04-04-20, 10:12 PM | #21 | ||||||
مشرفة منتدى الروايات المنقولة
| " ـ كل الأشخاص الذين يدخلون عالمنا مصادفة نحبهم اكثر من الذين ادخلناهم باختيارنا ورغبتنا.. " (15) قبل حلول الظلام.. وقبل قدوم الرداء الأسود المطرز بالنجوم مصحوبا معها القمر.. قبل أن يتوارى ضوء الشمس.. وقبل أن يختفي ضياءها تحت الشفق الأحمر.. وقبل طي صفحة النهار... ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ ^^ مشهد قصير ^^ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ في زنزانة ظل محجوزاً.. في حب ابدي كبل يديه ظل مأسورا.. في ندم كبير حاصره من أربع جهات.. وهو خلف قضبان الحب يعاني.. يعاني الألم من فتاته.. الندم من أفعاله.. الضيق من تصرفاته.. كلماتها كانت كالسيف الحاد.. ذلك السيف الذي يبقى مسلولا بشكل يدخل إلى الجسد.. يمزق الخلايا ثم يغادر ويخلف بعده اثرا لا يزول ..،، نظر إلى ساعته حيث تجاوزت الثانية عشر.. غادر غرفة الاجتماعات وصداع خفيف يكسر عظام جمجمته... وأما بجده ووالده وبقية مجلس الإدارة كانوا يتتابعون خلف بعضهم خارجين من الغرفة.. حتى وقف جده وقال له " مجد.. سنذهب لتناول الطعام" نفى مجد برأسه نية لعدم ذهابه... ثم اخذ قارورة المياه من السكرتيرة وارتشف القليل منها.. وسار مبتعدا حيث مكتبه.. دفع الباب بهدوء ثم دخل.. واجهته رائحة مكتبه الزكية.. رائحة الياسمين!! وبهذه الرائحة يتعطر قلبه أيضا فهذا العطر يذكره بياسمينة قلبه!! أما أثاثه فكان منحصرا بين الأبيض والأسود!! كما غرفته في المنزل أيضا!! وكأنها تعكس شخصيته المتضادة والتي تنتقل ما بين اسود قاتم وابيض ناصع!! وقف على النافذة الزجاجية ووضع يديه في جيب بنطاله.. يتأمل الخارج بهدوء شديد.. والحان حزينة تعزف من الجهة اليسرى في جسده...فقلبه يعزف أنينا متواصلا ينحدر من القلب فينتشر في جميع أجزاء جسده.. " عليك ان تجد حلا لأفعالك.." اطلقها لسانه محدثا نفسه بغضب وكور قبضه يده اليمنى بعد ان اخرجها من جيبه.. زفر بحرارة والتفت الى هاتفه الذي يصدح بالرنين.. امسكه ثم أجاب " ماذا هناك يا رامي.." " تبدو غير مرتاح.. ماذا هناك؟" تحدث مجد متهربا" لا ولكن.. الاجتماع انتهى نصفه الاول وسيكملون بعد الطعام.." " اذا متعب.." علق مجد بسخرية " ماذا تعتقد اذا.." ثم بدل نبرته وبفضول قال " لماذا اتصلت؟؟" تحدث رامي بتنعيم صوته " اشتقت اليك يا حبيبي.." " انت لن تتغير ستبقى طفلا بتصرفاتك.." " احاول تغيير مزاجك.. ولكنني افشل في كل مرة.." تنهد مجد بنفاذ صبر.. فأكمل رامي بعد سماعه التنهيدة " اتصلت بك من أجل اخبارك بالغاء النزهة.. ارسلت لي ريم انها لا تستطيع القدوم.." " لماذا؟؟" تساءل مجد " لا اعلم السبب.. يبدو ان رائد لا يستطيع القدوم.." " حسنا.." صمت ثوانٍ قليله ثم تحدث " هل سليم بالمنزل؟؟" " سليم.. اجل على ما اعتقد،، هل تريد" قاطعه ببرود " الى اللقاء نلتقي مساء.." وبعد ان انهى اتصاله مع رامي خفيف الظل.. اخذ يبحث عن رقم هاتف المدعو بسيلم.. حتى وجده اخيرا.. ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ ^^ ^^ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ اما ما حصل مع رائد قبل هذا المشهد القصير.. عندما كان في استراحة الغداء... جلس في زاوية من زوايا المقهى القريب من مكان عمله شارد الذهن يفكر بتلك الصور وتلك العبارة التي الجمته عند قراءتها غير مدركا لريم التي اقبلت عليه بابتسامتها الخجولة.. جلست على الكرسي المقابل له ووضعت حقيبتها على الكرسي المجاور لها.. كادت ان تتفوه باعتراض على سكونه وعدم وجود رد فعل جميل بسبب قدومها ولكنها لاحظت شروده المخيف وتسمر انظاره الى الخارج.. همست بقلق " رائد..".. ثم تدفق شعور الاستغراب فيها عندما لم يجب ولم يتحرك قيد أنمله.. فتفوهت بصوت أعلى باسمه من جديد فانتشل نفسه من عالمه الصامت المريب وكأن شيئاً ما قد صعقه... ثم مسح على وجهه بتعب و نظر اليها بحزن.. فقد ادخلها في متاهته وضائقته وماضيه... تنهد عندما سألته " ما بك؟!" تعقد لسانه فماذا يقول لها!! هل عن صورها التي وصلت اليه؟؟ هل يقول عن خباثة عمه وحقده بأن استأجر احدا يراقبهم؟؟ نهضت ريم من مكانها ثم جلست بجانبه وامسكت يده بخوف وانقباض قلبها يبشرها بشيء سيء على وشك الوقوع... نفض رأسه ثم نظر اليها ولاحظ الخوف في عيونها.. ابعد ناظريه عنها وهو يشعر بالندم وبالأسف الشديد لإيقاعها بين يدي عمه... اخترق ندمه ذاك صوتها المرتجف " ماذا حصل؟؟ ماذا هناك؟" التزم الصمت فهو لا يدري حقا ماذا يقول لها؟؟ هو ذاتا في حالة صدمة.. لماذا ما زال عمه يراقب تحركاته.. الى ماذا يسعى بعد ان اخذ كل ما يريده؟؟ وبعد هذه السنين!! مضت دقيقة ثم شعر باهتزاز في جسده جراء تحريك ريم له بانفعال " ماذا هناك.. لا تخفني ارجوك؟! اخبرني؟" تحرك لها ببطء فنظرت اليه.. الى عيونه التي تصلبت وظلت تنظر اليها بمزيج من المشارع المختلفة.. انها حقا لا تفهمه.. لا تفهم تصرفه وصمته الغريب هذا!!! لا تدرك اي شيء حدث معه حتى تشعر بذلك الشعور الغريب المخيف؟؟ ولم تعي الا على يده التي لامست يدها برفق... وشاهدت تردده بالكلام فما يكاد يفتح فمه للتفوه الا بشفتيه تنطبقان بشكل مستقيم... ازدردت لعابها عندما تذكرت انها صادفت تلك المدعوة (هنادي) التي تعرفها على انها خطيبة كمال امام مكتب رائد... نفضت عن رأسها تلك الفكرة فكيف تعلم هنادي ان لها صلة برائد!! فماذا يكون اذا يا رائد ذاك الذي يجعلك غريبا هذا اليوم... ثم انشدت حواسها عندما شعرت رائد ينطق بهدوء شديد " ريم.." " هممم" اخذ نفسا عميقا وشد بيده على يد ريم ثم قال " انتِ تعلمين انني احبك جدا حتى وان لم اعبر لك دائما.." اومأت رأسها بخجل " اعلم ذلك.." " وتعلمين انني لا اود ايذاء حتى خصلة من شعرك.." رائد بعد ان زم شفتيه.. " اجل.." " ولكن.." صمت عندما شعر باختناق صوته في حنجرته... تنهد ثم ابعد ناظريه عنها وقال بعد ان اطرق رأسه " انتِ افضل شخص تعرفت عليه... لا استطيع ان اوفي حقك.." ابتسمت ريم بريبة ممزوجة ببعض الغرابة من الموقف.. ثم اكمل رائد عندما رفع رأسه واخذ يبعثر نظره محاولا نطق ما بداخله... تسلط الخوف عليها وتملكها وكأنها جزء من ممتلكاته حتى ان قلبها اعلن زلزالا مرعبا ينذر بوقوع العديد من الضحايا.. تنهدت لعلها تبعث في نفسها القوة والراحة ولكنها سألته بخوف " هلا تقول ما يؤرقك؟!" تنهد بحرارة وقال بحذر " عمي.." عقدت ريم حاجبيها ثم قالت بحيرة" ماذا به؟!" " انه.." صمت قليلا.. فقالت ريم بعدم صبر " ماذا؟!" " يراقبني.. او بالأصح يراقبنا.." رمشت عده مرات تحاول استيعاب ما يقول ثم قالت ببطئ شديد " كيف؟!" " حقا اعتذر لادخالك في.." قاطعته " اياك والاعتذار.. ليس هنالك ما تعتذر له.." " ولكن يا ريم.." تساءلت ريم " لماذا تخشى عمك هذا كثيرا انا حقا لا افهم.." زفر بحرارة وادخل يده بين خصلات شعره " انا لا اخشاه.. فقط لا اريد مواجهته ولا اريد رؤيته حتى.." اومأت رأسها تتذكر محادثته صباحا مع جيداء "كيف علمت بمراقبته لنا؟!" " لقد ارسل لي مغلفا يحوي صور كل منا.." اطبقت شفتاها من الصدمة حتى انهما استقامتا مع اتساع عيونها بينما استرسل رائد حديثه بحقد " وليس ذلك فقط.." نظرت علامه الاستغراب على ريم فاكمل رائد بعد ان لوى شفتيه بسخرية " وترك رسالة ايضا.." " كيف؟؟ ما محتواها؟!" ريم بعدم تصديق " انه يقول اننا سنلتقى قريبا جدا.." ثم زفر بضيق " لا ادري حقا ماذا يريد منك.. وكيف يستطيع فعل كل ما مضى والان والتفريط بك.." " من فرط بابنته لن يأبه بعائلة اخيه.." نظرت اليه بعدم فهم " ابنته؟!" "جيداء.." شهقت بقوة " هل جيداء.." اومأ رأسه بمرارة " اجل.. تركها منذ الصغر واعطاها لمحاميه الخاص.." " انت لم تخبرني بذلك؟!" " لم اشأ من اجل جيداء.." فظهرت على ريم علامات التفهم واكمل رائد " لا ادري ما السبب في تركها ولكنه قد خسر ابنته وللأبد.." تساءلت ريم بعد اسعفتها ذاكرتها في الولوج الى بعض محادثاتهم " ألم تقل لي ان عمك متزوج؟!" اومأ رأسه " اجل بعد موت والدتها.. ويوجد لديه طفلة ايضا.." ريم بدهشة " حقا.." تنهد رائد " للأسف هكذا.." لوت ريم شفتيها بضيق " والعمل الان؟؟ ليس كعصابات المافيا بالافلام.." وبرغم ما يمر به رائد حاليا الا انه ابتسم " لا.. صحيح انه له من الاملاك والمعارف.. ولكن لا تصل افعاله الى هذا.." ثم اخذ يطرق بسبابته على رأسها " اخرجي من جمجمتك هذه الافكار الطفولية.." لوت شفتيها ثم همست بخفوت " كان يجب عليك منذ زمن ان تأخذ حقك منه وان لا تتركه يمرح ويلهو بمالك.." " انا اعلم ما معنى فقدان الوالد يا ريم.. لديه فتاة صغيرة وزوجة.. لذلك لم استطع.. ولا يوجد معي ادله تؤكد فعلته.." اومأت ريم " لماذا لا تحاول.. فكر مليا بالامر.. نهب الاموال ليس بالشيء القانوني.. انا وانت نعلم ذلك من خلال تخصصنا.." تنهد بتعب وبنبرة قلقة " هل سأستطيع!!" اومأت رأسها بتأكيد ثم احتضنت ساعد رائد بامتلاك ووضعت رأسها على كتفه وتحدثت " ما دمت على طريق الحق فلا تخشى شيئا.. وما دام هناك عدالة في الكون.. فالحق يفوز دائما.." وعلى مقربة من المقهى وقف قصى ينظر من خلال النافذة على كل من رائد وريم.. ثم امسك هاتفه وعبث بأزراره ووضعه على اذنه... وبعد قليل جاءه صوت الطرف الاخر فقال " انهما في المقهى الان يا سيدي....." ************ "حسناً حسناً... اغلق الان واهتم بعملك جيدا... وارسل لي ما يستجد.. الى اللقاء.." اغلق هاتفه ثم وضعه جانبا.. اعتدل في جلسته واصبحت اكثر اريحية... ثم التفت بسعادة عندما سمع صوت بوق السيارة واذا بها تدخل في باحة المنزل... ابتسم من خلف النافذة ثم نهض بشوق نحو بوابة بالمنزل... فتحها ثم وقف برجوليته الطاغية ينظر الى عزيزته التي ركضت ناحيته تصرخ بأعلى صوتها " ابي.." نزل على الارض وفتح ذراعيه حتى حطت طفلته بين ذراعيه بقوة.. عانقها ثم نهض ودار بها بسعادة وهي تضحك... وقف ثم لهث هو وطفلته من التعب.. " اشتقت اليك كثيرا يا ابي.." " وانا ايضا يا ملاكي.." تقدمت سوزان منهما وقالت " اهلا بك يا سيد ماجد.." بادلها الابتسامة ثم نظر الى ملاك التي تفوهت " لقد تأخرت كثيرا.. لماذا لم تأت وتأخذنا.." امسك يدها ثم سارا نحو الصالة " لقد كنت متعبا.." لوت ملاك فمها بضيق ثم جلست بجانب والدها " لن تسافر مره اخرى أليس كذلك؟!" قال السيد ماجد بعد تفكير " ربما بعد شهر.." " ولكن.." قاطعها والدها " العمل يا عزيزتي.. ولكننا سنسافر سويا.." صفقت بحماس " يحيا ابي.." ضحك ماجد على ابنته ثم ضمها اليه بشوق وحب...اغلق عيونه وحدث نفسه " اعتذر.. ليس العمل!! بل هناك امورا اخرى مخيفة بالنسبة الى عمرك يا عزيزتي.." وبعد ان تذكر شيئا ما يخص كذبته البيضاء تركها " هيا اذهبي وارتاحي قليلا سأصطحبك مساء للعشاء.." " حسنا.." قالتها ثم قيلته على وجنته وغادرت الصالة... وعندما دخلت سوزان المطبخ قبل عده دقائق.. جلست على الكرسي وتحدثت الى الخادمة بحديث قصير... سمعت بعد دقائق استدعاء السيد ماجد لها.. نهضت من على الكرسي ثم توجهت حيث الصالة.. انتابتها الغرابة عندما رأته يقف بقرب النافذه.. فاصدرت صوتا منخفضا دليلا على دخولها... التفت اليها ثم قال وهو يشير لها بيده " هلا تجلسين قليلا.." اومأت رأسها ثم توجهت للجلوس وقالت " تفضل انا اسمعك.." حك باظفره ناحية ذقنه ثم قال " لقد جنيت بعض المال من عملي الاخير ولم يسبق لي ان انفقته بشيء جيد غير على ملاك.." ابتسمت ملاك " انها حقا محظوظة لوجودك... لقد اغنيتها عن الحاجة لأحد.." اكمل السيد ماجد حديثه بعد ان جلس " اريد التبرع فيه لأشخاص بحاجة ماسة الى المال.." اومأت رأسها " كيف ذلك؟؟ اعني هل هناك جهة معينة تود التبرع لها؟؟" نفى برأسه " لا.. ولكن سيكون نصفه لعائلة فقيرة تمت لي بصلة.. والنصف الاخر افكر بأن انفقه لاحدى دور الايتام.." " ولكن هناك العديد منها في البلد.." " اعلم ذلك... ولكن ليس معي الكثير لأنفقها لجميعهم.." اومأت رأسها بتفهم وقالت " ما رأيك ان اتحدث لمديرة المأوى ربما تساعدنا في معرفة اكثرهم احتياجا للتبرع.." " هذا جيد.." تحدثت سوزان " او ربما احدى المؤسسات الخاصة بهذا الامر يكون افضل.." اومأ رأسه وكأن هذا ما يريد الوصول اليه بشكل غير مباشر.. كان يريده بشدة وتحجج حتى لا يثير الشكوك،، فقط يريد لتلك المقابلة ان تتم عاجلا ام اجلا و بأي شكل.. ابتسم لها " شكرا لك.." " لا عليك..." ثم نهضت من مكانها ولكنها توقفت بتردد وقالت له " سيد ماجد.." عقد حاجبيه " اجل.." ازدردت لعابها وشبكت اصابعها مع بعضها.. فقال هو بنفاذ صبر " هل تعانين من مشكلة ما؟!" " ملاك يا سيدي.." زمت شفتيها " لقد عانت من ارتفاع الحرارة.." نهض من مكانه بهلع " حقا.." اومأت رأسها ثم قالت لتطمأنه " قال طبيب المأوى انها اصيبت بالحمى لانها استحمت وخرجت للعب مباشرة..." تنهد ماجد براحة فقالت سوزان " انا اتأسف لعدم الاهتمام بها ولكنها.." قاطعها السيد ماجد بسخرية " عنيدة.." اومأت سوزان رأسها " للأسف هي كذلك.." " حسنا.. لا بأس لقد مضى وانتهى.. انا اهملها بسبب سفري ولكن انتبهي لها جيدا " ابتسمت له ثم قالت "حسنا.. ان لم يكن هناك امر هل استطيع الذهاب؟!" " حسنا.." ***************** قلبي بستان من الورود.. حقل من الازهار منقسم الى قسمين.. طرف أيمن واخر ايسر.. حجرات قلبي مليئة برائحة المستقبل الجميلة.. وبعضها بأشواك الماضي المؤلمة..!! هل يتخلى الانسان عن ماضيه!! ام يبقى حبيسا لطعنات الماضي!! لا ادري اين المفر!! فماضي المؤلم يلاحقني في صور وذكريات!! سموني القمر!! حتى أكون مصدر الضوء في عتمه الليل!! و أكون المنير لقلب أي شخص أقابله في حياتي!! ولكن لا يبدو ان اسمي قمرا منيرا لحياتي!! كلماتها مرآة لما يلفظ به قلبها.... عبرت عنه بحروف كتبتها بالنقر على شاشة هاتفها.. نظرت الى المفكرة التي كتبتها قبل قليل.. ثم امالت رأسها حتى يرتخي على مقعد السيارة.. ظلت صامتة والسيارة تعبر طريقها في المدينة حتى تنهدت بملل وصوبت نظرها مع التفات رأسها وبقائه مستندا على المقعد... تنظر عبر النافذة حيث المباني والمحالات والعمارات الشاهقة تتحرك معهم.. ولكن كل على حدا.. يسيران بشكل متضاد باتجاهين متعاكسين.. امالت شفتيها بسخرية حين شبهت بعقلها ان تلك المباني ليس الا عبارة عن مجد الذي يسير بطريق معاكس لها.. ربما يلتقيان على مفترق طرق حين الاشارة الحمراء ولكنهما يفترقان بثوان قليلة بعد ان يظهر الضوء الاخضر.. نفضت ما يحلق في راسها من افكار تحوم وتطفو على عقلها.. نهرت نفسها ووبختها داخليا.. على غرقها بمجد اكثر واكثر مع مرور الايام.. تأففت بضجر وهي تحاول التعديل من جلستها فتصبح اكثر راحة.. وجودها مع السائق افضل بكثير من ذهابها مع معدوم الاحساس متبلد المشاعر،، ولكن ان كان ما قالته ليليان صحيحا!! ان سبب كل ما حدث بسبب خوفه علي من رامي.. ان رامي يحادث الفتيات ويصاحب العدد الكبير منهم بختلف الاعمار،، حتى ان الكثير تعلقن به وشهدت على بضعه فتيات واحداث كهذه.. ربما يحق له ان يخاف ولكن هذا لا يعطيه القليل من الحق لتصرفه بهذا الشكل،، كان يمكنه اختيار طريقة يعبر بها عن قلقه وخوفه بطريقه حضارية.. لينة اكثر،، ولكنها لا يجدي الا الصراخ ولا يعبر عن عتابه وخوفه وجميع مشاعره الا بطرقة معاكسة.. ما زالت تفكر به.. تفكر بكل ذخيرة سلاحية يشن بها الحرب نحوها.. تنهدت وهي تحاول ابعاده عن عقلها عن تفكيرها عن حواسها... ان الصواب هو التجاهل!! تجاهل نظراته!! تجاهله هو باكمله.. فالتجاهل هو الدرع الوحيد الحامي منه.. واخيرا بعد دقيقة استطاعت قفل مجد بصندوق وطمرته تحت اتربة عقلها.. ابعدته عن تفكيرها.. حتى انها ابتسمت الان ابتسامة خفيفة.. وهم في انحراف على الطريق الرئيسي لاحد الشوارع.. رن في اذنها نغمة وصول رسالة هاتفية.. فالتقطت اناملها الرقيقة هاتفها.. وعيونها تستقر على حروف الرسالة يلمع فيهما بريق الاستغراب والحيرة.. وما كانت كلمات الرسالة الا كما يلي ( لو واجهك الان!! ذلك المتشبث بقلبك الرقيق!! لو انه يخرج من بين طرقات المدينة امامك!! ماذا ستكون ردة فعلك!! ) أخذت تلتهم حروف الرسالة ولم تستسغ طعمها.. ولم تفهم كلماتها.. لم تستوعب اي شيء.. ظلت متسمرة هكذا للحظة تنظر الى الكلمات التي تخفي بداخلها احجية كبيرة... ابتلعت ريقها اخيرا عندما حولت الشاشة الى معرفة من المرسل.. فغررت فاها وهي تنظر الى الرقم،، هو ذاته الذي يتصل بها كثيرا وحين تجيب يبادلها بالصمت.. زمت شفتيها بحيرة تقلب عيونها من جديد لتحل الشيفرة المرسلة اليها.. وهي في حالها هذا باغتها رسالة جديدة من نفس الرقم تحوي عبارة ( عهدناك مسامحة.. طيبة القلب.. أنيقة بمشارعك.. فسامحي كل من اساء لك..) ازدردت لعابها امام انظار السائق الذي بادر بالحديث مستفسرا " انسة قمر،، هل هنالك شي!!" نظرت اليه ثم نفت برأسها وتحدثت ببطئ " لا،، ولكن (نطقتها مع عقد حاجبيها باستغراب وفضول) كيف يمكننا معرفة رقم هاتف يخص من.." السائق وانظاره على الطريق " هل تقصدين مالك الهاتف!!" أومأت رأسها " أجل.." " هناك بعض البرامج التي تحمل على الهواتف الذكية.." " اه،، شكرا لك.. هل ما زال الطريق طويلا؟!" " المكان الذي ستذهبين اليه بعيدا بعض الشيء.." ابتسمت له ثم بملل نظرت نحو النافذه.. وبعد عدة دقائق انتفضت جراء سماعها نغمة رنين هاتفها يصدح بالمكان.. فالتقطته لتجيب بسرعة ناطقة " اهلا رامي.. اين انت؟!" جاءها صوته حادا بعض الشيء " بل اين انت؟!" عقدت حاجبيها " انا في الطريق الى النزهة!!" " ماذا!! اي نزهة!!" اجابته بسرعة " النزهة الى التلة!!" " لا يوجد نزهة!!" تحدث بهدوء عكس ما سبق " كيف!!" قالتها بدهشة سمعته يطلق تنهيدة ثم اخبرها برسالة ريم.. فتحدثت " حقا،، ولكن.." قاطعها " عودي الى المنزل.. او اذهبي الى مكان ولكن دعي السائق معك لا يتركك للحظة واحدة.." " حسنا.." اغلقت الهاتف بشرود ثم حملقت قليلا نحو الهاتف بعد انو وصلتها رسالة اخرى من نفس الرقم.. تنهدت بغضب انه متسكع يحاول الوصول اليها برسالة بل بعدة رسائل يرسلها.. عليها ان تخبر رامي بذلك لكي يجد حلا لذلك المزعج.. ثم ووجهت حديثها نحو السائق " هل يمكننا العودة!! لقد التغت النزهة.." ازدرد السائق لعابه.. واومأ رأسه بتوتر متذكرا تلك الجملة الصارمة التي حطت على اذنه قبل ان يأمر احدى الخادمات بأن تستدعي قمر بحجة النزهة " مهما حصل.. ستجلبها لي.. ولن تدع اي احد يشك،، وان راودها اتصال ما تصرف بشكل طبيعي.. هي لا تعلم طرقات المدينة جيدا لذلك يجب عليك ان تظل تجوب طرق المدينة.." ************************************* اما قمر اخرجت من حقيبتها تلك الرواية فتشغل نفسها بطريق العودة بحروفها افضل من انشغال عقلها بذلك الرخامي من جديد.. فتحت صفحاته على اخر ما وصلت وبدات الحروف تغزو عيونها حتى ان اندمجت باحداثها... تقرأ وعيونها متركزة على الرواية.. وكأنها اصابتها باحد سهام الحب فتبقى اسيره حروفها الذهبية.. لا تدري اين تأخذها الطريق مع هذا السائق.. يسير في طرقات المدينة حتى انحدر بعد تأكده من عدم انتباه قمر لما يجري حولها... كانت الطريق معبد بالرغم ان المنطقة نائيه.. يغلب عليها الطابع القروي.. اراضي زراعية متناثرة متصاحبه خلف بعضها.. خضراء هي في هذا الصيف... يسير في طريق متواصل وعيونه تبحث عن ذلك الشخص الذي طلب قمر.. يزدرد لعابه بصعوبة بالغه خشية من انتباه قمر لما يحصل... واخيرا بعد سير في طريق متوازي حتى استدار الى يمين الطريق.. حيث شكلت اشجار العنب المتلاحقة ظلالا على مدى الطريق.. سار مسافة ليست بكبيرة حتى ان ضيق عيونه بسبب ضوء السيارة التي امامه والموجه ناحيته.. اقترب اكثر منها ثم توقف.. ترجل من السيارة بهدوء تاركا بابا السيارة مفتوحا.. توجه نحو ذلك الجسد الاسود.. جرى بينهم حديثا قصيرا.. ثم تبادلا السيارات.. وبعد مدة قصيرة جدا.. لا تتعدى الربع ساعة.. وبعد ان تاهت عيونها بين حروف الرواية.. وضاعت هي بنفسها وبكامل جسدها بين صفحاتها التي تتالت خلف بعضها البعض كأراضي القرية الموحشة التي تسير بها دون ادراك.. ودون ادراك وهي في وسط العالم الخيالي الذي تقرأه بذلك الذي اعتدى على السيارة وينظر اليها بين الفنية والاخرى.. هل حقا يكون الانسان مأسورا ببعض من الحروف يجعله يتناسى الطرف الاخر ن العالم!! هل يجعلها اسيرة فلا تدرك وجود اخر شخص تتوقعه في الحياة معها وبذات المكان منفردين!! باغتها على حين غرة.. ام الان لها الان ان تذهب في سبات عميق من شيء تسلل خفية وتسرب داخلها.. فتذهب هي في غيبوبة نوم عميقه بسبب تلك العبوة التي وضعها المجهول في صندوق السيارة الداخلي.. كاتما هو انفاسه بينما ارتخت هي واغلقت عيونها وسافرت في بحار عميقة.. .. ***************** " تفكيره مشوش جدا" همست بخفوت وهي تسير من خلفه يتنقلان بين طوابق المؤسسة.. جاءها صوت المتحدث قلقا " حسنا يا ريم.. سأوافيكم بعد ان انتهي.. ابقِ معه.." وبذات النبرة السابقة اجابت ريم " حسنا يا جيداء.. بانتظارك.." اغلقت الهاتف ثم اسرعت بخطاها وسارت بجانبه.. كان لا بد لها من اخبار جيداء فهي قريبة منه كثيرا ووحدها تعلم ظروفها ونشأت معه.. منذ ان تحدثا في المقهى لم ينبس ببنت شفة.. ظل صامتا وكأنه جثة.. يتحرك كرجل الي من اثر الصدمة والقهر.. حتى هي لم تستطع الا تتأثر بما حصل.. تنهدت عندما انعطفا للوصول الى احد الاقسام... نطقت باسمه بهدوء شديد طاغيا عليه بعض الريبة ثم اكملت بذات النبرة عندما التفت اليها " ماذا ستفعل!! اقصد ماذا سنفعل!!" نفى برأسه بمعنى ( لا ادري ) والتزم الصمت بعدها ثم انهار على احد المقاعد الجانبية البعيدة عن الانظار.. ضاق صدرها واشتعل فيه حتى انه امتلأ بثاني اكسيد الكربون الذي يخنق.. دمعتها خانتها ورفضت الا ان تخرج من عيونها.. انها حزينة على حاله جدا.. جلست بجانبه والصمت المميت ينشر سمومه بالمكان.. احتضنت ساعده بقوة وهمست له " انا معك.. مهما كان الامر سأظل معك.." لم يستطع التفوه بشي فقط شد على قبضة يدها ردا لها.. لسانه منعقد،، واطرافه مشلوله.. عيونه متسمرة.. وجسده ثابت.. الا صدره الذي يعلو ويهبط.. مشاعره التي تتخبط بداخله.. يجب ان يجد حلا.. حلا يخلصه من ذلك الشؤم.. يحول حياته من جحيم عمه.. الى جنه.. جنة كليئة بعدد من الاشخاص فقط!! جميعنا نتمنى ان ننفرد وونعزل مع احدهم!! وهو يريد هذا بالتحديد!! فكر كثيرا خلال بضع دقائق الى ان وجد الحل حقا ان يبحث عن حقه.. ربما الطريق طويلا.. وربما لن ينجح.. ولكن سيفعل ما يستطيع.. يكفيه وود احد بجانبه مثل ريم.. ريم هذه المحبوبة الذي لا يستطيع التخلي عنها.. انها سكرة حياته.. فاجئه دخولها في كومه الركام الموجود.. الا انها اثرت وفضلت المكوث معه على هذا الركام.. همس بهدوء مع ابتسامة جانبية " يا سكرة حياتي.." رمشت ريم مرتين متتاليتين ثم نظرت اليه باستغراب ولكنها سرعان ما ابتسمت عندما شاهدت نصف ابتسامة تشق وجهه الجميل.. شعرت باحتضان يدها اكثر واكثر كأنه يطلب منها البقاء.. يطلب منها الوقوف بجانبه.. هذا ما فهمته من نظراته الحانية ومن امساكه يدها بشدة.. لقد سجنت بحبه وهو سجانها.. فهي لن تستطيع مغادرة هذا السجن.. وترك من سجنها بزنزانة الحب.. همس لها بحب " سنظل معا!!" ترقرقت عيونها بالدموع وهمست " نحن معا حتى نهاية العمر.." ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ ^^ مشهد قصير ^^ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ ظلام دامس.. انفاس متقطعه.. خوف وتوجس.. ذعر ورهبة.. اطراف مرتجفة.. وذلك الذي يحتجز فمها كلاصق حجز عليها بعنف.. صداع خفيف بفتأ برأسها.. دوار شديد.. اطرافها متكسرة.. ويديها مكبلة بحبل عنيف خلف الكرسي الخشبي.. واقدامها كذلك!! اما بعظام رقبتها فتوكد ان تتهشم فرأسها منحدر للأسفل بشكل مرتخي.. ورائحة حريق يتداخل مع رائحة المكان الكريهة.. فحاولت كتم انفاسها.. ولكن رفعت رأسها بحدة عندما سمعت ارتطام شيء بقوة شديدة.. مما اصدر صوت فرقعهة من عظامها فتأوهت بصمت..ثم استدارت برأسها ببطئ شديد مع بصيص نور صدر من احدى النوافذ.. تمتمات خفيفة بعثت فيها الرعب.. وقلبها ينتفض بعنف شديد.. كيف وصلت هنا!! لا تتذكر كثيرا.. ربما كانت في السيارة مع السائق ولكن بعدها ماذا حصل!! ذاكرتها لم تسعفها كثيرا لانها ازدردت لعابها بخوف عندما سمعت صوت اقدام يبدو على صاحبها الغضب.. ارتجفت اوصالها وتبعثرت مشاعرها بين خوف وذعر.. مشاعر مضطربة من ذلك الكائن الذي كان يسير باتجاه مكانها.. وصوت يهمس بجانب اذنها كفحيح الافعى " قمر..." ذلك الصوت برغم انخفاضه الا انها علمت من صاحبه او شكت بذلك!! وانذرت عيونها بسقوط الدموع ولكن باغتها ضوء الغرفة فجأة واغلقت عيونها بضيق.. وبعدها تفتح عيونها وتغلقها وطيف شخص لم تميزه بعد.. وبعد ان اعتادت عيونها على الضوء بعد الظلام.. تسمرت عيونها على ذلك الجسد الذي يقف بشموع وانظاره منظلقة نحوها.. توقف كل شيء فيها وتجمد.. وعيونها مفتوحة على اشدهما.. ولعابها يقف في وسط حلقها لم تستطع ابتلاعه.. وهي في دهشتها هذه وبوخز في قلبها نطقت بضعف شديد " أبي.." **************** همس لها رائد بحب " سنظل معا!!" ترقرقت عيونها بالدموع وهمست " نحن معا حتى نهاية العمر.." كم من الجميل ان يقابلها بمسح قطرات الندى التي سقت وجنتيها.. مع ابتسامة برغم احزانه فبادلته العناق بعنوة وتملك.. ابتسم اكثر من اعماق قلبه.. مزيج من العواطف التي اشتملت عليها هذه اللحظة وكانها تقصد بعناقها وبصريح العبارة ( لن أتركك ) وهو لن يتركها ابدا.. لذلك شد في العناق للحظة قصيرة ثم ابتعد عنها بحرج شديد.. نهض مستحثا لها بمد يده.. وضعت اناملها الرقيقة بين قبضته فشد عليها وبالمقابل شدت على يده بتملك شديد... وعندما اقتربا من مكتبه قال لها ممازحا " اذهبي الى احدى دورات المياه انظري الى شكلك كيف اصبح كأنك مومياء خرجت لتوها من القبر.." نظرت اليه بعبوس " انا جميلة بكل حالاتي.." وسرعان ما ابتسمت بل زادت ابتسامتها وانطلقت منها ضحكة عفوية امام نظرة الاعتراض على وجهه.. بعد فنية تلاشت تلك الضحكة تدريجيا حتى قطبت حاجبيها بضيق... فابتسمت هنادي لهما عندما كانت على وشك الخروج واستقبلتهما على باب المكتب ثم تحدثت بتفاجؤ " ريم.. ما اخبارك؟!" ظلت ريم متسمرة البصر عليها بعيون مستنكرة.. وعدم فهم يقودها للضياع.. تلك الهنادي لم تقابلها الا مرة واحدة وهذه المرة كانت في المشفى.. عندما اعرب كمال عن حب تلك المخلوقة له او اعجابها به.. فحين اذ كانت ريم الحل السريع لكمال كما في السابق بانها مخطوبته... هنالك شيء مريب خلف قناع هذه الفتاة.. فليس من المعقول ان تقابلها بشكل جيد.. نفضت رأسها عندما نقل رائد بصره بينهما بحيرة.. اولا على ريم والضيق منحوت على وجهها وهنادي الموظفة في المؤسسة والتي تعينت حديثا وتقوم تحت اشرافه... كان الامتعاض ظاهرا على ريم ولكنها جاملتها " بخير.. وانتِ؟" ثم سارت الى الداخل بهدوء شديد.. معكرة المزاج والمشاعر.. غير ابهة بجوابها.. جلست على اقرب مقعد ولاحظت انتقال مكتب جديد في غرفة رائد.. وكأن رائد فهم مقصدها فاجاب عندما انتقل خلف مكتبه " لقد بدأت بالعمل هنا وتحت اشرافي.." اومأت ريم برأسها حتى اطرقته اخيرا تلعب باصابعها.. بينما انشغل رائد قليلا بفكر مشوش بعمله مع ارقام وحسابات دقيقة وبين رسالة عمه.. حتى ضاق ذرعا بعد عشرة دقائق.. فرفع رأسه المتفجر ضيقا عن هذه الارقام حتى سقطت عيونه على ريم.. مقطبة جبينها بضيق كبير.. ساندة رأسها على كفها بتعب واضح.. وأرق زارها في وضح النهار.. ثم التفت بهدوء الى هنادي التي تحدثت بفضول " هل انتم اصدقاء.." بينما رفعت ريم رأسها باستياء ونظرت اليها بفتور شديد ثم التفت الى ريم رغبة بعدم مجاراة هنادي بالحديث فهي ذات لسان طويل وتراوغ كثيرا بالكلام قال لها بحنان " اذهبي واغسلي وجهك.." اومأت ريم بهدوء مع ابتسامة شاحبة.. والقت بصرها قبل النهوض على هنادي المنشغلة بعملها..وما برحت ان شعرت بيد رائد تحثها على السير خارجا " سأكون في الطابق السفلي.. واتيني حالما تنتهين.." " حسنا.." ثم أخذت تسير بهدوء بأعصاب تالفة.. ************ وصلت الى الشركة اخيرا بسيارتها الجديدة بطراز رياضي يناسب عمرها.. ترجلت منها ثم اغلقت بابها بقوة وغضب شديد وقهر ملامحها واضح للعيان.. هذه السيارة الجديدة للتغطية على اعماله الحقيرة مع شريكه... ثم أخذت تسير وكأنها تهرول في مشيتها كأنها اعصار يهب في البناء وتقاسيم وجهها قاسية رافعه شعرها بطريقة عشوائية.. توجهت حيث المصعد واستقلته حتى وصل بعد ان نفذ صبرها.. استدارت في الممرات القليلة ثم انعطفت في اخر ممر وسارت ما يقارب المتر الواحد فقط تنثف دخان الغضب وتتوعد حتى وصلت حيث احدى المكاتب.. وقفت تستسيغ ذلك الكلام الذي بدا غير منطقي ابدا... وكأن الدهشة على صاحبة الصوت وهي تقول " لا ادري ماذا اقول لكِ!! انها هي بذاتها ريم مخطوبة كمال.." رفعت احدى حاجبيها ثم تقدمت الى الداخل مع كلام هنادي المستفز والمثير للغضب " ان عيني لا تخطئ انها تحب رائد زميلي في العمل.. ولكن أليس مؤسفا على كمال.." ثم تبعت ذلك الكلام تنهيدة سرعان ما فتحت عيونها وقالت مسرعة " لحظة.." وابعدت الهافت عن اذنها وقالت بأدب " أهلا تفضلي ماذا تريدين؟!" انثنت شفتا جيداء من هراء الكلام الذي سمعته قبل قليل وهزت رأسها نفيا وتقدمت خطوات قليلة حتى كادت تصل الى مكتب رائد ولكن صوت ريم المتعب من خلفها " ااه جيداء.." التقطت نفسا عميقا والتفتت اليها بهدوء شديد ولاحظت العبوس في ملامح الريم... نفضت رأسها على نية القول لريم ما سمعته.. ولكن محور الموضوع الان هو رائد لذلك تسائلت بقلق " اين رائد؟!" أجابتها ريم عندما تعدت عتبة الباب ودخلت الى المكتب " انه بالاسفل.. سآخذ حقيبتي ونواتيه.." أومأت جيداء رأسها ثم ألقت بجم نظرها نحو تلك الفتاة.. جحدتها بنظرة قاسية وهي متسمرة النظر في احدى المجلات.. ولمحت ظل ريم يقترب مع صوتها الذي همس في اذنها " هنادي.." قاطعتها جيداء بأن اومأت رأسها ببطئ شديد " علمت ذلك فور وصولي.." بان الاستغراب على ريم فهمست جيداء لها " اخبرك لاحقا.. هيا بنا.." ثم سارتا خارجا والضباب يسيطر على عقليهما.. ******** أنين خفيف وهلوسة كلامية تصدر من صوت رقيق في المقعد الخلفي من السيارة.. ازاح النظارة عن عيونه والقى بها الى الخلف.. كان قد ارخى نفسه على مقعد السيارة بعد تشوش تفكيره وميلانه نحو أي طريقة ستستسيغ قمر بها الاعتذار!! وأي ردة فعل ستصوبها نحوه!! كان قد اعد خطة لجلبها اياه دون عناء الاقناع!! فكان الغاء ريم للنزهة أمر جيد بالنسبة له فقد طلب من السائق الخاص بالمنزل احضار قمر بنية ايصالها حيث مكان النزهة.. دون معرفة احد.. وهكذا تمت حتى وصلت قمر اليه دون عناء.. ولكن العناء الاكبر الان له هو الاعتذار... حتى انه ضاق صبرا من الانتظار حتى جاء السائق ومعه قمر.. ثم تبادلا السيارات... ومنذ دخوله حتى فاض به الحب و وزع مياهه في الارجاء فبات كل شيء من حوله ينبض بحب قمر.. فابتسامتها سحر وعيونها المشتعلة لترقب ما يحدث في سطور الرواية جاذبية.. واناملها التي بعثت في صفحات الكتابة حكاية أخرى... أما شعرها الذي عشقه وما زال وسيظل عاشقا له حتى النهاية فتنة من مفاتن الجمال ومن عجائب الدنيا السبع.. ظل مراقب لها حتى اظلمت الدنيا من حولها وراحت تغط في غيبوبة النوم.. ابتسم بحب ثم هو الاخر تهيأ للمسير في طرقات القرية الصغيرة قاصدا مكان طفولته.. لعل وعسى فكرته الخرقاء يخلف على اثرها تضميد للجراح وتعبئة للفجوة التي بينهما.. وربما اعتذار صغير مفيل بأن ينسيها ألمها وحزنها بسببه.. وبعد برهة من الزمن توقف في امام أحراش واسعة، خلع نظارته عن عيونه والقى بنظره ناحيتها واطلق تنهيدة حب عفوية وعاد ادراجه حتى اتكأ على مقعد السيارة.. حتى وصله صوت أناتها الخفيفة فاشعل اضواء السيارة وفاض به الذعر عندما رآها بتعاليم وجهها التي تتغير كثيرا.. يبدو ان حلما مزعجا يداهم نومها الهانئ.. انتفض من مكانه وتناول زجاجه الماء من جانبه.... ترجل من مكانه حتى دار حول السياره ووصل حيث تجلس هي.. فتح الباب وبسرعة القى بعضا من الماء على وجهها الذي بدا مصفرا.. لانت ملامحها رويدا رويدا بالتزامن مع ارتجاف اطرافها التي تهدأ.. حتى وصل بها الامر بفتح واغلاق عيونها مرة تلو الاخرى واناملها متشبثة بقميصه الاسود... احتضنها واخذ يربت على شعرها مع تمتمات ليهدأ من روعها.. حتى استفاقت اخيرا وشعرت برائحة غريبة تحيط بها.. ويد ضخمه تستقر على رأسها ثم تنحدر الى الاسفل... ضاقت ذعرا فانتفضت كردة فعل مع صرخة خوف خفيفة... استندت على جذع الشجرة بتعب واضح.. ثم اغلقت عيونها بعيدا عن الواقع الملموس حتى تغرق في بقاع عقلها.. الى أن آل بها المطاف بالعودة بشكل مباغت حينما سمعت صوت باب السياره يغلق وهي على مقربة منها.. حتى كاد قلبها أن يخلع من مكانه.. تثاقلت النظر الى مجد الذي يسير بهدوء نحو ذلك المنزل الخشبي الواقع على طرف الحديقة.. تنهدت وهي تكتم كل ما بداخلها من مشاعر وهي تستذكر أحداثها من بداية يومها حتى اللحظة هذه... ثم نفضت رأسها أخيرا عندما وصلت الى الحلم الغريب المخيف الذي يثير الهواجس داخلها.. فغريب شعورها ان ترى والدها بعد سنين.. ولك أين؟! في حلم بائس،، بل بكابوس..!! والأدهى من ذلك هو خروجها من عالم الاحلام بين احضان ذلك الخشبي اللئيم.. ذو الشخصيات المختلفة.. زفرت بحرارة ثم ألقت بصرها نحو الأفق تترائى لها الأفكار وتتدفق داخلها... تحاول تبعد نفسها من الغرق أكثر ولكنها كلما تنوي الابتعاد الى الشط ترسلها اقدامها نحو الغرق... ظلت على حالها غارقة حالمة شاردة حتى أن وصلها صوته قبل أن تلمح ظله " إن كنت تشعرين بالحر يمكننا الدخول!!" واشار حيث المنزل الأشبه بكوخ خشبي صغير.. لم تلق له بالا بعد اختراقه أفكارها وظلت متسمره في مكانها حتى سمعت تنهيدته فانثنت شفتيها بتهكم بدون أرادة كردة فعل غير محسوبة... وبرغم أن تلك الابتسامة الساخرة استفزته الا انه جلس بجانبها متربعا على قدميه.. واستند بساعديه خلف ظهره.. ثم أخذ نفسا عميقا واخرجه بهدوء شديد... ألقى ببصره عليها واذ بها مغلقة عيونها تاركة نفسها للطبيعة.. حتى انها نست نفسها وأخذت تسرح وتمرح في تلال عقلها التى فاضت بها المشاعر ظنا منها انها تجاهلت وجوده بجانبها ولكن داخلها امتزج بغضب مع حب ولا يتفقان أبدا... فابتسمت عندما سمعته يقول بعد نفاذ صبره من صمتها " ربما انت غاضبة اولا من غضبي عليك في الصباح ثم احضارك بخطة.. ولكن لم اجد سبيلا الا هكذا.." فتحت عيونها المعاتبة وألقت بها عليه فتنهد جراء تلك النظرة القاتلة من عيونها الناعسة.. فكاد أن يكمل سرد اعتذاره حتى قاطعته بتأنيب " وهل تعتذر عن كل ما فعلته!! وما ستفعله لاحقا.. وتظن انني حقا اسامحك.." تحرك في مكانه قليلا مع التزامن مع تحدثه " لأنك قمر.." عقدت جبينها بغباء ثم سرعان ما بهتت عيونها تعجبا عندما اخرج من خلفه وردة بيضاء وهو يقول " ومثل هذه بالتحديد.. نقية،، صافية،، ملاك.." تحاملت على نفسها ودفعت الحب الى باطنها وأخذت تزيد جرعة الألم داخله " حتى ان هذه الزهرة تذبل عندما يتم تهميشها.. وعدم الاعتناء بها.. هل ستظن انها ستتحمل وتنتظر الاعتذار كل مره من عدم سقايتها.. وهل تظن أن الاعتذار عن كل شيء سيعيدها الى الحياه.." مسح على وجهه ثم تحدث وهو ينظر الى الكوخ " هل تعلمين أنني قضيت طفولتي هنا.. فقد تربيت هنا مع جدتي.." نظرت اليه باهتمام مع صدمة لم تخفى عليه فابتسم واكمل بشرود " هل تظنين انك الوحيدة التي تعانين من الحرمان!!" ازدردت لعابها بضيق بينما اكمل هو بألم يجتاح صدره " نحن.. يعني انا وريم كنا كأننا قطع فنيه في المنزل.. فائضة عن الحاجة.. ولكن كنت انا الاكثر زائدة.. مضت اعوامي هنا مع جدتي.. وانشغل والداي بالتسرب ناحية الطبقة المخمليه مهمشين طفولتنا ومشاعرنا وكان درعنا وجحرنا هي جدتي.." صمت قليلا ولمح بطرف عينه انها تقترب ببطئ ناحيته فنظر اليها مما جعلها تتوقف عن الحراك نظر اليها قليلا ثم اكمل " لقد ترعرعنا على عدم الاهتمام سوى من جدتنا... كان هي الوحيدة التي تفتح ذراعيها لنا حين الألم.. وحين المرض هي تسهر معنا.. وفي كل خطوة نخطوها كانت هي معنا... او بالحقيقة معي انا اكثر.." تقوست شفتا قمر وترقرقت الدموع في عيونها " ولكنني انا كنت وحيدة،، لا احد من العائلة بجانبي.." نظر لها بحنان واحتضن عيونها الدامعه بعيونه الحزينة " ولكن افضل من ان تكبري معهم بدون اهتمام.. ( أطلق تنهيدة من أعماقه) أنا اعلم ما معنى كسر القلب يا قمر وأفهمه جيدا.. وحتى استطعت التغلب على كسر قلبي.. وتجاوز الماضي جعلت قلبي قاسيا لا يحن.." ثم أخذ نفسا عميقا مبعدا انظاره عنها " تظنين أن تعاملي القاسي معك هو كره.. ( نفى برأسه ثم أكمل وهو ينهض) بل لأن قلبي كُسر كثيرا وغلفته باحكام حتى لا يكسر مرة اخرى.. " أمي، والدي، حتى..." تساءلت بعجز " وهل كنتَ تظنُ أني سأسبب لكَ الألم؟" هز رأسه وبانتقاض تحدث " وحدها جدتي التي كانت معي، وسالي أيضاً.." شدت على قبضتها، والتفتت عنه بضيق أكبر وأخذ يكمل " عندما كنت في فرنسا، سالي كانت معي كثيراً، وساندتني كثيراً.." و بعد أن نظر اليها بخفوت وتنهد، " انها صديقة جيدة.. " ثم صمت لا يدري ان كان سيغير الأمر شيء، وإن كانت قمر تميل اليه بعاطفة ! لقد ذكر اسم سالي أمامها كثيراً ربما كان هذا الاسم حاجزاً بينهما.. وها هو الآن يزيل هذا الحاجز و سيحاول الوصول الى معرفة ما في قلبها؟ وتبقى انفعالات قمر نحوه غير واضحة إلى الآن، وصمتها يشير أنها لا تريد التحدث أكثر،.. فانتشل زهرة الياسمين ووضعها بين خصلات شعرها وهمس أمام وجهها " كوني مثل هذه الزهرة.. وظلي مشرقة زاهية حتى لو قسى عليك الزمن.." ثم استنشق رائحة شعرها مما اربكها وقال عندما ابتعد عنها " اعلم ان الجراح طويلا ما تندمل.. وتأخذ فترة طويلة ولكن ما علينا فعله هو التغلب على هذا الالم.. ما رأيك؟" همست بلا وعي " معاً!" ابتسم لها ومضى في طريقه ناحية الكوخ، وقلبه يتحدث " معاً يا قمري.." ************** في صباح اليوم التالي.. والشمس تضحك بنورها في وجه المارة والعابرين.. والسماء ترسل طاقة ايجابية للكون بلونها افاتح.. وبرغم جمال الكون عيون جميلتنا ريم باهته حزينة... نظرها يخترق السماء بحزنها.. وشعرها اشعث مرفوع بطريقة عشوائية حتى تتدلى بعض الخصل بفوضوية على جانبي وجهها... شاردة كئيبة حتى استطاعت قمر الدخول الى الغرفة لتخرجها من دور التمثال الحزين.. تململت ريم في مكانها وابتسمت بشحوب " صباح الخير.." رفعت قمر حاجبيها باستيعاب ثم تقدمت بسرعة وجلست على طرف السرير " ماذا بك؟! البارحة عدت متأخرة بعض الشيء وكنت متعبة.." هزت ريم رأسها ودمعة كادت ان تتدحرج من مقلتيها " لماذا يختبرنا القدر بأعز ما نحب.." امالت قمر رأسها " هل حصل ما هو جديد لرائد؟!" اومأت رأسها،، فتحدثت قمر لاستحثاث ريم " اذا!! اخبريني.." اخذت ريم نفسا عميقا ثم سردت لها ما حدث... " هل يكون عدو الانسان احد اقاربه.." تساءلت قمر بدهشة،، بينما عادت ريم الى عالم الصمت.. " لم لا يفعل شيئا قانونيا.. يستطيع بها.." قاطعتها ريم بقلة حيلة " لا يقتنع.." لوت قمر شفتيها بمعنى ( عدم المعرفة) ثم تحدثت ريم بعدم تصديق " لا اصدق ما يحصل معه.. جشع عمه لم ولن يستطيع التخلص منه.. ليتركه وشأنه.." احتضنتها قمر " اهدئي قليلا.. لن نستطيع حل المشكلة بهذا الغضب.." " لا استطيع يا قمر.. افهميني.. عمه يلهو ويلعب بالمال ولم يكفه.. ماذا يريد بعد؟!" تحدثت قمر مهدئة من روع ريم " حسنا،، لكل مشكلة حل.. ولكن لا يأتي الحل الا بالهدوء.. بعد كل هذا لا اظن ان رائد لن يوافق..." " لا ادري.." " لا تفقدي الامل بسرعة هكذا.. كما قلت لك رائد بالتأكيد سيفكر بمصلحته وبعائلته.. ولن يتسبب في إيذائهم.." قاطعتها ريم بحزن " ولذلك لن يتعرض لعمه أبدا.." جاءهم صوت من صوب الخارج يدلف داخل الغرفة بدون انذار " ومن قال لك هذا.." نظر كلتاهما الى ذلك الضيف المفاجئ واذ به مجد.. داخلا عاقدا حاجبيه مع كلامه.. ابتسمت له قمر فبادلها الابتسامة ثم نظر بعمق نحو ريم الصامتة والتي تنظر اليه بوعيد سرعان ما انفجرت به " كيف تدخل هكذا؟!" " هل ستبثين حزنك بي الآن؟!.. ثم اني جئت اعطي هذا لقمر.." واشار الى كتاب الرواية الخاص بقمر.. فانشدت حواس كل من قمر وريم نحو الكتاب مع اختلاف المشاعر.. فعبرت قمر عن مشاعرها المرتبكة بأن تحدثت " لقد نسيته بالسيارة غالبا.." اومأ مجد رأسه ثم نظر الى ريم بتجهم حين تساءلت " اولا احاسبك لاحقا على دخولك غرفتي،، وثانيا أين ذهبتما انتما الاثنين البارحة.." ازدردت قمر لعابها بحرج بينما قال مجد مستفزا " انه سر.. لا تتدخلي بأعمال الكبار.." ضيقت ريم عيونها بغضب.. وكادت أن تتحدث لولا هاتفها الذي اعلن وصول مكالمه هاتفية فالتقطته بسرعة على أمل ان يكون رائد.. ولكن ما لبث ان وجهها احمر حانقا لأن كمال المتصل وقالت بعد ان ضغطت للاجابة " اهلا بالمتصل الغليظ.." جاءها صوته مستفزا لحالتها " الناس العاديين يقولون صباح الخير.." قاطعته بغضب " اعتبر اني لست انسانة عادية.. ماذا تريد؟!" قالتها و لم تهتم لمجد الذي نهرها بعيونه.. تنهد كمال " ما سر هذا الغضب المستميت؟؟" تنهدت بنفاذ صبر " قل ما تريد؟!" حينها توجه مجد حيث قمر واعطاها الرواية.. اخذته مع تجاهل التقاء عيونهما.. ثم عاد ادراجه للخروج من الغرفة ولكنه توقف عندما قالت ريم " خذي.. يريدك.. واخبريه ان لا اكن انا الواصل بينكما.. واحاسبه لاحقا من اجل تلك هنادي" اعتلى قمر الاستغراب ثم اخذته بعجز لانها تلمح ذلك الصخري يقف معطيا اياهما ظهره... " صباح الخير.." قالتها بالتزامن مع اجابته وفسح المجال لريم حتى تبتعد عن السرير.. ومضى ذلك الجسد الصخري خارجا من الغرفة... " ما بها ابنة عمك الخرقاء؟!" تساءل كمال بفضول " لا شيء.." " اذا هكذا.." قالها بشك بينما قالت ريم بصوت مرتفع حتى يصله " قولي له لا شأن لك.." قهقهت قمر وتوقفت عندما جحدتها ريم،، ثم قالت الى كمال " لا عليك منها.. انها فقط لم تجد احدا تصب غضبها فيه.." " لا بأس.. لقد اتصلت لاجل ان اخبرك عن المعرض.. ستأتين أليس كذلك؟!" " ممم لا ادري ان كنت استطيع.." ثم انتبهت الى اشارات وجه ريم عبر المرآه تسألها بتعبير ( ماذا؟!) فتجيبها قمر بتحريك شفاهها ( المعرض) ثم يأتيها صوت كمال " و ان لا يوجد احد يقلك.. ارسل لك احدهم.." تحدثت قمر بحرج " لا شكرا لك.. لا اريد اتعابك.. احاول القدوم.." " اذا الى اللقاء في المعرض.." " الى اللقاء.." وبعد ان اغلقت الهاتف،، سألتها ريم " عن اي معرض؟!" " هنالك معرض لإحدى كليات الفنون، وموعده اليوم ولكنني نسيت ذلك.." تحدثت ريم بأسف " حقا،، لن استطيع ايصالك.." ثم تنهدت هزت قمر كتفيها " لا عليك.. هيا بنا ننزل الى الاسفل بالتأكيد هم بانتظارنا على الفطور" --------------------------------- تأملت تلك الطفلة التي تنظر بتفاؤل ومرح نحو والدها حيث يلعب معها بعض الالعاب الطفولية في حديقة المنزل.. يجاريها بعقلها الصغير واحلامها الطفولية.. يرسل لها مع ابتسامته طاقة ايجابية وتفاؤل.. يغدقها بحنانه عوضا عن والدتها المصابة بمرض عضال، حيث تتعالج والدة ملاك في استراليا وبناء على بعض المشاحنات الهاتفية التي بينها وبين السيد ماجد ادركت ان ما يخلفه ذاك الشجار وابتعاد الام هو فجوة شعرت بها من قبل.. وستشعر بها تلك الصغيرة.. اغلقت الستارة وعادت ادراجها الى غرفتها... تنهدت واستقر رأسها على وسادتها وأخذت الافكار تتزاحم داخلها حول حقيقة السيد ماجد فمنذ مجيئها لرعاية ملاك، واذ بها فترة طويلة لم يوطئ قدم احدهم المنزل سوى بعض المعارف الذين يعدون على الاصابع.. وما هؤلاء الاشخاص الا مقترنين بالعمل... غيابه لسنين وعودته الى البلاد ومكوثه هنا حتى يتحقق امر يبتغيه يثير الشكوك والهواجس... اخذت نفسا عميقا عندما تذكرت توبيخه لها ليلة أمس.. فقد كانت تتحدث الى ابنته ملاك حول امور عديدة حتى وصل الحديث الى العائلة.. فحينها قاطعها السيد ماجد بتأنيب ووبخها بدعوى ( أن لا شأن لها بالامر..) ولم يمضِ استغراقها في غرفتها الا ساعة ونصف تشتت عقلها من كل الخواطر والافكار حتى جاءها صوت احدى الخادمات برسالة من السيد ماجد بأنه يستدعيها... فنهضت من مكانها بتثاقل وخرجت من الغرفة... نظر اليها مطولا وعلامات وجهه تنذر بوقوع شيء سي.. فتقلص قلبها وانقبض ولكنها تحاملت على نفسها وقالت " تفضل سيد ماجد.." شبك اصابعه وقال وكأن هموم الدنيا تحلق حول وجهه " في الحقيقة.." ازدرت لعابها واخذت نفسا عميقا بينما اكمل هو حيث وقف من مكانه وتوجه ناحية النافذه فأسهل عليه اتخاذ القرار دون النظر الى وجهها.. تحدث بنبرة جافة " لقد تقرر سفري والعودة حيث البلاد.." شهقت بقوة على اثر جملته وشعرت انه نبرته الجافة هي غلاف للحزن العميق في صدره عندما اكمل " اشكرك على رعايتك لابنتي.. ولكل خدماتك في المنزل.." صمت ووضع اصابعه على صدغيه ثم اكمل بعد تنهيدة " هذا ما توجب فعله.. اعذريني.." " لا بأس.." تحدثت بذهول استدار ونظر اليها ثم استرسل في الحديث " اتعابك سادفعها لك نهاية هذا الاسبوع.. فعلى ما يبدو ان اجراءات السفر والتجهيزات ستدوم لاسبوع..." اومأت رأسها بصمت امام عيونه الحزينة المحطمة.. وكأنها جبل من الأمل فخاب ثم تهدم.. " خلال هذه الفترة يمكنك الخروج والبحث عن عمل جديد.. او يمكنني انا مساعدتك.." " اشكرك سيد ماجد.." تحدث بأسف " اعذريني على ما حدث.. فهو.." بدد كلامه عندما تذكر تلك الجملة الامرة (غادر من البلاد افضل لك.. وعد الى عائلتك الحقيقية.. فليس لك احد هنا ولن تنال ما تتأمله..) ثم قال " شكرا لك.. يمكنك الانصراف.." اومأت رأسها ثم سارت ونصف عقلها يستوعب الكلام الذي سمعته قبل قليل ونصفه الاخر يفكر بالامر... تنهدت ولفت انتباهها عندما سمعت الخادمتين تثرثرن بعما حدث ومختصره أن احدا ما جاء لزيارة السيد ماجد.. يبدو كبيرا بالسن وجه له بعض الكلمات واصواتهما احتدت وكاد الرجل المسن ان يفقد وعيه.. واخر ما قاله ذلك الضيف العجوز امرا له ان يرحل.. وصلت حيث عتبة باب غرفتها واعتلاها الاستغراب عندما شاهدت ملاك تقف بحيرة على بابها.. نظرت اليها بحزن ثم تقدمت ناحيتها مع ابتسامة لطيفة فتقابلها تلك الصغيرة بابتسامة باعثة للسعادة.... ------------------ " فلتذهب ياسمين اذا؟!" كان التهكم جليا في صوته بل حتى تقاسيم وجهه تلونت بلون الحرباء الماكرة... ثم اخذ ينفث دخان سجائره الاسود تماما كعيناه وينظر بسخرية لاذعة نحو لؤي الذي قال " لا تدخل شقيقتي في اعمالك السوداء.." امال شفتيه بسخرية اكبر " شقيقتك؟!.. بالعمل لا يوجد شقيقي وما الى ذلك.." تحدث لؤي باعتراض " ولكن يا مراد انت تعلم كيف.." اوقفه عن الكلام كف مراد الذي ارتفع معلنا اشارة الصمت فلاذ لؤي صامتا مكرها... سحق مراد سيجارته ثم تحدث " اولا عندما اقرر انا فلا اعتراض.. ستكون ياسمين كما قلت هي الامرة والناهية بهذا الموضوع.." اومأ لؤي رأسه فأكمل مراد " ثانيا لقد كلفتك بكثير من الاعمال وانت محط انظار.. وهل يمكن لمساعدي ان يدخل في تجارة كهذه.." تنهد لؤي وتماسك كلا يفلت لسانه على سيده ومديره " حسنا كما تريد.. ولكن.." رفع مراد حاجبه باستخفاف " ولكن ماذا؟!" رفع لؤي سبابته محذرا " فقط ستذهب اليه وستكون الرخص لي في هذا المشروع.. وانا اقبل بكل شيء يحصل لي.." " التضحية بنفسك مقابل انقاذ شقيقتك من لا شيء.." القى عليه نظرة ثاقبة وابتسم.. ثم تحدث بعد ان نهض وتوجه خلف مكتبه " لك ما تريد يا لؤي.." نهض لؤي من مكانه بتثاقل وعبء كبير.. وخرج وبعد عبوره من امام مكتب ياسمين.. نادت باسمه فالتفت اليها تساءلت " ما بكما انتما الاثنين؟!" تنهد لؤي بحرارة " لا شيء.. فقط تعلمين اوامره ونواهيه.." لوت ياسمين شفتيها بضيق " فقط ما يجبرنا على العمل معه سوى الماضي.." اغلق لؤي عيونه وشد على قبضته ثم فتحهما " الماضي الملازم للمستقبل.. ولن نخرج من هذه الدائرة المميتة.." وكاد ان يخطو خطوته للابتعاد ولكنه تساءل بقلق " هل ما زالت غاضبة؟!" ربتت ياسمين على كتفه وقالت بتعاطف " انها تدرك انك لست المسئول.. فقط هي غاضبة لاستسلامك على هذا النحو.." " نتيجة استسلامي هو ابتعادها.. ومعرفتها الحقيقة.." " لا عليك انها تحبك كثيرا.. ولكن الغضب يعمي.." ابتسم لها " من الجيد انك موجودة بجانبها.." بادلته الابتسامة بسرعة حيث ان المدير ( مراد) طلبها.. فذهبت اليه على عجل تاركة لؤي ينظر للفراغ بحسرة وندم.. وسؤالٌ يتراود في ذهنه " كيف أتخلص من أحمال الماضي كلها؟!" | ||||||
