليه حتى توقف عقله عن التفكير… كانت شفاهها دافئة و ناعمة مثل الحرير…الكيمياء بينهما عامل جذب قوي و منذ البداية، استسلم للمتعة المجنونة التي أحرقت عروقه… مع بريانا… يصبح قلقه على الدوام من الماضي البعيد، هي الوحيدة القادرة على انقاذه من نفسه و مما صنعه والده به.

* * *

خلال اجتماعها عن بعد انتبهت ناومي الى أن خافيير حاول الاتصال بها مرتين، كان التركيز على عملها صعبا بينما كل انتباهها مع المتصل، منذ ما حدث بينهما في البندقية قررا معا التواصل و التعرف أكثر على بعضهما، الشيء الذي فاجئها من رجل يحترف الهروب في كل فرصة تجمعهما، الأمور تسير بشكل بطئي لكن رائع، لا يحاولان ترك المسافة تؤثر عما ينمو أو نمى بينهما، وعدها أن يعود أمريكا ما ان ينهي عقده مع روكو إيميليانو، و هي تعتقد أنها بحاجة لهذا كي تدرسه بدورها كما يدرسها هي، لكن خافيير يدخل بسرعة شديدة الى قلبها، بسرعة ترهبها، كل لقاءاتهما الهاتفية تنتهي فكاهيا، في أخر مرة استعملا الكامرا لرؤية بعضهما كان يرتدي جوارب وردية، جواربها هي، من المضحك رؤية ضخم مثله بجوار نسائية.

عندما وصل وقت الغذاء، أخدت أغراضها بسرعة كي تلتحق بجامي و ايفا في المطعم الذي تتناول يوميا فيه الطعام، في طريقها تمكنت اخيرا بالاتصال به، الوقت متأخر جدا في ايطاليا و لا يبدو ان هذا يزعج الرجل الذي أجاب فورا:

« هل قمتي بخيانته؟؟ »

« ليس بعد… » أقرّت وهي تضغط على زر المصعد .

« لم تجدي رجلا بوسامتي؟؟ »

« قصدك رجلا يرتدي جوارب وردية؟؟ لا… متى تنوي زيارتي؟؟ »

« لا أملك عطلة حاليا… لكن يمكنك المجيئ الى إيطاليا… »

« و الاصطدام مجددا بذلك الوحش الادامي الذي يدعى روكو؟؟ أبدا … »

« لن تصطدمي به اذا كنا سنلتقي خارج ايطاليا… في البندقية مجددا لنهاية الاسبوع… اخدت لك بطاقة سفر »

المفاجأة جعلتها تتجاهل المصعد الذي فتح ابوابه من اجلها، تمشت في الباحة الزجاجية التي تطل على ناطحات السحاب في منهاتن.

« من اخبرك بأنني لا املك مشاريع لنهاية الاسبوع؟ »

« سبق و سألتك و اكدت لي بأنك حرة »

حاولت تذكر متى تركت هذه المعلومة بالخروج من فمها، لكنها ايضا مشتاقة اليه، و بما انه ممنوع من خروج الحدود الايطالية بسبب عقده مع روكو ايميليانو فلما لا تذهب اليه في النهاية؟

« لا تعمل نهاية الاسبوع..؟ »

« عطلة … العراب يملك مشاريعه الخاصة… هيا جميلتي صاحبة النظرات البنفسجية… تخيلي ما يمكن ان امنحك اياه خلال هذين اليومين »

خنقت انفاسها في صدرها، لا يمكنها استباق الأحداث مع خافيير أو حتى تخيل شيء، انه بربري في حلة عصرية، متناقض مع نسبها و اسمها و حياتها لكنه الوحيد الذي يجعلها تشعر بانها امرأة، الوحيد الذي يفجرها قربه مثل الديناميت و هي لا تنوي العودة الى رشدها و هذه هي المشكلة. عقلها يفكر في خافيير مرارا وتكرارا ، حتى أصبح هوسا، ليلة لن تكون كافية، و هو لا يحمل الصفات التي بها قد يتقبله شقيقها او والدها في حال تطور الامر الى ما هو اكثر جدية، انه من الممنوعات، تقديم خافيير الى والدها يشبه اعترافها بأنها تتعاطى للهروين.

« من السيء اتخاذ القرارات مكان الأخرين خافيير »

« عذري الوحيد انني افتقدك … لا خيار لدي… عقدي مع العرّاب يمنع عني كليا خروج الحدود الايطالية… »

« اخدت بطاقات سفر دون استشارتي… »

« أنوي الاعتذار عندما أراك… »

هزت عينيها الى السماء و فركت جبينها، لكن الفكرة تغريها بشدة قاتلة و تكاد تختنق من شدة حماستها، التقطت نفسا عميقا لتتحكم في انفعالاتها المتناقضة، تجهل ان كان يجب أن تنفجر في وجهه أم تأخد الطائرة بلا ثانية انتظار.

« اسمعني… انها المرة الاخيرة التي تقرر فيها مكاني… لن يمكنني الطيران اليك كلما قررت ذلك»

« أرغب بأن أعرفك على اليخاندرو… »

تراجعت في مكانها و كأن المفاجأة تدفعها للوراء:

« ماذا؟؟ »

« انه يقوم بتدمير كل خلايا العصبية منذ أن كلمته عنك و يريد التعرف عليك… "

« كلمت توأمك عني؟؟ »

« بالتأكيد فعلت… انه صاحب نصائح جيدة و رؤى صائبة… يملك فيلا في البندقية يمكننا استعمالها… ستكون معه بيانكا هي ايضا متحمسة لرؤيتك »

« رباه خافيير كل شيء سريع لا أفهمك… »

« انهم عائلتي… هذه الخطوة لا تعني التزامك بشي mi amor ، أنا لا أطلب يدك للزواج،… انها فقط نهاية أسبوع عائلية… ليس ذنبي ان كان توأمي شاعريا »

تصرف محير للغاية من رجل لم يرغب بأي تواصل بينهما و هرب منها مرتين، لكن هذه الخطوة تثيرها و تثبت أكثر مشاعرها نحوه:

« أنت لغز محير … »

« و أنت رائعة و أنتظر بفارغ الصبر رؤيتك …»

قبل ان تظيف كلمة كان قد أغلق الخط.

كانت أفكارها مرتبكة للغاية عندما التحقت بصديقاتها في المطعم، مؤخرا كل شيء في حياتها ينفلث من سيطرتها بطريقة غريبة، منذ عودتها من ايطاليا و هي على صفيح ساخن، في النهاية يمكنها فهم أن كيليان ارشيبالد هو شقيق روكو ايميليانو و أن ثمة عداوة عنيفة بين الرجلين، تخشى على شقيقتها من رجل مثله، و هي لا يمكنها فضح سرّه أبدا فلقد كان واضحا معها بهذا الشأن، تشعر بالشفقة لكل المجهود المهدور لإيموجين بإسترجاع زوج أصبحت شفافة أمامه، و ليست بمفردها ما انتبه لهذا، والديها ايضا، و شقيقها لوكا لم يحتفظ بالملاحظة لنفسه بل تقاسمها مع شقيقتها التي انفجرت في وجهه بأن هذا لا يهمه أبدا و بأنه زواجها، برأيها هذه الأخيرة تجعل من كرامتها سجاد يسير عليه كيليان… وهذا شيء لا تتقبله أبدا.

لو عرفت ايموجين أن كيليان ليس حقا هو.... بأنه يحمل دماء اشد الرجال خطورة مروّا على سطح هذه الارض فهل ستستمر في محاولاتها؟؟ زياتها لصقلية كانت مثمرة و على الاقل فكت بضع ألغاز خاصة بذلك الرجل الناجح جدا و الغامض جدا… و انتمائه لجاك ارشيبالد ما هي الا واجهة.

ثم دخل خافيير حياتها كالعاصفة بالرغم من انه مناسب جدا لتمضية بعض الوقت الممتع الا ان ما يحدث بينهما شيء سريع جدا و خطر و لا يقبل التفسير اطلاقا.

« ماهذا التجهم؟ هل انتحاري بحزام ناسف قصد مكتبك؟؟ » سألتها جامي بينما تجلس قبالتها و تضع حقيبة يدها بجانبها

« احتاج لشراب قوي »

هزت إيفا حاجبيها:

« ما الامر عزيزتي؟ »

اتى اليهم النادل الذي اشارت اليه ليأخذ طلبها المستعجل، جامي اسندت وجهها على راحة يدها تتطلع اليها باهتمام:

« ما الامر؟ تبدين بحالة سيئة »

« أنا في حالة سيئة » اقرت متجهمة « و كأن تسونامي ضربت حياتي مؤخرا… »

« إيموجين و الوسيم الروسي..؟؟ » تكهنت ايفا، ليتها تعرف بأن الروسي تبين بأنه ايطالي في النهاية « أجهل لما تستمرين في الخوف عليها بينما هي لا تهتم مطلقا بمشاعر أحد، تلك المرأة وحش من الانانية… »

سمرتها بنظرات غاضبة:

« انها شقيقتي ايفا… لا يمكنني البقاء متفرجة بينما أراها تعاني »

« زواجهما محكوم عليه بالاعدام منذ سنوات أجهل لما تستمرين بلايمان بعلاقة ميتة؟ » علّقت جامي بلطف.

شعرت بالسوء لهذه الملاحظة المؤذية، موضوع شقيقتها شائك من الأفضل تفاديه مع صديقاتها و التركيز عن حياتها هي:

« ينوي خافيير تعريفي بتوأمه و خطيبة هذا الأخير نهاية الاسبوع… »

عم الصمت للحظة بينما تتطلعن اليها بعيون مدورة تنهدت « اعرف أعرف … منذ البداية هو كان واضحا بأن ما بيننا جسدي و أنا بالتأكيد لا أبحث عن شيء أكثر من مغامرة »

قاطعتها جامي:

« بالتأكيد فذلك الرجل مناسب جدا لتمضية سياحة جنسية لا أكثر، انه مجرد حارس شخصي ناومي و أنت ابنة مارشال، عمدة ميامي القادم… برئي اقطعي علاقتك به ألان قبل أن تفلت الأمور من بين يديك… دافيد ريتشي كان مناسبا أكثر »

« خلايا دافيد مدمرة حبا بالأميرة فالكوني و أنا لم أعد أراه كالسابق بينما يظهر خافيير مجددا أمامي… » شرحت ناومي التي شكرت النادل الذي عاد شرابها « فقدت اهتمامي به و هو لا يهتم بأمري أيضا… نحن اصدقاء و كفى »

« خطيبة توأم خافيير » تدخلت ايفا « غريبة هذه القصة، أُغويَ المُغوي الذي لا تغويه امرأة… و من بين كل الرجال في العالم توأم عشيقك الوسيم من وضع خاتمه في أصبعها… »

« اليخاندرو ميندوزا رجل ذو سطوة و مكانة مرموقة وأجهل لما توأمه لم ينجح مثله؟ فبينما يمشي الأول على مشاريع ضخمة مع مالكي امبراطوريات مثل روكو إيميليانو يتسكع الثاني ويخاطر بحياته ليحمي أسياده »

هذه الملاحظة لم تروقها كثيرا لكن جيمي تقول دوما فيما تفكر شخصيا.

« خافيير ليس حارس شخصي عادي، لقد كان جنديا… و أحواله المادية أخر ما يهمني »

« بالتأكيد ان كان الموضوع سيقتصر فحسب على السرير…لكن الوسيم ينوي تعريفك على توأمه… « هزت جامي أصبعها فوق رأسها و بدأت تلفه بسرعة » انذار الخطر عزيزتي، يأخد ما بينكما بجدية «

« برئي تحججي بأي شيء … « نصحتها ايفا. » لا تتركي ما بينكما يخرج من اطار السرير، انه لا يناسبك »

لم ترد، و هذا الصمت ولد نوع من الانزعاج بينهن، خافيير متنفس و منفذ، و ما عاشته معه لم تعشه من قبل أبدا، كيف تنكر هذا الانجذاب الغامض و التيار الكهربائي المار بينهما؟ تعرف بأنه يحمل كل ما يكرهه لوكا ووالدها، قد يكون sex-symbol عن جذارة لكن هذا لن يشفع لها أمام والدتها ستجده سوقيا و غير مقبول نهائيها في محيطهم الراقي، و ستستمر بمقارنتها بإيموجين التي تمكنت من كيليان ارشيبالد… ايموجين التي نجحت في مهنتها و حياتها الخاصة… ايموجين الوافرة الحظ و التي كانت على الدوام فخر المارشال.

« إنه يُعجبني بشدة… » اعترفت ناومي بغصة » في هذا الوقت بالضبط… مزاج خافيير المرح و إنجذابي هما كل ما أملك…انه مختلف و ينجح بدفعي للضحك،.. « بانت ابتسامة تائهة على شفاه تعسة « مازال يستعمل جواربي الوردية… خافيير الهواء النقي بين السنة النار التي تعيش فيها عائلتي مؤخرا… كل شيء مضطرب… الانتخابات و قرار كيليان بهجر إيموجين و لوكا المتعلق من رقبته بحبل امرأة تكرهه من كل كيانها لكنه يرفض الاستسلام و ينوي استعادتها بكل الطرق الممكنة… الكل فقد عقله مؤخرا…و أشعر بنفسي مهمشة،… انه… انه الوحيد الذي ينجح بدفعي للنسيان… « هزت نحوهما كأس الشراب الشبه منتهي « لا يمكنكما الفهم صح؟؟ لكنني افهم موقفي اكثر بينما أدرك بأن تأثيره علي أكبر من هذا الشراب… ثم…… قد أحبكن بشدة الا أنني أنوي قبول دعوته و رؤيته مجددا… ».

* * *

رآها تتسلل مثل الفأرة من الغرفة التي أغلقتها خلفها طيلة الليل، الفطور وصل منذ نصف ساعة، هو قام بقراءة جرائده الاقتصادية و أيضا اجراء بضع اتصالات، لكنه مايزال متكاسل في روب الفندق الأبيض، نفسه الذي ترتديه زوجته الشابة التي قصدت الشرفة حيث يجلس تغمم بكلمة صباح الخير:

« نمت جيدا؟؟ »

كانت بصدد سكب الشاي في فنجان فارغ، راقبها تهز نحوه عيون شاسعة ممتلئة بالحذر، رباه… كم يكره حذرها هذا.

« عفوا؟ »

كان يعرف بأنها سمعت سؤاله جيدا، رغم هذا كرره بهدوء:

« كانت ليلتك هانئة؟؟ »

« نمت مثل الطفل شكرا لسؤالك… »

بين كلمة و كلمة كمية حذر تفوق المعقول، أهمل جريدته جانبا بينما يراقب أصابعها الرفيعة تلتقط بسكوت أسمر كي تضع عليه القليل من الكريما، كان وجهها خاليا من الزينة لكن لا خطأ في كل شبر منه، بالأمس كانت ملكة اغراء تمكنت من سحر الرجال بجمالها و ذكائها، أما هذا الصباح فتبدو مثل جنية عذراء خرجت لتوها من جنة عذن.

« بما أنك أفلحت أمس، فكرت بمجازاتك »

عادت تهز نحوه رموشها الكثيفة كي تثبته بألوان عينيها المتضاربة:

« لا انتظر منك جزاءا خوسيه… فعلت ما تنصه العقود بيننا… »

أوشك على الاختناق في أنفاسه من الغضب الذي بدأ يجد طريقه اليه، انها تفعل كل ما باستطاعتها لأبعاده:

« هل يمكنك نسيان العقد بيننا لوهلة وجيزة فقط؟؟ »

« لا… » ردّت دون تأخير.

« لا؟؟ »

تنهدت بعمق قبل أن تترك ما بين يديها و تحصره بنظرات جدية:

« ان فعلت فسنخاطر بخلق حادث دبلوماسي بحجم دولي »

اشتدت تعابيره ، ومرت بصيص قاتل في نظرته القاتمة:

« أنا لست عدوك… »

« أنت عدّوي بينما تجبرني على النوم معك و الحمل و تحمل سخافاتك على طول الطريق.. ولكن ما يحتاج الجميع إلى فهمه ، بمن فيهم أنت ، هو أنني لست حيوانك الأليف » غيرت رأيها بتناول الطعام على ما يبدو اذ انها نفضت يديها من بقايا خبز لم تأكله ووقفت من مقعدها « أنا أكثر تصميما… امرأة لن يمكنك السيطرة عليها و من الأفضل أن تتذكر هذا… »

« أنت زوجتي »

« على الورق… » رّت بتحدي.

وقف بدوره من مقعده ليواجهها، بدون صندال أمس العالي الكعبين تبدو أقصر بكثير منه و هو يهيمن عليها بجسده، رآها تتراجع برعب الى الوراء ، لكن حان الوقت ليخبرها بما يفكر به هو شخصيا:

« في نظري، الرجل الذي لا يهتم بعائلته هو ضعيف، حقير و قذر، ان ظننت بأنه يسهل التلاعب بي لانتزاع أكثر ما أؤمن به وهو الاستقرار فأنت تجهلين نوع الصراعات التي تنتظرك، ‘أيا’ أنت لا تقومين بأي مجهود، لا تملكين أي عذر حقيقي لسلسلة الرفض التي تقومين بها، سبق و أخبرتك بأنني لا أنوي التخلي عن التوأم لأجلك، إقترحت عليك بداية جديدة و أظن أنك لاحظتي بأن ثمة تغيرات جرت على حياتي الخاصة فلم تقري سطرا في الميديا على مآثري الجنسية.. لا توجد نساء غيرك لأنني أنوي تقديس ما بيننا، أنوي دفعك لتغير موقفك و رئيك كي يعيش المادو و أوزلام بين والديهما… »

قالت بصوت صاخب من الذعر:

« لن أخاطر معك… »

ببطئ،عن قصد ، بدأ يتجول حولها ، ُمحاطها بحضوره مثل حيوان مفترس:

« لماذا؟؟ لأنك جبانة جدا كي تخوضي التجربة؟ »

« أكون ملعونة ان وثقت بك خوسيه… أنت تعاني مع أمزجتك المتناقضة و أنا لا أنوي تمضية عمري في محاولة فهمك و علاجك… لدي أشياء أهم لامنحها طاقتي فلا تحلم… أنا لست تحت تصرفك »

انسحبت بعد هذا مثل عاصفة هوجاء، أشياء أهم منه لتمنحها طاقتها؟؟ تقصد التوأمين أو الشركة التي تجد لها دوما مخرجا و كأن الرب بنفسه من يقوم بتسوية صفقاتها، لكنه في حيرة و يجهل بالضبط لما تستكثر عليه فرصة جديدة بينما كل النساء تحلمن بموقعها في حياته، و هذا، يجعله ثائر من الغضب، لم ترفضه امرأة أبدا، لم تخلق بعد من ترفضه، الا اذا… الا اذا كان تفكيرها مع رجل آخر.

