29-05-20, 10:42 PM | #1001 | |||||
| مساء الخير عيد سعيد ينعاد عليكم بالخير والبركة لذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 198 ( الأعضاء 66 والزوار 132) الاوهام, sofia_83, mayna123, ~لحن الذكريات~, نور المعز, ريما الشريف, laila2019, 33Zain, Omsama, Varan, زالاتان, ايمان حمادة, مريم احمدو, Diego Sando, شوشو العالم, butterfly.z, ام علي اياد, Shammosah, rere87, Maryam Tamim, Totaty, نور علي عبد, Moon roro, ايميلي انا, meriam 1992, تاتا26071978, Hagora Ahmed, Shosh A, اديم الروح, ماجدلوين, مسحة فرح, fofa ali, بنت الورد, نداء1, الروح الهائمه, sara so, سبنا 33, Mos3ad, djo2009, dodo dodp, neebal98, فهوده حبى, iris81, dodo elbadry, norseenalrayyan, Noor Alzahraa, Lolo rabah, ارض اللبان, سماح الطيبة, اشراقه حسين, Park shin hye, رودى رامى, عشقي لديار الخير, SORAYA M, ريري المصري, مزوووووون, بتو خليفه, Light dream, نونا لبنان, Saro7272, محمد 20, شهدsoso, Hend Hussein, rosemary.e, بريق العابرين, nadamh | |||||
29-05-20, 10:42 PM | #1002 | ||||
| ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻵﻥ : 205 ( ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ 69 ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﺭ 136 ) mayna123 , selma ahmed , ﺳﻴﻠﻴﻨﺎﻥ , ﺑﻮﻓﺎﺭﺩﻳﺎ 92 , ﻣﻬﻴﻒ ... , ﻧﺪﺍﺀ 1 , ﺳﻮﻭﻭﻣﺎ ﺍﻟﻌﺴﻮﻟﺔ , Hagora Ahmed , ﺍﻻﻭﻫﺎﻡ , sofia_83 , ~ ﻟﺤﻦ ﺍﻟﺬﻛﺮﻳﺎﺕ ~ , ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﺰ , ﺭﻳﻤﺎ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ , laila2019 , 33Zain , Omsama , Varan , ﺯﺍﻻﺗﺎﻥ , ﺍﻳﻤﺎﻥ ﺣﻤﺎﺩﺓ , ﻣﺮﻳﻢ ﺍﺣﻤﺪﻭ , Diego Sando , ﺷﻮﺷﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ , butterfly.z , ﺍﻡ ﻋﻠﻲ ﺍﻳﺎﺩ , Shammosah , rere87 , Totaty , ﻧﻮﺭ ﻋﻠﻲ ﻋﺒﺪ , Moon roro , ﺍﻳﻤﻴﻠﻲ ﺍﻧﺎ , meriam 1992 , ﺗﺎﺗﺎ 26071978 , Shosh A , ﺍﺩﻳﻢ ﺍﻟﺮﻭﺡ , ﻣﺎﺟﺪﻟﻮﻳﻦ , ﻣﺴﺤﺔ ﻓﺮﺡ , fofa ali , ﺑﻨﺖ ﺍﻟﻮﺭﺩ , ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻬﺎﺋﻤﻪ , sara so , ﺳﺒﻨﺎ 33 , Mos3ad , djo2009 , dodo dodp , neebal98 , ﻓﻬﻮﺩﻩ ﺣﺒﻰ , iris81 , dodo elbadry , norseenalrayyan , Noor Alzahraa , Lolo rabah , ﺍﺭﺽ ﺍﻟﻠﺒﺎﻥ , ﺳﻤﺎﺡ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ , ﺍﺷﺮﺍﻗﻪ ﺣﺴﻴﻦ , Park shin hye , ﺭﻭﺩﻯ ﺭﺍﻣﻰ , ﻋﺸﻘﻲ ﻟﺪﻳﺎﺭ ﺍﻟﺨﻴﺮ , SORAYA M , ﺭﻳﺮﻱ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ , ﻣﺰﻭﻭﻭﻭﻭﻭﻥ , ﺑﺘﻮ ﺧﻠﻴﻔﻪ , Light dream , ﻧﻮﻧﺎ ﻟﺒﻨﺎﻥ , Saro7272 , ﻣﺤﻤﺪ 20 , ﺷﻬﺪ soso , Hend Hussein , rosemary.e , ﺑﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ | ||||
29-05-20, 10:43 PM | #1003 | ||||
| ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻵﻥ : 212 ( ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ 70 ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﺭ 142 ) mayna123 , ﺑﻨﺖ ﺍﻟﻮﺭﺩ , mont_8 , ﺯﺍﻻﺗﺎﻥ , ﻣﻬﻴﻒ ... , ﺍﻻﻭﻫﺎﻡ , selma ahmed , Maryam Tamim , MerasNihal , ﺳﻴﻠﻴﻨﺎﻥ , ﻧﺪﺍﺀ 1 , ﺳﻮﻭﻭﻣﺎ ﺍﻟﻌﺴﻮﻟﺔ , Hagora Ahmed , sofia_83 , ~ ﻟﺤﻦ ﺍﻟﺬﻛﺮﻳﺎﺕ ~ , ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﺰ , ﺭﻳﻤﺎ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ , laila2019 , 33Zain , Omsama , Varan , ﺍﻳﻤﺎﻥ ﺣﻤﺎﺩﺓ , ﻣﺮﻳﻢ ﺍﺣﻤﺪﻭ , Diego Sando , ﺷﻮﺷﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ , butterfly.z , ﺍﻡ ﻋﻠﻲ ﺍﻳﺎﺩ , Shammosah , rere87 , Totaty , ﻧﻮﺭ ﻋﻠﻲ ﻋﺒﺪ , Moon roro , ﺍﻳﻤﻴﻠﻲ ﺍﻧﺎ , meriam 1992 , ﺗﺎﺗﺎ 26071978 , Shosh A , ﺍﺩﻳﻢ ﺍﻟﺮﻭﺡ , ﻣﺎﺟﺪﻟﻮﻳﻦ , ﻣﺴﺤﺔ ﻓﺮﺡ , fofa ali , ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻬﺎﺋﻤﻪ , sara so , ﺳﺒﻨﺎ 33 , Mos3ad , djo2009 , dodo dodp , neebal98 , ﻓﻬﻮﺩﻩ ﺣﺒﻰ , iris81 , dodo elbadry , norseenalrayyan , Noor Alzahraa , Lolo rabah , ﺍﺭﺽ ﺍﻟﻠﺒﺎﻥ , ﺳﻤﺎﺡ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ , ﺍﺷﺮﺍﻗﻪ ﺣﺴﻴﻦ , Park shin hye , ﺭﻭﺩﻯ ﺭﺍﻣﻰ , ﻋﺸﻘﻲ ﻟﺪﻳﺎﺭ ﺍﻟﺨﻴﺮ , SORAYA M , ﺭﻳﺮﻱ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ , ﻣﺰﻭﻭﻭﻭﻭﻭﻥ , ﺑﺘﻮ ﺧﻠﻴﻔﻪ , Light dream , ﻧﻮﻧﺎ ﻟﺒﻨﺎﻥ , Saro7272 , ﻣﺤﻤﺪ 20 , ﺷﻬﺪ soso , Hend Hussein , rosemary.e ﺃﺩﻭﺍ | ||||
29-05-20, 10:55 PM | #1006 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| ا الفصل الثامن عشر بعد أسبوع وصلت صورة لونس على الواتساب لشخصية كارتونية مصنوعة من عجينة السكر ثم كتب شامل" ما رأيك؟" تطلعت ونس فيها بتدقيق وهي تكبر الصورة ثم كتبت" جميلة جدا يا شامل .. لكن أعتقد أن القدمين يحتاجان لإعادة النظر في طولهما" تطلع شامل من وقفته في مطبخ المطعم وهو يرتدي قميص الطباخين باللون الأسود ويربط منديلا على رأسه في الكعكة أمامه ثم كتب" لديك كل الحق سأعود لك بعد قليل" ابتسمت ونس ثم وجدت مليكة على الواتساب تكتب لها " هل وضعت قناع الوجه الذي طلبت منك أن تضعيه ؟" بوجنتين مشعلتين كتبت ونس" أجل .. كل ما طلبتي مني أن أفعله فعلته" قالت مليكة " إذن سأرتب لك مع صالون التجميل موعدا .. الفتاة هناك لطيفة وتعرفني وقد أخبرتها بكل شيء أريدها أن تفعله لك " رفعت ونس خصل شعرها الكستنائي فوق رأسها بعشوائية محببة وكتبت بقلق "هل وافق أبي؟.. أعني أخشى أن يعارض فأنت تعرفينه" كتبت مليكة " لا تقلقي اتصلت به وأخبرته بأن هذه هدية مني بمناسبة زواجك واخبرته بأن شامل أوصاني بالحجز لك في نفس الصالون من أجل التحضير ليوم الزفاف وبأنه قد دفع المبلغ كاملا الذي يخص تجهيزات يوم الزفاف وبالطبع لم يجد فرصة لأن يعارض" امسكت ونس بقلبها الذي يقفز من السعادة ثم كتبت "قلبي يدق ..يدق يا مليكة ..وأشعر بأنني أحلم" ابتسمت مليكة بتأثر ثم كتبت " إن شاء الله ستظلين في هذا الحلم مدى الحياة .. بعد قليل سأكتب لك بعض النصائح التي أريدك أن تضعينها في حسبانك فأنت لم تعودي صغيرة وهناك أمور على الزوجة ألا تغفلها حتى تظل في صورة جيدة أمام زوجها" أومأت ونس وكتبت "أجل أريد أن أعرف كل شيء .. لا أريد لشامل أن يشعر بالندم لأنه اختارني .. لأول مرة افكر بهذه الطريقة .. كنت دوما متحررة من هذا الشعور لأنه يصيبني بقلق شديد" ابتسمت مليكة وردت " لا بأس كلنا نبذل أقصى ما عندنا لإسعاد من نحبهم" كتبتها وألقت بالهاتف على المنضدة تغمغم " أتمنى أن تستجيب العروس الأخرى أيضا لاستعدادات الزواج كأي عروس محترمة وترحمنا من الوجه البارد الذي باتت تصدره للجميع " (كلنا نبذل أقصى ما عندنا لإسعاد من نحبهم) شردت في العبارة التي قالتها لونس ..وذبحتها عقدة الذنب ..فلم تعد تعلم كيف تتصرف مع مفرح .. وكيف تتخطى ذلك الموضوع الحساس بينهما .. انهما لم يتواصلا منذ آخر مرة انهارت فيها .. لا هو يبادر.. ولا هي تملك الشجاعة للمحاولة.. نظرت لنفسها في مرآة طاولة الزينة وتساءلت .. هل عليها أن تلجأ لطبيب نفسي لربما استطاع إيجاد حل لها .. الفكرة ضربت رأسها كصعق الكهرباء فجعلتها تنتفض مبتعدة حتى من مواجهة نظراتها لنفسها في المرآة .. كانت متألمة .. وكان مجرد النظر لنفسها في المرآة مؤلم .. فما بال لو ذهبت لطبيب واضطرت للبوح عن مشاعرها .. هناك لحظة ما لا تريد استرجاعها أبدا .. من أجل سلامتها العقلية والنفسية لا تريد استرجاعها . حتى تبقى قوية ومتعايشة لا تريد التحدث عنها . أسرعت بالابتعاد عن المرآة .. عن مواجهة نفسها . بل تركت الغرفة كلها وكأن شبحا يطاردها .. شبح من الذاكرة . تركت الغرفة ولا يزال السؤال يتردد في ذهنها .. ماذا ستفعل من أجل مفرح؟! . ×××× في نفس الوقت خارج بيت عيد ألقت نصرة التحية عليه فردها قائلا" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته جئت في وقتك يا أم كريم" سألته نصرة باهتمام" ماذا هناك يا عم عيد؟.. هل حدث شيء؟" رد عيد بلهجة عملية " لا شيء كنت أريد أن أطلب منك طلبين فأنت تعرفين بأني لا أعرف غيرك من الممكن أن اعتمد عليه في بعض الأمور التي تخص ونس" قالت نصرة بلهجة عاتبة " بالطبع يا عم عيد إنها ابنتي هل ستطلب من الغريب وأنا موجودة .. لقد انتهيت من العمل للتو وقررت أن أمر عليها قبل عودتي للبيت لأطمئن إن كانت تريد شيء فزواجها بعد ثلاثة أسابيع" تمتم عيد بارتباك" ولهذا أريد أن اتحدث معك" ناظرته نصرة عاقدة حاجبيها فأشاح بنظراته بعيدا يشعر بالحرج الشديد ثم أغمض عينيه قليلا يهمس لنفسه" كيف ستطلب منها هذا الأمر يا عيد عيب عليك والله .. لكنك لا تعرف غيرها لتطلب منه هذا الطلب" ظلت نصرة تتطلع في العم عيد بنظرات متفحصة مندهشة قبل أن يعود إليها متنحنحا ثم أخفض أنظاره أرضا وتنحنح مرة أخرى في حرج وهو يقول بعبوس شديد لاضطراره لطلب هذا الطلب منها بل والتحدث في هذا الأمر من الأساس" أنت تعرفين يا نصرة بأن ونس مقبلة على الزواج .. و .. و.. ( تنحنح مجددا ) ولا يوجد في حياتها أُم .." قاطعته نصرة تضرب على صدرها قائلة بلهجة لائمة منزعجة " لا يوجد في حياتها أم!!!.. ( وأكملت دامعة العينين ) ليس هذا العشم يا حاج سامحك الله .. هل أمتني وأنا على قيد الحياة!!.. أم لأني شغلت عنها قليلا رغما عني تقول هذا الكلام!" بنظرة جانبية حدجها عيد ثم قال بعبوس "لم أقصد يا نصرة.. كلامي هذا كان مقدمة لابد منها من أجل الطلب الذي أريد أن أطلبه منك" سألته بقلة صبر" و ما هو ؟!" رد عليها بعصبية " حين تصمتين سأخبرك يا امرأة!" وضعت نصرة يدها على فمها لتخرسه فعادت نظرات عيد للأرض وتمتم " ونس تحتاج لأن تعرف معلومات كفتاة مقبلة على الزواج عن .. عن .." ظلت نصرة تنظر إليه عاقدة الحاجبين في محاولة للفهم فهب فيها يهتف بعصبية قائلا بحرج " شغلي مخك يا نصرة وافهمي .. البنت مقبلة على الزواج هل كلامي يحتاج لشرح !!" أخيرا التقطت نصرة ما يشير إليه فأخفت ابتسامة محرجة وقد احمر وجهها أكثر من احمراره الطبيعي وردت بهدوء وهي تتحرك لتدخل إلى ونس" لا تقلق .. فهذا الموضوع كنت أنوي أن أتحدث معها فيه" هز عيد رأسه وقال" بارك الله فيك تعلمين بأنها هبلاء وأخشى أن تفضحنا بسذاجتها" ضحكت نصرة وهي تغطي فمها بطرف وشاحها ودخلت تنادي على ونس بينما ربت عيد على جيب جلبابه يتمم على وجود كيس النقود فيه . لقد ذهب لمكتب البريد اليوم وسحب من حسابه كل ما يملكه من أجل تجهيز ونس .. صحيح ربه كان رحيما به أن العادات عند أهل العريس بأن يتكفل بكل شيء .. لكنه يحتاج بأن يجهزها بأشياء شخصية وحقيبة ملابس تليق بها .. وتمنى أيضا لو يهديها مصوغات ذهبية كما سيفعل سليمان الوديدي لابنته فبالتأكيد سيهديها من الذهب بما يليق باسم عائلة الوديدي .. عاد ينهر نفسه لتفكيره الجشع ..كما وصف نفسه .. فعليه أن يحمد ربه أن أكرمه بما لم يكن في حسبانه أبدا .. يكفي أن أهل البلدة اصبحوا يعاملونه بتوقير اكبر من السابق .. ويحسدونه على هذه المصاهرة .. صحيح قلبه لم يطمئن مائة بالمائة فلا يزال خوفه على جرح مشاعر ابنته يؤرقه .. لكنه يعترف بأنه غارق في نعم الله . بعد قليل خرجت نصرة تقول "هل تريد مني شيئا قبل أن أرحل يا عم عيد؟" قال عيد بعبوس " قلت لك أريدك في موضوعين يا نصرة" ضربت الأخيرة على رأسها وقالت " لا تؤاخذني .. مرني يا حاج " اقترب عيد وأخرج من جيبه كيسا بلاستيكيا منفوخا يحتوي على مبلغ من المال .. على ما يبدو كبيرا .. وأعطاه لنصرة قائلا "هذه حصيلة شقاء العمر .. كنت ادخرها من أجل ونس .. أريدك أن تشتري لها ملابس ومستلزمات شخصية تليق بعائلة زوجها.. كنت سأطلب هذا من الست مليكة لكني تحرجت منها .. لكن لو استشرتها بشأن الأنواع التي تليق بأهل المدينة أو ربما استشرت اسراء بما أنها تخرجت من الجامعة وتعلم كل شيء لربما ساعدتك .. لا أريد ان تشعر ونس بأنها أقل من أحد يا أم كريم" سمت نصرة بسم الله وأمسكت بالكيس متفاجئة ثم قالت مطمئنة" لا تشغل بالك من عينيي الاثنتين" شعر عيد ببعض الذنب أن طلب منها هي بالذات للقيام بهذه المهمة وهي التي تشقى هي وزوجها من أجل تجهيز ابنتهما فقال بلهجة معتذرة "أنا أعرف بأنك مشغولة جدا هذه الأيام لكني لا أعرف غيرك يا أم كريم لأعتمد عليه" قالت نصرة بلهجة عاتبة "أليست ونس مثل اسراء ؟.. إن شاء الله سأشتري لها كل ما تحتاجه وأنواع قيمة .. وسأجعل كريم يدون كل الحسابات في ورقة لنخبرك ما الذي صرفناه بالضبط ( وتحركت مغادرة وهي تقول ) ربي يتمم لها على خير ونس بنت وداد " أشارت لأحد التكاتك المارة فتوقف على بعد خطوات لكن عيد كان لا يزال يشعر بالحرج منها فسألها "ومتى ستتزوج اسراء ؟" قالت له نصرة بعد تنهيدة طويلة "نحاول أن نمد المدة ولو شهر أخر فلا يزال أمامنا الكثير والله ..