04-04-20, 10:15 PM | #22 | ||||||
مشرفة منتدى الروايات المنقولة
| " ويختفي قبح العالم عندما تلتقي بالوجه الذي تحبه" (16) بعد أقل من شهر... قرابة ثلاثة اسابيع... الأيام مرت بسرعة البرق وكيف آل الزمان بسوزان حتى تعود إلى مسقط رأسها وتحجز نفسها في غرفة متوسطة الحجم على جهاز الحاسوب تدخل معلومات الفتيات الجدد.. نظرت إلى الساعة بملل شديد فهي لا تكاد تتجاوز الثامنة حتى الآن ولديها من العمل الكثير لإنجازه.. تأففت بضجر ورمت الملف بقوة شديدة لتتناثر أوراقها على طاولة المكتب وأخرجت تنهيدة من صدرها تنم عن الانزعاج الشديد... أرخت رأسها على باطن يدها ونظرت إلى صورتها مع ملاك،، لكم اشتاقت لها ولمجالستها.. ثم بدأت تستذكر مجريات الأحداث منذ أن قدم أحدهم إلى المنزل وصرخ بوجه السيد ماجد،،.. ولم يكن ذلك الشخص سوى والده.. كانت قد عرفت هذه المعلومات من الخدم الذين تلصصوا إلى المحادثة وعرفت منهم فيما بعد أنه أمره بالرحيل عن هنا كي لا يسبب المشاكل مع عائلته.. أدركت فيما بعد أو قامت بتحليلها الشخصي الذي لا ندرك مدى صحته وهو أن السيد ماجد كان على خلاف دائم مع عائلته بسبب أمر ما مما أدى إلى فتور العلاقة بينهما وأدى إلى سفره خارج البلاد وأكد تلك المعلومات عندما حاولت جذب الكلام من ملاك فسألتها يوم رحيلهم " ألا يوجد هنا أحد تبقين عنده حتى يحل والدك أعماله؟!" أجابتها ملاك حينها " لا،، ذاتا منذ ولادتي وأنا مع والدي ووالدتي وأصدقائهم.. وحين قدمنا الى البلد لم يكن أحد سوى انت فقط.." ... وعندما علموا بقدومهم إلى البلاد لم يستقبلوه لذلك اضطر إلى السكن لوحده... وبعد محاولاته في تليين العلاقة بينهما ردوه وحاولوا نفيه خارج البلاد.. ونجحوا في ذلك.. فها هي على إثر ذلك تجلس بين زوايا المأوى تعمل لأنها لم تجد عملاً أخر وملاك ووالدها سافرا ولا تعلم عنهما أي شيء ولا توجد طريقة للتواصل أبداً... " هل ستبقين هنا إلى الصباح؟!" فاقت سوزان من ذكرياتها على صوت إحدى الفتيات التي دخلت الغرفة.. ابتسمت لها ثم أجابت " ربما لا أدري،، ماذا تريدين!!" " ما رأيك أن نلعب بالباحة اليوم؟!" قالت سوزان بعد تفكير " ممم لنصف ساعة فقط ثم تخلدون إلى فراشكم.. لا أريد أن يوبخني أحدهم.." وبعد قليل توجهت إلى الباحة الرئيسة للمبنى تشاهد الفتيات مع عدد من المناوبين ليلاً تجلس وإياهم كل واحدة منهن تتحدث مع الأخرى وهي فقط شاردة في كل شيء حولها حتى أن صرخت إحدى الفتيات بصوت عالٍ وهي تركض " قمر.." لقد أصبحت زيارات قمر تتكرر كثيراً في هذه الفترة إلى المأوى تجلب بعض الحاجيات والدمى للفتيات تدخلهن في دوامة السعادة والسرور لأنها تدرك جيدا معنى اليُتم.. تدرك جيدا معنى الاحتياج وكأن قمر بفعلتها تعكس مقولة فاقد الشيء لا يعطيه ولكنها الآن تعطي أكثر ما فقدت... برغم قلة الفترة التي قضتها سوزان في المأوى إلا أنها تتذكر حال قمر الذي يختلف اختلافا كثيرا عن الأخريات،، فقد كانت انطوائية على نفسها وبالكاد أن تتحدث إلى أحدهم وكأنها عادة حتى الآن ملاصقة بها.. وتتذكر جيدا حالتها عندما تنام ليلاً وإذ بها بعد ساعات قليلة تصحو متعرقة وتبكي بشكل هستيري ولا يخفف عنها إلا تلك الطبيبة النفسية التي تأتي إليها كل أسبوع... عدم مخالطتها لقمر لا يعني أنها لا تعرفها جيداً كانت تسمع كثيراً عن حالات الاكتئاب والجنون التي تصيبها وبسرعة الضوء تجدها انقلبت موازينها وعادت هادئة منعزلة في أخر مكان في المأوى ولكنها الآن تختلف اختلافا كبيراً عن السابق... وبعد أن أنهت قمر توزيع بعض الهدايا إلى الفتيات ظنا منها أنها تعوضهم ولو بالقليل مما حرموا منه رأتها سوزان تتوجه حيث تجلس هي مع البقية.... ******************* هل نستطيع قطف ثمار الأمل من شجرة الحياة؟! أم مصير هذا الأمل إن يذبل..؟! وهل سنداري الألم بالكتمان؟! أم بتنهيدة من شدة وجع الألم وإذ بالصدر يتكسر؟! برغم انقضاء تلك الأيام إلا أن شبح الخوف يطل بجناحية الكبيرة على قصر حكايتنا،، فكل جسد يقبع هنا بروحه المنهكة من آثار الماضي يعجز عن نسيان الماضي اللعين... وبرغم اجتماعهم كل ليلة على مائدة واحدة يتسامرون ويضحكون إلا أنهم بالحقيقة يغافلون أنفسهم.... فماضيهم يزورهم بين فنية وأخرى في مخيلتهم.. ينهش عقلهم ويجعلهم تحت سيطرة الخوف.. فهل من جديد سيعود الماضي ويحكم بقبضته على حياتنا؟! تنهدت ريم وأبعدت هاتفها المحمول بعد محاولات خائبة من رد رائد على مكالمتها.. نهضت من مكانها بضجر واضطراب.. وسارت في الرواق حتى صادفتها قمر على عتبات السلم.. " هل ما زال لا يجيب؟!" اومأت ريم رأسها وملامحها شاحبة تنذر بوقوع الأمطار من عيونها.. فاقتربت منها قمر وربتت على كتفها " ربما متعب " " لا ادري يا قمر.. حتى أن جيداء لا تجيب.. لا استطيع أخذ خبر عنه، سوى أنه اخذ إجازة اليوم.." نظرت إليها قمر بحيرة، بينما تساءلت ريم " هل ستذهبين الى المعرض؟!" اجابت قمر بحماس " اجل، سيأتي كمال ويأخذني.. يا ليتك تأتين وتشاركيني فرحتي بلوحتي التي ستعرض " لوت ريم شفتيها بابتسامة شاحبة " سأعد كوباً من القهوة يكاد رأسي أن يتفجر من شدة الصداع، هل تريدين؟!" " حسنا.." وفي الحديقة الخارجية جلست الفتاتان تحتسيان القهوة وتفكير كل منهما يرسو في ميناء العشق باختلاف الحالات.. فسحابة الحب تتجسد في عيون قمر التي التقطت كتابها من على الطاولة الخشبية وبدأت عيونها تترقب الحروف حيناً وحينا اخرى تنتقل عيونها على ريم.. والتي كانت جسدا بلا روح.. فهي منذ أن اكتشفا مراقبة عم رائد لهما تترقب وصول أحدهم لدليل حتى يقبع عمه داخل أسوار السجن يجني ما زرعه طوال السنين.. ويؤرقها جدا صمت رائد إلى الآن،، يؤلمها سكوته لأنها تدرك جيداً صمته ذاك سيجعلها تخسره... عيونها متسمرة على الهاتف وبين ثانية واخرى تزفر بحرارة.. حتى في نهاية المطاف وضعت قمر الرواية جانبا ثم هزت كتف ريم مع ابتسامة حانية قابلتها " أما قلت أن الحب يتغلب على كل شيء؟!" تحدثت قمر بهدوء كعادتها.. بعثرت ريم نظرها تحاول ايجاد جواب لسؤالها ولكنها لم تجد الا أن تومئ رأسها.. تنهدت قمر ثم سألت باستنكار " وما الذي تغير الان؟! اما جازفت باعترافك له وكنت انت من تقدم خطوة؟! وكنت تقولين ان قوة الحب هي المسيطرة؟!" ارخت ريم جسدها على الكرسي بتعب " ما علاقة هذا بقوة الحب؟!" قاطعهما رامي وهو يجلس على الكرسي مقابلهما " الذي تقصده قمر هو تحالف قلبيكما.." " انت من أين تخرج بفلسفتك؟!" " من مصباح علاء الدين.." ثم لوى بشفتيه سخرية " حقا لا مزاج لي لمزاحك.." ريم بضجر ثم القت نظرها على هاتفها.. بينما نظر رامي لقمر نظرة فاشارت اليه بمعنى ( لم استطع تغيير مزاجها..) القت ريم هاتفها بقوة على الطاولة حيث اصدر صوتا مما جعل قمر تنظر اليها بصدمة.. فقالت ريم بنفور " ماذا عساي افعل، انه لا يجيب.." آثرت قمر الصمت وبدأت باحتساء قهوتها، فيما بدأ رامي بحديثه الهادئ والذي يعكس جزءا من شخصيته المتزنة " انظري لي.. حينما قالت قمر عن القوة الحب انها تقصد بالمعنى الفعلي للامر هو ان تكوني جانبه ومعه وهو بذلك سيتخطى العقبة هذه.." اخذت ريم نفسا عميقا " انتم لا تعرفون رائد، يحجز نفسه في قوقعته ولا يريد لاحد التدخل به.." تدخلت قمر " ولكن الذي لا يجدي نفعا هو بقاؤه في هذه القوقعة، عليه فعل شيء ما بالتأكيد.." قالت ريم " يظن نفسه انه اضعف من مواجهة عمه.. طوال هذه المدة وحين أفتح الموضوع معه يغلقه بأي طريقة.." ثم عقدت ساعديها امام صدرها باستياء اشار رامي بسبابته قائلا " وهذا الذي يجعل عمه يتطاول اكثر، صمته سيولد امورا اعظم في المستقبل.. ثم انه بعمر كهذا واجه الفقر وهو المعيل الوحيد لأسرته كيف له ان لا يستطيع مواجهة هكذا امر.. انه اضعف مما اظن.." تحدثت قمر وكأنها تصف نفسها " لانه يظن نفسه في دوامة لا يستطيع الخروج منها، يتهيأ له انها اوصدته ولن يستطيع الفرار.. ولكن.." صمتت قليلا مع ابتسامة خفيفة ثم استرسلت بالحديث وهي تتذكر صاحب العبارة " ولكن عندما يدخل النور الى قلبه على هيئة انسان.. يمده بالقوة، تتوارى تلك التهيؤات ويصبح اقوى مما يظن.. فقط كل ما يحتاجه هو ذلك النور..(ثم نظرت الى عيون ريم) ومصدر هذا النور هو القلب.." ابتسمت ريم بينما وضع رامي يده اسفل ذقنه وقال " لم أكن اعلم انك تتحدثين بشاعرية هكذا.." ابتسمت له قمر فيما نظرت اليه ريم باستسلام " انت حقا لن تتغير.. مزاحك ميئوس منه.." " وماذا عساي ان افعل.. لتزوجني جدتي حتى اتعقل.." ضحكت قمر وقالت " ربما ستزيد جنونا هكذا.. وستتلقى حتفك من زوجتك المستقبلية.." ضيق رامي عيونه بتحذير الى قمر ثم صوب نظراته نحو ريم " لقد علمتها من صفاتك السيئة.." ابتسمت ريم وبدأت برفع وتنـزيل حواجبها كطفلة صغيرة ثم قامت قمر بذات الحركة.. فنهض من مكانه بذعر مصطنع " هذا ما كان ينقصني.. نسخة جديدة من ريم.." فيما ضحكت الفتاتان عندما ابتعد عنهما... وبعد ذهاب موجة الضحك الخفيفة نظرت ريم الى قمر بنظرة ذات مغزى حتى قالت " ومن أين لك هذه الكلمات الشاعرية؟!" اتسعت عيون قمر ثم ازدردت لعابها وقالت بتلعثم واضح " لا احد.. ثم ليس المهم مصدرها.. الاهم هو المغزى منها..".. تنهدت ريم بحرارة وهي تومئ رأسها بالنفي وعلامات وجهها تقطر بالاستسلام... الاستلام من تحرك رائد اتجاه حقه قيد أنملة... ******************* وفي طرف آخر تعالت اصوات طرق الباب مع رنين جرس المنزل بشيء يولد الضجة خاصة مع صوت التلفاز العالي في صالة المعيشة.. فنهضت تلك الصغيره بتأفف عيناً تترقب أحداث مسلسلها الكرتوني وعيناً على طريق اقدامها حتى وصلت ناحية الباب وفتحته بعد ان علمت أن القادم ليس الا جيداء.. ابتسمت جيداء بسعادة ريثما دخلت وقالت وهي تشير وتدلي بيدها كيس يحوي بعض الحاجيات " انظري ماذا جلبت لك.." قفزت الصغيره بحماس وصرخت " المكسرات.." " أجل خذيها.." ثم تقدمت نحو والدة رائد " صباح الخير يا خالة.. ما اخبارك؟!" قابلتها بالابتسامة " بخير.. أنت ما أخبارك؟!" هزت كتفيها بلا مبالاة " احاول قدر المستطاع أن أكون بخير.." تنهدت والدة رائد ( ميساء).. فقالت جيداء مغيرة دفة الحديث " تبدين بصحة جيدة؟!" ابتسمت ميساء ابتسامة باهتة " بخير تحسنت عن ذي قبل ولكن.." " ولكن ماذا؟! هل هناك شيء يقلقك" " أحوالك مع عائلتك ليست جيدة يا ابنتي.. وإقامتنا هنا كأنها تحت الأمر الواقع.." تحدثت جيداء باطمئنان " لا تقلقي،، انه منزلي اولا.. ثم منزلكم ثانيا.. كما أنك قمت بمعروف كبير لي منذ صغري.. لن انساه ما حييت.." " ولكن مشاكلك كافيه لذلك.." قاطعتها جيداء " انظري يا خالتي لا داعي لمثل هذا الحديث،، انت مثل الام لي وكما من الصعب اغلاق فم رائد ان سمعنا الان.. وسيصر على المغادرة.." " وهذا ايضا حاله غريب هذه الفترة.. اشعر بالقلق حياله.." تحدثت ميساء بقلق واضح.. ربتت جيداء على يدها " لا يوجد ما يدعو للقلق،، لا بد انه متعب من العمل.." " أتمنى ذلك.." ابتسمت جيداء بارتياب وكأن بجملة والدة رائد تخفي جبالا كبيرة من القلق.. فيقال أن الام تشعر بأولادها ويبدو انها فطرة خلقت مع المرأة وشكوكها وقلقها يكون في محله دائما.. وبعد برهة زفرت بحرارة ونهضت من على الاريكة " ما رأيك بكوب من القهوة يعدل مزاجنا قليلا.." اومأت والدة رائد برأسها وأمرتها بأدب " ولكن اجعليه حلواً قليلا،، لا داعي لتجعليه مرا كالعلقم.." ابتسمت جيداء بخفة " حسنا كما تريدين.." وبعد أن وضعت الماء في ابريق خاص لإعداد القهوة،، ثم شهقت فجأة عندما تذكرت ريم فوضعت يدها على جبهتها وقالت " بالتأكيد أن هاتفي تفجر من اتصالاتها المتكررة.." تنهدت ثم توجهت حيث الصالة اخذت هاتفها من حقيبتها وأضاءت شاشته فمالت شفتيها عندما اصابت التخمين فها هي عشر اتصالات هاتفية من ريم غير الرسائل.. وعادت بأدراجها نحو المطبخ حتى تتحدث بأريحية مع ريم... وبعد أن ضغطت للاتصال.. جاءها صوت ريم المتلهف والمعاتب " بحق الجحيم أين أنتم؟!" تنهدت جيداء " بالكاد تذكرتك يا ريم.." تأففت ريم وهي تجلس على سريرها " حقا،، ما اخبار رائد ؟؟ هل هو بخير ولمااذا لا يجيب هو ايضا؟!" " رويدا رويدا.. هدئي من روعك.." دست ريم اصابعها بين شعرها وارجعته للخلف وقالت بنبرة عاجزة " لا قدرة لي.. لقد فضت ذرعا وانا انتظر احدكم ليجيب.." " اعذريني فقد كان هاتفي على الوضع الصامت.. وأما برائد فالآن قد جئت اليهم ويبدو انه نائم.." ( مع من تتحدثين عني؟!) استدارت جيداء لرائد صاحب العبارة السابقة ولم تستطع التفوه بشيء بسبب ريم التي قالت لها بلهفة " انه رائد،، أعطني اياه.." تنهدت جيداء بقلة حيلة ومدت الهاتف لرائد " انها محبوبتك.. قلقت عندما لم نجب عليها" اومأ رائد رأسه وابتسم بخفة بالتناقض مع تعقيدة حاجبيه التي تنم عن الألم " سأكون في الشرفة.." اومأت جيداء رأسها وعادت الى مهمتها في اعداد القهوة ناهيكم عن عقلها الذي تعمل محركاته من حركات ريم الصبيانية وأموراً أخرى أكثر تعقيداً.. أما رائد فقد أجاب بعد أن جلس على كرسي صيفي تقابله البنايات السكنية " وماذا بها صغيرتي؟!" تحدثت ريم بضعف " أين أنت؟! لماذا لا تجيب على اتصالاتي؟" أغلق رائد عيونه.. ثم قال " لقد كنت متعبا لم.." قاطعته بحدة " تتركني والقلق ينهش عقلي.." ثم خفت حدتها عندما سمعته يزفر بحرارة " اعتذر على حدتي ولكن قلقت عليك.." " لا عليك.." قالها بهدوء شديد تساءلت باهتمام " وكيف أنت الآن؟؟ هل أفضل!!" " أجل.." أجاب باقتضاب ووضع يده على صدغيه تساءلت ريم بحيرة " رائد،، لا تبدو من صوتك أنك بخير.." " أميرتي الصغيرة تهتم بي.. يا لحسن حظي.." فهمت من كلامه انه يحاول تلطيف الجو قليلا بدعاباته فقالت بغرور " ليس هكذا وانما.." قاطعها " ستبحثين عن كلمات مناسبة تعبر عن غرورك ولكن لا تستطيعين.." قهقهت بخفة فابتسم هو وجلس بأريحية متناسيا هموم الدنيا وتحدث بنبرة هادئة جدا " هل تعلمين.. هذه الضحكة أفني عمري بأكملها حتى أسمعها.." وبعد ان انهى رائد مكالمته العاطفية توجه داخلاً قاصداً والدته التي ارتسمت على وجهها ابتسامة قلقه فهمها رائد فبادر بتقبيل جبهتها ثم جلس بجوارها " وما بها جميلة الجميلات تنظر لي هكذا،، سأظن أنني وسيم.." اتسعت ابتسامة والدته ووضعت يدها على وجهه بحنان " لا داعي للظن تأكد من ذلك.. " ثم غمزته ضاحكة " وما أخبار طير الحب الاخر.." حك رائد جبهته باحراج " انها بخير.. تبلغك سلامها.." أقبلت جيداء عندما بدأت والدة رائد القول " كم أحبها هذه الريم،، انها فتاة جيدة وتصلح لك زوجة يا بني.." ثم غمزته أومأ رائد رأسه مع ابتسامة وقال قبل أن ينهض " قريبا جدا ستكون.." فيما جيداء تمنت من كل قلبها أن يكون كلامه صحيحا وليس مجاراة لوالدته.. فخلف ( قريبا جدا ستكون ) مغامرات كثيرة فهمتها جيداء من جملته ان كان يقصد ما جال بذهنها.. أحيانا الحب أو ما أقصده بالتحديد جنون الحب وحب التملك يجعل من أنفسنا دنيئين نحاول بقدر استطاعتنا أن نحظى على ذلك الشيء مهما كلفنا ذلك ولو بطرق غير عشوائية.. نسعى للوصل الى الهدف المنشود متفادين الخسائر ولكننا في الوقت ذاته نجعل ذلك الهدف هو من يخسر.. ولا ندرك حينها الا اننا اتبعنا أنانيتنا وحبنا للتملك.. وممدنا غطاء على عيوننا حتى كدنا لا نرى ألم الشخص الذي نحبه... يقال أن الحب هو تمني سعادة الآخر لا شقاؤه والنيل منه حتى نحصده وكأنه ثمرة من شجرتنا نمنع الغرباء من التقاطها.. لذلك نحاول منع أي أحد من الاقتراب من شجرتنا الحبيبة وإن كلف ذلك بذبول أوراق هذه الشجرة.. وهذه المحادثة الوجيزة خير دليل على ذلك..... "ماذا فعلت؟! هل ما زلت تعبث بأحلامها كما تشاء؟!" ابتسم بسخرية " كما أردتِ أنت؟!" أجابته بهدوء " لمصلحتها أفعل ذلك،، ثم أنت تريد ذلك بشدة.." وضع قدماً على أخرى وتحدث " حاولت وما زلت أفعل ما بوسعي.." صمت قليلاً ثم تحدث قبل أن يضع حبة العنب في فمه " اللعبة على وشك الانتهاء لا تقلقي.." وابتسم بقذارة... *********************** ممر طويل تتوزع على جانبيه شتلات ورد الزنبق والياسمين حتى نهايته إلى أن نصل إلى باب خشبي نصف مغلق تخرج من خلفه أنغام فيروز الجميلة.. والجميل الذي يختبئ خلف أسوار القلعة الفيروزية يدندن مع كلماتها بصوت يدخل الى الوجدان.. يقف على النافذة المطلة على المدينة ممسكاً بكوب قهوته مع بعض الذكريات.. هكذا هو مجد بعد ان تولى منصب مدير عام في المؤسسة الخيرية وترك عنه العمل في التجارة مع عائلته.. تغير قليلا أجل ولكنه ما زال الحديدي الذي تفلت أعصابه منه لأقل تصرف... ويظن نفسه ولي أمر الجميع وخاصة قمر.. والتغيير الجذري فيه أنه أصبح مدمنا لفيروز وعاشقاً لرائحة الياسمين... ومع الياسمين تبدو الحياة جميلة في نظره... نظر إلى كوبه الذي رسم عليه بشكل عشوائي بألوان مبهجة ،، يتذكر حينما قالت له قمر عندما سألها عن سبب تلوينها للكوب بتلك الألوان.. أجابته بهدوء " كفاك حاجزاً نفسك بين أبيض وأسود،، الحياة جميلة وتحتاج ألوان مبهجة لكي تستمر.." تفاجئ من كلماتها حين ذاك وشعر بالتناقض.. وكأن التي تحدثت ليست قمر التي تبكي ضعفاً وحزناً على ماضيها.. ويتذكر يوماً آخر عندما جلست تقرأ معلومة صباحية تخص الصحة الجسدية،، فبدأ يمازحها ساخراً وردة فعلها لم تكن سوى أن قوست فمها كالصغار وبدأت بعتاب طفولي يشبهها.. ولكنه كان أبعد ما يكون عن الاستماع لها فتأسره كلماتها كما تأسره عيونها... وكأن عيونها تعويذة سحر.. بل إنها السحر بذاته... أبعد غيمة الذكريات عنه ووضع الكوب جانباً ،، أخفض صوت فيروز الذي ملأ المكان ثم توجه إلى كرسيه الجلدي الأسود ونظر الى زهرة الياسمين الذي تزين مكتبه وتنهد عشقاً.. صفير خفيف انطلق من ناحية الباب جعل مجد يبعد ناظريه عن زهرته المحببة ونظر الى رامي الذي دخل بدون استئذان كعادته وبصوته الساخر قال " أقنعني أنك لا تحب يا ابن العم " لوى مجد الجانب الايمن من شفتيه " أنت لا تستسلم من تفاهاتك.." جلس رامي ووضع قدماً على قدم كشاب متعجرف " وأنت ألا تسأم من النظر الى تلك الياسمينة.." ارتاح مجد في جلسته وتحدث " وهل يسأم أحدهم من ياسمينة قلبه؟!" ********************* أكثر ما تحبه الفتاة هو الاهتمام، وأن تجد شخصاً يهتم بها وبأدق التفاصيل في حياتها وأن تعش معه دور العشيقة الأولى والأخيرة وأن تكون موضع اهتمامه.. هكذا الفتيات تشعرن أن الحب هو الاهتمام... الحب هو الاستيقاظ على صوت محبوبها يشعرها أنها كل صباحاته... وأن يكون معها في كل شيء... ولكن قمر عكس الفتيات العاشقات التي تتمحور حياة محبوبها عليها فقط.. حتى أنها تحب بدون بوح.. تحب بدون مقابل لأنها اعتادت على ذلك كثيراً وكثيراً... تدرك جيداً أن الاهتمام لا يباع في الشوارع كرغيف خبز.. ولا يمكنها أن تتسول بقلب بالٍ وتجوب الشوارع والطرقات حتى تسرق اهتمام احدهم... هي تعطي أكثر مما تأخذ.. أو الأصح من ذلك هي تأخذ الألم أكثر مما تعطي الحب والاهتمام... تنظر قمر إلى لوحتها التي ستعرض في | معرض الحياة |.. تشعر أن أنفاس الماضي تحرقها.. كأن اللوحة التي أمامها تنين من العصور القديمة ينفث نيراناً من الماضي الأليم.. لوحة تجسَدَ فيها الماضي السعيد الحزين ..جمعتها تلك اللوحة مع أمها وأبيها.. مع سعادة الماضي وحزنه في الوقت ذاته... كانت متحمسة طوال الوقت لهذا المعرض لتخبر الزائرين سبب رسمها لتلك اللوحة وما سر وجودها في معرض ينادي للحياة.. ففي الليلة الماضية كانت تتحدث مع ليليان وتسرد عليها ما ستقوله اليوم حتى سئمت منها ليليان وأقفلت الهاتف... ولكن حماسها اليوم اختفى ومعالم البؤس ارتسمت على وجهها.. " بناء على ما أذكره أنك كنتِ الليلة الماضية متحمسة للمعرض.. ما الذي جرى؟!" أفاقت قمر من غيبوبة الذكريات على صوت ليليان قائلة العبارة السابقة.. فنظرت اليها ببهوت وهزت كتفيها " لا أدري.." تنهدت ليليان وكأنها تشعر بآلامها وقالت " لقد وعدتِ نفسك أن ترمي كل شيء وراءك.. وتعيشي اللحظة الحالية و ألا تبقي حبيسة الماضي.." اومأت قمر رأسها مؤكدة فتساءلت ليليان " وما الذي اختلف الآن؟!" " اللوحة فقط اعادت لي الذكريات.." " والذكريات مجرد وهم عشناه في الماضي ولن تعود.." صدر صوت من خلفهما " وقالت أن هذه اللوحة هي من ستجعلني أقوى من ذي قبل.." ألتفتت الفتاتان لصاحبة العبارة السابقة وسرعان ما انمحى الحزن من عيون قمر واستبدل ببريق السعادة حتى أنها قفزت بفرح " ريم ظننت أنك لن تأتي.." احتضنتها ريم وقالت " وكيف لي أن لا أكون موجودة لأشهد إنجاز شقيقتي الحمقاء.." ابتسمت ليلان لها ورحبت بها ثم أكملت ريم " ثم كيف لي أن لا أكون وأنا من شجعتك وكنت الدافع القوي..." (كاذبة...) صوت ساخر تقدم اليهما وقاطع كلام ريم حتى أنها شهقت وتحدثت بغرور " فقط لأنك تغار.." قهقهت قمر وصافحت رامي بحرارة " أهلا بك أنت أيضا.." وانسجم الجميع بين ضحك وسخرية أما هي وبلا شعور بدأت تبحث بعيونها عن معذبها ذو العيون الرصاصية.. كيف لا يأتي وهو من شجعها بكلماته وعيونه.. كيف يغيب وهو من الجدير أن يكون أول الحاضرين.. وكيف يغيب نور قلبها ونبراس حبها... انها تفرط بالاهتمام.. ولا تجد من يهتم بها.. او بشكل دقيق لا يهتم بها من تهتم لأمره... ولكنها تذكر جيدا اهتمامه عندما وقعت ببركة السباحة وما خلفها من اهتمام.. فعندما جُبِّرت يدها وحان موعد فك الجبيرة هو من تبرع بأخذها للمشفى مع أنه يوجد بديل له لإيصالها.. وأيضا ظهر اهتمامه بها عندما قام الاطباء بفحص الدم لها وظهرت نتيجته أنها مصابة بفقر الدم وتحتاج الراحة وعدم بذلها مجهودا كثيرا حيث كان أول المعارضين لعملها وخيرها ما بين العمل والمعهد واختارت المعهد وتركت عنها العمل الشاق في الشركة... وكان دائما ما يوصيها أن تهتم لطعامها ويحثها على شرب عصير البرتقال... ويذكرها دائما بأن تشرب ادويتها الخاصة بتقوية الحديد في جسدها... والكثير الكثير... أليس الاهتمام هو بداية الحب؟! هكذا هي تعتقد... ولكنها تناست أنها عشقت مجد بصفاته المتبلدة وقلبه القاسي الذي لا يعلم معنى الاهتمام.. فكيف تطلبين الاهتمام من شخص حديدي يا قمر؟! " الحياة جميلة بحلوها ومرها ، بشقائها وراحتها وبكل شيء يميز الحياة... يُشَبهون الحياة أحيانا بالعزف على البيانو أو أنها بحد ذاتها تلك الآلة الموسيقية.. حزن يتلوه سعادة كما أن هنالك أسود وأبيض... هناك حياة وهناك موت.. ولا خوف مع هذه الحياة ولا يأس برغم أوجاعنا وآهتنا وبرغم ظلم الحياة لنا.. الحياة محطات وكل محطة يتجسد فيها مشاعر مختلفة.. حب، كره، حقد، حزن، سعادة، خوف، والمحطة الأخيرة تكون موت.. هنا الحياة في هذا المعرض.. لن أطيل عليكم الحديث عن الحياة فهيا بنا نسلك قطار | معرض الحياة | " بعد كلمات المسئول عن المعرض قصَّ الشريط الأحمر حتى تعالت أصوات التصفيق ثم توافد المدعوين داخل المعرض فيرون الحياة كما تم رسمها.. **** " جميعكم مبدعون.. خاصة أنتِ يا ليليان تمزجين الألوان بشكل لا يصدق.." تحدث رامي بأسلوبه المعتاد ابتسمت ليليان " شكرا لك.. نحاول جاهداً بأن تخرج اللوحة كما نريدها.." لوت ريم شفتيها وهمست لقمر " لقد بدأت مراسم رامي بتطبيق الفتيات.." تحدثت قمر نافية " دقائق فقط وسيعود خائباً.." ثم أشارت بعيونها إلى ما خلفهما " انظري الى ذلك الشاب.." " الوسيم؟!" ضحكت قمر " أجل الوسيم.." وشددت على كلامها ساخرة وأكملت " إنه خطيبها.. وعقد قرانهما بعد أيام قليلة.." علقت ريم بسخرية " وابن عمك الوسيم يعود الآن.." وعندما وصل رامي حيث تقفا حك جبهته وقال " من ذاك؟!" أجابته ريم بسرعة " لقد ذهبت من يدك تلك العصفورة.. انه خطيبها.." ثم أطلقت ضحكة استفسارية برم وجهه لتصرف ريم وقال مستنكراً " حقا.." ثم وجه حديثه الى قمر وتساءل " هل ستأتي مديرة المأوى أم لا؟!" " لا أظن.. " نظرت ريم إلى ساعتها الفضية " ذاتا لم يتبقى الكثير يا رامي وسنغادر حتى وان كانت ستأتي فلا وقت لرؤيتها.." لوى رامي شفتيه ثم تحدثت قمر برجاء " لما لا تمكثون قليلا بعد.." ريم بأسف " لكننا سنلتقي برائد وجيداء.." تفهمت قمر ذلك وابتسمت " لا بأس الأهم أنكم حضرتم.." مسكت ريم يد قمر بشدة وهمست لها " كيف لا أحضر يا شقيقتي الصغيرة.." وقاطعهما رامي الذي علق ساخراً " ولكن حقا انظرا إلى كمال.. انه مصدقا لنفسه جدا.." ضحكت ريم " انه يجلب لنفسه الشهرة من خلالكم يا قمر.." ابتسمت قمر ونظرت إلى كمال " ألا يستحق.." اختفت ابتسامة ريم وكادت أن تتفوه معارضة لطيبة قمر وظنها أن لكمال جهداً عليهم، ولكن الكلمات أبت أن تخرج من داخلها وهي ترى نظرات قمر المتلألئة نحو كمال وتلك الابتسامة الخفيفة التي زينت وجه قمر.. ثم سرعان ما صوبت نظرها بريب إلى كمال الذي يقف مقابلها وازدردت لعابها وهي ترى نظراته وشفتاه التي تتراقصان بابتسامة طفيفة موجهة ناحيتهم... وفي قرارة نفسها ( أظن أنك على وشك أن تخسرها يا مجد،، فقليلا بعد وبتصرفاتك الهائجة ستهرب قمر بالتأكيد وتلجأ اليه.... ) ********* في أوج معركة الحياة.. نقف حيرا.. هل سيأتون!! أم يتركوننا نشهد على تاريخنا بصمت مرير؟! وإن كان للخيبة معنى في أن نبحث في كل الوجوه هل هو ذاك؟! ثم عندما تتضح لنا الوجوه!! لا يكون هو ذاك.. وهل سيأتي؟! هل سيهتم ؟! تقدمت ليليان إلى قمر ثم وضعت يدها على كتفها " لا تحلمي عبثا.." أفاقت قمر من غيبوبتها وتمعنت في اجابة ليليان وصمتت.. لأنها تدرك أنها تحلم عبثاً.. ومنذ متى لم تكن أحلامها تتطاير وتتساقط كالشهب تماماً... يا ليت الشهب تتساقط الآن في سماء أحلام قمر وتتمنى ( أن يأتي..) أو يخرج لها جني من مصباح علاء الدين فتطلب منه ( أن يأتي..) أو تستطيع بريشتها السحرية أن ترسمه أمامها الآن فتتحول تلك الرسمة إلى حقيقة.. ولكن كل تلك أحلام مبعثرة تكتب في كتاب الأمنيات المستحيلة فتعود قمر إلى الواقع البعيد عن المستحيلات.. تحدثت ليليان " قمر..إن كان سيأتي لأتى منذ زمن.. فلم يتبقى إلا القليل ونغادر إلى الحديقة لنقيم احتفالا من أجل المعرض" أمالت قمر شفتيها " ومنذ متى كنت موضعا لاهتمام احد.." زفرت ليليان بحرارة " لا تتفوهي بمثل هذا الكلام.. هناك ريم وابن عمك ايضا.." صمتت قليلاً ثم أكملت " لا تدعِ أموراً صغيرة مثل هذه أن تتحكم في مزاجك.. ابتسمي فلا تستحق أن تظلميننا بوجهك الذي يصبح مثل الغول عندما تحزنين.." فتحت قمر عيونها "غول؟! أنتِ الغول يا آنسة.." ضحكت ليليان " أجل هكذا.. كم تكونين جميلا بدون وجه البوم.." " هل تدركين أنك تقومين بإهانتي؟!" قمر برفع احدى حاجبيها " أجل.." ليليان بثقة.. ثم ضحكت الفتاتان معاً... ******** ينسينا الصديق الحزن وينسينا الألم.. ******** ~ ~ ~ ~ ~ ~ إيطاليا ـ روما بالتحديد.. بناء ضخم يبدو من هيكله الخارجي أنه على حافة الانهيار.. ولكن تتحد خمساً من أدواره متراصين متماسكين حين الشدة كما من يسكنوه تماماً.. ربما عكسوا صفاتهم وأخرجوها كشعاع امتصه فيتصف به بنائهم القديم.. أو لعل الصداقة التي تجمعهم جعلت من البناء كهلاً لا يموت.. الصداقة تفعل هذا وأكثر.. نقيه كنقاء الماء وتجعل ما حولها نقي لا تشوبه أي شائبة... وعندما يدخل أحدهم إلى معسكر الصداقة يصبح فرداً منهم.. في الطابق السفلي بالتحديد تقف تلك العجوز الأوروبية والتي أخذت من جمال بلادها شعرها الأشقر والذي بدأ منذ زمن بالتحول إلى لون الثلج تنظر بعيونها الخضراء إلى من اقتحم هدوءها بضوضاء جرس المنزل من جديد.. " هل تريد المزيد من القهوة؟!" تحدثت بمزاح ولكنه شعر بالاحراج حيال أمره المتكرر " في الحقيقة.. أريد أن أودع ابنتي عندك..ابدو متطفلا ول.." قاطعته العجوز " لا تقل هذا.." " ولكنني حقا اشعر بالاحراج.. انها ترفض اي مربية بعد ان اعتادت على السابقة.." ابتسمت العجوز " لا بأس فانا أستطيع استقبالها في أي وقت.." تحدث بامتنان " شكرا لك.. سأحضرها بعد ساعة تقريبا.." اومأت رأسها.. فبادر بالصعود على عتبات السلم الا انه سمعها تقول من خلفه " سيد ماجد.. كيف حال زوجتك الآن؟" التفت وقال " الاوضاع بائسة.. لا مفر من البقاء في المشفى حتى الوقت الراهن.." أومأت رأسها بتفهم ثم قالت " انا انتظر صغيرتنا ملاك.." وبعد تحرك xxxxب الساعة وانقضاء الوقت.. وقف السيد ماجد امام باب منزله وبجانبه ملاك التي تذمرت "خذني معك لماذا انا مضطرة للجلوس عند تلك العجوز.." نظر اليها بعتاب وقال " لا يجوز أن تقولي تلك العجوز.." تنهد ثم أكمل " اسمعيني جيدا يا ملاكي سأذهب لأقابل أحدهم فقط ساعتين لا أكثر.." تحدثت ملاك باعتراض طفولي " ولكن كنت استمتع مع سوزان اكثر.." زفر بحرارة " سوزان ذهبت.. ونحن الآن في ايطاليا.." أمسك يدها ثم قال بقسوة" هيا بنا.. ولا اريد اعتراضاً على شيء.." وبعد أن وضعها عند تلك العجوز خرج من المبنى ثم استقل سيارة أجرة... وفي مطعم يدعى - ميرابيل - يقبع في الطابق السابع من احدى الفنادق الفخمة في المدينة.. جلس السيد ماجد على احدى الطاولات ثم نظر الى ساعته وكان قد وصل قبل الموعد بدقائق فقط فكان ما هو أفضل له لتمضية هذا الوقت هو النظر الى النافذة... وبعد دقائق صوت رجولي تدخل صداه في المكان " من الجميل الجلوس وتقابلك حدائق الفاتيكان.." التفت اليه السيد ماجد.. ابتسم وسرعان ما صافحه بحرارة... " كيف هي تركيا يا عابدين.." " ماذا اقول عن اسطنبول يا اخي.." ابتسم ماجد وقال " انها الجمال.." " وفيها الجمال أيضا.." ثم غمزه " هل تركت زوجتك هناك؟!" امال عابدين شفتاه " وماذا عساي أن افعل.. انه العمل.." وبعد أن أخذا قائمة الطعام من النادل سأل عابدين " وانت ما الذي اعادك!! ألم يكن هناك الكنز.." وضع ماجد القائمة على الطاولة وتحدث " بلى،، هناك.." عقد عابدين حاجبيه " كيف؟! هيا اخبرني بتوضيح أكثر.." تنهد ماجد " دعنا نطلب ما نريد أولا... " " حسنا.." ومع فنجان القهوة الذي ارتشف منه عابدين قال " اذا.. طردك والدك وانت استسلمت قبل ان تأخذ حقك وما تملك منهم.." عقد ماجد ساعديه " لم يكن بيدي سوى الرحيل.. ثم ان الكنز عند اصحابه" " ولكن.. كيف ادركت انه." قاطعه ماجد " من والدي عندما قدم للمنزل.." " وانت بكل بساطة عدت ادراجك.." ماجد بقلة حيلة " ليس بيدي،، فقد.." " ولكن كان هدفك من البداية.. كيف تتخلى عنه للمرة الثانية.. قبل ان تتفوه بشيء او تعترض ان ما فعلته ليس صوابا ابدا.." وضع ماجد رأسه بين راحته ثم زفر بحرارة تحدث عابدين عندها " لم يكن عليك العودة ابدا.. فكان من المفترض ان تصلح الامور.." " لم استطع.." ماجد بقلة حيلة " الآن لم تستطع!! " عابدين باستنكار اكمل عابدين " من الذي غادر البلاد من اجل محبوبته أليس أنت؟؟ ومن الذي عصى عائلته؟!" قال ماجد بانهيار " أنا.. كله خطأي أنا.. وما تعيشه ملاك من خطأي أنا.. بدل من أتركها بين عائلته أتركها في أركان منزل عجوز قد انتقلت للسكن بجوارها حديثا.." " هذا ليس سوى القدر.." " القدر مؤلم يا صديقي.." تحدث ماجد متألماً " عد لبلادك اذا.. لا خير في كاريس لا لك ولا لابنتها ملاك،، انها تقبع بالمشفى الآن.. وحالتها ميؤوس منها لذلك عد حيث عائلتك.." ~ ~ ~ ~ ~ ~ وحين تطفو على سطح المحيط في ليلة هادئة رغوة بيضاء.. وحينما يغرب القمر فيتبدل ظلام الليل إلى نور حقيقي.. وعند الوقوف على مشهد المياه الكاذبة فيتحول بخارها إلى مطر يغمر العالم.. وعندما تتساقط أوراق الخريف وفي ربيعي صادق تنطلق الأوراق أزهاراً وثماراً.. في مثل هذه الأوقات تظهر الحقيقة فقط.. ونحن خلال هذه الظواهر الطبيعية نحاول سعياً أن نسقط أقنعة البراءة الكاذبة... " وماذا سنفعل الآن؟!" تساءلت ريم بحيرة " لنكشف الورقة الرابحة يجب أن نعلم مكانها " تحدثت جيداء أمال رامي شفتاه وبتهكم " ذكيه يا حمراء.. " جحظته ريم فقال " ماذا هناك؟! " فتأففت ريم لأسلوبه الساخر تحدث رائد بعد صمت عميق " بناء على معرفتي بعمي فإنه لا يحتفظ بتلك الأوراق له.." أكملت جيداء عنه وهي تشير بسبابتها " فهو يلقي الأمور هذه على أحد آخر.." " اذا الأوراق لا تكون معه فهو يختبئ خلف الأسوار.." أومأت جيداء برأسها " أجل... أعتقد ذلك.." تحدثت ريم مستفهمة " تعتقدين؟!" قال رائد " لا نريد استباق الأحداث يا ريم.. ولا نخطو خطوة واحدة بدون تخطيط ذكي.." " حسنا كما تريدون.." قالتها ريم ثم عقدت ساعديها ضجرة أكمل رامي " احتمال كبير جداً أن لا يكون هناك نسخ للأوراق التي تثبت سرقته حصتك بالشركة.." تدخلت ريم " وربما أتلفها أيضا.." جيداء باستنكار " هل جئت لتعقدين الأمور؟؟!" ردت ريم نافية " لا فقط.. أقول اسوء الاحتمالات.." " ما تقوله ريم ليس ببعيد عن عمي.." قالها رائد زفرت جيداء بحرارة " لا أظن انه اتلفها.. " " كأنك تتحدثين بثقة مبالغ بها؟!" تسائل رامي بينما تحدثت جيداء " أجل.. لأنه سمعت والدي يقول.." قاطعها رائد " أيهما؟!" لوت جيداء فمها بسخرية " الذي قام بتربيتي.." أومأ رائد رأسها متفهما،، في حين نظر رامي إلى ريم مستغرباً.. وهناك أكملت جيداء " كانت يتحدث الى شقيقته.. والتي باعتبار عمتي.." تنهدت ثم أكملت " أن جميع الأوراق يتم حفظها.." " اذا فإنها تعلم أين؟!" ريم بحماس تحدث رائد " لا أعتقد.. فكما اعلم هي سكرتيرة كما أعلم.. أليس كذلك يا جيداء؟"! " ليس بعد الآن.." جيداء ثم ابتسمت عقد رامي حاجبيه " ماذا تقصدين؟!" أخذت جيداء نفسا عميقا " سنحصل على ما نريد ولكن نحتاج مزيدا من الوقت ومساعدة عمتي.." نظر كلاً من رائد ورامي أليها باستغراب بينما اتسعت عينا ريم بسعادة " حقا؟!" اومأت جيداء رأسها.. ****************** الساعة تشير إلى السابعة منذ وقت طويل بتوقيت الانتظار.. وأظن أن xxxxب الساعة تطن كحفيف الأفعى عند الانتظار مما يسبب ألم الرأس... المنزل ساكن كسكون الموت والضجر في هذه الحالات يتزين بأبهى حلته... وضعت قمر كوب الماء بعد أن تجرعت منه ما يكفيها لأخذ مسكن لألم رأسها بعد يوم حافل من التعب والإرهاق النفسي والجسدي... وأرخت جسدها على أريكة بنية اللون تنتظر من الخادمة أن تجلب لها كوباً من القهوة لعلها تستعيد وعيها قليلاً،، فيوم مثل هذا اليوم كفيلٌ بأن يُنفذ كل طاقاتك البدنية وحتى النفسية وتبقى تنظر إلى سقف الغرفة التي تجلس بها حتى إشعار آخر.... " آنسة قمر.. قهوتك؟!" فتحت عيونها بتعب وابتسمت بشحوب " شكرا لك.." " هل تريدين شيئاً آخر؟!" هزت قمر رأسها نفيا ولكنها تداركت نفسها فتساءلت " هل أخبرتك جدتي بشيء عن موعد عودتهم.." " لا.. إن كنتِ تريدين بعض الطعام لتستعيدي جزءاً من طاقتك ف.." قاطعتها قمر " لا شكرا.. لا يوجد لدي شهية الآن.." اومأت الخادمة رأسها " إن كنتِ تريدين شيئاً آنستي فسأكون بالملحق.." " حسنا.." أخذت نفساً عميقاً لعل ذرات الأكسجين تنعشها قليلاً ثم أخرجته بهدوء شديد.. مسكت كوبها وبدأت بارتشافه بهدوء.. أمالت شفتيها بملل شديد ثم نهضت من مكانها... ( يبدو أنك وحيدة هذا المساء؟!) استدارت بتفاجؤ وكادت أن توقع كوب قهوتها.. إلا أنها وقفت بتوازن وأومأت رأسها " أجل.." ابتسم لها واكتفت هي بتلك الكلمات واستدارت من جديد.. لعلها بتجاهلها له ستلقنه عقاباً لأنه لم يأتِ للمعرض هذا اليوم.. تسمع أنفاسه المتعبة وصوت أثر جلوسه على أحد الأرائك.. التقطت جهاز التحكم عن بعد ثم جلست على أحد الأرائك الفردية وبدأت تقلب قنوات التلفاز متجنبة أي التفاتة منها تصدر.... توقفت على إحدى القنوات وبدأت تشاهد برنامجاً وثائقياً يتحدث عن الطيور لتشتت ذهنها بعيداً عن عيون الرصاص التي تدرك جيداً أنها متوجهة نحوها.. ارتشفت قليلاً من كوب قهوتها وشعرت بحركته في المكان إلى أن تجمدت أطرافها عندما جلس على الأريكة المجاورة.. حملقت بشدة بالتلفاز واستعانت بكوبها حتى تبث فيه قليلاً من توترها.. نظر مجد إلى التلفاز ثم لوى شفتيه بنصف ابتسامة " كيف كان المعرض؟!" ظلت متسمرة بالتلفاز وأجابت باقتضاب " جيد.." عقد حاجبيه " ولكن لا يبدو انه مر على ما يرام.." نظرت إليه بنظرة ذات معنى ربما فهمها " كان جميلاً جدا.." أومأ رأسه وابتسم " بالتأكيد سيكون أليس لوحتك تعرض هناك.." أبعدت أنظارها عنه وبدأت بارتشاف قهوتها بهدوء شديد.. سمعته يقول " لم أكن أعلم أن البرامج الوثائقية من اهتماماتك.." تنهدت بتعب " فقط هكذا لتمضية الوقت.." تململ مجد في مكانه محاولاً بث ما بجعبته من اعتذار لقمر لأنه يدرك انها منزعجة بسبب عدم حضوره.. أخذ نفساً عميقاً ثم " قمر،، أنا حقا أعتذر لعدم مجيئي.." وكأنها لم تكن تنتظر منه اعتذاراً فنظرت إليه بذهول وخرجت منها بدون وعي " حقا.." حاول كتم ضحكته فابتسم " أجل.. أما كنتِ تنتظرين مني الاعتذار؟!" ازدردت لعابه وامالت رأسها " ربما.." أحنى ظهره إلى الامام ونظر اليها فارتبكت قال بمرح " ربما تسامحين المسكين الذي يتعب في العمل لأجل أن يشتري لك تذكرة لحضور معرض بعد أسابيع..." نظرت اليه بدهشة فرأت شبح ابتسامته ثم قال " ما رأيك؟!" رمشت عدة مرات مع ابتسامة تعجب " هل!! " نفضت رأسها ثم استرسلت بالحديث " يمكن ذلك.." نهض بسعادة ثم قرص وجنتها " ستشاركينني الطعام بعد قليل... ولا اعتراض..." أطلقت نفساً عميقاً حاملاً معه أكسجين الحب.. ثم تحسست وجنتها وشردت بذهنها راكضةً لخلف أسوار قلعتها القلبية حيث يقيم الحاكم مهرجاناً يُعزف به مشاعرها المرتبكة ويرقص من حوله أنفاسها المضطربة... ********************* تحرك محتويات طبقها بملل شديد.. تخبئ نظراتها تحت حبات الأرز البيضاء.. وطاولة خشبية تحت ضوء القمر تلم شملها مع مجد.. وعيونها الناعسة تأبى الخروج من مخدعها والنظر حيث نور شمس مجد لكي لا يعمي بصيرتها ببصيلات الرصاص من عيونه... نسيم الصيف الخفيف يغلف المكان مع رائحة الياسمين العتيق.. عقد ساعديه أمام صدره بحيرة كبيرة موجهاً أنظاره إلى زهرته الذابلة.. انه يود أن يمتص منها الحزن ويخبئه في مكان بعيد عن هذه الطاولة.. يريد بشدة أن يمسك بيدها ويخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام... وكم في أحلامه أن ينسيها ماضيها ويصبح هو مستقبلها وحاضرها.. تنهد ثم تساءل" ماذا بك يا قمر؟!" رفعت رأسها ثم صمتت قليلاً،، تركت ملعقتها و قالت بنبرة كانت أبعد البعد أن يصدقها " لا شيء" " ولكن عيناكِ لا تقول هذا؟!" نفت برأسها " حقا لا يوجد شيء فقط.." قاطعها بابتسامة " تستطيعين إخباري بما يجول في خاطرك.." نظرت إليه بتردد فإنها لم تعتد أن تفصح له بالشيء الكثير وخاصة عن مشاعرها المستاءة.. فحثها قائلا " يمكنك الوثوق بأنني لا.." فهمت ما يقصده فقاطعته " ليس أنه لا اثق بك.." عقد حاجبيه " اذا ماذا هناك؟! لا تقلقيني.." " لا شيء يدعو للقلق.. فقط أنه اللوحة التي تجمعني مع عائلتي.." صمتت وأبعدت عيونها التي على وشك بدء معركة الدموع عنه فهي إن كادت أن تتفوه بكلمة أخرى سيصبح مشهداً درامياً لا محالة وستغرق بشلال مشاعرها مجدداً.. تنهد ثم نهض من مكانه مد يده لها " تعالي قليلاً..." نظرت إليه وقطرات الندى توشك أن تسقط من عسل عيونها.. حثها بعيونه فمدت إليه عيونها ونهضت معه... ساراً قليلاً مبتعدين عن الطاولة وظل ممسكاً بيدها حتى توقفاً .. بينما هي مطرقة رأسها وقف مقابلتها ووضع يديه على أكتافها برفق " لا بد لظلام الماضي أن يبدده نورٌ يوماً ما " رفعت رأسها فالتقت عيناها الدامعة مع بريق عيونه الجميل.. شردت ببحرهما ولم تعي على نفسها إلا وهي بين أحضانه وصوته يقول " سيمضي يا قمري " أي نور يمكنه أن يطفئ عتمة الماضي؟! أي مياه يمكنها أن تخمد حريق الذكريات؟! أي شيء سحري يمكنه تحويل خوف الماضي إلى شجاعة؟! وأي شعوذة يمكن إلقائها حتى نتمكن من المجازفة؟! إنها شعوذة الحب.. وسحر الحب.. أنها مياه القلب.. ونور القلب.. *********** الذكريات تبدو سراباً لأحد ما قد ظمئ لرشفة من ماء الماضي الهنيء.. وكذلك ياسمين دائما ما تستيقظ كل صباح وأول شيء يراود ذهنها ( أن تعود الأيام كالسابق )... تنظر إلى أشعة الشمس عبر نافذتها لعل شعاعها الذهبي بريق أمل لخروجها من مستنقع الحاضر... فبعد أن تولت منصب سكرتيرة لصديق شقيقها السيد مراد اكتشفت أن وسط العمل سيء جدا.. وأنها كانت في عالم البراءة حتى دخلت إلى عالم الأعمال فغمرتها القذارة حتى أنها غرقت بها.. تخرج من منزلها كل يوم وتتمنى أن تُنفى إلى كوكب آخر بعيداً عن غطرسة ودناءة مراد فإنه يتمادى أكثر وأكثر بعد أن جعلها في المركز الأول من المساعدة... تنهدت قبل أن تدخل إلى مكتبه بكوب قهوته المرة.. رسمت الابتسامة على وجهها طرقت الباب مرتين حتى أذن لها الدخول... " صباح الخير.." نفث دخان سيجارته الفاخرة " أين لؤي؟!" وضعت كوب القهوة على مكتبه ثم أجابت " لم يأت إلى المنزل البارحة.." " وابنته؟!" قالها بازدراء شعرت بالاسف ثم قالت باستياء" لم تأتِ.." فتح ملفاً من التي أمامه وقال بتعالي " ماذا حصل بشأن ماجد! هل توصلتم إليه.." أومأت رأسها " إنه يرفض القدوم للبلد.." نظر إليها بتهكم " وما عملكم أنتم؟! سيأتي مرغماً.." " حسنا.. سأحاول الحديث إليه مر.." قاطعها وهو يلوح بيده نافياً " عندما يأتي شقيقك أرسليه... واحجزي تذكرة لشخص إلى ايطاليا.." " حسنا،، هل هناك أوامر أخرى.." " لا.. انصرفي الآن.." قالها ثم شرع بشرب فنجان قهوته... تأففت بعد أن أغلقت الباب من خلفها.. أسندت جسدها على الحائط وشعورٌ بالخزي يملؤها... فإن هذا الشعور يخنقها جدا ويجعلها تنتظر دورية الشرطة في أي لحظة حتى تقبض عليها حتى تتخلص من هذا الشيء التي تعثرت به والذي جعل قناع البراءة خاصتها يقع.... أسرعت إلى مكتبها لتستنجد بشقيقها ثم التقطت هاتفها من الحقيبة.. اتصلت به وانتظرت حتى يجيب " ااه لؤي.." جاءها صوته قلقاً " ماذا هنالك؟!" " تعال بسرعة أرجوك.. " ثم همست له " ارتكبت خطأ واحد وشعرت بالذنب لما أفعله.." " حسنا اهدئي.." أكملت حديثها الهامس " أرجوك يا لؤي لا استطيع تحمل المزيد من الأمور هذه.. إنها لا تناسبني.." " نصف ساعة فقط وأكون هناك وأحل الموضوع مع مراد.." قالها مطمئناً أخذت نفساً عميقاً وبنبرة مضطربة " حسنا.. أنا بانتظارك.." تبدأ حكايا العشق دائما بأغنية... يرسلها المُحب إلى معشوقه على نية الصداقة ولكنه بالحقيقة يرسل مشاعره بطريقة غير مباشرة.. أغنية كتلك تلمس شغاف القلب وتملكه فتتدفق المشاعر داخله وتتزاحم مع الكلمات.. تلك المشاعر الجياشة فقط عندما تتدفق الكلمات من بين شفتا مجد صباحاً.. يستقل عتبات السلم نازلاً للأسفل والسعادة تشق طريقها في بداية صباحه... يغني بصوته العذب ويدندن بين كلمات الأغنية كنوع من الموسيقى يختلقها هو على نسج موسيقى الأغنية الأصلية... " يا سيد الطرب ، ما بالك منشرح هكذا.." تحدثت ريم بانزعاج لوى شفتيه " يبدو أن ملكة الدراما منزعجة؟!" تنهدت بتعب، فعقد حاجبيه وكاد أن يسألها ولكنها لوحت بيدها مودعة " سأذهب لأنام فأنا متعبة من السهر.." هز كتفيه بلا مبالاة ثم أكمل النزول وعاد للغناء والدندنة من جديد.. إن الحب في نظره مجرد أغنية تخرج من بين شفتاه فتصيب سهامها قلب محبوبته... يتخايل في مشيته ببدلته الرسمية التي تناسب اجتماع اليوم.. يتوجه إلى المطبخ يأخذ من الخادمة عصير البرتقال ثم يهرول مسرعاً إلى الخارج.... يخطو خطواته نحو ظلال ورق الشجر على الحسناء التي تجلس بملل.. إنها تبدو كلوحة طبيعية وهي تجلس عاقدة ساعديها شاردة في الافق... أكمل سيره بابتسامة غامضه ثم تنحنح ووضع كوب العصير الطازج.. تحدثت قمر بهدوء " صباح الخير.." " صباحكِ خير.. " ثم أشار إلى الكوب " هذا العصير لكِ.." ابتسمت له " متشكرة.. ولكن لا شهية لي.." تنهد ثم جلس " ولكن هذا لا يجوز.." " أقدر اهتمامك بي.. ولكان هذا لا يجري فقط لتكفر عن ذنوبك.." ثم أبعدت أنظارها عنه ومرارة تملأ حلقها.. نظر إليها بذهول وتحدث باستغراب " ماذا تقولين؟!" هزت رأسها نفيا وكادت أن تنهض لولا أنه قال بصوت عالٍ بعض الشيء " هل تعي ما تقولين؟!" همست بحزن " ما حصل بالراحة " تحدث من بين اسنانه "وماذا حصل؟ ماذا فعلت؟" نظرت اليه وحديث ريم وزجة عمها يرشقها كما الرصاص تماماً، ( عندما أرادت أن تدلف إلى غرفة ريم في منتصف الليل، سمعت زوجة عمها تقول: " أنا لا أعلم ما يحصل لكم؟ أنتِ ومجد " أجابتها ريم بهدوء " لا شيء،.." بتهكم شديد تحدثت " لا شيء، أنت تركضين وراء ذلك الفقير، ومجد لا أدري ماذا دهاه أراه يجالس ابنة عمك أكثر منا؟" تنهدت ريم بملل " أرجوكِ يا أمي لا تدخلي قمر في رأسك الآن.. كفانا نحن" " ومن يستطيع أن يتحدث اليها، انها جدتك وراءها تماما لا تسمح لنا بشيء ولكن مجد هل لأنه اساء لها كثيراً" تحدثت ريم بنبرة حادة" لهذا يا امي، أجل يكفي.. " ) لم تستطع أن تتفوه بأي حرف، لا تدري ماذا تبرر موقفها أمامه.. ربما قد تسرعت! ولكن ريم تؤكد ذلك لوالدتها..! ازدردت لعابها بتوتر ثم ارتعدت أوصالها عندما نهض بقوة عن المقعد " أنتِ حقا حمقاء.. وحمقاء كبيرة.. إن كنت أريدك أن تسامحيني فأنا لا أفعل ما أفعله لكِ.. وأنا لا أنتظر مسامحة من أحد لما أفعله.." ثم صرخ بقسوة " هل فهمتِ؟!" ظلت محملقة به بخوف.. قواها قد خارت واختفت.. ازدردت لعابها وتشبثت بقوة وهمية قد تراءت لها من سراب.. تخشاه إلى الآن.. وتخشى عاصفة غضبه.. فإنه إن غضب يصبح إعصاراً يدمر الكثير والكثير... قالت بتردد " أنا فقط.. كنت.." أوقفتها يده عن الحديث وشعرت بعيونه تنظر إليها بعتاب شديد.. تخبرها عيونه أنها حقا مخطئة.. مخطئة جداً... أخذ نفساً عميقاً ثم نظر إلى عيونها مباشرة.. بعثرت هي نظرها آن ذاك وسمعته يقول مع أنفاسه المتقطعة " كل ما أفعله من أجل حمقاء مثلك..." ثم اختفى صوته بعيداً.. وبعد جملته تلك التي تخفي خلفها الكثير... تراءى لها مشهد ليلة البارحة عندما أخذها بين ساعديه حتى يخفف عنها آلامها.. ولكنه الآن يمضي بعيداً عن كل شيء بسبب ما تفوهت به.. فأين هو الآن من الحزن التي يعتصر قلبها!! وأين يذهب بعيداً من دون أن تفسر له؟! إن الإجابة ظهرت في غيمة تطفو على تلافيف عقلها الأحمق " بسببك يا قمر..." والسؤال الأهم.. لماذا قال جملته تلك؟! وماذا يقصد يا قمر؟! زفرت بحرارة بعد أن حاولت الإجابة على سؤالها ذاك.. ربما فكرت بالإجابة الصحيحة ولكنها كانت أضعف الاحتمالات بالنسبة لها.. وهي في أوج الخصام بين قلبها الذي يخبره بمدى صحة تفكيرها!! وبين عقلها الذي يحاول إيجاد إجابة شافيه؟! يظهر من البعيد سحابة حديث تلتقط كلماتها وتهطل في أذنها.. فتخرج من المعركة ما بين قلبها وعقلها مبعثرة متشتتة.. ابتسمت بشحوب إلى جدتها.. فنظرت إليها جدتها بشك وتساءلت " لماذا كان صوته عالياً؟!" أمالت قمر شفتيها " لا شيء.." وبدلت دفة الحديث " هل ستذهبين إلى المشفى الآن؟!" أومأت الجدة رأسها " أجل.. " " ما رأيك أن أذهب معك إلى المشفى,, تجرين فحوصاتك.." " حسنا.. ولكن ستجرين أنتِ فحصاً لدمك أيضا.." تنهدت و بإعتراض تحدثت قمر " لقد أجريته المرة الماضية.." ولكن جدتها قالت بحنان " لا بأس بفحص آخر..