هذه الاحتمالية دفعت فطوره الى حنجرته، ان كان هذا صحيحا فإن فرص النجاح لذلك الدخيل منخفضة للغاية، انه اليوم أكثر تصميما و عزما للاحتفاظ بوالدة توأميه و ليس لأنه يشك في قدراته على الاستقواء عليها بل لأنه يريدها في حياته كما رغب فيها في أول يوم سقطت نظراته عليها.

أغلقت أيا باب الحمام عليها و انتزعت فورا روبها و معه قميص النوم كي تعكس لها المرآة النذوب الحمراء على بطنها، المنظر مقزز لدرجة أنها أبعدت عينيها سريعا و امتدت يدها الى مياه الدوش لتقيس حرارتها، كان الحمام فاخرا كبقية ما في الجناح، تركت خلفها خوسيه مشدوها أمام رفضها لعب دور الكلب المطيع الذي يهز ذنبه بمجرد أن يطلق صافرته ، إحساس يتصاعد فيها مرعبًا أكثر من الذعر، خوسيه يلتجأ لسياسة الاقناع متخليا عن تجريحه الاعتيادي و هذا مريب للغاية لأنها تفضله جارحا لا متسلحا بالاغراء ليكسر حصونها، أخبرها أمس بالا نساء في حياته، ثم اكد لها الموضوع قبل قليل، ونظرا لتجربتها معه، فهو رجل شره جنسيا و لن يمكنه الصوم عنه بانتظار تنازلها، بحيث لا تنوي مطلقا تغيير رأيها، سيفقد رغبته هاته ما ان تسقط عيناه عن بطنها، هذا اذا لم يقذف بطعامه تحت قدميه.

وقفت تحت المياه الساخنة لتبعد ارهاق اعصابها، ينوي فرض إرادته عليها مرة أخرى، حان الوقت لجعله يفهم بأنها ليست تحت حذائه، فركت شعرها جيدا بالشامبو الذي انتشرت رائحة الكاراميل و الشكولا بالفانيلا من حولها، حتى هذا الانتعاش لم يبعد عنها الغضب الذي يتآكلها، انها ليست امرأة له، قد تزحف على بطنها نحو التألق و ربما تأخد وقتا لكنها أذكى بكثير مما كانت بحاجة اليه، و أكثر تصميما أيضا لتحقيق طموحها و صبرها يفوق ذلك، ان بقيت على وجهتها فتنتصر في صراعهما، قد لا تستهين بقوته لكن تبقى صلابتها نظرية بحتة أمام واقع أن ما بينهما أكثر من مجرد عقد بل روحين بريئين أتيا دون أي ذنب… عليها ان تكون حذرة… فهي لا تنوي فقدان حضانتهما، و أي خطأ من جانبها سيؤدي إلى حدوث مضاعفات غير ضرورية.

لفت نفسها بمنشفة عملاقة و شعرها بأخرى و سبقتها موجة البخار بينما تفتح باب الحمام المتصل بغرفتها، توقفت فورا بينما تكتشف الاسباني الوسيم مستندا على طاولة الزينة، ذراعيه معقودتين فوق صدره، ساقيه مسترخيتين أمامه، كان قد تخلص من الروب، و مثل المعتاد، خوسيه يكسر رموز الموضة و الأناقة في كل الستايلات، حتى وسط جنز leve’s بسيط القصة، و بولو رمادي، حبست أنفاسها أمام هذا الهجوم الصامت، قلقت بينما تراه بالقرب من هاتفها النقال، هل بحث في رسائلها؟؟ في أغراضها؟؟ مالذي يفعله في غرفتها بهذه الملامح المنغلقة:

« مالذي تفعله هنا؟؟ »

استوى في وقفته و لوح لها بشيء بين اصابعه، كانت الورقة الصغيرة التي دوّن فيها المزين أمس اسم الدكتور الذي يحذث المعجزات مع النجمات.

« من هو ليام ماسون؟؟ لما تحتفظين باسمه و رقم هاتفه بين أغراضك؟؟ »

المفاجأة تمكنت حقا من رباطة جأشها، لكنها قالت أول ما جاء على لسانها بينما تتمسك جيدا بالمنشفة حول صدرها و تقترب منه لتستعيد ورقتها.

« أعطني هذا فورا… « رفع ذراعه الى أعلى، صار من المستحيل الوصول الى مبتغاها، خوسيه أطول منها بعدة بوصات و هي قزمة أمامه « بأي حق تبحث بين أغراضي؟؟ «

كرر سؤاله بنبرة أكثر تهديدا هذه المرة:

« من هو هذا الرجل؟؟ هل ترين أحدا في الخفاء؟؟ هو عشيقك؟؟ »

هزت عينيها الى السماء:

« تظن بأنني كنت لأحتفظ برقم عشيق على ورقة أو لا أحفظ اسمه كي دونه؟؟ »

« اذن من هو؟؟ »

« هذا لا يهمك » زمجرت به في محاولة اخيرة يائسة لاستعادة الورقة مما تسبب بسقوط المنشفة على رأسها أرضا، الخصلات المبللة على كتفيها أحاطتها كما أخفت وجهها، أبعدتها عن عينيها لتتمكن من تثبيت السافل الذي اخرج هاتفه من جيبه و بدأ بنقل الرقم عليه:

« مالذي تفعله؟؟ »

« بما أنك ترفضين الافصاح… »

« لا تفعل هذا خوسيه… انه أمر خاص بي أرجوك لا تفعل » هل يمكنها كراهيته أكثر من هذا؟؟ تسائلت من بين ضباب المرارة و اليأس و الغضب في عقلها و هي تراه ينهي كتابة الرقم و ينتظر الرد من الجهة الثانية « لن تلهمني احتقارا أكبر خوسيه مارتينيز … "

رأته يهز حاجبيه الكثين و يستمع بالتأكيد الى صوت المرشد من الجهة الثانية، ثم فجأة انهى المكالمة كي يواجهها بملامح حائرة:

« طبيب تجميل؟؟ »

« من أجل أخي… « قالت بسرعة « تركت عملية القلب نذبة على صدره و هذا يزعجه بشدة و أحاول التوصل لحل كي أمنحه الثقة في نفسه «

لكن حاجبي خوسيه لم تنزلا فوق عينيه اللتين تتفحصانها مثل السكانير، لا يبدو أنه يثق في كلمة مما تقول، لم تكن مقنعة على ما يبدو، بلعت ريقها ببعض العصبية و هذا لم يخفى عليه، هذا الرجل، سيء حتى النخاع، حشري و بلا أي صفات انسانية حقيقية، و تجهل ما يجده روكو ايميليانو و بقية الاصدقاء فيه لإثارة مثل ذلك الولاء و التضحية بالنفس من أجله.

« لا اصدقك أيا… » تمتم أخيرا « يحتاج شقيقك الى مدة طويلة جدا كي يُسمح له أخيرا بإخفاء آثار العملية… «

راقبته يدنو نحوها بخطوات بطئية، تعبير غريب جدا حل محل الحيرة، تجهل ما يدور في عقله، تشبثت بالفوطة و تراجعت خطوة الى الوراء كي لا تسمح له بإقتحامها :

« مالذي تخفينه ؟؟ »

« لا أخفي شيئا… » ثم اشارت الى الباب » هل يمكنك الخروج الان كي اتمكن ارتداء ملابسي؟؟ »

« لا أحد يملي علي تصرفاتي » صوته أتى عاليا الى أن شعرت بأنه خرّب طبلة أذنيها، أمسك بذراعها و هزها بعنف، يبدو انها نجحت باستفزازه و اخراج مخالبه، يبدو ألان و كأنه بركان، لسيما عجزه عن حل المعضلة « استمعي بعناية إلى ما سأخبرك به، لهجتك معي تغيرت و بدأت الكلفة بيننا بالتلاشي، مع مرور الوقت تنسين من انا و من انت لذا انصحك بالحذر قبل أن أعيد تعليمك اصول التعامل و بالتأكيد انا معلم سيء للغاية فلا تختبري صبري اكثر آمل أن يكون هذا مفهوما »

حاولت تخليص نفسها من الاصابع التي ينهشها في لحم ذراعها الطري ترك الصمت بينهما يهدأ لحظة لهضم تهديداته المشوشة، خفت اصابعه على ذراعها و ببطئ شعرت بها تحررها استعادت ذراعها كي تسجن دقنها نفس الاصابع، اجبرها بالنظر مباشرة في عينيه:

« لم اكن يوما عنيفا مع امرأة… تنجحين بإخراج الاسوء في »

« ليس هذا هذفي » تمتمت بانفعال « أصبح مستفزة فقط معك … لأنك أيضا تخرج الاسوء في »

أبعدت رأسها كي تنزلق أصابعه من دقنها و تحرره، انفجار مشاعرها بهذا الاتصال و الحوار الذي يحمل الف معنى بينما هي ملتفة بمنشفة شيء خطر:

« أريد ارتداء ملابسي »

أشار الى الخزانة برأسه:

« ارتديها عزيزتي و تعودي وجودي قربك دوما … لا أنوي ترك مسافة بيننا بعد اليوم… أنت زوجتي أيا و لن يكون فقط على الورق… ان كنت غبية جدا كي لا تاخدي على محمل الجد عروضي بمنح زواجنا فرصة فسأعمل على ان تتعلمي استغلال هذا النوع من الفرص الذي سيغير حياتنا معا… «

لم تتحرك من مكانها، بقيت تتطلع اليه بنظرة شديدة:

« اذن فأنت من يقرر في كل مرة؟؟ »

« لا.. » هز رأسه بالنفي « لو لم تكوني مهمة لما تكبدت كل هذا العناء… »

مهمة للاحتفاظ بالتوأمين هي تعرف، الحزن تسلل اليها مثل السم، و يبدو انه لاحظ تعابيرها تتشنج تحت الالم، رأته يأخد نفسا عميقا :

« أريد كسبك أيا … لن يحدث هذا و أنت تستمرين برؤيتي كوحش »

« ما بيننا مسموم و مريب… »

« رؤيتك لي هي المسمومة و المريبة.. لن اتغزل في نفسي و أقول بأنني رجل لا يعرف الخطأ، حسنا أنا سافل و ليس فقط معك أجرمت حتى بحق نفسي عدة مرات، و ألان … هل يمكنك ارتداء ملابسك كي نخرج مثل كل الازواج لاكتشاف المدينة قبل رحيلنا الى صقلية؟ »

لم تمنع نفسها من المفاجئة:

« تريد الخروج معي للعب دور السائح؟؟ أنت لم تفعلها يوما… »

« هناك مرة أولى لكل شيء… »

« ستتعدد اذن المرّات الأولى لأننا لم نتقاسم شيئا سوى السرير و الاهانات » قذفت بخشونة قبل أن تمنحه ظهرها و تتوجه نحو خزانة الملابس، كانت متوترة بينما تعرف بأن نظراته ملتصقة بها، أغرتها بشدة فكرة تحديه بارتداء ثياب لا تليق برفقة رجل يتفجر أناقة مثله، لكن للاسف كل ما في خزانتها راقي لأن السيد بنفسه من قام بإختياره، وقع اختيارها على قطعتين منشرحة الألوان، التنورة قصيرة نوعا ما لكنها مناسبة مع جوارب النايلون و حداء طويل الرقبة، أخدت الاغراض بين يديها وقصدت الحمام لكنه استوقفها « ارتدي ملابسك هنا .. »
ياله من جحيم، سألته بجليدية:

« هل مازالت تملك القليل من اللباقة البشرية؟؟… »

« احفظ تضاريسك عن ظهر قلب »

تلك التضاريس التي حلت محلها وديان غائرة قاحلة و مريبة المنظر.

« ادر ظهرك على الأقل »

بقيت تتطلع اليه بتحد بينما ينوي زعزعتها بنظراته المتسلية و المتهكمة، عندما رأته يمنحها ظهره كي يواجه النافذة العملاقة المطلة على برج ايفل تسللت بخفة الى الحمام و اغلقت فورا الباب خلفها بالمفتاح، ستكون مجنونة ان وثقت به، تنهدت بعمق وهي تحصل بمجهودها فقط عن المسافة الآمنة.

* * *

تفقدت فيرنا الأغراض التي جمعتها، كانت حقائبها تحتوي على مستلزمات للأطفال أكثر من أغراضها شخصيا، عملت خلال الايام الأخيرة بجمع الكثير من الأسر التي تنوي التخلص من أغراض لأطفالها كالالعاب و القصص و غيرها من حوائج تحتاجها معلمة لتلامذتها، لحسن الحظ أن البعثة تتكفل أيضا بوزن الحقائب و عددها، هزت عينيها نحو عمها الذي اقتحم غرفتها، بين يديه كرتون عملاق فيه الأدوية .

« وصلت لتوها… »

« لا بد أنها السيدة ميلانيا انها تعمل في المستشفى و قد وعدتني بإرسالها مع البريد »

وضع عمها الكارتون أرضا بجانب البقية، عندما استوى في وقفته بدى مفكرا، يده بين خصلات شعره المتدرجة الألوان بين الاسود و الأبيض.

« مابك عمي؟؟ »

« أجهل باي طريقة أقنعك بالبقاء… البيت سيصبح مظلم من دونك »

ابتسمت و تسللت اليه كي تحيط خصره بذراعيها وتضمه الى صدرها:

« بعد ان وضعت حياتك جانبا من أجلي ظننت انه سيسعدك التخلص مني لبضع أشهر… »

ابعدها عن صدره ليتطلع الى عينيها:

« لا أعتبرك عبئا فيرنا عزيزتي… انت مثل ابنتي و مستعد لكل التضحيات الممكنة لاسعادك و مد يد العون لك… ان كنت ترين انه من المناسب جدا ان تغادري ايطاليا في سبيل مغامرة جديدة فأنا أسانذك »

« أعرف أن هذا سيكلفك الكثير لسيما مع جورجينا »

مسح على وجهها برقة:

« لايهمني رأيها أكثر من راحتك »

« ستنقلب ضدك ما ان اختفي… »

« فقدت الكثير بسببها، و ان كنت قد حافظت على التواصل فلأنها والدتك… » قبل رأسها بحنان ثم أخد وجهها بين يديها قائلا بجدية « سافري و اعملي ما ترينه مناسبا و برئي أولائك الأطفال محظوظين للغاية بمعلمة بحنانك و قلبك الطيب، ستُنيرين أيامهم كما أنرت ايامي فيرنا الغالية، ناذرون من هم بطيبتك و عفويتك و حنانك فلا تتغيري و انشري النور حيثما مررت لأنك مثال للانسانية و الأخلاق الراقية… فليكن الرب معك اينما حللت »

هذه الكلمات بمثابة البلسم الذي تحتاجه كي لا تفقد شجاعتها و تتقدم في احلامها و طموحها، منذ الحادثة، بينما يمنحها الله فرصة حياة جديدة، أدركت لما بقيت على قيد الحياة، أتت الى هذا العالم كي تساعد من حولها:

« أريدك أن تهتم بنفسك عمّي… سيسعدني ان تأتي لزيارتي ذات يوم »

عندما غادر غرفتها انهت آخر اللمسات على الأمتعة، و كي لا تنسى، التقطت صورتها مع والدها التي تحتفظ بها فوق الشوفيه قرب سريرها و تطلعت بها بشغف:

« انها المرة الأولى التي أغادر فيها البيت » كشرت قليلا وهي تتذكر سفرها مع سانتو … « حسنا… ليست المرة الأولى بالمعنى الحرفي … كنت من البلادة بحيث تبعت قلبي مثلك و ظننت بأنني وجدت ما بحثت عنه… لقد كان ناعما بقدر ما كان سرابا أبي… أظنني ورث لعنتك في النهاية »

أغمضت عينيها و ضمت الصورة الى قلبها، رغما عنها ارتسمت صورة لصفحة المياه الشفافة خلف جفونها، و رجل رائع بكل المقاييس، رائع و كامل بصورة مؤلمة، فخر الذكورة و الرجولة، استعادت مشهده و هو يخرج من بين الأمواج الذيذة، شلالات من المياه تتساقط على جسده العضلي و القوي، بادرته آنذاك كي تخفي تشوشها:

" كنت أفكر باي طريقة سأعود الى ايطاليا في حالة غرقك!؟..."

انفجر في الضحك و رمى بنفسه بجانبها، هز رأسه ليبعد المياه عن خصلات شعره الكثيفة:

" هل وجدت ثمة احتمالات؟؟"

هزت كتفيها و اشارت الى الفيلا الغير بعيدة عنهما:

" العيش هنا الى الأبد فكرة مغرية..."

" سعيد أن الاغراء يتجسد في المكان الذي اخترته لأمضي معك فيه بعض الوقت..." غرق في عينيها:" أنا مرتاح معك..."

رقت نظراتها و وشوت له:

" أنا أيضا مرتاحة معك... الشيء الذي لم يحدث لي مع رجل منذ سنوات طويلة جدا..."

« فيرنا »

استفاقت من أحلامها على صوت مارسيلو الاهث، كان قد اقتحم غرفتها مثل العاصفة، مثل المعتاد رجليه حافيتين و متسختين مما اخرجها عن طوعها:

« سبق و حذرتك ان اقوم بسلخ جلدك انك رأيتك عاري القدمين مجددا .. »

قبل ان يفلت منها التقطت اذنه بأصابعها ببعض القسوة مما جعله يتلوى:

« لن أكرر الفعلة أختي »

تركته ووضعت يديها على خاصرتيها

« من يراك يظنك متشردا مارسيلو… اريدك ان تدخل فورا الى الحمام كي تغتسل و تغير ملابسك… »

« سأفعل.. لكن هناك من ينتظرك خارجا و طلب مني والدي استدعاؤك… «

التقطت الوشاح لتضعه على كتفيه و خرجت من غرفة نومها متجاوزة البلاط نحو الباب الخارجي، سيارة فخمة أمام البيت، شعرت بغصة، هل هي جورجينا؟؟ اتت لتمنعها من الالتحاق بطائرتها غدا الى روما؟ لكنها لم تلمح قامتها الممشوقة و الجميلة، بل رجل متوسط العمر، يقف بجانب عمها.