وهم متعجلين من أجل سفر أخيه" قال عيد بصدق "إن بقي شيئا من هذه النقود خذيه لأسراء يا أم كريم فهي كونس بالضبط " قالت بابتسامة واسعة "بارك الله لك يا عم عيد مستورة والحمد لله " همت بالتحرك فسألها عيد ببعض الحرج "هل .. هل تحدثت معها عن كل شيء يا نصرة؟" اتسعت ابتسامتها وردت ضاحكة " ابنتك تعلم كل شيء يا عم عيد لا تقلق بشأنها" جحظت عينا عيد متفاجئا فضحكت نصرة وأكملت "التعليم والانترنت لم يترك أحد ساذجا يا حاج ..( واسرعت الخطى نحو التوكتوك وهي تقول ) لقد اقتربت الشمس من المغيب عليّ أن اذهب السلام عليكم" ركبت نصرة التوكتوك الذي غادر بها على الفور بينا حرك عيد أنظاره نحو باب البيت يقول بصدمة "تعرف كل شيء !!.. ونس !! ..( وأكمل من بين أسنانه بغيظ ) وأنا الذي ظللت أسبوعا مترددا في طلب هذا الأمر من نصرة .. واحرجت نفسي مع المرأة .. لأجدك في النهاية تعرفين كل شيء يا بنت الكلب !" ×××× دخل مصطفى داره بخطوات سريعة مفزوعا ليجد أولاده الخمسة الشباب مصطفين في غرفة المعيشة بجوار بعضهم البعض يناظرون أمهم التي تجلس منكمشة على الأريكة بنظرات مصدومة .. فتطلع في الجميع قائلا "ماذا هناك.. ما بها صفاء؟؟؟؟" تحولت نظرات أولاده الشباب من أمهم إليه يناظرونهم بمُقل مقلوبة لم يفهم منها مصطفى شيء .. ولم يجد في نفسه صبرا لفهمها بل أسرع ليجلس بجوار زوجته يتفحصها قائلا" ما بك يا صفاء بعيد الشر عنك؟" اجهشت صفاء في البكاء ..فالتاع قلبه ورفع نظرات مرعوبة لحمزة الواقف إلى يمين الصف متخصرا يناظره بملامح متجهمة وسأله بقلة صبر "ما بها أمك انطق؟" اقتربت منة الله من والدها وقالت بحرج وهي تخبئ فمها بكفيها " أمي ستأتي لنا بطفل صغير" اتسعت عيني مصطفى لثوان وعلق متفاجئا "ماذا؟؟؟" بفرحة شديدة تقافزت منة الله أمام والدها وقالت" سيأتينا أخت أو أخ صغير ادللــه وألعب به" تطلع مصطفى في زوجته التي ازداد نحيبها تخفي رأسها بين كفيها ثم ناظر أولاده الصبيان اللذين لا يزالون يتطلعون فيه بصمت ومُقل مقلوبة وعاد مجددا لزوجته يسألها" هل أنت متأكدة؟!" انفجرت صفاء في المزيد من البكاء دون أن ترفع وجهها إليه .. لاحت ابتسامة على وجه مصطفى واتسعت تدريجيا دون أن يجد ما يقوله .. فرفع وجهه لحمزة يسأله بنفس الابتسامة" هل قامت بالتحاليل وتأكدتم يا دكتور؟" ازدادت حدة نظرات حمزة الممتعضة له .. فقاوم مصطفى رغبة قوية في الانفجار ضاحكا خاصة مع نظرات الخمسة أمامه الصامتة المصدومة ثم عاد لزوجته ومال عليها هامسا وهو لا يزال تحت تأثير المفاجأة يسألها "ألست تركبين وسيلة لمنع الحمل؟!!" انفجرت قائلة بلهجة باكية " أجل أقسم بالله ..لا أعرف كيف حدث وحملت (وضربت على رأسها مولولة ) حملت فوقه يا مصطفى حملت فوقه يا لفضيحتي" ظل مصطفى يحاول مقاومة الضحك وهو يربت على ظهرها بمواساة بينما هتفت منة الله معترضة" لماذا تبكين يا أمي أنا سعيدة جدا جدا ( ونظرت لوالدها الذي لا يزال يزم شفتيه حتى يسيطر على انفجار وشيك بالضحك وقالت ) وأبي أيضا سعيد" نظر مصطفى للتماثيل الخمسة أمامه ثم تصنع الجدية وقال بلهجة موبخة "ما بكم تقفون هكذا كتماثيل الشمع!" كان محمد أول من قطع صمت اخوته قائلا بلهجة تهكمية "من الفرحة .. متخشبين من الفرحة العارمة التي شملتنا جميعا يا حاج" قال مصطفى مناكفا " حسبت أن لديكم اعتراضا أو شيء كهذا بوقفتكم هذه" تكلم حمزة بانفعال" يا أبي .. أنا عمري اربع وعشرون سنة .. ومن المفترض أن نزور قريبا بيت الفتاة التي أريد أن أتزوجها .. ماذا سأقول لهم؟ .. أمي حامل !!.. لا تؤاخذوننا لأن أمي تتوحم !!.. لولا سفر حماي المستقبلي لكنت أنا الآن على وشك الزواج ولكان ميلاد الطفل القادم في العائلة هو حفيدك يا حاج وليس ابنك!" تماسك مصطفى رغم شعوره بالغيظ من ردة فعل ابنه لكنه كان متفهما لموقفه .. فأكتفى بمناظرة حمزة بحدة حينما اجهشت صفاء في المزيد من البكاء في الوقت الذي تنحنح فيه عبد الله الذي يرتدي زي الجيش والذي عاد اليوم في إجازة صغيرة وقال لحمزة بوجوم " أنت مشكلتك أهون من مشكلتي.. تخيل عندما تلد أمي وأطلب إذناً بإجازة وحين أُسأل عن السبب أجيب( من أجل الاحتفال بسبوع أمي) " ضحك مكتوم أتى من ناحية يامن وياسر بينما هتفت صفاء باكية "سامحوني" هدر مصطفى فيها عابسا "علام تعتذرين يا صفاء! (وناظر أولاده بحدة قائلا ) أنا وأمكما لا زلنا شبابا .. ولن يحكم عليّ أحد كم من الأولاد أنجب حتى لو انجبت قبيلة.. هل ترونني عجوزا !.. لازلت في الخامسة والأربعين من عمري .. كما أنكم تعلمون بأن الأمر حدث قدريا فهل سنعترض على نعمة الله !" قال حمزة بغيظ" ليس اعتراضا يا أبي لكن حمل في عمر الثانية والأربعين محفوف بالمخاطر" اختلس مصطفى نظرة سريعة لزوجته ثم ناظر ابنه بنظرة لائمة موبخة جعلت الأخير يتمتم بحرج بعد استشعاره تماديه وجلافته" أنا كنت أتحدث من الناحية الطبية" قال مصطفى بلهجة ذات مغزى وهو يمد يده ليربت على ظهر زوجته التي عادت للبكاء "وهل يصح أن تقول هذا وابن المرأة الحامل طبيب على وشك التخرج" ردد محمد عبارة والده بصوت خافت مسموع متهكما وهو يحك جبينه بأنامله "ابن المرأة الحامل.. طبيب على وشك التخرج !" قاوم يامن وياسر الضحك من جديد وشاركهما هذه المرة مصطفى الذي رد على محمد متحديا " جدتي ظلت تنجب حتى سن الخمسين .." ضرب محمد على صدره بطريقة مسرحية قائلا" يا للمصيبة ! هل لا يزال أمامنا ثمان سنوات أخرى من القلق!!" انفجر مصطفى وأولاده ضاحكين عدا حمزة الذي ظل متجهم الوجه .. فناكفهم مصطفى بلهجة مغيظة " احمدوا ربكم أني مكتفي بأمكما ولا أفكر في الزواج بأكثر من زوجة " رد محمد بلهجة متهكمة " شاكرين تضحياتك والله يا حاج " كتم يامن وياسر وعبد الله الضحك بينما حاول مصطفى تخفيف وقع الخبر على حمزة قائلا " عموما يا دكتور لا تقلق ..بمجرد أن يكون أهل فتاتك مستعدين لاستقبالنا سنذهب معك وسنصر على إتمام الزواج سريعا حتى ترينا همتك لتلحق بنا ثم تربي ابني وابنك سويا يا بطل" ضحكات مكتومة صاحبت جحوظ عيني حمزة فاستمر مصطفى في مناكفته يسأله ببرود متعمد" أم تنوي بأن تتخلى عن أخيك الصغير إذا ما حدث لي شيء ولم يمنحني الله العمر لأربيه وأراه بطول ضرفة باب مثلكم ما شاء الله!" هتفت منة باعتراض" إنها فتاة يا أبي ..(وناظرت أخواتها تضيف بلهجة مغيظة ) فتاة بإذن الله" تكلم مصطفى مؤمنا على ما قالته ابنته " أو أختك الصغيرة.. ألن تربيها وتزوجها وتطمئن عليها كما كنت سأفعل أنا ؟" غمغم يامن بصوت خافت مسموع" أو أخت وأخ توأمين .. ما دمنا في مهرجان الانجاب هذه الأيام" انفجر مصطفى وأولاده ضاحكين بينما غمغم حمزة مستسلما وهو يحك جبينه " أطال الله في عمرك يا حاج حتى تزوج أحفادنا .. الحمد لله على كل شيء .. سأحجز لك يا أمي عند طبيبة نسائية في أسرع وقت لمتابعة الحمل" قالها وتحرك يترك الغرفة .. فنظر عبد الله في أثر أخيه ثم تبادل النظرات مع محمد قبل أن يقول لوالديه" لا تؤاخذاه انه متفاجئ قليلا" قال مصطفى بتفهم" لا بأس اذهبوا خلفه" تحرك محمد وعبد الله بينما قال ياسر ممازحا" ألف مبروك يا حاج .. ألف مبروك على الحمل يا حاجة" ثم انفجر هو ويامن ضاحكين وهما يغادران الغرفة فنظر مصطفى لمنة الله وقال "مري إحدى المساعدات بصنع كوبا من العصير لأمك يا منة" قالت منة بسرعة وهي تغادر" بل سأشارك في صنعه بنفسي" خلت الغرفة من الأولاد فرفعت صفاء وجها مغرقا بالدموع لزوجها تقول" أشعر بالحرج الشديد يا مصطفى " ناغشها الأخير قائلا" لمَ الحرج يا امرأة! .. أين كلامك السابق عن كونك لازلت شبابا وأن من يراك لن يقدر عمرك بأكثر من ثلاثين سنة!" قالت بلهجة باكية" ماذا سأقول للناس لقد صار أولادي رجالا" قال مصطفى بعبوس" يا صفاء هذه الأمور تحدث أحيانا ولسنا أول ولا أخر من يحدث معهم أمرا كهذا .. هل سنعترض على قدر الله .. نعمة وفضل الحمد لله ( ثم ناغشها ليخفف عنها) كل هذا بسبب شقاوتك ولأنك تزدادين حلاوة يوما بعد يوم " ازداد بكائها وارتمت على صدره فضمها إليه مهدئا وهو يقول "قدر الله وما شاء فعل يا صفاء .. (وقبّل رأسها يقاوم شعورا بالقلق مما قاله حمزة عن سنها والحمل لكنه طرد قلقه مغمغما ) اللهم لك الحمد والشكر على كل نعمك " ×××× يتبع | ||||||
29-05-20, 10:56 PM | #1007 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| 2 في المساء صاحت مليكة في الهاتف " أتعلمين يا بسمة ..أنا أعرفك منذ سنوات طويلة وعاشرت مراحل عمرك حتى الآن كلها .. لكني لأول مرة أجدك عنيدة بهذا الشكل لو استمريت في التخطيط لما تنوين عليه ستدمرين نفسك " بابتسامة مُرة غمغمت بسمة وهي تتحرك جيئة وذهابا في غرفتها كحالها منذ أيام وبالتحديد منذ تلك الحادثة وكأنها تعاني قلقا أو توترا فكريا أو نفسيا لا يريد أن يتركها "قلت لك بسمة القديمة انتهت .. ماتت .. لم يعد لها وجود .. أشعر بنفسي شخصا أخر غير الشخص الذي كنت عليه قبل عشر سنوات " زفرت مليكة وقالت " المهم أن تكوني شخصا أفضل يا بسمة " ردت بسمة بمرارة " كنت أريد .. كنت أخطط .. لكنهم لم يمنحوني الفرصة " علقت مليكة بعدم تصديق "فقررت الاستسلام!" رددت بسمة بانزعاج من الفكرة "الاستسلام !" أجابت مليكة بتأكيد " أجل هذا يعد استسلاما" دافعت بسمة عن نفسها قائلة " من قال لك ذلك .. عملي مستمر إن شاء الله وأنوي أن استغل الفترة التي سأقضيها في بيت نخلة بتكثيف جهودي للانتهاء من تحضير رسالة الماجستير وتعلم أشياء أخرى كنت أتمنى تعلمها ولكن يصعب تحقيق ذلك في قريتنا أي أنني سأستفيد وسأطور من ذاتي " غمغمت مليكة بهدوء " عموما أنا كل ما أتمناه أن تكوني سعيدة يا بسمة" ردت الأخيرة بكآبة" وأنا أيضا أتمنى ذلك" ساد الصمت للحظات قبل أن تقول بسمة "مليكة" "نعم" كادت أن تبوح لها بأنها خائفة من الاقتراب من كامل والتورط أكثر في مشاعرها تجاهه لكنها لم ترغب في أن تتكلم في هذا الأمر حتى لا يهبط ذلك من عزيمتها .. فأحيانا نخشى أن نجهر بمخاوفنا خوفا من أن تتحقق فقالت "لا شيء نسيت ما كنت سأقوله " طرقة على الباب ثم دخلت إحدى المساعدات تخبر بسمة بأن أم هاشم حضرت فأشارت لها بسمة بأن تسمح لها بالدخول ثم قالت على الهاتف "عليّ أن أذهب فأم هاشم قد حضرت" ردت مليكة "وأنا أيضا سأذهب فقد تركت والدي بمفرده" سألتها " هل أنت في السرايا اليوم ؟" أجابت مليكة " أجل سأبيت الليلة عند أبي فمفرح في العاصمة ..سلام" أغلقت بسمة الخط ثم استقبلت أم هاشم في غرفتها تقول بعفوية "كيف حالك يا مشمش ؟" خطف الاسم قلب أم هاشم كالعادة فغمغمت بغيظ" لا حول ولا قوة إلا بالله !" ابتسمت بسمة رغما عنها وقالت وهي تدعوها للجلوس على أحد المقاعد" آسفة .. أقصد يا أم هاشم كيف حالك وحال العمل طمئنيني " غمغمت أم هاشم وهي تعتدل في جلستها "العمل بخير لا تقلقي عليه وركزي في تجهيزاتك يا عروس " قالت بسمة بصدق "صدقيني لا أعرف لو لم تكوني معي ماذا كنت سأفعل في المشروع بعد ما حدث " ابتسمت أم هاشم وقالت وهي تربت على فخذها بمحبة" لا تقولي هذا .. ربك يدبر الأمر يا بسمة لا شيء يتم هكذا صدفة " أطرقت بسمة برأسها وغمغمت "ونعم بالله .. أتمنى أن أجد إجابات يوما ما عن سبب ما مررت وأمر به " قالت أم هاشم بلهجة خرجت حزينة رغما عنها " كلنا نتمنى إيجاد الإجابة على هذا السؤال " ساد الصمت قليلا ثم قطعته أم هاشم تقول بحماس" المهم ألا يوجد لديك أشياء جديدة تخص العروس اشتريتها .. ( وأضافت بصدق ) أنا افرح بشدة حينما أرى أشياء العروس وبالذات الملابس وأدوات المطبخ ولا تسأليني لماذا " عفوية أم هاشم آلمت قلب بسمة وزادت من كآبتها .. اشعرتها بالحزن على صديقتها .. وضخمت ذلك الإحساس بالظلم بداخلها .. وكأن عبارة أم هاشم العفوية ضغطت على الزناد .. فانفجرت بسمة في البكاء فجأة . اجفلت أم هاشم وقالت بفزع وهي تقترب منها وتربت على ظهرها " بسم الله الرحيم الرحيم ماذا حدث يا بسمة؟!! .. هل ضايقتك بمزاحي والله أنا أمزح أنا .. (وارتبكت نادمة على كلامها الذي تقسم بأنه ليس قرا أو حسدا فأصابتها عدوى البكاء وهي تقول ) أقسم بالله لم أقصد ..أنا بالفعل أسعد برؤية هذه الأشياء .. آسفة إن كنت.." قاطعتها بسمة وهي تحضنها قائلة بعاطفة قوية تجاه صاحبتها " أنا أحبك يا بنت الشيخ زكريا .. وأسأل رب العرش العظيم أن يسعدك في الدارين " حضنتها أم هاشم وقالت باكية هي " ولك بالمثل يا بسمة ..