دعيني أطمأن عليك.." ابتسمت لها ثم غمرتها بلطف وبعد أن قبلتها على وجنتيها " أحبك يا أجمل جدة.." " وأنا أيضا.." ثم ابتعدت عنها الجدة وقالت آمرة " هيا اذهبي لتجلبي حقيبتك.." أومأت قمر رأسها ثم بدأت بالركض... ــــــــــ مشهد قصير ــــــــــ شبكت ياسمين أصابعها بتوتر شديد.. تنظر إلى الساعة المعلقة على الحائط كل دقيقة وتشك أن xxxxب الساعة تتحرك أيضا.. همهمت وهي تململ في الكرسي الخاص بها " هيا يا لؤي.." ضاق صبرها فبدأت تمشي ذهابا وإيابا لعله يخرج.. إنها تنتظره إلى ما أكثر من نصف ساعة... وسمعت مقتطفات من شجارهم إلى أن هدأت الأصوات.. تنهدت عندما خرج وعلامات البؤس تسرق ملامحه.. رسم على شفتيه ابتسامة كاذبه ثم وضع يده على كتفها تساءلت بقلق " ماذا حصل؟!" تحدث لؤي مطمئناً " لقد سويت الأمور.." " أخبرني.." " لا تقلقي بشأنك.. أنتِ لم تفعلي شيئاً." عقت حاجبيها " ولكن.." ولكنها تداركت الأمر وقالت من بين أسنانها " ذلك الحقير.." ثم تهالكت على مقعد قريب " لماذا تكفلت بكل الأمور... لماذا؟!" تنهد متعباً من ظلم الحياة ومن اختياراته كي يحمي من يحبه " أفعل هذا لأنني أحبك.." " ولكن..." اختنقت الكلمات داخلها واكتفت ببكاء صامت شد لؤي على يدها " لا بأس يا شقيقتي.." نفت برأسها ولم تستطع أن تتفوه بأي حرف " اهدأي أرجوك.. " صمت لؤي لوهلة.. ثم قال "سأذهب إلى ايطاليا اليوم من أجل ماجد.." نظرت إليه بحسرة وقالت " نحن بدائرة لن نستطيع أن نخرج منها.." حاول لؤي طمأنتها قائلاً " لا تقلقي بشأني.. " " لا تظهر قوتك.. نحن الضعفاء والمهزومين هنا.. لا هو.." قالتها ياسمين ثم نهضت بدموعها بعيدا عن شقيقها.. ********************** " إنها الرابعة الآن.." تحدثت ريم بعد أن نظرت إلى ساعة الحائط بغرفتها.. ثم أبعدت الهاتف عن أذنها ووضعته على وضعية ( مكبر الصوت) وبدأت تمشط شعرها المبتل.. جاءها صوت كمال متحمساً " ما رأيك أن نخرج ثلاثتنا؟!" نظرت إلى الهاتف وكأنه كمال وعقدت حاجبيها " ثلاثتنا؟!" " أجل.. أنا وأنت وقمر.." لم تستسغ الفكرة ثم امسكت هاتفها وقلبته إلى الوضع العادي.. وضعته على أذنها وتحدثت " قمر ليست هنا الآن.." سمعته يتنهد بإحباط ثم قال " حسنا لا بأس.. لقد واتتني الفكرة لأني بالقرب منكم.." قالت بملل وعلى مبدأ الواجب والأدب " يمكنك أن تأتي وتنضم إلينا قمر لاحقا.." " حسنا.. أنا قادم.. هل أحضر معي شيئا.." " لا.. شكرا لك.. بانتظارك.." أغلقت الهاتف ثم ألقته على سريرها بضجر.. وجلست على مقعد كبينتها بخيبة كبيرة جداً.. " قمر وكمال!! " ثم زفرت بحرارة .. ان كمال منذ مدة ليست ببسيطة يهتم بقمر جدا يساعدها بكل شيء وقمر أيضا تبدو مسرورة لتعاملها مع كمال وتمضي أغلب الأوقات برفقته .... حتى أنه قل تعاملها مع رامي.. وتتعامل مع مجد برسمية أحيانا أخرى واحيانا تتجنبه...هل يبدو أن كمل بدأ بتعبة فراغ قمر... هزت رأسها نفياً بقوة وصرخت " لا مستحيل..." ( ما هو المستحيل..) شهقت برعب ثم استدارت وبلعثمة قالت " لا شيء.." تقدم مجد نحوها بشك " اذا؟!" ازدردت لعابها وعادت أدراجها حتى تسرح شعرها " حقا لا شيء.. كنت افكر بشيء ما.." ابتسم لها بتعب " جيدة عندما تخفين أمرا.." قالت وهي تشير اليه من رأسه حتى أقدامه ممازحة إياه " اذا لست مثلك.." وما كانت ردة فعله إلا أن أومأ رأسه فعقدت ساعديه وبنظرة تفحص " ماذا بك؟" أجاب بهدوء " لا شيء.." اومأت رأسها بتفهم لعدم إفصاحه.. فهذا مجد يخفي كل شيء ولا يشاركه مع أحد... يخبئ نفسه ومشاعره في صندوق خلف ضباب أسود قاتم لونه.. ولكن لا تفضحه إلا عيناه.. وهي في قمة شرودها سمعته يتنهد.. تقربت منه ثم سألته بقلق " مجد ما بكِ!! لا تبدو بخير.." حك جبهته فهذه حركته عندما يكون يبحث عن اجابة أو ( حجة) ما ليقولها.. ابتسمت له ووضعت يدها على كتفه " حسنا لا بأس.. يمكنك اخباري لاحقا.." " اذا ما اخبارك مع رائد؟!" امالت شفتيها بحيرة " تحدثت معه صباحاً.. ان مزاجه معكر نوعا ما.." " تبدين مترددة !!" سألها باستغراب " جيداء تحاول أن تأتي لنا بأي شيء قد يوقع عمه بالهاوية.." ابتسم مجد " هذا جيد، ولكن كيف؟! " وضع يده أسفل ذقنه " ولكن كرجل أعمال مثل عمه.. يصبح هذا الشيء ضرب من المستحيل.." زفرت بحرارة " لا تهبط معنوياتي أرجوك.." " لا تقلقي.. إن في كل خطأ ثغرة ،، مهما حاولنا إتمام عملنا بإخفاء الأدلة بشكل تام.." اومأت رأسها ثم غمزته " وأنت عيونك تفضحك.." ثم قهقهت بخفة عقد حاجبيه مع ابتسامة جانبية فأكملت وهي تخرج مجفف الشعر من دولابها " تفضح حزنك على حبك.." عقد ساعديه " ابنة عمك حمقاء جدا لأنها..." بتر عبارته على أثر طرق الخادمة الباب.. فاستدار ناحيتها وقال " ماذا هناك سيرين؟!" أجابته " لقد جاء السيد كمال.. انه بالشرفة الخلفية.." أجابت ريم " حسنا.." استفهم مجد قائلا " وماذا يريد هذا؟!" هزت ريم كتفيها " اتصل بي وقال انه بالجوار.." اومأ رأسه " استقبليه أنتِ.. أنا نائم.." ثم بدأ بالمغادرة وقال قبل أن يغلق باب غرفتها بضجر " لقد أصبح ملتصقا بنا.." أطرقت ريم رأسها بعد خروجه ثم توجهت حيث مرآتها وقالت بصوت أقرب للهمس " بل بقمرك.. " ******************** إن الحب أشبه بالسهم... سهم يأتي على حين غرة.. نكون في غفلتنا عندما يصيبنا.. نكون شاردين في الحياة.. ثم نصبح شاردين بالحب... يبدو الحب حينها كنجم ساطع في سماء حياتنا،، ويبدو أحيانا كشهاب ينزل من الفضاء إلى الأرض فيسبب فجوة غريبة.. فجوة نغرق بها أكثر.. ونبقي بها مشاعرنا وحكاية الحب.. في الحب نسافر إلى بقاع مختلفة.. نتجذر ونتعمق بها.. في الحب تداخلٌ بالوجدان... ويصبح الحبيبان روحا واحدة بجسدين مختلفين.. ولكن ما الجدوى من الحب إن كانا الحبيبين يختزلان حبهما داخل أسوار قلعة رمادية وضباب أسود..!! إن الساعة تجاوزت الثامنة والنصف.. يجلس مجد في غرفته يطالع بعض الملفات الخاصة بدور الأيتام الجديدة... يحاول جاهداً أن يشتت فكره وأن يشغل نفسه عن قوقعة الحب الغامضة... تنهد بعد أن أنهى آخر ملف له.. أمسك كوب قهوته فرآه منتهياً منذ زمن... نهض من مكانه بتعب واضح على ملامحه.. ويشعر أنه قد أفرغ طاقاته البدنية لهذا اليوم... هو هكذا لطالما يحاول الهرب بالانهماك بالعمل.. أو إيجاد أي شيء حتى لو يخرجه من تحت طيات الأرض فقط ليشغل نفسه... غادر غرفته ثم نزل عتبات السلم بهدوء شديد وصداع يلفح بنسماته الخفيفة حول رأسه .. استدار إلى الرواق المؤدي إلى المطبخ.. ثم دخله ووجد فيه احدى الخادمات التي تسكب بعضاً من القهوة المرة وبجانبها كعك حلو..وعندما رأته سألته إن كان يحتاج مساعدة فرفض ذلك بود ثم توجه نحو آلة القهوة وما لبث أن أشعلها حتى تقاذفت على وجهه رياح ضحك قوية تأتي من الخارج.. تعجب ثم نظر إلى الخادمة وتلوح في وجهه علامات الاستفهام فأجابته " الآنستان ريم وقمر والسيد كمال..." " للآن هنا.." قالها بتذمر ( وهل هناك مانع يا بطلي..) التفت الى جدته بابتسامة " لا أبدا.. ولكن فقط.." قاطعته وقالت بهدوء "انا من دعوته للعشاء.." اخذها تحت ساعده الأيسر وجعلها تقترب اليه " وهل هناك اعتراض بعد أمر الملكة.." ضحكت الجدة " جميعكم تتلاعبون بالكلمات.." سألها ممازحا " وهل جدي كذلك؟!" ضربته على ساعده وقالت باحراج " قليل الأدب.." تحدث ببراءة " أنا فقط أتساءل.." توجهن نحو ما تحضره الخادمة وظهرت على وجهها علامات الرضا " جيد.. سنأخر العشاء قليلاً.." تساءل مجد " ولماذا؟" ( لأنك تسأل.. ) التف مجد وضيق عيونه صوب رامي ثم " ها ها،، كم أنت مضحك يا ابن العن.." غمزه رامي " أٌعجبك.." لوى مجد شفتيه باستلام ثم توجه صوب آلة القهوة.. بينما رامي سار حتى وصل جدته وقبلها " كيف هي جدتي الجميلة.." ربتت على وجهه " بخير ما دمتم جميعا بخير.." أخذ رامي كعكة ثم قضم منها وقال بعدها " من في الخارج هناك أصوات؟!" قال مجد بتذمر وهو متوجه لخارج المطبخ حتى يذهب إلى غرفته " انه كمال.." ثم لوى شفتيه ضيقاً فقابلته جدته بنظرة تأنيب وتحدثت بشكل آمر " إلى الخارج.." وقالت بعد أن زجرت مجد " جميعكم.." زفر رامي " اووه يا جدتي أنتِ تعذبيننا.." " امشِ يا سيد رامي.." تحدث مجد متحاملاً.. ثم خرج جميعهم إلى الخارج وتبعتهم الخادمة تصطحب لهم الكعك والقهوة.... توقفت الكلمات في حنجرة قمر وخنقتها حتى شكلت كتلة سوداء شبيهة بطعم العلقم عندما رأت مجد يتوجه صوبهم مع جدتها ورامي.. ظلت محملقه به لوهلة وهو يتحدث إلى رامي وتتراقص البسمات على شفتيه.. أخذت نفساً عميقاً وحتى تبعده عنها وعن تفكيرها أبعدت نظرها عنه وأمعنت السمع إلى كمال عندما سأل ريم " اذا متى بداية الفصل الجديد؟!" زفرت ريم " كنا مستمتعين.. ما الذي أوصلنا إلى الجامعة الآن؟!" شعرت قمر باقترابهم فوضعت رأسها على كيف يدها.. واسندت ذراعها على الطاولة وتمنت داخلها أن يحتل مجد مكاناً قاسٍ عنها.. وبالفعل أول من جلس هو مجد وقد اختار زاوية بعيدة على مقعد أسفل الشجرة.. تشنجت حواسها وشعرت بخيبة.. ولكن أليس هي من تمنت عدم جلوسه جانبها!! أطرقت رأسها وبدأت بسبابتها تحركها على الطاولة.. تحدث رامي بعد أن احتل مقعدا بجانب قمر " انظر الى شكلها.. وعندما تتخرج تريد أن تتوظف بشكل عاجل.." برمت ريم وجهها لرامي.. حيث ابتسم واخذ كوب قهوة مع كعكة صغيرة.. وفي تلك الأثناء مدت الجدة بعضا من الكعك إلى كمال.. تحدثت ريم رداً على رامي " انظر الى نفسك أولاً تخرجت محامياً ولكنك لم تعمل بتخصصك.." نظر رامي بنصف عين إلى ريم ثم تحدث " على الأقل وجدت عملا.." " أجل أجل.." ريم بسخرية.. وعندما انشغل رامي وريم بالمزاح انضم اليهم بعد ذلك كمال ايضا.. فيما قمر كانت شاردة في أعماق المشاعر وعمق المتاهات التي تاهت وأضاعت نفسها بها... ربما كان جزءاً منها في أرض الواقع لذلك سمعت استدعاء جدتها لمجد حتى يجلس معهم.. فألقت نظرة جانبية لظله الذي يتحرك.. ازدردت لعابها وتذكرت جملة ليليان عندما اخبرتها ما حصل هذا اليوم ( أفضل شيء هو تجاهل المشاعر قبل تجاهله هو نفسه..) لذلك أخذت قمر نفسا عميقاً عندما جذب مقعدا من جانبها واغلقت عيناها.. كتمت انفاسها ولكنها عندما فتحت عيونها رأته يتوجه إلى الناحية الاخرى وابتعد.. فتسمر كل جزء من جسدها لحركته تلك ثم نظرت بذهول وصدمة اليه.. بينما هو وضع جدارا سميكا بين قلبيهما.. ولم يعرها أي اهتمام.. تجاهلها وتجاهل كل شيء .. يعاقبها أجل.. هو كذلك؟! قاسي بمعاملة الجنس اللطيف أحيانا... تحدث إلى جدته بتساؤل " سمعت أنك ذهبتِ إلى المشفى هذا اليوم؟!" أجابته الجدة " لقد قمت بالفحوصات الدورية لي.." تساءل كمال عندما سمع اطراف الحديث " ولكنك تبدين بصحة جيدة.. انك سيدة وكأنك في عمر الشباب.." قهقهت الجدة على لطف كمال " وانت لسانك حلو مثل رامي.." قال رامي بوضعية الفخر " أوليس صديقي؟!" وفي هذه الاثناء تنهدت قمر وتحدثت ريم في الوقت ذاته " التفاهة نفسها.." ثم لوت شفتيها.. تحدث كمال مصوبا أنظاره إلى قمر " واظن ان قمر اصبحت مثلك.." استرعى انتباه قمر اسمها فنظرت اليهم لوهلة وكأنها مصعوقة.. فضحك كمال وقال " حتى في صدمتها.." ضحك الجميع عدا قمر التي ابتسمت له بدون فهم.. ومجد الذي تأرجح بصره إلى تبادل النظرات بين كمال وقمر.. شد على قبضته وتأوه على مسامع الجدة.. التي خفت ضحكتها ثم همست له " ما بك!!" هز رأسه نفياً وعيونه ما زالت على قمر.. صوبت الجدة نظرها إلى حيث نظره ثم ربتت على يده " لقد اخذتها معي اليوم.. وقمنا باجراء فحوصات جديدة.. ستخرج نتيجتها بعد يومان.." التفت بحدة إلى جدته وعقد حاجبيه " لماذا؟؟ لقد اجريناه مسبقا.." تنهدت جدة وتذكرت حلماً بائسا قد حط على منامها ذات ليلة.. " فقط ليطمئن قلبي عليها.. ستذهب أنت لاحضار النتائج" ابتسم مجد لها ثم قبل يدها بلطف " لا تقلقي.. انها كالقردة تضحك.." نظرت اليه الجدة بعتاب.. بينما صرخت ريم ووجهت حديثها إلى قمر " هييي قمر.. هناك من يقول عنك قردة.." نظرت اليها قمر بعدم استيعاب.. فأمالت ريم شفتيها " حقا .. من الذي اخذ عقلك.." نفضت رأسها " لا شيء.. ولكن ماذا كنتِ تقولين.." تحدث مجد بحدة وجحر ريم " تقول التفاهات مثلها.." اتحدثت ريم بدون خوف " هو من قال عنك قردة وانا..".... ثم التفتت لتحادث كمال وتلهيه قليلا.. بدلت قمر نظرها إلى مجد ثم قالت بهدوء شديد وهي تنظر في عميق عينيه " لا بأس.. لا بد أنه يمازح لا أكثر.." وظلت محدقة به بصمت شديد وهو كذلك.. حتى همس لها رامي " لا تكترثي كثيرا.." هزت رأسها نفيا ثم ابتسمت له " لقد.." .. نظرت الى مجد نظرة جانبية ردت الروح المسلوبة منها وبترت عبارتها مما جعل رامي يستغرب ثم اكتفت بالصمت... في حين بدأت الجدة ترسل نظراتها المؤنبة لكل من ريم ومجد.. وبعد سويعات قليلة من العشاء.. قررت ريم بعد رحيل رامي وكما ان تشاهد فيلما بوليسا كان قد أخبرها به كمال عند حضوره وطلبت من قمر مرافقتها بالسهر هذه الليلة.. أومأت قمر رأسها منصاعه " حسنا.. لك ما تريدين.." غمزتها ريم " لم تحزني من مجد لأجل كلمة قردة..." تنهدت قمر ثم قالت " وهل يجب أن افعل؟!" لوت ريم شفتيها " لا.. هو فقط.." قاطعتها قمر مع ابتسامة خفيفة " اذا سأعد الفشار.." " حسنا.. وأنا سأهيئ المكان لأجل الفيلم.." ثم فركت كفيها مع ابتسامة حمقاء.. قهقهت قمر لمظهرها الطفولي ثم هزت رأسها نفيا بنم عن الاستسلام.. وبعدها توجهت قمر خارج الصالة حتى تعدها ريم بناء على متطلبات الفيلم البوليسي.. اشعلت قمر أضواء المطبخ ثم توجهت إلى احد الكبائن وأخرجت حبات الذرة الصفراء اللامعة.. ثم إلى الخزائن المخصصة بأواني الطهي.. وبعد أن وضعت زيتا في إناء الطهي.. ثم ألحقت الزيت بحبات الذرة.. ارتعدت مع شهقة خفيفة عندما سمعت صوت مجد من خلفها " ماذا تفعلين؟!" استدارت اليه بجزع فقال " لم اقصد ان أخيفك هكذا.." تنفست الصعداء " لا بأس.. لأنك جئت على غفلة.." وبترت عبارتها.. وعم الصمت إلا من حديث أعين صامت تتجادل فيه العيون.. وأسر المكان برائحة العشق الخفي مع عذاب القلب وحرمان الوجدان... تلوح في أفق عقلها جملته " سيمضي يا قمري.." وتتمايل في عيونه طيف من حزنها وما زالت اتهاماتها له تغلق مسار قلبه من جديد.. ولم يصحو كلاهما إلا على تطاير حبات الفشار فوقهما... فشهقت قمر واستدارت لعلها تستطيع غلق الإناء.. ولكن يد مجد حالت دون الوصول وهو يقول " هل انتِ مجنونة.. ربما تحترقين.." ثم جلب هو إناء على شكل نصف كرة واحد له وواحدا لها.. وبدآ بمحاولة التقاط حبات الفشار بمتعة وضحك.. ويبدو الفشار حينها حبات ثلج بيضاء تسقط على ربيع حبهما الصامت... وعندما انتهى مشهد الفشار ذاك وتعبت حبات الذرة من التطاير هنا وهناك.. جلس الاثنان بتعب بجوار بعضهما ويبدو أن قمر اتكأت بجسدها وهي تلهث على كتف مجد.. وبعد أن التقطا أنفاسهما الأخيرة نظر كل منهما إلى بعض لوهلة ثم بدآ بموجة ضحك.. بل سخرية على حالهما ذاك.. وبعد ان ارتخى الضحك وبدأ يتلاشى... وكعابر سبيل وضب امتعته ورحل... ارخت قمر رأسها بدون وعي وبدون سيطرة على مشاعرها على كتف مجد بتعب ثم قالت " أنا اعتذر عن حديث الصباح.." اخذ مجد نفسا عميقا ثم اخرجه " لا بأس.. فأنت حمقاء.." ابعدت رأسها عن كتفه وبحدة طفولية " وكذلك أنت.." وبعد انقضاء يومان... والشمس ترسل خيوطها الحمراء في أفق السماء.. تنذر وقوعها ببحر الوداع.. تنهي مآسي الصباح.. وتجلب ظلاما كالحاً للسماء... تنهد بألم شديد ممسكاً بورقة من شدة تكويرها تبدو كأنها فارقت الحياة.. رماها على المقعد الجانبيى ثم وضع رأسه على المقود بتهالك شديد وبدا يأن ويتحدث بوجع " لماذا!! لماذا!!..." وغمامة الحزن إلا وأبت ان تذكره كيف دخل إلى الطبيب مرتاعاً بعد أن طلبت منه احدى الممرضات والتي استطلعت على نتيجة الفحص وبتردد كانت تنظر إليه.. فآثرت حينها بان تقول له " دقائق ويأتي الطبيب.." كلماتها كانت كفيلة بأن يهرب الخوف إليه وأن يتسلقه من أخمص قدميه حتى رأسه.. وبعد دقائق دخل مضطربا جزعا يكاد يسقط مغشيا عليه بسبب دوار رأسه.. وما زاد دوار رأسه وتشنج اعصابه عندما تحدث الطبيب " للأسف الشديد.. نتائج الفحوصات تشيير..." صمت الطبيب قليلا ثم قال بدون تردد " انها مصابه بسرطان الدم..." انتهى الفصل واتمنى انه يكون نال اعجابكم وما تحرموني من ردودكم الجميلة واعذروني على تقصيري ولكن شوية ظروف دمتم بخير مع حبي | ||||||
04-04-20, 10:18 PM | #23 | ||||||
مشرفة منتدى الروايات المنقولة
| " نخفي ما في القلب وننسى أن العين تفضح" (17) مدخل إلى الفصل: الحياة!! لها أكثر من بعد من منظور كل شخص.. و إن كنا سنسأل ما مفهوم الحياة بالنسبة لك!! سيجيب أحدهم أنها مجرد أيام.. وآخر سيكون جوابه مالاً يجعلنا سعداء.. وواحدة ستجيب بأن الحياة هي العائلة... وإجابات أخرى متعددة،، كل يجيب بنقص يشعره بالحياة.. و أحد آخر يجيب بشيء يملكه.. ولكن محور سؤالي أنا هل الحياة قاسية!؟ دوار وصداع،،تشويش بالرؤية.. ويشعر برغبة عارمة بامتصاص مجريات الأحداث خلال اليومين الماضيين.. إن ثقل الحياة الآن على كتفه.. ولأول مرة يشعر بالعجز وبأن كل شيء يتبخر من أمامه.. حتى عيونه ما عادت تستطيع الرؤية... تهالك على مقعد قريب منه وسؤال يتبادر إلى ذهنه هل هي النهاية!! أم أن النهاية قد قاربت؟؟! يشعر أنه في باخرة وسط المحيط.. يعاني من دوار البحر ويشعر بالإعياء.. كل شيء من حوله لا صورة له ولا بعدٌ واضح.. تلك الكارثة التي حلت على رأسه ثقيلة جداً.. ثقيلة لدرجة أنه كيف ستستوعبها فتاة بريئة مثلها.. كيف يمكنه أن يخبرها أنها في دوامة مرضٍ من الممكن ألا تنجو منها.. كيف لها أن تستوعب فهو بحد ذاته لا يستوعب ما حل بها..!! ولا يزال يتساءل منذ سماعه الخبر،، هل الحياة قاسية!! ********** xxxxب الساعة تشير إلى الثانية عشر ظهراً.. وموعد غرامي يحط بأجنحته على مسامع قمر وهي تسرح شعرها بعد أن غسلته... تمرر أسنان المشط عبر شعرها وهي تنظر عبر انعكاس المرآة على صورة ريم جالسة على السرير تتحدث عبر الهاتف مع رائد.. تارة تعقد جبينها فتظهر علامة ( الأحد عشر ) بين حاجبيها وتارة أخرى تتنهد وتزفر بحرارة... أرجعت قمر خصلات من شعرها للخلف بعيداً عن وجهها ثم أخذت كتاباً من أحد الجوارير.. سارت حتى وصلت عندما ألقت ريم الهاتف على السرير بملل وضجر.. ثم أخرجت ااه خفيفة وهي ترجع رأسها للخلف قليلا.. تساءلت قمر بعد أن جلست جانبها " ماذا بكِ؟! " عدلت ريم غرة شعرها ثم قالت بنبرة أشبه بالتهالك " حقا لقد سئمت.." تعجبت قمر " من ماذا؟! " ريم بشبه صراخ " من رائد.." وبابتسامة خفيفة تحدثت قمر " وما به سيدنا الوسيم.." ضيقت ريم عينيها صوب قمر " أولا لا تقولي عنه وسيم لأن هذا ليس من صلاحياتك.. وثانيا حقا قد سئمت.." ضحكت قمر " حسنا.. لك رائد كله،، ولكن اخبريني حقا ماذا يجري لك وله.." " هل تصدقين؟ لا يريدني أن أتدخل بقضيته مع عمه.." ثم عقدت ساعديها كطفلة صغيرة أمالت قمر شفتيها " ولكنك تدخلتِ بما يكفل تدخلك بالأمر.." " أخبريه،، فهو يخشى من عمه.." تحدثت ريم بانفعال هزت قمر رأسها " لا أظن ذلك.. فهو يخشى أن يمسكِ مكروه ويكون السبب عمه والسبب الرئيسي هو محاولاته في الحصول على حقه.." تنهدت ريم بحيرة فقالت قمر وهي تمسك بساعدها " لماذا هذه الهواجس؟!" وضعت ريم رأسها بين راحتيها ثم زفرت بحرارة.. احتضنتها قمر " ما رأيك أن نشرب القليل من الليمونادا مع جدتي.. " رفعت ريم رأسها مع ابتسامة خفيفة " حسنا،، أظن أنها مكدرة هذه الأيام!!" " إنها منذ أن أجرينا التحاليل تبدو قلقة.." نهضت ريم " إنها هكذا دائما،، تخشى أن يصيبها شيء وترحل عنا.." ثم سارت اتجاه المرآة ورفعت شعرها على هيئة ذيل حصان بعشوائية.. وفتحت عيونها عندما انتشر القليل من شعرها القصير على وجهها.. فتنهدت ثم أطلقت العنان لشعرها... وبعد ذلك استدارت بجسدها ناحية قمر فأمالت شفتيها وهي تنظر إليها تشد بأطرافها الرفيعة على الكتاب " قمر ألن تنزلي معي للأسفل؟!" رمشت قمر عدة مرات ثم ازدردت لعابها وبهدوء نهضت من مكانها " أجل.. هيا.." ********* " انظري انظري يا جدتي.. كم انت محظوظة بأحفادك.." ضحكت الجد على تعليق رامي بعد أن دخلت كل من ريم وقمر إلى الصالة بينما قالت ريم بغرور ريثما كانت تجلس قمر بجانب جدتها " بل أنت المحظوظ يا ابن العم عندما يشيرون لك ويقولون هذا ابن عم ريم.." رفع رامي احدى حاجبيه وباستخفاف " حقا.." رفعت ريم رأسها وشبح ابتسامة كبرياء ظهرت فيما ابتسمت قمر وقهقهت الجدة ثم قالت " أنتما لن تتخليا عن طفولتكما هذه.." تنهد رامي كذباً " قولي لحفيدتك هذه.." فتحت ريم عيونها وانقضت كأسد وقالت " بل يجب أن تقول لك من يسعى دائما لازعاجي.." فيما قاطعتهما قمر " انتما الاثنان طفلان لا محالة.. ألم تكبروا بعد.." نظر كل من ريم ورامي إلى بعضهما بعدم تصديق ثم تفوه الإثنان معا " انظروا من يتحدث.." سرعان ما نظرا لبعضهما برهة ثم ضحكا.. وضحك كل من الجدة وقمر معهما.. وبعد أن سكنت موجة الضحك تحدثت الجدة " لأول مرة تتفقا في أمر.." " أتفق معك يا جدتي.." تحدثت قمر وهي كاتمة ضحكتها فيما عدل رامي من جلسته وقال بنبرة أشبه بالاستعلاء " صدفة لا محالة.." شعرت ريم بالحنق وكادت أن تكمل الجدال لولا سؤال جدتها " كيف هو رائد يا ابنتي؟؟" استدارت ريم لجدتها ثم أمالت شفتيها " بخير.." نظرت الجدة بشك إليها وفي ذات اللحظة استرعى انتباهها نهوض قمر وتوجهها حيث ركن الكتب.. أعادت أنظارها إلى ريم التي عقدت أصابع يديها فتساءلت من جديد " ماذا حصل بشأن قضيته.. هل هنالك مستجدات!!" " لا.. من الصعب إيجاد شيء كهذا بهذه السهولة.." زمت الجدة شفتيها فيما قال رامي وهو يتصفح جهازه اللوحي " لا شيء يصعب على ذات الشعر الأحمر.." عقدت الجدة حاجبيها فقالت ريم " يقصد جيداء،، ابنة عم رائد.." اومأت الجدة رأسها ثم تحدثت بهدوء " لا تقلقي يا ابنتي سيجدون ذلك بكل تأكيد.. ربما ليس بالوقت الراهن ولكن لا بد من إيجاد لو شيء بسيط يجر خلفه كل السوءات التي فعلها عمه" تنهدت ريم وقالت بتفاؤل " آمل ذلك يا جدتي.. " أبعد رامي جهازه اللوحي ثم اعتدل في جلسته وتحدث بنبرة متزنة " سأوجه سؤالاً لكم.." امعن كل من الجدة وريم السمع بينما كانت قمر منشغلة في احد الزوايا بين الكتب.. وعندما شاهد رامي علامات الفضول في وجه جدته وريم تحدث متسائلاً " ما الذي يجعل عائلة ما متفككة.. على سبيل المثال عائلتنا..؟؟" أمالت ريم شفتيها بتفكير " أظن أن عائلتنا شبه متفككة.." هز رامي رأسه نفيا ثم وجهه أنظاره ناحية الجدة التي قالت بألم " الابتعاد.." تنهد رامي وقال " ربما ولكن ليس ذلك ما أحاول الوصول إليه.." " اذا ماذا؟!" تحدثت ريم بقلة حيلة حك رامي جبهته ثم قال " اذا سأصور لكم الأمر بطريقة أخرى.." صمت قليلا ثم تحدث " إن كنا نفترض أن بناء عالٍ.. انهار أو على وشك الانهيار.. ما السبب؟!" ضيقت ريم عيونها " لست مهندسة لأعلم ما السبب.." زفر رامي بحرارة وبقلة صبر وجه أنظاره ناحية الجدة قالت الجدة بتردد " ربما لم يتم بناؤه بشكل جيد.." أومأ رامي رأسه ثم تحدث " بالمختصر هذا البناء هدم لأن قواعده ليست جيدة بما يكفي لتحمل الطوابق الكثيرة.." عقدت ريم حاجبيها " إذا؟" ابتسمت الجدة وقالت وهي تشير بسبابتها " انه يقول لهدم أي أمر يجب أن نبدأ من أساسه.." " هذا هو " تحدث رامي ثم استدار إلى ريم التي لم تستوعب أي شيء.. تحدث بعد أن تنهد باستسلام " باختصار أيتها الغبية إن كنتم تريدون دليلاً يجرم عم رائد.. فيجب عليكم أن تبدؤوا من أساس الأمر.." وضعت ريم كفها أسفل ذقنها " اذا ان كنا نريد هدم عمه يجب أن نبدأ بمن يرتكز عليهم.." ابتسمت الجدة بينما تحدث رامي " بما أن جيداء قالت أن الذي قام بتربيتها و شقيقته متواجدان.." قاطعته ريم بحماس " اذا منهما سوف تبدأ.." " أجل.. من هذه النقطة ولكن بهدوء شديد.." اتسعت ابتسامة ريم بشكل مضحك مما جعل الجدة تهز رأسها استسلاما لطفولتها التي ما زالت عليها.. واسرعت ريم بالتقاط هاتفها من على المنضدة المجاورة لها وبدأت بأناملها تكتب رسالة محتواها ( يا شارلوك هولمز سنجتمع الليلة في منزلنا احضري رائد معك..) ثم أرسلت الرسالة إلى جيداء.. ووضعت هاتفها وتنهدت براحة أمام نظرات جدتها المليئة بغبار الضحك واهتمام رامي بجهازه اللوحي... ثم قالت لجدتها " لقد دعوت جيداء ورائد الليلة؟!" " أهلا بهم.." تحدثت الجدة بسعادة بينما قال رامي بعد أن قضم القليل من البسكويت " لا تنسي ان والدتك اصرت لذهابك معها للتسوق.." تجهم وجه ريم ثم قالت " ااآه لقد نسيت " ثم ضربت على رأسها... ******************* الظروف!! أنها كذبة بيضاء،، نكذبها على أنها عذر لما نمر به.. أو هي عذر لأمر نؤجل فعله.. هي فقط كلمة تحوي حروفا مزيفة،، نزين بها تأخرنا وعرقلة امورنا.. ونقول ( إنها الظروف فماذا نفعل؟! ) يجيبون علينا ( ما باليد من حيلة اذا حكمت الظروف ) أبعدت سوزان نظرها بقشعريرة عن تلك الفتاة الصغيرة المعنفة،، عن ذلك الوجه الملائكي والذي حكمته الظروف بأن يمتلأ بكدمات زرقاء وجروح صغيرة.. تستمع إلى شكوى جارة الفتاة وهي تشرح لهم ما تعانيه تلك الصغيرة من زوجة والدها من ضرب مبرح وتعذيب واهانات بعد ان توفي والدها،، فما كان من تلك الجارة إلا أن أحضرتها إلى المأوى خلسة ثم قالت جملتها الأخيرة " لا أدري ماذا أخبركم بعد.. لقد وضعتها البارحة بعد أن ضربتها في كيس بلاستيكي خاص بالقمامة.." شهقت سوزان ومديرة المأوى كذلك بينما أكملت الجارة " ولولا رؤيتي لما حصل لكانت الفتاة..." وفي حال سرد الجارة لما حصل تعلقت عينا سوزان بتلك الصغيرة... بتلك الدموع التي تسقط وبارتجاف أطرافها،، نهضت من مكانها وتوجهت إلى حيث تجلس.. دنت إلى الأرض ومسحت قطرات الندى من عيونها ثم قالت لها بحنان " لا تبكي،، أنت هنا بمأمن.." أومأت الفتاة رأسها ثم تساءلت من بين دموعها " هل هناك من يضربنا هنا.." هزت سوزان رأسها نفيا " لا،، هنا الجميع صديقات وكما أننا هنا عائلة جميلة.." ثم أمالت رأسها وتساءلت " ما اسمك يا صغيرة؟!" " وعد.." " كم هو جميل اسمك.. ما رأيك أن آخذك إلى الفتيات؟!" نظرت اليها وعد بتردد ولكن سوزان أمسكت يدها برفق ثم سحبتها معها وفي الطريق إلى الطابق السفلي حيث تتواجد الفتيات كانت تتحدث اليها بهدوء شديد ووعد كانت تومئ رأسها بصمت موحش.. " يا فتيات.." وبعد أن انتبهت الفتيات على صوت سوزان نظروا إليها وإذ بجانبها فتاة صغيرة تكاد من منظورهم الخاص كالمومياء.. هتفت سوزان " ألا يوجد أهلا لوعد.." صرخ العديد ب ( نعم ) وأخريات منهم هزوا رأسهم بالإيجاب.. والبعض منهم ينظرون باستنكار... وبعد أن استقرت وعد بين الفتيات تشعر بغربة المكان.. اسندت سوزان جسدها على الحائط ثم تنهدت بحزن وحسرة كبيرة.. سرعان ما لازمها شعور الحنين عندما غُرست صورة ملاك أمامها.. ظلت تحملق بالفراغ مع سحابة الذكريات وصورة ملاك أمامها بأكثر من موقف.. لقد اعتادت عليها كثيرا ولكن ذهبت ملاك وذهب الاعتياد.. وعلى صوت احدى العاملات في المأوى مسحت سوزان غبار الذكريات ثم التفتت الىى صاحبة الصوت.. والتي منذ التفات سوزان لها حتى قدمت لها هاتفاً محمولاً وهي تقول " هناك من يتصل بك؟!" أخذت سوزان الهاتف من يدها وشكرتها باقتضاب مع ابتسامة شاحبة،، وعلى صدى صوت النغمة نظرت سوزان نظرة خاطفة الى الفتيات وكانت قد رأت وعد قد اندنجت قليلا مع البقية.. ابتعدت قليلا عن الضجة ولكن الاتصال قد انقطع.. تنهدت ثم امالت شفتيها بغرابة عندما نظرت إلى المتصل.. " انه رقم خارجي؟!" تحدثت بغرابة أكثر.. ولكن سرعان ما أعاد الاتصال وكأن المتصل يبدو عليه مصرا على التحدث.. أجابت بتردد " أهلا.." وعندما أجابها الطرف الآخر.. توسعت عيونها بتفاجؤ وقالت " سيد ماجد؟!" وبعد حديث قصير أغلقت الهاتف بحيرة كبيرة تنهش عقلها ثم زفرت بحرارة.. وبعدها ظهرت تعقيدة صغيرة في جبينها تعبر عن الدهشة " هل سيعودون؟!" " ماذا بك يا سوزان؟!" نظرت للخلف على اثر صوت مديرة المأوى ثم هزت رأسها نفياً.. وبعيدا عن تساؤلات المديرة التي ستهطل عليها كالمطر الآن " لقد أثرت بي حادثة وعد كثيراً.." أخذت نفساً عميقاً ثم نهضت من مكانها.. وفي عقلها تدور جملة واحدة فقط " من الممكن أن تتطلب عودتنا للبلاد يا سوزان،،" ******************* إن الحياة قصيرة جداً،، أو بالأحرى تجري بسرعة.. وكأن أيامها في سباق،، يحاول اليوم الأول بالتغلب على اليوم الثاني وذلك بتحرك xxxxب الساعة بسرعة فائقة.. تتسابق الأيام أيهما يمضي أسرع.. وجميع ايام الحياة تفوز.. تمضي الأيام ونكبر بالعمر أكثر وأكثر حتى يغزونا الشيب وهشاشة العظام.. وترتسم خيوطاً غامقة على الوجه.. فتعبر هذه الخيوط عن تجاعيد الزمان.. وقف أمام صديقه،، ذلك الكهل اليوناني المعروف عنه بحكمته ومواقفه الإنسانية.. وبرغم اقترابه من سن التسعين إلا أن ذاكرته ما زالت ساكنة في محلها... " أهلا بك يا بني.." تحدث ذلك الكهل وهو يسير على عصا خشبية صنعها بيديه.. خرجت آه خفيفة منه ثم وضع رأسه بين راحتيه.. فظهرت علامات القلق على وجه الكهل ثم تحدث بعد أن وضع يده على كتفه " ماذا بك؟! لأول مرة أراك بهذه الحالة من الانهيار بعد فقدانك الفتاة الأولى " تنهد بتعب وبنبرة مختنقة " لأنني سأفقد الثانية ولكن للأبد.." عقد الكهل جبينه " ما الهراء الذي تتفوه به؟!" هز رأسه نفيا ثم تحدث بلكنة قريبة للبكاء " انها مريضة بمرض خبيث.." ثم انهار على المقعد الجلدي.. " كل شيء له حل حتى ذلك المرض الخبيث.. فكل شيء سيء يمكن هدمه " تحدث الكهل مسانداً له بينما قال هو باستنكار " وهل السرطان يمكن هدمه بهذه البساطة؟؟!" أغمض الكهل عينيه ألماً " حتى السرطان يمكن هدمه.." ثم ربت على كتفه " اذهب وقم بغسل وجهك.. كن قوياً فهذا المرض يلزمه قوتك قبل قوتها.." نهض من مكانه متحاملاً غاب لدقائق ثم عاد ببشرة شاحبة وعيون ذابلة،، جلس مجاوراً للكهل الذي يعتبر صديقه منذ زمن.. ابتسم الكهل له " القوة تنبع منك يا بني.. من قلبك فعندما تكون قوياً تصبح هي قوية وتكسر حواجز المرض.." ثم أكمل بعد صمته " اسمعني يا بني،، منذ قدومي للبلاد كنت أنت صديقي بل مثل ابني الذي حرمت منه.. كنت معك بكل خطوة وبكل عثرة وسأظل معك دائماً سأكون جدارك الذي يسندك.." قابله بالابتسامة فأكمل الكهل " وكما أنا جدارك الآن،، يجب ان تكون انت لها ليس فقد جدار لسندها بل وسادتها حتى تستريح من عناء المرض.." ولكن هل مرض كهذا سيكون الجدار كفيلاً للاستناد عليه من شدة الألم؟؟! ********************* " هيا يا قمر؟؟!" صرخت ريم من على عتبات السلم ثم نزلت للأسفل.. سمعت صوت قمر أثناء نزولها " أنا قادمة،، قليلاً فقط.." تنهدت ريم بنفاذ صبر ثم سارت حيث الصالة فوجدت جدتها تجلس وحيدة وكوب قهوة بين يديها.. تقدمت قليلا وهي تتصفح هاتفها ثم وجهت نظرها نحو جدتها وسألتها " هل تريدين شيئاً يا جدتي؟!" ابتسمت جدتها " لا يا عزيزتي.. استمتعوا بوقتكم.." أمالت ريم شفتيها بسخرية " استمتاع ومع والدتي!!" نظرت إليها الجدة بتأنيب فهزت ريم كتفيها بلا مبالاة.. فهزت رأسها الجدة نفياً ينم على الاستسلام.. ثم استدارت على صوت قمر عندما قالت " هيا يا ريم.." وباستنكار قالت ريم " وكأنني من أخرتك يا عزيزتي.. الساعة قد تجاوزت الثالثة والنصف" وقبل أن تنطق قمر أي شيء صدر صوت طرق الباب كقنبلة موقوتة انفجرت للتو وأصدرت صوتاً عالٍ.. فالتفت كل من ريم وقمر وصوبا نظرهما على مجد الذي يمشي شديدة وتقطيبه تعلو وجهه همهمت ريم " يا للهول.. أي عاصفة تلك؟!" عقدت قمر حاجبيها وعيونها تسير مع خطوات مجد الذي نظر إليها نظرة غامضة مؤلمة بينما تحدثت الجدة بقلق " ماذا هناك؟!" التفتت ريم لها وهزت كتفيها بلا مبالاة " لا شيء،، رياح مجد التي لا يمكننا تفسيرها.." تنهدت الجدة وعزمت أن تحاول بطريقتها جعل مجد يتكلم ويبوح بأمره،، بينما قالت ريم وهي تمسك ساعد قمر " هيا يا قمر..." سارت قمر معها وعيونها على أعلى عتبات السلم.. نظرت بعيونها الناعسة تملؤها الحيرة على مجد الذي وقف بعيونه الرصاصية.. نظر إليها بألم غُرست كالسكين في قلبها ثم سارت بعيداً عن أنظاره التي حيرتها ازدردت لعابها ثم أغلقت الباب خلفها.. تاركة خلف أسوار القصر ذلك المتألم على حبه الضائع... أطلق زفيراً يخرج به جميع أوجاعه وكتلة المشاعر المختلطة داخله ممسكاً بورقة بين قبضته والتي أصبحت ركاماً من شدة انقباض يده عليها... " هذا جميل ما رأيك به؟!" قالت ريم وهي تضع فستاناً بلون الشوكولاة على جسد قمر.. أمالت قمر شفتيها بحيرة ثم أبعدته عنها بجفاء " لا أدري.." " ولكن يا قمر.." تحدثت ريم باعتراض " حسنا،، أنتِ اختاري لي أي شيء.." زفرت ريم " حسنا،،" وبعد مرورهما لأكثر من متجر بصحبة والدة ريم والتي أصرت أن تشتري للفتيات ما يروق لها وخاصة ريم.. تحدثت قمر ممتنة " شكرا لك يا زوجة عمي.." ابتسمت لها بتكلف وبعد أن خرجوا من المتجر اقتربت ريم من قمر وهمست لها " لا تهتمي لجفاء والدتي" هزت قمر رأسها " لا بأس،، اعتدت على ذلك.." زفرت ريم بحرارة لسوء والدتها بالتعامل مع الأشخاص ثم قالت لها " ما بك أنتِ!!" ازدردت قمر لعابها " لا شيء.." نظرت إليها ريم بشك " منذ خروجنا من المنزل وأنتِ صامتة.." هزت قمر رأسها " لا فقط شعرت بالتعب بشكل مفاجئ..." " حسنا الآن نذهب للطعام.." أومأت قمر رأسها وبدآ بالسير.. ويدور في عقل قمر سؤال واحد فقط( ماذا به مجد؟!) وبعد عدة دقائق من جلوسهما في مقهى يقع على قارعة طريق عشبية خضراء تحدثت والدة ريم بانزعاج " ما الداعي لدعوة صديقك رائد ذاك.." تنبهت قمر على نبرتها بينما ريم لوت شفتيها بضيق ثم قالت " ليس هناك داعي لذلك.." " لحسن الحظ أنني لن أكون متواجدة مساء.." ثم نهضت من مكانها بغرور مخملي متوجهة حيث دورات المياه كي تعدل شكلها.. تجهم وجه ريم فقالت قمر " أنتِ تعلمين رأي والدتك منذ أن عرفته.. وكل مرة تظهر علامات الإحباط على وجهك.." ريم بحدة " وهل علي أن اعتاد.. هل هذا ما تقصدينه!!" " لا.." قالتها قمر باقتضاب ثم أمسكت قائمة الطعام... بينما زفرت ريم بحرارة وعقدت ساعديها بحدة أكثر.. وعلى عزف أوتار صمت قمر وتعقيدة جبين ريم عادت والدة ريم وجلست مقابلهما " ماذا تريدون!!" قالت قمر " عصير برتقال " ثم وجهت أنظارها إلى ريم.. والتي قالت لها بسخرية " على ذوقك يا أمي.." شاهدهم من بعد أمتار.. فتقدم ناحيتهم بابتسامة جذابة حاملاً بيده العديد من الأشياء..خلع نظارته عنه وقال " جميلات العائلة هنا،، ماذا يفعلن!!؟" نظر ثلاثتهم إليه وابتسموا له مرحبين بينما قالت ريم بضيق " وهذا من كان ينقصنا.." نظرت والدتها لها بعتاب بينما قال هو " لقد اعتدت على حدتك يا صغيرة.." " اهلا بك يا كمال.." تحدثت قمر بابتسامة حيوية قالت والدة ريم باصرار " أجل شاركنا الجلوس،، هيا.." " حسنا.." جلس ثم تساءل بسخرية " ماذا بها صغيرتكم هذه؟؟!" ضحكت قمر " لا عليك منها.. " نظرت ريم إليهما بطرف عينها باستغراب من قمر التي تغير حالها فجأة.. ثم همت بأكل البرغر بدون اهتمام لهم مبعدة عنها تلك الأفكار التي تجر خلفها تساؤلات عظيمة.. سألهم باهتمام " ما سر خرجكم للتسوق جميعاً.." " أنت تعلم أنني امرأة ذات مجتمع.." تحدثت والدة ريم بغرور بينما قال لها كمال " ولا شك من ذلك " ثم صوب نظره لريم وقمر " والفتيات!!" ضيقت ريم عيونها وقالت " ونحن فتيات ذات مجتمع.." لوى كمال شفتيه بينما تحدثت قمر " من أجل حفل عقد قران ليليان.." " هذا جيد،، اذا سأراكم هناك.. وستقول ريم الآن هذا ما كان ينقصنا أيضا.." ضحكت قمر لتعليقه بينما ابتسمت ريم غصباً من نظرة والدتها العنيفة.. ثم التفتت والدتها إلى كمال وقالت له " ما رأيك أن تشارك ريم وصديقها والآخرين الليلة في سهرتهم.." نظرت ريم إلى والدتها بحدة،، تحدث هو عندما لاحظ تغير تعابير ريم " إن لم يكن هناك مانع.." " ولم سيكون هناك مانع أهلا بك يا عزيزي.." ابتسم كمال لوالدة ريم ثم نظر إلى ريم وهمس " إذا هذا الذي يزعجك.." نظرت إليه وبذات النبرة " وما الذي يزعجني!!" " وجودك مرغماً هنا.. ومن المفترض أن تكوني في المنزل تعدين نفسك من أجل رائد.." زفرت ريم بحرارة ثم ابتسمت بسخرية " أنت نسخة عن رامي ..." ثم صمتت بغيظ بينما قال هو " ولكن الفرق،، عيوني خضراء " وتراقصت على شفتيه ابتسامة جذابة.. ************ تحديدا بمدينة روما الواقعة في ايطاليا،، وبالسفر عبر حقبة الزمن ودوراننا بين تلافيف عقل السيد ماجد تظهر صورة حريق ودخان يتصاعد من كل طرف من ذلك المنزل،، تلك الصورة التي لم تفارقه منذ يومان ولا يزال مصراً على أنه كابوس لا محالة ولكن ذلك الكابوس تحول إلى جحيم بالنسبة إليه... فعندما استدعاه أحدهم لعقد اجتماع ضروري كان من المفروض عليه أن يضع ملاك عند جارته العجوز.. ويذهب لمدة ساعة فقط ثم يعود من كثرة اعتراض ملاك لمكوثها عند عجوز لا تفهم عليها كثيراً.. وبالفعل ذهب إلى أحد المطاعم الفاخرة حتى يقابل الرجل الذي أزعجه من كثر إصراره على عمل شراكة بينهما ولكن بما أنه غادر البلاد ولا يكنه الرجوع إليها بعد الآن رفض بحجة أنه لا يحتاج شراكة أحد.. تحدث لؤي حينها " ولكن يا سيد ماجد.." قاطعه ماجد " انظر.. إن الظروف اختلفت الآن أنا هنا بايطاليا.." لؤي بضجر " عد للبلاد وتفتتح مكتبا صغيرا هناك.." تنهد ماجد،، بينما قال لؤي بجملة ملغومة " حسنا.. لك ما تريده ولكنك ستخسر.." نظر إليه ماجد بعدم حيلة ثم بعد ذلك بربع ساعة تقريباً راوده اتصال هاتفي من أحدهم أجابه عليه ثم هرع من مكانه مرتعباً.. وفي حال ابتعاده،،، وبعيدا عن ذاكرة ماجد وقريباً من ذاكرة لؤي الذي يجلس الآن نادماً على ذنب اقترفه.. ( أمسك لؤي هاتفه بضيق واتصل على مراد وقال له " لقد ذهب الآن لإنقاذ ابنته من الحريق الذي اندلع.." ضحك مراد بصفاقة " حينها يعلم فقط كيف يعارض أمري..." ) خرج من ذكراه بان حك جبهته عندما سمع صوت ياسمين تجذب له بعض الملفات " هل يمكنني الدخول؟!" " أجل،، ماذا هناك!!" لوت ياسمين شفتيها بسخرية " هاك أفعالك يا أخي.." نظر اليها لؤي بتذمر " لا تقولي هكذا.." أخرجت ياسمين زفيراً من أعماقها المنهكة " أين ستخبئ هذه الملفات؟!" ثم قالت وهي تشد على أسنانها " المزيفة التي تدينك أنت فقط؟؟" " فلندعها الآن هنا بالمنزل في الخزنة.." أومأت ياسمين رأسها بحزن.. بينما قال لؤي " هذا قراري بأن لا يمسك أي شيء.." ياسمين وبنبرة باكية " ولكن لا يعني دخولك السجن بدلا عنه.. لقد جعل جميع صفقاته الدنيئة باسمك.." تنهد لؤي " أفضل من أن أدعك وجه المدفع.." " لو أنك فقط لم تقبل ان تعقد الاتفاق ذاك لما كنا.." قاطعها " لا مفر من أفعال مراد.." " ولكن من يتخلى عن ابنته يتخلى عن كل شيء،، وحتى عنك..." وقفت من مكانها وشبح حزن يدمرها " صدقني تخليه عنك أصبح قريبا جداً يا أخي.. فمنذ ان سجل جميع صفقاته باسمك لقد تخلى عنك..." نظر اليها لؤي بنظرة ذات مغزى وكأنه يخبئ شيئاً ما ولكنه آثر الصمت أمام تساؤلاتها، ولم يأخذا بعين الاعتبار أن حديثهما قد وصل لمسامع أحدهم.... وبالعودة لماجد حيث يقف متأملاً طرقات روما المرصوفة.. وعيونه غائرة بالفراغ وصورة الحريق تأبى أن تفارقه.. عندما عاد إلى حيث تجمهر الجميع أمام البناء الذي يقيم به.. ورجال الإطفاء يقومون بعملهم في رش المياه على الطابق السفلي.. هرع مسرعاً برغم تصدي رجال الشرطة له ولكنه صرخ " ابنتي بالدااااخل..." حاولوا مسكه ولكنه رفض إلا أن يتزحزح من بينهم كعاصفة مرتاعة تجري بسرعة البرق.. وقبله ينبض بهلع من أن يصيب ملاكه أي شيء... شعر بحرارة ألسنة النار وهي تغزو جسده حتى تدفق العرق من جبينه وكاد أن يهوى عليه شيء ينير من احتراقه لولا أنه تداركه مسرعاً يعدو داخل اللهب.. يصرخ والدخان يدخل جوفه فيختنق ويبدأ بالسعال " ملاااك.." ولكن لا صوت يأتيه سوى صوت النيران فيعاود الكرة بالصراخ وكاد أن ينهار مختنقاً لولا رجل من رجال الإطفاء أسنده وأخرجه من الشقة السكنية.. تلسعه الذكرى أكثر من لسعة الأفعى وألسنة النيران الحارقة التي لازمت جسده عندما حاول إخراجها فور سماعه صوتها المختنق... لقد خشي أن يسرقها الموت منه،، وارتعب من فكرة أن تشكل النيران فجوة كبيرة فتبتلع ملاكه وتأخذها بعيداُ عنه.. ولكن خروجها من بين أنقاض الركام جعله يشعر أن الحياة أعادت المياه الملائكية التي تسقي صباحه ومساءه بضحكتها العفوية.. ولكن الحياة كانت أعنف مما يتصور.. وأقسى مما يعلم.. فما زالت مصرة بأن تسرق منه أحدى ممتلكاته مرة أخرى.. ولا زال يتساءل وهو في وضعيته هذه ( لمَ الحياة القاسية!! ) وهو في عمق الأحداث الماضية سمع هاتفه يرن فلم يعره اهتماماً وبعد توقف الرنين قام باغلاق هاتفه كلياً وعاد للوقوف أمام نافذته ينظر للمارة أمامه وهو أبعد ما يكون عن النظر.. فكان كل عقله في ذلك الممر الذي تفوح منه رائحة المعقمات كان يركض به كالريح حتى وصل إلى الباب المنشود والذي من خلفه تم نقل ابنته اليه بعد نشوب الحريق وانقاذها منه.. فتحه على مصراعيه فصرخت ملاك برعب " أبي.." هرع إليها محتضنا إياها فيحتويها بين أضلعه بخوف شديد... لم يكن بها شيء فقد اختبأت أسفل السرير عند اندلاع الحريق أما المرأة العجوز فقد أُصيبت بحروق بسيطة... تنهد ماجد براحة ثم عاود احتضان ابنته الممتزجة بلون الدخان... في ذلك اليوم تحمد له الطبيب بالسلامة.. ثم طلب منه الجلوس على المكتب " تفضل سيد ماجد.." جلس ماجد على المقعد أمام المكتب وظلت ملاك على سرير المعاينة بجانبها إحدى الممرضات التي تقوم بتنظيف وجهها من أثار الدخان الأسود.. تحدث ماجد بقلق " كل شيء بخير لم تصب بأي حروق أليس كذلك؟!" أجابه الطبيب " لا لم تصب لذلك.." صمت قليلاً مما دعا ماجد ينظر إليه بريبة.. أخذ الطبيب نفساً عميقاً ثم تساءل " أمها ليست موجودة؟!" نفا ماجد برأسه " مع الأسف لا.." " حسنا.. ولا مربية لها؟!" عقد ماجد حاجبيه فتدارك الطبيب الامر وقال " كنت أريد أن أسأل عن من يهتم بالطفلة الصغيرة؟!" أجابه ماجد بحيرة " بالعادة المربيات.. هل هناك شيء يا طبيب" اشار الطبيب بعينه إلى الممرضة فأخرجت ملاك من الغرفة.. فاعتدل ماجد بقلق في جلسته.. عقد الطبيب حينها أصابع يديه ثم تحدث بنبرة هادئة " بالحقيقة لقد رأيت بعد التصبغات في جسد ابنتك؟!" عقد ماجد جبينه فأكمل الطبيب " ظننت أنها من آثار الحرق ولكن عندما سألتها إن كان يؤلمك عند الضغط عليها أجابت بالنفي.." " اذا يا طبيب؟!" " وبما أنه لا يؤلم فبالتأكيد ليست كدمات ناتجة عن ضرب مثلا.." تنهد ماجد ثم قال بنفاذ صبر " هل لك أن تختصر إن سمحت،، هل هنالك ما يدعو للقلق؟!" أثنى شفتيه قليلاً ثم قال " ربما تكون تلك تصبغات جلدية منذ الولادة.." هز ماجد رأسه دليلاً على عدم معرفته... " ممم حسنا،، لنقوم ببعض التحليلات المخبرية حتى.." قاطعه ماجد بريب " هل هنالك أمر خطير؟!" تنهد الطبيب لتسرعه في تهويل الأمور " لا يوجد أمر مقلق،، فقط كل ما هنالك سنجري تحليلاً عادياً حتى نتأكد من أن نسب المواد داخل الجسم طبيعية.." أومأ ماجد رأسه بدون حيلة،، ويا ليته لم يومئ رأسه.. ولا ليت الحريق قد اندلع في منزل تلك العجوز.. ويا ليت عكس ذلك أيضاً.. دائماً هنالك مسببات في اكتشاف الأمور السيئة.. ولطالما ما نتمنى أننا لم نخوض تلك المسببات حتى لا نكتشف الأمور ولكن في ذات اللحظة نتمنى أننا اكتشفنا حتى نحل هذه الأمور من جذورها!! تناقض كبير ولكن هذه طبيعة البشرية.. متناقضون جداً.. إن الحلم بالنسبة له وهو واقف على نافذه شقته أن يكون ما مر به الأمس كابوس.. كابوس مخيف وهو نائم في متاهات الحياة.. فقبل ثلاثة أيام قد عاش رعباً كبيراً بفقدان ابنته،، ولكنها خرجت من بين النيران حية ترزق.. ونعيد الكرة بكتابة ( لكن ) جديدة .. ولكن هذه ال (لكن ) الجديدة مختلفة كلياً فتلتصق في حلقه وتخنقه.. تتكور في جوفه فتكاد أن تنتفخ ككرة اسفنجية صغيرة فتبعد عنه الأكسجين وترغمه للعيش بين أحشاء ثاني أكسيد الكربون... تهالك ماجد على مقعده وترن في رأسه تلك العبارة اللئيمة،، تلك التي مزقت كيانه ووجدانه.. عبارة عذبته كثيراً وكأنه تلقى ضرباً بالرصاص في كافة أنحاء جسده.. بل أكثر.. تأبى دموعه الخروج ويأبى كل شبر في جسده أن يصدق تلك الكلمات.. كلمات شعوذة هي لا محالة.. كلمات سحر حتى يقع في بئر الحزن العميق.. تلك العبارة التي دمرت بقايا أمله وهدمت كل الأحلام والسعادة.. تلك التي غرست في قلبه كسكين حاد لن يخرج.. وإن خرج سيكون قد ترك أثرا عميقاً جداً.. فالبارحة.. دخل إلى الطبيب مرتاعاً بعد أن طلبت منه احدى الممرضات والتي اتطلعت على نتيجة الفحص وبتردد كانت تنظر إليه.. فآثرت حينها بان تقول له " دقائق ويأتي الطبيب.." كلماتها كانت كفيلة بأن يهرب الخوف إليه وأن يتسلقه من أخمص قدميه حتى رأسه.. وبعد دقائق دخل مضطربا جزعا يكاد يسقط مغشيا عليه بسبب دوار رأسه.. " أهلا تفضل يا سيد ماجد " دخل ماجد جزعاً مرتاعاً متأهباً لشيء سيء من تعابير وجه الطبيب.. جلس على المقعد وتمنى أن يمتص جزءاً من خوفه وقال موجهاً حديثه المضطرب للطبيب " هل هناك شيء سيء؟" تحدث الطبيب " لن أطيل عليك الأمر.." صمت الطبيب قليلاً حتى يرتب كلامه.. كان ماجد يشعر بدوار رأسه يتفاقم مع كل دقيقة.. وشعور مخيف يسيطر عليه.. وما زاد دوار رأسه وتشنج اعصابه عندما تحدث الطبيب " للأسف الشديد.. نتائج الفحوصات تشيير..." صمت الطبيب قليلا ثم قال بدون تردد " انها مصابه بسرطان الدم..." توقف الزمان بالنسبة له وفقدانه الشعور وكأن عاصفة ثلجية قد حاصرت جسده فتسمرت نظراته وبدأت الصدمة تلون بريشتها معالم وجهه.... تحدث ماجد بصدمة " ماذا تقول أيها الطبيب!! هل أنت متأكد؟؟" أجابه الطبيب " نسبة الأخطاء في التقارير قليلة جداً.." " أنت تقول.. أن ابنتي ملاك مريضة.." ماجد بعدم استيعاب وما زالت الصدمة في أوجها " مع الأسف.." تحدث الطبيب بأسف ماجد بعدم تصديق " ولكن كيف؟؟ ما زالت صغيرة؟؟!" ثم صرخ بانفعال " لماذا هي!! " " اهدأ يا سيد ماجد سنأخذ التدابير اللازمة للأمر لا تقلق حيال ذلك.." " السرطان سيأخذ مني ابنتي وأنت تقول تدابير.." أخذ الطبيب نفساً عميقا ثم قال " سيد ماجد.. " وقبل أن يكمل الطبيب كلامه كان ماجد قد خرج مسرعاً قبل أن تخونه دموعه... ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ وإنه الآن ينظر اليها من على باب الغرفة بعيونٍ ملؤها الحزن والحسرة، كيف أمكن للمرض أن يمكث في جسدها وليس في جسده، قابلته عيونها المتسائلة فمسح على وجهه بكفوف راحيته وناشد القوة حتى تملأ جسده الآن، ثم دلف إليها متستراً بالقوة الهشة التي شارفت على انهاكه وتحدث بصوتٍ ملؤه التعب " كيف هي ملاكي؟" أمالت شفتيها بغرابة " بخير ولكن أنت لست كذلك ؟" دنا منها وأخذها تحت ساعده " أنا متعب قليلا من العمل فقط " " لأنك تعمل دائماً " ضمها إليه أكثر من ذي قبل " لأجلك أفعل كل شيء.." ثم أبعدها قليلا عنه " ولأجلك أيضاً يا ملاكي سوف نعود.." " إلى أين ؟!" أجابها بانهاك شديد " إلى نقطة الصفر، حيث تركت كل شيء " نظرت إليه بعدم فهم فابتسم بمرارة وتحدث " سوف تجتمعين بعائلتك يا ابنتي " **************** غابت الشمس أخيراً وانحرفت عن مسارها حتى تضيء الطرف الآخر من العالم.. وترسل عوضاً عنها القمر ليزين طرقات المدن وأعالي الجبال.. وحتى تزين ورق الشجر ببريق سحري خاص... وهي على شرفتها وضوء القمر انعكس على وجهها تسمرت في مكانها عندما شاهدته أسفل شرفتها وبجانبه جيتاره الخشبي الذي قد وضعه على المقعد الخشبي،، تنهدت وهي تصوب أنظارها عليه فمنذ حادثة لعبهم بالفشار تلك الليلة لم تتحدث إليه ولم يتحدث إليها واكتفت هي بأن تختلس النظر إليه ولكنها سئمت من تجاهله.. طردت عنها مجد وأفعاله ثم أخذت نفساً عميقاً وعلى إثره دخلت ريم إلى الغرفة وسحبت قمر معها متذمرة بقولها " وكأن الدعوة خاصة بي فقط،، هيا ساعديني.." قهقت قمر " حسنا حسنا.." ورنت في اذنه ضحكتها فرفع رأسه بسرعة نحو شرفتها ولم يلمح سوى خصلات شعرها المتمردة على حبه.. فتنهد حباً وعشقاً وولهاً واشتياقاً.. ثم تنهد ألماً.. أطلق رامي صفيراً منغوماً عندما كان يتوجه إلى المائدة الخشبية في الحديقة ومن خلفه كمال حيث طرق كفيه مطلقاً تصفيقاً مزعجاً... نظرت إليهما ريم باستسلام ثم أعادت نظرها للتأكد من الموجود على المائدة.. تحدث رامي بعد أن أخذ قطعة من الحلوى " كل هذا من اجل رائد؟" نهرته ريم ثم قالت له " أجل.." قال كمال بعد أن جلس على أحد المقاعد " يبدو الطعام لذيذاً.." وكاد أن يأخذ قطعة طعام من التي أمامه إلا أن يد ريم وصوتها أبعدت يده " يكفي أنتما الاثنان،، اذهبا حيث مجد.. إنه بالفناء الخلفي.." وبعد ان تواريا عن الأنظار قدمت قمر وهي تأكل القليل من الكعك.. فزفرت ريم حالما رأتها " وأنت أيضا!!" حركت قمر كتفيها ببراءة ثم وضعت الكعك على إحدى جوانب الطاولة ثم شهقت عندما كانت تدفعها ريم للأمام نحو المنزل.. وبعد أن دخلا المطبخ دارت ريم حول الخادمتين وهي تقول بتوتر واضح " هل بقي هنالك شيء؟!" هزت احدى الخادمات رأسها بينما قمر وقت تنظر إليها ضاحكة... ثم قال مجد من خلفها " كل هذا من أجل سيادة الملك رائد وابنة عمه السلطانة جيداء" ابتلعت قمر ريقها بصعوبة، فيما تقدم مجد للأمام منها وقالت ريم آن ذاك " مجد لا أنقصك أنت أيضا.." ازاح مجد فمه بسخرية " يكفيك صغيرا العقل رامي وكمال" تنهدت ريم بقلة حيلة فوجود كمال سيحول دون الحديث عن وضع رائد.. التفت مجد بعدها إلى قمر وقطب جبينه ثم عاد وصوب أنظاره الى ريم التي فتحت الثلاجة واخرجت منه عصير التفاح الطازج.. قال لها بهدوء " كل شيء سيكون على ما يرام.." ابتسمت له بامتنان ثم قالت عندما اقتربت من قمر " احضري المشروبات الغازية يا قمر.. ولا تنسي مهمتك.." قابلتها نظرات قمر المترددة فقالت " أرجوك.." ثم خرجت. حك مجد جبينه حين ذاك ووجه سؤاله إلى قمر " ماذا هنالك؟" ازدردت قمر لعابها ثم تحدثت بخفوت " وجود كمال " رفع مجد حاجبيه فأكملت قمر " أي أنها لن تستطيع الحديث بأمر رائد " لوى مجد شفتيه بضيق أكبر وقال " هذا عندما تتم دعوته مع معرفة وجود رائد" قاطعته قمر بحدة قليلة " لم أكن أنا من دعوته " أومأ مجد رأسه بهدوء شديد " حسناً، أعلم ذلك" ثم صوب نظراته نحوها وهو يتجه يأخذ من ناحيتها المشروبات وهمس لها " المهمة تبقى عليّ إذا، حتى الهاء كمال ان تطلب الأمر " نظرت اليه بتفاجؤ فتحدث بابتسامة " معاً نتجاوز كل شيء، أليس كذلك؟" أومأت رأسها بخجل شديد ثم هربت من امامه سريعاً.. نظر إلى طيفها وكأنها ملاك حبٍ أرسلت سهامها نحو قلبه ثم كاد بعد قليل على وشك أن ينحني بطريقه إلى الخارج لولا صوت جدته الذي داهمه من الخلف فترك ما بيديه وهرع إليها لما أحس من قلق في صوتها " ماذا هنالك يا جدتي؟" ابتسمت له بحنان ولم يخفى عليه عيونها المتسائلة " لا شيء سوا أنني كنت قلقة على نتائج تحاليل قمر ألم تجلبها؟" تحدث بكل هدوء وهو يجذبها تحت ذراعه الأيمن ثم سارا سوياً بالسير نحو الخارج " كل شيء بخير.. لا داعي لكل هذا القلق " " ولكن ليس باستطاعتي إلا القلق " توقف على إثر توقفها في حين أكملت وعيونها نحو قمر " هنالك دائماً شك في قلبي أخشى أن يصيبها مكروه ما " " ما الذي سوف يصيبها وهي هنا معنا " هزت الجدة رأسها بقلق أكبر ووضعت يدها ناحية قلبها " لا أدري يا بني هكذا أشعر فقط " حول نظره إلى قمر ثم أعاد بصره وابتسم بوجه جدته عله يبعد عنها كل تلك الشكوك التي تكدرها " أزيلي عنكِ هذه الهواجس أنا هنا لاتنسي ذلك " ثم أخذها تحت ذراعه مجدداً يربت علي كتفها تربيتى خفيفة إلى فاجئه قدوم ريم بريبة " أين المشروبات يا مجد.." هز رأسه بقلة حيلة ثم تحدث إلى جدته " ربما ستصيبنا نوبة قلبية بسبب حفيدتك هذه.." قهقهت الجدة بخفة وقالت " انه الحب يا بني يفعل ذلك وأكثر.." صمتت قليلاً ثم بذات مغزى قالت " أليس كذلك يا مجد؟ " اومأ لها رأسه ثم صوب نظره ناحية قمر مع ابتسامة غريبة... سرعان ما غابت عنه عندما تذكر حديثه المشئوم مع والدته.. ( سارت أمامه بكل غضب " هذا ما كان ينقصني أيضاً ؟" مسح على وجهه محاولاً كبت أعصابه فأكملت والدته بذات الغضب " لم تكفِ ريم وتأتيني أنت، ماذا ستفعلون بي ! " وقف وحاول أن يجيبها ولكنها قاطعته " هي تركض وراء ذلك الذليل وأنت تركض وراء فتاة يعتقد الجميع أنها بلا أصل " ومن بين أسنانه " إلا هذه الجملة يا أمي لا أسمح أبداً " ثم أكمل بعدم تصديق " كيف تقولين ذلك؟" " أقول الذي أريده ماذا ستفعل؟ هل ستقف ضدي من أجلها" " أمي لا تجعليني أغضبك الآن ؟" بدهشة كبيرة " هذا ما كان ينقص! " ثم أكملت بلؤم شديد " ترفض الزواج من ابنة فاروق لأجل هذه الفتاة اذا " " أرفض ولي اسباب لا علاقة لأحد بها يكفي يا امي يكفي.." توسعت عيونها بشدة أمام صراخة ثم شدت على قبضتها بقوة كبيرة وقالت بغضب كتمته داخلها " حسنا يا مجد " ) *************** ركنت السيارة أمام البناية ثم ضربت بأناملها على المقود بتوتر ملحوظ، وسرحت بخيالها بعيداً لم يمكنها أن تسمع دخول رائد وجلوسه بجانبها إلا بعد أن وضع يده على مرفقها فالتفتت اليه باضطراب شديد ثم رمشت عدة مرات.. تساءل بقلق " ماذا هنالك يا جيداء ؟" هزت رأسها لعلها تطرد كل شيء من رأسها وبدت عيونها تبكي من الداخل ثم أمالت بجسدها وارتخت على المقعد خلفها " لا أدري يا رائد.. " نظر إليها بغرابة لأول مرة وبعد سنوات تظهر جيداء بحالة كهذه تائهة " أخبريني ماذا حصل؟" تنهدت بقوة ثم تحدثت " كل شيء جيد ولا أدري مدى سوءه أيضاً يا رائد " عقد حاجبيه ثم كاد أن يسألها إلى أن قالت " عندما نصل إلى ريم نتحدث بكل شيء " تحركت السيارة في طريق قصير ثم انحرفت على المنعطف الأيمن مع سؤال جيداء " ابن عمها محامي أليس كذلك؟" هز رأسه " أن لم تخب ذاكرتي فأجل.." زفرت بقوة مع عبورها بسرعة أعلى مما سبق في الشارع الرئيسي لهذه المنطقة ومن خلفها عندما ابتعد ضوء السيارة، وفي سيارة أخرى تحدث أحد الماكثين داخلها " يا ترى ماذا تخلطين مجدداً يا جيداء مع رائد " تعالت أصوات ضحكاتهم ووصلت إلى الجدة ثم مالت بجسدها نحو رفيق دربها " أنا سعيدة لأجل كل هذا " أبعد النظارة عن عينيه وتحدث بهدوء شديد " ألن تكفي عن مراقبتهم؟ " " وهل برأيك سوف أتخلى؟ " هز الجد رأسه بقلة حيلة ثم أتى صوتاً من خلفهما " لن تتخلى أبداً " وتبعه صوتاً آخر مؤيداً له " إطلاقا " ثم ضحك الجد والجدة لهما ونهض الجد مرحباً بكمال " أهلا بك يا بني ما اخبارك؟!" " كل شيء بخير وأنت..." ثم انخرطا في الحديث بينما همست الجدة لمجد " ماذا هنالك؟!" امال مجد شفتيه بملل " سوف يتحدثون عن الامر على الاغلب " " ولماذا لا تجلس معهم فأنت تعلم بهذه الأمور " أشار بعيونه نحو كمال فتفوهت الجدة " ولكن قمر..." ثم صمتت عن الكلام أمام نظرات مجد المستنكرة ثم أومأت رأسها مع ابتسامة وربتت على كتفه بكل حب.. بعدما توارى مجد وكمال عن انظارهم همست جيداء بلؤم " وهذا ما الذي أتى به إلى هنا " أجابتها قمر بذات الهمس " زوجة عمي من دعته " أومأت رأسها ثم سألتها " هل هو صديق العائلة منذ القدم؟ " استقامت ملامح قمر قليلاً ثم أجابتها بهدوء شديد " أعلم أنه كذلك؟ " ثم تساءلت بفضول " لماذا هل هنالك شيء؟ " تنهدت جيداء واخذت وضعية التحدث مع قمر ثم " لا أدري حقاً ولكنني لم أشعر بالراحة منذ أن سمعت تلك الفتاة " عقدت قمر حاجبيها وكادت أن تسألها إلا بصوت رائد " اذا جيداء هيا قولي ما هنالك " التفتت اليه بانزعاجٍ بادٍ على ملامحها ثم ارتشفت القليل من المياه أمام ترقب الجميع لها، ثم تقوس فمها بحركة لا ارادية منها ثم قالت بنبرة غريبة بعض الشيء " أخشى أن أقول حتى نتراجع عن كل شيء.." عقدت رائد حاجبيه بينما ارتابت ريم ونظر كل من رامي وقمر بصمت، " ماذا هنالك جييداء، ما الأمر الذي سيجعل رائد يتراجع" شعر رائد بنبرة ريم القلقة ثم نظر الى جيداء وازدرد لعابه بقلق أكبر وبتردد كبير أمرها بلطف" قولي.." أغمضت عيونها مع أخذ نفس عميق إلى الداخل وأخرجته بقوة كبيرة " يبدو أن ابنته مريضة " فتح رائد عيونه ثم باستغراب سأل رامي " ابنة من! ولماذا التراجع.. أنا لا افهم شيئا.." قالت جيداء بأسى" شقيقتي.. ابنته هو.." ثم انهارت كل قوتها أمامهم وكطفل صغير قالت " من تركني وترك عائلته الآن هو يتخبط كي يعالجها!! " ثم شربت كوب الماء الذي امامها بسرعة كبيرة، ومن بعدها تصنعت القوة أمامهم ثم نظرت إلى رائد وعيونه غارقة في البعيد،.. " ماذا اذا؟ " تساءل رامي هزت ريم رأسها بمعنى أنها لا تعلم شيئاً،... فيما نهضت جيداء من مكانها وسمعت رائد يتحدث بلسان بطيء " لماذا الحياة تنتقم من الأشخاص البريئة ؟ " نظر اليه الجميع بلا اجابة، فبادلهم النظرات الضائعة.. إنه الآن عاجز، عاجز عن كل شيء! عن الفهم، عن الشعور، وعن التوقع، عاجز حتى أن يتمسك بنظرات ريم الحانية، لقد أوقعه القدر على مفترق طريق شائك! ما بينه هو وما بين طفلة بريئة ! ثم نظر إلى ما حوله بعجز أكبر،.. وإلى ريم بالتحديد.. ظل متسمراً لعدة لحظات قصيرة ثم نهض برأس ثقيل مشوش.. وقفت على اثره ريم باندفاع كبير " رائد.. ماذا؟ " اشار بيده " وقال بصوت يغلبه الضياع " لا أعلم،، لا أعلم.." ثم مضى في طريقه خارجاً من منزل ريم، وكل شيء تشابك على مرأى عيونه، فهل سوف يحمله الماضي ويلقيه مجدداً من الهاوية..! " ما الذي يحصل يا جيداء!" تحدث رامي بهدوء شديد " كل الذي أعلمه أنها مريضة ولكن.." نظرت اليها ريم بحيرة ثم نهضت بعدها وتبعت خطواتها رائد علها تستطيع اللحاق به،.. أخذت جيداء نفساً عميقاً ثم نظرت الى قمر ورامي باستسلام شديد " يبدو أن العقد تتشابك مجدداً.." سألتها قمر باستفسار " وماذا سوف يحصل! " هزت جيداء كتفيها ثم قالت " علي الذهاب.. أراكم لاحقاً.." ودعتها قمر بابتسامة خفيفة ثم عقدت ساعديها بتفكير عميق بينما قال رامي " إن كان هذا سبباً للتراجع وأن كان كل سبب سوف يعرقل طريقه هكذا سوف يتوقف.. فلا يقول اريد حقي أو ما شابه.." نظرت اليه قمر باستغراب شديد، فقال لها " لا تنظري هكذا يا قمر، ان كان سوف يوقفه قلبه في كافة محطات حياته فلن يتغلب على شيء.." " وريم!" همست قمر بحزن زفر رامي بحرارة كبيرة " لا أحد يقف معه مثل ريم ولكنه..." ثم لاذ بالصمت،.. لا يدري ماذا يقول عن ريم ورائد ولكنه تحدث بقسوة غريبة " الحياة لن تأخذ له حقه ان لم يسعى هو اليه.. لا ريم ولا أحد غيره هو فقط " أومأت قمر رأسها بتفهم شديد " وبالأكثر من يشعر بالإرهاق ريم.." زفر رامي بحرارة، ثم نظر الى قمر " لا أحد يستطيع ايقافها انها تحبه..، ولكن.." همست قمر " ولكن الحب لا يستطيع التغلب على كل شيء.." ابتسم اليها رامي بتعب وقال بعد أن نهض من مكانه " لا تنسي غدا سوف نذهب للمأوى تجهزي قبل الساعة الثانية.." أومأت له وتوجه هو نحو الداخل،.. ************** تجاوزت الساعة الحادية عشر بربع ساعة تقريباً، يجلس مع كمال في الملحق البعيد قليلاً عن المنزل،.. تجهم وجه رامي تلقائياً عندما دخلت عليهما ريم ويبدو عليها البكاء همست بكل تعب واضح " ماذا افعل! " تحدث كمال بدهشة " أكثر من هذا؟!" ثم وضع الة التحكم الخاصة بجهاز العاب الفيديو جانبه ونظر الى رامي الذي يلوذ بصمته.. ثم عاد بصره الى ريم " ماذا أكثر من هذا؟ تفعلين ما بوسعك لأجله وهو.." هزت راٍسها نفياً وقالت " أفعل كل شيء لأجله.." قاطعهم رامي " كفاكِ هراء يا ريم.." نظرت اليهم ريم بدهشة كبيرة ! فيما أكمل رامي " ألا تلاحظين! " اغرورقت عيونها بالدموع ونظرت اليهم بذهول فأكمل رامي " لا تستطيعين فعل كل شيء.." هزت رأسها نفياً وبقوة شديدة " بلا استطيع.." أخذ رامي نفساً قوياً ونظر اليها بقلة حيلة، بينما تحدث كمال " لن تستطيعي إن هو بقي على حاله جبان يخاف من كل شيء.." توسعت عينا ريم بشدة وتوجهت ناحيته واشارت اليه بسبابتها " اياك أن تلفظها مرة أخرى.." صمت كمال أمامها، بينما التفتت ريم بقهر نحو رامي وبخيبة ظهرت عليها وبنبرة باكية " لماذا أنت الآن ضده.." أجابها ببرود " لستُ ضده ولكن.." جلست بتهالك على مقربة منه " ماذا؟!" نظر اليها ثم امال رأسه بحزن شديد ومسح دموعها برفق " قلتُ لك سابقاً أنا هنا سوف أبقى بجانبك ولكن إن كانت جيداء سوف تعرقل أمامنا الطريق ف.." قاطعته باستغراب " كيف؟! " نظر الى كمال ثم قال لها " لقد كانت تتحدث عبر الهاتف.. و.." " ما شأن الهاتف؟! " أعاد رامي النظر الى كمال مجدداً " لقد سمعها كمال تتحدث إلى عمها وكأنها تنفذ خطة ما.." التفتت ريم بحدة إلى كمال ووقفت بتأهب شديد " كيف تقول هذا من سمح لك؟" وقف رامي على اثرها ومسكها من ساعدها " ريم.." حاولت أن تبتعد من بين يدي رامي وهي تطلق صرخاتها نحو كمال " لماذا تكذب!! ماذا فعل لك رائد ؟ " تحدث كمال بحدة "من يكذب هو جيداء؟" هزت رأسها بقوة كبيرة وصرخت في وجهه " لا تكذب أكثر فأختها حقا مريضة.." أومأ كمال برأسه فقال رامي بصوتٍ عالٍ " أجل ولكنها خطة.." نظرت الى رامي بتفاجؤ ثم قالت " هل أخبرك هذا؟؟" نهرها رامي فأكملت " هل هذا الذي يسعى لتخريب العلاقة بيني وبين رامي من أخبرك؟؟" تحدث كمال بغضب مكتوم " أجل أخبرته ما سمعته منها، لأنك لن ولم تصدقي أيدا.." " أجل لن أصدقك أنت بالتحديد.." ثم وقفت بقوة وشموخ امامه " اياك ثم اياك أن تحاول فعل شيء مجدداً.. حتى وإن حاولت بشتى الطرق تفريقي عن رائد ( ونظرت هنا الى رامي الذي تشتعل عيونه غضباً عليها ثم نظرت إليه مجدداً وأكملت وهي تصر على أسنانها ) لن أكون لك أبداً " اقترب منها رامي وبقسوة أبعدها عن كمال " هل تسمعين ما تتفوهين به يا ريم؟" اشارت بسبابتها " اياك أن تدافع عنه وأنت لا تعلم أي شي.." " اذا قولي أخبرني .." مسح كمال على وجهه فيما قالت ريم وهي تنظر بتحدٍ ممزوج بقهر نحو كمال " انه يسعى..." قاطعها كمال بجفاء " كان سابقاً.." نظرت اليه بشك فتبعها رامي فأن اخرج زفيراً حاراً وقال بانعدام صبر " ماذا سابقاً وماذا تسعى.." كادت أن تتفوه ريم إلا بكمال يقاطعها بنبرة معاتبة " كنت أظن أني أحمل مشاعراً لريم.." فتح رامي عيونه باتساع فأكمل كمال بهدوء " ولكن هذا قبل أن أعلم بوجود رائد.." كورت ريم قبضتها بغضب " لم يتغير شي فأنت تسعى مجدداً نحو.." قاطعها كمال بغضب " بلى تغير كل شيء..." صمت قليلاً أمام نظرة العبوس من رامي، والشك وعدم التصديق من ريم وأكمل بغضب أكبر نحو ريم " أظنك تلاحظين كل شيء.. وتلاحظين اهتمامي بقمر.." تبادل رامي وريم نظراتهم بعدم تصديق فيما تحدثت ريم بلسان معقد " اياك أن.." أومأ كمال رأسه " أجل.. فأنا أحبها...." تهالك رامي على الكرسي ووضع رأسه بين كفتيه، ثم التفتت ريم حتى تغادر والصدمة تكتسي وجهها سرعان ما شهقت بخوف عندما لمحت مجد يقف محاذياً باب الملحق... انتهى الفصل.. اتمنى يكون نال اعجابكم،، دمتم بخير | ||||||
04-04-20, 10:21 PM | #24 | ||||||
مشرفة منتدى الروايات المنقولة
| " لا شيء يحرق الروح بقدرِ حبٍ بقي في منتصفه " (18) " لا يمكنك أن تتصرف هكذا دائماً.." صرخت جيداء من وراءه عندما أغلق باب غرفته بعنف شديد،.. أخذت نفساً عميقاً، فانها تشعر بمرارة الموقف وبغضب عارم اتجاه رائد.. جلست على الكنبة حتى تهدئ من روعها قليلاً ولكنه فاجئها بأن خرج وقال لها بحدة " تريدينني أن أهدأ وأنت من فجر هذه القنبلة؟" نهضت من مكانها " ليست قنبلة، أخبرتك حتى تعلم كيف سوف تسير الأمور لاحقاً.." " لا أريد أن تسير الأمور.. حسنا.." نظرت اليه بدهشة بينما في هذه اللحظة خرجته والدته ويبدو عليها الوهن والضعف وقالت باستغراب شديد " ما حالك هذا! ماذا بك يا رائد.." وعندما لم يجبها التفتت الى جيداء التي سرعان ما هرولت ناحيتها وقالت وهي تمسكها " لا شيء يا خالة.." ساندتها ثم أجلسها على الكنبة وجلست بجانبها تربت على يدها وتحاول زرع الطمأنينة بها " ولكن لماذا الصراخ ماذا حصل؟" نظرت جيداء إلى رائد فزفر الأخير بحرارة ثم جلس ومسح براحته على وجهه فيما قالت جيداء " لا تقلقي فقط.." قاطعها رائد بصرامة " جيداء.." نهرته والدته ثم تحدثت الى جيداء الممتعض وجهها " ماذا هنالك لا تبدين بخير أنتِ الأخرى.." أخرجت جيداء تنهيدة حارة وكأنها تدل على احتراق روحها وتساءلت " اذا كنت أنا هكذا فكيف ريم الآن.." ارتعشت والدة رائد بخفة وبقلق " ماذا بها الريم.. أم تراكم لم تصلوا للمبتغى المطلوب.." نظر رائد باستغراب الى والدته وجيداء التي تومئ رأسها بأسفٍ شديد ثم التفتت اليه والدته وقالت بحنان " أنا أعلم كل شيء تعال إلى هنا.." نهض متحاملا على نفسه، كارهاً كل الطرق المغلقة التي توصد أبوابها أمامه، يعلم أنه عاجز ولكن.. " هذا العجز الذي أراه في وجهك.. ليس إلا من صنيعك يا بني.." نظر بانكسار، وأصبحت عيونه خاوية من كل شيء، ثم عندما لم يستطع أن يتفوه بأي حرف تحدثت جيداء بهدوئها الذي ينم عن الانكسار " لم أخبرك حتى تتراجع أقولها لك مراراً.." هز رأسه نفياً، يبدو ضعيفاً أمامهم! وبات يكره ضعفه ونفسه وكل شيء فيه.. لماذا هرب الأن ومجدداً! لماذا عندما عزم في قرارة نفسه أن العدالة سوف تأخذ مجراها! عاجلاً أم آجلاً بسبب قضيته أم بقضايا أخرى سوف تجعل عمه مجرماً.. إن كان بسببٍ او بآخر فبالنهاية هنالك كلمة للعدالة.. ظل صامتاً ويتساءل في خلجه المكسور! لماذا عاود الهروب من منعطفاتِ الحياة..،.. نهض من مكانه منهزماً لكل شيء، يريد التفكير مجدداً ويحسب محاسن وعواقب الأمر..! ولكن مجدداً يؤول تفكيره أن المحاسن سوف تكون من صالحه والمساوئ من نصيب عائلة عمه.. إنه ضعيف! يعترف تماماً أنه أضعف من أن يواجه عمه ولكن إلى متى؟ وقف أمام المغسلة ينظر إلى وجهه ثم بغض شديد شد على عضلات وجهه وفتح صنبور المياه ورشق الماء على وجهه دفعاتٍ دفعات... **************** طرقت بابها عدة مرات! ولكن لا مجيب.. منذ ليلة البارحة وهي تعتزل داخل جدران غرفتها.. لا تدري ما دار بينها وبين رائد من حديث حتى تراها تدخل من الحديقة متجهة حيث الملحق، وتبدو غاضبة بشكل كبير،.. ثم لا تدري بأي شكل كانت عندما سمعت صوت ارتطام باب غرفتها ليلاً عند الواحدة بعد منتصف الليل،.. ثم لمرة أخيرة طرقت بابها ولكن مجدداً لا مجيب،.. وبيأس تحدثت من خلف الباب " ريم، أعلم أنك مستيقظة ولكن.." قاطعها صوت ريم من الداخل " لاحقاً يا قمر أرجوكِ..." أطرقت رأسها باستسلام ثم سألتها بخوف " ولكن فقط أجبينني هل أنتِ بخير.." ومن الداخل تنفست ريم بقوة وبلا حيلة لها قالت " بخير بخير..." ثم بهمس " أحاول تقبل الصدمة، أو الصدماتِ المتتالية.." ثم عادت واستلقت بكامل جسدها على السرير، اغلقت عينها وشرعت بأخذ نفس تلو النفس واخراجه بقوة،.. وسؤال لا تعلم مدى صحة اجابته " هل كمال يحب قمر حقاً..؟" دخلت عليهم وعلامات الأسى واضحة على وجوهها، باغتها سؤال جدتها القلق " أما زالت في غرفتها؟" أومأت رأسها بحزن مرير ثم جلست بجانب جدتها بركود، فيما تحدث رامي الذي عزم على الذهاب " لا أدري حقاً ما يستدعي مكوثها داخل الغرفة هل سوف تجني شيئاً.." وضعت الجدة يدها على قلبها بقلق، ثم تحدثت " هل حصل شيء غير الذي اخبرتني به قمر؟" نظر اليها رامي بقلة حيلة " فقط رائد، وكل شيءٍ يدول حول رائد.." تفاجئ بنظراتِ قمر المستغربة فيما علقتِ الجدة " ماذا دهاك أنت أيضا.. منذ متى تتحدث هكذا؟!" تحدث رامي باندفاع " صدقيني يا جدتي إن ريم تبذل جهداً أكثر مما يبذل هو.. لذلك أنا ممتلئ بالغضبِ ناحيتها وناحيته أيضاً.." تعالى صوت مجد من خلفه أكثر قوة " لماذا تصرخون مجدداً؟" نظر اليه الجميع بسكون فيما بادلهم مجد النظرات المستنكرة وجلس مقابل قمر وتحدث " ماذا يحصل مجدداً؟" ونظر إلى رامي الذي راوده الشك عندما شد مجد على كلمة ( مجدداً) وقال بهمس متعب " لا شيء يا مجد.." أومأ مجد رأسه بدون تعقيب ثم نظر إلى جدته وأشار اليها بعيونه علها تطمئن ثم وجه حديثه اليها " لا تشغلي بالك سوف تحل الأمور.." " آمل ذلك.." زفر رامي بحرارة " كيف وهو لا يتحرك قيد أنملة.." لم يأبه له مجد وكذلك جدته المشغولة في قلبها القلق فيما امتدت يد قمر ناحيتها وقالت لها " كفاكِ خوفاً يا جدتي، أنت تعلمين كيف ريم تتصرف في بعض الأزمات.." " خائفة من سكون رائد وتراجعه.." نظر اليهم رائد بمعنى أنه محق فيما تجاهله مجد " لا داعي لكل هذا القلق، ليس فقط ما يشغلها رائد" و صمت مع التفاتة عيونه نحو قمر، ثم طلب منها برجاء " وحدك من تستطيع يا جدتي.." فهمت الجدة عليه ثم نهضت من مكانها متوجهة حيث غرفة ريم،.. لاحظ رامي بعد ذاك نظرات مجد المنكسرة والتي تتقلب نحو قمر، فسأله مباشرة بنبرة لم تخفى على مجد " كيف سوف تحل كل ذاك ورائد يتهرب دائماً من كل شيء.." نظر مجد بطرف عينه على رامي، وتنهد بقوة " لا عليك.." ثم نظر اليها، حتى تستكين جميعَ عضلات جسده.. انها البلسم لفؤاده ومحطات الراحة بعد المشقة، امال رأسه بعفوية مع ابتسامة غريبة قد اربكتها ثم سرعان ما تجهم وجهه والتفت عنها وامارات الضيق بادية عليه.. تدخل رامي سريعاً وجلس بجانبه وتوجه له " هل تظن أني لا اريد الخير لريم؟" هز مجد رأسه بثقل، فأردف رامي " ولكن يا مجد أنت تشاركني الرأي.. ولا يعجبك حال ريم هو الساكن في أمره وهي تقهر" قاطعته قمر بتردد " ربما رائد خائف.." تنهد رامي فيما نظر اليها مجد بتعقيدة جبينه فقالت بتبرير " أنا لا أدافع عنه، يحزنني ما يحدث لريم ولكن ربما رائد يحتاج إلى نقطة تحول ضعفه إلى قوة.." " أعلم أنها تجاهد نفسها لأجله ولكنها عنيدة لا تسمع لي ولا لكم.." تحدث مجد بحدة صمتت قمر على إثر حدته وشبكت أصابعها ببعضهم بتوتر ملحوظ، فيما اقترب رامي وهمس لمجد " اهدأ قليلاً،.." أجابه مجد بذات الهمس " كيف أهدأ مما سمعته البارحة.." ازدرد رامي لعابه ثم نظر الى قمر بحزن " ولكن هي لا ذنب له ولا أظن أنها.." لم يكمل كلامه اذ ان مجد ابتعد عنه بجفاء، فوقف رامي بضيقٍ بادٍ على ملامحه ثم القى رامي جملته بنفس الجفاء " لا تكرر غباءَ المراتِ السابقة، كن متيقناً أن كل شيءٍ لك.." كان وجه مجد مشدوداً، وقبضته التي كورها بجانبه أكبر دليل على كظمه الغضب داخله، ابعد وجهه عنه والتفت الى قمر التي سرعان ما استرعى انتباهها وقال " أنا سوف أخرج.. تجهزي قبل الساعة الخامسة يا قمر.." أومأت رأسها بهدوء " حسنا.." ازدردت لعابها بتوتر عندما لاحظت عيونه مستقرة عليها، فالتفت اليه والتقت عيونها بعيون ساكنة هادئة، وكل شيءٍ فيها يشير إلى التعب،.. وهالاتٍ سوداء بدأت بنشرِ طيفها أسفل عينيه، فعقدت حاجبيها بنظرة يائسة.. " ماذا بكِ؟" هزت رأسها نفياً وقالت بتردد " تبدو أنك متعباً.." نظر بغصة تملؤه ثم زفر بحرارة وتهالك على الكنبة ثم وضع يديه على وجهه، أغمض عينيه وكل شيء يلقى على وجهه كصفعاتٍ متتالية، " لا أعلم ماذا عساي أن أفعل.." ثم اعتدل بجلسته أمام نظرتها القلقة، وكأنه يبحث عن اجابة حتى تشفي قلبه " هل عندك حل ما!. كانت عيونها تبكي بصمت، واختنق كل شيءٍ فيها ثم هزت رأسها بقلة حيلة " لا أدري.." " أخشى أن أقول أن رامي محق.." " هل بشأن رائد!.." قرأت ملامحه المليئة بالأسى، وشعرت بحرقةِ روحه، يبدو متعباً وكأن به هموم الدنيا بأكملها،.. صمتت قليلاً تفكر بشأن كل شيء شهدته حتى الآن ولكنها أجابت " لا أعلم.. ربما أنت محق" أغلق عيونه ثم تهالك مجدداً بارهاقٍ على الكنبة، وبجرعة ألم سأل بصوت متعب " وماذا بشأنك أنتِ؟" *********** كانت نقراتها على لوحة المفاتيح تنم عن الملل الشديد، وكمية الأوراق التي أمامها تجعلها تغيب عن الوعي، تحاملت على نفسها فلم يبقى على وجودها هنا سوى القليل فقط، أومأت رأسها وكثير من الأفكار تدور في رأسها ثم نظرت ناحيته رأته ممسكاً برأسه ويمسده بحركات دائرية.. يبدو منزعجاً من أمر ما،، تنهدت ثم سألته " هل يمكنني أن أسألك ما بك؟" أمال شفتيه بسخرية ثم تحدث رائد مرغماً عنه " ألم تسألي لمَ الاستئذان؟" حركت عيونها بطريقة تنم عن انزعاجها ثم قالت ببرود " مجرد سؤال فأنت زميلي.." أومأ رائد رأسه بضيق أكبر، ثم نهض من مكانه بجمود وتوجه خارج المكتب، وقف محاذياً النافذة الطويلة وتأمل البنايات من أمامه، ساكناً ولكن ألم أفكاره لا يهدأ! يريد الهرب من كل شيء، الآن وفي هذه اللحظة.. من أفكاره وماضيه وحاضره.. أخرج زفيراً قوياً ثم باغته سؤال من خلفه " لا تمر أي عاصفة بالتأمل،.." التفت عليها بغصة كبيرة ثم راوده البكاء عندما أكملت وهي تضغط بكفها على ساعده " تمر فتهدم ولكن ( وشدت قبضتها أكثر ) نحن نبني كل شيء مجدداً" ثم أمالت رأسها بطفولية " ألا يمكن؟!" أومأ رأسه وكأنه طفل صغير، وعيونه تخبرها كم هو آسف لأنه ولو لقليل قد خيب آمالها،.. همست ريم له " لا تقلق أنا أفهمك جيداً.. حتى وإن لم تحن اللحظة فهي عاجلاً أم آجلاً سوف نفعلها.." ثم ابتسمت بأمل وبادلها الابتسامة الممتزجة بأسى،.. ثم بشقاوة محاولة تغيير الجو الكئيب وإن لم ينتهي من داخلها " ماذا سيكرمني الكريم؟" عقد حواجبه ثم ضحك عليها " تقصدين ضيافة؟" أومأت رأسها بشقاوة أكبر فابتسم لها بحب كبير " إن كنت استطيع فرش الأرض ورد لكِ ولكن هنا لا استطيع.." ثم أمال شفتيه بتفكير " وبالمكتب هنالك هنادي.." تجهم وجه ريم وقالت " لماذا لا تشكو عليها وتطردها.." " ربما أفعل ذلك وأطرها انها كسولة جداً.." وبقفزة أمامه بتأهب " وتأخذني أنا للعمل ولا نفترق بعدها أبداً.." أمسك يدها بعد أن قهقه بخفة " ومن قال لكِ أننا سوف نفترق.." شدت على يده وبكل غرور مصطنع " في الأصل لا تستطيع الافتراق عن فتاة مثلي أبداً.." ومالت باتجاه جسده بل مالت كلها في قلبه.... ومن خلف خطواتهم، كانت تنظر اليهم بترقب شديد واضعة قلم الحبر في فمها وتضيق عينيها وكأنها تبحث عن شيء.. سرعان ما اندفعت نحو الداخل وأمسكت هاتفها النقال ثم انفجرت قائلة " لقد ضقت ذرعاً من هذه المهمة السخيفة، أراقبهم وانقل لك أخبارهم ولكن إلى متى.." " فقط يومان يا هنادي، وتنتهي مهمتك بعد أن تثبتي..." وعلى حين غفلة منها باغتها سؤال من الخلف " عفوا ولكن اين السيد رائد!" التفتت اليه قبل أن تسمع الطرف الآخر وأجابته بملل " ليس هنا،.. ربما ذهب إلى الكافيتريا.." نظر اليها مجد بتفحص ثم أومأ رأسه بهدوء شديد واتجه نحو الكافتيريا، عاقداً حواجبه مما سمعه! من تقصد في مراقبتها؟ هل الآن أتاه هذا الأمر حتى ينشغل به! ألم يكفه ما سمع البارحة من كمال،.. أغلق عيونه بألم شديد ممسكاُ بحبال أعصابه كما كبح غضبه البارحة أمامهم جميهاً..! شد على قبضته وأسنانه وأنشدت عضلات وجهه وبان عليه الغضب ثم ضغط على المصعد وانتظره بقلة صبر وفكرة تتردد في رأسه منذ البارحة " هل سيبتعد عن قمر مجدداً؟" ولكن منذ متى كان قريباً منها؟ دار بعيناه حتى وجدهما في زاوية الكافيتريا، سار بكل هدوءه واتزانه نحوهما، حتى وصل على مقربة منهما والتفتا اليه حينما أدركا بطرف عينيهما خطواتِ أحدهم،.. وقف رائد وصافحه " أهلا مجد،.." كانت نظرات مجد جامدة وصافحه بهدوء ثم نظر ناحية ريم التي أبعجت ناظريها عنه، وبعد أن جلس وجَّه كلامه الى ريم " أظنكِ في المنزل مع قمر؟" أدركت ما يرمي إليه ثم بتنهيدةٍ من قلبها " أردت أن أرى رائد.." أومأ رأسه فسألته " لماذا أنت هنا؟" " أردت أن أتحدث قليلاً مع رائد، هل هنالك مانع؟" ازدردت لعابها، لماذا يعاملها بكل هذا الجفاء، ليس ذنبها بالقنبلة التي فجرها كمال البارحة علة مسامعهم! تنهدت بقوة كبيرة ثم نهضت من مكانها واستأذنتهم ذاهبة إلى دورةِ المياه،.. وعقلها شارد تماماً تنتظر انفجار مجد في أي وقت ! ولكنه فعلاً هادئ حتى الآن.. وهذا غريب عليه! وهي تعلم ما يكن من مشاعر لقمر، تنهدت بحيرة كبيرة وتمنت في داخلها أن لا يصب كل كتمانه على قمر،.. فتحت صنبور المياه ثم شردت في صورة وجهها عبر المرآه، انها ترى الآن تماماً أنها تجردت من قوتها، تبدو ضعيفة أمام كلِ ما يحصل لها.. هزيلة تترنحُ روحها يميناً ويساراً،.. هزت رأسها علها تخرج من هالةِ الضعف ولو قليلاً، ثم غسلت يديها ووضعت القليل من الماء على وجهها حتى تنتعش،.. وهمست بكل اصرار " يجب عليَّ أن أحل موضوع قمر أولاً، ومن ثم موضوع رائد!" أمسكت مقبض الباب وبعثت في نفسها القوة، أخذت نفساً عميقاً واتجهت نحوهم،.. جلست في صمت في حين كان رائد يتحدث " ربما أنت محق ولكن ربما ليس هذا الوقت المناسب.." أطلق مجد دخان سيجارته من داخله وأومأ رأسه متفهماً " ولكن لماذا؟ " لاحظت ريم تردد رائد فقالت " دعه يفكر.." التفت اليها مجد وأصمتها بعيونه، يريد فقط ان يسمع من رائد كل شيء، ثم عاد ووجه سؤاله الى رائد " لماذا تظن أن ليس وقته وأنت قد قدمتَ إلى منزلنا للتحدث بشأنه؟" نظرت ريم بترقب نحو رائد الذي كان ظاهراً عليه أنه يرتب الجمل داخله، ثم وجهن نظرها إلى مجد الذي ينفث دخانه مترقباً هو الآخر زفرت بحرارة ثم استقرت عيناها على رائد الذي تحدث " ربما أنت لا تعلم معنى أن تكبر يتيماً، هنالك دائماً نقص في حياتك سواء كنت تملك مالاً أم لا.." صمت قليلاً أمام سكون مجد وتوقفه عن التدخين ثم بدد كل الذي كان سوف يقوله من حرمان الطفولة " لا تظن أني خائفٌ منه أو أني أتفادى المشكلات.. أعلم في النهاية أن الأمر لصالحي.." قاطعه مجد " إذا لماذا تراجعت؟" نظر إلى ريم بحيرة ثم عاد ونظر إلى مجد " ربما كانت ردة فعلي البارحة مبالغٌ بها ولكن عندما عندما سمعت بمرضها تلاشى كلُ اصراري.." تنهد مجد ثم سحق سيجارته ونظر إليه بتمعن واعتدل بجلسته وتحدث بعد أن أخرج باقي دخان السيجارة الرمادي " أعلم أنك موقفك صعب جداً يا رائد، أنت في موضعٍ بين حقك وانسانيتك.. ولكن في حال اخترت حقك هل سوف ترمي انسانيتك في القمامة؟" عقدت ريم حاجبيها " ولكنه اختيار بين اثنين!" هز مجد رأسه نفياً ثم نظر بتمعن نحو رائد الذي شبك أصابعه على الطاولة " ليس كذلك يا ريم.." ثم قال محاولاً اطراء بعض المرح " تسمين نفسك حبيبته ولا تعلمين كيف يفكر رائد؟" توسعت عيونها ثم تحدثت بعناد " أعلمه أكثر من الجميع " ابتسم مجد بسخرية " أجل أجل.." ثم تحول إلى وضع الجدية وقال " حتى وإن اختار حقه فلن يترك عائلة عمه تعيشُ ما عاش..." بإجابة مندفعة من رائد " بالتأكيد.." مال وجه ريم للاسى ثم بنبرتها الحنونة " اذا لماذا كل هذا؟" هز رائد كتفيه بلا حيلة فأومأت ريم رأسها بتفهم في حين نهضت من مكانها تمشي بجانب مجد عندما ودعهم " أنا أشكرك.." أخذها تحت ساعده بحب " لا شكر " ثم التفت بجسده نحو رائد وظهر عليه الشرود " يبدو أن الحياة كانت ثقيلة عليه بما يكفي لعدم وقوفه بثقة أمام كل شيء.. ربما اعتاد الهرب.." " مثل قمر.." قالتها قاصدة وهي تتمعن وجهه ، التفت اليها بجمود وطالت نظرته عليها في حين قالت ريم وهي تمسك ساعده وعيونها ترجوه " اسمع لقلبك فقط.. وليس إلى شيءٍ آخر..." ****************** تثائبت وهي على الكنبة الجلدية المقابلة لسرير خالتها ( والدة رائد ) ثم تحدث الى شقيقته الصغيرة بنعاس " هل نمت كل هذا الوقت؟" ضحكت الصغيرة بمرح " كما كانت تقول والدتي مثل الدجاجة.." ابتسمت جيداء لها بحب ثم نهضت بتكاسل وقالت مجارية لها بطفولية أكبر" ماذا حضرتِ لي على الفطور اذا يا أمي.." ضحكت الفتاة مجدداً ثم وقفت في مكانها بشموخ " فتاة كبيرة وتريد مني احضار الفطور لها.." ثم عقدت حاجبيها " ثم انه وقت الغداء.. الغداااء." ضحكت جيداء عليها ثم أومأت رأسها انصياعاً " حسناً.. الغداء.." ثم لمعت في رأسها فكرة " ما رأيك أن نذهب ونتناول طعام الغداء في الخارج؟" قفزت بمرح " ونأكل البوظة.." أومأت جيداء رأسها ثم نهضت وقبلتها من وجنتيها " والبوظة أيضاً.." " ولكن علي حل بعضِ الأمور قبل كل هذا؟" " حسنا.." رافقتها الابتسامة حالما خرجت من الغرفة ثم انطفأت معالمها مع دخول والدة رائد وتبدو انها احسن حالاً بقليل من الأيام الماضية، ابتسمت جيداء في وجهها " هل أقول صباح الخير أم مساء الخير.." بادلتها الابتسامة " وجودك الخير سواء كان صباحاً أم في وقت الظهيرة.." احتضنتها جيداء في عيونها بخجل ثم بعد أن جلست سألتها بتردد " هل تحدثتِ مع رائد؟" كانت قلة الحيلة تحط على وجهها فأجابتها " حاولت الحديث اليه ولكنه ابني واعلم قلبه.." تنهدت جيداء بتعب " أنا ابنته واتمنى أن يتقاضى أشد العقوبات، رائد كيف يكون ساكناً حتى هذه اللحظة" ربتت والدة رائد على قدمها " ليس من عدم غضبه، ربما من رأفته أو لأنه لا يريد أن تدور الدائرة على عائلة عمه.." " ولكنها دارت" تحدثت بانكسار مشيرة إلى نفسها.. هزت رأسها نفياً " لم تدر بعد يا ابنتي.. " امالت جيداء شفتيها بسخرية " لأنني لا أعتبر فقداً عزيزاً على قلبه لا يعد ما حصل أن الحياة.." قاطعتها والدة رائد بعتاب " لا تتحدثي هكذا، لم تحرمكِ الحياة منا.." ثم سألتها بحنان " ألا نعتبر عائلتك أيضاً.." أجابت جيداء بكل حب " بل أنتم العائلة يا خالة، لولا ياسمين لما..." ثم بترت عبارتها ولاح على وجهها الحزن ونظرت بشرود إلى ما أمامها،... وعيون ام رائد تناظرها بحزن، إلى أن أخذت اخذت جيداء نفساً عميقا ثم أحست بارتجاج هاتفها فالتفتت اليه ونظرت إلى اسم المتصل (ياسمين) وظهر عليها الانزعاج ممزوجاً بقلة الحيلة... يتنحى ستار النهار قليلاً، ويتنحى معه كل صخبِ الحياة، مستنداً بجسده العريض على النافذة والأفكار السوداء تداهم خلوته مجدداً، كل شيء يسير على عكس ما كان قد خطط له سابقاً،، كل شيء خرج عن سيطرةِ الأمور. انه لؤي يقف عاجزاً أمام كل شيء، ذنوب الماضي تلاحقه بين الفنية والاخرى وها هي تعود مجدداً حتى تشعره كم انه شخصٌ لا يستحق أحد أن يقول له أنت (رجل خير) في هذه المدينة! انه يعلم انه الطريق مسدود أمامه بل وبكل نقاء روحه المختبئة تحت وطأةِ التجبر من مديره أن النهاية سوف تكون شديدة بلا محالة، وان كانت ستكشف الاوراق كلها فبالتأكيد سوف تصيبُ العدالة أسهمها نحو ياسمين، ولكن كل شيء يقف عند الحد الذي تقف به شقيقته ياسمين، فليتضرر هو ولا يمس أحد آخر غيره أي شيء. تنهد على مسامعها عندما دخلت على مكتبه " ألم ينتهي عملك هنا؟" سمعها من شروده فالتفت اليها بكل خواء روحه " اليوم ربما لن أعود للمنزل،.." ثم زفر بحرارة " لا أعلم يا ياسمين يجب عليّ التفكير مطولاً.." جلست على اقرب كرسي لها " وماذا يفيد التفكير.." هز رأسه بقوة محاولاً طرد كل شيء " لا أعلم يا ياسمين لا شيء يفيد.." ثم اشار الى نفسه وسألها " هل أبدو لك من هنا آلة يستفيد منها مراد.." نظرت اليه بقلة حيلة، يبدو ضعيفاً هذه المرة كما لم يكن من قبل أبداً سألته بتردد " هل حصل شيء جديد؟" زفر بحرارة كبيرة وغصةٌ تملأه " ماجد.." ثم لاذ بالصمت قبل أن يفجر في وجهها الصاعقة " لقد حرقت منزله وابنته داخله.." شهقت بقوة كبيرة ولم تكن شهقةُ التفاجؤ التي نبعت من بابِ المكتب أقل منها.. تحدث لؤي بتهالك " جيدااء.." بعد ساعات... همست لها ياسمين بكل تعب واضح " كل شيء يسير خارج سيطرة لؤي " نظرت اليها جيداء بملل شديد ثم قالت وهي تجمع بعض الكتب وتضعهم في إحدى الصناديق " وأنتِ داخل الأمر؟! " شبكت ياسمين كفيها ثم تنهدت بحرارة " ليس كما تعتقدين يا جيداء.." التفتت إليها جيداء بضجر ثم تحدثت " هو السبب بكل شيء فكيف تصمتون؟ لماذا كل هذا الخنوع له.." هزت ياسمين رأسها بعجز كبير " انه لؤي.." " يا ليتكم لم تأخذوني حتى تقوموا برعايتي لما حل بكم كل هذا.." " لا تحملي نفسك مسئولية هذا الأمر.." قاطعتها جيداء بغضب " أنا لا أحمل نفسي كل هذا الأمر فأنا وأنتِ حتى رائد ضحية.." ثم جلست ياسمين بتهالك على أقرب مقعد بجانبها حتى واتتها جيداء وقرفصت بجانبها وأكملت بعد ذلك " لكن حقاً كنتم كالعائلة لي، أقع بينكم وبين رائد مجدداً وفي كل مرة يا ياسمين ولكن.." هزت ياسمين رأسها بعنف وتجمعت الدموع في عيونها " لا لا تكوني بيننا، هو بالأكثر مظلوماً منا.. أنا أخشى كل شيء ولكن لؤي لا يسمعني.." ومسحت دموعها بقوة شديدة، بينما قالت جيداء " أنتِ الأهم منهم جميعاً.." ثم لاحظت ارتجاف كفيها فأمسكتهما بحنان وببكاء سألتها " لستِ ضمن أعمالهم أليس كذلك؟" أمالت ياسمين رأسها وقالت بنبرتها العاجزة " هل يعتبر الصمت شريكاً في أعمالهم؟" ثم ارتخت كافة عضلات جسدها في بكاء مرير وانزلقت من بعدها جيداء بجانبها تحضنها بكل ألم.. ************** دخل عليهم ونفاث سيجارته الأخير قد انطلق من فمه بفوضوية تامة، راقبهم عن كثب وجبينه ينقبض بانزعاجٍ كبير ثم تقدم بجمود كبير أمام أنظار والدتهِ المستنكرة وجلس بتهالك أمامَهم، " عساك بخير يا بني؟" تساءلت جدته بحنان أومأ رأسه بثقل واضح " بخير.." وضعت والدته المجلة من يدها ثم تحدثت للفت انتباهه " ريم لم تأتي إلى الآن.." أغلق عيونه بتعب واضح ثم قال بصوته الهادئ " انها مع رائد.." ظهر امارات الغيظ على وجه والدته وآثرت الصمت بانزعاج ولكنها انتهزت فرصتها وقالت " كنت أظنها مع قمر.." ظل مجد مغلقاً لعيونه متجاهلاً نداءَ والدته الماكر بوصولها الموضوع نحو قمر، فيما تحدثت الجدة بعد أن أفرغت اخر رشفة من كوب الشاي في فمها " تصبحون على خير.." ثم سارت على وقفت وبقلق التفتت نحو مجد " اذهب واسترح يا بني لا تبدو أنك بخير كثيراً.." فتح عيونه ثم ابتسم في وجه جدته " أنا بخير.." أومأت رأسها بأسى على حاله وكلمات ريم التي ثقبت قلبها الصغير صباحاً ما تزال عالقة في روحها تخدشها بكل صعوبة ( لقد سمع كمال يتحدث عن حبه لقمر..) تأملته لبرهة من الزمن وهي عاجزة عن فعل شيء في هذه اللحظة ثم ذهبت واتجهت حيث غرفتها،.. " ولكن ما يحصل ليس من مصلحتك؟" تحدثت والدة مجد بصوت عالٍ فتح احدى عينيه وتحدث " ما هو الذي ليس من مصلحتي؟" وقفت بكل غرور المرأة المخملية " أن تحزن لأجلها وهي لا تعيرك أي اهتمام.." نفث ما بصدره من قهر وآثر الصمت فيما أكملت عند صمته " أقول لك ابنة فاروق وأنت تركض وراء فتاة لا تعلم من في قلبها.." وقف بكل غضب " لماذا مصممة على فتح هذا الحديث مجدداً ؟" " لأنك لن تفهم ما مصلحتك! وأين؟" شد على اسنانه بغيظ شديد فأردفت بعدم اهتمام " لماذا لا تفهم، لقد سمعت بأذنيك البارحة وشهدت على حب قمر وكمال.." شد على قبضتيه وكاد أن يصرخ في وجهها لولا ريم التي تدخلت بالأمر وقالت بكل قهرها على أمها " قمر لا تحب كمااال.. ولن تحبه؟" ابتسمت والدتهم بسخرية أمامهم ثم نفث مجد آخر كلماتها أمامه " لا ابنة فاروق ولا غيرها " فتحت عيونها بغضب بينما أكمل مجد كلامه وهو يصر على أسنانه " ولا تهتمي لمصلحة أي أحد منا.." ثم تابعت عيونها مجد وهو يخرج من الصالة غاضباً حتى استقرت عيناها على ريم.. " أنتم تتصرفون على أهوائكم، ونحن من.." قاطعتها ريم بملل وتعب " ارجوك يا امي، ان كنا نحن نحتمل فلأنك أمنا ولكن قمر لا تعبثي بها.." ثم التفتت وخرجت كما دخلت في حين كورت والدة مجد يدها بحنق... ****************************** نزلت الطائرة الخاصة بالسيد مجد وحطت عجلاتها على أرض المطار في فجر هذا اليوم.. تثائب بكسل شديد ثم نظر إلى ابنته بدمعة تحجرت داخل مقلتيه ومسح على رأسها بحنان كبير.. ملئ هو بالغصة، العجز، وعدم تصور ماذا سوف يفعل افراد العائلة عند عودته.. تنهد وهو يطرد كل فكرة سوداء حطت داخل عقله، همس في صوته العذب " ملاكي.." ثم بدد نداءاته وحملها بين ذراعيه،.. أخذ نفساً قوياً بعد أن جعل ملاكه يستلقي على الكرسي الخلفي من السيارة السوداء، ثم جلس في الامام حتى يقود السيارة،.. وتبدو الشمس في طريقه نحو منزله الذي غادره منذ مدة حاجزاً امام نظره على الطريق،..! شعر بأن الطريق هذه المرة أطول بكثير، يقود وضبابٌ يحيط عقله يُذهبه الى الشرود فتنعطف عجلاته قليلاً الى اليمين سرعان ما يتدارك أمره حتى يسير في طريقه مستقيماً، وشعاع الشمس يزعجه أكثر فأكثر.. تضطرب أنامله الممسكة بالمقود حينما سمع أناتِ صغيرة من ملاك المستلقية في الخلف، اعتراه القلق وقال بنبرة خائفة " ملاكي.." وعيناً تستقر على الطريق حيناً وحيناً تلتفت على ملاك..! ارتعش جسده عندما اعتلى صوت أناتها فزاد من سرعته أكثر، ثم التفت اليها باضطرابٍ وخوف عندما لم يسمع لها صوتً فصرخ برعب " ملاااكي.." وتبعَ صرخته اصطدام سيارته بقوة... ****************** تعالت أصواتُ التصفيقِ مع صوت الموسيقى الكلاسيكية في الأرجاء، اعتلت بسمتها الرقيقة وجهها بعد أن كانت تنظر للمكان بفراغ كبير وشاركتهم التصفيق عند دخول العروسين الحديقة الصغيرة،.. وبصوت حاولت ريم أن يكون مسموعاً لقمر " تبدو ليليان جميلة جداً.." أومأت قمر برأسها بهدوء شديد، كان حفل خطوبة كلاسيكي اجتمع به العدد القليل من الأقارب والمعارف من الدرجة الأولى وينتشر اللون الأبيض من الورود والزينة في أرجاء الحديقة،.. نظرت إلى ما حولها وعيونها تنطق بإعجاب مرة أخرى بعد مرات عدة،.. ضحكت قمر عليها بعد أن أخذت من كمال كوب العصير " كم مرة دار رأسك دورة كاملة؟" " يعجبني التصميم للحفل، له رونق مختلف.. وانظري ( وقفت امامها محاولة تجاهل كمال بالكامل) مناسب لفستاني.." ثم رفعت رأسها بغرور في حين قال كمال " أنتِ ناسبتِ المكان.." تجهمت في وجهه قليلاً سرعان ما غفلت عن كل شيء وقالت بشقاوتها المعتادة " انا أصنع فارقاً جمالياً في كل مكان.." أومأت قمر رأسها بسخرية كاذبة في حين نظرت اليها ريم في غضب وضربتها بخفة على كتفها.. " ولكن حقاً أنت تصنعين فارقاً جمالياُ.." تحدث كمال بنبرة غريبة لم تفهمها قمر ولم تعي اليها ريم.. ثم نظرت اليه بحيرة شديدة وعيونها تتوسع بطريقة ما ثم تضيق بعد حين.. مرت نصفُ ساعة أخرى، وصوت الموسيقى الهادئ يناشد الجميع بقيام رقصة في وسط الحديقة،.. كانوا جميعهم يقفون حول طاولة مستديرة قمر، الجدة ووالدة ريم.. وانضم اليهم كمال بعد قليل،..! تساءلت والدة ريم بمكر " ما رأيك يا كمال بابنة فاروق؟" عقد كمال حاجبية باستغراب " هل تقصدين شذا؟" ارتشفت القليل من الماء " أجل،.. ما رأيك بها؟" كانت تنظر اليها الجدة بحيرة، بينما قمر شاردة في ذهنها بعياً عن هذا الحفل كله ففكرها وقلبها وكل ما تملكه من جوارح يتساءل عن مجد الذي قضى ليلته خارج المنزل البارحة! وعيونها ذاهبة بالبعيد اجاب كمال بسخرية " لو سألتِ رامي فهو أكثر معرفة؟" نظرت اليه والدة ريم ثم القت بعيونها نحو قمر " أريد رأيك أنت بالتحديد فعقلك قريبٌ من مجد؟" فتحت الجدة عيونها ثم بسرعة انتقلت إلى قمر تريد أن تؤكد احساسها بأن قمر تميل الى مجد ولو كان بردة فعل قليلة منها، ولكنها كانت مستكينة وكأنها حاضرة بجسدها فقط.. ازدردت الجدة لعابها وهي تستمتع لكمال " انها جيدة، ولكن أتظنين أنها تناسبه يا خالة؟" أمالت والدة رائد شفتيها بتفكير " أراها كذلك تليق بمجد كثيراً.." تدخلت الجدة بلهجة حازمة " وما رأيه هو؟" أجابتها بهدوء " هو موافق ولكن ليس الآن وانا بصريح العبارة أخاف أن تضيع الفتاة من يدينا.." نفضت يديها بمنديل صغير ثم قالت " سوف أذهب لألقي سلامي على بعض الصديقات.." أومأت الجدة رأسها بحيرة كبيرة! كيف له أن يغير رأيه وهو قد صارحها من قبل أن نيته جادة في الموضوع وينتظر فقط القليل من الوقت حتى يعلن لقمر عن ما يكنه من المشاعر ..! تملكتها الحيرة والاستغراب وهي تتذكر أن ريم اخبرتها بما سمعه مجد من كمال، ثم نظرت إلى قمر والتي عادت من صحوتها وعيونها تتأمل بابتسامة غريبة صوب مكان ما وربما إلى أحد ما، ولكن كمال مختفٍ عن الارجاء! تحركت عيونها محاولة تحديد وجهة نظرها ثم استقرت عيناها على مجد وهمس قلب الجدة براحة كبيرة " انها نظرة الحب، أنا متأكدة.." تركت المكان بعد أن توقف مجد بجانبهم وعلى وجهه علامات الضيق وهمست في اذنه بضع كلمات غريبة، ثم ابتسم على اثرها،.. تزاحم الحب في عيونه وبدا واضحاً وتساءل بينه وبين نفسه " هل هي ترى حبي في عيوني؟" كانت أمامه حورية بفستانها الاسود وشعرها المسرح بطريقة بسيطة، أخذ نفساً عميقاً محاولة السيطرة على ارتجافِ كل شيءٍ فيه وتحدث بهدوئه المعتاد " أين ريم عنكِ؟" أجابته بارتباك " أظن أنها تجالس احداهن.." ثم مالت بجسدها قليلاً " انها هنالك مع كمال.." أومأ رأسه بتعقيدة جبينٍ غريبة ثم سألها " كيف حالكِ" نظرت اليه بغرابة شديدة ثم قالت بردة فعلٍ طفولية " لا أكون بخير، مع تكشيرةِ وجهك هذه.." ثم صمتت وتصنم وجهها بشكل عجيب مما جعله يميل للضحك على شكلها البريء،.. ازدردت لعابها بارتباك ثم همست ببعض كلمات غير مسموعة له وغادرت الطاولة مستنجدة بخلوتها للتغلب بعضَ الشيءِ على ارتباكها،.. وفي زاوية ما قد نظرت اليها قمر منذ قليل، كانت راكدة تسمع اليه بعدما أصر على محادثتها وشوكٌ ينغرس في صدرها " ولكن ما لا أستطيع فهمه يا كمال لماذا قمر؟" رفه كتفيه بلا حيلة " وإن سألتك وقد سألتك عدة مرات لماذا رائد؟" أومأت رأسها بضياعٍ كبير وحمل ثقيل فوق أحمال قد وضع على ظهرها،.. " لا أدري حقاً ماذا أقول لك.." وضع يده على ساعدها برفق " يكفي فقط أن تثقي بي بان لن ألحق الضرر بها.." تنهدت بحيرة " ليس هذا، ولكن.." قاطعها ضوء (الفلاش ) القادم من عدسة الكاميرا، فالتفتت بحدة للمصور وكادت أن تتفوه محاسبة اياه في حين برر المصور مستشعراً من انذار كمال " أنا أصور جميع من بالحفل،.." كانت يد كمال ما تزال على ساعد ريم " دعيه يصور، تبقى للذكرى وأنتِ هكذا مثل البومة تعبسين.." ثم فعل بتقاسيم ووجهه وكأنها هي فضربته بخفةٍ على كتفه " لست هكذا..." ضحك كمال تبعته ضحكات ريم بعيداص عن الحمل الثقيل في وجهها، وتتابعت التقاطات الكاميرا وضعية الضحك هذه ثم أكمل وجهته في تصوير باقي الأشخاص،.. ********************** وقف جيداء بحيرة وشعورٌ بالنقص والخوف يجرفها بعيداً نحو الماضي، تبدو أمام هذه الفيلا بالتصميم الحديث قطعة حجر تقفُ بلا حراك، أطرافها متجمدة وضربات قلبها تتعرى من الخوف الكائن خلف هذه الأسوار... لا تستطيع مجابهة الأمر، ففي قرارة نفسها عزمت أن لا تواجهه ولكن صوت نداء الأخوة التي اصطدم بها جعلها تنجرف بكل قوة الأيام إلى هنا،.. ( منزل السيد مراد) تأملت اللوحة مراراً منذ عشر دقائق، تمسك بحقيبتها القماشية بحقد أقل من الذي داخلها، تتراءى لها أيامها في الطفولة، تشعر وكأنها منبوذة ولكن لماذا عادت وطرق أبواب من نبذها،.. تردد في داخلها " من أجل شقيقتي،" ولكنها لم ترها إلى عدة مراتٍ قليلة لم تتجاوز العشرون طوال السنوات القليلة التي علمت فيها أنها ابنة مراد، كان عجزها حين ذاك أكبر دليل على ضعفها، شعورها بالوحدة! ولكنها لم تكن وحيدة فقد كانت ياسمين معها وكأنها شقيقتها، ولؤي! الذي ابتدعت عن قول " والدي " له بعد أن علمت الحقيقة المرة! انها غاضبة من لؤي كثيراً ولكنها وبرغم ادعائها بأنها لا تنتمي اليه فهو من أكثر من تنتمي اليه بعد ياسمين،.. شعرت بوقوف لؤي بجانبها ثم نظرت اليه بجزع وكأنها بعيونها تقول له " خبئني من كل حقائق الحياة المرة " ثم قالت بقسوة عكس ما بداخلها " أرجو أن لا تكذب علي هذه المرة.." أجابها بنبرة حزينة " حقاً مراد ليس هنا؟" أومأت رأسها " أنا أتحدث عن مرض ابنته.." ثم ولته ظهرها وسارت أمامه محاولة امتلاك الشجاعة للدخول.. حتى شعرت أنه بجانبها مرة أخرى.. ولكنه دائما بجانبها وليس هذه المرة فقط! وليس بجانبها بالسير في طريق فقط.. فهو كان ساعدها اليمن حينما يتطلب الأمر،.. كان أخاً وأباً وكل شيء.. شدت قبضتها على يده وهمست " أنا قوية، لن أخاف من دخولي هنا.." وبذات الهمس تحدث لؤي " أنتِ قوية، وليست كقوة أي أحد.." أغلقت عيونها مع اخذ نفس عميق عندما ضغط لؤي جرس المنزل،.. دقائق حتى فتحت احدى الخادمات له ورحبت به أمام جمود جيداء.. " ولكن السيد مراد ليس هنا؟" " أعلم ذلك جئت لرؤية الصغيرة.." أومأت رأسها وكادت أن تسير معهم إلا أن أوقفها لؤي بيده " أعلم الطريق.. شكرا لكِ.." وعلى باب الغرفة شدت قبضته مرة أخرى " أنت قلت أنها تعاني من ضيق تنفس.. والآن ان رأتني ألن تزداد سوءاً.." نظر اليها بحزن ثم قال " ربما نائمة يا جيداء.. لا تخافي حتى وإن كانت مستيقظة لن يحصل شيء.." أومأت رأسها وحبست دموعها بقوة داخلها ثم دخلا.. دنت بالقرب من سريرها ومسحت على شعرها بحنان، تجمعت الدموع في عيناها ثم تماسكت بسرعة والتفتت الى لؤي بضيق " لماذا ما زال جهاز التنفس الاصطناعي على جسدها.." جلس على مقربة منها " قد قلت لكِ قد تعرضت للاختناق في نشاط السباحة بعد أن وقعت في الماء بطريقة غريبة.." كادت أن تبكي مجدداً أمامه وإنها للمرة الأولى التي تبدو فيها هشة، ضعيفة، تترنحُ أمامه بشهقاتٍ مكتومة وقد خلعت عنها رداء القوة والصلابة... ************************* خلعت الكعب العالي منذ أن وطئت قدماها أرضية المنزل ثم تنهدت بتعبٍ واضح، وفي حين أن توجه الجميع إلى غرفهم توجهت هي بكل تعبٍ نحو الصالة وجلست على اقرب كرسي بتهالك شديد،.. ثم بعد قليل اعتلت السخرية وجهه وهو متوجه اليها " في كل مرة تلسين بها هذا الحذاء تعودين وكأنك كنتِ في معرة.." لم تتجاوب ريم معه ثم نهضت مفزوعة وسألته باندفاع " قل أنك قابلت رائد؟" تنكر باللامبالاة " لم أستطع.." ظهرت عليها امارات الخيبة " ولكنك قلت أن جيداء تحدثت معك.." بلا مبالاة تحدث رامي " أنتِ تعلمين أن جدول أعمالي مشحون للغاية.." ولم ينته من كلمته الا بالوسادة تصطدم برأسه وصوت ريم " لا أدري ماذا تجني من استهتارك هل أنت مراهق؟" أشار بسبابته بلا مبالاة متعمداً اغاظتها " لا فانا تجاوزت العشرين منذ زمن، فأنا بسن الرشد.." تأففت في ضجر على مسامحه في حين ترتسم على ملامحه ابتسامة ساخرة. نهضت من مكانها ملقية عليه نظرات جامدة بملل " بعد أن تنتهي من هذه المهزلة التي تقوم بها.." رفع حاجبيه بسخرية " مهزلة.." زفرت بحرارة ثم قالت " لا تنتهي.. تصبح على خير.." ضحك رامي ثم قال بعد ذلك " حسنا حسنا.. بدلي ملابسكِ وعودي.." حملت كعبها بتعب وقالت بتثاؤبٍ واضح " حسنا.." وما كادت أن تخطو خطواتها خارج الصالة إلا بصوت مجد ينزل من على عتبات السلم بغضبٍ واضح.. شدت على أسنانها بقوة " بالتأكيد أمي فتحت معه موضوع ابنة فاروق تلك.." ثم التفتت بعجز الى رامي " يجب علينا حل ما سببه كمال لنا.." نظر اليها رامي بوجومٍ شديد " إن لم يفعل مجد ما يمليه عليه قلبه فليودع قمر.." تنهدت بحرارة ثم صعدت إلى غرفتها وألف سؤالٍ يراود ذهنها! (كمال! قمر! مجد! رائد! وأنا!) ************************************ مضت الساعات ثقيلة على صدرها، تكبلها بطريقة تمنعها من مكوثها الهنيء داخل أحلامها، فتراودها الكوابيس حتى تستيقظ وعينها فارغة من كل معاني الحياة،.. شربت جرعة من المياه ونهضت بكل تعبٍ واضح.. ساعتها تشير إلى الحادية عشر بتوقيت الوحدة مجدداً.. نهضت من مكانها بكل خمول وتعب وخرجت من الغرفة متوجهة إلى الطابق العلوي،.. تريد افراغ بؤسها بالرسم كما كانت تفعل من قبل! أخذت نفساً عندما وقفت على باب غرفته وانقباض صدرها ينبهها من شيء ما قد ردعها ومضت نحو غرفة الرسم الخاصة بها،.. فتحت أنوارها بكل انطفاء من الروح تنظر بعجز امام رسمتها الغير مكتملة! أمسكت ريشتها وبكل فكر مشرد بدأت بتلطيخها بأي لون تأتي يدها ناحيته،.. الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل، يجلس وحيداً يجاوره القمر كالعادة..! يبدو على وجهه امارات التعب الممتزجة بالحزن.. يشعر بخواء يعصر روحه.. وتتناثر آهاته من حوله وصوت الليل يعذبه ويدمي قلبه.. لا شيء يسير كما يريد، ونور القمر يجلده بسياط الحب السرمدي، ولا يدري حقاً ماذا عساه يفعل! تتراكم في جوفه مشاعر شتى، عاجز عن فهم كل شيء يدور من حوله! تفصل بينه وبين قمر مسافات البوح الشاسعة، لا يعلم ما يدور في خلجها نحوه.. ويتراكم داخله كل شيء، ولا زال الحاح والدته بزواجه من ابنة احدهم في رأسه كمطرقة تصيب خلايا عقله بالشلل،..! يزداد رفضاً فتزداد والدته عناداً، ويخشى أن يصيب عنادها قمر،.. أخذ نفساً عميقاً بعد أن نهض بكل انهزامٍ لتفكيره، وخرج من غرفته التي تضيق عليه الحصار.. ثم لاحت على شفتيه ابتسامة هزيلة، سرعان ما أحس أن داخله يبكي..