« تقدمي عزيزتي… »

الرجل يقوم بدراستها ببعض الفضول، هذا الأخير تقدم ليمد يده نحوها:

« فالنتينا دال ري؟ »

« هذه أنا… » ردت بحذر وهي تلمس يده قبل أن تستعيدها بنفس السرعة.

« أدعى ميلر ويليامز… و أنا موظفك »

موظفها؟؟ هل هذه الحيل من جورجينا؟؟ كما ان الرجل يملك لكنة قوية جدا و اسمه ليس ايطاليا، تطلعت نحو عمها الذي كان يقطب مفكرا:

« موظفي؟؟ أظن أن هناك ثمة خطأ… » ان كان مبعوث من قبل جورجينا فعليها ايقاف المهزلة فورا : « هل جورجينا كوستانسو من وظفك؟؟ ».

« لا آنستي…. » ثم رأته يخرج هاتفه الخلوي « بل ارشيبالد أنترناشيونال… لحظة كي أمرر لك المديرة »

بقيت متصلبة مكانها، البعثة الحالية لا علاقة لها بأولئك الناس الذين اصرو على الصاق صفة السفيرة بظهرها، هزت عينيها نحو عمها الذي هز بدوره كتفيه دليلا على جهله بما يصير مثلها، أخدت منه الهاتف بينما صوت ناعم يتحدث من الجهة الثانية

« آنسة دال راي أدعى فيلدا بلوز موظفة كيليان ارشيبالد، نضع تحت تصرفك مرشد يتكلم عدة لغات، نحمي بشدة مصالح سفيرتنا، طائرة خاصة بانتظاركما في مطار روما غدا على الساعة التاسعة صباحا، ميلر ويليامز سيبقى معك الى أن تقابلي بقية الفريق في الجزيرة… »

بقيت متصلبة مكانها، المرأة تتكلم لغتها بلكنة أمريكية قوية، شعرت بأنها تتوه أمام هذه التعليمات الجديدة:

« لكن… الا يفترض أن أركب الطائرة مع بقية الفريق؟؟ » سالت في حيرة.

« الرئيس يصر بشدة على منحك بضع امتيازات »

شعرت بالغضب لهذه التعليمات، لما يجب ان يتم صرف كل هذه النقود على راحتها بينما يمكنها الاستفادة منها لتغطية حاجيات أطفال في عوز حقيقي:

« سيدة بلوز، أقدر بشدة كرم الرئيس لكنني أرفض قطعا الحصول على أيّ استثناءات بينما هذف رحلتي واضح الا وهو مد يد العون لا التكبر على زملائي»

بدى التردد من الجهة الثانية:

« لا يمكنني ردع تعليمات الرئيس »

« ليس انت من يردعها بل أنا… يمكنني مكالمته مباشرة ان كان هذا يُخلي مسؤوليتك »

« لا يمكنك مكالمته لأنه رجل مشغول جدا… »

« فليكن... ثمن المصاريف التي ينوي هدرها يمكنه وضعها تحت تصرف الجمعية لأمور أكثر أهمية… سآخد الطائرة غدا مع زملائي، و ان كان موقعي كسفيرة الأعمال الخيرية لأرشيبالد سيمكنني دوما بهذا النوع من الاستثناءات فأفضل الانسحاب و ترك مكاني لغيري… ». أعادت الهاتف للرجل الذي اتسعت عيناه أكثر وهو يدرك أن عقد عمله ينتهي هنا « أسفة سيد ويليامز لكنك مطرود »

* * *

« ما رأيكن؟؟ »

سألت فلور ببعض القلق أمام النظرات الأنثوية المسلطة على التحفة الرائعة بالأبيض، الفستان لا يشبه في شيء فستان عرسها شخصيا، العراب كان واضحا، خطيبته تعشق البساطة و بالتالي التحفة تحمل كل المعايير المطلوبة، استدارت روبي نحو سابرينا التي كانت تتطلع الى الفستان دون أن تعلق بشيء:

« ما رأيك سابرينا؟؟ نحن نلعب في الوقت الضائع… «

« انه يشبهها » تدخلت صوفي وهي تدفع بكرسيها للأمام كي تتمكن و من لمس القصة الأنيقة للصدر و الخصر « بسيط و لا يثير الانظار »

نظرت اليها فلورانس متهكمة:

« هل هذا اطراء بربك؟؟ »

« من بين خمسمئة فستان أراه الأكثر قربا من شخصية بريانا » تدخلت روبي لتنهي أي محاولة لمشادة كلامية.

« انه المناسب نعم… » قالت سابرينا أخيرا « لكنك احسنتي فلورانس بالاحتفاظ أيضا بثلاث فساتين اضافية … »

« و ماذا عن ملابس أخي العظيم؟؟ » سألت صوفي.

« لقد اهتم بالأمر شخصيا قبل سفرهما و ستصل البدلة للقلعة بين فينة و اخرى… » علقت روبي

« الكل سيبدأ بالوصول لبعد الظهر… » قالت سابرينا « نحن حقا نتسابق مع الزمن… أخبرني داركو بأنكما ستستقبلان خوسيه و عائلته… »

« خوسيه رفض » قالت فلور وهي تعيد ترتيب الفستان الرائع الذي لا ينتظر سوى موعودته « يقول بأنه سينزل في فيلته الخاصة مع عائلته، لذا قمنا بإرسال فريق لتجهيز المكان لأول الواصلين… فرانكو سيذهب لاستقبال سيسيليا و التوأمين في المطار هذا المساء… »

« سيزار متحمس للغاية… » اعترفت روبي بضحكة صغيرة و هي تضم ذراعيها الى صدرها » بالكاد يصدق بأن روكو سيتزوج أخيرا… »

« من كان يتوقع أن روكو الأكثر رومانسية و عاطفية بين أصدقائه… حفل زواج مفاجئ… شيء مذهل و رائع لامراة… بريانا لن تنسى هذا لما تبقى من حياتها »

ملاحظة الأميرة فالكوني تركت صوفي متسمرة في كرسيها، تتابع ما يحدث أمامها بصمت، هذه الأخيرة أخرجت فجأة من حقيبة جلدية علبة مخملية مربعة ثم فتحتها بكل تأن أمامهن، لم تمنع نفسها من الانبهار أمام التحفة التي تلألأت بألف لون و سلبت ابصارهن، فلور مصممة مجوهرات متألقة و استثنائية، هذه المرأة تمنح لغة لما تصنع، المجوهرات تتكلم و يتم فهمها، كم ثمن ما يبرق بهذه الحدة أمام عينيها؟؟ ملايين من اليورو بالتأكيد… و روكو كريم جدا عندما يتعلق الموضوع بخطيبته، المرأة التي تمكنت من سرقته أخيرا و تغيير رأيه في ما يخص العذرية التي كان يضعها في قائمة مواصفات المرأة التي سيمنحها اسمه ذات يوم.

« فلور… » تأوهت روبي بغير تصديق وهي تتلمس حبات العقد الماسية « لا حدود لإبداعك… إنه رائع جدا »

والدتها الصعبة الرضى لم تخفي ايضا اعجابها بالتحفة المكونة من عقد و اسورة و أقراط بهية، بلعت كثلة تكونت في حلقها بينما تسترسل والدتها في مديح لا منقطع:

« أفهم لما تصرين على قصة صدر مماثلة، الفستان سيتوافق بشدة مع المجوهرات… ستكون كنتي رائعة… ».

ترددت طرقات على باب جناح العروسين الجديدين حيث تم وضع كل اغراضهما الجديدة، ازداد مزاجها قتامة بينما ترى بيانكا تقتحم المكان،

الأميرة كسبت القليل من الوزن مما زاد جسدها أنوثة فحسب، كانت رائعة للغاية في فستان شتوي من burberry، ينحت خصرها بكل أناقة حزام أسود من الجلد، كانت تحمل كيسا كاكي اللون عليه توقيع دار أزياء Dormeuil، راقبت شعرها الحالك السواد متموج حول وجهها، اليد التي تمسك بعلاّقة الكيس الفخم تلمع فيها حبة الماس التي تزين خاتم خطوبتها من اليخاندرو، تغير ستايل الأميرة بشدة، لابد أن احتكاكها بزوجة والدها ما يجعل مظهرها مختلفا، و تعترف انها اكثر جمالا و اناقة و روعة من دي قبل… تحولت الشابة الخارجة لتوها من المراهقة الى امرأة متفجرة انوثة… كل هدا بفضل حب اليخاندرو؟

« مرحبا يا فتيات… وصلت بدلة روكو و إستأمنني أبي عليها… آه… هذا هو الفستان الذي وقع عليه الاختيار… انه رائع مثل بريانا »

تقدمت سابرينا من الأميرة لتأخد منها بدلة العريس المنتظرة، شعرت بانفاسها تتسارع بينما نظراتها تتطلع بلهفة الى البدلة التي سيرتديها شقيقها غدا، والدتها تأخد احتياطها كي لا تتلف شيئا، تفاجأت بينما تكتشف الون الشامبانيا في تحفة مصممة بخيوط من الذهب والبلاتين ، الصدمة جمدتها مكانها… خلافا لكل التوقعات… روكو اختار اللون الأبيض.

العراب يتفوق على نفسه في ضرب كل تخميناتها… لمرة لا تعرف عددها يبرهن بأن بريانا تعني له أكثر من مجرد امرأة ينوي منحها اسمه… حتى في لون الملابس لا ينوي الاختلاف عنها…

« اختيار جريئ للامبراطور » علقت فلور ببعض الاجلال … « اظنه تعدى كل المقاييس »

بعد ان تمكنت والدتها من ابعاد البدلة كليا عن الكيس قربتها من الفستان الابيض و النتيجة كانت مبهرة لدرجة ان غصتها ازدادت فحسب قوة، رغبة في الهرب تملكتها بعنف، اصبحت رئتيها عاجزتين على التقاط الهواء في هذا الجناح... تجهل ما يحذث لها:

« ورث ابني اناقة والده »

هذا اخر ما سمعت من والدتها بينما تدفع كرسيها خارج المكان.

« هيه صوفي انتظري »

في الرواق فلورانس فالكوني لم تتركها تبتعد اكثر، كانت القلعة تعج بالموظفين الذين يجهزون لحدث الغد، شركات فخمة تكفلت بكل جزء في القلعة لتحوله الى تحفة اشد بهجة مما هو عليه سلفا، تعرف ان الحفل بعد مراسم الزواج ستقام على يخث شقيقها العملاق.

« بما اخدمك؟؟ » سألتها صوفي و هي تبطئ لكن المرأة لم تترك لها الخيار و بدأت بدفع كرسيها بنفسها » يمكنني دفع كرسي بمفردي »

« لدي شيء يخصك »

استسلمت بينما العنيدة المخضرمة لا تنوي الاستسلام للهجتها الجليدية، انها من دم الرجل الذي انقذ حياتها لدى تحتفظ بمزاجها السيء لنفسها، بعدما وصلتا الى جناحها انطلقت الجميلة تسأل

« هل هذا فستانك للغد؟؟ »

ليست من ضمن وصيفات بريانا، رفضت رغم اصرار والدتها، تقول بأنها رغبة شقيقها لكنها لن تثير الانتباه بكرسي متحرك، تكره رؤية الشفقة في عيون الجميع، لذا وقع اختيارها على ما نصحتها به كوتش سابرينا، فستان كوكتيل بيج جميل القصة، هذا الاخير كان جاهزا للغد و يبدو انه اعجب فلور:

« دوقك رائع »

« ليس دوقي انما هو اختيار خبيرة الازياء » تمتمت بصوت لاذع « ماذا لديك لاجلي؟؟ اشعر بصداع مريب و اريد الانفراد بنفسي »

عادت نحوها النمرة خضراء العينين، تتفرس فيها ببعض الاصرار:

« هل كتبت خطابك ؟ »

« أمي تتكفل بالموضوع »

« سيسعد روكو مداخلة طيبة منك »

« لا اهتم لما قد يسعده و لا انوي كتابة شيء له … »

بقيت الاميرة تحملق اليها، ثم فجأة اخرجت من تحت بلوزتها علبة فخمة شبيهة بالتي رأتها قبل قليل و مدتها اليها، امتنعت صوفي عن اخدها:

« ماهذا؟ »

« عربون محبة »

« منك انت.؟ »سألتها

« لا عزيزتي… بل من الرجل الذي ترفضين اسعاده ببضع كلمات خلال زفافه »

التقطت العلبة المسطحة و فتحتها، كانت تحتوي على حلي بشكل شهاب مرصع بالماس الابيض و الاصفر و الوردي والبنفسجي و البرتقالي و الاخضر، كان رقيق التصميم و بديع لدرجة انها لم تجرؤ بلمسه، هزت فحسب عينيها نحو فلور متسائلة:

« لما اختار شهابا؟؟ »

« هو لم يختاره… أنا استخلصت » جلست على الصوفا امامها « عندما اخد الطلبية من احدهم، فإنني استفسر عن شخصية المعني بالأمر كي استوحي ما يلزم لأقوم بخلق ما يناسبه من حلي… فيما يخص بريانا، روكو استرسل في وصف واضح و كان دخول شخصيتها لمعرفة ما تحب سهلا، فيما يخصك… بقي صامتا… ففهمت بأن صمته أقوى من اي كلام، كان عاجز عن تفسير كل الاشياء التي تخصك، ثم منحته قلم وورقة… و طلبت منه كتابة كل ما يأتي لرأسه بشانك… » رأتها صوفي تخرج ورقة مطوية من أسفل أرضية العلبة المخملية التي تضم الحلية الثمينة و القيمة… « أتركك لقراءتها… »

بقيت صوفي تحملق للورقة دون القدرة على نفضها، مالذي كتبه شقيقها كي تنتهي فلور بتصميم شهاب متضارب الألوان؟؟ أخدت نفسا عميقا… وببطء فتحت الورقة البيضاء كي يظهر خط روكو واضحا كما هي عادته، هذا الأخير يساري و لا يستعمل سوى يده اليسرى للكتابة، يُقال أنه من الممكن دراسة شخصية الفرد وقدراته وفقًا لأسلوب كتابته، و ان حكمنا على من خطت انامله هنا من الحجم ، والدعم ، والميل ،و الخط، والضغط ، والإيماءة واستمرارية الحروف فيمكن للجميع الجزم بأنه شخصية لامعة و مسيطرة، جرأة ، طموح ، كبرياء ، غرور، دقيق ، مدروس ، احترام الذات ، فكري ، تركيز … و فلورانس لم تترك لها الورقة لتحليل خط يده المتفرّد بل لقراءة ما خط…

أول ما سقطت عليه عيناها كانت كلمة سماء…

{ تذكرني نظراتها بالسماء التي كنا نمضي وقتنا بملاحقة اسرارها الشاسعة…}

{ في عمر السابعة كانت تعرف أسماء كل الكواكب و المجرّات }

{ ليست بدرا انما هلالا… تملك النصف المظلم الذي يصعب رؤية خباياه}

{بعيدة المنال مثل الشهاب…}

{ متفجرة مثل الوان قوس قزح}

{ لئيمة… مغرورة، جميلة، طيبة، لامعة، مستقلة، كريمة،حماسية، غبطة…جريئة }

توقفت عن التقاط الكلمات المتناثرة هنا و هناك بينما انفجر شيء قوي في صدرها، تراه كما يراها… انهما يتقاسمان نفس الرؤية و نفس الرأي… من خلال خطه وضعت له سريعا تحليلا، بينما وجدت كلامها مكرر على هذه الورقة التي استأمن الأميرة عليها… كيف يمكنها أن تأخد الكثير من شخصيته؟؟ كيف له أن يراها مثل الشهاب المتفجر الألوان و هو الصعب المنال حقيقة؟؟

متى تغيرت ميولاتها بينما كانت تعشق بشدة كل ما له علاقة بالسماء و البحر؟؟ كانا يتقاسمان هذه الميول خفية عن والدهما، روكو مهووس بالسماء، علمها الكثير مما يعرف و أعجبها ما اكتشفته،

عادت اليها ذكرى بعيدة جدا، هما معا ممددين تحت سماء زرقاء خالية من الغيوم، أشار الى الأعلى شارحا: { عندما تدور الأرض حول نفسها ، نرى السماء تتحرك كما لو أننا في دوامة… السماء بأكملها تدور على مدار ساعات حول نقطة قريبة من النجم القطبي… هذا يسبب « الشروق" و « الغروب" }

« لما لا نرى الكواكب الأخرى ؟؟ »

« النجوم خارج نظامنا الشمسي بعيدة جدًا لدرجة أنها تبدو ثابتة خلال حياة الإنسان… »}

وفي الأمسيات، عندما لا يكون يانيس في القلعة، يمضيان الأمسيات و راء التلسكوب لمراقبة النجوم المرئية بالملايين! أغلبهم بعيدون جدًا لدرجة أنهم يبدون دائمًا دقيقين على الرغم من التكبير الذي يقوم به روكو، كانت تشعر بلآلفة بين تلك الكواكب و النجوم لدرجة أنهما قررا تغير الاسماء و منحها أسماء بديلة مسلية… كم كانا متواطئين و سعيدين معا.

ثم انتهى كل شيء… روكو اصبح وحشا و اهمل سمائهما الشاسعة و ألفتهما… في نفس الفترة فقدت والدها و شقيقها و طفولتها.

من خلال دموعها التقطت اخيرا تحفة فلورانس بأفكار روكو … لم يخطئ التقدير… تشبيهه اياها بالشهاب مصيبا… و ماذا عن الخلود؟؟ متى سيتوقف عن رؤيتها كنجم فار بينما صارت شمسا ساطعة…

تركت جناحها الذي بدأت تختنق فيه ايضا و اخدت المصعد نحو المكان الذي كانت تشارك فيه والدها ساعات طويلة، عندما انفتحت أبواب المصعد على الطابق المحرم و الخاص فقط بأفراد عائلة الايميليانو استقبلتها رهبة المكان و شموخه و أيضا رائحة الصندل القوية و الخشب و… سيكار والدها؟؟

شعرت بحركة في المكان و بصوت باب يغلق، تقدمت بكرسيها بجبين مقطب، هذا المكان لا يتجرأ دخوله أحد، و بالاضافة أفراد أسرتها كلهم خارج البيت ماعدا سابرينا التي تستقبل النساء في الطابق العلوي:

« من هنا؟؟ » سألت بصوت قوي…لا من مجيب… تيبست مكانها بينما ترى المرمدة النحاسية الخاصة بوالدها مستعملة…« من هنا…. » صرخت مجددا كي تتردد كلماتها في خواء المكان، هي ليست مجنونة و لا تتخيل، رائحة والدها قوية جدا في المكان، لن يمكنها نسيانها مهما عاشت، « أبي؟؟ »

ما ان نطقت بهذه الكلمة حتى فقهت لغبائها، يانيس ايميليانو العظيم اختفى و كأنه لم يكن…لقد رحل منذ سنوات و خلف وراءه دمارا حقيقيا… هذه الحقيقة تترك خلفها فراغا مريعا يشبه ألمه سكين على لحمها النيء، هزت عينيها نحو صورته العملاقة في عمر روكو تقريبا، أي سلطة و أي وسامة و أي سيطرة تطفح منه، تسللت الدموع الى عينيها لتعمي عليها الرؤية، كان الألم شديدا لدرجة أنها لم تعد قادرة على تحمله:

« علمتني كل شيء أبي، سوى العيش بدونك… أنا فاشلة على تقبل فراقك...."