وأن تكون هذه المرة زيجة العوض لك بإذن الله ( وأبعدتها عنها تقول بمزاح حتى تسيطر على المشهد الكئيب ) هل تبكين حتى لا أقرص ركبتك يا بسمة؟ .. لا والله .. لقد أقسمت أن أقرصك في ركبتك يوم زفافك يا بنت الوديدي حتى ألحق بك كما يقولون في المثل الشعبي .." ابتسمت الأخيرة من وسط دموعها فأضافت أم هاشم بتأكيد " هل تعتقدي أني هبلاء .. سأقرصك يعني سأقرصك " ×××× بعد منتصف الليل كان ظل الدراجة وفوقها ذلك الشخص الملثم الغامض يتحرك على الطريق الترابي القديم الذي يقسم الحقول الكثيرة على جانبيه من الناحية الثانية من القرية التي لا تحتوي إلا على الحقول الشاسعة بمحاصيلها المتنوعة .. إن الليل وسكونه يرعبان أي شخص قد يفكر بالمرور من هذا الطريق .. لكن على ما يبدو أن صاحب الظل لم يكن يعبأ بأي شيء .. بل توقف وأخرج قماشة قديمة ممزوجة بالبنزين وأشعل النار فيها قبل أن يلقي بها على أحد الحقول ويتحرك مبتعدا .. ولم يلتفت خلفه حتى ليعرف أن كانت لا تزال مشتعلة أم انطفأت نيرانها .. أخذت النار تلتهم جزءا من الزروع قبل أن ينتبه لها من بعيد أحد المارة ويطلب الإغاثة في مشهد بات متكررا على مدى أكثر من شهرين وسط حيرة كبيرة تعم البلدة لمعرفة الجاني وأسبابه . ×××× ظهر اليوم التاليتطلع عيد في الأكياس الكثيرة التي وضعها شامل على الاريكة الحجرية أمام البيت ووقف يتبادل بعض العبارات مع توأمه الذي يجلس خلف مقود السيارة . لا ينكر عيد بأنه قد شعر ببعض الراحة لظهور شامل بعد أن غاب لمدة اسبوع منذ ذلك اليوم الذي تم فيه عقد القران وعادوا جميعا ليجدوا زفة تنتظرهم على أول القرية من المهنئين أوصلت ونس وشامل حتى بيت عيد ووقفت نصرة بطبلتها وغنائها بين النسوة يحتفلن بعقد القران بينما ذهبت السيارة بالعروسين الاخرين لبيت الوديدي.. ولا يعرف عيد وقتها من أين انهالت عليه صناديق المشروبات الغازية والعصائر كهدايا من أهل البلدة البسطاء وكيف تحول المكان أمام بيته البسيط لتجمع لأهل البلد لتهنئته .. لكن شامل لم يأتي بعد ذلك اليوم وقد ظنه سيزعجه كل يوم بالحضور .. وعلم من ونس بأنه مشغول بشدة في تجهيزات الجناح الخاص بالعروسين وفي بعض الامور العاجلة في المطعم . أخذ شامل أخر دفعة من الاكياس من السيارة واستدار لعيد بابتسامته المعهودة التي تستفز الأخير قائلا بعد أن غادرت السيارة بكامل "كيف حالك يا حماي العزيز؟" رد عيد بامتعاض" بخير نحمد الله (وأشار للأكياس قائلا) ما هذا؟" قال شامل بسرعة وعيناه تجولان بشوق خلف عيد لعله يراها" هذه أكياس تخص ونس" أسبل عيد اهدابه ينظر للأكياس الكثيرة التي تبدو من محلات كبيرة وسأله" وما المناسبة؟" رفع شامل حاجبيه وقال موضحا " هدايا يا حاج عيد ..هدايا للعروس" أشاح بيده قائلا" احتفظ بها في بيتك حتى تأتيك ونس" غمغم شامل بغيظ" لا حول ولا قوة إلا بالله!.. هل ستمنعني من أن أحضر لزوجتي هدايا !.. كما أنني سألت وعلمت بأن العروس عندكم يأتيها هدايا من العريس وأهله" مط عيد شفتيه بامتعاض ثم قال" وما لزومها الآن فلتعطيها لها في بيتكما" خرجت ونس مهرولة كطفلة ووقفت أمامه بوجنتين حمراوين تدقق فيه ..تعترف لنفسها بأنها اشتاقت إليه في هذا الاسبوع بشدة .. أما شامل فتاه عمن يقف أمامه بقامته القصيرة وذاب في تلك الكعكة الشهية التي تتطلع إليه بلهفة .. نظر عيد خلفه ثم عاد لشامل قائلا "هيا أعد هذه الهدايا.." قال شامل بعبوس وقد اختفى عنه مرحه المعهود "لماذا تمنعها من الشعور بفرحة العروس يا عماه .. ( وأضاف بلهجة ماكرة ) بالمناسبة بها هدايا من أمي .." عند سماع سيرة حماة ابنته لم يستطع عيد المناكفة أكثر فأشار له بيده باستسلام ليدخل .. عادت ملامح شامل لانبساطها وأشار لونس قائلا" هيا ساعديني أيتها الجنية في حمل الأكياس" نظرت ونس للأكياس بانبهار بينما تحرك عيد ليسبقهما للداخل فاختلس شامل نظراته نحو البيت ثم همس لونس "اشتقت إليك" انفجرت دقات قلبها وهي تتطلع فيه عن قرب ورائحة عطره المسكرة تمنحها المزيد من السعادة لرؤيته وهي تومئ برأسها بما يعني أني بخير. نزلت عيني شامل إلى شفتيها ثم تطلع حوله في الشارع يقول بلهجة مبرطمة "الشارع من خلفنا والعم عيد من أمامنا ولن نستطيع حتى أن نبل ريقنا" عقدت ونس حاجبيها تتطلع فيه بعدم فهم مصدرة صوتا قصيرا بما يعني (ماذا قلت) .. فأسرع شامل بالقول وهو يشير لها بأن تتقدمه "لا شيء كنت أحدث نفسي هيا لندخل فالجو حار هنا" تحركت ونس أمامه فدققت نظراته في تفاصيلها بحرية لأول مرة واشتعلت اعصابه مغمغما لنفسه" ثلاثة اسابيع يا شامو بقي ثلاثة أسابيع " بعد قليل في غرفة المعيشة أخذت ونس تتطلع في الأكياس بفرحة عارمة وبدأت في اخراج بعض الاشياء منها في الوقت الذي قال فيه شامل بعد أن جلس على الاريكة" لقد حجزت لونس عند طبيبة شهيرة متخصصة في مجال السمعيات وموعدنا يوم السبت القادم لذا لابد أن نكون عندها في الموعد" علق عيد بهدوء "ولماذا لا تنتظر إلى ما بعد الزفاف؟" رد شامل شارحا" الموعد اخذته بصعوبة وبمجرد أن نذهب أول مرة سيوضع لنا جدولا للزيارة بعد ذلك ولا أريد أن نتأخر .. ثم أنكما أنت وونس ستأتيان للعاصمة بالتأكيد فلقد اخبرني والدي بأنه قد دعاكما لزيارة الفيلا" صاحت ونس فجأة .. فأجفل عيد بينما تطلع فيها شامل بابتسامة متسعة وهي تمسك بحذاء رياضي وردي اللون بين يديها ثم قال متنحنحا بحرج "اذهبي بالأكياس لغرفتك وتفقديها يا ونس (واختلس نظرة جانبيه لحميه ثم قال ببعض الحرج ) وطمئنيني على المقاسات ..ارتدي شيئا وأريني.. أقصد أرينا إياه" عقد عيد حاجبيه فنظر له شامل وأسرع بالقول" أريد أن اطمئن على المقاس بنفسي حتى أتأكد من أني أخترته مضبوطا (وأوضح بلهجة ذات مغزى ليطمئن الرجل ) اختاري فستانا أو بنطالا وبلوزة وارتديها يا ونس" اسرعت ونس بتجميع الاكياس الكثيرة بحماس شديد كلما امسكت بمجموعة أفلتت منها أخرى فأخذت تضحك بدلال وشقاوة فجرت الحمم السائلة في أعصاب شامل الذي تقبض بقوة يشعر بالغيظ من حميه الذي لا يبدو أنه سيعطيهما أية مساحة ولو بسيطة من الخصوصية .. في الوقت الذي هدر عيد في ابنته بحزم "كفى دلعا يا ونس واحملي ما تقدرين عليه للداخل هيا" احمرت وجنتي ونس هذه المرة من الحرج فاستقام شامل وساعدها في الإمساك بالأكياس بعد أن أصرت على أخذها كلها مرة واحدة ثم تحركت تترك الغرفة بنفس طاقة الحماس التي تدفقت في شرايينها بينما وقف شامل شاردا في أثرها . سأله عيد "وهل ستحضر بنت الوديدي أيضا وأهلها في نفس الدعوة على الغداء؟" انتبه شامل لما يقوله حموه ورد" اعتقد أن بسمة أخبرت كامل بأنها ستكتفي برؤية فيديو مصور للمكان " غمغم عيد قائلا " أنا أرى أن زيارة العاصمة خصيصا من أجل رؤية الجناح الخاص بونس لن يفيد بشيء مادام العرس بعد ثلاثة أسابيع ومادامت بنت الوديدي ستكتفي بالصور وأنا اتفق معها .. أما بالنسبة لأمر الطبيبة فحاول تأجيله لما بعد العرس بدلا من الإجهاد في يوم حار ذهابا وإيابا من وإلى العاصمة " شعر شامل بأن عيد يستثقل الذهاب للعاصمة أو ربما متحرج من زيارة الفيلا لاستشعاره الفارق الطبقي وهو من خلال معرفته البسيطة به يجده يبالغ في حساسيته فلم يجد بدا من القول " عموما سأرى إن كنا سنستطيع تأجيل الموعد أم لا" جاءت صيحة فرح حماسية من الداخل فاغمض عيد عينيه يشعر بالحرج بينما اتسعت ابتسامة شامل وازدادت قبضتيه الموضوعتين على فخذيه تقبضا شاعرا بفرحة جمة ومتمنيا لو كانت أمام ناظريه وهي تتفحص الهدايا لكنه يشعر براحه أكبر الآن فهناك بعض الهدايا خشي من أن تخرجها باندفاعها وحماسها أمام والدها . ساد الصمت فأمسك شامل بهاتفه بضيق من استمرار جلوس حماه وفتح الواتساب عند سماعه صوت استلام رسالة ليجد ونس قد ارسلت له صورة لفستان من قماش الشيفون الملون قصير جدا بحمالات رفيعة لديه كورنيش من نفس اللون ثم سألت "شامل ما هذا؟!! (وجه يختبئ خلف كفين)" كتب والشقاوة تملأ عينيه " هذا فستان (وجه يغمز )" كتبت ونس " وكيف سألبسه بهذا الشكل (وجه يختبئ خلف كفين )" ازدادت حرارة جسده وهو يكتب " فيما بعد ستلبسينه إن شاء الله حينما نكون وحدنا (ونظر لحميه الذي يتملكه الفضول ليعرف ماذا يقولان لبعضهما فهو يكاد يجزم أنه يحدث ونس بينما عاد شامل للهاتف ليكتب) اعجبني لونه ولم أصبر واشتريته .. احتفظي به لأراه عليك فيما بعد .. في غرفتنا( وجه يغمز )" "(وجه يختبئ خلف كفين) شامل" "نعم" "أنت قليل الادب" كتم الأخير الضحك بصعوبة وكتب " شكرا (وجه ضاحك ملء شدقيه )" عاد ليتطلع لحميه الذي أسرع بالإشاحة بأنظاره وساد صمت أخر قطعه عيد بعد برهة وهو يسأله "هل تشرب شاي أم شيئا مثلجا؟" رد شامل بحماس لربما غادر الغرفة ولو لدقائق " أي شيء جميل من يدك يا عماه " صاح عيد مستمتعا بمناكفته " يا ونس اعدي لنا كوبين من الشاي" صاح شامل بسرعة" لا لا شكرا غيرت رأيي لا تعدي شيئا يا ونس" ساد الصمت من جديد فعاد شامل لينظر في الهاتف وكتب "ونس" "ونس" "أين أنت لماذا تأخرت؟" كتبت الأخيرة بعد برهة "لا استطيع الخروج يا شامل" "لماذا؟؟؟" كتبت بعد تردد " لأني لا اشعر بالثقة في نفسي بالملابس الجديدة .. أخشى ألا اكون أنثى كاملة أمام عينيك كفتيات المدينة" كتب بقلة صبر " يا ونس هذا ليس وقته بالله عليكِ ..أشعر بأن والدك سيطردني بعد قليل متعللا بأن وقت الزيارة انتهى ولم اجلس معك حتى .." انتبهت أذنا عيد لحركة ما بالخارج فترك مكانه يقول لشامل "سأعود بسرعة لا تؤاخذني" فأسرع شامل قائلا وهو يخفي فرحته" كن على راحتك يا حاج عيد " بمجرد أن غادر عيد الغرفة .. أسرع شامل بالكتابة "ونس بالله عليك اخرجي الآن حتى لو لم تبدلي ملابسك .. والدك ترك الغرفة .. أريد أن اتحدث معك وحدنا ولو لدقيقة" لم تمر دقيقة إلا وانتبه شامل لخيال عند الباب فرفع رأسه عن الهاتف واتسعت عيناه وهو يتطلع فيها على باب الغرفة .. ترتدي بنطالا من الجينز الازرق شبيه بذلك الذي اعتادت على أن ترتديه دوما لكن هذا أغلى ثمنا وأكثر أنوثة وضيقا وتفصيلا لحنايا جسدها.. خاصة وأن البلوزة القطنية الوردية القصيرة حتى الخصر فوقه تحدد كل شيء بوضوح .. والوشاح الذي تحرجت من الخروج بدونه رغم أنها لم تكن تلتزم به من قبل لكنها شعرت بالخجل الشديد وبالخوف من والدها إذا ما خلعته. استقام شامل واقفا ودبت الحرارة في جسده وهو يتأملها تقف عند الباب تتمايل أمامه بخجل طفولي تشبك أصابعها خلف ظهرها .. واقترب منها يسحبها إلى داخل الغرفة بيد وبالأخرى وارب الباب وهو يحاول تذكير نفسه بأن الرجل العجوز سيكون هنا بعد دقائق معدودات . أشارت له ونس بوجنتين مخضبتين بالحمرة بما يعني أن والدها سيدخل في أيه لحظة .. خاصة وهي تستقبل تلك النظرة الحميمة من عينيه .. فقال شامل بلهجة حارة وهو يقترب أكثر" اعرف .. اعرف ..فلنقتنص عدة ثوان من هذا الجمال" ظل ممسكا بكفها الأيسر وعيناه تجولان بجرأة مشتعلة على تفاصيلها .. فغطت ونس عينيها بكفها الأخر وقلبها يدق بعنف لا يقل عن عنف ضربات قلبه الذي كان يهدر في صدره لحظتها في ثورة عارمة.. اقترب شامل حتى شعرت ونس بدفء جسده وانفاسه لأول مرة وانتابها بعض الخوف من القادم ممزوج بالقلق من دخول والدها في أي وقت .. بيده الحرة أبعد شامل يدها عن عينيها فأطرقت برأسها والحرارة تشع من جسديهما ليقول بصوت متحشرج وهو يرفع ذقنها "انظري إليّ يا ونس" اسرعت بتنكيس رأسها ترفض مواجهته وقد بدأت تتوتر من دخول والدها في أية لحظة. أدرك شامل بأن الوقت يجري فمد يده يتحسس خصرها من فوق البلوزة وهو يشعر بانفلات وشيك لأعصابه بينما بدأت ونس تهز رأسها رافضة دون أن ترفعها إليه خائفة بشدة من الثانية التالية .. مال برأسه يقرب وجهه من وجهها لكنه تجمد فجأة وابتعد عنها قبل أن يصل إلى شفتيها .. فرفعت رأسها تنظر إليه ولمحت عبوسا وجدية على وجهه لم تفهم سببهما قبل أن تراه يشير لها بنظرة خطرة آمرة أن تبقى مكانها وهو يفتح الباب ويسرع للخارج في الوقت الذي التقطت فيه سماعتيها أخيرا ما التقطته أذناه قبلها من جلبة مريبة تأتي من الخارج. يتبع | ||||||