ّ! يريد أن يذهب ويرتمي بأحضانها، يريد أن يستريح بين ساعديها، كانت نظراته تعبر عن الاحتياج بالأكثر، أغلق عيونه ثم أخذ نفساً عميقاً وحالما فتحها رآها تتجه نحوه وكأنها هي الأخرى تريد الهروب اليه من كل شيء،.. وقد كان ترددها واضحكاً حينما سألته بنبرة غريبة شاردة، حزينة" هل أنت على ما يرام!" هز رأسه نفياً، وصوته يخنقه في الداخل لا يستطيع أن يبوح،.. أمالت قمر رأسها بحيرة كبيرة، فهمس لها بضعف أحسته من صوته " كوني بخير فقط.." شعرت بغصة تملؤها، وتستقر في حلقها فتميتها بعلقم الخوف الذي راودها الآن،.. " ولكن ماذا بك؟!" تساءلت بنبرة تتعصر ألماً.. ابتسم لها ببهوت واقترب منها وطبع قبلة طويلة على جبينها وقال بنبرة أقرب للهمس " أنا بخير، طالما أنتِ بخير.." ابتعد عنها قليلاً حتى يقابلها بعينيه في حين بادلته نظرة مليئة بالعجز..! بلعت غصتها ثم احتضنته بكل خوف من فقدانه وكل ما يتردد في ذهنها ما سمعته في حفل الخطوبة.. " لقد أعجبتني حفيدتك يا زينب، تلك قمر... أجل ولكم أتمنى ان تردي لي بجوابها حول الزواج من ابني وسام" وتبعهتا لحظة صمت غريبة حتى همست له بنبرة باكية " لا تبتعد أنت أيضاً كما ابتعد الجميع عني .." هل اقتربت القلوب وأحست ببعضها البعض؟ انتهى الفصل.. اتمنى يكون نال اعجابكم،، دمتم بخير | ||||||
04-04-20, 10:25 PM | #25 | ||||||
مشرفة منتدى الروايات المنقولة
| " كأنك تعلم بأنه يحبك، ولكنك لا تمتلك دليلاً " (19) يدنو قلبه من قلبها،! مسح على شعرها بعد أن غفت روحها المتعبة في سبات، تنهد بتعب واضح.. ثم نهض من جانبها وتأمل الساعة، لقد تجاوزت الخامسة والنص صباحاً.. وضع يده على رأسه بإرهاق، ثم توجه بخطواتٍ بطيئة نحو خارج الغرفة،.. " مجد! ماذا تفعل هنا؟" سألته ريم عند اغلاقه الباب التفت اليها بلا إجابة،.. نظرت اليه بتمعن وقد لاحظت التعب يحتل ملامحه، مدت يدها تحثه على السير معها، استجاب لها وسار يتبعها حتى دخلا غرفتها، سألها بتشتت " لماذا أنتِ مستيقظة؟" أمالت شفتيها بتكدر " نوم متقطع.. ولكن أنت؟" مسح على وجهه بعد أن جلس على الأريكة الصغيرة " لا أعلم يا ريم، قمر.." اندفعت متوجهه نحوه " هل فعلتَ لها شيئاً.." اختلطت نظراته بشتى المشاعر ولكن أكثرها وضوحا كان العتاب وبنبرة حادة " لا أستطيع أن أؤذيها.. ولكنها.." صمت قليلاً وبعجزٍ أكبر تحدث " ربما عادت لها الكوابيس.." هزت ريم رأسها نفياً " لا أظن ذلك.." " اذا ماذا تفسرين.." ثم صمت،.. " ماذا حصل أخبرني؟" زفر بحرارة لقد اعتاد على الكتمان داخله كل شيء، جلست أمامه على الأرضية ثم قالت له " لا أدري ما بها قمر ولكنك ضائع يا أخي.. أخبرني ربما.." قاطعها " لا أعلم ما يحصل من حولي.. أنتِ والعقبات التي تخرج في طريقك، ثم أمك التي تصر على زواجي ولا أدري لماذا،.. ( تنهدت ريم بحرارة بينما أكمل هو ) ونهايةَ الأمر ذلك الكمال.." أردفت هي قبل أن يكمل " ولكن قمر بالأكثر ما يشغل بالك، أو أقول قلبك؟" ابتسم من بين كل شيءٍ مرٍ يمر به ثم قال " إنها الأكثر نقاء من بين كل ما ذكرته؟" توسعت عيونها وبمرح مصطنع " اذا أنا من الشوائب؟" اتسعت ابتسامته " لستِ شائبة.." ثم تحولت معالمه إلى الجمود وعم الصمتُ القليل حتى نهض من مكانه، وسار باتجاه الباب حتى توقف والتفت إلى الريم التي غيرت وضعية الجلوس واتجهت نحو الأريكة " هنالك شيءٌ يعلق في ذهني؟" " ما الذي يعلق؟" نظر إليها وكأنه يخرج كلماته رغماً عنه، حتى قالت له " لا أدري ما الذي تفكر به يا مجد نحوها، ولا أعلم ماذا حصل في هذه الليلة ولكنها قمر تتصرف كما يقول له قلبها.. " ضيقَ عيناه بتعب واضح، فأردفت ريم " إن كنتَ تريدها فعلاً، فتصرف قبل أن يتصرف أحد قبلك؟" " تقصدين كمال؟" نهضت من مكانها وبلا مبالاة " كمال أو غيره، أو حتى قبل أن يخيب أملها وينتهي شغف انتظارها إياك؟" عقد حاجبيه بحيرة واستغراب، كل شيء واضحٌ أمامه ولكنه مشتت يريد أن يسمع أي شيء يؤكد له كل شيء! بينما جلست على فراشها وقالت بهدوء " حاولت أن أرى قمر من الزاوية العاطفية، ولكنها تضع الحب في صندوقٍ أسود مع عدم المساس، " ثم صمتت أمام تعابير وجهه التي تدل على التفكير، ثم قالت بتردد " لا أدري إن كان يحق لي أن أخبركَ ولكن أنا أرى نظراتها نحوك ولكنها لن تطول.." التفت اليها بحدة وراوده خطر الابتعادِ عنها، في حين صمته هذا تنهدت ريم أمام جموده وكيف يستطيع أن يبقى هكذا أمام احتمال خسارة من يحب ثم قالت ويغلب عليها الاجزام " أنا أقول لكَ ما يجول في خاطري من أفكار، إن كنتَ ستبقى ساكناً هكذا فعلى قلبكَ السلام.." " أنتِ تقصدين أن قمر.." قاطعته " لست أنا من تقصد أنت عليكَ ادراك ما يحدث.. قلت لك اتبع اشارات قلبك" هز رأسه نفياً " أنا لا أستطيع رؤية كل شيء بوضوحٍ شديد.." زفرت بحرارة ثم تحدثت اليه بنبرة حانية " ضعني أنا ومشكلاتي جانباً، ثم انسى أمي وطلبها المستمر.. وضع جمَ تركيزك بقمر وماذا تريد وكيف تكون معك، تذكر كلَ شيء بالتأكيد أنك سوف ترى شيئاً يدل على كلِ شيء.." " أنتِ تعلمين شيئاً ولكنك.." قاطعته " ليس باستطاعتي أن أترجم كلَ ما أراه من قلبِ قمر.. ولكنني إن كنتُ قد رأيت شيئاً يجب عليكَ أيضاً أن تكون قد رأيته" ثم حالت بينهما لحظة صمت يشوبها الحيرة والفكر المشتت، لا شيء يرسو على برٍ في عقل مجد وريم تنظر إلى عيونه التائهة، كانت تود أن تقول له أن قمر فعلا تحبك! ولكنها لن تتفوه بأي كلمة عوضاً عن صاحبِ الكلمة.. إنها مدركة لقمر جداً ولكن هل فعلاً مجد لا يرى ذلك! شد على مقبض الباب بقوة ثم أغلق عيونه وقارب صوته إلى الهمس " هل يجب عليَّ أن أعترف لها ولكن.." تحدثت اليه قبل أن يختفي من الغرفة " لا أعلم إن كانت هذه المرة الثانية التي أراك بها منهزماً وتخشى التقدم أكثر، ولكنك إن بقيتَ تقف على النقطة السوداء باعتقاداتك وترددك سوف تخسر كل شيء ينتمي إليكْ.." ****************** تزداد الشمس انحداراً في زاويتها حتى تصل إلى منتصفِ النهار، تقف عمودية تطلق ألسنتها على بقاعِ الأرض المختلفة، وعلى اسفلتِ المشفى الحار وقفت سيارة التكسي حتى خرجت منها سوزان باندفاعٍ وسرعة كبيرة. هرولت داخل أروقة المشفى والذعر بادٍ على ملامحها، حتى وصلت إلى الغرفة المنشودة، وقفت قليلاً تأخذ نفساً تلو النفس ولكنها ما زالت تلهث حتى هذه اللحظة، وبعد آخر نفس طرقت الباب مرة واحدة حتى دخلت بعدها والدموع تفيض من محجريها،.. همست بكل شوق الأيام التي مرت " ملاك.." استفاق من غفوته على صوتها، ثم التفت بتعبٍ واضح والرضوض تملأه، جبيرة على أكمل ساعده، والقطعة الخاصة بالرقبة كانت تحيط رقبته، شهقت بذعر ثم توجهت داخل الغرفة " حمدا لله على سلامتكم.. كيف حصل هذا؟" عقد ماجد جبينه بألم وقال بنبرةٍ مفعمة بالألم " أهلا سوزان.." ثم توجهت عيناها بقلق نحو ملاك الراقدة في السرير الأبيض " هل بخير؟" أومأ رأسه بلا قدرة على الحديث، توجهت بأطراف مرتجفة نحوها وجلست بجانبها على حافة السرير ثم مسحت على شعرها بحنان وبعد دقائق صمتٍ من تمعنها الكامل " يبدو أنها بخير، ولكن لماذا نائمة؟" خرج صوته كما الضباب تماماً " مسكن الم.." أومأت رأسها بهدوء شديد، ثم قالت له " من الأفضل لك أن تذهب لغرفتك وتستريح.." هز رأسه نفياً يقاوم كل الألم الذي حل به، كان يبدو مصمماً قآثرت سوزان الصمت وعادت بأنظارها نحو ملاك.. حتى بعد نصفِ ساعة تحدث ماجد بنبرة يشوبها الضباب مجدداً " لا أريد أن أخسرها هي مجدداً.." التفتت اليه سوزان باستغراب شديد، وكادت أن تتفوه بسؤال ولكنه أكمل بذات المرارة " لقد تركتُ الأولى أنا بإرادتي، لا أريد أن تنتقم مني الحياة بملاك.." نهضت من مكانها ووقفت أمامه باضطراب شديد " سيد ماجد هل أنتَ بخير؟" تجمعت الدموع في عينه وهز رأسه بلا حيلة " أي خير سوف يأتيني؟" تمالكت سوزان نفسها، انها تشعر بالخوف الممتزج بالغرابة، كان منذ قليل بكامل استيقاظه هل تراه يهلوس من فعلِ الألم؟ القت نظرة على ملاك ثم دنت بالقرب منه " سيد ماجد، لا تبث الخوف بي.." ما زال مغلقاً عينيه وبألم كان واضحاً لها " إن لم اجتمع بابنتي سوف أخسر ملاك.." بلل الدمع وجنتيه وهي في غرابة من كل ما يحدث، وكل الحيرةِ تجمعت في وجهها.. يبدو أنها أحجية! هزت رأسها حتى تعود إلى وعيها الكامل وشعور الخوف لا يهدأ بل يتشعب داخل انسجتها بطريقة سريعة.. سألته بصوتٍ عالٍ " ماذا بها ملاك؟" ولكنه ما زال يكرر " إن لم أجتمع بابنتي سوف أخسر ملاك.." مرة مرتين، ثلاث.. وعند الرابعة قال بطريقةٍ مغارية " إن لم أجتمع بقمر سوف أخسر ملاك.." عقد سوزان جبينها باستغراب وهمست بكل ما تملكها من حيرة " قمر.." سرعان ما توسعت عيناها بكل دهشة وكأنها علمت من قمر التي يقصدها!! نهضت من مكانها ثم ضربت جبينها بعد أن استفاقت من صدمتها ( كيف لم التفت الى هذه الملاحظة، فالكنية ذاتها؟؟) ثم التفت اليه بحدة ونظرت إلى ملاك بغصة كبيرة! حتى اندفعت اليه بسؤالٍ هز كيانها إجابته " ولكن ما بها ملاك؟" خرجت كلماته متقطعة " مريضة.. سرطان الدم..." ******************************* تجمع الدم في عروقه ثم القى الأوراق بلا اهتمام على جسد من يقابله وصرخ به بجم غضبه " كيف تدخلها إلى المنزل! بأي حق؟" ثم التفت إلى ياسمين وأشار بسبابته " أنتِ السبب في دخولها حياتي من جديد؟" تحدث لؤي كاظماً غيظه " كانت قلقة.." " لن تكون قلقة علينا، لم أبعدها عني لكي تأتوا أنتم وتدخلوها مرة وها هي المرة الثانية إلى منزلي؟" شدت ياسمين قبضتها بغيظ على صمت لؤي المعتاد وقالت بحدة " إن لها شقيقة بالنهاية ويجب عليه.." رفع مراد حاجبه باستحقار شديد ثم قال بسخرية مقاطعاً اياها " حقاً،.." ثم التفت الى لؤي وسأله " هل عندك فتاة أخرى وأنا لا علم لي.." واعتلى وجهه الجمود والتفت عن لؤي وعاد صوب نظره إلى ياسمين " هل أصبحت جيداء عبئاً عليكم؟" توسعت عينا ياسمين فيما أكمل مراد بكل فظاظة " لو كان بودي لو أخذتها تحت كنفي، ولكنني رميتها.." قاطعته ياسمين بقلة صبر وعدم احتمال " يكفي يكفي، لا تكمل كلامك ليس أحداً منا قمامة.. خاصة جيداء" صرخ لؤي مندفعاً لياسمين " اصمتي.." بينما كان وجه مراد متسمراً من ردة فعلها العنيفة وقال وهو يمد يده للؤي " اتركها تقول ما تشاء.. انها تعلم جيداً أنها لن تستطيع النجاة من كل شيء.. يكفي أنها صامتة حتى هذه اللحظة.." وأطال نظرته إليها وهي تشد على يدها بحنق، تعالت الغصة داخلها وانفجر كل شيء.. كان يحاول بنظرته أن يعطيها انذاراً، بل ابتسم بكل نصر وكأنه نجح بذلك! " لا جيداء ولا أنتِ، لا يستطيع أحد افناءي بين جدرانٍ مظلمة.." جلس خلف مكتبه وبكل مكر ارتسم على معالمه " تبدو الخطة واضحة تماما، لذلك أفكر أن أنقلك إلى الأرشيف.." تحدث لؤي بعد صمت " ولكن،.." قاطعه مراد وأشار بسبابته " كعادتك لا أريد منك التحدث، بل الاصغاء وتلقي الأوامر يا شريكي.." شدت ياسمين على قبضتها " لا أريد الأرشيف أو ما شابه، ولا أريد مستنقعك هذا" وغادرت وهي تنفث غضبها، في حين رفع مراد حاجبيه وبكل جدية وجه أمره نحو لؤي الذي يلوذ بصمت من قلة حيلته " اذهب اليها وقم بتهدئتها، انها كارثة علينا ان تحركت بغضب الآن.." " هل أنت خائف من أن تكشف أوراقك؟" أمال مراد شفتيه بلا اهتمام " لا تنسى أنها أصبحت أوراقك.." تقدم لؤي وبكل قوة " لا تنسى أن هنالك ورقة واحدة كفيلة بأن تهزمك.. هل نسيت أمر رائد؟" بلا اهتمام مضاعف تحدث مراد " سوف تختفي هذه الورقة في القريب العاجل.." ثم أخرجَ سيجارته ووضعها في فمه وأشعلها بكل متعة! تهالكت بكامل جسدها على باب دورة المياه الخاص بالشركة ومرارة الدموع تغسلَ وجهها، البكاء هو مخرجها الوحيد من كل ما حدث قبل قليل من مراد ولؤي ومن القدر الذي جعلها لعبة آلية يتحكم بها مراد ثم بالأكثر تبكي على شقيقها! شهقاتها تعالت مع مكوث الذكرياتِ على بلاطِ السيراميك أمام عيناها! " ياسمين افتحي الباب" تكورت أكثر على نفسها، عندما سمعت صوت لؤي ينادي بها من الخارج، انه السبب بكل شيءٍ يحدث! صمته وخنوعه لمراد دائما! ولكن لماذا هي صمتت إلى الآن؟ عاد صوته يرن في ضبابِ عيونها نهضت من مكانها وكلُ شيءٍ ينهار أمامها، الماضي والحاضر حتى المستقبل! وشهقتها الاخيرة قبل أن تنهض منحتها القليل من القوة، مسحت دمعها المختلط بمساحيق التجميل وتحدثت بصوتٍ عال " سأخرج.." ثم توجهت وغسلت وجهها،.. وعلى الباب، وقف بحزن أمام ذبولِ كل شيءٍ فيها ، بلع غصته ثم تقدم كي يمسكها.. ولكنها صدته بجفاء " لا داعي، سأذهب للبيت وأرتاح.." " ولكن.." جحدته ياسمين بقوة وبلا مبالاة أكملت طريقها في الممر " لا يقلق مراد، أو لا تقلقا أنتما الاثنان، لن أمسكما بضرر فأنتما عائلتي.." كان وراءها حينما التفتت اليه بذاتِ النبرة " اوصل له أنها فورة غضب وسآتي للاعتذار منه.." وقف بعد ما قالته ياسمين، ثم التفتت هي وغادرت الممر وطيفها الذي ذهب من أمامه يغرقه بالمرارة ! ******************* رشفت القليل من الماء، ثم وضعت الخبز المجفف في وعائها وعقدت أناملها باستغراب " ما بالها قمر لم تأتي للفطور ولا إلى الغداء.." تحدثت ريم من بين طعامها بكلام لم يبدو مفهوماً كلياً " لقد نامت في وقتٍ متأخر.." نظرت اليها الجدة بحيرة فيما تحدث رامي ببلاهة " لن يهرب الطعام منكِ.." ثم التفت الى الجدة " بمقدار ما فهمته أنها لم تستطع النوم لذا في الغالب أنها سهرت مطولاً.." أومأت ريم رأسها بينما تحدث الجد " ومجد مختفٍ؟" تحدثت ريم بسخرية " وامي وأبي.." جحدها الجد ثم قال رامي " مجد يجري اتصالاً ما مع أحدهم.." أومأ الجد رأسها ثم التفت نحو الجدة " ماذا قرارك بشأنِ قمر؟" رفعت ريم عيونها نحو رامي الذي فهم نظرتها المتسائلة فاشرا اليها بحركات جسده أنه لا يعلم، فيما التفتا سويا على الجدة بعد أن أجرت تفكيراً سريعاً مليئاً بالتردد " لم أحادثها حتى هذه اللحظة.." " إن كنتِ لا تريدينَ اليوم، لا بأس سوف تنتظرنا عائلة وسام؟" عادت ريم ونظرت إلى رامي الذي يجلس جانبها وهمست له بتوجس " هل تعتقد أن ما أفكر به صحيح؟" أمال رامي شفته وبذات الهمس " لا أعلم.." فيما التفتا الى الجد عندما نهض وقال بحزم " أرجو أن لا تطيلي الأمر لأكثر من أربعةِ أيام، دعيها تفكر بالأمر جيداً وإن كان لها نصيبٌ في وسام فإنه خير.. مع أني أراها صغيرة بعد على الزواج.." توسعت عينا ريم ثم نظرت إلى جدتها بحدة، والصمت حال بينهما إلى حينِ خروج الجد.. " هل ما قاله جدي صحيحاً؟" تنهدت الجدة " ليتني لم أخبره، ولكن.." تحدثت ريم بغير تصديق " ومجد ماذا عنه؟" " ريم اهدأي قليلاً.." قال رامي باندفاع، بينما زفرت الجدة ما بجعبتها بحرارة وقالت " لستُ أريد هذا الزواج ولكن ان لم اخبره أنا بالتأكيد سوف يتحدثون بالامر مع جدكِ؟" " متى حدث كل هذا، هل بحفل الخطوبة!" سألت ريم بتفكير " أجل،.." بينما تحدث رامي بلا مبالاة " كم هذا رائع يا ريم، قمر تتزوج قبلك.." لم تلقي ريم بالاً له ثم سألت جدتها باندفاعٍ أكبر " وهل سوف تسألين قمر؟" " أجل، ربما غداً.." عقدت ريم حاجبيها " لا تسأليها قبل أن تتحدثي إلى مجد.. " نهضت من مكانها باستعجال " ثم أن قمر سوف ترفضه.." رفع رامي حاجبيه، بينما تفوهت الجدة حتى تستدرجها بالكلام " وما أدراكِ؟" " لا أظن أن قمر سوف تقبل به وعيونها تتجه إلى شخصٍ آخر.." ثم غادرت الصالة أيضاً بعد جدها،.. تحرك رامي في كرسيه قليلاً ثم تحدث الى جدته " لا شكَ أنكِ تفعلين الصواب دائماً.." ابتسمت له الجدة بينما أردف " اعلم انه موضوع معقد ولكنه جيد من أجل مجد.." تنهدت الجدة بقلة حيلة " وهو صامتٌ ولكن عيونه تتحدث بالكثير.." ابتسم رامي لها " ليس هو وحده، بل قمر أيضاً ( حك جبينه ) أظن ذلك" " لا أدري يا رامي، فلتسر الأمور على ما يرام بينهما.." " لا يوجد شجار ولا أي شيءٍ مما سبق، حتى عندما سمعَ اعتراف كمال ذاك ( وهنا تجهم وجه رامي قليلاً) لم يحادثها بسوء.." ثم أشار بسبابته بابتسامة ماكرة " ولكن قصة هذا الخاطب سوف تسبب انذاراً له.." همست الجدة بحيرة وقلق " لا أدري كيف يمكنه سماع هذا ومني أيضاً." هز رامي كتفيه بلا مبالاة وتحدث في نفسه " لا تقلقي فقد وصلَ الموضوع له بدونِ جهدٍ منك".. ثم التفت ولاحظ وجده بالصالة، بعد أن كان سوف يدخل ويتناول الغداء معهم، ولكنه خرج قبل أن يلفت الأنظار لهُ عندما سمعَ على مرسومِ قتلِ حبه! طرقات مترددة على باب الشقة، ويد ترتجف بعد ان طرقته للمرة الثانية ثم التفت وقابل ظهرها الباب حتى فتحَ أخيراً.. عقدت جبينها بحيرةٍ واستغراب وكأنها تعلم من الآتي حتى همست بخفوت " ياسمين.." التفتت اليها ياسمين باضطرابٍ شديد ثم قالت بنبرة يملؤها العجز " هل يمكنني الدخول؟" تحدثت جيداء بذهول " ماذا الحدث معكِ؟" هزت ياسمين رأسها وقالت بنبرة متحجرشة " إن كان لا يوجد مكان لي عن ف.." قاطعتها جيداء وأمسكتها من ساعدها " ادخلي،.." تقدمت قدماها بتردد واضح، حتى جلست باصرار جيداء على الأريكة.. " سوف أجلب لكِ بعض الماء.." أومأت ياسمين رأسها بهدوء شديد، ثم نظرت الى رانيا شقيقة رائد وابتسمت لها بخفوت، وعادت وبعثرت نظرها في أي مكان.. " اشربي الماء واخبريني ما الذي حصل مجدداً.." أخذت الماء بصمتٍ مرير شربت دفعتين منه أمامَ ترقبِ جيداء لها، وبعد أن انتهت " أجل هيا قولي.." هزت رأسها بلا حيلة " انه مراد.." ارتخت جيداء بمرارة على الكنبة " ماذا مجدداً؟" " لا شيء الا توبيخ، اهانة استحقار.. حقا لقد سئمت يا جيداء؟" عقدت جيداء ساعديها بينما اردفت ياسمين بكل قهر " ولؤي صامت، لماذا؟ هل فقطِ لأنكِ معنا!" زفرت جيداء بحرارة، بينما التفتت اليها ياسمين ودموعها تسقط منها " لماذا أجبرتُ نفسي من أجل لؤي؟ طوال هذه السنوات كنت أعمل في قسم آخر وفي اخر سنتين عندما طلبتُ من مراد أن يقوم بترفيعي شهدت على أموراً كثيرة.." ثم وضعت وجهها بين كفيها واخرجت بكاءاً لمدة دقيقة ثم عادت واستقامت في جلستها " هل أنا مجبرة! قولي لي يا جيداء ماذا عساي أفعل؟" ملأتها الغصة فلم تتفوه بأي شيءٍ في حين تنهدت ياسمين وجلست بذات وضعية جيداء وبنبرة متعبة " لقد تعبت من كل شيء، أريد أن أرتاح بعيداً عن الاحتيال في الأرقام، بعيداً عن ذلك المستنقع.." " يمكنكِ المكوث هنا كما تشائين يا ياسمين" شهقت ياسمين عندما ظهرت والدة رائد من العدم ثم تتابعت دمعاتها بكل ضعف،. " أنا حقاً متأسفة لكل شيءٍ حصل لكما.." ابتسمت لها والدة رائد بحنان وقالت " لستِ السبب بكل شيء.. يمكنكِ القول أنه الطمع ،الجشع.." أمالت ياسمين رأسها بعجز فيما ربتت جيداء على كتفها وقالت " لا تفكري بأي شيءٍ الآن، يجب أن تستريحي.." سألت بتردد " ألن يمانع رائد وجودي فأنا بصفة ما أكون.." قاطعتها والدة رائد بعتاب " لن يمانع وجودكِ أحد، اذهبي واستريحي في الغرفة ولا عليكِ أن تفكري بأي شيء.." ابتسمت ياسمين من بين ضعفها ونهضت مع جيداء نحو الغرفة.. ************************** سحرت شعرها بعد أن استحمت بالماء الدافئ، ولكن ما زالت علامات الاحباط مرتسمة على وجهها جلست بشرود وعلى مسامعها شبحُ ريم التي تحادث رائد في هذا المساء " ولكن حقاً خذ وقتكَ الكافي في كلِ شيء.." صمتت قليلاً قبل أن تودعه " أنت تعلمَ كم أحبكَ يا رائد، أحبكَ كما أنت وكفى.." ثم أغلقت الهاتف ووضعته على السرير مع تنهيدة عميقة سألتها قمر " كيف حاله؟" نظرت اليها ريم بحيرة " حقيقة أشعر أنه يتأسفُ لي حتى وإن كانَ لم يقلها مباشرة.." " ربما شعر أنه خيبَ آمالكِ.." ابتسمت ريم " ولكنني ومع كل شيءٍ أحبه حتى وبأسوء حالاته.." " أليسَ الحب شيئاً كهذا؟" تساءلت قمر امالت ريم شفتيها ثم استقامت باندفاع نحو قمر سرعانَ ما غيرت ما كانت تود أن تقول " حتى وإن بقي كما هو حاله " " لماذا تطلبين منه أن يأخذ حقه!" " من أجله يا قمر، والدته مريضة وله شقيقة ثم إنكَ تعلمين.." قاطعتها قمر بسؤال آخر " أعلم حسن نيتك ولكن هو ألن يعتقد أنكِ تريدين منه حتى تتساوى مادياً.." تحدثت ريم بسرعة " في الحب لا يوجد شك بمقدارٍ صغير يا قمر، لو كان عنده مقدار ذرة من الشك لما قبل أن يتجه نحو حقه.. ولما ظل معيَ" صمتت قليلاً ثم تحدثت " لا أنكر أني أفكر في المستقبل بشكلٍ يثيرُ القلق ولكن أفكر بشكلٍ آخر يكفي أن أكون معه.." ابتسمت قمر بينما أكملت ريم " ولكن ما عليكِ فعله يا قمر.." عقدت قمر حاجبيها بانزعاج، " ما عليكِ فعله هو أن تسمعي قلبك فقط، وخذي عقلك معك بين الحين والآخر" ازدردت قمر لعابها وظهرت عليها الحيرة فيما أكملت ريم " إن كان قلبكِ يقول لكِ ابقِ بجوارِ من تحبين فابقِ.." أمالت قمر شفتيها وقالت بعجز " حتى وإن كانَ لا يحبني؟" ابتسمت ريم لبراءتها وأكملت " ابقِ حتى تعلمينَ حقاً إن كان يحبك أم لا.. ثم بعد أن تحصلي على الإجابة فهناك العقل وهناك القلب اختاري بينهما" ارتعدت قمر قليلاً وابعدت وجهها عن ريم بتوتر فيما كتمت ريم ابتسامتها كأنها بلغت مرادها ونهضت من مكانها " الحديث عن القلوب جعلني أشعر بالجوع.." ثم وضعت يدها على معدتها وأخرجت أصواتاً من فمها تشابه أصواتَ الخاصة بالجوع " انظري صوت الجوع.." خرجت ضحكة خفيفة من قمر، بينما اتجهت ريم نحو الباب " أنا سوف اذهب الى المطبخ حتى آكل شيئاً ما وأنتِ اذهبي إلى جدتي أظن أنها في الحديقة.." أومأت قمر رأسها " حسنا وأعدي لي بعض الساندويشات.." شهقت ريم " ليس مفرد ولكنه جمع! هل تبدلت معدتي وحلت مكان معدتكِ.." ثم وضعت سبابتها بتفكير علة وجنتها " فأنا أريد واحدة وأنتِ الكثير.." ضحكت قمر عليها وقالت " من فرطِ الحب أصبتِ بهلوسة.." رفعت ريم رأسها بغرور " لا أحد يشبه هلوستي.." ضحكت قمر أكثر " هذا ليس إطراءاً انما اهانة بعض الشيء.." بذات الغرور قالت ريم بشقاوتها المعتادة قبل أن تختفي " لا يهم، الأهم أن لا يتعدى عليَّ أحد ما سواء كان شيئاً جيداً أم لا.." ***************************** بعد ساعات من انقضاء الليل الموحش .. تعود شمس حكاتنا للشروق من خلف التلال والجبال الشاهقة التي تلامس سطوحها عنان السماء لترسل اشعتها الذهبية و التي تخترق كافة الطرقات .. الوديان ،، السهول .. والهضاب.. المحيطات والبحار.... معلنة عن قدوم نهار يوم جديد مليء بالحب والنشاط .. العمل والكد.. الألم والحزن.. الأمل والتفاؤل .. الجد والمثابرة .. كان نهاراً مشرقاً جميلاً كالعادة تضج فيه اصوات المدينة الصاخبة بسياراتها وسكانها لتمتزج اصواتهم مع زقزقة العصافير و صوت الرياح الخفيفة التي تلفح اوراق الشجر الخضراء اليانعة ليصبح ذلك المزيج صوتاً موسيقياً رائعا... كمعزوفة البيانو التي تطرب لها الأنفس ويهدأ لها الوجدان.. حركت رقبتها بكل تعب، وكل شيءٍ يبدو في جسدها غيرَ صالحٍ للجلوس، تأوهت بخفة ونهضت بعد أن أبعدت سترتها الوردية عن جسدها وجلست بكل خمول وكسل،.. نظرت بعدها إلى ساعة هاتفها فوجدتها الحادية عشر قبل الظهيرة، تثائبت بنعاس شديد.. ومدت أناملها حتى تمسد ما يمكنها الوصول إليه من كتفها... ثم بعدَ دقيقة، نهضت من مكانها نحو دورة المياة ولكن صوت ملاك أيقظها من النعاس " سوززاااان" التفت بحماس وتوجهت اليها مندفعة بشوق " ملاكي الجميل.." ثم احتضنتها بكل محبة، وأخذت تمسح على شعرها بكل حنان حتى أمسكت وجها بين يديها " كيف أنتِ أيها الصغيرة؟" عبست ملاك " أولاً لستُ صغيرة، فسوف أصبح في العاشرةِ بع شهر ونص أو شهرين.." ثم انحنت شفتاها نحو الأسفل " لقد نسيتُ مجدداً.." احتضنتها سوزان بقوة " لقدُ اشتقتُ لك جداً جداً.." " وأنا أكثر.." بعدها بقليل ابتعدت سوزان عنها فتساءلت ملاك " أين والدي؟" ابتسمت بوجهها وأجابتها باطمئنان " ذهب حتى يرتاح، ثم أنكم عدتم من السفر وتحتاجون بعض الراحة." " ولماذا بالمشفى ؟" أمالت سوزان رأسها بتفكير فيما أردفت ملاك بحيرة " لا أعلم ربما كنتُ أحلم أن والدي مصاب بجروح، ولكننا في المشفى اذا لستُ أحلم" دخل ماجد مباشرة بعدما تفوهت به ملاكه الصغيرة وقال لها " لا داعي للخوف، مجرد أمر بسيط وينتهي؟" تقوس فم ملاك وظهر عليها بدايات البكاء " ولكن ماذا حصل؟" قال وكأنه يمثل " لقد تعرضت ملاكي الصغيرة لهجومٍ من الوحوش النادرة وأنا كنت بطلها.." ابتسمت سوزان بينما قالت ملاك بنبرة ما بينَ الركود والحماس " كما العادة" " أجل، ودافعت عنها وقتلتهم جميعا جميعا.." صفقت ملاك بحماس ثم بحزن " هل فعلو لكَ كل هذا؟" ضحكت سوزان وقالت " أنتِ حقا صغيرة.." التفتت اليها ملاك وعقدت ساعديها بحنق " لستُ صغيرة.." نهضت سوزان وهي تغيظها " صغيرة، وجميلة وملاك.." " انا فعلاً اسمي ملاك.." ضحكَ ماجد لها وقام بوضعها تحت ساعده الغير مصاب " أنتِ ملاكي الجميل.." " وأنت والدي الجميل.." " يا جميلة والدها، هيا ارتاحي قليلاً قبل أن نذهب إلى المنزل.." انصاعت ملاك له ثم اشار الى سوزان حتى تتبعه خارجاً،.. سارت وراءه بعد أن أرسلت قبلة بالهواء الى ملاك.. وعلى مقاعدِ الانتظار الخارجية، جلسا سوياً.. " تفضل سيد ماجد.." تحدث ماجد بحيرة " لا أدري ما عليَّ قوله الآن.. ولكن.." بابتسامة مطمئنة من سوزان أكمل ماجد وكأن كل قوته التي بالداخل انهارت أمامهم " دليني على الطريق سوزان؟" تماسكت سوزان أمامه وقالت " الطريق أمامك واضح، ولكن عليكَ أن تسير به.." " أخشى أن يرفضوا عائلتي استقبالي بعد أن تركتهم؟" هزت جيداء رأسها نفياً " صدقني لو أنه الآن تخرج عائلتي أمامي لن أقول ما الذي جاء بهم بعد هذا الوقت.." صمتت قليلاً ثم أكملت بحزن " لو أنهم يأتون لن أقول كم أصبح عمري.. ولكن عندما يأتوني لسبب ما فأنا لا أعلم ماذا سوف أفعل" " موقفي مختلف عنكِ.. فقد طردوني سابقاً.." طيف ابتسامة هزيلة على وجه سوزان " لا أتحدث عنك، بل أتحدثُ عنها.." عقد ماجد حاجبيه فأردفت سوزان " أتحدث عن ابنتك الأخرى.. قمر.." ظهرت امارات الاستغراب على وجهه فقالت سوزان مبررة " لقد سمعتكَ تتحدث البارحة ولفظت اسمها بحديث شبهِ منقطعٍ عن بعضه.. وعلمتُ أنك أباها.." عقدت ساعديها وابعدت وجهها عنه عندما لمحت دمعاً خانه قد تجمع في عيناه " ولغتها الفرنسية، الكنية ذاتها وكل شيءٍ كنتُ أسمعه من الفتياتِ سابقاً أثبت لي ذلك.." " كيف؟.." سمعته يتساءل بعجز كبير.. تمالكت سوزان نفسها وقالت له بعتاب ممزوج بقهر " لا أريد أن أكون ذات حكم مسبق بشأنك ولكن لماذا؟" وبنبرة أقوى بقليل " لماذا تتركوننا كما قمامة! قل لي .. أنا وقمر والبقية لماذا؟؟" خرجت شهقتها أمامه وبانهيار " قل لي، ما الأسباب حتى ترعانا الدولة! هل تحبنا الدولة أكثر من أمهاتنا وآبائنا؟" هز رأسه نفياً " أنتِ وقمر، وأي أحد ليست من عدم المحبة.. ليست يا سوزان.." نهضت من مكانها تداري الدمع وتكفه عن وجهها " أنا هنا من بعد ما علمته من أجل ملاك فقط.. أنا هنا حتى تمتثل للشفاء التام من المرض" ثم قالت له بقسوة " لا أدري إن كانت قمر سوف تستقبلك أنت، ولكنها بالتأكيد سوف تستقبلُ ملاك وتفعل ما تستطيع لأجلها.." همس بضعف بعد أن دخلت سوزان الغرفة التي ترقد فيها ملاك " ليس من عدم محبتي تركتها، تركتها من أجلِ كاريس.. ثم ذهبتُ لاستعادتها من منزل صديقي قالوا لي أنها هربت.." ****************************************** كانت تسير داخل ممر هذه البناية بخطى واثقة مرتدية بنطالاً من الجينز الأزرق بحمالات مع قميص أحمر داكن اللون لترفع خصلات شعرها القصيرة عن وجهها، ثم ولبضع ثوانٍ ظلت تنتظر الى ان فتح الباب ليطل من خلفه وجهه البشوش وترحيبه الحار بهاا.. "اهلا بريم .. واناا اقول لماذا اليوم مشرق.." قالت بغرور مصطنع وهي تدلف "بالتأكيد لأن ريم أنارت كل المنطقة.." ابتسم لها وهو يحثها على المسير وقال بسخرية " تفضلي بالجلوس ياا شمعة تضيء بيتنا.. " لوت شفتيها بضيق ثم قالت بحزن مصطنع "اذا كان هذا جزائي لأنني اشتقت اليك واتيت ..." قاطعها وهو يقول " بعد ان اصبحتِ حبيبتي تتدلين علي.. " تلون وجهها بلون الأزهار الحمراء من شدة الخجل وهي تراه يبتسم لها بحناان .. وشعرت بحرارة تسري في جسدها وكأن أحدهم اشعل مدفأة بقربها وارتباكها الذي لاحظه ليبتعد عنها .. فقالت هي لتذهب هذا الجو الشاعري وتخفف من ضربات قلبها التي تزيد بجانبه "ما أحوالكم.. وكيف هي والدتك؟ !" اجابها بابتسامة "بخير.. " نظرت اليه لوهلة ثم تساءلت بهمس "وياسمن ؟!" نظر إليها بعدم تصديق " ثم كيف تشتاقين ونحن دائماً على تواصل.." تحدثت بعناد " ولكنني فعلاً أشتاق إليك." أومأ رأسها بسخرية "دعيني اقوم بواجب الضيافة اولاً ثم تستكملين عملك كمحققة" قالها وهو يغمز لها متوجها الى حيث المطبخ.. اما هي فأخذت عيونها تنظر للفراغ بركود كبير، برغم كل الطاقة الايجابية التي بينهما إلا أنها تشعر ببعض القلق،.. ولكنها رسمت على وجهها ابتسامة عندما ظهر أمامها رائد يحمل كوبين من عصير البرتقال الطازج.. "تفضلي ياا أميرتي.." أخذت الكوب من يده لترتشف رشفة صغيرة بارتباك.. "اذا تستطيعين الآن استكمال التحقيق ايتها الشرطية.." قالت باستفهام "ألا تلاحظ أنك تسخر مني؟!" قال بسخرية "ألا تلاحظين أنني اطلق عليكِ القاباً تناسبك تماما.." قالت وهي تفكر "لا أنكر ان لقب الكسولة مناسب.. ولكن ..(وهنا هزت رأسها نفيا) لقب الشرطية لا .." امسك بأرنبة أنفها وقال مازحاً "ومن يحشر انفه بكل شاردة و واردة ؟!" قالت ببراءة "ليس انا .." قال بعد ان ارتشف من كوبه " لا تليق بك البراءة " "ونعم الحبيب.. المفروض ان يبادلني بكلام جميل مثله ..ولكن .. لا يتنازل سيادته بأن يجاملني !!" قال وهو يغمض عينا ويفتح الأخرى "هل تلمحين الى شيء ما يا جميلة؟!" " ابداً.. أتحدث مع نفسي.. " ريم بابتسامة شفافة قال بمزاح "هكذا تثبتين انكِ فعلاً مجنونة.." نظرت اليه بعيون غاضبة وقبل أن تنطق بأي حرف سمعا صوت رنين هاتف ريم... ولوت فمها بضيق وهي تنظر الى شاشته ولكنها اجابت "اهلا أمي.. صباح الخير.." جاءها صوت والدتها غاضباً "أين أنتِ منذ الصباح.. ألا تعلمين ان هناك موعداً في صالون التجميل ثم سوف نقابل والدة كمال" اجابتها بيأس " أعلم.. " "اذن ستخرجين من منزل ذلك الصبي وتأتي بالحال.. هيا نحن بانتظارك.." ريم بحزن "حسنا.." تساءل بقلق عندما رأى لمعة الحزن التي تغلف عيونها "ماذا هناك ياا عزيزتي؟!" "لا شيء.. سوى انهم ينتظروني.." شعر بالضيق قليلاً ثم قالت بنبرة حزن "أردت ان يمضي معك يوماً بلا أحد.. فقط نحن.." همس في اذنها بحب "أميرتي الصغيرة..." رفعت رأسها إليه لتلتقي عيونهما العاشقة وتبدآن بحديث صامت وليتبادلاه بطريقة مختلفة تعبر عن مدى الحب والعشق الكبير الذي يحمله كل شخص للآخر.. أمالت شفتيها " ولكن كنتُ أريد أن نتحدث مطولاً.. حتى نبدأ بحل كل الأمور سوياً.." "سوف نمضي يوماً اخر سوياً أعدك بذلك.. الأيام القادمة كثيرة.." ثم بابتسامة " ما رأيك غداً؟" هزت رأسها موافقة لتجتذب حقيبتها البنية من على الكنبة وتبتسم له "بلغ سلامي للخالة ميسون وقبلها بالنيابة عني.." واكملت مازحة " وعليك حفظ كل تفصيلة من تفاصيل تلك ياسمين وتخبرني اياها.." تنهد بقلة حيلة فيما ضحكت هي وأردفت " انتظرني في المرة القادمة بسيل من الأسئلة ايها المجرم " قال بحب "مجرم لأني اعشق فتاة حمقاء مثلك.." ازدادت ضربات قلبها وبسرعة اقتربت منه وقبلته من خده الأيمن لتنسل بخفة خارج المنزل تاركة ذلك الفقير الذي يذوب بنار حبها و يتحسس خده بابتسامة تهلل وتزين وجهه الرجولي..! ولكن فارقته الابتسامة عندما تحدثت ياسمين من خلفه " أتحبها كثيراً؟" التفت اليها بهدوء شديد " صباح الخير،.." ابتسمت له ثم تقدمت وقالت باعتذار " لقد جلبت لك مشاكلاً بقدومي إلى هنا.." هز رأسه نفياً " لا أبداً، مرحب بكِ دائماً.. لا تعتبرين ضيفة يا ياسمين" ابتسمت له بامتنان كبير، فبادلها الابتسامة قلقاً،.. حتى سألت بتردد " تبدو وكأنكَ محاطٌ بضباب.." صمتت قليلاً حتى تتوقع ردة فعله عما سوف تقوله، ولكنها أخذت نفساً قوياً وقالت بنبرة حاولت قدر الإمكان أن تكون بلا تردد " إن كنتَ تريد يمكنني مساعدتك!" ومع انقضاء النهار، بما يخفيه من أحداث! كانت ريم قد تجولت مع والدتها بعد أن انتهوا من مركز التجميل برفقة والدة كمال، وكانت بين الحين والآخر تحادث قمر ورائد وتطل برسائلها السخيفة على رامي،.. إلى أن استقرت الشمس عند المغيب،..! صعدت أول درجات السلم بتعبٍ، وتهالك شديد وبيدها عدد من المشتريات لها ولقمر، ولكنها في ظروف ثوانٍ قليلة وضعت الأكياس جانباً ثم توجهت نحو المطبخ وأخذت لها كوباً من الماء وشربته على دفعة واحدة،.. ثم عادت وانتشلت أكياسها وكأنها تحمل كيساً ثقيلاً من الطحين،.. وعلى آخر عتبة من عتبات السلم، أخذت نفساً عميقاً ثم استدارت حيث الغرف الخاصة لها ولقمر،.. ولكنها عقدت حاجبيها على توتر الجدة عندما أغلقت باب غرفة قمر، وتوجهت حيث يقف مجد على مقربة منه، فهرولت ريم إليهم بقلق،.. فيما كان الترقب وقلة الصبر من مجد ظاهرة في عروقها البارزة،.. وقفت بعدم فهم عندما تحدثت الجدة بتوتر ظاهر في أناملها المتشابكة " تقول أنها قد سمعت الحديث لذلك لا داعي للتفكير.. و" صمتت الجدة قليلاً وبكل أسف "لقد رفضت قمر.." اتسعت ابتسامة ريم " المدعو وسام.." هزت الجدة رأسها نفياً ثم نظرت إلى مجد، فيما تساءلت ريم باستغراب " اذا ما الذي رفضته؟" وفي داخل الغرفة، قبل وصول ريم عند جدتها ومجد بدقائقَ قليلة.. أخرجت قمر نفساً قوياً، مليئاً بالراحة، فمنذ قليل دخلت عليها جدتها وأعربت لها عن ذلك الموضوع الذي شل تفكيرها مطولاً، ولكنها اتخذت من قلبها لساناً فجاوبتها بالرفض التام للزواج في الوقت الحالي وأنها لا تريد التفكير بالأمر أبداً،.. نهضت من مكانها وكأن الحمل الذي كان في صدرها صار حمامة وطار بعيداً،.. وارتسمت على وجهها ابتسامة مليئة بالحياة ونظرت إلى السماء عبر عتبة باب الشرفة. ثم عقدت حاجبيها بضيق وتذكرت أن ريم لم تظهر حتى هذه اللحظة، التفتت حتى ترفع شعرها ذيل حصان بشكل عشوائي،.. ثم اتجهت حيث الباب فتحت مقبضه ثم تراجعت الى الوراء وكتمت شهقتها بعد أن سمعت جدتها تقول: " قمر... لقد رفضت الزواج من مجد.." انتهى الفصل،.. | ||||||
08-08-20, 10:22 PM | #26 | ||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام
| // " إنه أمر غريب أليسَ كذلك؟ كيف يحترق قلبك..ويحترق..ويتحول فجأة إلى جليد." (20) أحبكِ جداً وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويل واعرف أنكِ ست النساء وليس لدي بديل ( نزار قباني ) ********************* لا شيء سوا الصمت المطبق على وجه ريم، نظرت وفمها فاغر ودهشة ممزوجة بالمرارة، ازدردت لعابها لعلها تبتلع صدمتها وتستطيع فهم مجريات الاحداث! تحدثت ببطء شديد وهي تجلس بجانب جدتها على الاريكة في ذاتِ الطابق " ولكن كيف تحول الأمر من وسام إلى مجد؟" " هو من طلب ذلك عندما علم بأمرِ الخطوبة.." أومأت ريم رأسها بينما أردفت الجدة " لم يطاوعه قلبه على تركها.. ربما تسرع في ذلك ولكن.." قالت ريم " يحبها بشدة يا جدتي.." ثم زفرت بحرارة " لم أتوقع في يومِ ما أن كل ما كان يفعله لها سوا دفاعاتٍ وردود فعل عكسية.." " ولكنها رفضته في النهاية.." أومأت ريم بصمت، في حين تحدثت الجدة بحيرة " ولكن حقا لا أدري إن كانت ترفضه هو ام وسام بالتحديد؟" عقدت ريم حاجبيها بضيق وبعدم استيعاب تساءلت " ماذا تقصدين يا جدتي؟" تنهدت الجدة بعمق وقالت " لا بأس، تأتي الأيام ويذوب الجليد.." نهضت ريم من مكانها وقالت بتصميم " وأنا لن أنتظر أن يذوب الثلج يا جدتي.." " ولكن يا ريم.." قاطعتها ريم " انظري قد غادر مجد المنزل ولا نعلم ماذا سيفعل بجنونه، إن كان هنالك شكٌ ما كما قلتِ أنتِ فأنا سوف أفهم كل شيء من قمر.." وعندما لمحت القلق على وجه الجدة قرفصت أمامها وأمسكت يدها برفق " لا تقلقي سوف أتحدث معها بهدوء شديد وأعلم إن كانت قد رفضت مجد أو غيره،..." ثم ابتسمت لها بشحوب " لأننا تحدثنا وقد أخبرتني أنها سوف ترفض وسام.." أومأت الجدة لها رأسها " وأنا سوف أحاول الوصول إلى مجد.." نهضت من أمام جدتها وشحوب شديد امتلأها، شدت على قبضتها بقوة كبيرة، ثم أخذت نفساً عميقاً قبل أن تمسكَ مقبض باب الغرفة، وكأن هذا المنزل محط لعنة على الجميع! لعنة الحب هنا في كل زاوية وكل شخص فينا لا يصل قلبه إلى مراده! وبدون أن تطرق الباب دخلت حتى كادت أن تفرغ فاها مرة أخرى من الصدمة، وجدتها تتكور على نفسها على بجانب سريرها وثيابها مبللة، ويبدو عليها الانهيار.. تقدمت بتوجس شديد " قمر.." ثم هرولت اليها واحتضتها بقوة " ماذا بكِ؟" تكورت قمر أكثر في أحضان ريم وبشهقات متتالية " لماذا لم تقولي لي؟" عجزت ريم عن فهم ما تقول ولكن حالتها هذه قد دبت الرعب فيها فكادت أن تنهض مستدعية أي أحد ولكن أنامل قمر انقضت عليها بقوة وبشكل مخيف وأقرب للبهوت مع نبرة بكاء " لماذا لم تخبريني؟" تنفست ريم بقوة وحاولت قدر استطاعتها تمالك نفسها وعدم الانهيار هي الأخرى، وبدون اهتمام لانتقال الماء على جسدها أخذت تمسحُ على ظهرها وشعرها " لم أكن أعلم.. لم أكن أعلم.." خرجت شهقة أخرى من قمر وأخذت تبكي بحرقة كبيرة وتتحدث من بين شهقاتها " لماذا لم أدع جدتي تكمل كلامها.." وريم صامتة تستمتع لصرخات مكتومة على هيئة شهقات من صدر قمر المتعب " لم أكن أدري أنه مجد.. لو علمت ربما أو بالتأكيد لن أرفض" ثم صمتت. بنبرة حانية من ريم وهي تمسح على شعرها " كنتُ أعلم.." ثم أبعدتها عن جسدها عندما لاحظت أن قمر لم يصدر منها أي شيء،.. أمالت رأسها ثم مسحت وجهها برفق " ما رأيكُ أن تبدلي ملابسكِ ونتحدث مطولاً في الأمر!" بلعت قمر غصتها ثم أومأت رأسها بلا حيلة وبنبرة مختنقة " ولكن نامي معي الليلة.." " حسنا.." *************************** خرجت ياسمين مندفعة من ذلك القسم الصغير بغضبٍ شديد، ثم توجهت نحو المصعد وضغطت على رقم الطابق الذي كانت دائماً فيه.. لقد جاء الليل وما زالت في الشركة، وعلى الاغلب أن مراد ولؤي ما زالا في المكتب للعمل المتأخر.. كادت أن تتخطى مكتب السكرتيرة الجديدة لولا صوتها الذي ارتفع باعتراض " لا تستطيعي الدخول اليه.." رفعت ياسمين حاجبها وقالت بازدراء " حقاً أيتها الجديدة؟" صعقت السكرتيرة من أسلوبها وقالت بنبرة أقرب للقهر " إن سمحتِ لا.." قاطعتها ياسمين بقوة " لم تأتي فتاة مثلك من بعدي حتى تمنعني.. و انتهت ساعات الدوام خاصتكِ منذ زمن" ثم سارت في طريقها تحاول المناص من أيدي تلك الفتاة الجديدة والتي يبدو عليها أنها فعلاً مبتدئة،.. سحبت ذراعها ياسمين بالقرب من الباب ودخلت دون أن تطرقه،.. فيما نظر اليها لؤي باندهاش ولكن مراد كان يعتليه البرود،.. كادت تلك الجديدة أن تعتذر لولا ياسمين التي دفعتها خارجاً وأغلقت الباب بقوة كبيرة،.. وتقدمت على اثر نظرات التعجب من لؤي فيما تحدث مراد " ربما كان يجب على عائلتك تسميتك باللبؤة وليس بياسمين.." جلست مقابل لؤي الذي يحذرها بعيونه وقالت بقوة وعيونها تتجه بعيدا عنه ونحو مراد " العمل معك علمني كيف أكون لبؤة في مواقف وكيف أكون ياسمين في مواقفٍ أخرى.." ثم قضمت قطعة البسكويت المشبع بالملح أمامهم بلا مبالاة واضحة،.. أخذ مراد سيجارته واشار بيده وهو يتحدث إلى لؤي " انها شقيقتك فعلاً.." " جئتُ للاعتذار..." ثم وضعت قدماً فوقَ قدم.. خرجت ضحكة تهكم خفيفة من مراد " ولكن هذا لا يرجعك إلى مكانكِ الأصلي.." هزت رأسها نفياً، " الاعتذار لك وليس للعودة.." نفث دخان سيجارته بتعجب " حسنا، وإن لم أقبل اعتذارك.." نظر اليه لؤي بعدها بحدة كبيرة فيما أهمله مراد ونظر الى ياسمين التي بدت كقطة شرسة أمامه،.. ولكن هنالك نظرة غريبة بها وكأنها تريد قول شيء ما... رفع حاجبيه بتحدٍ " اذا اخبريني كيفَ كان النوم مع جيداء والبقية!" ابتلعت أخر قطعة من البسكويت وقالت بلا مبالاة " لا بأس بها، ولكن كيف علمتْ!" ازدرد لؤي لعابه ففهمت ياسمين أن لؤي من أوصل له المعلومة، فقالت " لا بأس يا لؤي فقد اعتدت ذلك.." ثم ابعدت نظرها عنه بلا اهتمام " ولكن هل تعلم ما المفيدُ في نومي!" ابتسم مراد " وما المجدي ! " نظرت الى لؤي ثم الى مراد وقالت بطريقةِ انتصار غريبة " ربما نومي هناك سوف ينقذكم جميعاً.." ثم قالت مع امالة شفتيها " أو ينقذنا.." " ماذا هنالكِ" تساءل لؤي " تلكَ التي تدعى ريم!" قالت وكأنها تحاول تذكر اسمها " التي نراقبها،.." أومأت ياسمين رأسها " صديقة أو كما رأيت حبيبة رائد؟" سألها مراد بقلة صبر " اخبرينا دفعة واحدة ماذا هنالك؟" " تحاول اقناع رائد بفتحِ قضية ضدك؟" توسعت عينا لؤي بدهشة فيما تحدث مراد " ليست فكرة بعيدة عنها، اذا ماذا بعد.." " ولكن بعدَ أن علم رائد بمرض ابنتك فقد عزف عن ذلك.." ثم تحدثت وهي تنطق كلمتها الأخيرة وتشد عليها" مبدأياً.." اتكأ مراد بكامل جسده على كرسيه الجلدي وقال بهدوء " كل شيءٍ تحتَ السيطرة.." ظهر على وجهها بعضاً من الراحة " اذا هذا جيد.." ضيق مراد عيناه فيما أكملت هي " لا أدري حقا لم توجهت إلى جيداء، نسيت انهم يقطنون في ذلكَ المنزل.." قاطعها لؤي " ولكن من الجيد أنكِ توجهتِ.." بعد تفكير تحدث مراد " ولكنها لن تكون المرة الأولى.." ثم نظر إلى ياسمين بنظرة ذات مغزى، بينما كان لؤي سوف يعترض ابتسمت ياسمين وقالت بخوف " أنا فعلاً خشيتُ أن يصيبكم شيء.. اعذرني على تصرفي السابق.." هز رأسه وبابتسامة " لا عليكِ ياسمين، يمكنكِ العودة إلى.." قاطعته ياسمين بأن نهضت من مكانها " ربما يلزمني بعض الراحة من هذه الأعمال فالفترة الأخيرة كانت مشحونة.. إن كان مناسباً لك.." " ولكن لا يوجد أحد غيركِ يفهم بأموري.." ثم صمت للحظة قصيرة وقال " حسنا، اسبوعانِ على الأكثر.. ولكن سوف تبقين في قسمكِ الجديد حتى حينما أحتاجك أجدكِ قريبة" أومأت رأسها ثم اعتذرت مغادرة المكتب،.. وبعد أن خرجت مفعمة بابتسامة مشرقة توجهت نحو السكرتيرة الجديدة، التي استقبلتها بجفاء. شبكت ياسمين أصابعها ببضعها وقالت " أنا حقا أعتذر على تصرفي.. ولكن تعلمين أني كنت هنا سابقا.. وقد غضبتُ عندما نقلت إلى قسم آخر بسبب خطأ صغير.." ابتسمت لها السكرتيرة جديدة وكأن شيئاً لم يكن وقالت " لا عليكِ فقد مررت بهذا الموقف في عملي السابق.." " حقاً شعرت بالراحة، بالمناسبة ما اسمكِ؟" " اسمي صفاء،.." ابتسمت ياسمين لها " سررت بمعرفتك.. إن كنتِ تحتاجين بعض المساعدة فأنا بقسمِ الأرشيف.. يمكنكِ التواصل معي.." ثم بعد ذلك التفتت عنها بتجهم حتى جاءها صوت لؤي من خلفها صاخباً ينادي باسمها فزفرت بحرارة وقالت " ماذا هنالك يا أخي؟" شد على أسنانه " ماذا تظنينَ نفسكِ تفعلين!" " لا شيء.. أفعل ما يلزم.." تحدثت ياسمين بلا مبالاة مما أغاظه " ولكن.." قاطعته بغضب " كما كنتَ كل مرة بها صامت التزم الصمت الآن، فقد وقعنا في الحفرة منذ زمن.. وأنا أفعل ما يحتم عليه فعله.." ثم اقتربت منه وبهمسٍ أكبر " أنا أعلم السبب وفي وقوعك تحت مصيدة مراد كما الفأر.." توسعت عيناه بقوة فيما أكملت هي بنبرتها القوية وبذات الهمس " أنت وهو قد خبأتم سبب وفاة زوجتك في ذلكَ الحادث المؤسف ثم تخلصَ من جيداء ووضعها في أمانته أو أقول ألقاها كما القمامة في حضانتك، مقابل صمته.." " ياسمين اغربي من وجهي..." قالها بعد أن نفضها بيده بقوة والتفت بعيداً عنها،.. نظرت اليه بحزن " أنتَ السبب في كل هذا..." ********************************* نظرات متعاقبة من ريم والجدة عليه، يبدو أنه يجلس مرغماً عنه على طاولةِ العشاء تقيداً بجده فقط.. وإلا كان هو يكتم قهره وجميع مشاعره المنهارة.. ضابطاً وجهه بطريقة غريبة،.. نفث أخيراً نفساً قوياً استطاعت ريم أن تفهم مجرى التنفس الحار الذي يمر في صدر مجد، عضت على شفتاها بحزن وقهر كبير، فكل ما يحدث الآن بسبب سوء فهم من قمر! كادت أن تميل نحوه حتى تتحدث لولا مقاطعتها من قبل والدتها عندما تحدثت بأسلوبها المعتاد " أيرضيكَ هذا يا والدي؟" نظر اليها الجميع بحيرة كبيرة باستثناء مجد، فكان الجد هو الوحيد الذي تساءل " ماذا بكِ يا ابنتي؟" أمالت كل ملامح وجهها نحو الحزن المصطنع " أن مجد ووالدتي تفعل الأمور من خلفنا.." بينما عقد الجد حاجبيه مستغرباً وقد بانت خيوطِ الزمن على جبهته، رفع مجد رأسه بحدة وكاد أن يوقف والدته عن الحديث لولا جده الذي قال بحزم وهو ينظر إلى الجدة " ماذا حصل؟" وقف مجد بغضب وقال وهو يصر على أسنانه من القهر " لقد طلبت الزواج من قمر.." ثم التفت الى والدته " وطلبتُ من جدتي هذا الشيء.." تراجعت ريم على كرسيها بصمت لاذع، بينما اتجهت نظرات الجد نحو الجدة حتى أومأت الاخيرة برأسها تدل على الموافقة، فظهرت شبح ابتسامة على الجد وكأنه متهللاً بهذا الخبر سرعان ما تحدثت والدة مجد مكدرة اياه " ولكنها رفضته.." كتم مجد كل ما فيه من غضب واكتفى بنظراتٍ نارية نحو والدته التي ولا تستطيع ايقاف جملها بل تتدفقُ كما البركان نحوه،.. ثم أكملت دون سماح لأحد بالاستفسار " هذا كله لأنه لا يريد الزواج بابنة فاروق.." " كفى.." ضربت الجدة يدها على الطاولة، فيما نظر اليها الجد بحيرة عندما أكملت بحزن ممتزج بغضب " كفاكِ استهتاراً بمشاعر مجد وكل من هنا.." وضعت والدة مجد الملعقة من يدها وقالت " أنا لا استهتر بمشاعر أحد، أنا أنير له الطريق كي يرى.." كاد مجد أن يولي ظهره مغادراً لولا صوت جده " مجد توقف.." أومأ مجد برأسه احتراماً وظل واقفاً ممسكاً بالكرسي بقوة كبيرة،.. ثم نظر الجد نحو الجدة وبعيونه أمر لها بالسكوت، فسكتت بقهر.. بينما نظر إلى والدة مجد وأمرها بأن تكمل حديثها،.. " لا أعلم حقاً لماذا لا يرى الحقيقة بأنها قد رفضته بسبب.." صمتت قليلاً بينما أنذرها مجد بغضب مكتوم " أمي لا تكملي.." نهره الجد " لا أريد لأحد أن يتحدث.." أكملت والدته وهي تنظر بعيونه " ربما لا يحق لي أن اتحدث في ذلك ولكن ربما قمر تريد كمال فقد تحدث معي من أجلها.." ضرب مجد الكرسي بقوة شديدة فيما توسعت عينا ريم وتحدثت " وله الجرأة أيضاً.." عاد صوتُ الجد الحازم لينهي صراخ حفيديه اتجاه من هم أكبرهم منهم، بينما أكملت والدة مجد بتحدٍ " أنا ما زلت أريدُ ابنة فاروق، ما رأيكَ يا والدي.." نظرت ريم لوالدتها بدهشة بينما مجد قد وصل البركان في رأسه حتى شكل فجوة كبيرة وخرجت النيران منه وصرخ بحدة وغضب " لا ابنة فاروق ولا غيرها.. ولا حتى جدي يستطيع اقناعي بعكس ما اريد.." ثم تركهم خلفه ومضى في طريقه رغم نداءات الجد وبكاء الجدة بصمت... نهضت ريم من مكانها وقالت بخيبة " لن تكوني موضعَ الأم لنا أبداً.." ثم تركتهم هي أيضاً ولحقت خطواتها مجد.. ولكنه كان كما الريح ماضٍ في طريقه مصطدماً في كتفِ رامي القادم نحو المنزل مع كمال.. حتى عندما وصلَ سأل ريم " ما به مجد!" نظرت إلى كمال بحنق ثم اقتربت من رامي وهمست له " لقد طلب الزواج من قمر.. ولكن قمر رفضت ذلك.. وفي الداخل موضوع ابنة فاروق.." ابتعد عنها رامي مسرعاً ثم قال " سأتبعه.." ومن بعدها نظرت الى كمال بوجل وقالت له بغضب " كيفَ لكَ أن تتحدثَ لوالدتي عن رغبتكَ بقمر؟" ظلت ملامحه كما هي، ساكنة ولكنه قال بعدَ صمت " وهل هذا خطاً.." تنهدت وهزت كتفيها بلا حيلة ثم تركته على عتبة الباب ودخلت توجهت بعد ذلك نحو قمر.. ودونَ أن تطرقَ الباب دخلت وحاولتَ أن تطغى على وجهها علاماتُ الهدوء.. عقدت حاجبيها عندما رأتها تتحدث عبر الهاتف خاتمة مكاملتها،.. " انها ليليان.." تقدمت ريم نحوها " كيف حالها بعدَ الخطوبة.." اجابت قمر بهدوء " انها بخير، ولكنها تريدُ أن اذهب الى المعهد بعد الغد.." " هذا جيد.. اوصلك إن كنت.." قاطعتها قمر ببهوت " لا أريد.." " كما تريدين، ولكن إن غيرتِ رأيك أنا دائماً بالخدمة" ابتسمت قمر بشحوب ثم تحدثت بتردد " أنتِ لم تتحدثي بأي شيء أليسَ كذلك؟" نظرت اليها ريم بعتاب " هل حقاً تقولينَ هذا الشيء لي يا قمر.." عقدت قمر اناملها بارتباك " لم أقصد الاساءة ولكن.." قاطعتها ريم بعدَ أن وضعت يدها على كتفها " أتفهمكِ جيداً ولكن لم أقل لأحد.. بيننا فقط.." أومأت قمر رأسها " ولكن حقاً يا قمر لماذا لم تسمعي جدتي إلى آخر ما سوف تقوله؟" حاولت قمر تحاشي النظر إلى ريم وقالت بنبرة مختنقة " لا اعلم ظننتُ أنه نفس الموضوع الذي تحدثت معك بشأنه.. " أومأت ريم رأسها بهدوء ثم قالت " بالتأكيد بعدَ كلِ ما واجهتيه بسبب مجدد لا تأتي في خاطرك فكرة أن يتقدم بخطبتكِ.." ثم بعتاب وقهر " ولماذا لا أعلم بحالِ قلبك أنا؟" قوست قمر شفتيها وكانت عيونها تنذر بالبكاء بينما مسكت ريم يديها وقالت " لو كنتُ اعلم لكان الأمر أسهل من كل هذا.." " ربما لاجتمعنا منذ زمن.." تحدثت قمر ببكاء ثم تكورت على نفسها ووضعت رأسها على أقدام ريم، التي بدأت تمسحُ على رأسها.. " كل شيء سوفَ يتحسن ولكن على مجد أن يهدأ.." نهضت من أحضانها باضطراب " هو غاضب أليسَ كذلك؟" تحدثت ريم بشرود " إنه يجبكِ بالتأكيد سوف يحزن.." ثم تداركت نفسها عندما خرجت شهقة من قمر والتي قالت " وكيف لي أن أعلم ما يكنه وهو لم يتحدث.. هل الآن سوفَ يعتقد أني لا أحبه!" قاطعتها ريم وأمسكت وجهها بحنان " سوف يعلمُ كل الشيء.. ولكن كفي عن البكاء، انه لا يجدي نفعاً لقد جربته ولكنه لا يجدي.." مسحت قمر دموعها وقالت باعتذار " لقد أشغلتكِ عن مشاكلك ورائد.." ابتسمت لها ريم بحنان " اطلاقاً، نحن أخوات سوف نحلُ جميعَ المشكلاتِ معاً.." ثم صدر صوت رسالة من هاتف ريم فالقت نظرة سريعة على الهاتف ثم قالت لها قمر بروحٍ متعبة " يمكنك التحدث اليه براحتك.. أنا متعبة اريد النوم.." ابتسمت لها ريم وقالت " ولكن غدا يوم جديد.. أمل جديد.." حاولت قمر ألا تكسر ريم فقالت " حسناً سوفَ أحاول ذلك.." جلسا بجانبِ بعضهما، أحدهما ينفث سجائره بنهم شديد، يخرج ما بداخله على نيرانٍ تشتعل في فمه فتغرق كلَ شعور به بدخانٍ أسود.. والآخر صامت يحاول الاستماع الى ما بداخله من فجوة وكسرٍ آخر.. تحدث مجد وهو ينظر الى تلألؤ البحر مع القمر " لماذا ما زلتَ هنا؟" بدون أن ينظر اليه رامي " انتظر تحدثك.." امال مجد شفتيه بسخرية " وكأنكَ لا تعلم.." هز رامي رأسه بقلة حيلة " لقد علمتُ على عتبة الباب.." " وأنتَ قادم مع كمال" تحدث مجد بمرارة " الموضوع ليس كمالاً أو غيره، الموضوع هنا هو قلبك.." زفر مجد بحرارة ما يكنه من اختناق وغضب ثم امتد بكامل جسده على الرمال " قلبي ليس هنا.. ولن أملكه" سأله رامي بشك " وهل ستهرب كما المرات السابقة!" أغلقَ مجد عيونه ثم قال " ربما، ولكنه ليس هروباً اسمه ابتعاد.." " ليسَ ابتعاداً يا مجد." تحدث رامي بحدة ثم اردف بنبرة أكثر حدة " أنت دائماً ما تهرب أو إن كنتَ تقول ابتعاداً فابتعاد ولكنها نفس النتيجة تحاول المناصَ من.." نهض مجد أمامه وقال بغضب " ماذا تريدُ مني!! قل لي.." وقف أمامه رامي " كلُ ما أريده أن تفكر جيداً لماذا قد ترفضكَ قمر.." شد مجد على قبضتيه وأخذ نفساً قوياً بينما أردف رامي وهو يشير بسبابته على صدر مجد " كلَ ما فعلته سابقاً لها ألا يعطيها القرار بأن تهابك ولو قليلاً..." " لا أعلمُ يا رامي، لا شيء يستقر أمام عيناي سوا.." قاطعه رامي " موضوع كمال أليس كذلك!" تنهد مجد أمامه وكأن تنهيدته خيرُ دليلٍ على ذلك، " لا تدع الشك ينخر قلبك وعقلك يا مجد كما السابق.." تحدث مجد بنبرة صادقة " لن أفعل أي شيء يؤذيها اقسم لك ولكن إن كان الرفض يعودُ إلى كمال ولو بالشيء القليل فسوف أغادر.. وإن كانَ هروباً في قاموسِك فليكن هروباً.." ثم لاذ الصمتُ بينهما حتى هز رامي رأسه بلا حيلة. بنصفِ خطوة نحو المستقبل، إلى الفجر قبلَ طلوعِ الشمس.. فتحت عيناها وحجم الألم في رأسها يزداد رغم محاولتها في تجاهله، التفتت نحو اليسار فرأت ريم تنام بسلام، استقامت في جلستها بتعب وهي تضيق عيناها بين حينٍ وآخر.. تسللت من السرير كما اللص تماماً تضغطُ على أعصابِ وجهها كي تبعدَ الصداع الذي ألم بها طوال الليلة ولكنه منذ ساعة أو أكثر بقليل فقد ازداد تدريجياً ولم تستطع تحمله.. لم تستطع أن تنتظر أكثر خرجت من الغرفة حافية القدمين تتلمس طريقها بسبب الإنارة الخافتة،.. حتى استقامت جميع نظراتها نحوهم وصوتُ رامي المستنكر " قمر ماذا بكِ؟" ضيقت عيناها بطريقة غريبة وظلت صامتة أمام لوحةِ الجمود من مجد، وبعد أن تجاوزها محولاً كل جسده نحو الطابق العلوي استقرت نظراتها على الأرضية ومعالم وجها تتجهم من الألم حتى سألها رامي مندفعاً " ماذا بكِ؟" بنبرة هشة " اشعر بالصداع.." وعندَ منتصفِ السلم التفتت جميع حواسه وارتعد قلبه ثم نظر اليها وهي تضع يدها ناحية قلبها وقال بتجمده المعتاد رغم صراخ قلبه " سوف أجلب لك مسكن الالم.." أومأت رأسها بلا وعي ثم اتجهت بتهالك بمساعدة رامي نحو أول عتبة من السلم الذي يتجه إلى الأعلى ووضعت رأسها بين يديها بطريقة تعبر عن التهالك،.. وقف رامي بتأهب بعد دقائق عندما سمعَ خطوات مجد تنزل نحوهم، ثم سار مبتعداً عنهم عندما لاحظ نظرات مجد نحوها فقط،.. رفعت رأسها عندما مد لها بيده حبة المسكن فأخذتها منه وكادت أن ترفع يدها الأخرى نحو الكوب ولكنه سبقها بأن وجهه نحو فمها ودون أن تنظر الى وجهه اذعنت لأمره والذي بدا لها كذلك. وبعد أن انتهت سمعته يقول ببروده الذي اعتادت عليه " لا أعلم إن كانت رغبتك قائمة بالذهاب إلى معرض الفن غداً.." في هذا الحين رفعت رأسها بحماس ولكنه أكمل وهو يشد على قبضته " نذهب بناءً على وعدي السابق فقط.." مكثت نظراته عليها بضع ثوانٍ وكأنه يحاول أن يرى ما لم يستطع رؤيته ثم تحرك بكامل جسده متجهاً للأعلى، فتقوست شفتاها واعادت رأسها للأمام تنظر للفراغ ثم سمعت آخر كلماته قبل أن يتوارى في الظلام " إن كنتِ تريدين، أخبريني أو دعي ريم تفعل.." *************** تحرك قرص الشمس حتى أصبحت الساعة تشير العاشرة صباحاً،.. أقفلت من اتصالها للتو ثم زفرت بحرارة بعد أن وضعته على طاولة المكتب بطريقة مزعجة ثم أمالت رأسها بتعب على كفِ يدها ونظرت بعدها نحو رائد بطريقة تتفحص بها هيئته، اعتلى التعجب ملامح وجهها وهي تراه شارد الذهن يداعب قلمه بطريقة غريبة،.. والملفات من أمامه موضوعة بعشوائية لا تماثل نظام رائد.. ثم ابتسمت بسخرية وتحدثت في نفسها " لو أعلم لتحدثتُ بكل شيء أمامه فهو خارج تغطية هذا العالم.." ثم نهضت من مكانها بتثاقل شديد، وخرجت من المكتب.. أما هو وبعد دقيقة من ذلك. ارتعد جراء وصول رسالة نصية فسقط القلم من يده.. أغلق عيناه وفتحها بطريقة للتغلب على أفكاره مرتين متتاليتين.. ثم نظر إلى هاتفه واعتلت وجهه ابتسامة براقة.. وفي الطرف الآخر، كانت ريم تنتظر رد رائد على أحر من الجر، واضعة هاتفها بين كفتيها بالقرب من قلبها حتى جاءتها الرسالة فابتسمت بكل حب.. ثم نظرت الى مجد الذي دخل الغرفة ويقول باستهزاء " هل أصبحت غرفتي مقراً للتحدث مع الحبيب؟" وخزته بنظرة معاتبة ثم قالت " من اجلك فقط لم أقابله.." عقد حاجبه ثم اتجه نحو ملابسه المعلقة في زاوية الغرفة " حقاً وما شأني أنا.." وقفت وقالت بعدم تصديق " وكأنكَ لا تعلم.." انشغل بملابسه بلا مبالاة بها فيما قالت وهي تتجه نحوه باندفاع " لماذا تتصرف بكل هذا البرود وكأن شيئاً لم يحدث " التفت لها وبجمود " لأنه لم يحدث شيء.." أخذت نفستً عميقاً وحاولت تمالك نفسها " ولكن حقا يا مجد لا تفعل هذا.." " أنا لا أفعل شيء.." صرخت بحدة " كيفَ تقول لها إن كنتِ تريدين الذهاب دعي ريم تخبرني.." لم يجبها فزادت حدة صوتها " وهذا وأنت لا تفعل شيء.." شد على قبضته ثم قال وهو كاظم غيظه " ريم لا أريدُ التحدث بشأنها.." " ولكن لا يمكنك معاقبتها قبل أن تفهم لم..." قاطعها وهو يشير لها بيده خارجاً " قلتُ لكِ لا أريد التحدث.." توسعت عيناها وقالت بنبرة عالية " أنتَ تظلمها يا مجد.." ثم التفتت على أحد أركان الغرفة واشارت نحو حقيبة السفر " إن كنتَ ستفعلها حقاً فأكثر من سيحزن هو قمر.." ثم غادرت الغرفة، أما هو قد تمدد على السرير قابضة يداه على رأسه بطريقة وحشية وأعصاب عقله تضغط عليه بقوة كبيرة ثم تحدثت بهمس وكأنه يخرج دخانه الرمادي " انا لن أظلمها.. حبي لها كبير فقط لذلكَ أتألم.." نزلت ريم عتبات الدرج والضيق بادٍ على وجهها، تكاد أن تتفجر من فعل الغضب من اسلوب مجد، إنه متسرع في الحكم على قمر دائماً رغم ما يملكه من حكمة وعقل كبير.. والحب! وصلت الطابق الأرضي ثم توجهت نحو المطبخ، أخذت عصير التفاح البارد وتوجهت نحو الحديقة.. نظر إليها رامي عندما وقفت بتردد بالقرب منه، رفع عن عينيه النظارة الشمسية وأبعد الكمبيوتر اللوحي وتحدث " بماذا تفكرين؟!" تنهدت بتعب ثم جلست على الكرسي المقابل له " لا أعلم ماذا سوف أفعل.." استقام رامي بجلسته وحك ذقنه النابتة قليلاً " بشأن الجميلة والوحش.." ابتسمت ريم من بين الضباب " حقا يا رامي لا أعلم ما مدى استهتارك هذا.." امال شفتيه بسخرية " انه التخفيف من الأمر فقط..." هزت رأسها " يبدو أن الأمر كبيراً ولا.." " لا تظهر عليه أي ردود فعل.." شربت القليل من العصير ثم قالت بيأس " ولكن قمر المسكينة لو أنها كانت تعلم فقط.." عقد رامي حاجبيه " ماذا تعلم!" نظرت إليه ريم بتردد، فقد كانت قد وعدت قمر بأن ما تحدثتا حوله يبقى بينهما. ولكن يجب حل هذه المعضلة بطريقة أو بأخرى. همست ريم بنبرة رجاء " ولكن لا أريد أن تعلم قمر.." " أجل تحدثي، ماذا حصل؟" شدت على قبضتيها حتى تتماسكَ قليلاً ثم أطلقت لسانها دفعة واحدة وبصوت كفحيح الأفعى " بناء على فهمته من جدتي أنها ومجد كانا يتحدثان حول الأمر فدخلت بعد حين قمر عليهما، وعندما تحدثت اليها الجدة في اليوم التالي، قمر لم تكن تعلم أن مجد من تقدم لها ظنت أنها تحادثها بشأن ما سمعته في الحفلة عن وسام، لو علمت أنه هو وليس وسام لوافقت عليه.." ثم زفرت بحرارة. توسعت عينا رامي بتعجب " ومجد لا يعلم هذا.." تقوست شفتاها وعبست " إنه لا يريد التحدث عن شيء.." ثم قالت بشك " أعتقد أنه سوف يغادر كما المرة السابقة ولكن هذا الذهاب.." قاطعها رامي بيقين " الذي يحب لا يستسلم بسرعة يا ريم.." " عند مجد تتغير كافة الأمور.." تراقصت حواجب رامي بمعنى لا مع ضحكة خفيفة في حين توسعت عينا ريم بحماس " هنالكَ خطة.." اومأ رامي رأسه فيما صفقت ريم بحماس.. " أنت رجل العنكبوت خاصتنا.." قهقه رامي " لم تجدي من الأبطال سوى الحشرات!" ضحكت ريم " يليق بك، فانت سابقاً ما كنتَ كالحشرة بينهما.." أرجع رامي النظارة على وجهه ومع ابتسامة تحدث " كانت خطط من جدتي.." أومأت رأسها وقالت بسخرية " وكأنني لا أعلم ما هو رامي أبداً،،." تجاهلها رامي وانتشل الكمبيوتر اللوحي من جانبه ثم قالَ بعدَ صمت " أخشى أن تحزن قمر، ولكن الخطة معتمدة عليها أيضاً.." نظرت اليه ريم بحيرة " كيف ذلك؟" نظر إليها من خلف نظارته " دعي قمر تستريح، ثم بعد أن تهدأ أفكارها نتحدث.." " ولكن يا رامي.." تأفف رامي " وأنتِ فضولك ماذا ينهيه! لا شفاءَ لهذا الداء.." هزت ريم رأسها بشقاوة " أبداً أبداً،.." ابتسم رامي " فليكن رائد صبوراً اذاً.." ************ على النافذة تسترق النظر نحو الخارج، حديقة عم بها الذبول قليلاً.. أوراقها جافة بعض الشيء.. لا شيء يدل سوا أنها عانت من الاهمال..! التفتت بعد أن ركضت ملاك نحوها بحماس مليءٍ بالحزن " ولكن لا تستطيعين النوم هنا؟" ابتسمت سوزان لها ودنت إلى مستواها " لا أستطيع يا ملاكي،.." تقوست شفتا الملاك بحزن " ولكن لماذا لا يعود أي شيءٍ كما السابق؟" مسحت على شعرها سوزان وتحدثت بعد أن كتمت كل حزنها داخلها " كل شيء سوف يصبحُ بخير.." أومأت الطفلة رأسها وقالت ببعضٍ من الحماس " أجل، لقد قال لي والدي أنني سوف التقي بعائلتي وأخيراً.ً.." أومأت سوزان رأسها بذبول " أجل، هذا أجملُ شيءٍ سوف يحدث.." أكملت ملاك ببريق في عينيها " كنتُ أود أن نشتري بعض الهدايا معا،.." ثم تحولت معالم وجهها إلى الحيرة " لكنني لا أعرفهم.." ابتلعت سوزان لعابها بمرارة، فملاك لا تعلم أبداً ما السر وراء كل ما يحدث.. فوالدها ولا تريد أن تنعته (بالانتهازي) (المجرد من الحب) ( المجرد من الانسانية) هو يستغل مرضها بالحصول على فائدة من قمر! ثم بعدَ ذلك لا أحد يدري ماذا سيفعل؟ رمشت عدة مرات ثم استقامت في وقفتها وأمسكت يد ملاك " لقد أخذت اذنا في المغادرة وأصبحت الساعة تقترب إلى الخامسة يا عزيزتي.." " الا تستطيعين البقاء مثلَ السابق؟" " لا، فهنالك عمل.." عارضتها ملاك بطفولية " ولكن والدي أعتقد أن عمله سوف يطول في الخارج، والخادمة عجوز لئيمة!" ضحكت سوزان ثم قبلتها وتحدثت بعتاب وهي تشير بسبابتها " لا يجوز أن تنعتي الكبار هكذا.." " ولكنها كذلك.." قرصت سوزان وجنتها بخفة فيما تحدثت ملاك بتصميم " لن أحتاج خادمة أو ما شابه بعد أن اذهب الى أعمامي وأولاد عمي.." مسحت سوزان على رأسها " يجب أن أذهب الآن.." وبعد أن ودعتها، سارت قليلاً حتى فاجئها قدوم السيد ماجد بسيارته السوداء، وقفت بتجهم عند سيارته بعد أن فتح نافذتها.. وبعد التحية الجافة سألها ماجد " شكراً لوجودك بجانب ملاك.." " انه من أجلها.." أومأ ماجد رأسه بتفهم " وددت أن اخبرك أني عازم على طرقِ باب الماضي.." تمسكت سوزان بمشاعرها الغاضبة داخلها ثم قالت " أتمنى أن يلبى طلبك.." " اعتقد أنه حان الأوان..." " لا أعلم يا سيد ماجد ولكن ملاك متحمسة جداً.." عقد ماجد حاجبيه بضيق " أعلم ذلك.." ثم غير دفة الحديث عن ملاك وما يتبعها من سيلِ تهم من نظرات سوزان، " ربما غدا.. أريدكِ بجانب ملاك في الفترة القادمة.." أخذت سوزان نفساً عميقاً " ربما خير البر عاجله كما يقولون،.." صمتت قليلاً قبل أن تكمل سيرها " سوف أحاول أن اكون بجانبها وبجانبِ قمر أيضاً.." نظر اليها بوجوم واغلق النافذة أما هي فقد سارت في طريقها تشد قبضتيها بقوة،.. وتحدثت من بين أسنانها " وكأن قمر لا تعنيه أبداً.. يتحدث عن ملاك بكل خوف أما قمر ينتهي الحديث عندها" ************************ اغلقت الملف بعد أن انتهيا من تدقيقه سوياً، ثم ابتعد عنها نحو مكتبه وبدأ بأخذ اغراضه الخاصة للرحيل من مكان العمل، حتى داهمه صوتها الرقيق " شكراً لكَ رائد.. أنا أتعلم بشكلٍ أفضل منك.." ابتسم لها برسمية " لا شكر على واجب،.." أمالت شفتيها بغيظ وهي تتأكد من مقتنياتها داخل حقيبتها الخاصة ثم تحدثت حتى يلين الحديث بينهما أكثر " ولكن أعتقد أنني كسولة.." رفع رأسه اليها ثم أنزله " بعضَ الشيء، هذا في البداية فقط.." ابتسمت هنادي " لا أعلم ربما لأنني لم أعتد على العمل كثيراً.." تحدث ببرود " ربما.." وضعت حقيبتها على كتفها وتحدثت بامتنان " ولكن بفضلك أغير روتيني الكسول.." كان يحاول تجاهلها قدر الامكان فيعبث بالأوراق على مكتبه، ولكنها مصرة لفتح الأحاديث معه على غير العادة.. بل بالأصل هو لا يتحدث إليها كثيراً خارج نطاق العمل وهذا ما يدفعه للاستغراب الآن..! ثم رفع رأسه باستغراب عندما قالت " هل أنت صامتٌ هكذا دائماً..." امال رأسه قليلاً " على ما اعتقد.." هزت رأسها " لا لا، أنت تتحدث ولكن ليس إلى الكثيرين.." ثم اشارت الى نفسها " وأنا خارج نطاق الكثيرين.." ولمّا آثر الصمت، قبضت على يدها بحنق وتحدثت وهي ترتب ملامحها بطريقة هادئة " أظنُ أننا انتهينا من العمل.." أومأ رأسه بهدوء ممسكاً بهاتفه المحمول وبابتسامة " أجل.." " اذا.." تحدثت ببعض من التردد.. واشارت بيدها نحو الخارج " لنترافق حتى الطريق الخارجي" "حسنا،.. تفضلي.." وأمام المصعد سألته بفضول " إنكَ لا تتحدث بالعادة ولكن هل لك زمنٌ تعمل هنا؟" هز رأسه " ليس كثيراً، فقط في الاجازة الصيفية وبعدها.." رفعت حاجبيها عندما تحدث " سوف التحق بآخر سنة دراسية لي.." " حقا؟ لا يبدو عليكَ صغر السن.." ثم قالت بتدارك " اعذرني على فضولي.." هز رأسه بهدوء " لا بأس.." وعندما وصل المصعد وفتح بابه تحدثت بحماس " اذا يمكنني الحديث كما شئت.." ظل رائد صامتاً، تسير في داخله غرابة الموقف إنها المرة الأولى التي تخوض فيه حديثاً كهذا.. " اذا رائد ما الجوانب الأخرى التي سوف أتعلمها منك؟" نظر اليها بعدم فهم فأردفت " اقصد انك محارب في هذه الحياة.." " كلنا في هذه الحياة محاربون.." " أجل ولكنكَ تحارب كثيراً.. ما الذي يجبرك؟" أبعدَ نظره عنها بلا إجابة فآثرت الصمت الحانق لأنها فهمت أنها تعمقت في السؤال أكثر مما يجب. " اعتذر ان كنتُ قد قلت شيئاً أزعجك.." تحدث بعد أن خرجا من المصعد" لا بأس..." وعلى البوابة الخارجية.. وضعت كفها على جبينها تحجب شفقَ السماء المتوهج على عيناها ثم لاحظت تقدم فتاة بشعر أحمر حتى مالت شفتيها بسخرية ثم قالت لرائد " أودعك الآن فابن خالي بانتظاري.." " إلى اللقاء.." نظرت الفتاتان بتحدٍ إلى بعضهما حتى اختفت هنادي فنظرت اليه جيداء بحدة " حقاً يا رائد لقد قلتُ لكَ خذ حذركَ منها..." ثم التفتت وسكن كل شيء حتى صوت رائد لم تسمعه حتى تفوهت بعدم تصديق وهي ترى هنادي تتوجه إلى أحدهم " إنه ذلك (ال) كمال.. أم أنا أرى عكس ذلك؟؟" " هل أنتِ جادة؟" تحدثت ريم باستغراب وحيرة حتى اجابتها جيداء من الطرف الآخر عبر الهاتف المحمول بصوت منخفض " أجل.. " ثم نظرت من باب المطبخ الى الخارج وتحدثت بذات النبرة المنخفضة " ربما كمال ليسَ جيداً كما تعتقدين؟" " ولكن كيف؟ تقول ابن خالها وهو.." أكملت جيداء عنها " قال انها احدى معجباته؟" نظرت ريم من الشرفة الى قمر التي تسرح شعرها بالداخل بشرود ثم التفت وصوبت نظرها الى الحديقة فرأت مجد على ذلك المقعد الخشبي فزفرت بحرارة " لا أعلم يا جيداء، هنالك أمر عليَّ حله هنا.." تساءلت جيداء بقلق " هل هنالك أمر سيء؟" " لا أعلم مدى سوءه ولكنه سيء.." صمتت جيداء فأكملت ريم " دعيني أحل هذا الأمر ربما يومين ثم سأتفرغ لكمال وتلك الغبية.. وحتى رائد لقد فكر كثيراً بشأن عمه" " حسنا.." وقالت ريم قبل أن تودعها " ولكن أي مستجدات اخبريني بها.." أغلقت الهاتف، ثم زفرت بحرارة، تطوف داخلها الأفكار وكل شيءٍ ينهار على ظهرها فيصعب حمله.. إن هذه الفترة صعبة جداً ولقد اهملت قضية رائد! ولكن رائد لا يتحرك قيد انملة، أخذت نفساً عميقاً فلا بأس ببعض التأخر.. فإن مصير الحق أن يظهر عاجلاً أو عاجلاً.. ورائد سوف يحصل على حقه مهما تأخر الوقت لذلك. التفتت ثم دخلت الغرفة، ونظر أن قمر جلست على سريرها بتردد عاقدة أصابعها وتبدو أنها غارقة في ظلمة الأفكار.. حتى شعرت بريم فرفعت رأسها بثقل وتساءلت " هل يجدر بي النزول نحو الأسفل؟" نظرت إليها ريم بتعب " ولكن حقاً يا قمر.. لماذا تختبئين؟" تقوست شفتا قمر بحيرة فيما أردفت ريم بعقلانية كبيرة " لا معنى للاختباء عاجلاً أو آجلاً سوف تلتقين به غداً من أجل المعرض؟" هزت رأسها بحيرة وقالت " لا أعلم.." تنهدت ريم وقالت باستياء " ولكن حقاً سوف أرتكب جريمة قتل الآن.." ابتسمت قمر بخفوت ومدت كفيها " حسنا حسنا.. سوفَ أصمت.." " هل سوف تخبرينه أنتِ أم أنا؟" توسعت عينا قمر بتوجس فيما علقت ريم بقسوة " اخبريه أنتِ حتى يشعر لو قليلاً أنكِ تهتمين لأجله.." " ولكن.." قرفصت ريم أمامها وتحدثت " انظري الرجال لا يحب أن يتدخل أحد بينه وبين.." ضحكت ريم على ارتباك قمر ثم قالت " هذا وأنا لم أقلها وتصبحين كما معجون الطماطم.." ضربتها قمر بخفة على كتفها في حين أكملت ريم بعد أن كتمت ضحكتها " المعنى إن كان سوف يحصل على إجابة فالإجابة منكِ أنتِ؟" عقدت قمر حاجبيها " ولكن كيف؟" " حسنا سوف أساعدكِ لتعلمي فقط كم أنا فتاة جيدة.." أومأت قمر رأسها بترقب في حين أردفت ريم " ولكن لا اعتراض عما سأفعله بالأسفل؟" هزت قمر رأسها نفياً بمعنى أن لا اعتراض.. في حين ابتسمت ريم ثم وقفتا سويا حتى سألت قمر بفضول " ألن تخبريني الآن؟" تحدثت ريم بمكر ظهر على قمر " لو أخبرتكِ سوف تعترضين.." ثم هربت من أمامها ضاحكة.. وفي الأسفل كتمت ريم ضحكتها بجانب رامي الذي تساءل متعجبا " ماذا بكِ؟" كادت أن تفلت منها الضحكة ولكنها تماسكت " يجب أن لا تفوت مشهد روميو وجولييت؟" عقد رامي جبينه ثم نظر ناحية قمر وهي محمرة من الخجل والغضب مرسلة نظرات حانقة نحو ريم التي همست أخيراً " تريد اخباره أنها تود الذهاب إلى المعرض فجلست هنا وبقي الكرسي الفارغ لمجد بجانبها.." شرب رامي كوب الماء مستمتعاً عندما لمح مجد يكور يديه وهو متجه ناحيتهم ثم همس " بل انظري للبركان انه قادم.." رفعت رأسها فوجدت مجد قد جلس وعلى وجهه غضب الدنيا بأكمله، ثم دنت رأسها نحو وعائها وشرعت بالأكل، بينما مجد لاحظ تململ قمر بجانبه والجميع صامت كلٌ مشغول بالأكل امتدت يده اليسرى وأمسكت يدها برفق وهمس بشكل لا يثير الانتباه " تتحركين كما القطة؟" ازدردت لعابها بصعوبة بالغة ثم حاولت التحكم باضطراب شعورها الداخلي ولم تنبس بأي حرف.. ترك يدها مع تنهيدة عميقة ثم رفع رأسه نحو رامي المتعجب فجدحه ثم شرع بالأكل هو أيضاً. وبعد صمت.. تحدث الجد " اذا يا مجد.." رفع مجد رأسه فأكمل الجد " يجب عليكَ ان تكون هنا غدا في تمامِ الساعة الثانية عشر.." تساءل مجد بلا مبالاة " لماذا؟" في حين همست قمر كردة فعل واقتربت منه قليلاً " ولكن غداً المعرض.." ثم عضت على شفتيها ابتسم مجد ولاحظ أنها ارتبكت لردة فعلها فأمسك يدها مجدداً وشعر أن ارتباكها قد ازداد، وكان أثناء هذا كله يتحدث الجد عن السبب لوجود مجد، ربما لم يسمع هو شيئاً فقد كان منشغلاً بقمره الوحيد تزداد يده امساكاً يدها برفق ثم تفلت حتى ابعدها نهائياً فلم يرد أن يزداد الوضع سوءاً بردود فعل قمر تظهر جلياً على وجهها وأجاب جده بصوت عالٍ " نرى إن لم أكن مشغولاً.." ثم دنا صوته نحو الهمس " اذا ستذهبين؟" نظرت إليه قمر وببريق عيونها بدأ يفيض " أجل أريد ذلك وبشدة.." ابتسم لها بحنان ثم ابتعد عنها وعاد الى جلسته المستقيمة ونظرات الجدة تميل عليهما قليلاً و على وعائها بين الحين والآخر.. أما البقية كل مشغول برأسه وأفكاره. اليوم التالي.. " اذا ما الخطوة التالية؟" سأل مراد بملل أجابته السكرتيرة صفاء بقليل من الخوف الظاهر في نبرتها " لم يتبقى سوا هذه الأوراق.." تأفف بانزعاج ونفث دخان سيجاره نحو وجهها بلؤم وقال " لكن حقاً ياسمين كانت بارعة أكثر منكِ.." صمتت صفاء في حين أكمل مراد بنظرة جانبية " هل سوفَ اعلمكِ عملك؟" " ولكن يا سيد.." قاطعها بأن رفع كفه وأخرج ورقة من أحد الأدراج " والدكِ محكوم عليه بقضية ما أليسَ كذلك؟" ازدردت صفاء لعابها بصعوبة وتحدثت ببعضِ التوتر " أجل..." ثم نهرها بقوة " اذا افعلي ما عليكِ فعله ولا داعي لكلِ هذا الوقت.." ثم أشار الى ساعته بغضب " الساعة سوف تتجاوز الحادية عشر وبعد ساعة هنالكَ الغداء وانتِ ما زلتِ تريدين توقيع الأوراق.." ثم صرخ بها " اذا نامي بالشركة هذا اليوم.. اخرجي.." ارتعدت أوصالها فأومأت رأسها وخرجت مسرعة من مكتبه، السيد مراد متفرغ فقط للصراخ فقط وكأنه صافرة انذار تدوي في انحاء الشركة! وصلت مكتبها أمام أنظار ياسمين المستنكرة ثم تهالكت على المقعد وبدا عليها الاستكانة وسألتها بارهاق " كيف كنتِ تتحملينه؟" أشارت اليها ياسمين بالصمت " اهبطي صوتكِ.. ما الذي حصل؟" وقبلَ أن تتحدث صفاء أشارت إليها ياسمين بالصمت ثم وقفت بتأهب أمام مراد الذي قال بسخرية " يبدو أنكِ اشتقتِ إلى مكانك؟" أنزلت صفاء رأسها بتجهم، في حين أجابت ياسمن " ليس بعد.." أمال مراد شفتيه بسخرية "اذا ما الذي تفعلينه هنا؟" ابتسمت ياسمين بمكر " لا شيء، أردت الاطمئنان ولكن على الاغلب الأمور لا تسير كما يجب؟" صوبت صفاء نظرها نحو ياسمين في حين تحدث مراد " جيد جيد،.." اقتربت منه ياسمين وهمست " كنت أريد التحدث إليك؟" اشار اليها بالتقدم أمامه حتى سارا سوية،.. " اذا تحدثني ما الأمر؟" عقدت ياسمين اناملها بحيرة ثم قالت بتردد " اريد أن أسأل سؤالاً؟" أومأ مراد رأسه " ولم كل هذه المقدمات منذ متى تسألينني بكل هذا التردد؟" اخذت ياسمين نفساً عميقاً ثم " تعمدت نسيان بعض الأغراض الشخصية في منزل جيداء.." ضغطت على المصعد عندما وصلا اليه وأكملت " ولكن ما أثار انتباهي تحدهم بصوت منخفض عن مجريات الأمور؟" عقد مراد حاجبه فأكملت ياسمين " كان يدور الحديث حول شخص يدعى رامي.." قاطعها مراد " ابن عم ريم.. ماذا به؟" " انه محامي أو ما شابه؟" ياسمين بحيرة " ماذا بشأنه يا ياسمين.." تكلم مراد بقلة صبر وهو يدلف إلى المصعد.. دخلت من وراءه " انه يساعدهم وسوف يصل الى الاثباتات المزيفة من خلالك؟" اطلق مراد ضحكة استهزاء قصيرة " وكيف ذلك وهو الذي درس المحاماة ولم يعمل في هذا المجال أبداً؟" ثم تحدث بحقد " مجرد فأر صغير.." ظهرت علامات الريب على وجه يامين فأكملت " ولكن ليس لأنه محامي؟" صمتت قليلاً ثم فجرت قنبلتها أمامه " غالباً هم استغلوا غيابي عن هنا،.." التفت اليها مراد بعدم فهم فقالت وكأنها تصل القطع ببعضها كي تفهم " انه لا يعمل في المهنة ولكن.." هزت رأسها بثقل " كيف وجدت صفاء بتلك السهولة؟" " تكفل أحد الموظفين بوضع اعلان ولكن،..." صمت قليلاً ثم توسعت عيناه بشكل كبير " أخبرتني أنها كانت تعمل في احدى المؤسسات " أكملت ياسمين عنه عندما أخرجت ملفاً من أسفل سترتها " التي لها علاقة بمؤسسات عائلة ريم.. وبالتالي لها علاقة مع رامي.. وبالتالي يصل الأمر إلى رائد.." شد مراد على قبضته وهمس بحقد كبير " رائد أنت تتحداني وبقوة كبيرة.." ثم نظر إلى ياسمين وتحدث بابتسامة ماكرة " اذا فلنلسعها للآنسة صفاء قبل أن تلسعنا هي ومن معها.." رفعت ياسمين حاجبيها بتحدٍ كبير وابتسمت بانتصار.. ****************** وفي طريقٍ وسط المدينة، عبر شارعٍ يحمل على جانبيه الابنية العالية وبعض المتاجر الصغيرة.. التفتت ريم نحو قمر وامسكت يدها بحب أخوي " لا تقلقي، لن يحصل شيء سيء.." أومأت قمر رأسها بتردد فأكملت ريم مع ابتسامة " انها علامة خير أن يصطحبكِ الى المعرض.." " أتمنى ذلك.." رددتها قمر بحيرة تنهدت ريم " اهدأي.. وإن كنتِ لا تريدين.." " لا لا، فقط أشعر أن هنالك شيء ما.." وضعت ريم يدها على كتفها قمر " لا يجب عليكِ الشعور بذلك،.. خذي نفساً عميقاً فقط.." " حسنا،" ثم حل الصمت بينهما إلى أن تفوهت قمر بتردد " ولكن كيف سأواجه غضبه!" نظرت اليها ريم قليلاً ثم " لا يوجد غضب، ثم ان غضب امسكي كفك وعلى وجهه بسرعة كبيرة.." توسعت عينا قمر فيما ضحكت ريم وقالت " يمكنني أن أعلمك بعض حركات المصارعين ولكن الوقت لا يسعفنا.." ابتسمت قمر باسترخاء فأردفت ريم " تماشي مع الامور واجعلي اليوم يمر بلا تفكير مرهق.." أومأت قمر رأسها بلا أدنى فكرة عما سيحدث هذا اليوم، ترجلت من السيارة أمام بناء معهد تعليم الرسم وعقلها شارد بما حصل! وتحاول التنبؤ بما سوف يحصل ! ولكنها تعلم وكلها يقين أن الأمر لن يمر بسلامٍ أبداً.. أو هذا ما تشعر به! قابلت كمال على عتبات الدرج فابتسمت له بتكدر ووجهت له التحية " لم أعد أراكَ كثيراً؟" حك كمال جبهته وأجابها " الأعمال يا قمر، ثم أنتِ لك مدة طويلة مختفية!" " بتُ أشعر بالارهاق.." حتى قاطعتهم ليليان من الخلف " ألا تستحق قسطاً من الراحة؟" أومأ كمال رأسها وتحدث قبل أن يغادر " قمر أحتاجك في موضوع ما،.. وافيني في قاعة الموسيقى بعد ساعة إن أمكن؟" أجابته بهدوء " حسناً.." وبعد أن غادرهم نظرت ليليان بشك نحو قمر وأمسكتها من ساعدتها وسارتا سوية " ماذا بكِ لا تبدين خير أبداً؟" تنهدت قمر عندما جلستا على إحدى المقاعد الخشبية " أشعر أن هنالك حمل ثقيلٌ على قلبي.." " أخبريني بما حصل؟" تحدثت ليليان بتوجس شبكت قمر أصابع يدها بحيرة كبيرة ثم سردت لها ما حصل، بتفاصيل بسيطة توصل كل الشعور إلى ليليان التي تحدثت وأخيراً " لماذا لم تنتظري انهاء جدتك القول؟" هزت قمر رأسها بقلة حيلة، قالت ليليان حينها " أنت عديمة الصبر لو أنكِ انتظرت فقط!" ثم بددت كلامها وتحدثت بثقة " ولكن لم يفت الأوان بعد" ورفعت حاجبها الأيمن تأكيداً لقمر التي بدت كما زهرة ذابلة أمامها حينما قالت " أشعر أنني استنفذت كافة الفرص.." " إنها فرصة واحدة يا قمر.. فقط واحدة.." " ولكنه مجد.." أخذت ليليان نفساً عميقاً " لا شيء يبقى على حاله يا قمر.. فما بالك بشخص!" عارضتها قمر " ولكن مجد في حالة الغضب.." قاطعتها ليليان " لن تجعليه يغضب اذا؟ فسري له يا قمر.." نظرت إليها قمر بحيرة " هذا ما تقوله ريم أيضاً.." " إن كنتِ حقاً تريدين إصلاح الأمر يا قمر قبل أن يفوت الأوان.." هزت قمر رأسها ايجاباً وباندفاع تحدثت " اريد ذلك وبشدة.." " تجردي من خجلك ولا تقولي انتظر الوقت المناسب.." أخذت ليليان نفساً عميقاً قبل أن تقول " الوقت دائماً مناسب لنقول لمن نحبه أننا كذلك.." ثم بعد ذلك غمزتها بمكر " كما أيضاً استغلي فرصة ذهابكِ للمعرض برفقته.." وبعد تمام الدقائق الضائعة، وتحديداً عند ريم التي دخلت عند رائد ومعها بعض الكعك المزين بالشوكولا طرقت الباب بطريقة عفوية فرفع رائد رأسه وابتسم من قلبه.. دلفت إلى الداخل وتحدثت باعتذار " اقدم لكَ الحلوى كاعتذار على اهمالي لكَ.." " لا بأس.." تحدثت بشقاوة بعد أن دلفت " اذا لنأكل لأنني جائعة.." ضحك رائد على طفوليتها ونهض من مكانه " بالكافتيريا هيا.." " حسنا يا أجمل رجال الكون.." تعلقت بيده بتملك كبير وسارا سوياً إلى خارج المكتب متجهين نحو الأسفل،.. " اذا ما أخبار ياسمين؟" نظر اليها رائد بعدم تصديق " كل هذا الكعك مجرد ذريعة أليس كذلك؟" مسجت ريم فمها بمنديل ورقي " لم أستطع أن اصبر أكثر من هذا.. " وتقدمت برأسها للأمام " ولكن حقاً ماذا كانت تفعل عندكم؟" " لا شيء تشاجرت مع والدها واختارت جيداء حتى تنام عندها.." رفعت ريم حاجبها " أكمل اذا.." " ماذا أكمل؟" ضيقت ريم عيونها " هنالكَ أمر ما، أخبرني.." شرب رائد رشفة من العصير المثلج ثم قال " لا شيء سوا أنها عادت لهم، فورة غضب كما يقولون.." عقدت ريم ساعديها وتحدثت بتفكير " لم أستلطفها كثيراً.." توسعت عينا رائد بعدم تصديق " أنتِ لم تريها حتى تقولين هذا.." " وإن يكن، لم أحبها من حديثك.." هز رائد رأسه بلا تصديق " حقاً انتِ طفلة يا ريم.." توسعت وجنتاها بضحكة واسعة وتحدثت بشقاوة " ولكنني أجمل طفلة هل تراهن على ذلك.." قهقه رامي " لا أريد أن أراهن على شيء.. أنا متأكد من ذلك.." رفعت ريم رأسها بغرور ثم بعد أن ذهبت شقاوتها تحولت معالم وجهها إلى الجدية " ماذا سوف تفعل بشأن عمك؟" نظر نحوها ثم تحدث بابتسامة " هل أنتِ مستعدة للبحث معي.." عقدت ريم حاجبيها بشك " عن ماذا! " " محامٍ جيد!" نهضت من مكانها وبنبرة متحمسة " أجل أنا معك بكل شيء.." حتى فاجئتها ضربة خفيفة على ظهرها فارتعدت عندما التفتت بجسدها ورأت مجد أمامها بجبين مقطب " مجد ماذا تفعل هنا؟" جحدها ثم حثها على الجلوس " أنتِ حقاً لم تكبري بعد.." ضحكَ رائد على جملته فيما تحدثت ريم بحزن مصطنع " وكأنكم أنتما الاثنان متفقان.. ثم ماذا تفعل هنا.." أمال مجد شفتيه " عمل وعمل وعمل.." سأله رائد " كيف سار الاجتماع.." حك مجد جبينه " على ما يرام، المشروع القادم يحتاج إلى ميزانية عالية يجب العمل عليه بدقة.." تنهدت ريم بملل " ألا تملا من الحديث عن العمل والملفات.." هز رائد حاجبيه بمعنى لا فيما نهض مجد وقال " يجب أن أعود إلى الاجتماع انسة كسولة.." وقفت ريم بتأهب وسارت معه قليلاً حتى تحدثت " عاملها بلطف.." أغلق مجد عيناه بضجر فيما أكملت ريم " قمر ليست مذنبة فقط إن كانت سوف تتحدث عن الأمر استمع اليها.." " لن أدع الأمر يصل واشعرها بذنب الرفض.." تحدث بجمود ثم أكمل أمام نظراتها المعاتبة " لا تنظري هكذا أنا فقط.." " تضع ستاراً على قلبك ولكنك تضعه بطريقة تؤذيها.." جحدها بقوة ثم تحدث " أذهب معها بناءً على وعدي السابق لها فقط وإلا المسافة بيننا طويلة بعد الذي حصل وسوف تبقى كذلك.." هزت ريم رأسها بلا تصديق " أنت تحاول اخفاء كل شيء يا مجد عني بهذه القسوة ولكنكَ لا تفلح بذلك.." وعلى بعد بضع خطوات من هذا الجدال كان رائد يجلس بهدوء ونظره على الطاولة أمامه حتى فاجئه صوت هاتفه المحمول فأجاب بسرعة عندما رأى الاسم وتدفق الكلام بعدها بسرعة كبيرة وبهمس رقيق " إنها أنا، سوف ارسل اليك عنوان الرجل الذي كان يعمل مع والدك وعمك اتوقع أنه يعلم كيف سارت الأمور بعد موت والدك.." *************************** يكاد الوقت أن يقتله هو! وxxxxب الساعة تسير في دورتها ببطء شديد، تنهد مع اغلاق عيونه وارتخاءه على المقعد الجلدي.. ولا شيء يدور في ذهنه سوا كيف يصمتُ وجعَ قلبه أمامها؟ ثم فتح عيناه ونظر إلى ساعته لمرة عاشرة، فتأفف بضجر.. لا الوقت يساعده ولا الملفات التي أمامه تساعده في اتمام دورة الساعة حتى تصل نحو الرابعة! عقد ساعديه بتوتر ملحوظ ونظر إلى تذاكر المعرض مرة أخرى..! ابتسم بتناقض مع تعقيدة جبينه واخذ نفساً عميقاً، يجب عليه تسوية الأمور بينهما بلا شك.. شد قبضته على يده وأخذ يفكر ملياً بالفجوة الجديدة التي حالت بينَ التقائهما! ثم نهض من مكانه بتأهب كبير وباندفاع خرجَ من مكتبه حتى وصل باب المبنى أخذ نفساً يملؤه بالسكينة والاسترخاء حتى أحضر إحدى رجالِ الأمن سيارته فركبها ومضى في طريقه نحو قمر! ********** كانت ضحكاتها تعلن ضجة غريبة مع صوتِ الموسيقى النابعة من نقرات كمال على البيانو، تغني بصوتٍ مزعج وتضحك على صوتها، فيضحك كمال معها.. حتى جلست بتعب على أحد المقاعد البيضاء وتحدثت بتعجب " ولكنكَ حقاً عازفٌ مبدع.." نظر غليها بغرور " شكراً لكِ آنسة قمر.." اطلقت تكشيرة بوجهها " ومغرور أيضاً.." " الغرور صفة لا يمكنها ان تبتعد عن كمال.." " أجل أجل.. يا سيد كمال.." نظر اليها وتحدث " أنا مسرور لأني حاولت أن أغير من مزاجكِ ولو قليلاً.." " وهل هذا واضح؟" أومأ رأسه " كثيراً.." ابتسمت له بهدوء فأكمل هو " مهما كانَ الشيء الذي يزعجكِ تخلصي منه يا قمر.." " أنا أحاول ذلك.." " اذا ما رأيكِ أن تتخلصي من المزيد من طاقتكِ السلبية.." ثم أشار الى البيانو عندما نظرت اليه بحيرة كبيرة.. حتى قالت وهي تهز رأسها " لا أبداً، فأنت مرغماً عنكَ تحملت صوتي.." ضحك كمال " ليس بذلكَ السوء.." هزت رأسها نفياً " حقا لا أستطيع.. ثم إن الوقتَ تأخر والمعهد قارب على إغلاق أبوابه.." حك جبينه باعتذار " أنا متأسف اذا أخرتك.. اذا لنخرج.." نهضت من مكانها " لا بأس.." وعلى البوابة الخارجية شعرت بيد كمال تحثها على السير أمامه مع ابتسامة..! وعندما تقدمت عنه بضع خطوات تأوهت ووضعت يدها على رأسها ثم تراجعت لوراء حتى كادت أن تقع لولا يد كمال التي أمسكتها بإحكام شديد وقال " انه الخاتم علقَ في شعرك.." أومأت رأسها واعتدلت في وقفتها بضيق الملامح، من اقتراب كمال لها فحركت وجهها بعيداً عنه حتى شعرت أنها تختنق فعلاً برماد عيون مجد القادمة! سارت ودقاتُ قلبها تشتعل.. تشعر بأنه غاضبٌ فعلاً.. ولا شيء يشير أنه بكامل هدوءه.. لطالما اعتادت على التوقيت السيء والحظ السيء أيضاً.. ولكن المرارة تقتلها الآن.. تخنقها بأشدِ أسلحتها قوة! سوف يزداد الوضع سوءاً بالتأكيد.. وصل محاذياً لها وأمسك قبضتها بقوة وتواريا عن أنظار كمال في طريقٍ شبهِ منعزل تحيطهما المنازل الصغيرة! أفلت يدها بقوة وصرخ بها " اركبي يا قمر.." ارتعدت فسارت إلى الخلف خطوة، تتمسك بحقيبتها بتوجس شديد، يبدو مخيفاً كما كان في السابق! هزت رأسها بعنف وتحدثت " اهدأ أولاً.." تمالكَ أعصابه ومن بين أسنانه " اركبي يا قمر..." تجمعت الدموع في مقلتيها فتقدم خطوة حتى عادت للخلفِ خطوة أخرى.. مسح على وجهه بغضب ثم قال متمالكاً أعصابه" لن أكرر كلامي مرة أخرى" ثم صرخ " هيا يا قمر.." ارتعدت أوصالها فأسرعت نحو السيارة وكادت أن تركب في الجهة الخلفية حتى قال بصوتٍ عالٍ " بجانبي.." أذعنت لأمره فإنها إن لم تفعل، سوف تلقى حتفها بالتأكيد! دخلت السيارة في صمت وهمست في سرها " سوف يكون كل شيء بخير.." أغلقت عيونها مع قوة ضربة الباب الذي أغلق.. وسارت السيارة في طريقها مسرعة هاربة من كل شيء وهاربة من الحقيقة! تتسمك قمر بحقيبتها بخوف شديد، تلتصق بالمقعد وتغلق عينيها بتوجس وقلق حتى فتحتهما في نهاية المطاف وشهقت بقوة وتوسلت " أرجوك خفف سرعتك.." ولكن لا حياة لمن تنادي، صامت بقهر يشد قبضته على المقود حتى صرخت قمر " توقف فقط توقف.." حتى ضغط على الفرامل بقوة وامتدت يداه أمام جسد قمر كي لا تصطدم بما أمامها.. نظرت إليه بعتاب شديد وبصوت مختنق " لماذا لم تتوقف؟" وضعت يدها على عنقها وكأنها تختنق أمام نظراته الملتجمة،.. ومع شهيق وزفير متتالين، حدقت به بألم..! ثم بعد دقائق همس " ما الذي بينك وبين كمال؟" توسعت عيناها وبتعب واضح ضرب على المقود ضربات متتالية، تراه فاقداً لكل سيطرته في هذه اللحظة.. ازدردت لعابها بتوتر ثم كادت أن تمتد يدها حتى تحضن يده ولكنه اندفع بسؤاله مجدداً " أنتما متفقان إذا؟" هزت رأسها بعنف ثم صرخ بقوة " لماذا تفعلين هذا بي؟" تحدثت بانهيار " أنا لا أفعل شيء.. أنا فقط.." أبعد وجهه عنها ثم تحدث بتعب " أنا لا أريد ايذائك ولا يحق لي التدخل.. أنا فقط كنتُ أريد أن أعلم لماذا تم رفضي و قد علمت.." تجمدت حواسها وادركت ما يقصده ثم نظرت إليه نظرة منكسرة وهمست بحزن شديد " أنت لا تعلم شيئاً، أنتَ دائماً تحكم عليَّ بدون أن تسمع" حتى شهقت شهقتها الأولى مع دموعها التي بدأت بالانهمار واندفعت خارج السيارة ويدها على صدرها المكبوت، وقف أمامها بعجز واضح حتى قالت " لقد ظننتُ أنه فعلاً يمكنني الذهاب معك وتفسير كل شيء.." صمتت قليلاً بإمالة رأسها وبنبرة باكية " ولكن لا شيء يقف معي في هذه الحياة.." " قمر أنا.." قاطعته بصوتها المختنق " لو كنتُ أعلم فقط أنك سوف ترى الشيء الظاهر وتبني عليه فرضياتك لما..." بدتت عبارتها حالما رأته يتجه نحوها فزحفت خطواتها نحو الخلف وصرخت بصوت متعب " لا تقترب.. فأنت كلما اقتربت تفتح جراحا هنا.." وأشارت إلى قلبها..! شد على قبضته واتجه نحو السيارة بموجة غضب كبيرة بعدها القى أمامها تذكرتي المعرض، ألقت بصرها على الأرض ثم عليه! مسحت دموعها وأرجعت خصلات شعرها، ثم نظرت إله بخواء وتحدثت بشحوب " لا أريدُ معرضاً أو ما شابه.. ووفر عناء غضبك لمن يستحق أن تغضب عليه.. وهو نفسك!" رمقته بنظرة قهر ثم التفتت على الطريق العام وكان نداءه مدوياً فشدت على حقيبتها علها تمنح نفسها قوة المواصلة بلا بكاء أو انهيار! ركبت سيارة الأجرة بلا نظرات عليه، تجاهلته قدر الإمكان حتى ابتعدت ثم حاولت كتم كل شعورها وكبته كي لا يخرج..! إنه مجد نفسه لن يتغير أبداً، منذ أن وطئت قدماها منزل جدها وترى في عيناه الاتهامات وفي كلماته سموماً كبيرة.. لقد اكتفت منه حتى أزال ضبابه فترة ثم عاد كما كان قاسياً على القلب! جارحاً في غضبه.. كل شيء تهاوى قبل لحظاتٍ معدودة ومن كانت تسعى لإزالة غبار الرفض عن عقله لم تظن أن الغبار قد وصل قلبه حتى! وهل له قلب فعلاً؟ تتساءل الآن في سرها هل من يحب يفعل هذا كله ! وأعقب سؤالها بأن ترجلت من السيارة تشكو للهواء فجاعة وجهها وعيونها المحمرة، ثم على بعد خطوات منها كانت ريم تدخل من باب المنزل حتى التفتت باستغراب سرعان ما شهقت بخوف " قمر.." فهرولت نحوها بقلق " لا تقولي أنه.." تجمعت الدموع في عيونها وأومأت رأسها ثم احتضنتها ريم بكل قوة " لا يستحق البكاء.." ابتعدت عنها بألم " لماذا طلب مجد الزواج مني، لماذا يحرق قلبي إن كان قد أراد قربي!" امسكت ريم يد قمر وسألت في قهر " ماذا حصل؟" أخذت تشهق أمامها بلوعة العذاب " لا شيء سوا أنه.." ثم هزت رأسها بعنف وتحدثت بتعب " ليس الا اتهاماته الباطلة مجدداً.." ثم تركتها ودخلت المنزل منهزمة أمام كل شيء.. ثم استوقفتها ريم " لا تقلقي سوف يعلم.." قاطعتها قمر " لن يعلم أي شيء.. طالما لا يكلف نفسه بمعرفة أصل الأمر.." ثم صمتت قمر وقالت بأسف " اعذريني أنا متعبة.." صعدت قمر عتبات السلم أمام نظرات ريم المستسلمة، لم يكن من الجيد ارسال قمر مع مجد أبداً خاصة أنها سوف تتواجد في ذلكَ المعهد وطيف كمال سيلاحقه بالتأكيد! ولكن ما الذي أثار مجد حتى يتفوه بما يجرح قمر! تنهدت وسارت بضع خطوات حتى رأت إحدى الخادمات تتجه نحوها بقلق " كيف اصبحت الانسة زينب؟" عقدت ريم حاجبها "ماذا بها جدتي!" التفتت قمر نحوهم بحدة عندما تحدثت الخادمة " إنها بالمشفى" وفي أحد أروقة المشفى، يجلسون جميعهم بأسى.. وامارات الحزن مع الغضب ترتسم على ملامحهم بتعب واضح.. انضمت إليهم ريم بعد أن غادرت غرفة جدتها..! بذات السكينة الملئية بالحزن، احتضنت ذراع جدها وربتت على كفه " سوف تكون بخير.." مسح الجد على يدها بلطف كبير " جدتكِ قوية يا ريم لا تخافي.." زادت تعلقها بجدها فيما تساءل والدها بقلق " أين قمر!" تحدثت بلا مبالاة لنبرة القلق في صوته " إنها عند جدتي.." نهض رامي من مكانه كاظماً غيظه " حذارِ أن يأتي حتى هنا أيضاً.." أغلق الجد عيونه مع أخذ نفس طويل، فابتعدت ريم قليلاً عنه عندما قال والدها " لن يجرؤ.." سألت بحيرة " عن ماذا تتحدثون؟" ضرب رامي الحائط بيده ثم تحدث من بين أسنانه بغضب " عمي ماجد..." " والد قمر؟" زادت حيرة ريم ! أومأ رامي رأسه " جاء إلى المنزل و..." وعلى بعد خطوات شهقت قمر وتراجعت إلى الخلف..! هزت رأسها بعدم تصديق، فلا يمكن أن تتوالى الضربات عليها في هذا اليوم.. إنها لا تستطيع التحمل عند هذه النقطة بالتحديد! لماذا تستمر الأحزان وتعرقل طريقها نحو السعادة؟ والدها والماضي، ذكريات المأوى.. مرضها ولياليها المظلمة.. تزاحم كل شيء في ذاكرتها ثم أمسكت بعقد والدتها أخيراً، تماسكت وهي تبتعد بصدمتها الكبيرة، تحاول انتظام انفاسها التي تتلاحق بخوفها من كل الماضي ومن حاضرها ومن مستقبلها! حتى خرجت تستنشق الهواء خارجاً، بأطراف تكاد تصاب بالشلل ودموع تأبى أن تخرج من كهفها المظلم..! هنا وفي هذه اللحظة تكاتف الجميع مع القدر لقتلها وقتل بقايا الأمل المزروعة فيها.. سارت بلا وعي.. وتتلاطم أمواجها ذات اليمين وذات الشمال..! صخب السياراتِ من حولها، واشارات المرور التي عبرتها بلا أدنى انتباه..! أغلقت عينها وانزلقت بقدمها على مفترق الطرق ولا شيء معها سوا ذكرياتها ووجه والدها التي حاولت أن تنساه بصورته البشعة حينما تركها وحيدة..! ولا شيء آخر في الطريق سوا حزنها الذي أغلق جميع حواسها ودموع تهطل حجبت كل رؤية من حولها وصوتُ بوقِ السيارة التي تخبرها أنها بعد أقل من نصفِ دقيقة ستكون قد اصطدمت بها....! انتهى الفصل.. واتمنى تعذروني لتأخري.. بس حاولت قدر الامكان انه البارت بأحداثه وطوله يكون اعتذار لتأخري ويكون على مقدار انتظاركم وحماسكم.. ++ يا رب تسامحوني على الافكار الشريرة بالبارت محبتي الكم كبييرة كتير تضلوا بخير وبحفظ الرحمن | ||||