أجابها الصمت و الرائحة التي مازالت عالقة في الهواء، الكل يخبرها بأن الزمن يعلم النسيان… لكن الزمن يزيدها فحسب يقينا أن والدها استثنيا و لن يعيد واحدا مثله… الحزن أثقل صدرها للحظات، بقيت في مكانها، تتطلع الى الصورة و كأنها تتمنى خروجه منها لاحتضانها الى صدره، الشيء الذي لم يحدث بالتأكيد، القت نظرة نحو المرمدة المستعملة، سابرينا تدخن من فينة لأخرى، و ربما هي وراء هذا الرماد و الرائحة العالقة في الهواء.

ارتفع في مسامعها فجأة صوت المروحية و رغما عن الحزن الذي يلحق صدرها ابتسمت… لقد وصلا… دانيلا و اليساندرو هنا.

* * *

كانت القلعة مكتظة مثل سوق أسبوعي و الحراسة مشددة لدرجة خانقة، و كأنهما أتيا على اقتحام خلية نحل، القلعة مشتعلة مثل ماسة، و لا يبدو بأنهما أول الواصلين، استقبال سابرينا كان جليديا، توقعت هذا و هي أيضا متحفظة نحوها، هذه المرأة تعرف أكثر مما تنوي البوح به، لكن جليديتها اختفت ما ان انتبهت لذراع ابنها المكسور، بعد ان تفقدت فيه كل جزء كي تتأكد بأ نصغيرها في أمان عادت لتهاجمها:

« لم أتوقع حضورك »

« لكنني هنا… »

انتقلت بنظراتها بينهما، يد اليساندرو ضغطت اكثر على يدها، قال بأنه يساندها حتى النهاية، و يبدو متأهبا لأي خطأ من جهة والدته، لكن سابرينا اذكى من معاداة ابنها العزيز، ابتسمت له ملئ فمها و ضربت بخفة على فكه:

« جهزت لكما الجناح »

« لطف منك عزيزتي… » ردّ اليساندرو « لكننا سننزل في فيلا خوسيه … يصر على ذلك بينما القلعة ستستقبل كل عائلة بريانا… »

« القلعة كبيرة جدا لاستقبال كل صقلية… » تدخلت سابرينا بلهجة ناشفة » أم أن دانيلا لا تريد النزول هنا »

« لا علاقة لي بالموضوع سابرينا… ان كان هذا سيزعجك فيمكن اليساندرو البقاء بينما التحق بمنزل خوسيه » دافعت عن نفسها.

« لا » قاطعها اليساندرو وهو ينظر في عينيها « لا انوي الابتعاد عنك لحظة واحدة و لن أتملص من كلمتي لخوسيه بعد أن وعدته بالنزول في بيته… ».

كانت تحاول الاحتفاظ على ملامحها محايدة، شعرت بها تغلي تحت صفحة وجهها، سابرينا متمرسة في اخفاء مشاعرها، عشرة سنوات طويلة مع يانيس ايميليانو أصبحت بالتأكيد خبيرة في الميدان.

« فليكن حبيبي… هناك موضوع آخر أنوي مكالمتك به… »

النظرة التي صوبتها نحوها نبأتها بانها خارج اطار اللقاء الذي تنويه مع ابنها.

« سأكون مع صوفي… »

انحنى عليها ليقبلها على فمها بنعومة قبل أن يتبع والدته.

ما ان أغلقت سابرينا باب المكتب خلفهما حتى ترك اليساندرو انفعالاته تنفجر:

« لا مبرر لتصرفاتك معها… »

« تركتك مثل حذاء قديم … »

قاطعها قبل أن تتمم كلامها:

« لو كنت أعيش الجحيم الذي تعيشه لما غيرت رئي بمن الحق السوء بوالدتي… »

« أظن أن الله منحني أولاد عاطفيين اكثر مما يتقبله تعقل او منطق… ففي النهاية روكو لا يختلف عنك في شيء… انه يخيب أملي… »

لم يكن غضبها منه اكثر من شقيقه على مايبدو، تقدم من المكتب بينما يراها تبحث عن صندوق سجائر روكو كي تخرج سيكار و تشعله، كانت أصابعها ترتجف بحدة، تبدو في صراع داخلي عنيف:

« ما الأمر أمي؟؟ »

تبثته بنظرات مظلمة،

« ما يحدث أن شقيقك فقد عقله بالكامل… لو كان والدك حيا لما سمح بهذا »

التقط نفسا عميقا، حتى بموته وجوده على الصورة الزيتيه في المكان مهيمنا، هناك مشكلة تجعل سابرينا في كل حالاتها:

« هل أنت غاضبة لأنه يتزوج فجأة؟؟ »

« أحب بريانا بشدة » قالت والدته و هي تنفث الدخان في الهواء : « انها المرأة المناسبة ، نسب عريق، وزن اجتماعي ، شهادة عالية، متزنة عقليا و عاطفيا و فوق كل هذا تعشق روكو بشدة..»

« اذن اين المشكلة؟؟ » تساءل اليساندرو في حيرة.

« المشكلة أن شقيقك لا ينوي حماية مؤخرته في هذا الزواج… اتصلت هذا الصباح برئيسة المحامين و أكدت لي بأنه حتى هذه اللحظة لم يعطي اوامره لتجهيز عقد زواج بشروط،.. بل انه رفض اقتراحها شخصيا بتسوية الموضوع كما يتوجب على رجل بوزنه و مكانته…، لكن هل تعرف حجم الخسائر التي ستصيب ثروته ان انتهى زواجهما بالطلاق؟؟ من حق بريانا المطالبة بنصف ثروته… انها مصيبة اليساندرو… »

حذرت بدراماتيكية مفرطة.بدأ يفهم الى اين تنوي والدته الوصول:

« غريب… روكو حذر دوما… »

« تكلمت مع داركو و خوسيه في المسألة… وعداني بمناقشته الموضوع، تفاجئت قبل قليل بخوسيه يعيد الاتصال ليخبرني بأنه من المستحسن نسيان الموضوع برمته لان هذا الأخير مصر على موقفه… برئيه لا خير في امرأة يدخل معها حياة جديدة بشروط.. » تنهدت ومسحت على وجهها، بدت مرهقة للغاية « احترم قراراته بشدة… لكن لا أحد يضمن المستقبل، ثروة الايميليانو عريقة للغاية… زواجي مع والدك كان قائم على عقد بشروط، جدك نفس الشيء، "

والده لم يترك شيئا لوالدته، و ترك وصايتها لروكو الذي يصرف عليها بنفس الرتابة التي كان عليه الوضع مع والده، سابرينا تحصل على مبلغ مالي ضخم كل شهر وهذا سيستمر حتى موتها:

« عليك أن تتدخل… حاول استدلاله منطقيا »

« انا ؟؟ كلا… »

« اليساندرو… » توسلت بيأس" منذ ان اكتشف بأن صوفي ابنته و هو يرفض التكلم معي سوى في المواضيع المتعلقة بالقلعة... لن يستمع الي ان حاولت اقناعه"

« تظنين ان روكو غبي؟؟ كلانا يعرف ما وراء الواجهة الهادئة و الرزينة عندما يستهذفه احد او يحاول إستضعافه … كلانا يعرف الفاجر السيء السمعة وراء بدلة أرماني الأنيقة… بعقد مشروط او بدونه لا احد يسرق العراب، و أظنها طريقته ليبرهن لها بأنه يثق بشدة فيها و حكم روكو دوما صائب، تلك المرأة غيرته، وهو مدين لها بحياة جديدة، انسي موضوع القوانين و خذي الموضوع بطبيعية… »

* * *

سيادته المتغطرسة لم تمر مرار الكرام بينما يحاول خوسيه التأقلم مع دور سائح عادي يستمتع بيومه بين معالم العاصمة الفرنسية، لم يدخلا أزمة خلال النهار رغم موهبته الخاصة في إيقاظ أحاسيس مظلمة فيها الا انه تمكن من الحفاظ على توازن انفعالاته التي تشتعل عادة من أجل لاشيء، زواج روكو يجعله هادء جدا، هادء بشكل غريب، تجهل ان كان يشعر بالغيرة أم بالسعادة من أجله، هي نفسها تجد الموضوع برمته مثير للاعجاب، العرّاب يفاجئ حبيبته بزفاف غير متوقع، من يراه لا يظنه قادر على كل هذه الكمية من الرومانسية، روكو رجل يذب الرعب في الناس و يبدو أنه آلف ذلك، هذا الجانب الناعم من شخصيته يثير الاعجاب، و بريانا، انسانة راقية جدا و رائعة و تجدها مناسبة للغاية لرجل بأهميته.

لكل شخص مظلم جانب مضيء، وهي للان لم ترى هذا الجانب للرجل الذي يلفت الانظار بحيث ينبثق منه كبرياء سيادي ينعكس في كل ايماءاته، ام أنه كان أكثر وضوحا في عهد حبيبته السابقة؟؟ تلك المرأة التي كلمها عنها كارلوس، خالة دانيلا، هل هي نفسها التي كان يعنيها في الماضي؟؟ بينما تحاول الاشتراك في حميميتهما و منعها من لمسه بحجة أن المرأة التي حق لها ذلك لم تعد من هذا الوجود؟

بعد زيارة لمتحف اللوفر { آخر وجهاتهما } رحبت بفكرته لتناول الغذاء لأنها لم تبلع شيئا في الصباح، و منذ جلوسهما معا على هذه الطاولة الأنيقة جدا في مطعم يقدم وجبات فرنسية تقليدية و هي لا تجد وجها أشد وسامة مما هو أمامها كي تلتهي به.

« لما تثبتيني بهذه الطريقة؟؟ » سألها دون أن يبعد اهتمامه عن لائحة الطعام.

« منذ متى تصادق روكو؟؟ »

هز عيناه الذهبيتان نحوها:

« منذ… دائما »

أسندت ذقنها على راحة يدها:

« العائلة صادقت بعضها؟ »

« يانيس ايميليانو كان صديق حميمي لوالدي » شرح قبل أن يعود للاهتمام بالقائمة.

« لهذا تتكلم الايطالية بطلاقة؟؟ كان تواصلك مع تلك البلد دائما؟؟ »

« أنا شريك العرّاب في عدة مشاريع كما الأمر مع الأمير و اللورد كوستانسو… و اليخاندرو » عاد يهز عينيه نحوها، و كأنه يدرس ردة فعلها ازاء ذكره اسم حبيبها القديم ، لكنه لم يتمكن من زعزعتها، سيرة اليخاندرو أصبحت أقل ألما مع الوقت، أحبته لأنه كان شهما جدا، و ستكن له التقدير لبقية عمرها.

« بقية اصدقائك تعرفت عليهم في الصغر ايضا؟ »

« أبي كان صديق الأمير سيليو و دومينيكو كوستانسو، بدأت الصداقة في المراهقة، كملنا الدراسة في أمريكا … ما عدا روكو فقد انهاها في فرنسا و سويسرا… »

« اذن فلم ترث فقط أموال والدك انما أبناء اصدقائه أيضا… »

« هذا صحيح… » رد بهدوء : « أتمنى أن يستمر الأمر مع أولادنا… لأن ليست فقط الصداقة ما يمكن أن تجمعهم بل الكثير من الأعمال المشتركة…نحن… نحمي مصالح بضعنا »

صمتت، فلا جديد فيما قال، يمكن لأي فرد منهم ارتكاب معصية القتل و يستطيع الاعتماد على سرية أصدقائه،، هذا اذا لم يسارعو بالاشتراك و انهاء المهمة:

« الن تسأليني عن اليخاندرو؟ »

« عفوا..؟ »

هز كتفيه:

« عن فترة معرفتي به؟ فقد تطرقت لكل الاسماء ماعداه »

لجأ مجددا لاستفزازها، أحيانا تشعر بأنه يغار بصدق من اليخاندرو، لكنها مجرد توهمات انثوية، كي يشعر بالغيرة عليه أن يحبها… و هي تعرف بأنه لا يحمل لها ادنى مشاعر، ماعدا هوسه بفكرة وضعها في سريرهمجددا.

« خلال حواراتنا الطويلة، أخبرني اليخاندرو بقصة تعارفكم… »

« خلال حواراتكما الطويلة؟؟ » كرر كلامها ببعض التهكم.

« عملت في بيته، و كانت لنا أمسيات طويلة… »

تبادل الطابات بهذه الطريقة مريع، لم يرد، بقي فحسب ينظر اليها وهي لا تنوي خسارة المبارة، بادلته نظراته الجليدية، لن ينجح بترهيبها أبدا، بالرغم من أن هذه النظرة في الماضي القريب كانت تذب الرعب في قلبها.

« اليخاندرو… كريم جدا مع خدمه، وهذا الكرم… يدفعهم لبني آمالا كبيرة...… باكي كلبته… يمضي معها أيضا أمسيات طويلة »

شعرت بوجهها يشحب بشدة تحت هذه الصفعة الموجعة، أتى على تشبيهها بالخادمة و الكلبة، خوسيه لن يغفر لها يوما مشاعرها نحو صديقه، أشار الى القائمة معلقا ببرود:« اختاري فورا طعامك… هناك طائرة بانتظارنا »

« متى ستفهم بأنني أتفاعل بشكل سيء مع الأوامر؟ »

أغلق القائمة بهدوء ووضعها على الطاولة:

« أنت تتفاعلين معي على وجه الخصوص بشكل سيء »

زمت شفتيها كي لا ترد بكلمات مؤدية، التقطت قائمة الطعام، لكن الضباب يحول بينها و بين الكلمات المكتوبة، في النهاية طلبت اقتراح المطعم للنهار، خوسيه هرب منها ليغوص في هاتفه مجددا، خصلة ناعمة انفلتت من شعره الكثيف لتستقر على جبينه العريض، لسان هذا الرجل سام مثل الافعى، أحيانا تكون عاجزة على ايجاد الكلمات المناسبة لجرحه كما يجرحها، موضوع اليخاندرو بخّر السلام الذي عم بينهما منذ الصباح، عموما لن يمكنها عقد هدنة سلام معه… هي في الحقيقة ليست مستعدة لذلك.

مرت الوجبة في صمت ثقيل جدا، كان السمك ‘سان جاك ‘ لذيذ للغاية، المطبخ الفرنسي فن حقيقي و خوسيه ياخدها دوما الى الأماكن التي تستحق الاكتشاف، بينما يشربان القهوة قالت فجأة:

« هل يمكننا العروج على محلات الازياء للاطفال؟؟ »

« تنوين شراء أغراض لن تحتاجها أوزلام؟؟ »

« ستحتاج لفستان خاص للغد… » أكدت.

« تم تدبير الموضوع… ».

و لما ليست متفاجئة؟؟ خوسيه يملك دزينة موظفين تهتم بهذه التفاصيل الصغيرة…

« أبسط الأمور لا يمكنني القيام بها من أجل طفلاي… »

« تتدمرين لأن هناك من يعفيك و يخدمك أيا؟؟ »

« من أخبرك بأنني أرغب بتقاسم هذه النشوة مع موظفة؟؟ » انفجر غضبها « لحسن حظي أن هذا الوضع غير دائم، قريبا سأحصل على حرية شراء ما يروق لي لأطفالي… أنت تضعهما في قائمة الاشياء التي يجب الاهتمام بها من قبل الأخرين… للان لم اتقاسم معهما سوى الحليب الذي رضعاه من صدري و للاسف لم يكن ذلك لمدة طويلة… لا أريد أن يخدمني أحد فيهما، أريد الاهتمام شخصيا بملابسهما و حاجياتهما… على الدوام اصطدم بحقيقة أنك قمت بكل ما يلزم لهما… أشعر و كأن لا مكان لي في حياتهما »

« أنت مشغولة بالجامعة و … اشيائك الأخرى » أشار الى النادل الذي قصدهما، راقبته يخرج بطاقة ائتمانه السوداء، دليل آخر على أنه من صاحب الثروات، اخدها منه النادل قبل أن يختفي مجددا.

« أشيائي الأخرى؟؟ » سألته ببعض الحذر : « مالذي تقصده.. »

« أيا عزيزتي اسمعي » بدى عليه السأم « لا تفلثتين فرصة مهاجمتي رغم كل محاولاتي للصلح و بإبعاد التوتر بيننا… صرتي مملة بتكرير نفس العبارات مثل الببغاء ، سهامك المسمومة لم تعد مسلية… ان كنت مصرة على اقتناء فستان لأوزلام فلا مشلكة… سنمر على دور الأزياء و خذي لها ما يروقك… »

« انا من يسترجي الجدال؟؟ » سألته غير مصدقة.

« أنت ملاك … »

« توقف عن السخريه مني… »

« أصطفي الكلمات التي تروقك لأبدأ باستعمالها من ألان… » قال لها بنفس الهدوء وهو يقف من مكانه بينما الموظف يعود ببطاقة ائتمانه.