29-05-20, 10:57 PM | #1008 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| 3 قبل دقائق خرج عيد من باب البيت بعد أن التقطت أذناه حركة مريبة في الخارج ..وبمجرد أن شاهد الرجل الذي لا يعتقد بأنه قد شاهده في القرية من قبل خمن الموضوع ..فتحركت عيناه لا إراديا يبحث عن هؤلاء الرجال الذين يمرون من أمام بيته بشكل دوري واحدا تلو الأخر أكثر من مرة في اليوم كما طلب منهم مصطفى الزيني لكنه لم يجد منهم أحد في هذا اليوم الحار من فترة ما بعد الظهيرة فاقترب من ذلك الرجل الغريب يسأله بريبة "نعم تفضل أية خدمة؟" قال الرجل بلهجة مهددة رغم هدوئها "جئتك لأخبرك بأنه قد طفح الكيل فلا تلومن إلا نفسك بعد ذلك" لاحظ عيد عربة نصف نقل تقف على بعد ولم يلمح فيها إلا السائق الذي يخرج ذراعه من النافذة وجرار يقف بجوار السيارة .. فقال بانفعال "اسمع أنا لا اقبل بهذا التهديد اذهب من هنا حالا وإلا سأتصل بمن سيأتون ليقبضوا عليك وعلى من معك" ابتسم الرجل وقال بلهجة هادئة "سأذهب .. أردت فقط أن أخبرك بأنه هناك قرارا قد اتخذ في المجلس المحلي بإزالة هذا البيت لإنشائه على أرض زراعية (و أشار حوله قائلا) انظر حولك لا يوجد إلا بيتك .. والدولة تجرم البناء على الاراضي الزراعية .. القرار صدر بالفعل وسيهدم هذا البيت في القريب العاجل " عقد عيد حاجبيه لثوان ثم هتف مستنكرا "عن أي تخريف تتحدث؟!!.. إن هذا البيت هنا منذ سنوات طويلة.. كان بالطوب اللبِن بناه جدي رحمه الله وقد هددته واقمته بالطوب الاحمر منذ خمسة عشرة سنة" قال الرجل بسماجة "هذا ليس من اختصاصي ..الاوراق كلها قد تم ترتيبها لهدم البيت ..أنا فقط جئت لأخبرك ولأقول لك أنك تستطيع أن تتجنب قرار هدم البيت بتليين رأسك قليلا .." كان عيد يتفتت من الغضب لكنه هذه المرة تماسك بقوة رغم شعوره الشديد بالخوف مما يهدد به ذلك الرجل حتى لا ينفعل على هذا الواقف أمامه في وجود صهره فلا يريد أية فضائح أمامه .. لهذا ضرب الرجل في صدره قائلا وهو يدفعه للخلف " اذهب من هنا وقل لمن يرسلك مصطفى الزيني بنفسه سيتدخل في هذا الامر" قال الرجل باستهزاء "وماذا سيفعل مصطفى هذا !..عموما سنرحل ..ولكن قبل أن نرحل (ولمعت عيناه بتسلي ) نحب أن نترك لك ذكرى بسيطة " أشار للجرار خلفه فسُمع صوت محركه ثم تحرك .. لتتسع عينا عيد ويهتف صارخا "ماذا ستفعل يا هذا؟!.. هل تعتقد بأنك ستفلت بفعلتك هذه! " وتلفت حوله عله يجد من يمر من أهل البلدة ليؤازره لكنه لم يجد أحد تحت حرارة الشمس الشديدة بينما قال الرجل بابتسامة لزجة " ابني صغير ويلعب بالجرار فماذا افعل معه " تطلع عيد مدققا في سائق الجرار ليجده مراهقا صغيرا في الوقت الذي خرج شامل يقول بعبوس متفحصا "ماذا يحدث يا عماه؟" لم يعرف عيد بما يجيبه ..بينما توقف المراهق مترددا على بعد أمتار من صفوف الأواني الفخارية المتراصة فوق بعضها والتي كان يقصد ضربها بالجرار. قال الرجل لشامل وقد حسبه من هيئته المدنية بأنه زبون "اذهب يا أستاذ وتعال في وقت أخر لدينا أمور خاصة نبحثها حاليا" تقدم شامل يقف أمام الرجل قائلا بتحدي ولهجة متحفزة "أي أمور خاصة؟" على الرغم من شعور الرجل بالتوتر من ملامح شامل وقوته البدنية الواضحة إلا أنه ظل معتقدا بأنه زبون يحاول المساعدة وسيبتعد بمجرد أن يشعر بأن الأمر جدي فقال لعيد متجاهلا شامل "تذكر بأني حذرتك " شعر المراهق خلفه بأن (الدار أمان ) وأن الضوء أخضر فأعاد تشغيل الجرار متقدما بحماس المراهقين من الفخار المرصوص.. ليصيح عيد هادرا "ارجع يا ولد" انتبه شامل لما يحدث فتحرك نحو الجرار بعد أن دفع الرجل بقوة ليزيحه عن طريقه .. لكن الرجل أمسك به يمنعه قائلا" لا تتدخل يا حضرة وامض إلى حال سبيلك" هدر عيد في الرجل "بل أنت الذي سترحل من هنا" دفع شامل الرجل بقوة وهو يقول " بل أنت من سترينا عرض أكتافك هيا" ارتد الرجل للخلف حتى كاد أن يسقط لولا أنه قوي البنية في الوقت الذي خرجت ونس لترى ماذا يحدث . عاد الرجل لينقض على شامل ممسكا بتلابيبه وهو يقول "قلت ابتعد يا هذا لا نحتاج لشهامتك فلا تتدخل " برأسه ضرب شامل الرجل في جبهته وهو يقول بلهجة خطرة "سأتدخل يا حبيبي فأنا ابنه" صرخ الرجل يمسك برأسه ووقف يتطلع في شامل بذهول في الوقت الذي اسرع عيد نحو الجرار يشير للفتى المراهق أن يتوقف .. هم شامل باللحاق بعيد لكن صرخة ونس جعلته يستدير بسرعة مرعوبا فوجدها تشير لشيء ما خلفه في الوقت الذي انتهز سائق السيارة الفرصة والذي كان قد اقترب عندما ضرب شامل صاحبه فضرب شامل بغتة بعصا غليظة جاءت في كتف الأخير قبل أن يستدير بسرعة ويمسك بالعصا وهو يصيح "ادخلي يا ونس .. ادخل ونس يا عماه " ترك عيد الجرار الذي بدأ في تكسير جزء من الفخار وأسرع لونس التي اندفعت تقترب وهي ترى شامل وقد هجم عليه الرجلان معا.. امسك عيد بابنته يحاول ادخالها وهو يصيح فيها "ادخلي يا ونس انت تعرضين نفسك للخطر" اخذت تقاومه وترفض الدخول وهي ترى شامل يتصدى للرجلين معا .. السائق الذي لايزال لا يريد أن يتخلى عن عصاه الغليظة والثاني الذي كان يهدد عيد ..فظل عيد في صراع معها ليهدئها لكنها كانت مفزوعة بشدة وتصيح بانفعال بينما شامل يحاول ألا ينصت لما تلتقطه اذناه من نحيبها .. ضرب شامل أحدهما برأسه مع صوت تكسير الفخار في الخلفية .. ليرتد الرجل وقد شعر بدوار شديد بينما ظل الأخر والذي يتمتع ببنية قوية ممسكا بالعصى بشكل افقي بينهما كل منهما يحاول دفع الأخر للخلف .. حتى دفعه شامل دفعة قوية أوقعته أرضا وحصل هو على العصى ليباغته الثاني من الخلف فاستدار له شامل يناروه بالعصا في يده وانضم إليه الأخر. أخيرا حضر شخص مهرولا قد لمح ما يحدث من إحدى الحقول القريبة وبمجرد أن اقترب سأل عيد عما يحدث وقبل أن يجيب عيد كان أحد المكلفين بالمرور على بيته من قبل مصطفى الزيني قد ظهر وأسرع بالاشتباك مع الرجلين ففهم شامل بأنه يحاول مساعدته وصاح فيه "الجرار أوقف الجرار" اسرع الرجل بالتحرك نحو الجرار وقفز يمسك بالفتى المراهق ويجبره على إيقافه في الوقت الذي دفع شامل السائق على الأرض بقوة.. بمجرد أن شعر السائق بأنه لن يقدر على شامل وبأن الفتى الصغير وقع أسيرا .. خمن بأن صاحبه لن يترك ابنه ويهرب معه لذا أسرع هو بالفرار نحو السيارة نصف النقل وركبها هاربا .. في الوقت الذي انزل الرجل التابع لمصطفى الفتى من فوق الجرار يقبض عليه ..وقد لاحت علامات الرعب على وجه الأخير بينما ضرب شامل الرجل أمامه بقبضته فوقع على الأرض . قفز شامل فوقه وامسك بتلابيبه وهو يوجه له لكمة أخرى وقد سيطر عليه الغضب وفقد أعصابه كليا . كان الناس قد بدأوا في التجمع من الحقول القريبة بعد أن لاحظوا من بعيد ما يحدث في الوقت الذي أوقف كامل السيارة في عرض الطريق وخرج منها مسرعا نحو أخيه وقد قاده حدسه لأن يعود إليه فورا . قبل قليل لقد طلب منها أن تخرج إليه حتى لا يضطر للدخول.. فمن ناحية يعلم أن الوقت وقت ظهيرة ووليد والحاج سليمان بالمزرعة.. ومن ناحية أخرى لا يعرف عما سيتحدثان إن دخل وجلس معها فهما يتكلمان بالكاد.. إما في اتصالات تليفونية سريعة ليسألها عن شيء يخص تجهيزات الزواج وترتيب الأمور الخاصة به أو يتحدثان على الواتساب آخر الليل حديثا مقتضبا يكون هو البادئ به ليسألها اسئلة سريعة غير مباشرة عن يومها فهي لم تخرج من البيت منذ ذلك اليوم إلا لتشتري بعض الاشياء التي تخص تجهيزات العرائس .. غير ذلك فالحال بينهما مضبوط على الوضع الصامت.. لا هي تتحدث ولا هو يجد مجالا لقول أي شيء.. يشعر بها متألمة حزينة ويشعر أن تلك التجربة التي مرت بها منذ اسبوعين تركت أثرا في نفسها سيحتاج وقتا طويلا لينمحي . وهو .. ويا للغرابة .. قرر أن يصبر عليها !.. غريبة هي تلك الطاقة التي نملكها من الصبر على من نحبهم .. تمنحنا قوة ربما لهضم وتمرير الكثير مما قد نتلقاه منهم .. أو ربما هو الأمل .. الأمل في أن يتغير الأخر . وغريب أن يتحلى هو بالذات بتلك الطاقة من الصبر . من أمام البوابة تأملت بسمة طوله وعرض منكبيه وهيئته الملفتة بضخامتها رغم ذلك الوزن الكبير الذي فقده خلال السنين الماضية.. ورغما عنها فقدت السيطرة على قلبها المتمرد الذي قفز من صدرها ليستقبله بترحيب حار لم يظهر على ملامحها الباردة .. فأدركت لحظتها أي فخ قد أوقعت نفسها فيه بقبولها الزواج منه.. الزواج ! يا الله ! .. لا تزال لا تصدق بأنها قد فعلتها ثانية وبأنها قد أصبحت زوجة لكامل نخلة !. عدل كامل من التيشيرت الاسود الصيفي فوق بنطال من الجينز باللون الزيتي وحذاء رياضي بلون البنطال .. واختلس نحوها نظرة سريعة ثم تحرك يفتح الباب الخلفي للسيارة يلتقط منه عددا من الاكياس بعد أن رفع شعره عن جبهته بمشط يده بلازمة عصبية غير متعمدة حينما يريد أن يداري توتره .. لكن بسمة دوما ما تخطئ في تفسيرها فاطلقت صوتا ساخرا خافتا من حنجرتها وغمغمت بتهكم "لن يكف أبدا عن الزهو بنفسه " اقترب منها كامل يقول بحشرجة وعيناه تلتهمان تفاصيلها بتدقيق "كيف الحال؟" لا تعرف لماذا اغتاظت من قصر كُمّيّ التيشيرت اللذان يبرزان عضلات ذراعيه و بحركة لا إرادية جالت عيناها في المكان تخشى عليه من الحسد فالعيون تراقب من الشرفات ومن أمام الأبواب .. اعتقد كامل أنها ترغب في التباهي بوجوده بحركة عينيها تلك وهي تلتقط منه الأكياس وترد على سؤاله بالحمد لله .. وبرغم ضيقه لكنه كان متفهما .. ويا ليته .. يعرف بأنها كانت تشعر بالغيرة عليه من العيون .. ويا ليتها .. تعي بأن لسانها قد تحرك في سرها يبسمل من شر حاسد اذا حسد .. ويا ليتهما .. يعبران ذلك الحاجز غير المرئي من سوء الفهم بينهما !. سألته بسمة "ما كل هذا؟" رد بهدوء وهو يتطلع في تفاصيل وجهها بهي الحُسن رغم حزنه " بعض الأشياء اشريتها لك وفيها كيسا يخص والدتك .." قالت بسمة بحرج شديد وشعور بالذنب أن تغرم كل هذا المبلغ بسببها "لم يكن هناك داعي" قال بلهجة متحفزة "اتفقنا أن تسير الامور وكأنها حقيقية .. شامل وأمي كانا يشتريان الهدايا لونس فلم يكن منطقيا ألا اشتري أنا الآخر خاصة وأن أمي اشترت بعض الهدايا لك ولوالدتك أيضا" لم تدري بسمة ماذا تقول فسألته "كم ثمنها إذن فأنا لا أريد أن تتغرم بسببي" انقلبت مقلتيه يطالعها بنظرات غاضبة فابتلعت ريقها وخرست خاصة مع وقفتها القريبة في مجال عطره الرجولي الذي يشل دفاعاتها . اندفعت الحاجة فاطمة تخرج رأسها من البوابة خلف بسمة وتقول بتهليل" أهلا يا ولدي .. أنت كامل أليس كذلك؟" ابتسم لها كامل يقول بلطف" أجل يا حاجة كيف حالك؟" شددت فاطمة على يده تمسك بها بكلتا يديها قائلة" بخير ما دمت قد رأيتك.. (حصاة في عين من يراك ولا يصلي على النبي)" ذاب قلب كامل لطيبتها.. بينما اشفقت بسمة على والدتها و زاد ذلك من شعورها بالمرارة فنادت على إحدى المساعدات لتعطيها الاكياس في الوقت الذي قالت فاطمة" لا يصح أبدا ألا تدخل .. ألا يعجبك طعامي؟ .. إن لم يعجبك قل لي ماذا تحب واطبخه لك" رد كامل بحرج شديد" أبدا.. أبدا الطعام كان ممتازا ..أنا فقط لدي اعمال مهمة عليّ أن أنجزها لأعود للعاصمة قبل حلول المساء (ونظر لبسمة لتنقذه وهو يقول ) لا يزال هناك أكياسا بالسيارة يا باسمة" تدخلت بسمة تربت على ذراع أمها قائلة "اتركيه يا أمي مادام لديه عمل" بإحباط قالت فاطمة" فليوفقك الله ..سأترككما سويا" قالتها ودخلت تغمغم لنفسها بسعادة "يناديها (باسمة ).. (وتنهدت تطمئن نفسها) كامل إن شاء الله.. وسيُليِّن رأس ابنتي اليابس" أخرج كامل المزيد من الأكياس من السيارة وسط نظرات بسمة المحرجة ..فتناولتها منه وهي تقول" لا تؤاخذ أمي قد تكون لحوحة قليلا لكنها طيبة القلب ولا تفعل ذلك إلا مع من تعزهم .." مر تساؤل مفاجئ في رأس كامل جعله يتقبض ويجف حلقه .. هل كان هذا هو موقف أمها من طليق بسمة أيضا ؟ وهل كانت تحبه وتحتفي به وتدعو له أن يكفيه من شر العين هو الآخر؟! إنه لا يحب هذا الشعور .. وكبريائه لا يقبل بأن يكون في منافسة مع أحد .. هذا يجرح كبرياءه بشدة ويفسد عليه أي شعور أخر .. لاحظت بسمة انقلاب وجهه فسألته بقلق "هل حدث شيء؟" رد بحشرجة وقد نجحت تلك القوة التي تعارضه في أن تفسد اللحظة التي كان يتلهف لها على مدى أسبوع من أن يراها وجها لوجه ويتأمل تفاصيلها المغرية بأريحية "لا شيء هل أنت تريدين شيئا؟.." قبل أن تجيب لمح كامل بطارف عينيه وزة تتبختر أمام أحد البيوت التي تقع عند أول الشارع فعبست ملامحه لا إراديا وتقبض متحفزا . تتبعت بسمة سبب انزعاجه قبل أن تتسع ابتسامتها وهي تعود بأنظارها لتتطلع فيه ..فتعلقت نظراته على ابتسامتها التي اشرقت على روحه بعد أيام من الجليد ..وقفز قلبه في صدره بانتعاش وكأنه قد تلقى جرعة الأكسجين الخاصة به .لكنه رفع حاجبا وسألها بتحفز " لماذا تضحكين؟" عادت بسمة للملمة ابتسامتها وغمغمت وهي تكتف ذراعيها وكأنها تضع حاجزا بين قلبها ومالكه " تبدو مضحكا أن تكون بهذه الهيئة وتتوتر في حضور الوز " هتف بصبيانية لذيذة كادت أن تضحكها " أنا أتوتر !.. لم يحدث أبدا.. أنا اشفق على وز هذه البلدة لأني سأكسر عنق كل ما سأراه في طريقي منهم " كان أمام عينيها أوسم رجل رأته في حياتها .. وسيما إلى حد يستفزها .. فحاولت ألا تتباسط معه حتى لا تتعلق به أكثر .. فتعلق القلب يجلب العشم ..