08-08-20, 10:24 PM | #27 | ||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام
| "الأصعب من البكاء هو فقدان القدرة علية." (21) مر الوقت غريباً عليه، بجانب سيارته المركونة على ذلك الطريق الذي شهد خصام الحب مع قمر! رفع رأسه عن المقود بتهالكٍ كبير.. مسح على وجهه بتعب.. كل شيء سار على عكس ما كان من المخطط له.. وجود كمال أشعل صفارات الانذار في قلبه فأرسلت نداءاً عصبياً وصب كل جعبته من رصاصات الاتهام نحو قمر.. أخرج زفيراً ممتزجاً بالقهر وشد على قبضته.. فقد وصل إلى مفترق طرق ولا يعلم في أي اتجاه يريد أن يتجه! بل لا يعلم لم كل تلكَ التصرفات والكلمات العدائية التي وجهها على قمر.. نظر الى تذكرتي المعرض الملقتين على قارعة الطريق ثم تنهد.. قد كسرها هذه المرة بطريقة يصعب تجميع فُتاتها بعد الآن،..! أخرج تأوها من رحمِ القلب.. ووضع كفه على جبهته بتفكير عميق ولكنه لا يعلم ما الذي عساه أن يفعل فقد ازدادَ الأمر سوءاً بشكل زائدٍ عن السوء..! ثم التفت بانزعاج نحو رنين هاتفه المتصل لمرات عديدة حتى أجاب بصوتٍ غاضب " ماذا بعد؟" جاءه صوت ريم المليء بالتعب والبكاء " أينَ أنت يا مجد؟" " ماذا هنالك؟" " جدتي بالمشفى.." *********************** كان السؤال الذي يدور في ذهنِ الجميع لماذا عاد؟ وفتح باب الماضي مجدداً..! أما هو وقبل ساعات فقد كان متجهزاً ببدلته السوداء وربطة عنقهِ المائلة لونها إلى الأحمر العنابي، وقف وسطَ الصالة وعيناه تتجول أنحائها بحثاً عن طيف قمر هنا.. اهتزت قدمه اليمنى بتوتر ملحوظ عندما سمع وقع خطوات قادمة نحوه وصوتها الذي امتلأ بقسوة مصطنعة " ماذا تفعل هنا؟" ظل صامتاً حينها يبحث في جعبته عن مبرراتٍ يخبرها اياها.. ثم حاول ان يجرمها بنظرة حنين ولكنها كانت قاسية كما لم يعهدها قبل.. هز رأسه وبدد كل شيء فيه ثم تحدث " قمر.. ابنتي" تفصلها المسافة عنه وضربات قلبها تشكل ضجيجاً كبيراً.. سارت بخطواتها الثقيلة واستندت بيدها على الأريكة كي توازن نفسها " لا وجودَ لابنة لك هنا.." شد على قبضته أمام غباش عيونها ثم قال " أنا بحاجة إلى قمر.." " لقد قالت لا يوجد شيء عائد لك هنا.." التفت ماجد إلى رامي الذي دخل كعاصفة وصرخ به مجدداً " اخرج حالاً.." " حديثي ليس معك؟" تكتف رامي بحنق وقال بسخرية " حقاً.." أخذ ماجد نفساً ثم نظر إلى والدته.. توجه بخطواته اليها فردعه رامي أن وقف بينهما رافعاً حاجبه بتحدٍ كبير " لا يمكنك أن تخطو خطوة واحدة.." " حسنا لن أخطو ولكن فقط اسمعاني ..." تحدثت الجدة بصوتٍ حزين " وهل أنت سمعتني قبل أن تذهب.." التفت رامي اليها وشعر أنها لن تكون على ما يرام بعد هذه المقابلة فتوجه اليها بتوجس بينما أردفت هي وشرارُ الدنيا يلمع في عيونها " هل أصغيتَ السمع لزوجتك؟" ثم قالت بصوت متحشرج " ماذا سوف تقول.. هل أنكَ عدت الآن وتريدها.." همس رامي لها بعد أن أمسكها " جدتي هل أنتِ بخير؟" بلعت غصتها ثم تحدثت " لا يمكنكَ أن تحصل عما تريد؟" " ولكنني بحاجة إلى.." قاطعه رامي بغضب " ولكنها ليست بحاجة إليكْ.. ليست بحاجة لأب مثلك.." صرخ ماجد بهم " كفى كفى .. تطلقون الحكم علي قبل أن تفهموا.." توجه رامي اليه بغضب " اياك أن تطلق ذرائعكَ هنا.." ثم أشار بيده نحو الباب " هيا اخرج حالاً.." تجمع الدم في وجه ماجد " لن أخرج قبل أن أرى قمر.." " وماذا تريد بها بعد كل تلكَ السنوات، صدقني تفضل قمر الموت ولا رؤيتك" صرخ ماجد " كفاااك.. أبنتي ملاك سوف تذهب الى الموت وأنت هنا ما زلت تتحدث عن الماضي.. " " ماذا تريد مني أن أقول.." قاطعه ماجد وهو يشد على قبضته " قولوا لها وليس لي.. أنها من سوف تنقذ شقيقتها" كظم رامي غيظه ومن خلفه وضعت الجدة يدها على صدرها ثم تثاقل لسانها " أنتَ اناني يا ماجد.. كما كنتَ في السابق" التفت رامي بجزع ثم صرخ بأعلى صوته وضربات قلبه تزداد نحو الألف... *************** " هذا الذي حصل؟" ثم زفر ما بجعبته من أنفاس حارة ووضع رأيه بين كفتيه " وهل جدي والبقية يعلمون بما حصل؟" تساءلت ريم بحرقة هز رأسه نفياً " فقط أنه جاء.." نظرت اليه ريم بقلة حيلة ثم من الزاوية التي جلسا بها نظرت الى والدها والجد والتجمع الصغير الذي حصل من العائلة وزفرت بحرارة.. لا أحد يعلم لماذا جاء بعد كل تلك السنوات سوا أنه بحاجة إلى القمر! وأي حاجة أنانية هي تلك،؟ يتركها خلفه في سنوات عجاف مليئة بظلام القسوة والدموع..! ثم يعود بأكثر قسوة وضراوة لمعركة جديدة في حياة قمر... التفتت اليه ريم بحيرة ثم سألته " وكيف علمتَ أنت بقدومه؟" اتكأ رامي على المقعد ثم همس " من مديرة المأوى!" **************** تساءلت سوزان بتوتر وهي تهرع المكتب ذهاباً وإياباً " هل يكون قد لحق به؟" نظرت اليها مديرة المأوى بنظرات مليئة بالحيرة ثم تحدثت " يكفي أن لا يصل الأمر إلى قمر؟" انحدرت سوزان بجيدها باندفاع نحوها " لماذا؟" نظرت اليها المديرة بعدم فهم فأردفت سوزان " لقد جاء مسبقاً إلى هنا وأنت لم تتفوهي بأي حرف.." أومأت المديرة برأسها " أجل هذا الذي حصل من أجل قمر.. لم أنكر أنها هنا ولكنني أنكرت معرفة مكانها" " كنا جميعاً نريد ان يعود آباءنا حتى و.." قاطعتها المديرة بأسى " باستثناء حالة قمر.." زفرت سوزان وجلست " وهذا الذي لا أفهمه.. لقد دب بكِ الجزع عندما أخبرتكِ بأمر والدها ومرض ابنته.." زفرت المديرة ثم تحدثت " هل تعلمين لماذا قمر مكثت هنا طويلاً يا سوزان.." عقدت سوزان جبينها بحيرة ولاحظت شرود المديرة وهي تكمل حديثها " لم تكن حالتها النفسية جيدة.. تعاني من الكوابيس كثيراً حتى أنها كانت تدخل بنوبة غريبة عندما تعلم أنها سوف تذهب من هنا.. تظن أنها سوف تذهب الى عائلة متبناه.." " هل كنتِ تعلمين سابقاً أنها ابنتهم.." تجمعت الغصة في سوزان بينما اكملت المديرة بعد الصمت المرير " منذ وصولها هنا بطريقة تبدو أنها مقصودة تفوهت سوزان بعدم استيعاب " مقصودة؟" هزت المديرة رأسها ايجاباً وبقلة حيلة " كانت هنالك ورقة في حوزتها أنها تنتمي لهذه العائلة " توسعت عينا سوزان فيما أردفت المديرة " قد أعلمت السيدة زينب وحفيدها رامي.. ولكن كانت هنالك مشكلة وحدية.." قاطعتها سوزان بأسى " هو تقبل قمر.." أومأت المديرة وأكملت " رامي كان دائماً يزورنا هنا حتى حاول الاحتكاك بها بطريقة أو بأخرى.. وكانت السيدة زينب تأتي بين فترة وأخرى مع زوجها.. وهكذا حتى ذهبت ومكثت معهم، هل تعلمين يا سوزان حتى وإن كنتِ تحتاجين أباً وأماً ولكن بالأكثر تحتاجين حضناً.. وقد رأت فيهم الأمان وتغلبت على ضعفها حين ذاك حتى وإن كانت مترددة " **************************** كان الوقت يعلن موت أحدهم بالتأكيد! تتسارع السيارة لايقاف عجلاتها الدوارة قبل أن تصيب تلك الفتاة! وتتسارع خطواته الهزيلة عندما رآها تسير بلا معرفة أين تخطو.. ارتعدت بخوف عندما رأت شبحاً يسقط فوقها ويرميها بعيداً عن السيارة الحمراء التي انحرفت قليلاً عن مسارها بجانبهم، لهثت برعب أمام لماسته التي تحيط بها كعصفور صغير.. مسح على وجهها بلهفة خائفة وصوت يرتجف " هل أنتِ بخير؟؟" هزت رأسها نفياً باضطراب كبير وصوت السيارات يعلن حداداً على روحها المرهقة، ثم يدنو صوته منها وأنامله تلتمس طريقها نحو رأسها " قمر أجيبي.." أنهضها بقوته مع اضطراب أطرافها ثم جعلها تجلس على الرصيف، متشبثة به كطفل صغير وشفتاها ترتجفُ الذعر وعيونها تمطر وجعاً،.. " حسنا اهدأي.." ومسحَ على وجهها بعد ان أحضر أحد المارة زجاجة ماء.. أرجع خصلاتِ شعرها إلى الوراء ثم همس لها " قمري.." تقوست شفتاها وببطء " أنا لستُ قمراً لأحد.. حتى هو.." بلعت غصتها مع الماء وقالت باختناق " لماذا عاد؟" ثم نظرت الى عيونه الرمادية الخائفة وبنبرة مجروحة عاجزة " لماذا عاد بعد أن اعتدت غيابه؟" عقد مجد حاجبيه بخوف اكبر يبدو انها تهلوس كما كانت في السابق، زفر بحرارة وباضطراب كبيرة كاد أن يحملها بين ذراعيه حتى همست بقهر " لقد عاد والدي يا مجد.." التفتت اليه بعيون مليئة بالدموع " هل تتذكر عندما ذهبنا إلى المنزل الخشبي، لقد حلمت أني رأيته.." ثم توقفت كلماتها مع شهقة كبيرة خرجت روحه مع هذه الشهقة المريعة فاحتضنها بين ذراعيه بقوة وهمس " أنا هنا لا تقلقي.." وفي حديقة عامة جلست على مقعد خشبي راكدة علامات الموت ظاهرة في وجهها، تنظر بفراغ كبير أمامها، وقف على مقربة منها مذعناً لكلمات ريم المرتابة " ماذا تفعل معك لقد كانت عند جدتي بالغرفة؟" تحدث بألم وأمامه صورتها في ذلك الطريق " إنها ليست بخير يا ريم.. تقول والدها وما شابه.." وقفت ريم في رواق المشفى بشهقة " هل سمعتنا ؟" مسح مجد على وجهه ونظر اليها ثم التفت مجدداً عنها " إنها ليست بخير، سوف أحضرها للمشفى.." في حين وصله صوت ريم المذعور " لا تحضرها يا مجد.." وقبل أن يتساءل كانت ريم تتحدث ببطء وعيونها تنظر الى ذلك القادم نحوهم " إنه هنا، والدها.." وقف رامي بتأهب وكاد أن يتقدم بما يحمله من غضب الا أن عمه قد أوقفه وصوت جده الذي همس من خلفه " رامي.. لا تفتعل المشاكل هنا.." شد رامي على قبضته والتفت وضرب الحائط بحنق كبير فيما تقدمت ريم ببطء شديد نظرت اليه بتمعن انه فعلاً والد قمر.. كما الصورة التي بحوزتها وإن كان قد كبر بالعمر ولكنه هو.. ثم حولت نظرها الى تلك الطفلة الصغيرة عقد حاجبيها وكأنها مألوفة لها. " لماذا عدت يا ماجد؟" تحدث الجد حينها بقسوة كبيرة " أحضرت ابنتي معي.." جلست ريم بجانب جدها تنظر إلى هذا الجفاء الذي يجوب الرواق هنا، فيما نظر الجد بابتسامة صغيرة نحو الطفلة.. بينما تقدم والد مجد بتجهم كبير " ريم خذي هذه الطفلة.." قاطعته ملاك بشقاوة " ولكن اسمي ملاك.." وقفت ريم باضطراب المشاعر ثم توجهت نحو ملاك بغرابة الشعور وقبل أن تلتقط يدها سألتها ملاك " من تكونين أنتِ؟" انحت شفتا ريم كابتسامة شاحبة " ريم، اسمي ريم.." " أجل من تكونين؟" أخذت ريم نفساً عميقاً " ابنة عمك غالباً.." بانت أسنان الملاك بابتسامة طفولية ثم تعلقت بها..! وبعد أن أخذتها من جانبنهم في زاوية من هذا الرواق،.. وقف الجد وأشار بسبابته " عد حيث جئت وإلا.." " كما المرة السابقة تهددني؟" أخذ رامي نفساً عميقاً فيما تساءل عمه " ماذا تريد يا ماجد؟" أجاب ماجد بثقة " قمر.." " بل تريد منفعة من قمر.." تحدث رامي من بين أسنانه بقهر نظر الجد بغرابة فيما قال بتجهمه " اصمت يا رامي.." ثم التفت الى ماجد ونظر اليه بتمعن كبير بلا أدنى شعور يظهر عليه " وماذا تريد من قمر؟" نظر ماجد إلى ملاك نظرة عاجزة ثم قال " من أجل ملاكي.." عقد والد مجد حاجبيه باستغراب " لماذا؟" ما زالت عينا ماجد على ملاك التي تضحك مع ريم بشقاوة كبيرة " إنها مريضة بسرطان الدم.." توقف رامي قليلاً عن الفوران ونظر نحو ملاك ثم عادت نظراته نحو عمه فيما نظرات والد مجد جافة صامتة وكانت نظرات الجد تعبر عن الأسى، مليئة بقهر كبير وتساءل كثيراً داخله هذا الذي ينتفض قلبه من أجل طفلته ألم يلق بالاً لقمر قبل سنوات؟ وعلى بعد خطوات معدودة سألت ملاك " لقد قال والدي أن جدتي مريضة؟" أمالت ريم رأسها بحزن " أجل إنها كذلك.." أمالت ملاك شفتيها بحيرة طفولية " هل يسمحون لنا برؤيتها؟" أجابت ريم بفتور " لا أعلم.. ربما" تحدثت الطفلة بعدها " أنت حزينة وأنا أيضاً.. أنا لم أرى جددتي أبداً ولكنني حزينة لأنها مريضة" التفتت اليها ريم بملل أليس من المفترض أن تكون ملاك الآن تحاول التأقلم لوجود عائلة لها؟ أم أن والدها قد هيئها سابقاً لهذه المرحلة؟ فيما وقفت ملاك بتأهب عندما رأت والدها يتقدم نحوه وعندما وصلها دنا منها أمام ريم بالتحديد، مسح على شعرها وهمس بحنان " هيا نذهب الآن؟" " ولكنك قلتَ لي أنني سوفَ أرى جدتي؟" ازدردت ريم لعابها بقهر كبير عندما كانت يداه تحيط كتفي الصغيرة بعطف كبير " ليوم آخر يا ملاكي.." عقدت ملاك ساعديها بعناد فيما نظر اليها والدها بقلة حيلة " سوف نأتي لاحقاً.." أومأت الصغيرة بانصياع ثم رجته قائلة " هل يمكنني قول سر صغير لها.." وأشارت نحو ريم التي رفعت حاجبيها بتعجب كبير.. حتى حطت تلك الصغيرة على اذنها وهمست لها " أخبري جدتي أنني أحبها وإن كنت لم أراها.." ابتسمت ريم بخفة وهمست لها " لماذا لا تقولين لها أنتِ في المرة القادمة؟" رفعت ملاك كتفيها ثم قالت بشقاوة " وأنت أيضاً قد أحببتكِ" ابتسمت لها ريم مجدداً ثم قبلتها من وجنتها *********************** شق الليل طريقه في هذا الطريق المليء بإنارة الشوارع وأمام هذا المنزل المتوسط الحجم أظهرت انارته الخافتة جزءاً من توتره، نظر الى جيداء ثم إلى المنزل..، حتى وضعت جيداء يدها على كتفه " هل أنت مستعد لذلك؟" " مستعد يا جيداء.." أغلق عيناه ثم أخذ نفساً عميقاً وبعد أن اخرجه بقوةـ تقدم بخطواته الواثقة بعض الشيء.. لقد وصله هذا العنوان، شخص عاشر والده على الأغلب وربما قد يساعده هذا الشخص للوصول الى الحقيقة ويكون شاهداً على كل شيء.. حتى يصل إلى مبتغاه وهو إظهار الحقيقة،.. دوت طرقات جيداء الباب في اذنه كما الرصاص، وصر الباب انيناً مزعجاً حتى ظهرت أمامهم فتاة تبدو في الثلاثين من عمرها.. " هل السيد معاذ هنا؟" تساءل بنبرة مرتجفة " أجل من أخبره؟" تحدثت جيداء بثقة أكبر " نحن من طرفِ السيد مراد.." عقدت الفتاة حاجبيها ثم " حسناً لحظة حتى.." قاطعها صوت من الخلف " دعيهما يدخلا.." ثم اطل بوجهه المليء بالمكر " اللذان من طرفي.." توسعت عينا جيداء فيما همس رائد بصدمة " عمي.." ابتسم مراد وقال " يا لهذا الشوق الذي في داخلي لك.. " " ما الذي تفعله هنا؟" تساءلت جيداء بحنق " أردت التحدث الى معاذ صديقي القديم.. وأنتم؟" ورفع مراد حاجبه بمكر شد رائد على قبضته في حين فتح مراد الباب بابتسامة مليئة بالخبث " اذا يمكننا الذهاب الآن يا ياسمين كي يتحدثا الى معاذ براحة.." وسار من جانب رائد بعد أن أخرج دخان سيجارته في وجهه.. وسارت من خلفه ياسمين بعد أن تهربت من النظر إلى جيداء ثم وقفت عندما تحرك رائد الى أن صار أمامها مباشرة نظر اليها مطولاً ثم تنحى جانباً بعد أن همس بكلمات غير مفهومة... ************************ ما الذي يختبر قدرتنا على العيش! الاستمرار في ذات المعاناة من الصفر من جديد.. وكيف سوف نتحمل سقوطنا على جثثِ الماضي في برهة كنا قد نسيناه بها. وكل شيء يعيد نفسه، لا الحدث نفسه ولكنها الاوجاع من تعاد. طال الليل كثيراً هذه المرة، ربما لم يكن أطول مما سبق من أيام أليمة ولكن الظلام نفسه بدأ يتسرب إلى حياتنا.. مجدداً تنقلب الساعة الرملية وتبدأ حبات الرمل على ذات الوتيرة السابقة بالسقوط.. وتتساقط قدرتنا على التحمل.. ! في اليوم التالي، تقتربُ ببطء من القوة.. رفعت شعرها بعشوائية، نظرت الى انعكاس صورتها بذبول كبير.. ثم توجهت اناملها نحو عقد والدتها وتلكَ الرسالة المخبأة من الماضي ثم همست عندما قربتهما من صدرها " سوف أكون قوية.. أجل قوية.." أخذت نفساً عميقاً ثم نهضت من مكانها خارجة من الغرفة بأكملها حتى وصلت باب المنزل الرئيسي وصوت من أمامها " قمر إلى أين؟" عضت على شفتيها بألم وتحدثت بعدها " لا شأن لك.." تقدم نحوها إلى أن وقف مقابلها تماماً " قلت إلى أين؟" رفعت أقدامها حتى تصل لمستوى عيناه " إلى جدتي.." نظر إليها بقلة حيلة " أنتِ متعبة نذهب.." قاطعته بعناد " أريد أن أذهب.. يكفي أنك حجزتني هنا منذ الأمس.." مسح على وجهه بتعب " كنتِ متعبة لذلك.." أبعدت وجهها عنه ثم كادت أن تتعداه حتى قطع طريقها بيده نظرت اليه بحنق وانزعاج " لا يمكنك أن تمنعني.." حاولت أن تتمالك شعورها، ليس عليه أن يهتم الآن بعد أن ألقى كل غضبه عليها قبل أن يحميها من السيارة التي كادت أن تدوسها.. ثم نظرت الى تلك الضمادة التي تحيط يده ونظرت اليه بانكسار " لماذا؟" أغلق عيناه ثم فتحهما " جدتي بخير.." ارتجفت شفتاها وهي التي كانت منذ قليل تتمالك كل قوتها فالآن تتهاوى كل قطعها أمامها وأمامه مجدداً.. أخذت نفساً عميقاً أمام نظراته الحائرة ثم قالت بجفاء رغم ارتجاف حروفها " ليس من حقك أن تمنعني.." شد على قبضته ثم تحدث بعدم صبر " قمر ادخلي.. ونذهب بعد" قاطعته " بأي حق تمنعني.. أنت من أنت.. ؟" التجم لسانه و قرأت في ملامحه الحب العاجز عن النطق.. هزت رأسها نفياً ثم ألقت حقيبتها أرضاً وصرخت ببكاء " لماذا دائماً ما تحاول أن تكون عائقاً لكل شيء.. حتى عندما أردت أن أذهب بهناء معك إلى المعرض تحولت إلى مجد السابق " ابتعدت عنه عندما حاول الاقتراب منها وصرخت بذات النبرة " والآن والدي في مكان ما قريب.. ولا أريد رؤيته.. أريد أن أهرب من كل شيء وأنت تمنعني" شهقت بعدها وارتخت كل قوتها أمامه.. وتصاعد الضباب حولها كما البارحة تماماً " أردت أن أخرج من هنا قوية، أنا أحاول أن أكون قوية ولكنك هنا أنت وقفت وفرت كل قوتي.." وضعت يدها على قلبها ونظرت اليه بانكسار " لماذا يا مجد؟" تقدم اليها ثم أخذها بين ذراعيه، تشبثت به كطفل غريق " لم أنم الليلة الماضية كي لا أراه في حلمي ولكنني غفوت.." ابتعدت عنه قليلاً ثم همست بشحوب العبارات " حلمت بك.. ولكنكَ أيضا أنت ذهبت.." أعادها الى صدره وجثا معها على الأرض ومسح على شعرها بكل حزن " لن أذهب يا قمري أنا هنا بجانبك.." تحدثت قمر من باطن صدره بأسى" كان يقول لي قمري وتركني.." زاد تعلقاً بها وهمس بكل حب " أنا لا أترك قمري الوحيد وأذهب.." " هل نقول أننا انتصرنا البارحة يا ياسمين؟" وضعت ياسمين ملفاً أمامه وقالت " ربما يا سيد مراد.." نفث مراد سيجارته وتحدث بفرح ماكر " بل انتصرنا.. لنرى ما الخطوة التالية للآنسة صفاء هنا؟" ابتسمت له ياسمين " ربما لن تخطو.." وأردفت بعدها عندما رأت حيرته " أتيت باكرة بعض الشيء وجلبتُ بعض الأمور التي من الممكن أن ترشدها إلى أخطاء الماضي.." " دعينا لا نقول عنها أخطاء.. إنما تأمين حياة.." جلست ياسمين ثم تساءلت بفضول " ماذا سوف نفعل بها؟" مالت شفتا مراد بسخرية " توقيع يذهبها بجانب والدها.." رفعت ياسمين حاجبيها بعدم تصديق " وكيف ذلك؟" سحق سيجارته مع ابتسامة تعلو فوق السحاب ونهض من مكانه وتوجه نحو النافذة الكبيرة.. وقف بغروره المعتاد تمتد كفاه في جيب بنطاله " تفقدي ما يجول في عقل رائد يا ياسمين ولا تدخلي في أمور أنتِ في غنى عنها.." " اذا عدت إلى نقطة الصفر؟" تحدثت ريم بهمس " ليس صفراً.." صمت قليلاً ثم التفت بكامل جسده إليها وقال " بالتأكيد هنالكَ ثغرة سوف تذهب بنا نحو الظلام " " إن كان قد ارتكب الكثير من الأمور بالتأكيد أن أحدهم شاركه.." أومأ رائد رأسه بتأييد، فلوت ريم شفتيها بحيرة كبيرة " وهذا الشيء يجب كشفه من داخل القلعة.." ظل صامتاً فيما تنهدت ريم على مسامعه وأمسكت يده " أنا معك حتى وإن لم أكن بجانبك فأنا معك بقلبي.." ابتسم رائد لها بحب كبير ثم تحدث بحنان: " دعكِ مني الآن.. تبدين متعبة جداً اذهبي وارتاحي في المنزل" هزت رأسها " لست أهم من جدتي.." " ولكن وضعها ليس خطيراً.. يومين بالأكثر وتخرج.." أخذت ريم نفساً عميقاً ثم أسندت رأسها على كتفه بكل تعب.. " ليس هذا ما يؤرقني يا رائد.." شد قبضته على يدها بعطف فأردفت " عاد والد قمر.." " لماذا عاد؟" تحدثت جيداء عندما أحضرت أكواب القهوة وجلست بجانبهم على المقاعد في الباحة الخارجية ابتعدت ريم عن رائد وأخذت كوب القهوة.. ارتشفت تلك السخونة وغمرتها بنشوة الدفء.. وبعد صمت تحدثت بفتور " ابنته الصغيرة.. ملاك مريضة بسرطان الدم.." أومأ رائد بتفهم فيما تساءلت جيداء بمرارة " وهل تعلم؟" زفرت ريم بحرارة " تعلم أنه عاد أما السبب فمجهول بالنسبة لها.." نظر اليها رائد ثم سمعا جيداء تقول بلؤم شديد " قمة الأنانية أن يعود.." ابتسمت ريم بشحوب " وتلك الصغيرة تظن أنها تدخل إلى العائلة التي حرمت منها.." ثم مالت شفتاها بسخرية لاذعة " الأسوأ من هذا كله أنها لا تعلم بوجود شقيقة لها.." ************** لم تتبقى إلا خطوة واحدة له، هذه الخطوة ستكلفه ثمن السنين التي مضت.. انتشل نتائج تحاليل ملاك من إحدى الجوارير.. التمسها بكل حزن مقيت في هذا العالم وهمس بقهر " لقد خسرت الأولى لا أريد أن أخسرك أنتِ أيضاَ.." أغلق عيناه متألماً.. تعود به الذكرى إلى ذلكَ اليوم الأليم.. يوماً خسر فيه عمراً آخر بعد رؤى.. // في سحابة الذكريات // البدر ينتصف الليلة الحزينة، نهض بعد اصرار هاتف المنزل المزعج على ايقاظه.. تكاسل وبجانبه زوجته ( كاريس) نظر إليها بملل ثم نهض بتكاسل مع صوتها الذي سأل بنعاس " ماذا هنالك؟" توجه خارج الغرفة بلا إجابة.. ملتفتاً مع انحدار الرواق الضيق إلى الصالة الخارجية.. نظر إلى الساعة بكل انزعاج لقد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل.. تحامل على نفسه وكاد أن يلتقط سماعة الهاتف لولا أن توارى الصوت بعيداً.. تنهد بتعب ثم التفت بخطوتين حتى عاد الصوت يطن في أرجاء المنزل.. أخذ السماعة بكل انزعاج.. " سيد ماجد.." كان الصوت مرتاعاً حزيناً.. يرتجف مليئاً بدخان الحريق الذي حصل.. كان يركض بكل خوف.. رغم اضطراب أقدامه.. بملابس النوم بلا ادنى اهتمام.. تخبره وقعات أقدامه على الأرضية البيضاء أن لا أحد نجا من ذبك الحريق.. وصل حيث وجد زوجة صديقة.. تقدم إليها والدموع تسبقه.. " أين قمر..." كانت رجفتها خير دليل على ما أحس به.. صرخ مجدداً مما جعلها ترتجف بخوف " قلت لكِ أين قمر؟" خرج بعد ذلك الصراخ طبيباً من حجرة العمليات نظر اليهما بتوتر ملحوظ ثم تحدث بكل أسف " لم نستطع انقاذ زوجك.." شهقت الامرأة ثم تهاوت كل دموعها بعدم تصديق لما حصل.. فيما انقض ماجد على الطبيب وأمسكه من ياقته " وابنتي ماذا حصل لها.." حاول الطبيب ابعاده فيما ازدادت قبضة ماجد تمسكاً به، حتى حاوطته كاريس من الخلف " ماجد.. اهدأ قليلاً.." ازدرد الطبيب لعابه بصعوبة ثم سألته كاريس " فتاة صغيرة.. لم تتجاوز العاشرة ربما.." عقد جبينه ثم تحدث " ربما في قسم آخر.." أومأت كاريس رأسها ثم توجهت نحو ماجد الذي يدور الرواق بكل قلق " اهدأ أرجوك.. فقط بعض الوقت..." كانت أعصابه مشدودة.. يقف بتوتر ملحوظ ثم لا يبره أن يجلس بجانب كاريس.. تجاوز الوقت ساعة وهو ينتظر أن يسمع خبراً من ذلك الطبيب حتى وقف وصرخ " أين هو.." وقفت كاريس بتأهب " الآن يأتي.. ربما.." كان يهز رأسه بعدم تصديق حتى قالت باندفاع وهي ترى نفس الطبيب السابق يتوجه اليهم " انظر ها قد أتى.." وأشارت بيدها نحوه التفت بحدة نحوه حتى وقف الطبيب أمامه على بعد خطوتين.. بلا علامات تدل على شيء على وجهه تحدث وكأن الأمر لا يعنيه أبداً " للأسف لا وجود لحالة كهذه.. ربما لم تخرج من تحت رماد الحريق.." توسعت عينا كاريس مع شهقة كبيرة بينما التفت اليها ماجد تسبقه سيالات الغضب والندم " أنا السبب.. أنا.." هزر رأسه بقوة ثم تهالك منحدراً مع ذلك الجدار " لو بقيت في المنزلي.. لما حصل لها ما حصل.." /////// أغلق عيناه وأنهى هذه الذكرى من الجريان في عقله.. وهمس بكل ألم نادم " لو لم أتركها أبداً.." وتنهد بحرارة بعد أن شرب مسكناً عله يخفف صداع رأسه اللعين.. ثم توجهت قدماه نحو الصالة فرأها تجلس عاقدة ساعديها ومقطبة جبينها بحزن.. تراخى وجهه من الضيق وزرع ابتسامة عندما تقدم لها " ماذا بها ملاكي؟" نظرت اليه بلا اهتمام ثم ابعدت نظراتها عنه.. جلس بجانبها مكابحاً ألم رأسه " لماذا ملاكي حزين؟" " قلت لي أنني سوف أرى جدتي المريضة؟" أخذ نفساً عميقاً ثم تحدث " ولكنها مريضة..غدا أو بعد غد تكون في المنزل.." التفتت اليه " اذا لماذا أنا هنا أتحدث مع نفسي أو مع هذا الحائط؟" كتم ضحكته أمام تقوس شفتاها وعيونها التي تغمضهما وتفتحهما واحتضنها تحت ساعده ثم تحدث بلغز كبير " سوف نذهب إليهم .. لا تقلقي.." ************ بعد ثلاثة أيام من ضجيج العقل والقلب.. خرجت بهدوء من المصعد ثم التفتت نحو مكتبها بعد أن ملأت معدتها بالقليل من الطعام،.. جلست بعد أن نظرت مطولاً إلى مكتبها فالعمل هنا لا ينتهي أبداً.. نظرت إلى الملفات ثم استرعى انتباهها ذلك الظرف الورقي المتوسط الحجم.. عقدت حاجبيها ثم فتحته وأدخلت يدها في فضائه أخرجت منه قرصاً صلباً. تأملته قليلاً ثم نهضت من مكانها بعد أن قرأت الورقة، حيث غرفة مديرها مراد.. الباب مفتوح ومن خلفه كان لؤي جالساً.. رفع رأسه فنظرت اليه بتردد.. ازدردت لعابها ثم تداركت صمتها " هل تريد شيئاً ما.." هز رأسه بانزعاج ثم أعاد بصره نحو ما يشغله من ملفات.. لوت شفتيها بضيق ثم استدارت نحو مكتبها.. جلست بتردد وأمسكت القرص الصلب وتساءلت " هل أرسله الآن.." والتفتت يميناً ويساراً ثم رفعت كتفيها وشارعت بتنفيذ المهمة.. حتى وصلت إلى الطرف الآخر... ****************** تشير ساعتها إلى الثانية بعد منتصفِ هذا النهار، وجديلتها تتشكل بعشوائية خلف ظهرها، ممسكة ريشتها التي ترتجف بين انامل تهالكت من التعب.. وتمتلأ اللوحة بلون أسود يشابه تلكَ الهالاتَ الممتزجة مع ابيضاض بشرتها.. تتهدل رموشها بتعب واضح.. ثم تترك ريشتها جانباً وتنظر إلى اللوحة بشرود وجملة واحدة تسيطر على جراح قلبها " ابنته.. أي شقيقتك مريضة.." إنه لضرب من الجنون! وضرب من الخيال.. إنه لشيء يوقع القلب في مصيدة العذاب مرة أخرى.. ولم تستطع أن تفهم كيف ألم بها الركود في تلك اللحظة عندما أخبرها الجد بسبب عودته. كانت نظراتها خاوية.. وشحوب قلبها قد ظهر على وجهها.. وحدها ريم من كانت تمسك يداها والدموع تكتسح وجنتاها برقة كبيرة.. ومجد يقف على مقربة منها تمتلأ عيناه بشتى المشاعر.. أما هي فصمت مرير مليء بقهر السنين التي مضت،.. هي التي عانت سابقاً من كل الأمور جلست بلا علامات تدل على التأثر.. وسجنت نفسهاً مجدداً بين الألوان والورق.... التفتت برعدة الجسد مع صوته " ألم تسأمي من الألوان.." تلاحق نفسها قليلاً ثم نظرت اليه بلا إجابة.. تقدم منها ودنا بالقرب منها أخذ يداها المتسختين بالسواد بين يده واحتضنهما بكل رفق.. ثم نظر مباشرة في عينيها العسليتين " أعلم أنه أنا أخر شخص تفكرين التحدث إليه ولكن صمتك يقتلني.." أبعدت إحدى يداها من بين أصفادِ يديه ثم توجهت بها نحو صدرها " هنالك حجرة فوق قلبي.." أمالت رأسها قليلاً حاجزة دموعها داخلها وأخذت تضرب على صدرها مع كل جملة تخرج منها بعنف " لأول مرة لا أبكي.. لأول مرة غصتي تبقى هنا.. لأول مرة أشعر أن البكاء لا يجدي.. لأول مرة أرى أنني فتات يصعب جمعي" سحب يدها عنها ثم احتجزها كلها بعد ان وقف بين أحضانه " حسناً.. كل شيء سوف يمضي.." أغلقت عيناها بضعف ثم فتحتهما بعد صمتٍ بينهما وتساءلت " متى سوف تخرج جدتي؟" أجاب وهو يمسح على شعرها " ربما بعد ساعة.. أو ساعتين.." رفعت رأسها إليه بحزن " بالتأكيد حزنت لأنني لم أذهب إلى زيارتها.." هز رأسه نفياً " لا لا.. لا أحد يحزن منكِ.." نهضت بتعب فتراخت يداه عنها وتأملها ملياً عندما التفتت مغادرة غرفة الرسم خاصتها ناداها باندفاع فالتفتت عليه مقطبة جبينها عندما ظهر التردد عليه حك وجنته " هل قررتِ بشأن.." ثم صمت عندما لم تجب تقدم منها حتى وقف وامتدت يداه على كتفيها وتحدث " ليس لها ذنب في شيء.." ازدردت لعابه وتحدثت بشحوب " اسمها ملاك أليس كذلك؟" أغلق عيناه مؤكداً اجابته ب (نعم) نظرت اليه وعقدت أصابعها أمامه بحيرة ******************************** تنبه على الرسالة التي وصلته إلى هاتفه.. ترك أوراقه وأمسكه ( لقد أرسلت لكَ بريداً الكتروني من غير بريدي الخاص.. ) ابتسم بانتصار ورفع رأسه نحو الباب مع الطرقات الثلاث التي سارت في أنحاء المكتب.. رفع رأسه بغرابة مع تقدمها بخطوات مغرورة حتى وصلت بقوامها المتكبر عند مكتبه " اذا يا رائد أنت تعمل هنا.." ورسمت ابتسامة ساخرة أمامه.. حتى خرج من صمته وكاد أن ينهض قاطعته " لا داعي لاحترامك المزيف.." رفع حاجبيه فيما نهضت هنادي من مكانها وتقدمت ناحيتهم " يا سيدة ربما هنالك لبس ما.." كتم رائد ضيقه وأشار بيده لهنادي " ليس هنالك لبس.." نظرت هنادي إلى صمته بحيرة في حين رفعت الضيفة التي أمامها حاجبها بتحدٍ كبير وتفوهت بتحقير " إلى متى يا رائد سوف تبقى تحت رحمة هذا الحب المزيف؟" تمالك رائد أعصابه وتحدث بحنق " سيدة سعاد يمكننا الحديث خارج.." " لا لا.. فقط سأعطيك دليلاً على أنك مخدوع.." تحدثت وهي تخرج من حقيبتها مغلفاً خاص بالصور.. نفث غضبه ثم امتدت يداها أمامه ممتلئة بنشوة الانتصار " في طبيعة الحال أنك بعد أن ترى الصور ستختار أن تبتعد.." " عن ماذا تتحدثين؟" أجابتها بعد أن أعادت المغلف صوبها وبدأت تفتحه " ريم.. ومن غيرها.." نظرت اليه بعدها بابتسامة ورفعت الصور أمامه " قد سهلت عليكَ المهمة.." ثم بدأت تضع الصور على مكتبه بالترتيب وهي تتحدث ببطء " ربما لن تصدق لساني ولكن هذه الصور خير دليل.." تحدث من بين أسنانه بغضب " على ماذا؟" " أنها مخطوبة.." نظر اليها بعدم استيعاب ثم سارت عيناه مع سبابتها التي تشير إلى الصور أمامه " أنظر لسعادة ابنتي.." توسعت عيناه بقوة وصعد الدم نحو وجهه رفع رأسه بحدة نحوها وهمس بقهره " وهل تريدين مني التصديق أن هذه حقيقة.." نظرت إليه بغرور ولوت شفتيها بامتعاض " أنت حر في ذلك.." ابتسمت بسخرية عندما لاحظت انقباض وجهه بغضب وأكملت " لا يهمني إن كنتَ سوف تصدق أم لا.. الذي يهمني هو أن تبقى بعيداً عن هذه السعادة.." رفع رأسه بكبرياء وتحدث بثقة لا تخفى عنها كمية الغضب التي ظهرت في عروق عنقه " سيدة سعاد لقد وصلت رسالتك.." تصنعت الحزن " حقاً لم أرد أن تبقى مخدوعاً بأمر الصداقة هذا تحت مسمى الحب.. فقط أنت تعلم ريم تخشى أن تحزنك.. وأنا لم أرد أن تبقى ابنتي محاصرة بك وبكمال بتردد.." ولما بقي صامتاً بعضلات وجهٍ مشدودة التفتت عنه قبل أن تقول " شاكرة لكَ حسن الاستماع الى اللقاء.." وحالما خرجت بانتصارها.. التقطت انامله الصور بقهر كبير.. تأملهم صورة صورة.. " ريم وذلك الكمال.. يا لسخرية القدر..." ثم القاهم أمامه على المكتب بغيظ.. خرجت من المبنى وعلامات الانتصار ظاهرة على وجهها.. وقفت على أول درجة من الأعلى حتى التفت ذلك الشاب من أسفل درجة.. نزلت بكل سعادة بعد أن وضعت نظارتها الشمسية مد لها ساعدها حتى تأبطته وسارا سوياً " اذا هل خرجنا منتصرين أم.." نظرت اليه بعتاب " وهل نخرج من معاركنا خاسرين قط يا كمال.." هزر رأسه نفياً " أبداً يا ملكة الانتصار.." قهقهت بخفة ثم فتح لها باب السيارة... ********* كما يقولون أن لكل ليل نهار مشرق.. فهنالك عكس المقولة هنا.. لكل نهار ليل كئيب..! وحالما تغيب الشمس يذهب الدفء، وتبدأ برودة الظلام بالتسرب نحو روحنا بطريقة غريبة.. سارت بضجر وعلامات اليأس بادية على وجهها.. وقمر من خلفها قد لاحظت قبضتها القوية على هاتفها المحمول.. سارت حتى وصلت جانبها وسألتها بهمس " ماذا بكِ ؟" أجابتها ريم بحيرة " إنه لا يجيب.." " ربما مشغول في أمر ما.." نزلتا عتبات السلم بمرارة كبيرة.. " هل جدتي في الغرفة؟" سألتها قمر بقلق أومأت رأسها بشرود " بالتأكيد أنها نامت منذ زمن.." وعلى آخر عتبة سلم سمعتا صوت خطوات مجد ورامي تقترب منهما " كيف حال التوأم العجيب؟" نظرت اليه ريم بملل " لسنا في مزاج للسخرية يا رامي.." " ليست سخرية.." " أجل.. أنا أصدقك.." تحدثت ريم بعدم تصديق وسارت من امامهم تجادل رامي في مشيتها الغاضبة كالمعتاد اقترب مجد من قمر " ما بالها؟" هزت رأسها " يبدو أن رائد لا يجيب على رسائلها.." " إنها حمقاء كبيرة فعلاً.." قالها رامي ثم سار أمامهم همس مجد من قمر بعد أن وضع يده على ظهرها " وأنتِ؟" اختلط الشعور داخلها بشكل غريب، لا تدري أيهما تلتمس الخوف أم رجفة الحب؟ تحاول السيطرة على كل شيء داخلها، وعلى ذلك التجمد في ملامحها أجابت بكل حروف مجردة من معاني الراحة " بخير.. ربما.." اقترب همسه من قلبها " أنا هنا.." ابتسمت بخفوت وابتعدت قليلاً عنه.. وسارت أمامه وهو خلفها يعاني مرارة كل شيء تشعر به، انه يرى السكون في حركات جسدها ولكن عيونها تعبر عن الطوفان داخلها.. تنهد وأكمل سيره على باب الصالة،.. حتى ارتعدت هي للخلف وارتطمت في صدره.. لقد وصله خوفها، رجفتها وتهالك أعصابها.. إنها الآن ترى شبحاً من الخيال أمامها.. ترى الموت، ترى الرحيل ترى النيران تشتعل أمامها، ترى التشتت، الوحدة والمرض.. ترى كل أنواع العذاب في رجل واحد فقط أمامها... وتصلب جسد مجد من كل ما يصله من جسدها ومع صورة والدها بهيئة حية كجسد وروح أمامه وأمامها.. وكانت خطوة واحدة فقط منه اتجاهها كفيلة بأن تتشبث بكلتا يداها بما استطاعت أن تمسكه من جسد مجد عله ينجيها من هذا العذاب ويذهبها نحو الأمان.. وبصوت مرتجف تحت ذعر من في الصالة، خرجت حروفها مختنقة بالدمع " لا تدعه يأخذني.." انتهى البارت الكئيب أتمنى تعذروني لأنه غير كافي ليكون بارت يعد غياب اسبوعين حاولت قدر الإمكان إنه يحمل بعض التفاصيل المهمة.. وجزء من ماضي قمر، أتمنى يكون نال من اعجابكم إن شاء الله الأفكار للبارت الجاي ما تتقلص وتختفي واذا حسيتوا اني تأخرت عليكم فيكم تتواصلوا معي على الانستغرام أو الفيس بوك فيكم تلاقوا حسابي من المعلومات الموجودة بصفحتي بحبكم كتييير كومياات ما تنسوني من الدعاء وتضلوا بحفظ الرحمن | ||||
08-08-20, 10:27 PM | #28 | ||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام
| / "لا يمكن لجسدٍ واحد أن يتلقى مئاتَ الصفعاتِ ويبقى ثابتاً..!" (22) تقدم بخطوةٍ واحدة حتى أتاهُ الرفضُ من والدهِ بطريقةٍ قاسية " إياكَ أن تتقدم يا ماجد.. ليس بعد كل تلك السنوات.." ازدرد لعابه وظلت عيناه متسمرة عليها.. لقد أصبحت فتاة راشدة.. تشبه والدتها كثيراً.. ذات الشعر المجعد وولونا العسل في عينيها.. وما زالت كما اسمها تماماً جميلة كما القمر.. التفت عنها بألم واضح ظهر لرامي الذي نظر نحوه باستنكار .. ثم صوب نظره نحو قمر.. ما زالت تتشبث بمجد بقوتها الكبيرة غارقة في ضبابها.. تغيم عيناها نحو السواد همس مجد " قمر.." لم تجب! بقيت متسمرة في ظلام الماضي الذي أحاط بها... حتى أتت شمس ريم وانتشلتها من برودة الموقف، سارت معها بلا شعور ظاهر على وجهها ولكن عيناها تتحدث بالكثير.. " هيا نذهب من هنا؟" نظرت اليها والدموع تتسابق على وجنتيها " لماذا جاء إلى هنا؟" هزت ريم رأسها " لا أعلم يا قمر.." سارتا قليلاً حتى دنت بكل جسدها على أول عتبات السلم، محتضنة أقدامها وتهتز نحو الأمام والخلف بتوتر وعجز... تنهد مجد ثم سار ونظر الى جده الذي حاول أن يصمته لكنه اندفع نحو عمه " ماذا تريد بعد؟" جحده والده " مجد.." نظر الى والده ثم سارت عيناه متجاوزة رامي نحو جده وأخيراً نحو عمه ماجد " انه السبب في كل شيء.. سبب معاناتها لماذا هو هنا الآن؟" " لا يمكنك أن تتدخل يا مجد.. تنحى جانباً.." نظر إلى جده ثم تحدث بغضبه " بل لي الحق يا جدي لا يمكنك أن تمنعني.. لاسيما أن الموضوع يدور حول قمر لن أصمت.." أخذ الجد نفساً عميقاً في حين رأى والده يهز رأسه بلا حيلة،.. تكلم رامي بعد صمت ولاحظ نظرات الشرار التي تصدر من مجد " لم يكن عليه القدوم حتى هنا.. " التفت اليه ماجد وتحدث كاظماً غيظه " أنا هنا أتيت لكي أشرح لكم وضع ملاك.. وماذا تفعلون أنتم تحاسبونني على ما مضى.." اندفع رامي نحوه رامياً جم غضبه عليه " لن أقول عمي أو ما شابه.. تتحدث وكأنك بريء.." قاطعه جده " رامي.." شد رامي على قبضته ونظر نحو جده وتحدث " لا شيء يا جدي يشفع ما فعله بها قبل سنوات.. لا شيء... ولا حتى مرض طفلته الصغيرة تجعلكم تغضوا النظر عن كل شيء.. ثم أيضاً سوف تزداد حالتة قمر سوءاً لا تنسوا أنها حتى هذه اللحظة ترتادها الكوابيس بين الفينة والأخرى" " لو أنني استطعت منع كل تلكَ الأحداث.." تحدث ماجد بألم في حين نظر إليه رامي نظرة خاوية من كل الاحساس ثم غادر نافثاً غضبه وتحدث عند باب الصالة " لن يفيد ندمك بعد أن أصبحت كابوسها.." مسح ماجد على وجهه ثم لاحظ انقباض وجه مجد ونظراته الغاضبة نحوه.. وبعد صمتٍ تحدث والد مجد " لقد خسرت كثيراً يا ماجد.. ولا يمكنك أن تكسب أي شيء بعد هذا اليوم.." التفت ماجد بحدة " وهل تظنون أنني فعلت كل هذه الأمور برغبتي.." دارت عيونه عليهم جميعاً وأردف " هل تظنون أني تخليت عنها برغبتي؟." " برغبة من اذا؟" نهض الجد من مكانه وأنفاسه تلفح غضباً صرخ به " برغبة من إن لم تكن برغبتك؟ وتأتي هنا أيضاً فقط من أجل طفلتك الأخرى وليس من أجلها" بتهكم واضح تفوه مجد " من يتخلى لا يعود إلا لسبب ومصلحة شخصية؟" بلا اهتمام لمجد تحدث ماجد من بين أسنانه " ليست رغبتي يا والدي.." توسعت عينا الجد بشكل مخيف " إياكَ يا ماجد.. إياكَ أن تقول والدي.. لا يوجد لدي ولد مثلك" دنت تقاسيم وجه ماجد نحو الألم وكاد أن يتفوه لولا تدخل مجد بحدة " ولكن برغبتك ظلت تلك الصغيرة معك ولم تتخلى عنها.. ثم تأتي هنا بعينٍ قوة وتطلب المساعدة ومن من؟ من التي تخليت عنها قبل سنوات.." " أنت لا تعلم شيئاً أيها الصغييير.. لا تعلم شيئاً.. " صرخ مجد " بل أنتَ الذي لا تعلم شيئاً.. لا تعلم الليالي التي مضت عليها، خوفها وحاجتها لك بالأكثر.. ثم تأتي بكل أنانية تبرئ نفسك بعد كل تلكَ السنوات وأيضاً تدخل هذا المنزل دون رأفة بمن فيه" نظر مجد الى يد والده التي امتدت مبعدة إياه عن عمه، في حين قال والده " في المرة الماضية أمي دخلت المشفى.. اخرج كي لا ندخل حالة أخرى إلى هناك.." أخذ ماجد نفساً عميقاً ثم همس " أنا فقط أتيتُ لأخبركم .." صمت وكأن الكلام هرب منه.. وعجز عن نطق المزيد عندما خرج الهمس ضعيفاً أمامه ومن خلف مجد بالتحديد بينما وقف الجد بوهن " أنا موافقة على مساعدة ابنتك.." التفت مجد وتقدم بخطواته الضعيفة نحوها.. لم تنظر لوالدها قط.. كانت قد أخرجت موافقتها وهي تستمد القوة من عينيِّ جدها رغم الحزن المرتسم داخلهما..، وضع مجد كفه على كتفها فرفعت رأسها إليه، تبحر عيناها في ملامح وجهه بضياع كبير همس لها بتردد " هل أنتِ متأكدة؟" بلعت غصتها ثم بقوة نظرت نحو والدها وتحدثت بنبرة لم تخفى رجفتها عن مجد ولكنها ظهرت قوية أمام عمه " أجل، فليس ذنبها إن كان هو قد تخلى عني.." كاد أن يتقدم خطوة منها إلا أنها استدارت وفرت من هذا المكان نحو الخارج، وصوت مجد الذي لحق اختفاؤها " إياكَ أن تفكر بالاقتراب منها.. إياك.." ************************ وضعت كوب الشاي أمامه، ونظرت إليه بعد أن جلست بحيرة كبيرة.. زفرت بحرارة كبيرة " كمال ماذا بكَ مجدداً؟" رفع كمال أنظاره نحوها بملل شديد ثم أنزلها " ماذا تريدين مني يا هنادي؟" " أردت ان اخبركَ ماذا حصل بعد أن خرجت السيدة سعاد.." رشف من الشاي ثم قال لها بجفاء " ألم تستطيعي الاتصال أو ارسال رسالة؟" ظهر الانزعاج واضحاً على ملامحها فقال هو بقلة صبر " اذا، تناديني إلى هنا وتلتزمين الصمت أخبريني هيا.." وضعت قدماً على قدم ثم " عندما خرجت السيدة سعاد...... ( أمسك رائد الصور بقهر كبيرة، تأملها ملياً ثم صوب أنظاره المليئة بالغضب نحو هنادي التي تراجعت إلى مقعدها ولم تنبس ببنت شفة.. نظراتها الجانبية تلقى عليه بين حينٍ وآخر.. تصطف أمامه الصور.. يتأملها بصمت.. وتلاحظ قوة انقباض يده على المكتب. تحايلت الانشغال بالأوراق التي أمامها ثم بعد ساعة تماماً وقفت وتوجهت نحو مكتبه. رفع رأسه المشتت وتساءل " هل هنالكَ شيء هنادي؟" تشابكت أناملها وظهر عليها التردد " أريد أن أقول لكَ شيئاً ما.. ولكن" " أجل.." " ربما ليس من شأني ولكن الصور حقيقية فعلاً.." تمالك رائد نفسه وظل ينظر إليها بلا تغير في ملامح وجهه في حين أردفت هي " إن كمال قريبي ولقد..." نهض رائد ووقف أمامها بقوة " لا تكملي.." " ولكن.." ضرب كفه المكتب " لن يشكك أحد بالحب الذي بيني وبينها.. طالما لا يعنيكِ ف.." قاطعته " كيف وأنت ترى هذه الصور؟ وأنا أقول.." تحدث بحدة " لا يعنيكِ.. إنها مسألتي إن كنتُ صدقت أو لا.." ثم أخذ كل شيء يريده من المكتب وتلكَ الصور أيضاً.. وغادر أمامها.. )) نظر كمال بسخرية " كبرياء رجل مخدوع.." هزت رأسها بضيق " ولكنه كانَ متأكداً.." ابتسم كمال بسخرية أكبر من ذي قبل " لا تنخدعي يا هنادي.. قشرة قاسية فقط.. يكون الآن ينظر إلى الصور بحسرة" نظرت إليه بحيرة وبصمت لعدة دقائق ثم سألته " لقد فهمت مصلحة السيدة السعاد من إنهاء هذه العلاقة.. " نظر إليها بطرف عينه خلال حديثها ذلك ثم أبعد عيناه عنها عندما قالت " ولكن أنت؟ لماذا ساعدتها؟" ازدرد لعابه وتصنع عدم الاهتمام " فعل معروف للصداقة التي بين عائلاتنا.." أومأت رأسها " إذا لماذا أدخلتني في هذا الأمر كشرط من شروطِ علاقتنا.." تأفف على مسامعها بضجر " كنا نريد تأكيداً فكنتِ أنتِ التأكيد.." نظرت إليه مطولاً حتى نهض من مكانه فوقفت بتأهب وباندفاع وقال لها بحدة " إن كنتِ لا تريدين العمل هناك فمهمتك لا جدوى منها أصلا.. لم تفعلي شيء..." أمسكته من كتفه " ولكنني فعلت ما بوسعي.." لاحظت نظراته.. لم تكن نظرات حب كما كانت تأمل.. بل كان كل شيء يدل على انطفاء شعلة الحب التي كانت بينهما هذه الفترة.. بل كانت بالأكثر نظرات ملل وضجر.. هزت رأسها نفياً ربما تتوهم فسألته عند الباب الخارجي" لنخرج غدا إلى مكان ما.." سار أمامها غير آبه بعلاماتِ الاحباط التي ارتسمت على ملامحها " مشغول يا هنادي هذه الفترة لن أستطيع..." أغلقت الباب خلفه ثم سارت حتى وصلت إلى الشرفة جلست على الأرجوحة الخشبية وتذكرت كيف وصلت إلى هذه النقطة تماماً.. منذ مقابلتها كمال في أحدى اسطبلات الخيل التابعة لشركات والدها.. وكيف حصل تعارفهم بطريقة عفوية وانخرطا سوياً بصداقة إلى أن وصل الأمر بينهما إلى الحب.. ولكن يبدو أنه حب من طرف واحد ليس إلا؟ وما زالت هنادي تنكر أنها ترى الأوهام فقط.. ومتيقنة أن كمال يبادلها الحب كما تبادله اياه....! ولكن العكس هو الصحيح.. ************************ لم يكن عليه سوى النهوض بكسل بسبب جيداء التي اعتلى صوتها في هذا الصباح فرك عيناه بتعب فصرخت به " من أجل هذا كله قلت لي لنبعد ريم عن مسألتي؟" ثم ألقت أمامه تلكَ الصور اللعينة واعتلى صوتها مجدداً بحدة أكثر " ماذا تفعل هذه الصور معك؟" " جيداء ابتعدي من فوقِ رأسي.." " وإن لم ابتعد.." وضع رأسه بين كفتيه وشد على شعره قليلاً حتى نهض ودفع عنه الغطاء بقوة " ماذا بكِ تصرخين بي؟" " لا يمكنكَ أن تصدق هذه التفاهة يا رائد؟" هزت جيداء رأسها نفياً بعدم تصديق لم يجبها ظل صامتاً أمام نظراتها التي تحمل عتاباً كبيراً تجاوزها حتى يذهب إلى غرفته حتى أتاه صوت من هاتفه معلناً عن وصول رسالة.. تحامل على نفسه ثم ذهب باتجاه هاتفه انتشله ثم قرأ رسالة ريم ( اتصل بي عندما لا تكون منشغلاً أنا بحاجتك..) أغلق هاتفه أمام نظرات جيداء المتعجبة وسألته " إنها ريم؟" " أجل.. أنها ريم.." توسعت عيناها بعدم تصديق وتحدثت بحزن " فقط قل لي ماذا حصل.." تجاوزها مرة أخرى في حين كتمت قهرها منها وقال قبل أن يدلف غرفته ويغلق على نفسه " يقولون إنها خطبت لذلكَ الكمال.." التفتت اليه بصدمة ولكنه كان داخل غرفته ثم توجهت بغضب وطرقت بابه بقهر " وهل أنتَ صدقت ذلك؟؟" لم يجبها مجدداً فضربت الباب بقوة " أنت أحمق يا رائد.. أحمق..." في حين كان من الداخل تعتلي ملامحه السخرية جلس على سريره ثم أخرج الهاتف من جيبه.. عقد حاجبيه بضيق ثم دلك صدغيه بانزعاج " فقط قليلاً يا ريم..قليلاً.." ********************** تعبث بمحتويات وعاءها بشرود.. شعرها يستقر بتسريحة (كعكة) فوق رأسها باهمال.. متورمة عيناها من بكاء الليلة الماضية.. لا شيء يستقر داخلها سوا الغصة فقط.. ولا تدري كيف أمكنها في الليلة الماضية أن تقف أمامه وتدلي بموافقتها على عمل الفحوصات اللازمة والتي من الممكن أن تساعد في شفاء شقيقتها! لا تفكر بشيء آخر سوى تلكَ الصغيرة التي تدفع ثمن آثامِ الماضي، إنها تشابهها بالقدر ربما.. قريبة إلى حد ما.. فهي عاشت في كنف أم ظالمة ووالد.. ولكنه لم يتخلى عنها مثلما تخلى عن قمر؟ بل إنه يجاهد حتى لا تموت، بل إنه فتح أبواب الماضي أمامها بلا أدنى رحمة من أجل طفلته الأخرى... كيف تدور عجلة الزمن هذه بطريقة مؤلمة.. لماذا يعود الحزن وينسكب عليها مجدداً.. كانت وإن حصلت على لحظات هانئة يتشرب إليها الألم مجدداً بطريقة أو بأخرى..! لا شيء سوا الحزن والوحدة وإن كانت بينَ الجميع الآن إلا أنها فعلاً وحيدة بشعورها وقدرها،.. ترك الجد كوب الشاي ثم نظر نحو مجد ورامي وأخيراً صوب نظره ناحيتها وناداها بقلق واضح.. رفعت رأسها إليه فابتسم في وجهها " لماذا لا تأكلين يا صغيرتي؟" عقدت حاجبيها بضيق " كنتُ أفكر.." نظر اليها كل من رامي ومجد فقال رامي متسرعاً " ليس عليكِ فعلُ شيء أكبر من طاقتك.." قوست شفتاها بأنها لا تدري وسألتهم بغصة " لا أدري إن كنت قد فعلت الصواب البارحة أم تسرعت؟" ظل الجد صامتاً أمام الحقيقة المرة وتحدث مجد بحنان " إن كنتِ لست مستعدة فنؤجل الأمر.." " ألن يكون الأمر خطيراً إن ماطلنا ربما الأمر في غاية الخطورة.." أكملت بغصة بعد صمتٍ لثوانٍ " إن حياتها مبنية على مواقفتي أو رفضي اليس ظلما لي ولها؟" تحدث الجد بعد صمت " لا يستطيع أحد الوقوف في وجه القدر يا صغيرتي.. كل شيء يسير في هذه الحياة كما يجب عليه أن يسير.. ليس بإرادتنا.." تحدث رامي بحنان كما اعتادت عليه " أنا سوف أجري الفحوصات أيضاً ربما نسبة التوافق بيني وبينها ضئيلة.." نظرت اليه قمر بتردد كان قد فهمه سابقاً في حين همس مجد من جانبها " لا تخشي شيء أنا بجانبك.." قاطعه رامي بتحريك حواجبه " جميعنا.." نهره مجد فيما كتم الجد ضحكته وقال قبل أن تدخل إحدى الخادمات تخبره بقدوم الممرضة " صدقيني كنتُ قد طردته لولا تلكَ الصغيرة.." أومأت رأسها " ليس لها ذنب أعلم ذلك ولكن.." بددت عباراتها بغصة كبيرة تتوسط حلقها فزفر الجد على مسامعهم.. ثم أبعدت نظرها عنه بتشتت واضح وعادت للعبثِ بمحتوياتِ وعاءها وتحدث الجد قبل أن ينهض " انا متأسف لأنكِ تواجهين كل هذا يا ابنتي " وهمس بقهر " لو لم تكن طفلته بالوسط لأريته كيف يكون التخلي فعلاً.." وبعد برهة كان رامي قد خرج هو أيضا للاطمئنان على جدته مع الممرضة التي حضرت إلى المنزل.. التفت مجد ووضع يده على كتفتها فانتبهت اليه ببعضٍ من الذعر.. إلى أن تحولت تقاسيم وجهها إلى الحيرة.. مسح على شعرها بلطف " إن كنتِ تريدين المزيد من الوقت للتفكير فخذي وقتكِ.." هزت رأسها نفياً وتعرت بخوفها أمامه بنبرة مرتجفة مترددة " أنا فقط خائفة؟" عقد حاجبيه فأردفت " لقد قرأت عن مرضها من متصفح الانترنت لذلك.." حاول أن يبث بها القوة بعينيه ولسانه الذي قال " لا تهتمي لكل ما يقال يا قمر.. فقط كوني متيقنة أنك إن جازفتِ بما قرأته لإنقاذ حياة شخص ما.. فأنت تفعلينَ ما يجدر على كل أخ أن يفعله.." امتلأت عيناها ببقايا الدموع التي سجنتهم داخلها وهمست بضعف " أريد رؤيتها.." ضيق عيناه " لم أفهم.. من؟" تحدثت بنبرة باكية متألمة ممتزجة ببعض التردد " شقي..