حذوت حذوه و وضع حقيبة يدها على كتفها، في كل المناسبات،، يقلب الوضع لصالحه، بينما يغادرا المطعم نحو سيارة الأجرة التي تنتظر الزبائن، تمتمت ببعض السخط:

« إعلم أنني لست دمية في يد أحد »

انتصب أمامها مثل الجبل الشاهق ليخفي وراءه الشارع و كل ما ينتمي اليه، شدت انفاسها في صدرها، كان من القرب بحيث تشم رائحة أنفاسه العطرة، شمس باريس الخجولة في هذا الفصل تجعل من شعره أكثر لمعانا، نظراته أكثر شفافية، كان وسيما لدرجة تقطع الأنفاس:

« لا أعاملك كدمية أمد يدي نحوك و ترفضينها في كل محاولة »

« تمد يدك؟؟ أنت تقلل من تقديري لأنك مغرور بمكانتك… »

صمتت مرغمة بينما تشد يده فجأة على فكها و تجبر فمها على التقلص، أنفاسه تلفح وجهها مثل أمواج تتكسر على الصخور الصلبة، كانا يتواجهان بصلابة من يقدم وجهة نظر معارضة… المعارضة التي تكمن بين النشوة الأبدية و القتل المحسوب… نجحت باخراج مخالبه، يبدو غاضبا، و بنفس الوقت مأخوذا بها، تتقاسم معه على الأقل هذه النشوة التي وجدت طريقها بينهما وهما على مرأى الجميع على الرصيف، هذه المواجهة التي بدأت كنوع من الازدراء اللامبالي تتخذ منعطف خطر، بدأت تفقد السيطرة على الأطراف التي ترتجف لسبب غير الخوف الاعتيادي ، أنه يدفعها إلى الجنون بهذا القرب و يفقدها استخدام العقل ، تمامًا كما يفلح في كل مرة، رغما عن أنفها هي منجذبة اليه جسديا، شائت أم أبت الكيمياء بينهما متفجرة و يبدو أنه منتبه لهذا الانجذاب لأنه تخلى عن عدوانيته و خفت قبضته على فكها، رأته يهجر عينيها ليحط نظراته على شفاهها، كانت متعطشة له، لقبلة من هذا الفم الذي لا يتوقف عن قذف السموم لجرحها، شدت أنفاسها عندما رأته ينحني بطوله الفارع عليها و سارعت بالوقوف على اصابع قدميها لملاقته بكل تلقائية، قبلها مثل رجل محروم من الاوكسجين لفترة طويلة جدا و لا ينوي ابدا التقاط انفاسه. تشبثت به بحرارة … كان جسدها يرتجف من الاثارة و ليس من برد باريس الصاعق، تجهل كم استمر الأمر… ثواني دقائق أم ساعات، المهم انه عندما حررها، أنفاسها كانت مضطربة و كأنها ركضت أميالا، فيما نظراته هو مخمورة بالانتصار، أتى على اكتشاف أنها ليست غير مبالية كما تحاول الظهور، و أنه في وقت قصير يمكنه وضعها تحت رحمته…

« انسي ما مضى أيا… و ركزي فحسب عما يحدث بيننا ألان… »

« لا يحدث شيء… » ردت بصوت منفعل، متدحرج بين الخجل و العار و الرغبة .

أبعد خصلة من شعرها خلف أذنها:

« آه بلى آيا الصغيرة… و أنوي أثبات وجهة نظري الصائبة في الموضوع… لن تهربي الى الأبد مما يحدث بيننا بإتباع سياسة الهجوم في كل مرة … » أمام صمتها دنى منها أكثر ليأخذها هذه المرة بين ذراعيه و ينحني على أذنها هامسا « أشك في أنك تريدين ايجاد نفسك عالقة في معركة قانونية لا نهاية لها من أجل حضانة طفلينا… يمكنك تكرير ما تشائين لرغبتك في التحرر، الرحيل و الخروج من حياتي… الا انك تضيعين وقتك.. أمرك بكل بساطة مازال يهمني بشدة… ليس الولاء ما يجعلني وفيا لك مؤخرا… بل لأنني عاجز عن الشعور برغبة حقيقية في الجنس مع غيرك… بمفهوم آخر… زواجنا سيتخذ منحنى جدي للغاية… و أعرف بأنني أروقك بالمقابل، لذا تخلي عن صبيانيتك كي تستفيذي مما يجمعنا استفادة ابدية… »

ملك جاسم likes this.

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-20, 03:14 PM   #3820

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,444
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الواحد و العشرين



« دافيد يعود الى صقلية ؟!»
جاء صوته قاسيا من وراء ظهرها بينما تتفقد طاولة العشاء التي سيجلس عليها أفراد عائلتها الليلة، لكن و مثل المعتاد زوجها لا يحاول اخفاء مزاجه الجهنمي عندما يتعلق الموضوع بشقيقها.
« لا تبدأ داركو » استدارت حول نفسها كي تواجه كثلة العضلات المتشحة بالأسود أمامها، انه مثل ثور متأهب للهجوم « العراب من دعاه الى الزفاف كما فعل مع امي و ابي »
« تعرفين بأن ليس زفاف روكو من يهمه بل ملاحقة بيانكا… لما لا يستسلم بحق الجحيم؟؟ انها مخطوبة الان لرجل يحبها و يعرف قيمتها »
لا تريد على الاطلاق الدخول في هذه التفاصيل، و ان كان يظن بأن ابنته نسيت أمر حبيبها الأول فهو واهم، رغم كل العشق بين اليخاندرو و بيانكا الا ان هذه الاخيرة تفقد السيطرة عندما يتواجد دافيد في الجوار.
« هل ستفسد السهرة الليلة لأن دافيد سيتواجد بيننا..؟ » أمام صمته اردفت ببرود: » من الأفضل اتخاذ قرارك ألان… اما ان نستقبله و تتصرف كرجل متمدن أو يقصد بيت أبي روبيرتو فور خروجه من المطار… »
لم ينبس بكلمة، بقي فحسب يتطلع نحوها بتلك النظرات التي تعرفها جيدا، انه يقاوم الخراج ما قد يندم عليه لاحقا من كلام، موضوع دافيد صار محادثتهما الاعتيادية مؤخرا، داركو يشعر بالخطر على علاقة ابنته و صديقه فيما ينسى موقع هذا الاخير في العائلة:
« شئت أم أبيت سيظل دافيد أخي و خال نيكولاي… لن يمكنك تحيه من العائلة فقط لأنه جمعته قصة حب مع ابنتك »
« لم تكن قصة حب… لقد خدعها كي يضعها في سريره »
« بالتأكيد فهذه القصة تذكرني بأخرى… دعني أتذكر… أنا و أنت »
لانت نظراته ما ان انفجر غضبها، أصبحت لديه خبرة فيما يتعلق انفجاراتها و هي بالتأكيد خبرتها في الوان مزاجيته معادلة، لا احد منهما ينتصر على الثاني في النهاية، مثل المعتاد ينقلب الموضوع الى رد اعتبار سريري لكن لا الوقت و لا المكان مناسبين، عائلتها ستقتحم الباب في اي وقت.
« آسف… هذا ليس ذنبك… » دنى منها ليحيط خصرها بذراعيه و يقربها منه: « انت محقة… دافيد شقيقك و خال نيكولاي… »
« ما يحدث انك غير واثق في حب بيانكا لخطيبها »
« هذا ليس صحيحا » استنكر ببعض الحدة.
« ان كنت تثق في صلابة علاقتهما فلا تمنح وجود دافيد أهمية… لأنه، سيتواجد دوما في حياتك و حياتها بصفته عراب و خال نيكولاي… »
كان يمضغ كلامها بعسر هي تعرف، لكنه مثلها يتحرق لإنهاء هذه المحادثة التي تجعلهما عدوين في كل مرّة، أمسك بدقنها كي يتفرس في عينيها
« كارا ميا… لا تنكرين أن دافيد يحاول في كل مرة اغراء بيانكا و اثارة انتباهها »
« تعتقده المذنب الوحيد؟ المرأة لا تنسى حبيبها الأول… »
« هذه سخافة… لست حبيبك الأول لكنك معي »
« من أخبرك بأنك لست حبيبي الأول؟؟ داركو فالكوني أنت حبيبي الأول و الأخير… أنت الرجل الذي يمكنني ضربه و اهانته و الركوع أمامه في الوقت نفسه… واحد فقط من ينافسك هذا الحب… نيكولاي »
« ايتها المجنونة » انحنى عليها، و ماهي الا لحظات حتى طارت في السماء بينما يضعها على كتفه مثل كيس بطاطا… « لدينا بضع دقائق قبل أن يبدأو بالوصول… »
« لا وقت لدينا… انهم في الباحة الأمامية… »
هذا التاكيد جعله يزمجر مما دفعها للضحك، اعادها الى الارض، تبث فستانها بينما يحاول هو استعادة قناعه المتحضر، الامير سيليو من تكفل باستقبال صديقه الكونت في المطار، هذا الاخير يفعل كل جهوده لاسعاد صديقه، قبل ان تبتعد عاد داركو ليمسكها من ذراعها و يديرها نحوه
« انت ايضا »
هزت حاجبها متسائلة:
« أنا ايضا ماذا؟ »
« حبي الاول و الاخير »
هذه الكلمات اصابت قلبها مباشرة، وشعرت بأنها تغرق في الهاوية، نسيت ضيوفها و استسلمت لهذه المشاعر الجياشة التي هاجمتها،. حقيقية جدًا وقوية جدًا… كل ما يتعلق بهذا الرجل يفوق حدود تعقلها،شعرت صلة وثيقة معه من اللحظة الاولى التي رأته فيها، كانت تعتقد في البداية أنها كانت كيمياء فيزيائية بحتة… ثم وقعت في حبه و اصبح هوسها.
أمسكت بباقة قميصه و جذبته نحوها تنبض فيها الرغبة بوحشية،استسلم لها في زئير مدوي، جسده ملتحم بها.
« انت تفقدينني رشدي «
« و أنت أيضا… » وشوشت له من بين انفاسها المتقطعة « أنت فرحة العمر أيها الأمير… لا تنسى هذا أبدا »
أشرقت نظراته مما جعلها تمنحه أجمل ابتساماتها، انها ثملة من السعادة، لن تقول بأن حياتهما كاملة، داركو صعب المعشر في بعض الاحيان، الا انه يحاول التغير، لتقل أنه تغير كثيرا من اجلها و من اجل اسرتهما، لكن ومنذ الحادث، أصبحت على الأقل الأمور واضحة بينهما… الا فيما يخص كيفن غراي… لن تجرؤ على الفحص له بما تفعله رسائله بها… لم يستسلم ولا ينوي الاستسلام.
خلافا لكل التوقعات، وصلت عائلتها من دون دافيد، العراب لم ينسى احد من الريتشي، مارك انطونيو سيصل غدا صباحا مع عائلته، بما انه يسكن التوسكانا، غياب اخيها اراح داركو لكنه اثار قلقها، في المطبخ تمكنت من محاصرة والدتها:
« اين دافيد؟؟ »
« عملت على الا يأتي »
« لكن لماذا امي؟؟؟ لعلمك ربيبتي لا تعيش تحت سقف هذا البيت بل عند والدتها.. قرار اتخذته بمفردها منذ انتقالنا للعيش في بيتنا الجديد…»
« اسمعي فلورانس… كل هذه القصة أصبحت سخيفة و هي مؤذية للجميع بما فيه زواجك… وضحت له ببساطة ان ثمة نساء اخريات ينتظرن اهتمامه بدل وضع كل مجهوده على امرأة من الواضح جدا انعدم اهتمامها به و قررت انهاء حياتها مع رجل آخر… »
« أعرفك فرجينيا » ثم واجهتها كي تجبرها على النظر اليها مباشرة « انت تخفين شيئا »
« لا أخفي ما قد يهمك شخصيا… »
« لما تتدخلين فجأة في حياة دافيد العاطفية؟ »
« طالما تدخلت في حياتكما العاطفية و دافيد ليس استثنائا »
هزت فلور حاجبها:
« هيا فرجينيا… أخرجي ما لديك… لما تقفزين على حماية ابنك فجأة؟ »
الخذم النشطون في المطبخ لا يتكلمون سوى الصقلية، اسرار العائلة يمكنها البقاء بينهما، مرّ العشاء في جو مسالم الا ان الحرب في صدرها لم تتركها على راحتها، انها بصدق تقلق على شقيقها:
« برأيك كم مرة عقد دافيد خطبته على امرأة مؤخرا؟؟ »
« كثيرا… »
« انه غير مستقر عاطفيا… و بما أن كل محاولاته في حب امرأة تفشل، فهو متأكد بأن لعنته متعلقة ببيانكا… برئيه هذه الأخيرة تتحداه في تلك الخطبة و لا حب حقيقي يجمعها بخطيبها لذا تحولت فكرة استعادتها الى هوس حقيقي… لقد بكى فلورانس… بربك كم مرة رأيت دموع دافيد تنزل من أجل امرأة؟؟ »
شعرت بانفاسها تحرق صدرها:
« أبدا… »
« كان في حالة مزرية في آخر زياراته… قال بأنه مغرم بها و ليست مسألة تأنيب ضمير من استغلاله اياها في الماضي »
« لقد تأخر جدا… » تمتمت فلورانس منهدة « فعلت كل باستطاعتي للتقريب بينهما وهذا خلق فجوة في ذلك الوقت في علاقتي ببيانكا و حتى والدها… »
« تأخر أم لم يتأخر عليه نسيان تلك الفتاة لأنها بدورها لا تعرف من تريد حقا… على هذا الموضوع أن ينتهي… صرنا عائلة و ارفض أن يتخلف ابني عن كل مناسبة فقط كي لا يلتقيها… »
« أعرف بأن تخلفه عن عيد الميلاد آلمك »
أظلمت نظرات والدتها الزرقاء:
« نعم آلمني لذا أرغب باخد زمام المور بيدي كي انهي هذه المهزلة… حياة دافيد في نيويورك و اعماله هناك عندما نزل ايطاليا مع ناومي مارشال داعبني حلم جميل الا انه لا يمكننا توقع شيء مع شقيقك… انه لا يخرج معها و لا مع غيرها مؤخرا… أصبحت زياراتها كثيرة للندن و أعرف بأن ما يأتي به هو بيانكا لأنها تدرس هناك »
« لا يعرج على مدرستها »
« كيف يمكنك الوثوق في ذلك؟؟ »
« بيانكا تخبرني كل شيء… انها سعيدة جدا مع اليخاندرو، و ليست حمقاء كي تستبدله بماجن لعوب زير نساء مثل دافيد… خطيبها رائع… يعاملها كملكة… »
« هذا لا ينفي بأنها لم تعد تشعر بشيء نحو دافيد » صمتت فلور، في الحقيقة لا يمكنها الجزم في شيء » مررت من هذا الطريق فلورانس… كنت مغرمة حتى النخاع بأندريس لكنني تزوجت صديقي… روبيرتو دعمني بشدة و بالتأكيد عاملني بشكل أفضل… كما تقولين انت ملكة… كنت أحبه نعم لكنني لم أغرم به… رغم كل المظاهر عزيزتي… ماتزال بيانكا متيمة بحبه ، وللاسف… هي الاكثر اهتزاز عاطفيا في هذه القصة »
التزمتا الصمت بينما يدخل المطبخ داركو، بين ذراعيه نيكولاي، وهي ليست متفاجئة برؤية ملابسه كلها متسخة، هذا الطفل زوبعة حقيقة.
« هل آذى نفسه؟؟ » سألته بقلق وهي تقترب منه لتتفقد وجهه و يديه.
« لقد استعمل طعام اليسيا و لا يبدو أن المذاق راقه… » جاء صوته باردا قليلا، هل سمع حوارهما؟
« سأذهب لتفقد الموضوع » قالت فرجينيا وهي تخرج من المطبخ.
« تعال الى والدتك ايها الأمير الصغير… سأهتم بملابسك فورا… »
قبل ان تسمح لداركو باي محاولة استجواب هربت من المطبخ بدورها، ابنها بين ذراعيها.
* * *