وهذا العشم سيتضخم ويتحول إلى وهم .. وهم بما نأمل بأن نتلقاه ممن تعلقت بهم قلوبنا .. فإذا ما اصطدمنا بصخرة الواقع .. تكسر القلب وتهشم الخاطر .. وتحطم الكبرياء. سألته بهدوء "هل ستعود فورا للعاصمة ؟" قبل أن يجيبها كامل اتسعت عينا بسمة وهي تراه يمسك بكتفه فجأة بعبوس متألم فسألته باهتمام" كامل ما بك؟" لم يرد .. بل اخرج هاتفه وحاول الاتصال بشامل لكن الأخير لم يجيبه فعاود الاتصال وهو ينسحب من أمامها قائلا "لابد أن أغادر ..أشعر بأن هناك ما يحدث مع شامل" لم تفهم بسمة.. فظلت محدقة فيه وهو يركب السيارة ويحركها بسرعة بعد أن أشار لها بيده أن تدخل ولا تقف على البوابة.. وعندما وصل إلى بيت عيد أوقف سيارته في وسط الطريق وأسرع بالترجل منها وعينيه فقط على توأمه الذي قفز فوق رجل يمسك بتلابيبه ويقول هادرا "من أنت ؟.. وماذا كنت تريد منه ؟" اسرع كامل بتخليص الرجل من يد شامل بحزم ورفعه عنه ليقف على قدميه ثم قبض على الرجل ليقف هو الأخر وبادره يقول باندهاش "أي مصيبة فعلت لتوصله لأن تفلت أعصابه بهذا الشكل ؟" اندفع شامل من خلفه يقول " اتركني يا كامل لابد أن اعرف ماذا يريد " قالها ونظر لحميه الذي كان يقف أمام الباب ليمنع ونس من التحرك ويداري خلف صمته وجمود ملامحه تأثرا بما يفعله شامل .. ويداري شعورا حقيقيا بالامتنان له .. فسأله شامل" ماذا يريد هذا الرجل يا عماه؟ أخبرني" كان عيد متأثرا لدرجة لم يستطع معها الرد بل ظل يتطلع في شامل بصمت وشعور غريب يقرصه في عينيه فلم يكن له يوما أخا أو ابنا يسانده بهذه الحمائية ..بينما تكلم كامل وهو يضرب على خد الرجل الذي يمسك به مهددا "هيا اعترف .. فهذا الثور الذي أمامك لا ينفعل إلا نادرا وإذا ما انفعل فإننا لن نستطيع تهدئته بسهولة" توقفت سيارة مصطفى الزيني وترجل منها الأخير يتطلع في المشهد كله.. بعض الفلاحين يراقبون بينما كامل وشامل يمسكون برجل يناظرهما بغل والرجل الذي يتبعه والذي اتصل به يخبره بما حدث يقبض على فتى مراهق .. ألقى مصطفى السلام سريعا فتحرك عيد يستقبله ويسلم عليه قبل أن ينظر مصطفى للرجل الذي يناظر الجميع بغيظ وغل محاولا الإفلات من يد كامل الممسكة به . سلم مصطفى على كامل وشامل وتطلع في الفخار المكسور والجرار الواقف بعرض الطريق ثم عاد للرجل يسأله بغضب شديد " كيف تجرؤ على التبجح بهذا الشكل في قريتنا ..من أنت ومن أرسلك ومن أي قرية أتيت؟ " بعد قليل كان مصطفى يأمر أحد اتابعه بجر الرجل وابنه الى العمدة بعد أن رفض الرجل البوح بهوية من أرسله بينما وقف عيد بجواره يتابع شامل وهو يقف أمام ونس عابسا يمسك بكتفه ويقول بصوت خافت يوبخها بسبب اندفاعها السابق " لا تشعري بالأسف على كتفي فأنت السبب " اتسعت عينا ونس تشير على نفسها باستنكار ما يعني " أنا!! " رد شامل بجدية هادئة "أجل أنت السبب ..فلو لم تندفعي وتشتتي انتباهي لما تلقيت الضربة ..ووالدك حاول أن يبعدك أكثر من مرة " ابتأست ملامحها وحاولت لمس كتفه المصابة شاعره بالشفقة عليه لكنه أبعد يدها عن كتفه بحزم لطيف وهو يناظرها بجدية .. جعلتها تخفض نظراتها ببؤس طفولي شاعرة بالذنب فأضاف شامل محذرا" إياك والتهور والاندفاع بهذه الطريقة مرة أخرى ..سواء كنت أنا من يتشاجر أو والدك .. اتفقنا من قبل ألا تضعي نفسك في موقف أقوى منك ..(ونقر بسبابته على جانب رأسها ) وأن تستخدمي ذكائك يا ونس لا قوتك .. هنا ذكائك يكمن في عدم التهور ( وأشار لكتفه ) وها هي النتيجة ..صرخة واحدة منك شتت انتباهي ..فما بالك لو كنتِ اقتربتِ واتخذك أحدهم وسيلة لإيذائي أو ايذاء والدك .. (وتخصر أمامها يقول بمشاكسة ) أهذا تسمينه ذكاءً!" احمرت وجنتاها من الحرج وشعرت بالضيق من توبيخه لها .. ورغم شعور شامل بالشفقة عليها ..لكنه تماسك حتى تتعلم الدرس .. بكل مكر جادلته ونس بالإشارة عليه بإصبعها ثم رفع قبضتيها بمستوى ذراعيها بما يعني بأنه قوي .. ثم أسرعت بضم أصابع كفها تلفهم بحركة دائرية حول وجهه وكأنها ترش عليه ملحا لتقيه من الحسد وتقصد أن تقول (ما شاء الله ). حافظ شامل على ملامحه حتى لا يضحك ورد بجدية " ربما أكون قويا لكني بالتأكيد لي نقطة ضعف وأنت نقطة ضعفي يا ونس .. كان من الممكن ببساطة أن أنفعل لدرجة تجعلني أقتل الرجل إن تعرض لك بأي سوء .. ما رأيك ؟" أفحمها شامل برده فشبكت يديها خلف ظهرها ووقفت أمامه تتأرجح يمينا ويسارا ولسانها يلعب في باطن خدها من الداخل .. على الرغم من شعور عيد بعدم الراحة من أن توبخ فلذة كبده لكن اعجبه أن يكون شامل حازما معها .. واعجبه أنه يتعامل مع تحايلها ومكرها بحزم هادئ .. لحظتها شعر بالاطمئنان .. وشعر بالرضا . أخرجه مصطفى الزيني من شروده حينما سمعه يهدر في الهاتف " لا أفهم كيف أن هناك قرارا بالإزالة لبيت بُني منذ أعوام كثيرة واعيد تجديده منذ خمس عشر سنة بحجة أنه قد بني على أرض زراعية! .. كل أهل البلد يعرفون بأن البيت مبني منذ مدة طويلة ويشهدون بذلك يا أستاذ ناجي ..... حسنا سأترك لك الأمر من فضلك اهتم به .... وعموما سواء هذا أو ذلك تلك المعلومة التي وصلتنا كانت بالتأكيد ستمر على عمدة قريتنا قبل التنفيذ وكان سيخبركم بنفس الكلام ..... أريد أن أعرف من أين جاءت هذه الفكرة من الأساس ومن المحرض عليها ! .... حسنا يا أستاذ ناجي سأنتظر منك ردا ولا تؤاخذني على انفعالي .. السلام عليكم " أغلق مصطفى الخط عابس الوجه ثم ربت على كتف عيد يقول مطمئنا" لا تقلق بشأن ذلك القرار .. فبالتأكيد هناك خطأ ما .. والعمدة لن يسمح بشيء كهذا .. وهذا الرجل وابنه سيذهبان إلى العمدة وسنضغط عليهما للبوح باسم الشخص الذي أرسلهما .. أما أنت فانتهي من ضيوفك ثم مر عليّ لأخبرك بما حدث " غمغم عيد بامتنان وهو يتحرك خلف مصطفى الذي توجه إلى سيارته بعد أن ركب فيها الرجل وابنه بالقوة والإجبار من كامل وبمساعدة تابع مصطفى" رفع الله قدرك وعظم أجرك يا أبا حمزة" غمغم مصطفى وهو يركب السيارة "وإياكم يا عم عيد.. إن شاء الله سنعرف مَن خلفه.. أو على الأقل سنوصل رسالة لمن خلف كل هذا بأنك لست وحدك .. السلام عليكم" غمغم عيد براحة "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته" واستدار ينظر للجرار الذي ركبه تابع مصطفى الزيني ليتحفظ عليه ثم نظر للفخار المكسور وغمغم "الحمد لله على كل شيء قدر الله وما شاء فعل" ×××× يتبع | ||||||
29-05-20, 10:57 PM | #1009 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| 4 دخل بدير بيته عائدا من تلك القرية السياحية التي مكث فيها قرابة أسبوعين وهو يقول في الهاتف منفعلا بصوت خافت "لماذا تسرعت يا بسطاويسي بإرسال الرجال لتهديد عيد قبل صدور قرار الإزالة؟!! .. القرار كان أمامه عدة أيام أخرى حتى يرتب رجلنا هناك الأوراق دون أي ثغرات" قال بسطاويسي ببروده المعهود "ألم تطلب مني أن أتصرف مع عيد حتى تعود؟" رد بدير بغيظ خافت "قلت تخيفه كالمرات السابقة لا أن تخبره بأمر قرار الإزالة الذي سيفشل الآن بعد أن كُشف الأمر ..ثم كان عليك اختيار توقيتا صحيحا لإرسال الرجل يا غبي !" قال بسطاويسي ببساطة" وكيف لي أن أعرف بأن صهره كان موجودا داخل البيت وفي هذا التوقيت بالذات ؟!.. فلم نر أحدا من التوأمين منذ ذلك اليوم الذي عقد فيه القران" على هذه السيرة شبت النار من جديد في صدر بدير ..الذي بذل في الفترة الماضية مجهودا كبيرا حتى لا يتهور ويطاوع شيطانه بقتل ذلك الرجل الذي تزوجها ..ولولا تذكير بسطاويسي له كلما أصابته موجة هياج بما سيخسره إذا ما تهور لكان ارتكب جرائم كثيرة منذ ذلك اليوم في الجلسة العرفية .. وكأن بسطاويسي كان مطلعا على أفكاره حين قال محذرا للمرة المائة "بدير ها أنت قد عدت للبلدة .. لقد اخبرت الجميع بأنك كنت تعقد صفقة في العاصمة لتصدير محاصيلك .. إياك والتهور يا ابن عمي .. العيون كلها ستكون عليك .. لابد أن تثبت لهم بأن الأمر كان شهامة منك لا أكثر حينما طلبت يدها وأن لا شيء يؤثر فيك .. واحذر أي تهور .. لو حدث لهذا الشاب الذي تزوجها خدشا واحدا ستذهب إليك أصابع الاتهام.." طحن بدير أسنانه بقوة وسحق الهاتف في يده بغيظ في الوقت الذي هرولت فيه وجدان بمجرد أن علمت أنه قد عاد تنزل إليه من الطابق العلوي .. وعلى الرغم من أنها كانت قد وعدت نفسها بألا تمررها له هذه المرة وأن تقاطعه لفترة .. إلا أنها بمجرد أن سمعت من الأولاد بعودته لم تتمالك أعصابها فنزلت ووقفت تتطلع فيه بشوق كبير وهو يتحدث في الهاتف بانفعال . تأملت هيئته المتحفزة وعينيه الخضراوين اللتين بديتا داكنتين من الغضب ..ودققت في ذلك الإرهاق البادي على وجهه .. ولم تعرف إن كان عليها أن تتحسر على نفسها وعلى قلبها المكسور أم تشفق عليه وعلى حاله .. خاصة وأنه لم يكسره شيء من قبل أبدا .. وها هي تراه حزينا مجددا بعد زواج هذه الساحرة الشريرة بسمة للمرة الثانية . أما كاميليا فنزلت هي الأخرى خلف وجدان والغل لا يزال يقتات عليها منذ ذلك اليوم .. حتى أنها لم تعد تطيق البقاء في بيتها .. تشعر به أضحى خانقا .. وكأن جدرانه تريد أن تسقط فوقها .. عيناها لم تعد ترى بيتها إلا خرابة .. لم تعد تشعر بالرضا عن أي شيء فيه .. تشعر بأن كل ما فيه قديم فهو لم يجدد منذ ثماني سنوات منذ زواجها .. تشعر بأن البيت نفسه ليس مُرضيا لها وللمكان الذي تطمح إلى العيش فيه .. كل شيء حولها في البيت قديم ..قبيح ..منفر .. لم تعد تطيق الجلوس فيه فتحججت بهدى زوجة عماد التي كسر ذراعها بعد أن انزلقت من فوق السلم ..لتحضر كل يوم إلى بيت العسال .. يوصلها جابر صباحا ويعيدها أحد أولاد العسال مساء .. فجابر كعادته يعود للبيت متأخرا ولا يزال يهجرها في الفراش.. لكن لم يكن يشغل بالها شيء سوى تلك المصيبة التي حلت على دماغها بزواج بسمة للمرة الثانية.. لا تستطيع النسيان .. لا تستطيع التقبل .. الأمر خارج عن إرادتها والنار تأكل في قلبها غيظا وحسرة على نفسها. أنهى بدير المكالمة وتطلع في وجدان يقول بتجهم" حضري لي الحمام يا أم علاء" شعرت وجدان بالغصة وحزنت لأنه حتى لم يلقي عليها سلاما بعد هذا الغياب .. وراقبته وهو يتجاوزها هي وكاميليا ويصعد لأعلى .. فأسرعت الأخيرة بالقول وهي تصعد خلفه "حمدا لله على سلامتك يا أخي" .. غمغم بدير دون أن يلتفت لها أو حتى يتوقف عن الصعود "ماذا تفعلين هنا يا كاميليا؟.. علمت بأنك بت تأتين كل يوم تقريبا" غمغمت كاميليا بمراوغة "لا شيء .. أشعر بالملل بجلوسي وحدي في البيت (ثم قالت بمواساة متعمدة وهي تفرك كفيها ببعضهما وتدقق فيه ) أنا قلقة عليك يا أخي.. أنظر لنفسك كيف تعاني .. بالتأكيد لن تتركهما ليهنآ أبدا ولن تدعها بعدما فضلت شخصا أخر على المعلم بدير" في الدور العلوي استدار بدير هادرا بغضب شديد أفزعها "لا تتدخلي في هذا الأمر يا كاميليا" قالت بلجلجة مستميتة في المحاولة "لأني حزينة على حالتك يا أخي" قال بغضب مكابرا " ما بها حالتي ؟!.. أنا المعلم بدير العسال .. وإن رفضتني واحدة أتزوج بدلا منها ثلاثة .. (واشاح بيده في وجهها بغضب ) ابتعدي عني وعودي لبيتك فلست متفرغا لثرثرة الحريم هذه" قالها وتحرك مبتعدا يداري كرامته المجروحة خلف دمدمته "متفرغ أنا لتلك التفاهات !" وقفت كاميليا تتطلع فيه وهي تهز ساقها بعصبية وتسأل نفسها بارتباك ..ماذا بعد؟ .. لقد انتظرت عودته حتى ترى ماذا سيفعل وكيف سينتقم .. أهذا يعني بأنه سيستسلم !!.. وإن كان ينوي ذلك ماذا ستفعل هي؟ .. ليتها كانت رجل .. ليتها كانت رجل لفعلت أشياء كثيرة للانتقام بدلا من جلوسها هكذا مقيدة الخطوات تتحسر على حالها. سمعت باب الغرفة يصفع بشدة في وجهها فانتفضت مفزوعة قبل أن تسمع صوت وجدان من خلفها يقول بصدمة" يا لك من حرباء متلونة! .. تتصرفين لمصلحتك فقط .. هل تواسينه وتحفزينه للانتقام حتى تستفيدي شيئا من محاباته أم أن لك سببا أخر لما تفعلين؟!!" استدارت كاميليا متفاجئة ثم غمغمت بحرج" وجدان!" قالت الأخيرة وهي تتطلع فيها باشمئزاز "أجل وجدان .. وجدان الهبلاء التي استأمنتك على سر بيتها ولكنها لم تكن تعرف بأنك حرباء متلونة" هبت كاميليا تقول من بين أسنانها بصوت خافت " اخرسي يا وجدان وأعلمي مع من تتحدثين.. أنا كاميليا العسال .. أم تريدين أن أخبر أخي عما كنت تحيكينه من مؤامرات ضد بسمة" ردت وجدان تشيح بيدها في وجهها "أنت من كنت تفعلين ولست أنا .. أنا فقط وافقتك كغريق يتعلق بأي قشة ..