بيت خوسيه في ضواحي تاورمينا، منعزل شامخ و يملك اطلالة مميزة… تماما مثل مالكه… المواجهة مع سيسيليا كانت متطابقة مع مواجهتها السالفة سابرينا، العجوز لم تحتفظ بلسانها داخل فمها، أفهمتها أن اختفائها اناني و مفتقد للرشد و النضج، لكنها تعرف ان العجوز الذكية ما هي الا صورة اخرى سابرينا… كلاتهما تملك أطنان من الاسرار و ترفض تشاركها معها، لكنها عازمة على الوصول الى الحقيقة، عازمة على معرفة تفاصيل ما حدث لوالديها في الماضي، و هذه المرة لن تكون بمفردها…
تعرف أن المواجهة الحقيقة هي القادمة… مواجهتها مع خوسيه.
حياة وصيها أشد تعقيدا مما يمكنها تخيله، و كل الطرق تؤدي اليه …
كانت قد انتهت من اطعام أوزلام عندما عاد الزوجين من رحلتهما، أول ما فاجئها رؤية يد خوسيه على أسفل ظهر أيا التي لا تبدو مرحبة تقاربهما، ترك زوجته ما ان سقطت عيناه عليها، خلافا لتوقعاتها أسرع نحوها ليأخذها بين ذراعيه، رغما عنها مزقتها مشاعرها، خوسيه لا يظهر ابدا عواطفه لأحد، طالما كان متحفظ معها، ضغطت يده على رأسها كي يضمه أكثر الى صدره بينما وشوش لها برقة:
« لما تفعلين بي هذا ؟؟ كدت أموت من الخوف عليك… »
لم ترد عليه، تركت فحسب أدنها فوق ضربات قلبه، تشتم رائحة عطره المألوفة، هذا الرجل هو ماضيها وفي يده كل المفاتيح، انه جزء من حياتها و لم يتم اختياره عبثا… لاشيء في حياتها مصادفة… كل شيء تم التخطيط اليه بذكاء و احترافية.
أمسك فجأة بوجهها ليتطلع الى عينيها:
« لا تعيدي الكرّة… »
« أبحث عن والداي… »
« تعرفين في اي مقبرة هما »
« تعرف ما أعنيه خوسيه… أبحث عن الحقيقة … »
« الحقيقة هي انك ابنة عمي دانيلا، تحملين دم المارتينيز و قد اقسمت بحمايتك الى آخر قطرة دم… أنت بمقام أوزلام و المادو… لم أعتبرك يوما عبء كما تظنين… »
اغرورقت عيناها بالدموع، كل ما مرّ الوقت، كلما تأكدت بأنه يجهل أيضا ما يحصل و حصل في حياته، انه مثلها … ضحية من قامو بترتيب حياتهما كي تكون ما هي عليه اليوم… انه يراها نسخة من اليوغور، لكنه لم يربط بينهما ابدا، يجهل بأن هذا الشبه ليس محض صدفة… هي ابنة حبيبته التي لم يتمكن من الاخلاص لها… تلك الحبيبة التي تبين في النهاية بأنها لم تكن تقصده في مذكراتها انما الفونسو… عمه.
متى تغيرت الأقدار؟؟
متى انتقلت اليونور من خوسيه الى الفونسو؟؟
سؤال آخر…
هل كان هناك خوسيه منذ البداية؟؟
« دانيلا… أنت مهمة جدا بالنسبة الي… أرفض أن يصيبك مكروه… »
كان يضغط على كلمة، انه صادق، وهي تشعر بالسوء لأنها ترى الألم فبي عينيه، يشعر بأنها خذلته بينما وفر لها بيتا و عائلة منذ اللحظة التي فقدت فيها عائلتها:
« أحيانا لا تكون متفهما »
« سوف تتغير الأمور أعدك… » قبل جبينها قبل أن يعيدها الى صدره و كأنها أثمن ما في الوجود.
ضيقه تخللها بإزعاج، توقعت حرب و ملامة و سلسلة اتهامات لا منتهية، تنهدت و استسلمت الى عناقه الى ان قرر فجأة انهائه، و كأنه تذكر بأنهما ليسا بمفردهما، كانت أيا قد التقطت المادة بين ذراعيها، تتطلع اليهما دون ان تخفي استغرابها، الشيء الذي ازعج خوسيه، لابن انه يلوم نفسه على اندفاعه و ضعفه لسيما امام المرأة التي دخل حرب معها منذ دخولها حياته:
« أين هو اليساندرو؟؟ »
« ترك لك رساله معي… يقول بأن الجميع سيتواجد في باليرمو عند منتصف الليل… »
أقطب خوسيه بعدم فهم، بينما يعقم يديه كي يحمل أوزلام بين ذراعيه:
« باليرمو؟؟ »
«اليخاندرو و داركو جهزا حفل توديع العزوبية … يبدو أن روكو و بريانا وصلا الليلة الى باليرمو ».
التفاصيل الصغيرة من طرف العرّاب تعجبها، أخد بعين الاعتبار بعد المسافة من افريقا الى ايطاليا فأتى بحبيبته مسبقا كي تأخد قسا وفيرا من الراحة و تكون في الغد مستعدة لاستقبال المفاجأة التي تنتظرها، لكن سانتياغو تمكن من تسريب المعلومة لأصدقاء رئيسه كي يتمكنوا من مفاجأته هو أيضا.
القى نظرة على ساعة يده:
« يمكننا دوما الاعتماد على اليخاندرو… انه صاحب الأفكار الرومانسية »
بعد ان ارتوى لشوقه من التوأمين قصد زوجته:
« لا تنتظريني »
أمكنها سماع كلامه بوضوح قبل أن يقبل جبينها و يرحل، عندما هزت عيناها نحوها كانت هذه الأخيرة قرمزية الوجه حتى جذور شعرها، شعرت بالتسلية لمنظرها المنزعج:
« أرى أن الأمور تحسنت بينكما… »
لكن الفتاة كانت محرجة و مرتبكة لدرجة انها لم تنجح بالنطق بكلمة، حتى انها تحججت بتعبها و اختفت فورا من الحضانة.

* * *

« كان يجب أن أجد من وقتي و آتي لرؤيتك سيسيليا »
و سابرينا متأكدة أن هذه الأخيرة كانت بانتظارها، الوقت متأخر جدا، لكنها لن تجد فرصة أخرى مكالمتها على حدى، القلعة تنبض بالمدعوين و المراقبة شديدة لدرجة أنها تعرف بأن خروجها من القلعة في هذا الوقت سيصل فورا لأبنها، لا شيء يخفى عليه، سيعلم في اللحظة نفسها أنها تسللت في منتصف الليل مثل اللص.
« أنت هنا من أجل دانيلا؟؟ »
سيسيليا لا تبدو عصبية مثلها، كانت مسترخية وسط ملابس النوم الحريرية، مثل أميرة تقف على عرشها، و لكن خلافا لكل المظاهر، العجوز عاجزة عن اغماض عين واحدة، تماما مثلها… و مثل بقية الليالي الأخيرة.
« ما يحدث سيسيليا أن الصغيرة تقترب من الحقيقة »
« يُهيء لك فقط… «
« تمكنت من الوصول الى الكنيسة… » ذكرتها سابرينا ببعض القوة : « الأسرة التي دفعتي الاموال لها لم تختفي كما كان مخطط له… » صمتت العجوز، عيناها القاتمتين مشتعلتين بشدة، لكن سابرينا لم تعد قادرة على الصبر أكثر:« ان اكتشف روكو بأنني على علم… هذه المرة سيقوم بقتلي… يكفي انني تسترت بشأن صوفي، وهو لا ينوي مسامحتي يوما»
« القلق ليس من شيم امرأة بقوتك عزيزتي »
« انت لا تفهمين » زمجرت سابرينا بعصبية » يانيس لم يترك لي خيارا… لقد اغرقني معه حتى العنق و لا ادري بأي طريقة يمكنني الخروج من كل هذه المصائب… لكن ان عرفت دانيلا الحقيقة… الطوفان سيجرفنا كلنا… »
تنهدت سيسيليا و اقتربت من الصوفا لتجلس عليها، ثم اشارت لضيفتها كي تجلس بجانبها، عموما لا تملك خيارا، عليهما اجاد حل، ابتسمت لها هذه الأخيرة مطمئنة:
« لن أقول بأنني متعاطفة أو خائفة على مشاعرها، أنا أحمي مصالح خوسيه… ضربة أخرى و سينتهي به الأمر في مشفى الأمراض النفسية و ليس من مصلحتي أن يستعيد ذكرياته السوداء… لقد تغير منذ أبوته و أعرف بأنه يركز بجدية على مساوئه و يجاهذ ليكون في المستوى المطلوب … الماضي يخص الماضي… دانيلا تريد قصة لتقلب بها ماضي والديها فليكن… سنمنحها القصة المقنعة التي بمحواها ستنسى الموضوع برمته »
الغرفة بدأت تضيق عليها بسقفها و حيطانها، انها متلبسة في الموضوع أكثر مما ينبغي و بالتأكيد عندما ينفجر الموضوع هذه المرة ستفقد كل مصداقيتها:
« لن يمكنني اخفاء الأمور أكثر عن ابني »
« مالذي تنوين قوله بالضبط؟؟ « سألتها سيسيليا بتحد « فكري جيدا عزيزتي… أعرف أنك امرأة قوية و ذكية للغاية سيكون من الأسهل دفن الموضوع بطريقة نهائية على نشبه… الحقيقة… ستؤدي بشدة خوسيه… و ستحطم حياة دانيلا… ليس من مصلحة أحد عرض الماضي على شاشة الحاضر سابرينا… اتركي الأموات وشأنهم… خروجهم سيكون كارثة »
سيسيليا قوية و الى الان تمكنت من لعب كل الاورق الرابحة، لم تترك شيئا للصدفة، الا انه يبدو بأن دانيلا ورثت ذكاء والدها الفونسو و قوة شخصيته و اصراره، هذا بالضبط ما جعل خطيبته آنذاك -شقيقة يانيس- تهيج عليه مثل اليم الاسود و تبلعه…
« ان عرف خوسيه بأنه تسبب بـــ… »
« اخرسي سابرينا » استوقفتها العجوز بشدة « تعاهدنا بنسيان الأمر في الماضي بمباركة العرّاب، ضعفك هذا سيدمر ابني الذي بدأ يعيش حياته أخيرا… لا تهم الدوافع بقدر ما تهم النتائج… لا مجال للعودة الى الوراء… وذات يوم… سيعرف روكو بأننا تكثمنا لمصلحة الكل ، و ان كان ينوي محاسبة أحد فهو يانيس و ليس نحن»
ضجيج على عتبة الجناح جعلتهما يتسمرّان، بلا ثانية تأخير انطلقت سابرينا نحو الباب و فتحته على مصرعيه لكنها لم تجد احدا، الرواق كان مهجورا و العتمة الطفيفة تحيط بالمكان، لكن احساس سيء للغاية يختلجها، تعلمت من يانيس الا شيء يحدث مصادفة.
« عودي الى بيتك سابرينا… فغدا… زواج العرّاب »
التقطت أنفاسا عميقة لتريح الضغط على صدرها دون جدوى
« جدي حل للصغيرة المتحمسة قبل أن تضعنا كلنا في ماكينة الطحن… »
ابتسمت سيسيليا بهدوء:
« يمكنك الاعتماد علي… كما امكنك دوما… فرغم كل شيء… أبقى كاتمة اسرارك و صديقتك… لولا التحالف لبقيت اوكتافيا غريمتك حتى اللحظة »
التهديد جاء ناعما، ناعما للغاية، سابرينا لم ترد… اكتفت بمنحها ظهرها و الاختفاء في عتمة الرواق .
* * *

جوناس دا سيلف رجل اعمال مشغول جدا و لن يخرجه تقريبا من سريره ان لم يكن الأمر مهما للغاية، لم يمنحه سانتياغو كل المعلومات الظرورية، لكنه على الأقل يعرف بأن أغلب الأمور الغير شرعية يتم تسويتها ليلا و في الاماكن الماجنة مثل. Paradiso del desiderio، بينما يسبقه رجاله للمكان لتمشيطه و تأمينه، مسح بعينيه نوعية الناس التي تبحث عن النشوة الامنتهية في هذا النادي التعريفي المخصص بالكامل للإثارة والمتعة. ، اذا كان مشهورا بفتياته الجميلات و المغريات فإن الكازينو ما يظيف لسمعته نجمة ذهبية، تسللوا من الممرات الخلفية نحو الطوابق الـVIP بعيدا عن الموسيقى الإلكترونية المصحوبة بمضات ضوئية. كانت الأرض تهتز تحت أقدامهم على صدى الجهير المنبعث من مكبرات الصوت العملاقة. كان حراس الملهى أمام حجرته الموعودة المطلة على حلبة الرقص الصادعة حيث دزينة فتيات يلهبن الزبائن، سانتياغو فتح له الباب الزجاجي، استقبله ديكور مألوف… كنبات حمراء وثيرة، شقراورات رائعات و زجاجات لامنتهية من أفخر الخمور، الاضاءة تسمح بالحميمية، التعاطي للرذيلة، للمخدرات و لكل أنواع المجون:
« كان يجب أن أشك »
وقف أصدقائه وقفة رجل واحد، يد الأمير على خصر راقصة، يدفعها بعيدا عن طريقه:
« تظن بأنك ستتزوج قبل أن تعيش سهرتك الأخيرة ؟؟»ابتسم روكو وفرك جبينه قبل أن يبحث بنظراته على سانتياغو الذي حاول الحفاظ على رسميته « مسألة اقناعه كانت مستحيلة لذا انا من اتصل بجوناس … » « هكذا أفضل » قال روكو لسانتياغو « كنت لتفقد مصداقيتك حتى بالكذب علي لأمر مماثل »
« ولائي أكبر … » رد سانتياغو برسمية.
« يمكنكم إخلاء المكان… »
بعد دقيقة اصبح المكان لهم فقط و للراقصات و قنينات الشامبانيا، منذ بعض الوقت لم يجتمعوا بسبب الظروف، مؤخرا الكثير من الامور حالت دون حدوث ذلك، لكن في هذه الاجتماعات النسائية الخاصة جدا لا يكون شقيقه الصغير بينهم عادة، انها سهرتهما الاولى… و بعض الأمور… يصعب عليه تشاركها معه… :
« هل انت متأكد بأنك تريد البقاء؟ » سأله بينما يجلس بجانبه.
« تخاف على أخلاقي أخي؟ » تهكم اليساندرو.
هذا الرد دفع سيزار للانفجار في الضحك، تقدمت نادلة منهم و بدأت بتقديم كؤوس شامبانيا بينما ارتفعت موسيقى عالية في المكان، بدأت عبرها الحركات الأولى للراقصات، التقت نظراته بنظرات داركو الذي هز نحوه كأسه محيا، سأله بصوت مرتفع كي سمعه:
« هل من الصدفة أن تكون كل الراقصات شقاوات؟؟ »
« في صيف سنتك السابعة عشر قلت بأن الشقراوات قطعة من الجنة… » رد خوسيه المسترخي بجانب اليخاندرو، متخلص من سترته ذراعيه منشورتين على ظهر الكنبة.
« في سن السابعة عشر قلت الكثير من التفاهات التي لم أعد أتذكرها… » رفض يد الراقصة الممدودة نحوه، هذه الأخيرة تقبلت رفضه و رمت بدلالها على شقيقه الصغير الذي اشار الى ذراعه المكسور.
« لن أكون مغريا … »
« مالذي اصابك…؟؟ » سأله روكو منتظرا كما المعتاد سلسلة أكاذيب لا منتهية.
« كسر طفيف خلال التمارين… » رد بلكنة طفيفة.
« تمارين سريرية ؟؟ » علا صوت سيزار مما جعل الكل ينفجر في الضحك ما عدا خوسيه الذي رمق اللورد بنظرة سوداء.
التقت نظراتهما من خلال الضحك و الموسيقى و الالعاب الضوئية التي تغير ملامحهما بالوان متعددة، اليساندرو يعرف بأن رجاله على اعقابه، يستمر بالنظر مباشرة في عينيه و الكذب عليه، لم يعد يمكنه تحمل هذه الخشونة من قبله، وقف من مكانه متعذرا بالذهاب الى الحمام، لحق به شقيقه الصغير بلمح البصر:
« هل انت غاضب ؟؟ »
« سبق وأمرتك بترك - كيليان ارشيبالد - و شأنه الا انك لا تتوقف عن استغلال كل الفرص لتكون بجانبه »
« أمرتني؟؟ » ردد اليساندرو بعدم تصديق « متى ستتخلى عن تعاليك روكو؟؟ انا لم أعد صغيرا… و لا أخد أوامرا من أحد لسيما منك انت »
« كن متأكدا بالا شيء في علاقتك بذلك الرجل ايجابي… »
« لماذا؟؟؟ لأنه صورة مطابقة لوالدنا؟؟ » هذه الاجابة أكدت لروكو بأن شقيقه الصغير ليس بالغباء الذي يظنه، انه يعرف… و هذه الحقيقة تشعره ببعض الراحة و أيضا الخوف، بعيدا عن رداء رجل الأعمال الناجح جدا و المتحضر الا أن سانتو خطر للغاية على اليساندرو ان يأخد هذا بعين الاعتبار،اقترب منه أيضا يده على كتفه متبنيا أشذ لكناته قناعة:
« اليساندرو… أرجوك… توخ الحذر… لا تثق بذلك الرجل، لأنه ليس كما تظن… »
« تبدو على معرفة وطيدة بشخصه »
« نعم انا على معرفة لعينة بشخصه… و كلانا يدرك بأن شبهه بوالدنا ليس محض صدفة… فليست الملامح فقط ما تربطه به بل الدم و الحمض النووي و الوساخة ايضا »
مرت سحابة مظلمة في النظرات الزرقاء الشفافة، لم يتكلم قط بهذه الطريقة عن يانيس أمامه، طالما احترم سيرته كي لايجرح مشاعر فرح من عائلته… حمى الجميع من جحيمه، الا ان لا خيار لديه، ان كان اليساندرو مستعدا لمقاسمته عرض تعر من قبل فتيات مغريات فهو كبير كفاية لمعرفة بعض حقائق، الكل يجذب لاشراق مجرّة الايميليانو، المنافسة لن تكون على قدم المساواة! نجاح يانيس في جعل امبراطوريته في المقدمة حصره على الدوام في ظله… كل اصابع الاتهام عليه… ينتظر منه أن يحقق نفس الانفجار المدوي لرجل تمتع بالذكاء الاستثنائي و الحكمة البالغة، المنافسة لم تخف… و من المتعب منافسة انسان ميت.
« اسمعني اليساندرو… يلزمك قطع الكرة الأرضية مشيا مرتين و ربما ثلاث كي تفهم ابعاد شخصية كيليان… انه الضباب المحاصر، ابن والده عن جدارة، يظن أننا منافسوه في قلب رجل لم يملك حقا قلبا، عاد لينتقم ممن انتقم منهم يانيس عن طيب خاطر، و ارفض أن يمسك أو يمس صوفي و سابرينا بأذى… انه ممنوع كليا من دخول صقلية، و عندما تطأ قدميه ارض ايطاليا فهو مراقب… لقد اختطف بريانا في السابق ليخلق سناريو براق للتعريف عن نفسه… تسبب لي منذ سنوات بمتاعب مادية و معنوية، حاول بكل جهوده تسليط ضوء الشرطة على و على أعمالي، لا تظن بأنه يعتبرك اخاه الصغير بل عدوه و منافسه… »
« منذ متى تعرف بوجوده؟؟ سأله شقيقه بعد صمت وجيز.
« السنة تقريبا » قال روكو بلا ثانية تفكير.
« أعرفه منذ ثمان سنوات » هذا التصريح كان بمثابة الضربة التي اصابت معدة روكو الذي لم يمنع نفسه من شهقة استنكار، اليساندرو نجح بصدمه كما لم يتمكن أحد من قبله، لم يتوقع أبدا تصريح مماثل « قبل خمس سنوات قررت قطع اليقين بتحليل حمض نووي… هل رايت روكو… أنا أيضا ابن والدي… أعرف بأنك تكره الاعتراف بأخطائك لكن عليك أن تبدأ بالاعتياد على ذلك…لذا اطلب منك شيئا وأحدا… ثق بي أرجوك و توقف عن التصرف معي كالدجاجة الأم… لست بريئا كما تظن… بل لست بريئا بالمرّة… العلة هنا .. أنك تظن نفسك الأذكى… »
«أنت نشأتَ قرب الأفضل… » ذكره بنبرة جليدية.
« كما نشأت أنت قرب الأفضل… » تمتم اليساندرو بتحد « لا تظن نفسك أفضل من والدي و لا تقلل من شأني… بدأت العب في ساحة الكبار منذ أن رميت بي خارجا…و ان كنت تشكك في قدراتي، فلنبدأ الجولة… »
« لا أنوي دخول حرب كلامية معك… »
« الشفافية تنقص حواسك الخمس »
« تتكلم عن الشفافية بينما اخفيت عني أمر مهم مثل معرفتك بأمر رجل ينوي تدميرنا… » تمتم روكو بغضب « لا يتملكك أحيانا الشعور بالذنب بعدم تنبيهي؟؟ »
« الشعور بالذنب هو احساس لا أعرفه فهو مخصص لمن يفتقدون الثقة اليس هذا كلامك؟؟… فتاج الأسرار يزين رأسك أنت روكو… أنت الملك…الخبير و الممتهن… و أنت؟؟ الا تشعر بالذنب بالاستمرار في النظر الى عينا صوفي دون القدرة على الاعتراف لها بالحقيقة؟؟ »
هذه الكلمات، بقدر ما هي منطقية، بقدر ما تنغرز في قلبه بقسوة… موضوع صوفي مؤدي و مؤلم لدرجة أن قلبه يتقطع لأجزاء صغيرة في صدره، و يعرف بانه في هذه اللحظة ان تحرك من مكانه فسيترك وراءه أثرا طويلا من الدماء:
« لماذا؟؟؟ كي أحرمها من الشخص الوحيد الذي أحبته بإخلاص شديد و لدرجة العبادة… أبيها؟ » راقب وجه شقيقه يشحب، يفتقد فجأة للكلمات « صوفي لن تعرف يوما بأنني والدها… ليست بحاجة لحمل أسمي يكفي انها تحمل جيناتي و دمي… فلا تقارن هذا بذاك… فلا أبحث عن العدل في الحياة اليساندرو فقط عن بعض الولاء… استحق بعض الولاء »
هز شقيقه رأسه ببعض الأسى، مشاعر متضاربة على وجهه:
« من اي شيء صنعت ؟ لن يمكنك الجزم في هذا الأمر الحساس… من أخبرك بأن صوفي لا تريد معرفة الحقيقة؟ »
« لن أخد منها والدها … » أكد بصوت جليدي : « أبدا ».
« أنت والدها.. » زمجر شقيقه بنبرة عالية.
« أنا شقيقها الذي لا تطيق التطلع الى وجهه… يانيس جهزها لسنوات كي لا تعشق غيره… سرقته منها سيدمرها و يزيدها فحسب ضغينة نحوي… فقدت صوفي … منذ أن كان عمرها أسبوعا… »
« تراهات…كما أرفض الاستمرار في التألم مكانك »
« لا أطلب منك التالم مكاني لأنني لست ضحية …ما اطلبه منك هو بعض الامتنان و التحالف و الا تنقلب ضدي مهما كبرت مساحة العداء بيننا … مصالحنا واحدة فلا تنسى هذا… كيليان ارشيبالد هو الدخيل… لن يكون يوما من الأيميليانو و سيضمر الشر لنا الى أن ينجح بكسرنا… لقد ورث اصرار و عزيمة والده فلا تستهن به »
لم يجبه شقيقه هذه المرة، اكتفى برميه بنظرات باردة قبل أن يمنحه ظهره و ينسحب.
لا يتذكر كم مر من الوقت وهو واقف مكانه يتطلع الى الفراغ دون القدرة على تشغيل فكره، سانتو يتفوق عليه للمرة الثانية و ينجح بإبهاره… كيف يتمكن من اللمعان علنا و الحفاظ على سريته في الوقت نفسه؟؟ هذا الذهاء و المكر يذكرونه بشدة بوالده… لن يسامح نفسه لأنه لم يكتشف سره قبل السنة الماضية بينما شقيقه كان في خطر كل هذه السنوات….
ثمان سنوات…
غريب… لماذا اذن لم يمس سانتو شقيقهما الصغير بسوء بينما كانت لديه مساحة الثمان سنوات؟؟
عندما عاد الى اصدقائه كانت السهرة في حميمية مجنونة، لكنه فقد كل رغبته في الاحتفال، بحث عن شقيقه بعينيه، كان يجلس بجانب خوسيه المحاط براقصتين، واحدة تجلس على ركبتيه بينما الأخرى تقوم بتخليصه من ربطة عنقه، رغم ابداع راقصة ثالثة أمام الأمير و اليخاندرو الا ان هذين الاثنين يتكلمان ببعض الحميمية غير أبهين مطلقا بالفاثنة أمامهما، سيزار أمام هاتفه، يبدو بعيدا جدا عن المكان… فجأة شعر بالاكتفاء من كل هذا،يعرف بأنهم هذفوا لحفل فريد من نوعه لكنه يفضل الاحتفال بطريقة أخرى:
« غادرن المكان فورا »
لحظات الدهشة و الحيرة الأولى مرت قبل أن تنسحب الراقصات الواحدة تلوى الأخرى، عندما اصبحوا بمفردهم أخد كلمته:
« مارايكم في هذر بعض الاموال ؟؟ »
« تريدنا ان ننزل الى الكازينو؟؟ » سأله خوسيه بغير تصديق « تفضل بلاك جاك على جسد مشتعل من الاثارة؟؟ »
« هيا يارفاق… استعمال النساء لن يجعلنا أكثر رجولة.. » انتقل بنظراته بين داركو سيزار و أليخاندرو » لن أعبث حتى بمجرد النظر بذريعة نهاية العزوبة… » ثم عاد الى خوسيه « ان كنت ترغب برقص خاص خوسيه فسننتظر في الكازينو »
« كلا… هذا ليس ضروريا… » اعاد ربطة عنقه الى مكانها « الموضوع ميؤوس منه فلا مجال للمحاولة »
« فلنمضي إذن »
* * *

العودة الى صقلية يخلق فيها احاسيس متضاربة، اليوم و هي زوجة رجل مهم، الأمور تغيرت كثيرا منذ أخر مرة، رحلة العودة مرت في جو غريب، منذ أن منحت خوسيه رؤية عن انجذابها وهو يتصرف و كأن زواجهما طبيعي، بينما هي … تجهل في اي مصيبة ادخلت نفسها…. كما أنها تجهل بأي طريقة لبقة تتملص مما ينتظره منها، فلا شيء تغير في موانعها، مازال جسمها سيء المنظر داخليا و هذا سيثير حفيظة رجل مثله آلف الكمال.
النوم رفض طرق أبواب جفونها، احتفظت بالتوأمين في غرفتها رغم ان هذا ممنوع كليا ولا يبدو أنها الوحيدة الغير قادرة على النوم الليلة، رأت ‘دانيلا’ مرتين في الحقيقة الخلفية من خلال النوافد الزجاجية العالية لغرفة نومها،كانت تجلس بمفردها في عتمة الليل، تبدو وحيدة و تعسة… لو لم يحرجها خوسيه أمامها بعاطفته المفاجئة لما ترددت بالالتحاق بها لمنحها الدعم. ربما كانتا في هذه الأثناء تجلسان معها خارجا، تتكلمان كما آلفتا في الاشهر الأخيرة بحيث صارتا صديقتين، تخشى أن تدخل هذه الأخيرة في حديث لا منتهي عما يجري بينها و بين وصيها و هذا ترفضه ببساطة…. لأنها نفسها تجهل ما يحدث في رأس زوجها الذي تخلى كليا عن هجومه و قرر فجأة انها تلائمه.
تقلبت في سريرها و تواجهت مع مهدي التوأمين، كانا غارقين في النوم، تملكتها رغبة في ايقاضهما كي يمنحاها بعض الرفقة، صوت علا في صدرها يسخر منها… تعرف بأنهما ليس في غرفتها لأنها تشعر بالوحدة، بل لكي تحمي نفسها من خوسيه ان قرر التسلل الى سريرها بعد عودته ليلا.
حبست انفاسها بينما يتردد من بعيد صوت محرك سيارة، القت نظرة على ساعة الديجيتال بالقرب من سريرها، كانت تشير الرابعة تقريبا، دون تأخير أبعدت الغطاء عليها و بخفة توجهت نحو المهدين كي تأخد أوزلام بين ذراعيها و تأتي بها الى جانبها على السرير، الصغيرة كشرت قليلا قبل أن تهدأ و تعود الى نومها، بقي تفكير ملح عالق في عقلها، لما لا تغلق باب الغرفة بالمفتاح؟؟ في الصباح يمكنها التحجج بأي شيء و ايجاد ذريعة مناسبة للهرب من هجومه… سيسيليا تعمدت وضعهما في غرفة نوم واحدة… أو ربما ليست سيسيليا انما هو من أمر بذلك… قال لها قبل رحيله لا تنتظريني…
لا تنتظريني…
تلميح بأنه سيكون الى جانبها بعد عودته… بأن الأمور تغيرت… تطورت.
حطت نظراتها - التي تعودت على العتمة — على ابنتها النائمة…كانت تتنفس بهدوء و سكينة، ريتها تتمكن من الشعور بنفس الطمأنينة و تغرق في نوم هانئ… قربت وجهها بشدة منها الى ان التصق أنفها بخدها المدور و المخملي الناعم ثم أغمضت عينيها بقوة تحاول ازاحة الرهبة التي المت بها…
تابعت عن كثب صوت اقدام تقترب من غرفة النوم، ثم بالباب يفتح و يغلق، رائحته المالوفة لفتها بينما ينحني عليهما هي و اوزلام، لا تعرف كم بقي في هذه الوضعية وهو يراقبهما، فجأة شعرت بحرارة ابنتها تهجرها، من خلال رموشها رأته يعيدها الى مهدها بكل كياسة، كمية الحنان و الرقة في حركاته ضربتها مثل اللكمة في معدتها، أمام هذه العاطفة، خوسيه سيقاتلها حتى آخر نبض،
« أشششت جميلتي » سمعته يهمس للرضيعة التي بدأت تتذمر « بابا هنا »
زمت شفتيها، كانت شاهدة على لحظات ثملة من الحميمية و الرقة، لن تقلق يوما بشأن نوع العلاقة التي ستجمع ابنيها بوالدهما، خوسيه رجل مختلف جدا معهما، وهي… تشعر بالفخر لأنها منحت على الأقل شيئا يسعده.
بعد أن تأكد من عودتها الى النوم قصد الحمام وهي بقيت في مكانها مسمرة تعد عدد قطرات المياه المستعملة، التعامل مع خوسيه كعدو سهل، سهل للغاية، لكن رداء المسالم الذي يرتديه منذ قبلتهما النارية في باريس يجعلها متعثرة في خطواتها، تعرف بأنه لم يتغير، و بأنه ليس الحب، و ليس رجلا يستسلم من حربهما، انه يضع التوأمين فوق أي اعتبار، تماما مثلها، يريد منح زواجهما فرصة لهذا الغرض، و لأنه… من الجانب الجسدي، مازالت تثيره… ان اكتشف بأنها لم تعد جميلة، فهل سيرغب بالاستمرار في وضع التوأمين قبل رغبته و انجذابه؟
عيب خوسيه انه يكره رؤية العيب في شيء مهما كان، طبق الطعام الذي افتقد فحسب لعنصر ديكور واحد، أعاده من حيث جاء و رفض تناول الطعام في المطعم، اضطرا لاستبدال المطعم لأنه برئيه الثمن يستحق أن يكون مكتفيا من كل الجوانب…
في السابق، كان يدفع ثمن خدماتها… و اليوم الوضع اختلف… تزوجا و رزقا بطفلين رائعين… لا يدفع لها كي تكون كاملة في نظره.
وهي تملك نذوب تفضل الاحتفاظ بها لنفسها و عدم تقاسمها مع أحد… لسيما معه… مجرد احتمالية رؤية الاشمئزاز في عينيه يجعلها مريضة… كرامتها و كبريائها لن يتحملا ضربة مماثلة.,, فرغم كل حروبهما… مازالت منجذبة اليه … لما لا بينما كان الرجل الأول في حياتها؟ و لم تكن تنقصه الخبرة بالتأكيد… تجهل ان كانت ستشعر بنفس الشيء مع أحد غيره.
عاد خوسيه الى الغرفة بمنشفة حول وركيه، حتى في العتمة يبدو مشعا، و شكها اصبح يقينا، سيستعمل نفس السرير للنوم،
اهتز الفراش تحتها بينما يتمدد بجانبها، كانت تمنحه ظهرها، جسدها متقلص بشكل مؤلم، تشعر بأن كل أعصابها ستتمزق من الضغط مثل الوثر، تعمدت النوم بالبيجاما بدل قميص نوم، و خوسيه… مثل المعتاد… لا يرتدي شيئا، عندما التصق فجأة بظهرها و تسللت ذراعه الى خصرها كي يلصقها به فتحت عينيها على آخرهما من الصدمة، لكنه لم يفعل أكثر من تقبيل مؤخرة رقبتها و الصاقها به بنفس القوة التي استعملها ذلك المساء، عندما فقد السيطرة على نفسه… و كشف عن جانب الطفل الضائع الباحث عن الأمان.
خلافا لكل مخاوفها، هذا القرب مكنها من النوم، تأكدت بأن سهرها لم يكن بسبب خوفها من عودته… بل على عودته.
* * *
روكو يبدو شارذ الذهن، يدها في يده أصابعه لا تتوقف عن مداعبة أصابعها بشكل متكرر، لكنه ينظر من خلال النافذة بينما سيارة الليموزين تشق بهما كاتانيا نحو تاورمينا و قلعة الايميليانو، منذ رحيل يوليا و انفجر الوضوح و الشفافية اكثر في علاقتهما، حبهما أقوى و اصلب و أشرس و أكثر بربرية، ان كانت هي متملكه فهو متملك نحوها الف مرة، انها هوسه كما هو هوسها، معه، يدها في يده، يمكنها امتلاك العالم، كل ما حلمت به منذ المراهقة يتحقق اليوم، خيبتها في الرجال صارت من الماضي بفضل رجل ليس كالبقية.
« حبيبي؟ »
استعادت نظراته التي كان يتابع بها المناظر التي ترافق رحلتهما الصغيرة
« نعم ‘كارا ميا’ ما الامر؟ »
« تبدو مهموما »
بدى متفاجئا:
« انا مهموم؟ بالعكس اليوم هو اسعد ايام حياتي »
أقطبت قليلا :
« اسعد ايام حياتك؟ هل عقدت صفقة مهمة »
ظهرت ابتسامة زاهية على شفاهه:
« مهمة للغاية عزيزتي… صفقة العمر »
« الن تخبرني عنها ؟ »
« عندما نصل الى بيتنا سأخبرك كل شيء »
بيتنا، صارت قلعة ايميليانو بيتها، و هذا يشعرها بالدفئ و الالفة، تتذكر تلك الأمسية التي دخلت فيها القلعة بشكل رسمي كخطيبة العرّاب، كانت مرتعبة من حمل خاتم خطوبة يزن تاريخا و أيضا خائفة من الانتساب لرجل ذو سلطة و لو ظاهريا… ثم اتخدت علاقتهما شكلا مختلفا، تجهل كيف و متى استبدلت هوائها به، شعرت بذراعيه تتسلل خلف ظهرها و برشاقة حملها اليه و جلست على ركبتيه كما هي عادته دائما عندما يسأم البعد الجسدي بينهما، امسك برقبتها كي يسند جبينها على جبينه:
« هل انت واثقة بأنك تريدين الزواج من ماجن مثلي؟ »
ابتعدت كي تتمكن من الرؤية في عينيه:
« انت لست ماجن روكو… بل أرق رجل التقيته في حياتي، توقف عن التشكيك في رغبتي بالزواج بك، حلمت به منذ اللحظة الاولى »
اقطب جبينه :
« كنت تكرهينني »
« لأنك توهمت مثل غيرك -من على هذه الجزيرة- بأنني سهلة الاغواء »
« انا و من على هذه الجزيرة ادركنا بأنك صعبة المنال… »
« كنت تظن بأنك لا تُقاوم؟ »
« ليس ذنبي ان كان هذا هو الانطباع الذي منحته لي النساء طيلة عمري.. »
« بأنك لا تقاوم؟؟ »
أمسك بدقنها ببعض الشدة كي يعاقبها على تهكمها:
« بريانا إيميليانو لقد خُلقتي لتكوني لي… لتحملي اسمي »
صوته الأجش من الرغبة اشعل النار فيها، انفاسه القوية تلفح وجهها و روحها.
« أنا لك… »
أمام هذا الاعتراف المصيري برقت عيناه السوداوين بوحشية و تملك، وهي كانت مخمورة بالسرور بين ذراعيه، تنوي الخضوع لرغباته مهما كانت… هيمنة ، خضوع ، كل هذا لم يكن سوى قطبي اتحاد مطلق بينهما، أخدت وجهه بين راحتيها و قبلته بشغف.شعرت بتجريدها من كل قوتها البدنية وفي نفس الوقت قوية بشكل لا يصدق. كانت مملوكة له بالكامل. لن تكون هناك قوة على الأرض من القوة الكافية للتراجع عما تم تقييده بينهما في لحظات الهجر… بينهما شيء مكثف بشكل فريد … شيء يشبه المعجزة.
« أحبك… »
ماتت الكلمة في شفاهها بينما تتجاوز السيارة باب القلعة، فتحت فمها من الدهشة بينما تستقبلهما زينة تسلب الألباب، عرض مبهر لستائر من الورود الملونة المنتهية، قلعة الايميليانو يتغلب سحرها اللحظة عن طراز فيرساي الملوكي… كان الجمال أمامها يتجسّد بروعة الهندسات الحالمة والألوان تتلألأ لتسحر الأنظار بأجمل تموّجات الطبيعية...كانت تحت المفاجأة لدرجة لم تعرف كيف العودة الى مقعدها. شعرت و كأنها تدخل حلما، و كأنها تدخل عالم مواز بعيد عن الحقيقة، توضح لها حشد لاينتهي من الناس بملابس كوكتيل:
« ما… مالذي يحدث هنا؟؟ »
« انه زفافنا » سمعت صوت روكو من بين الضباب في رأسها بينما يخرج من السيارة كي بفتح لها الباب بنف سه.
« زفافنا؟؟ » رددت دون أن تضع يدها في اليد الممدودة نحوها « زفافنا روكو؟؟ هل تسخر مني؟؟ »
اقطب:
« لن اجروء يوما بالسخرية منك حبيبتي… هذا اليوم… يومك »
شعرت بفكها السفلي يسقط في حجرها بينما تتطلع الى رجل حياتها بملامحه الجدية، لا لم يكن يمزح…
فجأة أصبحت عاجزة عن أي رد فعل، الشلل أصاب حواسها الخمس كليا… عقلها توقف عن التفكير… الكثير من الأسئلة تسابقت الى لسانها دون القدرة على قذفها، ان كانت تنتظر مفاجأة مماثلة؟؟ في كل حياتها… لم يتكبد احد كل هذا العناء لإسعادها… طالما أدركت أهمية الرجل أمامها، تأكدت في كل المواقف بأنه شهم و نبيل و يحبها… لكنه لا يتوقف عن مفاجأتها، و لا يتوقف عن الصعود أكثر و أكثر في قلبها… تعشقه لحد العبادة… لا يمكنها أن تحبه اكثر… وضعت يدها في يده و ارتفعت التصفيقات بضراوة بينما تخرج أخيرا من السيارة، لا… لم تكن تحلم… انها الحقيقة.
« مالذي تفعله بحياتي روكو؟؟ » تمتمت له بالكلمات المهتزة الوحيدة التي وجدتها,
أمسك بدقنها و احنى رأسه نحوها ليهمس لها:
« أدخلها… »
انزلقت الدموع من عينيها أمام ابتسامته الشاسعة، بينما تخونها قواها الجسدية المتنقلة من فرط الصدمة تسللت ذراعه الى خصرها لتسندها… تقدما نحو الحشود الغفيرة التي استقبلتهما بحفاوة تدفئ القلب، الدموع تمنع عنها الرؤية بوضوح، لكنها تمكنت من رؤية أهلها… رباه… هل أتى روكو بكل اليونان الى هنا؟؟ رؤية والدها أنيقا في بدلة كحلية واقفا على قدميه دفعها للبكاء بحرارة شديدة، انطلقت نحوه لتعانقه:
« تهانينا يا ابنتي »
« لا أصدق ما يحذث » اعترفت بلغتها الأم بينما والدتها تمد يدها نحو وجهها لتمسح دموعها:
« انه رجل جيد »
« انه رجل حياتي… »
كانت كل عائلة الاريستوفولوس، كل قريباتها حتى الافاعي السامة، أصدقاء روكو، عائلته، شخصيات لا تعرفها لكنها تهنئها بحرارة لزفافها، زفافهما…
ما يحدث أشبه بالسحر، كمية المشاعر التي تعيشها تهدد بحرقها كليا، كل شيء من حولها كامل مثل الأحلام…
استقبلتها نافورة الشمبانيا مع مزاميرها الموضوعة في توازن، تم وضع طاولات بدقة حول حلبة الرقص لإقامة مأدبة فخمة على مفارش ذهبية تتلألأ على ضوء غابة من الشموع العملاقة. كانت الإثارة المحيطة ملحوظة. تنتظر الجميع أمسية لا تُنسى… حطت عيناها على تماثيل الجليد بالحجم الطبيعي لها… كانت تدخل من صدمة لأخرى دون ان تسنح لها الفرصة الإستعادة رباطة جأشها، كل شيء تخالط عليها، المدعوين، الأهل، الأصدقاء السقاة و الطهاة و الهمهمات و الضحكات، كل شيء كثير و يفوق مستوى تحمله، انها بحاجة للهواء:
« تعالي معنا… لن تتزوجي بهذا الفستان»
لم تكن تعرف ان كانت روبي أو فلورانس من جراها الى بعيدا، بعد مسيرة على غيمة وردية وجدت نفسها في جناحهما هي و روكو، احتضنت عيناها فستان زفاف لم تكن لتختار غيره لو اتيحت لها الفرصة:
« أرجوكما… أخبرني بأنني لا أحلم » توسلت وهي تلامس الاطراف الأنيقة للتحفة العاجية.
« أنت لا تحلمين… » أكدت لها فلورانس و هي تضحك « صورت وجهك بينما تخرجين من السيارة… لقد دفعتني للبكاء »
« لم أتوقع… هذا… » اعترفت بريانا بغصة.
« فلنسرع يا فتيات… لا وقت لدينا » نبهت روبي بجدية: « استحمي كي استدعي أوما و فريقه »
هزت بريانا حاجبيها مستغربة:
« أوما صديقك؟؟ »
غمزت لها فلور بتواطئ:
« هديتي لك… »
* * *