إن أردت إخباره فلا بأس افعلي .. وسأخبره أنا بكل ما فعلتيه إن كنت تستطيعين مواجهته" فضلت كاميليا انهاء الأمر بينهما عند هذا الحد فقالت بقرف وهي تشيح بيدها وتتحرك نحو السلم "ابتعدي .. ابتعدي عن طريقي هيا وهرولي خلفه يا معدومة الكرامة بعد كل ما فعل فيك" تطلعت وجدان في ظهر كاميليا المبتعد والتي رفعت طرف عباءتها الثمينة ذات النقوش الكثيرة ونزلت السلم تصدر طرقعة بكعب حذائها وكأنها موسيقى تصويرية متعمدة لإغاظتها فقالت بصوت مسموع " حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا كاميليا يا بنت العسال ..فليرد لك الله كل ما فعلتيه وتفعلينه ..وليذلك الله القادر على كل شيء كما تذلين كل من يقع تحت يدك .." قالتها بقهر شديد وألم بينما هدر بدير من داخل الغرفة بشراسة "وجدااااان أين أنت؟!!" انتفضت وجدان ورغم الغصة والألم والشعور بالذل اسرعت إليه ملبية طائعة .. فهذا هو قدرها في هذه الحياة . ×××× "كف عما تفعل وكتفك مصابة ..لمَ أنت عنيد هكذا!!" قالها عيد لشامل بمناكفة وهو يرى الأخير يرص مع ونس الأواني الفخارية السليمة بعيدا عن المتكسرة معتمدا على ذراعه الأيمن بشكل أكثر من الذراع الأخر.. فرد شامل مناكفته بلهجة متهكمة "سبحان الله.. انظر من يتحدث عن العناد!.." تحكم عيد في ابتسامة تريد البزوغ على شفتيه وقال بامتعاض " كف عن تمثيل دور (وحش الشاشة) لتبهر عينيها!" بابتسامة مستفزة استدار شامل يرد عليه "من أخبرك باسمي الحركي؟ .. إن لقبي بالفعل هو (وحش الشاشة) " جز عيد على أسنانه وتطلع فيه قليلا قبل أن يصيح في ابنته "اذهبي يا ونس وهات بعضا من الثلج أو زجاجة بها مياه مثلجة ليضعها وحش الشاشة هذا على كتفه المصابة" اسرعت ونس بالهرولة نحو البيت ..فتتبعها شامل بطارف عينه وهي لا تزال ترتدي بنطال الجينز الجديد وقد بدلت البلوزة القصيرة بأخرى طويلة أخفت تلك المنحنيات التي فجرت الدماء في أعصابه منذ قليل .. إنه يراها بالملابس الجديدة أكثر جمالا وسحرا ..وبهذه الهيئة الأكثر عصرية وأناقة يراها لا تنتمي لهذا المكان.. بل إن لها شخصية متفردة لا تشبه أحد. أما كامل فكان يقف بالقرب منهم يرتكن في وقفته على مقدمة سيارته يحدق في الهاتف ويقرأ ما كتبته بسمة" ومن هؤلاء الذين هاجموا العم عيد؟" رد سعيدا بوجود موضوع للحوار بينهما فقنوات الاتصال بينهما مسدودة بشكل غير مفهوم منذ تلك الحادثة" لا أعرف ..لم أفهم شيئا .. وغالبا لا أحد يعلم حتى الآن من هم حتى العم عيد نفسه" ساد الصمت ..فحاول كامل البحث في رأسه لفتح أي حديث أخر لتفاجئه بسمة بسؤال فضولي وهي جالسة على السرير في غرفتها وحولها أكياس الهدايا التي أبهرت عيني والدتها والمترددات على المنزل "وهل شعرت به فعلا حينما أمسكت بكتفك ؟ كنت أسمع عن تلك العلاقة الخاصة والغريبة بين التوائم المتماثلة لكني لأول مرة أقابل أحد منهم" كتب شاعرا بالتميز " أجل شعرت بألم مفاجئ في كتفي في نفس المكان الذي ضُرب فيه شامل" اتسعت عيني بسمة الزرقاوين ثم كتبت "هذا غريب ..كنت أظنها خرافات" رد كامل موضحا " ليس كل التوائم المتطابقة المخلقة من بويضة واحدة مثلنا ..فدرجة التواصل بين التوائم تختلف من حالة إلى أخرى لكن حالتي أنا وشامل بها الكثير من الأمور النادرة .. أذكر أننا حين زرنا إنجلترا ونحن في الخامسة عشرة من عمرنا تقريبا في معسكر دراسي .. كان هناك من لاحظ ذلك الترابط الشديد بيننا بشكل ربما أقوى من التوائم في مثل حالتنا ..واهتم بنا كثيرا وحاول الاتصال بأبي واقناعه أن نبقى في إنجلترا لنخضع للدراسة والمراقبة وأشياء كهذه.. وأذكر أنه عرض مبلغا شهريا كبيرا على أبي وقتها وفرصة له لأن يأتي ويعيش ويستقر في إنجلترا والكثير من الإغراءات لصالح أحد معاهد الأبحاث المتخصصة هناك التي تدعمها المملكة.. لكن الحاج نخلة كانت رأسه أيبس من الحجر الصوان ورفض" سألته "وأنت وشامل ماذا كان انطباعكما؟ " كتب معترفا " أنا دوما المغامر الفضولي المتحمس للجديد الكاره للروتين ..شامل مثلي لكنه يستطيع أن يفكر في الأمور بعقلانية أكثر مني .. ولهذا اعترضت أنا وعاندت وكنت متمسكا بخوض التجربة والعيش في إنجلترا وتلك الأمور المبهرة لمراهق في ذلك العمر" "وكيف انتهى الامر؟" رد بصدق " لا شيء .. تركني الحاج نخلة لأضرب رأسي في الحائط" ابتسمت بسمة وأرسلت بتلقائية وجه يبتسم جعله يتبسم هو الأخر ثم كتب مضيفا" وقد فعلتها" حدقت بسمة في الهاتف بدون فهم ثم كتبت" فعلت ماذا؟؟!!" رد كامل وابتسامة تتراقص على زاوية شفتيه "ضربت رأسي في الحائط فعلا بعصبية شديدة" اتسعت عيناها ثم سألته " والنتيجة؟" كتب ببساطة " شُجت رأسي طبعا وحمدا لله لم يكن الأمر خطيرا " كتبت بصدمة " يا الله!" حين ساد الصمت مجددا سألها كامل " هل اعجبتك الهدايا؟" تطلعت في الهدايا المميزة والأنيقة على السرير من ملابس وعطور واكسسوارات وكتبت بتأثر رغم أنها لم تظهر ذلك "الحقيقة رائعة جدا.. سأتصل بسوسو هانم لأشكرها" كتب كامل باستنكار" فقط سوسو هانم؟؟؟" رفعت بسمة مقلتيها لأعلى تقاوم ذلك الشعور بالدغدغة الذي يصيبها كلما تحدثت معه وغمغمت لنفسها " لا تتوهمي يا بسمة ..ولا تتعلقي أنت تأذين نفسك .. هذه المرة خيبة الأمل ستكون كبيرة .. أنت مجرد مسئولية بالنسبة له.. هو مجرد محطة قصيرة في حياتك" حين غابت كتب كامل " آلووو ألا يوجد رد!!" على الناحية الأخرى تطلع عيد في شامل الذي لا يزال يرص الفخار بذراع واحدة والجدية تعلو وجهه .. وتحركت عيناه يتأمل توأمه المختلف عنه رغم تطابقهما الشكلي إلى حد مرعب .. ثم تساءل كيف سيفرق بينهما في المستقبل ؟.. فهذا أمر صعب .. اليوم مثلا لولا أن كامل يرتدي تيشيرت أسود وشامل يرتدي أخر رملي اللون لما استطاع التفريق بينهما .. فهما يرتديان نفس البنطال الزيتي والحذاء.. ماذا لو ارتديا نفس الألوان .. إن الأمر يبدو غريبا وشاذا . أما الخاطرة التي أرعبته بشدة .. كيف ستفرق ونس بينهما؟؟ .. إن التوأمين سيعيشان في نفس البيت .. ماذا لو أخطأت يوما؟ .. سيطر عليه وسواسه من جديد وتطلع في كامل الصامت الغامض بتدقيق مُقيِّما .. وراوده سؤال شديد الخطورة ؟.. هل من الممكن أن يستغل توأمه الشبه بينهما بطريقة ... ....!!! قاوم أفكاره بسرعة حتى قبل أن يكمل تساؤله واسرع بالاستغفار ومقاومة وسواسه .. لكن تلك الخاطرة كانت أصعب من قدرته على هضمها أو تحملها فقال لشامل بعبوس وكأنه يبحث عن سبب للمناكفة" أنا لا أفهم كيف يستطيع اهلك التفرقة بينك وبين أخيك!! .. وكيف ستستطيع ابنتي التفرقة بينكما!.. إن هذا الأمر غريب ومرعب خاصة وأنكما ستعيشان في بيت واحد" تطلع فيه شامل رافعا حاجبيه حتى التصقا بمنابت شعر رأسه ثم سأله سؤالا مباشرا وقد بدا عليه انزعاجا مما خمن أن الرجل يلمح إليه" ماذا تعني بكلامك يا حاج؟.. مم أنت متخوف بالضبط ؟" رد عيد بعبوس وهو يشيح بيده بانزعاج " لا أقصد شيئا .. لكن ابنتي هبلاء وقد تتسبب في مواقف محرجة .. أعرفها جيدا" ضحكة مكتومة أتت من ناحية كامل ..فطالعه شامل بتجهم ومقلتين مقلوبتين .. ليغمغم الأول بصوت خافت دون أن يرفع عينيه عن الهاتف سمعه توأمه جيدا "وشَهَدَ شاهد من أهلها" رد شامل على عيد بضيق" لا تقل على ونس هبلاء يا عمي من فضلك" جاءه صوت توأمه مغمغما وهو لا يزال يحدق في هاتفه" أتركه يعبر عن رأيه بحرية.. لماذا تحجر على الآراء.. التعبير عن الرأي حرية يكفلها الدستور" لم يفهم عيد ما يغمغم به كامل ولم يهتم بل رد على شامل قائلا" أنا فقط أشعر بعدم الراحة من وضعكما العجيب هذا وأخشى....." قطع حديثه حينما تحرك شامل فجأة يتجاوزه متجها ناحية توأمه الذي رفع إليه عينيه واسرع بالقول ببراءة مصطنعة من بين ضحكاته متحفزا لهجوم أخيه" أنا لم أقل شيء يخصك أنا كنت منشغلا بهاتفي" قال شامل آمرا" اخلع" لم يستغرق الأمر إلا ثوان ليقرأ كامل أفكار أخيه بينما اتسعت عيني عيد بعدم فهم ليقول كامل ببرود متهكم وهو يحضن نفسه "عيب عليك .. هل ستسرق من أخيك ملابسه وترميه عاري على قارعة الطريق يا ابن أبي!!" من بين أسنانه قال شامل بعد أن اختلس نظرة سريعة على باب البيت البعيد نسبيا" يا كامل كف عن التغابي هيا بسرعة" قالها وهو يخلع تيشيرته فازداد اندهاش عيد وتطلع حوله ليرى إن كان هناك من يراقبهم في الشارع ثم عاد للتوأمين اللذين أصبحا بالفانلة ذات الحمالات واللذان تبادلا التيشيرتات رغم امتعاض كامل وبرطمته فصاح عيد "ماذا يحدث بالضبط؟؟؟" بعبوس قال شامل وهو يمسك بذراع أخيه الذي انتهى من ارتداء تيشيرته " أثبت لك بأن ونس ليست هبلاء " ودفع كامل الممتعض للناحية الأخرى وهو يقول "سأقتلك لو أفسدت الأمر يا كامل " أمام أنظار عيد المندهشة تحرك كامل بتثاقل ليتخذ مكان شامل بينما وقف شامل عند السيارة بعد أن أخذ الهاتف من أخيه وارتدى تيشيرته الأسود .. ثم أشار لعيد محذرا " ألا تريد الدليل الذي سيريح قلبك؟ إياك أن تفسد الأمر أنت الأخر" لمحوا جميعا ونس تخرج من باب البيت فلم يستطع عيد تمالك أعصابه وبدأ يتوتر وتزداد ضربات قلبه ..فاستدار يوليهم ظهره في البداية متطلعا في الطريق حتى لا تتقابل عينيه مع عيني ابنته التي اسرعت إلى حيث يقف كامل. استدار عيد ليتطلع في كامل ثم اتسعت عيناه وتدلى فكه وهو يرى تلك الابتسامة المتسعة التي زينت وجهه فبدا وكأنه شامل .. فعاد بأنظاره لشامل الواقف عند السيارة وقد أغلق ملامحه وبدى متحفظا غامضا كتوأمه بالضبط. بتلك الابتسامة الوسيمة وبنظرات مسبلة أخذ كامل من ونس كيس بلاستيك به ماء مثلج ومربوط كالقربة.. لكن الأخيرة أشارت له بأن يجلس على إحدى الأواني الفخارية العالية حتى تضع له الكيس.. فأطاع كامل وقد بدا الأمر له مضحكا ومسليا لكنه تماسك بقوة حتى لا ينفجر في الضحك خاصة وهو يشعر بتوتر أخيه. اقتربت ونس بتركيز شديد تضع الكيس على كتف كامل الذي يكاد عيد يقسم بأنه بعد أن بدل التيشيرت أصبح كشامل بالفعل لكن الأمر لم يستغرق أكثر من عدة ثوان قبل أن ترتد ونس للخلف وتعقد حاجبيها بانزعاج شديد. لحظتها أحس كامل بأنها قد كشفته ومع هذا استمر في اللعبة التي كانت دوما اللعبة الأكثر تسلية له ولتوأمه لكنها هذه المرة أكثر إمتاعا له لأنها مع ونس التي تستفز بداخله الكثير من المشاعر الصبيانية والرغبة في المناكفة. عقدت ونس حاجبيها تنظر لكامل بتدقيق وقد سيطر عليها شعور بأنها قد دخلت إلى مجال ذي تردد خاطئ ..لكن كامل أصر على إرباكها فقال بلهجة رقيقة حانية مقلدا توأمه" هل تعبت يدك؟ (ومد كفه يقول برقة) اعطني الكيس وأنا سأكمل بدلا منك" تطلعت فيه لثوان بصمت ثم ناولته الكيس وأدارت وجهها ..فعاد عيد لينظر للطريق هاربا من مواجهتها وقد أصابه الارتباك الشديد والتوتر بينما تطلعت ونس في شامل الذي وقف نفس وقفة أخيه متطلعا في الهاتف. عاد عيد ليختلس النظر ويراقب ما يحدث بذهول وونس تتقدم من شامل ببطء وعبوس . كانت لا تفهم ماذا يحدث .. ولم يرد إلى ذهنها أن هناك مقلبا يحاك ضدها .. كل ما كانت تفكر فيه هو ذلك الشعور بالارتباك الذي انتابها فجأة وتبعه شعور أخر بالـــ رعب .. وكأنها استيقظت من حلم لواقع مخيف .. شعورها كان أشبه بطفلة اكتشفت فجأة أنها وحدها في مكان غريب .. جرجرت قلبها خلف قدميها وهي تخطو خطوات بطيئة إلى حيث يقف شامل .. تقترب من هالة دافئة محببة تجذبها.. وتبتعد عن أخرى غريبة لا تعرفها . ورغم هلوسة البصر وعدم الفهم والارتباك وهي ترى شامل يرتدي ملابس كامل ويقف نفس وقفته .. إلا أنها تركت شعورها يقودها.. هذا شامل .. هذا الذي رفع إليها وجها جادا يحمل نظرة ساخرة أحستها مصطنعة يكون شامل. ذلك العطر الذي لا تعرف إن كان هو نفس العطر الذي يستعمله توأمه أم لا هو عطر شامل. وأحست أن كل ما يحاول فعله أمامها في تلك اللحظة هو تمثيل . هل جنت ؟ لا لم تجن .. هذا حبيبها شامل.. بكل جرأة وبأعصاب قوية اقتربت أكثر وأمام ذهول والدها دست يدها في جيب بنطاله وأخرجت الميدالية التي كان طرفها المعدني يلمع من جيبه ثم تطلعت في طرفها الآخر لتجد ذلك الجني والمصباح معلقا فيها فاتسعت عيناها ورفعتهما لشامل باستهجان. انفجر كامل في الضحك خلفها في الوقت الذي أمسك شامل برأسها يطبع قبلة عليه ثم صاح بانتصار وقلبه سيحطم صدره من السعادة "حبيبتي أنت.. اقسم بربي" تدلى فك عيد مذهولا وشامل يقول له مغيظا" أرأيت يا عماه" استشاطت ونس غضبا .. كانت غاضبة بشدة ولم تفهم ماذا يحدث فتطلعت في الجميع تحاول تحليل وفهم ما حدث ثم... أجهشت بالبكاء وتحركت مهرولة نحو المنزل. فزع شامل وعيد من ردة فعلها وتحركا خلفها بينما ظلت ضحكات كامل المستفزة تلاحقها. كان شامل اسرع من عيد فدخل خلفها للبيت لكنها كانت قد وصلت إلى غرفتها وأغلقت بابها من الداخل ..فوقف عيد يراقب من عند باب البيت شامل وهو يطرق على باب غرفتها بإلحاح قائلا" اسمعي يا ونس ..لم يكن مقلبا مقصودا .. ونس .. حسنا كانت فكرة مؤذية اعترف وأعتذر .. (وطرق على الباب مجددا ) افتحي لنتحدث وافهمك لمَ فعلنا ذلك .. اقسم لك لم يكن مقصودا به الاستهانة بك" لمح عيد الواقف خارج المنزل يراقبه فقال له بغيظ" ألن توضح لها الأمر؟!!" وضع الأخر يديه في جيبي جلبابه ورد ببرود "مادامت قد أغلقت الباب فلن تفتحه أعرفها عنيدة كمن أنجبها" جز شامل على أسنانه وأسرع بإخراج هاتفه من جيبه وكتب لها على الواتساب "اقسم لك لم يكن مقلبا متعمدا ..والدك ألمح لعدم راحته لكوني أنا وكامل متطابقين .. ومن خلال معرفتي البسيطة به أظنه كثير الشك والوساوس .. فاردت أن اطمئنه واثبت له بأنك تعرفين زوجك جيدا .. وأنه ليس هناك مجالا ولو واحد في المليون لأي خطأ .." عاد يضرب على الباب قائلا " ونس ردي .. أرى أنك قد قرأت ما ارسلته .. أنا أعتذر يا ونس كان موقفا سخيفا وغير متعمدا" فُتِح الباب بهدوء فتطلع شامل في وجهها الباكي بلهفة قبل أن تكتب له على الواتساب "أنت شرير يا شامل" نظر شامل في الهاتف ثم قوس شفتيه كالأطفال وهو يقترب منها ويمد ابهاميه ليمسح دموعها قائلا بحنان جارف وصوت خافت" آسف والله.. آسف " اختلس النظر لعيد الواقف على الباب يتطلع فيه بوجوم وكتم غيظه وهو يقاوم بشدة رغبة ملحة في ضمها ومواساتها ثم مال يطبع قبلة فوق رأسها فسمع نحنحة موبخة تأتي من ناحية حماه الذي قال" يا أستاذ أنا واقف" زفر شامل وابتعد عنها يقول بين أسنانه بابتسامة صفراء "أعلم بأنك واقف يا عمي كالقمر المنير في وضح النهار (وقال لونس بلهجة حانية ) اذهبي واغسلي وجهك" حركت كتفيها بعبوس طفولي رافضة ..فقال عيد مغتاظا من ردود أفعالها التي باتت أنثوية مائعة بشكل يستفزه" هيا يا ونس وكفى تدللا ..قال لك لم يكن الأمر مقصودا ..هيا اغسلي وجهك وهات الدجاج الذي تبلتيه (ثم نظر لشامل يسأله بلهجة متهكمة ) هل تستطيع اشعال الفحم أم أنك شيف لا يعرف إلا المواقد الحديثة" انقلبت مقلتي شامل وهو يناظره فشعر الأخر بالمتعة لنجاحه في اغاظته .. ليسأله شامل من بين أسنانه وهو يحاول التحكم في أعصابه" أين الفحم يا حمايا العزيز؟" أشار عيد إلى خارج البيت قائلا "سنشوي أمام البيت أرينا همتك يا بطل" تحركت ونس نحو الحمام بينما سمع عيد نداء باسمه من الخارج.. فاستدار ليجد عددا من الفلاحين اللذين يقفون عند الطريق الترابي ينادونه .. فتحرك إليهم وأحدهم يقول "يبدو أن عندك ضيوف لكنا كنا نريد أن نعرف ماذا حدث اليوم" ظل شامل واقفا مكانه في صالة البيت يراقب عيد حتى ابتعد قاطعا الساحة الترابية أمام البيت و وصل للرجال ثم وقف يتحدث معهم ..في الوقت الذي خرجت ونس من الحمام بعد أن غسلت وجهها وجففته فتطلع فيها شامل يشعر باستياء شديد لما حدث بينما ناظرته هي بشفتين مقوستين وهي تقترب منه . قال بلهجة مشفقة" ألا زلت غاضبة مني؟" أخرجت هاتفها من جيبها وكتبت بأصابع مرتعشة "للحظة شعرت بالخوف الشديد.. شعرت وكأن الدنيا بردت فجأة من حولي " نظر شامل في هاتفه يقرأ ما أرسلت بينما أكملت ونس كتابة "قلبي يا شامل ..قلبي لا يزال يرتجف حتى الآن ..لقد شعرت بالرعب الحقيقي ..لا أدري لماذا؟.. لكن خاطرة أن أنت لست أنت خلعت قلبي خلعا" لم يستطع شامل التحمل .. فانفلتت سيطرته على أعصابه وبكل تهور مد يده يسحبها من ذراعها ليكونا في اللحظة التي تليها في غرفتها . أغلق الباب وأخذها إلى حضنه قائلا بلهجة عاشقة" سلم قلبك من الوجع يا قلب شامل" للحظات اجفلت ونس وارتعشت بين ذراعيه لكن ذلك الدفء الذي يشع من كل ذرة فيه وذلك الحنان الكبير كضخامته الذي حاصرها به جعلها تسترخي خاصة حين قال وهو يشدد من احتضانها "آسف يا جنية شامل" غرقت ونس في احضانه وشعرت بالانجذاب الشديد لبنيته القوية فوضعت الهاتف في جيبها ولفت ذراعيها حوله .. وأحست بخفة وزنها على الأرض وكأنها تقف فوق سجادة سحرية على وشك أن تأخذها إلى عالم جميل يشع بالدفء. أبعدها شامل قليلا لكنه لم يطلق سراحها تماما بل أخذ يتطلع في ملامحها القريبة جدا منه بينما يده تسللت لتتحسس تفاصيلها بلهفة وهو يقول بلهجة حارة وقد حلت الشقاوة محل الحنان في عينيه "هل تعلمين أن كل زوجين لديهما أسرار تخصهما وحدهما لا يخبران الأخرين عنها ؟" كان صوته قريبا جدا من سماعاتها .. ولأول مرة تسمعه بهذا الوضوح .. فوجدت ذبذبات صوته الرجولية الساحرة تتسلل إليها عبر السماعات .. فأسبلت جفنيها بخجل شديد. ليكمل شامل بهمس " مثل هذا السر " و مال بوجهه بسرعة يلتهم شفتيها .. استسلمت ونس لشفتيه المهاجمتين تغزوان براءة شفتيها وارتجفت وشامل يعتصرها بين ذراعيه بقوة ..تسبقه إليها رغبة تحكم فيها طويلا حتى من قبل أن يقابلها .. رغبة في تقبيل فتاة تسلب قلبه قبل عقله .. قلبه الذي كان موشوما بخاتم سري لم يفك اسره إلا جنية شقية مثلها تملك خلطة سحرية شديدة البساطة وشديدة التميز.. وها هو حينما جاءته الفرصة عاش اللحظة بكل تفاصيلها المبهرة التي فصلته لدقائق عن الواقع وعن كونه ينفرد بها في غرفتها وأن والدها العنيد قد يأتي في أي لحظة . أما كامل فذلك الحدس بينه وبين توأمه جعله يشعر بأن الثاني يفعل شيئا شقيا بالداخل.. ورغم أنه لم يعرف بالضبط ماذا يحدث لكنه راقب بقلق عيد الواقف مع الرجال يروي فضولهم حول تفاصيل ما حدث قبل قليل ..ثم شاهد الناس يسلمون على عيد مغادرين فأسرع بمناداته قبل أن يهم بالدخول والبحث عن شامل وونس . استدار إليه عيد بينما فتح كامل هاتفه واتصل بأخيه بحركة مخفية وتحرك خطوتين ليقابل عيد. انبعاث صوت مزعج من هاتف شامل الموضوع في جيبه وهو صوت طبول وصياح إحدى القبائل البدائية كنغمة مخصصة لتوأمه جعله يصدر زمجرة معترضة بين شفتي ونس وقد أخبره حدسه أن أخاه ينبهه .. فأفلت شفتيها بصعوبة وظل لثوان يتجول بمقلتيه فوق ملامحها لاهثا لا يرغب في تحريرها خاصة وهي ترتكن بكل وزنها على ذراعيه بعد أن تحولت ساقيها إلى هلام تسبل أهدابها بخجل . في الخارج سأل كامل عيد وهو يشير على سيارته بيد بينما الأخرى مستمرة في الضغط على الهاتف للاتصال بأخيه "هل تعرف مكانا استطيع فيه نفخ إطار السيارة؟.. أم أنني لابد أن أذهب إلى مركز المحافظة؟" عقد عيد حاجبيه وتطلع في إطار السيارة خلف كامل وقال "أعتقد أن هناك محلا عند مدخل القرية" سأله كامل مستهبلا ومدعيا الاهتمام" حقا ..صف لي المكان لا أذكر بأني لمحت واحدا مثله" استطاعت ونس أخيرا الثبات على قدميها فوق الأرض فسحب شامل الوشاح من فوق رأسها وفك عقدة شعرها فانفرط أمام عينيه طويلا كستنائيا مموجا حتى منتصف ظهرها ..فنكست هي رأسها تغطي وجهها بكفيها .. بكل قوته تحكم شامل في رغبات مجنونة تتفجر في رأسه وأمسك برأسها بين يديه يطبع قبلة فوق شعرها ثم قال بلهجة شقية من بين لهاثه "هذا فقط سر من الأسرار والباقي سأخبرك به تباعا" استمرت الطبول والصيحات المرعبة تخرج من الهاتف كموسيقى تصويرية لا تتماشى أبدا مع اللحظة واحاسيسها .. وكأنها مقصودة لإفزاع وإفاقة هاذين التائهين عما حولهما .. فأسرع شامل بتعديل ملابسه وهندمتها ثم أخرج منديلا من جيبه وهو يقول بشقاوة لتلك التي لا تزال تدفن وجهها في كفيها خجلا "لن تدعي أحد يكتشف سرنا هذا أليس كذلك يا جنيتي ؟" حركت رأسها موافقة دون أن تكشف عن وجهها فمسح فمه بالمنديل وهو يقول "أشعر بأن فمي ولحيتي أصبحا ملطخان بطلاء الشفاه هذا الذي بتي تضعينه يا شقية" ظلت الموسيقى التصويرية المرعبة تخرج من الهاتف فقال شامل من بين أسنانه بصوت خافت "حاضر يا زفت حاضر (ونظر لونس يقول وهو يمسح جانب فمه وينظر في المنديل في يده) انظري لي يا ونس هل هناك شيئا من أحمر شفاهك على وجهي" باعدت بين سبابتها ووسطاها تنظر إليه من بينهما بنظرة جانبيه محرجة ثم تركت يدا فوق وجهها وأشارت بسبابة الأخرى على جانب فمه . كانت شهية حتى في خجلها .. وكان وسيما مذيبا للأعصاب كأحد أروع أحلام اليقظة.. وكانت خطواته الثقيلة المبتعدة وهو يفتح الباب خلفه مؤلمة لكليهما .. قبل أن يخرج بسرعة وتبتعد أصوات الطبول والصيحات المرعبة شيئا فشيئا عنها ..فتحركت ونس بساقين هلاميتين ورأس يدور حتى وصلت للسرير وألقت بنفسها عليه دفعة واحدة ..ثم تجمدت تتطلع في السقف وهي تمسك بقلبها وتحاول تنظيم أنفاسها.. وترطيب وجنتيها اللتين كانتا كجمرتين . أما شامل فأسرع بالخروج من البيت وتبادل مع أخيه نظرة سريعة قبل أن يسرع ليقف خلف صفيحة معدنية قديمة على ما يبدو أنها كانت صفيحة للجبن فتح جانب منها ووضع بها الفحم فوق منضدة خشبية قديمة ففهم بأنها الشواية المزعومة .. وسمع عيد يقول ببعض العصبية" يا بني أين التعقيد في الوصف فيما أقول؟؟" أسرع كامل بالقول" فهمت يا حاج عيد .. فهمت مكان المحل ..أشكرك .. لقد انقذتني من الذهاب خصيصا لمركز المحافظة" سأله عيد عاقدا حاجبيه " ألا تملك إطارا إضافيا؟" غمغم كامل وهو يتراجع ليقف عند السيارة بعد أن حدج أخوه بنظرة موبخة" أجل معي إطار لكنه تمزق ونحن قادمان ظهر اليوم" رد عيد وهو يتحرك" أعوذ بالله .. من شر حاسد إذا حسد .. الناس لن تتركما في حالكما (وغمغم بصوت خافت دون أن يسمعه أحد متحرجا من إعلان شعوره بالاهتمام بهما ) فليحفظكما الله من شر العين " رد كامل بلهجة ذات مغزى وهو يرمي أخيه بنظرة حاقدة "ماذا سنفعل يا حاج .. حظووووظ ! " رفع شامل كفه ليمسح به مؤخرة عنقه بحرج هاربا من نظرات أخيه المدققة التي ترغب في اقتحام منطقة ما في رأس توأمه تخصه وحده مهما تشاركا في كل شيء ..لكنها المنطقة المحرمة التي سيبدأ في حفظ الكثير فيها من الآن فصاعدا فيما يخص علاقته بونس . سأله عيد وهو يقترب" ألم تشعل الفحم بعد؟" غمغم شامل مراوغا" أأأأأأ لم أجد ثقاب أو ولاعة فأنا لا أدخن كما تعرف لذا لا أحمل أيا منهما" غمغم عيد "سأحضر لك الثقاب ظننتك قد اشعلت الفحم في هذا الوقت" قالها وهو يبتعد قليلا لإحضار الثقاب بينما غمغم كامل متهكما بصوت خافت وصل لمسامع توأمه واضحا" كان مشغولا بإشعال شيئا أخر" حدجه شامل بنظرة موبخة ثم التقط قطعة فحم وألقاها عليه فانتحى كامل بجذعه جانبا لتتجاوزه وتسقط خلفه بينما عاد عيد لشامل بالثقاب. بدأ الأخير في اشعال الفحم وإخماد نيرانه الذاتية التي اشتعلت من قبلة تلك الجنية التي هي وكل ما فيها أصبح يذهب عقله . تأمله كامل من وقفته بجوار السيارة وتأمل تلك الابتسامة السعيدة العالقة فوق شفتيه فشعر بالسعادة من أجله .. فهو لم يكن مثله شقي عابث ينزلق في قبلة مع هذه أو تلك كانت زلات شامل نادرة رغم أنه لم يكن ملاكا لكن حدود عبثه مع الفتيات كانت تقف عند حد معين .. وهو فخور بأن توأمه كان بهذه الصلابة والقوة ليمنع نفسه من الانزلاق ..بل إن شامل يرجع إليه الفضل دائما إلى أنه كـــ كامل لم يضعف أمام احتياجه الذكوري أو يتورط في علاقات محرمة .. فلولا شامل وحزمه معه وتذكيره له دوما بالحلال والحرام لضعف واستسلم لرغباته المكبوتة كاملة .. حدق كامل في الهاتف وفتح الواتساب ليتفقد إن كانت بسمة قد أرسلت شيئا جديدا أم لا وهو يتساءل في سره.. هل سيأتي اليوم لينال هو أيضا ما يتوق إليه بشدة؟ .. وهل قراره بالموافقة على شرطها كان قرارا صائبا ؟.. والسؤال الأهم .. هل سيستطيع الصمود حينما تكون في بيته وأمامه ليل نهار؟.. متعجبا كيف أن الحب يذل أصحابه . ×××× يتبع التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 29-05-20 الساعة 11:45 PM | ||||||