« أنت رائع »
التقت نظراتهما خلال المرآة، لكنه مثل المعتاد، يتصرف و كأنها شفافة، كم حلمت بهذا اليوم، بأن تراه عريسا، حلمت بوجه آخر للموقف، و ليس جدار من الصمت ، طالما كان مقربين و متواطئين للغاية، الاسرار و الكذب نجحا بحفر هوية بينهما، لكنها لم تبالغ، بدلته العاجية تليق به و هالته تلهب حواس من تسقط عيناه عليه، كانت تحمل باقة الورود الخاصة بريانا، اقتناها هو بنفسه و اتت لأخدها و ايضا، لرؤيته في بذلة العريس.
« انه يوم كبير… كان والدك ليسعد برؤيتك عريسا »
القى نظرة اخيرة على هندامه قبل ان يستدير نحوها:
« في يوم مهم مماثل أفضل عدم ذكر سيرته … » انحنى على قلم ذهبي فوق طاولة البوفيه و زركش بضع عبارات على بطاقة فارغة « خذي الباقة لبريانا… »
اخدت منه البطاقة، لم تمنع نفسها من قراءة الكلمات الانيقة:
{ اتمنى أن يعجبك ذوقي… ti amo}
كان قد اختار الزهور بنفسه و بريانا لن تصاب بخيبة لرؤيتها، دعوة شاعرية للغاية لاستكشاف آفاق جديدة معًا، رسالته مباشرة من خلال هذه الباقة الاستثنائية… لون الأحلام ، الهروب لحياة جديدة.
« بريانا محظوظة… » وشوشت وهي تتأمل البتلات الناعمة و الحالمة « في زفافي… كانت الأمور مختلفة »
راقبته ينحني عليها فجأة كي ينظر مباشرة في عينيها:
« كل الامتيازات للزوجة الأولى … وضعك لم يكن بالمشرف ، لكن هناك سؤال يلهمني… هل عرفته متزوج قبل أم بعد حملك بي؟؟» فتحت فمها لتجيب لكن لا صوت تمكن من الخروج، راقبته يمسح على سترته، يلتقط وردة مشابهة لباقة العروس كي يضعها في الجيب العلوي لسترة الزفاف : « خذي الباقة لخطيبتي و اختفي من محيطي ».
* * *
« أشعر بأنني أختنق… »
ملاحظة خافيير جعلت بيانكا تبتسم ملئ فمها، كان الجميع بانتظار ظهور العروسين، تقدمت منه لتعدل له ربطة العنق.
« أنت وسيم في هذه البدلة… » اعترفت بيانكا و هي تبحث بعينيها عن خطيبها بين الحشود الغفيرة، كان يقف مع والدها و سيزار في المذبح المتنقل، يليق بهم دور الاوابين مثل المعتاد. » غريب لكنك تشبه كثيرا خطيبي »
بانت ابتسامته الجميلة و جعلها تتأبط ذراعه قبل ان يغوص بدوره في النظر الى الحشود المتفرقة:
« كيف يمكنك تحمل هذه الرسميات طيلة حياتك؟؟ »
« لأنك تكره الأعراس؟؟ »
« منذ زواجي الأخير لم ارتدي بذلة… »اقطبت، لكنه انفجر في الضحك لملامحها: « اجهل كيف لشقيقي تحمل هذه البدلات المريعة كل يوم؟؟ «
« انها مسألة عادة… »
« عادة مريبة و سيئة… » تمتم بينما يتقدمان بين المدعوين « هل تعرفين كل هؤلاء؟؟ »
« بعضهم اتيت على معرفتهم… « سلمت على بعض المعارف قبل ان تلتقط كاس الشامبانيا و تقدمه له، أمام رفضه أصرت » انت هنا كمدعو و ليس كموظف… »
أخد منها الكأس الذهبي الشراب:
« اذن حبيبتك ستأتي نهاية الأسبوع… »
بلع من شرابه اللذيذ، ليس متعجبا لرفاهية الشراب، انه زفاف العرّاب:
« لا يزعجك أن تكون صديقة مقربة لدافيد ريتشي… »
انسحبت ابتسامتها ببطئ، بيانكا تملك وجه معبر للغاية، لكن تعبير محدد اللحظة في عينيها… كان هناك نوع من النداء الصامت الذي التقطه في ظرف ثانية قبل أن يختفي.
« دافيد خال نيكولاي و أخ زوجة أبي… وجوده في حياتي أمر مسلم به «
« لابد أن الاصطدام به على الدوام أمر مريع… بعد علاقة حب تصبح الأمور صعبة »
« لقد انتهى من حياتي…. أحب شقيقك… »
« أنا ايضا أحب شقيقي… بريك من العالم لن يحب اليخاندرو… » هز دقنه مشيرا لأحد ورائها: « أظنه يبحث عنك… »
استدارت نحو خطيبها، لكنه لم يكن يقصده أبدا، دافيد ريتشي اتى على الوصول ليخلق بعض الاستنكار، و يبدو انه يبحث عنها لأنه تسمر مكانه بينما يراها أخيرا، فرجينيا ريتشي تقدمت من ابنها لكن لا يبدو ان هذا الأخير يسمع كلمة مما تقول، أليخاندرو ايضا ترك مكانه، هذه الجلبة الصغيرة اثارت الانتباه، الوحيدة التي تبدو مستمتعة بالموقف فهي صوفي، كان يلزمها فقط الفشار من شدة استمتاعها بالعرض… عكس ادعاءاتها فموقف الأميرة لم يكن حياديا، بعد ان فقدت لون وجهها الجميل فضلت الاعتذار منه و الانسحاب… لكنها لم تبتعد بعيدا… بعد لحظة كانت أصابعها متشابكة بأصابع خطيبها.
هز خافيير عينيه الى السماء… ياله فلم رومانسي سخيف…كل هذا يشعره بالملل.
من الأفضل أن يعثر على سانتياغو كي يتسلى قليلا به… عندما لمحه اتسعت ابتسامته بسخرية… الرجل أنيق ومن رأسه حتى أخمص قدمية و كأنه زفافه.
* * *
ارتفعت الهمهمات بينما تعزف روبي موسيقى العروس الخاصة، خلافا لكل العادات و التقاليد، اختار العراب لحنا يخصهما معا، بريانا متألقة في فستانها العاجي المطابق لبدلة زوجها المستقبلي، كل الحشود تشد انفاسها، على الممر المرسوم بتلات الورود تقدمت متأبطة ذراع والدها، ابتسامة متألقة على وجه بالكاد تمكن اوما من لمسه بالمكياج، كانت واضحة بشأن كراهية روكو للزيف، لسيما في يوم كبير كاليوم، شعرها الاسود مصفف كتاج فوق رأسها، كانت تبدو ناعمة و بنفس الوقت ملهمة و رومانسية، عينا روكو معها فقط، حتى انه لم ينتظر في مكانه، بل تقاسم الطريق مع حماه المستقبلي ليأخذ منه عروسه.
« يبدو مستعجلا » لاحظ خوسيه لسيزار الواقف بجانبه.
« أظنني سأتصرف بنفس الطريقة يوم زفافي… » علق هذا الأخير مبتسما ملئ فمه لزوجته التي أنهت المقطوعة و عادت لمقعدها بجانب أنجلو… ابنهما بالتبني { قريبا}.
« الأبيض؟؟ » وشوشت بريانا بينما يزيح الطرحة الشفافة عن وجهها « روكو ايميليانو انت رائع… ولا تتوقف عن مفاجأتي »
ابتسم لها و حمل يدها الى شفاهه ليقبلها بحرارة:
« انت ايضا رائعة… و أعدك لن تكون آخر المفاجآت »
بينما ينطلق القس في المراسم الدينيه، انحنت صوفي على شقيقها اليساندرو الذي كان يحتفظ بيد دانيلا في يده…
« لا أنت الاشبين و لا أنا الأشبينة… أظن أننا أسوأ شقيقين على الإطلاق… »
غمرت العاطفة نظرات اليساندرو الذي ترك يد خطيبته ليحيط كتفيها بذراعه و يقربها اليه دون ان يعلق على ملاحظتها المتهكمة، ربما كانت طريقتها للتخفيف من الغصة التي تخنقها منذ أن أعطتها فلورانس هدية شقيقها و التي - في هذه اللحظة- تضعها على شعرها بحيث نجحت المصفاة بمنح خصلاتها تجعيدة جميلة، عادت تتطلع الى شقيقها، يبدو مختلفا في الأبيض، هو الذي اعتاد البدلات الرسيمة السوداء للعراب، في هذه اللحظة… لا يشبه نفسه… ترى من بعد بأنه سعيد بوقفته بجانب تلك الفتاة التي اختارها من ذون نساء العالم… و لم تكن عذراء و لا عقيمة الشخصية.
تغير من أجلها…
« انه يحبها… » وشوشت لأليساندرو الذي احنى رأسه نحو رأسها و ضمها اليه اكثر. « من كان يصدق هذه المعجزة من رجل عاجز عن الحب؟ »
« تشعرين بالغيرة؟؟ » سألها اليساندرو
في هذه اللحظة، البس روكو بدلة الزواج لحبيبته، مرددا قسمه بأن يحميها و يحبها الى الأبد.
« بل بالحزن… » اعترفت صوفي ببحة « فشلت… بينما نجحت أخرى بدفعه للابتسام … »
حان دور بريانا بإلباس دبلة الزواج، صمتت صوفي بينما ترى دموع هذه الأخير تنزلق على وجهها، تبدو منفعله للغاية، يديها ترتجفان بحدة لدرجة انها خشيت في ان تفشل في مهمتها، انطلق قواها الناعم و الاجش من العاطفة في صمت المكان:
« عندما اتيت الى صقلية… لم أفكر أبدا أن ينتهي بي الأمر متزوجة فيها » انفجر الكل في الضحك بمن فيهم روكو الذي مد اصابعه ليمسح دموعها، لكن بريانا أكملت بصوت ناعم : « و أنا ممتنة لهذا القرار الذي غير حياتي، أخذتني بتعقيداتي و أشباحي و منحتني الامان الذي فقدت الايمان به قبلك…أنت شخص جيد ومهتم ،وعندما أرى المشاعر الدافئة التي تثيرها في الآخرين ، أشعر بالفخر كوني امرأتك… احب علاقتنا و مشاعرنا و تواطئا… أحب ما انا عليه اليوم بفضلك… روكو… أعدك أمام الله… أن أكون زوجتك المخلصة، في السراء و الضراء الى أن يفرق الموت بيننا »
شدت صوفي انفاسها، كانت كلمات بريانا صادقة لدرجة لامست قلبها… اذن فهذا سرها… الصدق… الشفافية… الحب الا منتهي.
ما ان اعلنهما القس كزوج و زوجة حتى علت التصفيقات و التهاني و غرق المكان في هيجان حقيقي، بقيت الوحيدة الجالسة في مقعدها، الكل اخفاها ليقدموا التهاني الحارة للزوجين الجديدين، حتى اليساندرو تخلى عنها ليهتم بدانيلا صامتة للغاية ومنغلقة اليوم و كأن كل هموم الدنيا على رأسها، بدأ الجميع بقصد صالة الاحتفال، بينما تأخرت متعمدة ريثما يخف الرواج.
« تنوين البقاء هنا طويلا؟؟ »
هزت عينيها الى السماء بينما يقتحم خلوتها سانتياغو، كان وسيما جدا -مثل المعتاد- في بدلة سوداء داكنة بثلاث قطع، منذ مشاجرتهما الأخيرة بشأن صور والدها لم ترد على رسائله.
« وهل هذا الأمر يخصك؟؟ «
« هيا صوفي… ليس اليوم… أذكرك أنه يوم روكو و بريانا… »
« نعم لا حظت ذلك… لست عمياء »
أخد الكرسي أمامها ويديره نحوها و يجلس عليه، كانت ركبته تكادان تلامسان ركبتيها، مد فجأة يديه ليمسك بيديها في حركة متعاطفة، رغما عنها امتلأت عينيها بالدموع، هذا الضغط الرهيب منذ أمس، سانتياغو يفهمها عندما تكون تعسة، أمسك بدقنها ليجبرها على النظر اليه، كانت الاضاءة الحالمة تسقط على وجهه و شعره و تمنحه منظرا شبه خيالي، او ربما هي الدموع التي تجعله غريب في هذه اللحظة.
« مالذي يحزنك اخبريني؟؟ »
« بغض النظر على أنك سيء للغاية معي و لا تطاق؟؟ »
ابتسم لها بلطف:
« تعرفين بأنني مستعد للموت من اجلك »
هذه الكلمات زادت فحسب من تعاستها:
« أنا غريبة الأطوار… الكل سعيد لزواجه بينما… أشعر و كأنه يفر من بين أصابعي » مسح على شعرها مما شجعها بالاستمرار في قول ما يحرق روحها : » لا أتحكم في طباعي السيئة سانتياغو… رغبت بمكالمته و ربما التوصل الى هدنة… » ثم لامست أصابعها النجم الفار في شعرها، كان يبرق بشدة وسط خصلاتها السواء « في كل مرة يسبقني و يبرهن بأنه افضل مني… لقد أهداني اياه… انه من صنع الأميرة فلورانس… تصميماتها كلها حصرية … قررت وضعته في زفافه فهل تظن أنه لاحظ؟؟ »
« رأيتك تفرين منه كل الوقت … » قال لها منبها بجدية: « انت لا تمنحينه الفرصة صوفي… »
« هذا خارج سيطرتي… لا أدري سانتياغو أشعر بأنني سأفقد الجميع بسبب سوء طباعي… حتى أنت »
هز رأسه بالنفي:
« أخبرتك بأنني مستعد للموت من أجلك… تعرفين بأنه يمكنك دوما الإعتماد علي… مدللتي المفضلة… هل يمكنني تقديم نصيحة لك؟؟ »
هذه الكلمات غمرتها بالعاطفة، ابتسمت من خلال الدموع التي أشعرتها بالقليل من التحرر بسبب الضغط الذي يعصر على صدرها منذ أمس:
« تفضل… »
« اليوم هي فرصتك للتعبير له عن بعض الامتنان و الولاء… يمكنك القاء خطاب جميل.. انا متأكد بأن هذا سيسعده »
عضت على شفتها السفلى و انطلق ابهامه لتحريرها، هزت نحوه نظراتها الزرقاء زرقة العواصف المستعرة في البحر الأبيض المتوسط:
« لست موهوبة في التعبير عن مشاعري… انها سمة عند الايميليانو… نحن لسنا عاطفين »
ابتسم سانتياغو و ظهرت اسنانه البيضاء الرائعة خلف شفاهه الرجولية المرسومة بدقة:
« ليس بعد ما قاله العرّابعند المذبح… أنا متأكد بأنك ستنجحين بإبهاره »
انفلت ضحكة منها:
« أنت تؤمن بي على الدوام… »
« و سأفعل الى آخر أيام حياتي »

ملك جاسم likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 17-03-21 الساعة 10:56 PM
أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.