29-05-20, 10:58 PM | #1010 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| 5 في المساء "هل كنت تريدني أن أدير ظهري للرجل حينما استنجد بي أول مرة " قالها مصطفى الزيني لعمه منفعلا وهو يقف أمامه في غرفة نومه يشاركهما مفرح .. ليرد العمدة بانفعال مماثل " أجل .. أخبره أنك ليس لك شأن بتلك الأمور .. وأن يلجأ للعمدة بدلا من اللجوء إليك " رد مصطفى غاضبا " وأنا لن أفعل ذلك ولن أدير ظهري لأي مخلوق يستنجد بي هذه ليست أخلاقي أبدا " تدخل مفرح الذي يشعر بالحرج كالعادة من مصطفى " يا أبي هو بالفعل أخبرني بشأن مشكلة العم عيد منذ فترة وأنا طلبت منه أن يتابعها مشكورا " حدج العمدة ابنه بنظرة مغتاظة ثم عاد لابن أخيه يقول بتعنيف " أنا حذرتك أكثر من مرة يا مصطفى من التمادي في تمثيل دور الرجل الشهم في البلدة " أمسك الأخير سبحته بكلتا يديه يحركها مشيحا بوجهه وهو يقول " لا حول ولا قوة إلا بالله !..( ثم عاد ليواجه العمدة بنظرات حازمة بعد أن فاض به الكيل ) اسمع يا عماه أو يا حضرة العمدة حتى يكون الحديث بيننا رسميا .. أنا لست صغيرا لتحضرني وتوبخني بهذا الشكل كل فترة .. وإن كنت أتغاضى عن هذا فذلك لأني أحترم نفسي أولا وأحترم سنك ومقامك وأحترم ولدك وصلة الرحم بيننا .. لكن تحذيرك هذا أنا لست ملزما بتنفيذه .. أنا مثلي مثل أي شخص يعيش في هذه القرية ..وما دمت لم اتخط حدودي فليس لك عندي شيء .. هذا آخر ما لدي لأرد به على ما تقوله عني من اتهامات .. وسأغادر الآن .. السلام عليكم " صاح العمدة بوجه محتقن وهو يتطلع في ظهر مصطفى المغادر " ما معنى هذا !!.. هل تقصد أن تقول لي (اركب أعلى ما في خيلك)!!" لم يرد مصطفى ولم يلتفت بل خرج من الغرفة بينما قال مفرح غاضبا وقد طفح به الكيل هو الأخر " لماذا أنت مصر على احراجنا أمامه بما تفعل يا أبي؟!" باستنكار وذهول هتف العمدة مشيرا بسبابته على الباب " أرأيت !.. أرأيت كيف يعاملني ابن فاضل!! .. إنه يخبرني بما معناه أن أذهب وأشرب من البحر ؟" بضيق شديد رد مفرح " يا أبي بالله عليك قلنا لك هو اخبرني من قبل .. وحينما أمسك بالرجل أحضره لك ماذا فعل لكل هذا" ازداد الجنون في عيني عبد الرحيم وهتف بانفعال حتى احمر وجهه وكأن روحه ستغادره " أنت ستجلطني بأفعالك هذه أقسم بربي .. ثم عن أي رجل تتحدث أنت وهو وكأنه أتى بمجد الفاتحين ! .. الرجل الذي امسك به لم يعترف بشيء مفيد سوى أنه قد تلقى اتصالا من شخص طلب منه تنفيذ مهمة مقابل مبلغ من المال .. وأرسل له جزء منه مع رجل ملثم ووعده بالضِعف إن نفذ المهمة .. ماذا استفدنا نحن بالإمساك به !" رد مفرح موضحا " على الأقل من يهدد العم عيد علم بأن الأمر وصل لعمدة البلدة .. واستفدنا بأننا علمنا بما يحاك للرجل بشأن بيته ..( وأضاف بإرهاق ) أنا تعبت يا أبي .. تعبت من اسلوبك .. وتعبت من تخوينك لمصطفى طوال الوقت.. الرجل ونعم الرجال .. بل أنا فخور بأنه ينتمي لعائلة الزيني " قال العمدة بحسرة وذهول " هذا ما كنت أخشاه .. أن يسيطر عليك .. أن يسحر لك فتصدقه رغم تحذيري لك .. يا حسرتي عليك وعلى عقلك .. سلبه منك مصطفى الزيني بمكره وحيله لقد نجح مصطفى .. نجح وهزمني " لم تستطع أعصاب مفرح تحمل المزيد فانفجر يقول بغضب " هل أنا بهذا الضعف وتلك التفاهة يا أبي حتى يسيطر على عقلي شخص أخر!! .. هل تراني بهذه السطحية.. أهذه نظرتك لي ! (وكاد أن ينطقها بقسوة أنه ليس بالضرورة أن مصطفى سيفعل نفس ما فعله هو مع أخيه قبل أكثر من عشرين سنة لكنه لجم لسانه حتى لا يواجهه بالحقيقة شفقة عليه فقال وهو يهدئ نفسه ) عموما أنا آسف يا أبي لأني لست هذا الابن الذي تمنيته رغم كل ما ضحيت به أنا وبذلته حتى ترضى .. وإن كنت قد خذلتك إلى هذه الدرجة دعني أغادر أنا وزوجتي وأولادي بعيدا حتى لا ترى خيبتك فيّ كلما رأيتني " قالها وكأنه يتحجج ليتلفظ بها .. وكأنه يعبر ولو بتهديد مزيف عن رغبته القاتلة في التحرر .. قالها وكأن التلفظ بهذه الرغبة قد يخفف من شعوره بالاختناق.. لكن والده لم يقدر على تحمل مجرد التلميح لرحيله .. ذلك الشبح المخيف الذي يسيطر عليه دوما من أن يذهب مفرح ويقرر البقاء في العاصمة سيطر عليه .. فتحول خوفه لألم شديد جعله يمسك بصدره ويميل للأمام قليلا .. ففزع مفرح وسقط عنه كل غضبه وهو يسرع إلى والده قائلا بقلق" أبي ما بك؟" أجاب عبد الرحيم وهو يبعد يده عنه "اتركني لأموت واذهب إلى حيث تريد هيا " اغمض مفرح عينيه بقوة يحاول التماسك ..يحاول التحلي بالمزيد من الصبر ثم أمسك به يقوده إلى سريره قائلا بترجي " يا أبي بالله عليك هلا خففت عني الضغط قليلا " قال عبد الرحيم بعينين مغرغرتين بالدموع اعتصرتا قلب مفرح " ها أنا أقول لك اذهب هيا ..واتركني أموت بحسرتي على ولدي الوحيد الذي انجبته ليرفع رأسي ويجعل اسم عبد الرحيم الزيني عاليا فخذلني وتركني لتنهش الكلاب أمثال مصطفى في جسدي " كاد مفرح أن يصاب بذبحه صدرية .. لقد فشلت كل محاولاته في اقناع والده بأن مصطفى الزيني ليس ماكرا وبأنه قد زهد في المطالبة بحقه في العمودية منذ زمن .. حقه الذي يعترف به مفرح .. لكنه عاد ليذكر نفسه بما قرره منذ سنوات طويلة.. أنه ليس أمامه إلا طاعة والده وبره خاصة وأن صحته ليست على ما يرام ..وأنه لا يرغب في أن يكون سببا في موته محسورا .. لذا فهو مضطر لتحمله مثله مثل أمور أخرى في حياته كابتلاءات عليه الصبر عليها .. فلا أحد يختار والديه .. مال مفرح على رأس أبيه وقبلها وهو يسنده ليستلقي على سريره ثم قال بحشرجة خرجت منه بصعوبة " لا تغضب يا حاج .. أريدك أن تركز في صحتك ولا تركز في أمور البلدة" هتف الثاني بانفعال "كيف وأنا عمدتها هل ستدفنني وأنا حي !!" تماسك مفرح ورد " طبعا عمدتها أطال الله في عمرك .. إذن دعنا ننسى ما حدث منذ قليل فأنا وأنت لن نتفق في هذه النقطة أبدا .. لذا فلنتجاوزها حتى لا يؤثر ذلك على صحتك يا حاج عبد الرحيم .. هيا استرح وهدئ من روعك" قال عبد الرحيم مصرا على ذلك التصور الذي يزينه له عقله "إياك أن تأمن لمصطفى الزيني" رد مفرح بوعد كاذب حتى يريحه " حاضر يا حاج لا تشغل بالك لن اثق به " قالها وشرد معترفا بقناعته التي لا يعرف متى توصل إليها بأنه بات يثق في مصطفى الزيني ثقة تامة . أما في الخارج فأمسكت نحمده برأسها تقول لابنتها في الهاتف مصعوقة" هل أنت متأكدة من هذا الخبر يا فايزة؟؟؟" ردت الأخيرة بثقة "متأكدة طبعا يا أمي ..قلت لك سحر صديقتي كانت عند الطبيبة النسائية اليوم واتصلت بي لتخبرني بأنها رأت مصطفى وصفاء وتعرفت عليهما هناك .. وبعد أن دخلا للطبيبة علمت من الممرضة بعد استدراجها بأن صفاء حامل يا أمي .. وتأكدت من ذلك الخبر بنفسها حينما خرجا من عند الطبيبة واتفقا مع الممرضة على حجز جدول مواعيد لمتابعة الحمل " هتفت نحمده باستهجان " ألم يشبعا من الأولاد ليفكرا في انجاب السابع؟!.. السابع!!! .. هل تظن نفسها أرنبة بنت حمدية !" علقت فايزة بعدم استيعاب " أنا أيضا لا زلت لا أصدق يا أمي .. ما هذا الجنون!.. إنها أكبر مني بثلاث سنوات ..من أين ستأتي بالصحة لحمل وتربية طفل صغير" أجابتها نحمده بغيظ " لديها الصحة يا حبيبتي ..لديها الصحة ..(ونظرت إلى أعلى السلم تضيف بحسرة) نحن فقط المبتلون بضعاف الصحة .. اذهبي يا فايزة اذهبي سامحك الله على هذا الخبر " هتفت فايزة باستنكار " لو لم أخبرك كنت ستغضبين مني!" أغلقت نحمده الخط بضيق شديد ..وألقت بالهاتف بجوارها على الأريكة التي تجلس عليها متربعة في بهو البيت .. ثم أمسكت رأسها بيد وبالأخرى ضربت على فخذها مولولة "حبيبي يا ابني .. يامن انقطع سلسالك بولدين فقط .. تعال لترى هذه الأرنبة التي تخطت الأربعين ولا زالت تنجب .. حقا ( يعطي القرط لمن ليس له أذنين*) ×××× دخل مصطفى الزيني غرفة مكتبه في الطابق الأرضي من منزله وهو يقول "آسف يا جابر لا تؤاخذني" قال الأخر بحرج" قلت لك سأذهب أنت من أصريت على أن انتظرك ..كنت سأعيد لك الكتاب وأذهب" قال مصطفى وهو يلقي بالعباءة من فوق كتفيه ببعض الضيق ويخرج ما في جيبه من مفاتيح وهاتف وسبحة ليضعهم على مكتبه " حين قابلتني عند باب البيت كنت عائدا للتو من عند الطبيبة ووجدتها فرصة لنجلس سويا وتخبرني بانطباعك عن الكتاب ..لكن استدعاني العمدة فجأة كما رأيت " تطلع فيه جابر بتدقيق ولم يخف عليه عبوس مصطفى و تجهمه فسأله بقلق " هل حدث شيء؟" غمغم مصطفى " لا شيء مخنوق من معاملة العمدة لي ..الرجل لا يكف عن إساءة الظن بي وبكل ما أفعل " قال جابر مهدئا" الصبر يا مصطفى ..الصبر ..أنت قلت بأنك تتحمله لوجه الله تعالى فاصبر الرجل كبير في السن" تنهد مصطفى وهو يمسح وجهه بكفيه قائلا " استغفر الله العظيم وأتوب إليه ( ثم تطلع في الصينية الموضوعة أمام جابر على المنضدة يستفسر ) هل ضيفوك أم لا؟" أشار جابر على الصينية وقال مبتسما " كل هذا ولم يضيفوني !" سأله مصطفى وهو يجلس على الأريكة المقابلة " كيف حال الكتاب معك؟" أجابه جابر بصدق " احببته جدا كنت بحاجة لكتاب بسيط كهذا كبداية.. فكما قلت لك أني هجرت القراءة منذ فترة كبيرة حيث كانت تسليتي الوحيدة في الغربة" بابتسامة رد مصطفى " الحمد لله أنه اعجبك سأعطيك واحدا أخر إن أردت" قال جابر بحماس " أريد طبعا .. المهم طمئني لماذا كنت عند الطبيب كفاك الله الشر ؟" تنحنح مصطفى وأجاب بابتسامة محرجة "لست أنا في الحقيقة بل أم حمزة " غمغم جابر بتعاطف صادق " ألف لا بأس فليشفها الله" ازدادت ابتسامة مصطفى ورد " الحقيقة هي ليست مريضة بالمعنى الحقيقي نحن ننتظر طفل " رفع جابر حاجبيه واتسعت ابتسامته متفاجئا ثم قال مهنئا " ما شاء الله لا قوة إلا بالله مبارك بإذن الله" علق الأخر بسعادة " العقبى لك حينما تنجب أخا أو أختا لميس " علا الضيق على وجه جابر ورد بعد زفرة حزينة "لا اعتقد أن هذه الأمنية قد تتحقق" علق مصطفى بقلق " لماذا ؟.. لا حول ولا قوة إلا بالله .. بالتأكيد هناك علاجا إن شاء الله" وضّح جابر بهدوء " ليس هناك سببا مَرَضيا يا أبا حمزة ..أنا الذي لا أرغب في المزيد من الأولاد من أم ميس " لم يندهش مصطفى فدوما كان يشعر بعدم ملائمة جابر لبيت العسال فغمغم باقتضاب " اممم فهمت " أضاف جابر شاردا بنظراته في السجادة الفاخرة التي تزين أرض الغرفة وكأنه كان بحاجة للبوح " نحن منفصلان تقريبا منذ شهرين أو ربما أكثر توقفت عن العد " سأله مصطفى وقد حزن لاستشعاره حزن صاحبه " أليس هناك مجالا للصلح ؟" رفع جابر إليه أنظاره يرد بصراحة " لا.. فأنا لا أريد.. الأمر انتهى بالنسبة لي" هز مصطفى رأسه عدة مرات متفهما ثم سأله "ولماذا تبقيها على ذمتك ما دمت قد وصلت إلى هذه الدرجة من النفور" سحب جابر نفسا عميقا ثم رد بهدوء " حتى لا أظلمها ولا أظلم ابنتي أنت تعرف وضع المطلقات .. أنا أخبرتها بقراري بهجرها وتركت لها الحرية في أن تقرر مصيرها معي وهي لم تطلب الطلاق لذا بقي الوضع على ما هو عليه " أطرق مصطفى برأسه قليلا ثم عاد ينظر إليه قائلا " يحزنني بشدة أن أسمع ذلك .. ألم تفكر في الزواج بثانية ما دمت قد صارحت أم ميس بقرارك؟ " رد جابر بنفس الهدوء والثبات " الحقيقة إن فكرت في الزواج مرة أخرى فهناك انسانة معينة هي من أريدها زوجة" قالها وصمت فجأة شاردا فأكمل له مصطفى مستفهما " وهي لن تقبل بأن تكون زوجة ثانية ؟" انتبه جابر ونظر إلى مصطفى مجيبا " لا أعرف .. أعتقد لن ترضى بي ..فقد سبق ورفضت أن تكون زوجة ثانية ..لكن هذه ليست المشكلة الأساسية ..فربما استطعت أنا اقناعها ..المشكلة في أن مقامها عندي كبير ولا تستحق مني أن أجمعها مع زوجة أخرى" ضيق مصطفى عينيه ثم غمغم " أممم.. يبدو أنك معجبا بهذه الفتاة ".. عقد جابر حاجبيه يناظره بحيرة ثم أجاب "لا أعرف .. كل ما أعرفه بأني أحترمها وأقدرها بشدة وأراها تستحق زيجة مميزة " اقترح عليه مصطفى " ما دمت لن تستطيع أن تتزوج من هذه الانسانة فلماذا لا تفكر في الزواج من أرملة أو مطلقة.. فهناك فتيات صغيرات تطلقن أو ترملن في سن صغيرة وليس لديهن مانع من أن يدخلن على زوجة أخرى" رد جابر بلهجة مكتئبة " الحقيقة أنا لم يعد لدي رغبة في الزواج ولا العلاقات ولا أي شيء يا أبا حمزة ..أشعر بعزوف كامل عن أي شيء " هتف مصطفى باستنكار تعاطفا مع صاحبه "وهل ستقضي بقية حياتك راهبا!!. مازلت في عز شبابك يا جابر هل ستدفن نفسك وأنت حي !!" رد جابر بلهجة قاطعة " أجل لأعاقب نفسي على سوء اختياري" كاد مصطفى أن يندفع ويذم في عائلة العسال بما يعرفه عنهم لكنه ذكر نفسه بحرمة الغيبة وبأن ابنتهم لا تزال زوجة جابر وأم ابنته فقال بهدوء متفهما بعد أن استغفر ربه " لا بأس لا تقسو على نفسك .. اسأل رب العرش العظيم أن يفرج همك ويرزقك من وسع " زينت ابتسامة حزينة شفتي جابر ورد بهدوء " سلمت يا أبا حمزة .. ولك بالمثل .. وليتمها الله لكم على خير ويبارك لك في أولادك " جاء دور مصطفى ليقول مهموما " كل ما أتمناه من الله أن تكون أم حمزة بخير ..فلا أخفيك سرا أنا قلق عليها رغم أن الطبيبة طمأنتنا بأنها بصحة جيدة والحمد لله" طمأنه جابر يهدئ من روعه " إن شاء الله ستمر فترة الحمل على خير .. ربك رحيم بعباده " غمغم مصطفى " ونعم بالله .. لنتناول العشاء إذن ..ثم نتناقش في الكتاب وأعطيك واحدا أخر " قال جابر وهو يستقيم واقفا " أي عشاء! .. لا ..لا عليّ أن ارحل" هتف مصطفى بانزعاج " والله لن تذهب إلا بعد أن نتعشى سويا ( وعلا صوته ) العشاء يا أم حمزة" ×××× ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ * مثل شعبي يحرم التلفظ به أو الاعتقاد في معناه يتبع بقية الفصل على هذا الرابط https://www.rewity.com/forum/t464653-102.html التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 29-05-20 الساعة 11:46 PM | ||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|