قتي..." كان عاجزاً أن يخبرها بالرفض،وشعر بالعجز الأكبر عندما ظهر طيفُ تلكَ الجملة ورنت في اذنه " مع الأسف عمكم المصون لم يخبر طفلته الصغيرة أن قمر تكون شقيقتها..." ************************ كوب قهوة الاسبريسو يتصاعد بخاره مع ايقاعات خطواتها الرشيقة في هذا الطابق، دلفت نحو مكتبه بتساؤل يتفاقم على وجهها الناعس " ماذا هنالكَ لم ناديتموني؟" نظر اليها مراد بانزعاج شديد فيما تحدث لؤي وهو يقلب ملفاً ما " صفاء لم تأتِ اليوم.." رفعت حاجبها " إذا؟ وما شأني.." تحدث مراد بحدة " لقد أخذت إذناً وهنالكَ بعضُ العمل.." زفرت بملل وكأنها فهمت مقصده " تعود غداً وتكمله.." رفع لؤي رأسه ونظر إليها " ياسمين رجاءً.. مناقصة جديدة وهنالكَ بعض الأمور.." لوت شفتيها بسخرية " التي لا تفهمها صفاء.. لقد فهمت.." جلست مقابل لؤي ثم نظرت الى مراد " اذا ما أمر هذه المناقصة؟" ازدرد لؤي لعابه بتوتر ملحوظ فأجابها مراد " سوف ندخل باسم مستعار.." رفعت حاجبيها بتعجب " هل تفعلون هذا دائماً؟" لم يعرها مراد اهتمامه أبداً بل أخذ ينفث دخان سيجارته بلا مبالاة فيما أجاب لؤي عيناً عليها وعيناً على أوراق الملف " بين حينٍ وآخر.." أومأت رأسها " اذا ما المطلوب؟" ونظرت نحو لؤي فلم تنتظر أن يجبها مراد أصلاً، هي تعلم أن الدناءة يترفع عنها مراد فيجيب أخاها دائماً ترك الأوراق من بيده وتحدث " سوف تقومين بعملك بشكل اعتيادي.." رشفت القليل من القهوة " هل أعمال السكرتيرة تقصد؟" أومأ رأسه " وهذه معلومات الشركة.." اخذت منه ملفاً بلون أسود، ثم نهضت من مكانها.. وقبل أن تمسك مقبض الباب تحدث مراد " ولكن تبقى الأوراق على المكتب هناك حتى تعود صفاء.." ضيقت عيناها بطريقة تتفحص بها تقاسيم وجهه التي انحدرت نحو المكر.. ثم استدارت وغادرت المكتب حتى وصلت نحو مكتب صفاء ووضعت الملف عليه ثم جلست بملل.. اتكأت على يدها وبدأت تنقر بأصبعها على ذقنها الناعم " اذا هذا هو تفكيرك.. سوف تجعل صفاء توقع على كافة الأوراق وعندما تكشف الشرطة الأعمال الدنيئة ستكون صفاء مالكة الشركة وهي المسئولة الوحيدة عن كل ما حدث.." ********************** يتراكم الزمن على وجهها هذه المرة بشكل كبير، تجلس بضعفها على السرير وسط غرفة كبيرة.. تحيط بها قمر من اليمين ومن يسارها تجلس ريم تزيل قشور التفاح.. " كم أنتِ مدللة يا جدتي؟" قهقهت الجدة بخفة " ألا يحق لي؟" تقدم رامي بتملق كبير " يحق لك أن تفرش الورود تحت قدميكِ.." نظرت اليه ريم ومطت شفتيها ثم استدارت نحو جدتها " خذي قطعة التفاح يا جدتي ودعك من العقول الصغيرة؟" جلس رامي على السرير بنفس طرف ريم وأخذ قطعة من التفاح وقضمها بطريقة مستفزة فوضعت السكين بحدة وقالت " انت حقاً لا تطاق يا رامي.." رفع يده ووضعها نحو صدره " ولكنني تألمت الآن.." ابعدت نظرها عنه بملل فيما كانت جدتها تضحك بخفة مجدداً.. نظر رامي الى قمر بعد أن بلع أخر قطعة التفاح بحيرة فلاحظت جدته ذلك، فيما نهضت ريم من مكانها بعد أن أتاها اتصال من جيداء وخرجت من الغرفة بسرعة وضعت الجدة يدها بحنان على يد قمر فارتجفت بعد أن خرجت من شرودها وابتسمت بشحوب نحو جدتها، ربتت الجدة على يدها وتحدثت " لا شيء كامل في هذه الحياة يا قمر، لا في نفسكِ ولا في محيطكِ.. سوف يبقى هنالكَ شيء ناقص بالتأكيد.. هنالكَ ما ينقصهم المال، وبعض آخر عمل.. وآخرون جمال.. ولكن.." قاطعتها بحزن " وهنالكَ من تنقصهم العائلة.." نظرت إليها الجدة بحزن فيما تحدث رامي " ونحن ماذا يا قمر.." هزت رأسها نفياً وبنبرة مختنقة " أنا لا أعلم، أنا فقط أشعر أنني في متاهة مجدداً.." شدت الجدة قبضتها " دعكِ منه، لا تفكري به أبداً.. لا تفكري الا بالشيء الصحيح والمفترض أن تدلي عليه انسانيتك.." تفوهت ببطء " بملاك فقط؟" ثم هزت رأسها ببكاء " ولكن لا أستطيع .. لا شيء يدور في ذاكرتي سوا يوم افلات يده لي.. وما عشته بعدها.." تململ رامي في جلسته ورفع أقدامه العارية على السرير " من السيء أن تبقي داخل قوقعة التفكير يا قمر.. لاسيما أنها أفكار سلبية لا تاخذك إلا لآبار مظلمة.." لاذت بصمت مرير مختنق بالألم، وبعد دقيقة أو أكثر بقليل قالت الجدة " أنا أيضاً حزينة.. أحترق ناراً بعد أن ابتعد.. ولكنه قلب الأم يا ابنتي.. لا أحد يتخلى عن طفله إلا مجبراً.." ثم نظرت نحو رامي وهي تحتضن الحرمان في عنينها " لا أعلم أيهما أقسى على القلب أن يكون ابنكِ تحت التراب أم يكون فوقه ولكنه بعيد.." همس رامي متنكراً بالقوة " ربما الموت أقسى.." ثم التفت نحو قمر عندما تحدثت بحيرة " لهذا لا ألومه إن كان يسعى جاهداً لإنقاذ حياتها.. وفي ذات الوقت أحزن لذلك" ثم نظرت إلى جدتها وسألتها " إن كنتِ في ذات موقفي ماذا تفعلين؟" ابتسمت لها الجدة بتعب واضح ووضعت يدها نحو قلبها " أفعل ما يمليه علي احساسي وضميري.." ****************** تجاوزت الساعة الرابعة عصراً.. واقفاً تتجلى عليه إماراتُ التردد في إحدى الغرف التي تقبع في قسم مرضى السرطان.. تتشابكُ كفيه بتوتر بعد أن تحدث الطبيب " يجب علينا البدء بالعلاج الكيميائي يا سيد ماجد.." " ولكنها صغيرة لن تتحمله.." تحدث الطبيب بهدوء " لا بد منه قبل عملية النقل.." أومأ ماجد رأسه بتفهم ووضع كفه على رأسه بتفكير متعب حتى تساءل الطبيب بعد ذلك " هل أجريتَ التحاليل الخاصة بكَ في الخارج؟" " أجل.. هاكِ هي التقارير الخاصة بي وبملاك.." ومد له بعضاً من التقارير الطبية ثم تحدث بأسف شديد " ولكن تقاريري تشير لعدم تجانس الأنسجة.." أخذهم منه وتحدث بعدها " يمكن لأحد آخر أن يجري التحاليل أيضاً.. ولكن نسبة التلاؤم بين أفراد نفس العائلة أعلى.." أخذ نفساً عميقاً " أجل أعلم ذلك.." " حسناً.. ولكن يجدر بنا البدء في العلاج لمدة قد تستغرق قرابة العشر أيام قبل عملية زرع النقي" سأله ماجد ببهوتِ الملامح " هل سوف تستقر بالمشفى؟" " ليس بالضرورة.. يمكنها أن تأتي يومياً كما ترغب أنت.." أومأ ماجد رأسه وبعد حديث قليل دار بينهما خرج وعلامات البؤس تحيط به.. وبعد أن دلف إلى سيارته جلس بتهالك على المقعد ووضع رأسه بين راحتيه.. يترصده الخوف من كل صوب.. تأتي صورة ملاكٍ في رأسه تعاني من انزلاق السائل الكيماوي في وريدها.. يرى ألمها الذي لم يحن بعد.. زفر بحرارة وتراجع في جسده وأرخى رأسه على المقعد وهمس ببعضٍ من الطمأنينة " من الجيد أن قمر وافقت على مساعدة ملاك.. ولكن.." تغيرت ملامحه نحو الحيرة " كيف سيطاوعني قلبي على إلزام ملاك المشفى؟" ثم بعد دقيقة من التفكير توسعت عيناه وقد وجد ضالته وأسرع وأدار مفتاح السيارة وعزم طريقه نحو شركة والده.... نظرت بغرابة بعد أن وضعت أمامها تلكَ الصور وسألت بمزيج من الحيرة " ماذا تفعل هذه الصور معكِ يا جيداء؟" نظرت جيداء نحو والدة رائد بتردد ثم نحو تلكَ الصغيرة التي تعانق الدمى وقالت بنبرة مليئة بالتردد " لقد أتت إلى رائد؟" ضيقت عيناها بحيرة ثم أمسكت الصور بكلتا يديها وبدأت تقلب بهم " ولكن هذه صور حفل خطوبة ليليان.." تهالكت جيداء على الكنبة فنظرت اليها ريم ببعضٍ من الظن " كيف وصلت إلى رائد؟" ثم هزت رأسها بطريقة غريبة " وما المغزى منها؟" تمنعت جيداء عن الرد فيما تحدثت والدة رائد بهدوء " رائد لا يعلم أننا أحضرناكِ إلى هنا من أجل هذه.. ولكن.." تحدثت ريم بقلة صبر " ولكن ماذا يا خالة" لم تقوى والدة رائد على اخبارها تلكَ الخيبة، لم تكن بتلكَ القوة لتكسر صورة والدتها أمامها.. لاذت بصمتها المليء بالحزن والعجز على ابنها.. عدلت جيداء من جلستها ووضعت يدها على كتف والدة رائد ثم قالت بكل قوة جريئة " كان بإمكانكِ ايقاف لعبته يا ريم.." تحدثت ريم ببطء " لعبة من؟" تمالكت جيداء نفسها " لعبة كمال ومن غيره وتلك الهنادي معه أيضاً.." ثم نقرت على الطاولة الخشبية ثلاث نقرات " جميعهم اجتمعوا ضد علاقتكم.. منذ ذلكَ اللقاء المزعوم بينكِ وبينهم على أنها احدى معجباته فقط حتى دخولها للعمل مع رائد كلها خطة.." " هل كمال من فعل هذا؟" هزت رأسها نفياً " والدتك يا ريم.. ألقت هذه الصور أمامه.. وبلا شك أن كمال معها" عضت على شفتيها بقهر.. إنها خطوة متوقعة من والدتها.. منذ البداية وهي تعترض على هذه العلاقة وبدأت مع صديقتها بأمل.. والآن تتحرك مع كمال بلعبة سخيفة.. ابتسمت بسخرية حتى فاجئها سؤال جيداء " لم تتفاجئي؟" بهتت للحظة وكأن جيداء ترمي بسؤالها كلامها مخفياً ثم قالت بحدة " وما الحكاية التي نسجتها اذا؟" خرج صوت متعب من خلفهم " أنكِ مخطوبة.." التفتت بتفاجؤ نحو رائد الذي وقف عاقداً ساعديه والارهاق بادٍ على ملامحه.. تستقر عيناه عليها بطريقة غريبة.. وقفت ريم بسرعة كبيرة وبارتجاف أطراف تقدمت نحوه " هذا هراء.. كذب.." وتجمعت الدموع في عينيها ومسكته من مرفقيه " لا يمكنكَ أن تصدق هذا.. لا يمكنكَ يا رائد.." أنزل يديها واحتضنهما بين كفيه وتحدث " امسحي دموعكِ أولاً.." واتبعت كلماته أن شهقت بخفة.. ثم بعد ثوان أفلت يديها فباشرت بمسح دموعها.. كانت كل من جيداء ووالدته وشقيقته الصغيرة قد انسحبتا من هذه الصالة الصغيرة، تجاوزها حتى جلس على الأريكة بتعب واضح، التفتت اليه بحزن وهمست بضعف وكأنها أول رشفة من الخيبة تستقر في قلبها " هل تشككِ بمقدار حبي لك؟" ************* تهلل وجه الجد عندما رأى زوجته ورفيقة عمره تدلف نحو صالة الطعام يسندها رامي ومن جانبها الاخر تسير قمر على وقع خطواتهم البطيئة.. نهض مسرعاً متلفاً بعينين امتلأتا بحب كبير.. فهمس رامي بشقاوة " السيدة زينب محبيها كثر.." عاتبته الجدة بنظراتها وتحدث الجد بحدة مصطنعة " ألن تكفَ عن هذه المشاغبة.." ثم أبعده وأسند زوجته وأجلسها على مقعدها بجانبه.. والتفت بعدها نحو قمر ومسح على شعرها بحنان " أرى الورد في وجهكِ أيضاً.." ابتسمت قمر له ثم راحت وجلست بجانب جدتها،.. وبعد حين دخلت سعاد (والدة مجد) وجلست بجانب رامي الذي سأل " أين الجميع؟" أجاب الجد بعد أن وضع منديل الطعام على أرجله "العمل يأخذهم إلى طريق طويل يا بني.." مط رامي شفتيه بملل " جينات العمل متوارثة بشكل كبير أنت وعمي ومجد أيضاً.." ثم نظر الى قمر " ودعوني لا أنسى قمر أيضاً.." تحدثت الجدة بهدوء " والكسل فقط أتى فيك.." رفع رأسه بغرور " أجل أخذته توارثاً منكِ أيتها الجميلة.." قهقهت الجدة بخفة بينما كان الجد يجحده وقمر تهز رأسها بقلة حيلة إنه لا يكف عن هذه التصرفات أبداً.. " هل كنت هكذا منذ الصغر؟" سألته قمر بسخرية " ماذا؟" " مليء بالبلاهة؟" ثم ضحكت .. في هذا الحين نظر الجد نحو الجدة بابتسامة فرح وهمس لها " يبدو أن مزاجها قد تغير بعضَ الشيء.." وعلى ذات وتيرة الهمس أجابته الجدة " أجل لقد حاولت مع رامي كثيراً.." أومأ رأسه بامتنان لها ونظر إلى تبادل النقاش الشقي بينهما وبين رامي فابتسم بفرح وقبل أن ينتشل ملعقة الأرز من وعائه التفت الى زوجة ابنه التي نادته.. أومأ رأسه لها سامحاً لها ببدءِ الحديث فشبكت أناملها على الطاولة وبابتسامة مصطنعة " بما أن أمي زينب قد خرجت بكامل صحتها من المشفى أنا أرى أنه يجب البدء بموضوع زواج مجد.." التفتت اليها قمر بحدة وكانت الجدة قد ارتسمت على ملامحها البهوت الكامل.. فيما نظر الجد مع رامي نحو قمر فتحدثت والدة مجد حين ذاك بغيظ داخلي " أنا برأيي أن تكون أنت من تطلب يد ابنة فارق.." وبخطوات حادة من خلفهم ومع القاء الصور أمامها " لا يمكنك أن ترسمي حياة أحد منا بعدَ اليوم.." نظر الجميع بدهشة نحو ريم التي امتلأت باحمرار غاضب.. تحدثت الجدة بورع " ريم صغيرتي.." بينما الجد امتدت يده وامسك مرفق ريم مع نظرة لوم.... تحدثت ببكاء " إنها تفعل جاهداً أن تعيق كل شيء في حياتنا.. ترسمنا داخل دائرتها يا جدي.." وقفت سعاد أمام ابنتها وتحدثت بحدة " أفعل ما يجب على الأم أن تفعله.." " هذه ليست أمومة.." ثم استدارت بعينيها نحو جدها الذي سأل " ماذا حصل؟" اشارت بيدها وعينيها تبكي قهراً " لقد أرسلت صوراً إلى رائد.. وماذا بها الصور أنا وكمال.." شهقت مع نحيب ثم أردفت " تظن أنها تمكنت من ايصال فكرة خطبتي له.. " توسعت عينا قمر ورامي بتفاجؤ بينما أدار الجدة نظراته نحو سعاد وجحدها بقوة فيما تحدثت الجدة بغضب مكتوم " ألن تتخلي عن هذه التصرفات؟" التفت الجد لها بخوف " اهدأي يا زينب.." امتدت أنامل قمر على كتف جدها تمسده بحنان فابتسمت لها الجدة " أنا بخير.." التفت الجد بعد ذلك نحو سعاد وريم ونظر بحدة فيما تحدثت ريم بحرقة قلب بعد تلكَ النظرة " ما ذنبي أنا.. ما ذنب رائد أن يشعر بالسوء.." أغلق الجد عينيه وأخذ نفساً عميقاً ثم أخرجه فيما تحدثت سعاد بلؤم غير آبهة بمشاعر ابنتها " ليس من مستوانا.. ألا يكفي هذا؟" صرخت بها ريم بكل قوتها " وهل أنتِ كنتِ من مستوى هذه العائلة عندما تمت خطبتكِ.." ولم تعي إلى على صرخة جدها الغاضبة وكف والدتها القوي يستقر على وجنتيها... شهقت الجدة ومعها قمر ثم اعتلى صوت والدتها بحدة " قلة احترامكِ هذه زادت بعد أن صاحبت ذلك الفقير..." كتمت ريم شهقاتها.. ترتطم أسنانها ببعضها البعض وتبتل وجنتيها ببكاء مرير وبعد صوتِ الجد الذي تحدث الى قمر " اصعدي مع جدتكِ نحو الأعلى.." كادت أن تعترض الجدة لولا الجد الذي أمرها بنظرة فهمت مغزاها أنها مهما اعترضت سوف يفعل ما يوده هو.... وبعد ان بقي كل من الجد وريم ووالدتها وقف الجد أمامهم ونظر الى والدة ريم بغضب " إننا لا نقارن أنفسنا بالناس يا سعاد.. لم يكن المستوى المادية أو الاجتماعي وجه مقارنة بيننا أبداً.." " ولكن تأمين المستقبل.." قاطعها بكفه وتحدث بحزم " لا يكون التأمين هكذا.. ليس بحيل خفية.." ثم نظر الى ريم بحزن " إن كان هنالكَ سعادة ابني بالأمر فلا يهم أي شيء.." رفعت حاجبها بوقاحة كبيرة " لأجل ذلك ماجد لم يبقى بينكم.. لأنك رأيت سعادته أهم من كل شيء.." جحدها بقوة بينما هي لم تهتم وشدت على جملتها بقوة وهي تسير " لن يكون سوا نهاية واحدة لهذا الهراء بينهم وأنا من سوف أرسم هذه النهاية.." شهقت ريم بعد أن اختفت والدتها ونظرت الى جدها بانكسار " لقد أشعرت رائد بالفرق بيننا.." هز رأسه نفياً وأمسك وجنتيها بحنان " لا يا ابنتي.." " بلا يا جدي.. أنا لم أشعره بأي شيء طوال فترة علاقتنا.. ولكنها هي نجحت في ذلك.." ثم تملصت من بين يديه وشهقاتها تتوارى عن مسامعه حتى وصلت غرفتها.. أغلقت الباب بقوة ثم انزلقت بجسدها عليه.. يديها تشد خصلات شعرها وصدرها يعلو ويهبط وجملة واحدة تستقر في عقلها تميت روحها وتجفف ماء قلبها.. " لن ينتهي الأمر بهذه الصور فقط يا ريم.. كلما كنا سوياً سنبقى أنا الفقير وأنتِ الفتاة الغنية.." *************** تقترب الساعة من الحادية عشر قبل من منتصف النهار،.. لم تكن تود أن تخطو خطواتها الأولى نحو الخوف دون أن تستمد بعض القوة من ريم،.. ولكنها بعد أن فقدت الأمل من أن تفتح لها ريم الباب استسلمت لخيبةٍ وهمست " سوف أذهب إلى المشفى وأقوم ببعض التحاليل الطبية من أجلها.. كنتُ أود لو أن تكوني معي ولكن لا بأس.." نظرت إلى الباب لعدة ثوانٍ ثم انسحبت،.. لم تكن الوحيدة التي تنهار ألماً بسبب والديها وإن كان باختلاف المسألة والطريقة فإن ريم تعاني حرمان الأم أيضاً! حرماناً بطريقة مختلفة رغم حضورها.. رغم وجودها في ذات المنزل.. فلا تكون الأم أماً وهي تعترض طريق السعادة لابنتها! ولا تكون أماً بقلب الأمومة المعهود أن تتركها تبكي منذ ليلة الأمس.. سارت متمسكة بحقيبتها بقوة ترتعد من الخوف داخلها، تخشى أن تخطو خطواتها وترى الماضي مجدداً يتسرب إليها من وجه واحد فقط! تساءلت عندما انحدرت مع امالة السلم ويداها تنزلق بشرود على (الدرابزين) هل حقاً تغلبت على ضعف الماضي وكوابيسه؟ لم تكن تتوقع أنها بهذه القوة أبداً.. وأن جدرانها التي هدمت سابقاً عاودت البناء من جديد.. هي لم تكون صخرة قاسية في ما سبق ولا الآن..! إنها فقط لم تكن تتوقع أنها سوف تقف عارية من كل ضعفها ووهنها وكوابيسها التي تهلوس بها دائماً! عجزت عن تفسير سكونها! ولكنه لم يكن تغلباً..، بل ربما بالأكثر كان تجمداً وتصلباً في الشعور لا أكثر.. وكيف يفقد الشخص شعوره فجأة؟ وتستكين كل ملامح وجهه مع الألم..؟ أخذت نفساً عميقاً ثم سارت مع ايقاعاتِ قلبها الضائعة بين ثنايا الخوف، باتجاه صالة الجلوس وصوت رامي يرتفع بشكل غاضب.. اقتربت وامتد رأسها قبل جسدها من درفة الباب العريض.. كان يتحدث مع كمال والغضب يحرق وجهه الصارخ باللون الأحمر " لم يكن عليكَ فعل كل هذا يا كمال؟" أكمل رامي بعد أن أدار ظهره عنها بدون أن يدرك أنها في المكان " ولا تقل أن لا يد لكَ.." أجابه كمال بغيظ " لم آتي إلى هنا لكي توبخني؟" " ألا يحق لي؟ قل بربكَ ألا يحق لي بعدد كل تلكَ السنوات على أخوتنا؟ ثم بأي وجه تأتي.." " أنت محق ولكن.." صمت كمال ثم بتردد " لقد احببتها ليس إلا.." ثم تهالكَ بضعفِ الحب على الأريكة " إن ريم حب الطفولة.. لم أستطع أن أمنع قلبي.. " نظر إليه رامي بعتاب وقلة حيلة " أنتَ تعلم عن رائد وما زلت مصراً على الاقتراب.." " قل لي ماذا كان عساي أن أفعل؟ لقد أحببتها.. وأخبرتها بذلك ولكنها قالت أنت مثل أخي.." " ولا يجب أن تكون أخاها أصلاً.." تحدث كمال بعجز " فعلت كل هذا بدافع حبي لها.. لأنها لن ترى السعادة معه.." تراجعت قمر بدهشة ممتزجة بالحزن.. هل كمال يفعل كل هذا حقاً؟ وهل الحب يعني الأذى؟ بالتأكيد ليس هكذا.. ولكن بعض البشر يشوهون الحب، ويجعلونه مبرراً لأفعالهم البشعة ولكن كمال من كان بالصورة المثالية أمامها هل يفعل بريم هذا حقاً؟؟ كيف يمكن للمحب أن يحرم حبيبه من السعادة ولو كانت سعادته مع غيره! ألا يكفي أن نصف قلبه الآخر مليء بسعادة الحب! ولكن هذه الحياة قاسية والإجابة لسؤالها السابق أنه لا يكفي،.. ابتعدت عن باب الصالة قليلاً تشعر ببشاعة كل هذا الكون وكانت أصواتهما تصلها عندما استندت على إحدى الجدران.. ضحك رامي بتهكم " تحبها يا هذا؟ هل يفعل المحب كل تلكَ الأمور.. بالله عليكَ يا كمال.." وقف كمال بغضب " أجل أحببتها.. لا يمكنك أن تقلل من مقدار حبي لها " مسح رامي على وجهه ثم صرخ به " الذي يحب لا يقم بحيل دنيئة ويجعل غيره أداة لذلك.." ثم دار دورة كاملة بحنق " ماذا يا صديقي.. ماذا قلت في تلك اللية داخل الملحق؟؟ أنا لم أعد أحبك.. ولكنني عوضاً عن ذلك كله لأغطي على جميع أفعالي البشعة وتسير المياة من وراءك لقد أحببتُ قمر.." توسعت عينيها بلا استيعاب.. فلا يمكن أن تكون ما قد سمعته..! ليس هذا أيضاً سوف تحمله عبئاً على قلبها! ليس هذا الأمر أيضاً يا قمر.. لا يمكنها ان تتلقى صفعة أخرى في وجهها من هذه الحياة..! ولكنها صفعة جعلتها تتذكر ما سكبه قمر على قلبها من ألم قبل أيام... تراجعت على الحائط بمرارة وأغلقت عينيها بمزيج من القهر، ثم فتحتهما على وسعيهما عندما سمعت خطوات أحدهما يخرج من الصالة أدركت أنه كمال..، فتح باب المنزل على مصراعيه مع وصول مجد عتبه الباب فتجاوزه كمال وبانت علامات الغرابة على وجه مجد.. خطا خطوتين حتى تراءت له قمر وشبح من مشاعر شتى يتجول على وجهها همس بقلق وهو يتوجه نحوها " قمر.." وأتبعه ذلك صوت رامي الحانق الممتلئ بالغضب من الداخل " إن كنتَ صديقاً يا هذا، لا تقم بحيل دنيئة ولا تجعل قمر من ضمن هذه الحيل أيضاً.." تقدم إليها ووضع وجهها بين راحتيه، نظر إليها غارقة ملامحها في بؤس كبير.. همس مرة أخرى بذات النبرة الخائفة " هل أنتِ على ما يرام.. إن كنتِ.." قاطعته بأن انتشلت نفسها من بين يديه بصعوبة وازدردت لعابها بضيق كبير.. تراجعت للخلف وغيمة الحزن تمطر على وجهها " هل من أجل ذلكَ كله؟" لم يستطع أن يدرك إلى ما ترمي إليه.. فكانت عيونها غائرة بالحزن وملامحها ذابلة صفراء وكأنها رأت شبحاً ما.. توسعت عيناه وكأنه أدرك أنه شبح الحقيقة وبدأت جملة رامي ترن في رأسه كجرس المدرسة المزعج.. شد على قبضتيه بحنق كبير.. ثم أمالت رأسها بحزن أمام نظراته وسألته مرة أخرى بعتاب " هل كنتَ تعلم بما قاله كمال؟" كان العجز مرتسما في ملامحه مكبلاً كل حروفه.. لم يكن عليه سوا ان ينظر إليها بأشد الندم.. تجمعت الدموع في عينيها وأكملت " لذلكَ ظننت أن سبب رفضي لكَ هو أنني وكمال سوياً؟" واختنقت كلماتها داخل حنجرتها ونظرت إليه مطولاً بأسى.. وعجزت عن تفسير انكسار عينيه الرمادية من الألم.. عجزت أن ترى تألمه في هذه اللحظة.. ندمه واحتقان وجهه وانحداره نحو الحزن.. فقد كانت دموعها تخفي رؤيتها لكل شيء.. حتى أخذها بينَ ذراعيه.. ********************* منهمكاً بعمله.. التعب واضح بأبهى صورته على ملامحه.. والأوراق التي أمامه تخدشها قوة الضغط على القلم..، عينان حمراوان من السهر.. وهالات سوداء تأخذ طريقها على أسفلِ جفنيه،.. كل شيء يتحول إلى سواد في حياته.. لا شيء يسير في صالحه أبداً.. يغرق دائماً في الوحل.. ويُغرق من حوله أيضاً..! ولكن غرقه في وحلِ الفقر لم يكن من صنيع يداه.. زفر بما يحمله من شتى المشاعر البائسة.. من كل غبار تراكم على قلبه.. ومن ثقل الأحمال المرمية على ظهره.. ثم ومع أخر نفسٍ خرج تهيأ بصورة ريم..! طرقات على الباب جعلته يرفع رأسه بعيداً عن دوامة القلق.. بعيداً عن حزنه أيضاً " سيد رائد هذه بعض الأمور التي يجب عليكَ مراجعتها.." أومأ رأسه بهدوء فدخلت الموظفة وناولته تقريراً خاصة بإحدى الاقسام.. وعندما التفتت مغادرة أعاد نظره نحو الأسفل.. واستقرت عيناه بعد أن وضع الملف على مكتب قائمة أسماء المحاميين التي أمامه.. كانت شعلة الأمل تنطلق من عينيه فهي بداية المسير نحو الخروج من وحلِ الفقر ووصوله إلى عرش الحب مع ريم.. أبعدها جانباً وفتح التقرير الذي أمامه وبدأ بمراجعتها رويداً حتى سارت xxxxبُ الساعة كما يجب عليها أن تسير.. القى القلم أمامه ومسد جفنيه بتعب.. نظر إلى ساعته وكانت تشير إلى الواحدة.. واستراحة الغداء قد بدأت منذ نصف ساعة.. تثائب بكسل واضح ورتب الأوراق داخل الملف على أن يكملها بعد أن يعود من تناول الطعام.. وبعد أن نهض من مكانه اعتلى رنين هاتفه بشكل مزعج.. انتشله من جيبه وظهرت عليه إمارات التعجب تلفت حوله رغم أن هنادي لم تكن في المكتب هذا اليوم.. وبعد رنين متواصل أجاب بصوت منخفض " ماذا هنالكَ يا ياسمين؟" وعلى الطرف الآخر كانت ياسمين ممسكة بورقة ما تبدو على ملامحها الفجأة والحزن وتحدثت بحدة " متى وقعت والدتك على ورقة التنازل عن الأملاك والأسهم يا رائد؟" لم تسمع صوته لمدة دقيقة كاملة حتى أتاها صوته تائهاً غريباً مليئاً بالصدمة " لا يمكن...." ثم على نحو ما صمت بشكل كامل.. تحدثت وكل ذرة بها تؤولُ للحنق " حسنا.. اغلق الآن وأنا سوف أرى الوضع.." أخذت ياسمين نفساً عميقاً ثم ارتعدت بخوف عندما ظهر من العدم صوت لؤي " ماذا تفعلين هنا يا ياسمين؟" مدت له الورقة بغضب " ما هذا الذي أراه هنا؟" انتشل منها لؤي الورقة بقوة " هل تعبثين ب.." قاطعته بعدم تصديق " هل هذا تزوير للتوقيع هل فعلتم هذا أيضاً؟" تحدث لؤي بلؤم قبل أن يلتفت عنها " لا شانَ لكِ.." ضربت قدمها بالأرض بقوة كبيرة، لقد جاهدت أن تساعد رائد وتصل إلى الحقيقة ولكن ماذا حصل على عكس كل هذا.. تلكَ الورقة التي تشير أن والدة رائد قد تنازلت عن كل شيء.. جلست على الكرسي مع زفير أخرجته بقوة كبيرة وأخرجت من بينِ الملفات التي أمامها نسخة من تلكَ كانت قد أخرجتها قبل أن تتصل برائد.. خبأتها أسفل قميصها بسرعة كي لا يأتي أحد ما.. ثم عقدت جبينها باستغراب سرعان ما توسعت عيناها بصدمة وأمسكت الأوراق التي أمامها وبدأت تقلبهم بلا تصديق.. إنها الأوراق الخاصة بالشركة المزيفة التي اختلقها مراد والتي كان عملها نقل الممنوعات مموهة بنقل الحرير والأقمشة.. كانت قد عملت عليها البارحة ووضعتها في احدى الملفات الموضوعة على مكتب صفاء! ثم بعد ليلة وضحاها تمسكها بقوة وجميعها موقعة باسم لؤي..! وضعت يدها على رأسها وكادت أن تتهاوى مما رأته وهمست ببطء " كيف حصل ذلك؟؟ أما يجب أن يكون توقيع مراد الحقير هنا؟؟" تسارعت نبضات قلبها بجزع كبير.. فالحفرة التي كانت قد وضعتها في طريق مراد قد استدارت نحو شقيقها لؤي وسوف يقع بها بلا شك.. ثم شدت على أسنانها وتحدثت بلفحة غضب بعد أن ضربت طاولة المكتب بقوة " ماذا فعلتِ يا صفاء؟".. انتهى البارت ورمضان كريم ينعاد عليكم بالصحة والعافية ان شاء الله يكون البارت اعجبكم اتركولي توقعاتكم وتحليلاتكم.. ايش العلاقة يلي بتربط رائد بياسمين؟ هل فعلاً عم تساعده أو عم تتحايل عليه! وتنازل امه عن الاملاك والاسهم؟؟ وهل رائد فعلاً تخلى عن ريم؟ ياسمين وتوقيع لؤي على أوراق الشركة المزيفة! هل صفاء هي السبب؟ وقمر وملاك! ايش بتتوقعوا يكون مصيرهم! هل رح تكون نتائج التحاليل سلبية أم ايجابية! ورأيكم الشامل الكامل وشكرا + بعرف انه البارت قصير نوعاً ما.. لكن هالفترة عم استصعب اكتب.. لهيك رح تكون البارتات قصيرة وما تحمل الكثيير من الأحداث + بحبكم كتييير كومياات + ما تنسوني من الدعاء وتضلوا بحفظ الرحمن | ||||
08-08-20, 10:29 PM | #29 | ||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام
| // " كل المتاعب والعذابات والآلام غارقة تحت الغسق." (23) تجبرنا الحياة على سير طرقات ليس بطريق كنا قد قصدنا المرور به، تجرنا بفعل رياحها من منعطفات القوة نحو الضعف.. تسيرنا الحياة كما تريد وتشاء! ولكننا بالنهاية نقف متمسكين بطيفٍ قوة يصاحبنا حينَ الوهن...! لم يغب عن ذاكرتها طوال طريقها نحو المشفى أن والدها قد طلب من جدها مكوث ملاك معهم خلال فترة العلاج، عوضاً من مكوثها داخل المشفى! ولكن الأمر أصعب من التقبل بالنسبة إليها، برغم ما تملكه من قلب طيب ولا شك أن ملاك لا ذنب لها لكل ما حصل سابقاً وحتى هذه اللحظة إلا أن طاقتها للتحمل تكاد ان تنفذ.. لن تتحمل أبداً أن ترى حلم طفولتها يتجسد بملاك أمامها في المنزل على مدار الأيام القادمة.. حتى وإن وافقت فموافقتها كغصة تقف في حنجرتها..، ويدور السؤال ذاته في رأسها لماذا لا تلجأ لضعفها في هذه اللحظة تماماً؟ لماذا لا تختفي في زاوية سوداء وتبكي غصتها دموعاً تتسابق مع الشهقات! ولكن كل ما تفعله هو الوقوف أمام ما يحصل بلا أدنى شعور خارجي.. وكيف يرتسم على محياها الهدوء وكل الطوفان في داخلها..؟ تبتلع غصتها المليئة بالمرارة.. وتقفز أمام عينيها صورتها وهي ملقية في أسرة المأوى بلا أحضانِ يد كما ترى تلكَ الطفلة في إحدى زوايا هذه الغرفة الباردة محاطة بحنانٍ لا يشبهه أي حنان..! يختفي وجهها الذي لم تستطع التعرف عليه حتى هذه اللحظة خلف جسد والدها،.. رمشت بثقل ونظرت إلى رامي بتردد كبير، كان قد قرأ غصتها وطفولتها المشتتة، وضع يده على كتفها وتحدث " يمكنكِ أن تؤجلي الأمر.." هزت رأسها نفياً إنها هنا متمسكة بقوة تكاد أن تتلاشى.. ويجب عليها تجاوز هذا الضعف والخوف. ولو لمرة واحدة يجب عليها أن لا تنهزم امام كل شيء.. ربما خطوة متأخرة بعد معاركَ طويلة كانت نتيجتها الهزيمة فقط. ولكن ليس من السيء أن تتجاوز عتبة الألم! أومأ رامي برأسه وأطلق صوتاً منخفضاً من حنجرته حتى يتسنى لعمه معرفة وجودهما بالغرفة،.. وكادت قمر أن تخطو خطواتها حتى توقفت بلا شعور بما حولها.. ضيقت عينيها بارتجافِ الجفون.. إنها تلكَ الطفلة الصغيرة التي رأتها مرتين أو أكثر! وإن كانت ملامحها تغيرت نحو النحول قليلاً إلا أنها تتذكرها..! إنها بذاتها، وتلكَ المشاعر وليدة اللحظة ذاتها تتطرق باب قلبها مجدداً.. كيف للأيام أن تكون شرسة هكذا.. فتلتقي بها قبل فترة لا تحصي عدد أيامها بصدفة غريبة.. ثم تمضي الأيام بها وتقابلها مجدداً لتكون هذه الصغيرة شقيقتها..! ازدردت لعابها وبتشتت كبير ألمَّ بها تراجعت نحو الخلف عندما تقدم نحوهما ماجد بلهفة " هل قمتم بجميعِ التحاليل.." لم تخفى عليه علامات الضيق الممتزج بالغضب من رامي فتراجع للوراء قليلاً.. ثم توجه ببصره نحو قمر وكأن الصدمة انسكبت على وجهها ولم تفق بعد.. تراجع مرة أخرى بمقدار خطوتين للخلف يزداد تكويراً ليده وكأنه أخفق بما تفوه به منذ قليل، يبدو أنانياً في نظرهم منتهزاً للفرصة ولكنه بالتأكيد ليس كذلك..! وبعيداً عن صمت قمر تقدم رامي بجمود وسأل " هل بدأتم بالعلاج؟" هز ماجد رأسه نفياً " ليس بعد، غدا ربما أو بعد غد.." التفتت ملاك نحو والدها وتساءلت " هل هما من العائلة أيضاً،.." ثم استدارت بنظراتها نحو رامي وأشارت إليه " أتذكرك كنتَ في المشفى ولكن من هي؟" وأشارت الى قمر التي أفاقت من غيبوبتها السوداء عندما لاحَ في بصرها تلك السبابة المشارة عليها.. وباضطرابٍ ما بينَ التقدم والتراجع دون إجابة من ماجد وبصوت منقهرٍ من رامي " هذه قمر.." ابتسمت الفتاة وبرزت أسنانها ثم رفعت رأسها ناحية والدها " أنتَ تحبُ اسم قمر يا والدي.." تبدو قمر وكأنها اكتفت بما تمثله من قوة، تشتد أعصابها بطريقة تجبرها على التصنم بلا مشاعر تُرى ولكن عند هذه اللحظة تراجعت للخلف مع شهقة أخرجت غصتها بها وركضت مع شعرها المتدلي كذيل حصان خارج الغرفة..! ******************** تدفق الغضب معها داخل المكتب بعد أن فتحت الباب بقوة كبيرة ودفعته حتى ارتطم للإغلاق بقوة أكبر.. رفع بصره بانزعاج وتحدث بحدة " ما هذا يا ياسمين كيف تدخلين هكذا؟" تقدمت بغضب ووضعت الأوراق أمامه على المكتب " أخبرني ما هذا؟" أمسكَ الأوراق بعدم فهم فأردفت خلال ذلك " كيف توقعُ على هذه الأوراق؟" توسعت عيناه وهو يقلب الأوراق ثم نظر إلى ياسمين بدهشة " كيف حصل هذا؟" زفرت بحرارة وكورت يدها اليمني وضربتها على المكتب " لا أعلم يا أخي.. حقاً لا أعلم.." " كان من المفترض أن توقعه صفااء.." شد لؤي على أسنانه وهو يتحدث ثم ألقى الأوراق أرضاً بغضب كبير وصرخ " كيف حصل كل هذا؟" تهالكت ياسمين على المقعد باستلام وبهمس ضعيف " لا أعلم.." ضرب لؤي بيده على المكتب مرتين " كيف يحصل هذا؟" رفعت ياسمين رأسها بذبول " لقد فتحت باباً جديداً عليك.." رمقها بغضب " أنا لم أقم بأي توقيع يا ياسمين منذ يومين.." ثم صرخ بجوهرية " صفااء.." نهضت من مكانها وكأن أفعى ما لسعتها فانتشر سُم الغضب في أوردتها " كيف يحصل ذلك.. من أين أتى توقيعك على أوراق الشركة المزيفة!" ثم من بين أسنانها وبحنق " إنه مراد.." هز رأسه بالتزامن مع اشارة سبابته بالنفي " لا يفعل بي هذا السوء، بالتأكيد انها صفاء.." " صفاء متى أتت؟" سألته بسخرية كبيرة ظهر الضياع على وجهه في حين أكملت ياسمين " لم تأتِ اليوم أيضاً " " إنه مراد يا لؤي، لقد أوقعك في حفرته مجدداً.." ولكن أتعلم ما الذي يدفعه لذلك " هو صمتك!.." ضرب المكتب بقوة " وكأنكِ من تقفين في وجهه؟" نظرت إليه بحدة وتحدثت بمعنى مفقود في تحليل لؤي لجملتها " على الأقل أنا أفعل ما بوسعي.." نظر إليها بجمود قبل أن تختفي من أمامه! وفي سيارتها الخاصة اخرجت من حقيبتها النسخ المصورة عن ذلكَ العقد بتوقيع مزور وتنازل رائد عن حقه وهمست بحقد " سوف ترى حتفك يا مراد، وإن كان ذلك سوف يؤذي لؤي ويمس طرفاً مني.." وضعت الأوراق في مغلف بني اللون ثم التقطت هاتفها من الحقيبة وبعد ثوانٍ " أهلاً أين أنتِ..." ثم أومأت رأسها " حسنا دعينا نلتقي في مكان ما هنالكَ أمرٌ ضروري.. سوف أتصل برائد إن لم يكن مشغولاً وأخبركِ بمكان اللقاء.." ****************** تزاحم صداع رأسه مع الخطوات السريعة التي أحاطت المكتب بأكمله ثم مع ارتطام الحقيبة الجلدية على الكرسي، رفع حاجبه استنكارا لدخول ريم بتلك الطريقة ثم اعتلى التفاجؤ وجهه عندما نطقت بتصميم " لنتزوج اذا؟" كتم ضحكته على شكلها الطفولي في حين جلست بقوة وزفرت عبارتها " اذا افضل حل هو التمرد.." ثم ضيقت عينيها بغضب عندما رأت ضحكته المكتومة " حقاً هل أُضحككَ كثيراً؟" أطلق ضحكته بعفوية رغم صداع رأسه ثم أجابها " كثيراً يا ريم.." تحدثت بتبرير " وماذا عساي أفعل هذا ما وجدته خلال ليلة من التفكير؟ " ثم تحدث بعد أن عدل وضعية جلوسه " فكرة لا بأس بها ولكن لنؤجلها قليلاً.." توسعت عيناها بطريقة متعجبة ثم قالت " أنتَ موافق إذاً ؟" هز رأسه بقلة حيلة ثم تحدث " ألن تَكُفِّي عن هذه التصرفات؟" ارتاحت في جلستها ثم قالت بعد ان لوت شفتيها بضيق " أحاول ان أتناسى ما حصل.. ألا يمكنني ذلك؟" أخذ نفساً قوياً ثم بحنان " افعلي ما تشائين من مرح ومزاح ولكنني متأسف في هذه اللحظة فلست في وضع يسمح لي يا ريم.." " ماذا حصل مجدداً ؟ " سألته باندفاع وانتكاسة جديدة ملأت وجهها أجابها رائد باستياء " تتوالى الأمور السيئة، أمر تلو الآخر.." " بشأن عمك؟ " أومأ رأسه ايجاباً " لقد وجدت ياسمين عَقداً بالتنازل عن الاسهم الخاصة بنا؟" توسعت عيناها باندهاش كبير " كيف يحصل ذلك؟ بالتأكيد أنه قام بتزوير توقيعك" " توقيع والدتي..." تحدث رائد مصححاً، تساءلت ببطء " هل الأسهم باسم والدتك؟ " أومأ رأسه نفياً بصفو معكر وعلامة الأحد عشر تستقر بين حاجبيه بطريقة واضحة، ومع ابتسامة ساخرة " ليست كذلك، " ثم لم يلبث أن تحدث بتشتت " لم أعد أعلم ما هو الصحيح من الأمور.." " اذاً ماذا سوف تفعل الآن! " أجابها بحيرة " المحامية التي عثرت عليها ياسمين تقول أننا نستطيع اثبات التزوير إن وجدنا الوثيقة الأصلية التي تثبت ملكيتنا.." امتدت أصابع ريم بين شعرها مرة تلو الأخرى ثم تحدثت بعمق التفكير " وهل هنالك وثيقة تؤكد ذلك؟ " أعاد ايماء رأسه بازدياد الألم المتفاقم فيه فاندفعت للأمام مع اتساع عينيها " بينما توجد وثيقة كهذه لماذا لم تستخدمها من قبل؟" تحدث رائد بضيق محاولاً لمس حبال الذكريات " أتذكر أنني واجهته يوماً.. ثم أخرج لي عقد ما أو ورقة تثبت خطأ ادعائي،.." رفعت حاجبها بعدم تصديق " كيف يمكنه فعل كل ذلك بدون أن يكشف؟" تنهد رائد " الأيدي المساعدة كثيرة لذلك ينتصر بشره كل مرة؟" توسعت عيناها وكأنها تنقض على فريستها ثم ضربت طاولة المكتب بقوة " ليس بعد الآن.. فأنت لك يدان وأنا أيضاً ( فرفعت يديها أمام وجهه ) ثم جيداء معنا.. أصبحت ستُ أيدي تهاجم الأسد.." قهقه رائد بخفة " أريد أن أعلم فقط كيفَ لفتاة مثلك أن لا تُحب.." اتسعت ابتسامتها بطفولية " اذا لأنني أُحَب سوف نتزوج بعد أن تحل كل هذه المشكلات؟" ابتسم رائد مجدداً وهز رأسه بقلة حيلة وتحدث مدارياً لها " نتزوج نتزوج.." ثم استراح في جلسته وتحدث بنبرة مصطنعة من التهالك " ولكن كيف سوف أتخلص من ثرثرتك هذه؟" حركت حاجبيها بطفولية نحو الأعلى والأسفل " لن تتخلص.." ********************* بعد انحدار الشمس عن منتصف السماء، الساعة تجاوزت الثالثة، ولم يتبقى سوا القليل على نفاذ صبره، برزت عروق عنقه من الغضب، فصرخ بعد أن ضرب الحائط " كيف تفعلين هذا يا أمي؟ " تحدثت والدته كما العادة بلا مبالاة " أفعل ما يصب في مصلحتك.." نفث مجد غضبه أمامها واشار بسبابته " لا يمكنك أن تتصرفي كما تشائين، لست صغيراً لكي تتحكمي في حياتي" ثم غير نبرته نحو السخرية " في الأصل حتى في صغري لم تكوني متحكمة لهذه الدرجة.." القت عليه نظرة جانبية " لقد رأيت ابنة فاروق مناسبة فتحدثت مع عائلتها.." أومأ رأسه ثم ضرب بيده أقرب تحفة عليه فوقعت وتناثر الزجاج على الأرضية " اذا تزوجيها أنتِ.." القت سعاد نظرها عليه بلا أدنى مبالاة بغضبه ثم تحدثت بعد أن خرج من الصالة "لن يكون هنالك قمر في حياتك، لا تحلم بها حتى.." وفي المطبخ بعد أن تجرع الماء دفعة واحدة أحاطت يده عنقه شاعراً بالاختناق، تتشارك خلاياه العصبية ذات الغضب المكتوم، أخرج زفيراً قوياً نافثاً معه ما يستطيع اخراجه من القهر والغيظ ولكن كلا لم يستطع أن يهدئ من فوران دمه داخل خلاياه.. استفاق بعد اقل من دقيقتين على دخول رامي إلى المطبخ، نظر إليه بهدوء بلا أن يتفوه بأي حرف " ماذا حصل مجددا؟ " تساءل رامي وهو يتجه نحو الثلاجة نفى مجد برأسه عله يسقط كل شيء من عقله " مسألة ابنة فاروق مجدداً.." ثم سأله " أين قمر؟ " أجاب رامي وهو يسكب عصير البرتقال في كأس كبيرة " لقد أصرت على الجلوس خارجاً في الحديقة.." ثم مد له كأس العصير " يحبذ عليكما الكلام تبدو بمزاج سيء منذ الصباح..." وضع مجد كفه على رأسه بألم وتحدث بفتور " لقد سمعت حديثك مع كمال.." تناول مجد الكوب منه في حين تحدث رامي بهدوء " مسألة شقيقتها، مسألتك، والدها.. جميعها يا مجد، إنها تحتاجك برغم ما يحصل ولكنك الوحيد" أومأ مجد رأسه بتعب واستدار بمشيته حتى وصل على عتبة باب المطبخ مع صوت رامي الذي قال بقلق " اجبرها للذهاب والراحة انها متعبة أيضاً.." في الخارج،.. شاردة يحلق التعب والارهاق حولها يرتسم بخطوط متعرجة على تفاصيل وجهها وجسدها، تتزاحم الأفكار و الذكريات بصورة غريبة في مخيلتها، وتتجمع المرارة أسفل حلقها..، تخط بإصبعها على الطاولة الخشبية بشكل عشوائي حتى تنبهت خلاياها العصبية بعد أن وُضع كأس البرتقال أمامها، رفعت رأسها بتشتت نحوه وتحركت بعيونها حتى جلس مجد على الكرسي بجانبها،.. تحدث بقلق واهتمام " أنت متعبة لماذا لم تذهبي إلى غرفتك؟" نظراتها الذابلة كانت كفيلة لأن يجعله يقترب بمقعده أكثر بجانبها في حين همست هي بنبرة مرتجفة " أشعر بثقل كبير هنا " وأشارت ناحية صدرها،.. امتزج الألم مع وجهه فمسح على شعرها ووجهها بحنان " كل شيء سوف يكون على أحسن حال لا تقلقي.." لوت شفتيها بطريقة تخبره أنها لا تصدق هذه العبارة بعد الآن، فسألها وما زالت يده تمسد شعرها ووجنتها " ما الذي تخافيه؟ " همست بخفوت " كل شيء.. " صمتت قليلاً ثم تحدثت بنبرة متعبة " إن كانت نتائج تحليل النخاع سلبية؟ " " لا تفكري بمثل هذه الأمور.." هزت رأسها نفياً " حتى وإن لم تكن سلبية فقيم دمي إن كانت منخفضة لا نستطيع القيام بعملية نقل النخاع!" " بالتأكيد هنالكَ طريقة ما،.. لا يمكنك أن تبقي حبيسة هذه الأفكار، كل شيء يأخذ مساره في هذه الحياة، لن تجني إلا الألم من هذه الأفكار.." قال ذلك ثم امتدت يده تجلب كأس البرتقال نحوها، فأبعدت رأسها " لا أريد.." " ولكنك متعبة يا قمر يجب أن ترتشفي لو القليل.." هزت رأسها نفياً ثم استدارت برأسها للأمام مباشرة وشرعت بالقول " في بعض الأحيان أفكر، أو طوال حياتي كلها أنه لو لم أكن ابنة هذه العائلة، انتمي لمكان آخر.. هل كان القدر سوف يجلب لي الكثير من الألم هكذا.." توقفت قليلاً عن الحديث ونظرت إليه " ألا تتمنى حياة أخرى غير حياتك؟ " لوى شفتيه بضيق " أحياناً.." أغلقت عيناها ثم فتحتهما مع تنهيدة وجع " كنتُ أتمنى كثيراً وجود عائلة لي " اعتدل في جلسته وقال بنبرة مغايرة يشوبها بعض العتاب " ولكنك هنا، مع عائلتك، في مكان.." قاطعته بمرارة " عائلة تحبني كثيراً.. كنتُ أود حقاً.." عقد حاجبيه في حين أكملت قمر بنبرة باكية " جدي وجدتي، ريم وحتى رامي وجدتهم متأخرين، أعلم أنهم يحبونني.." تساءل بغرابة " وأنا ماذا؟ ألا أحبكِ؟ " نظرت اليه بعينٍ ترغب باحتضانه، بنظراتٍ تخبره أنها أكثر ما تريده هو أن يحبها، أن يبقى معها فتختفي بشاعة الكون بأكمله،... يتفاقم الشعور داخلها، وتريده أن يلتمس كل شعور دفين فيها، أن يحيط بها بكامل جسده.. تريد منه أن يقرأها فهي عاجزة على أن تتفوه بالمزيد، وتشعر بيد تكبل كل حرف داخلها، وتعصر كل هشاشتها..! فأخذها تحت ذراعيه، يحيطها بالحب والأمان، يحيطها وكأنه الوحيد المخول له ذلك..! هامساً بكل ما فيه من ندم " أعتذر، أعتذر نيابة عن الحياة القاسية وعن كل شيء.." يحتضنها وكأنه فهم كل شيء بها ولا يصعب عليه ذلكَ أبداً فهو إن لم يكن يرى دموعها تنهمر فبالتأكيد داخلها يجهش وجعاً بطريقة مؤذية..! لم يتبقى سوا ساعتين لانتصاف الليل، نهضت من سريرها بملل شديد، تحاصرها الأفكار هي الأخرى.. منذ أن خرجت من مكتب رائد وتتبعها التساؤلات وسؤال وحيد لا تجد له إجابة! ( لماذا يقصيني عن قضيته؟ ) ضغطت على رأسها بتعب، وسارت نحو الخارج حتى وصلت إلى الطابق الأرضي، ومن خلاله دلفت نحو الصالة.. عقدت حاجبيها باستغراب ثم سرعان ما توسعت عينيها عندما تفوهت جدتها بعاطفة الأم " يمكنكَ البقاء أنت أيضاً من أجل ملاك.." كانت علامات التردد تظهر على وجه ماجد، يترنح بين عاطفته وعقله! بين ملاك والبقية،.. واسترعى انتباهه نظرات الريم المغتاظة حين جلوسها بالقرب منه.. بينما أردفت الجدة " ملاك تحتاجك أكثر مما تحتاجنا.. لا تنسى أنكَ أباها.." تحدثت ريم بتهكم شديد " ألا نكونُ نحن عائلتها يا جدتي؟ " جحدتها الجدة بلؤم فصمتت بقهر منتظرة إجابة الرجل المدعو بعمها،،.. إلا أن جدتها أردفت بحنان " يمكنكَ البقاء إنها فرصة لتعويض ما سبق.." تدخلت ريم بالحوار وسألت " هل جدي موافق؟" للمرة التالية جحدتها الجدة وقالت " موافق، جميعنا نريد هذا.." ثم التفتت نحو ابنها " لقد جهزت الخادمات الغرفة لكما، يمكنك المكوث.. ثم ما زلت بيننا وبين ملاك مسافات السنين ولن تتأقلم بالمكوث هنا" أومأ ماجد رأسه انصياعاً بلا إرادة منه، ربما تكون كما قالت والدته فرصة للتعويض! ابتسمت الجدة " اذا يمكنك أن ترتاح بجانب ملاك في الغرفة.." تحدث ماجد بهدوء " من ليلة الغد هنالك أمور يجب عليَّ حلها.. ألن يكون هنالك مانع باحضار مربيتها إنها معتادة عليها كثيراً؟" نفت الجدة برأسها " افعل ما يتوجب على ملاك حتى تشعر بالراحة.." وبعد أن نهض خارجاً من الغرفة اندفعت ريم بلوم جدتها " ألا تعلمين مقدار الضرر الذي سوف يسببه لقمر.." استقامت تعابير الجدة بقسوة وبلهجة حادة " أفكر بكم جميعاً.." " ولكن يا جدتي وجوده هنا.." قاطعها جدها بمعالم وجهه الغريبة القاسية عندما دلف بعد أن رأى ماجد يتجول في الوسط " على ماذا تعترضين يا ريم.." التفتت بكامل جسدها نحو جدها " وجود ملاك وقد قلنا حسناً من أجل أنها مريضة، وقمر متعاطفة معها ولكن والدها أيضاً.." عقد الجد حاجبيه ثم نظر ناحية زوجته التي اطرقت رأسها مبعدة عينيها عنه "ماجد؟" أومأت ريم رأسها " قمر قد قبلت وجود ملاك عنوة وانظر إلى حالها، فكيف إن بقي هو أيضاً..." شد الجد قبضته فين حين دلف مجد هو الآخر على إثر جده " من الذي يبقى أيضاً ،، ماجد؟؟.." عاتبته الجدة " إنه عمك.." تقدم وجلس " لا تنتظري مني الاحترام لشخصه، ثم وأن قمر تعاني من أجل ابنته نفسياً وبسببه طوال هذه السنوات.. ثم تحضرين جحيمها إلى هنا..؟؟" ثم التفت إلى جده الذي تحدث " من أجل ملاك فقط.." اعترضت ريم باندفاع " ولكن يا جدي.." قال الجد بصرامة محاولاً انهاء الحديث " لقد تجاوز عتبة المنزل فقط من أجل ملاك.. يمكنه البقاء" " ألا تهمكم قمر؟" تساءل مجد بلا استيعاب " ابنته مريضة يا بني،، هل لا يبقى بجانبها؟ " تحدثت الجدة محاولة استمالة عطف مجد وقف مجد غاضباً " وابنته الأخرى ألا تهمه مقدار ذرة؟ هذا إن كان ما يزال يكن لها شعور العائلة! " جلس الجد " إن كانت هذه الأحداث سوف تكون من صالح قمر فلا بأس.." تساءلت ريم باستنكار " كيف تكون لصالحها يا جدي؟ " " ربما تنتهي معاناتها وتسامحه!!" بلا تصديق سار مجد نافثاً غضبه " هل تعاطف قمر مع ابنته يعني أنها سامحته! لن تسامحه لو مهما مر من السنين.. " تحدث الجد بحزم قبل خروج مجد من الصالة " دع قمر تقرر ذلك وليس أنت.." ثم التفت إلى ريم التي تساءلت بحزن " وهل سوف ينتهي عذاب السنين التي مرت؟ " تحدثت الجدة بعطف " إنها بحاجته يا ريم، حتى وإن كان هو المسبب في معاناتها.." " ألا نكفي نحن؟ " هز الجد رأسه نفياً بحسرة " في بعض الأحيان يا ابنتي نحتاج إلى ملأ فراغاتنا من ثقبها، لذلك يجب عليه هو أن يملأ الفراغات التي بداخلها،.." نهضت ريم من مكانها " أتمنى أن يكون كل شيء لصالح قمر فقط.." ****************** يتساءل الجميع! متى تستيقظ هذه الحياة بلا أوجاع؟ بلا دموع، بلا مآسي..، كيف للنهار أن يأتي ويمحي من الأمس كل حزن! تشير الساعة إلى الثامنة صباحاً، تميل برأسها ناحية اليمين مجدداً بعد دقائق كانت طويلة عليها إلا ان الساعة لم تتجاوز الثامنة والخمس دقائق! شدت قبضتيها على غطائها القطني، ترتجف عضلة لسانها بعجز كبير بعد أن سمعت طرقات على الباب.. همست بضيق " أنا مستيقظة؟" دلفت ريم إلى الغرفة بعد أن غادرها النوم هي أيضاً، سارت بخطواتها الحزينة " هل يمكنني ان أتلافى خطأ البارحة؟ " اعتدلت قمر في جلستها وابتسمت لها، في حين تقدمت ريم باندفاع أزاحت الغطاء عن قمر وجلست على السرير " أما زلتِ متعبة؟" نفت قمر برأسها وتحدثت بشحوب " ليس كثيراً، فقط لم أستطع النوم؟" أمالت ريم بشفتيها " من يستطيع النوم والأحداث مليئة ومرهقة؟" ثم زفرت بقوة.. ثم تسرب صوت قمر بقشعريرة الخوف والعجز " هل نامت هنا ؟ " أومأت ريم برأسها " أجل.." صمتت قمر بعد الإجابة ولم تنبس ببنت شفة حتى ظهر صوت ريم متردداً " عمي، أي والدك.." توسعت عينا قمر باضطراب وازدردت لعابها حينما أكملت ريم بحزن " هل يمكنكِ مسامحته ؟ " تشابكت أصابع قمر بحيرة ثم بفتور " لا أدري، ولكنني.." امتدت أنامل ريم وأمسكت بيدي قمر بحب وحنان " لم تستطيعي النوم من الأحلام.." ظهر الاختناق على وجه قمر فتحدثت ريم بحنان " لكل شيء تفسير في هذه الحياة ربما.." ابتعدت قمر بسرعة عن ريم " ليس هنالك تفسير يا ريم.." ازدادت قمر صلابة في الوجه، قابضة يداها بقوة " لطالما وضعت التفسير المناسب لعقلي دائماً، تفسيراً يبرئه ولكن.." تحشرج صوتها في هذه اللحظة وتجمعت بعض الدموع في مقلتيها " في المشفى كان يحتضنها.. لماذا هي وليست أنا؟ " صمتت ريم بمرارة في حين أكملت قمر باختناق أكبر " لست أنانية لأقول أنا أو هي، لماذا ليس نحن الاثنتان ! ألا نكفي في قلبه؟ " عادت ريم واحتضنت قمر بين يديها " بالتأكيد هنالكَ تفسير ما.." نفت قمر برأسها بقوة كبيرة، تنحدر الدموع من مقلتيها دفعة واحدة " لا يوجد يا ريم لا يوجد.. ليس بعد كل تلكَ السنوات.." ثم ابتعدت عنها وسألتها " ما التفسير لأفعال والدتك؟ لا أريد أن أسيء لكِ ولكن.. ما التفسير؟ " أخذت ريم نفساً عميقاً وكادت أن تتفوه إلا أن قمر أردفت بحزن " أعلم لا يوجد أوجه شبه بين ما يحصل معكِ وما حصل معي ولكن الجرح لا يندمل بسهولة يا ريم.. حتى وإن سامحته هل سوف يعيد ما سرقت الحياة مني؟ " " لا يمكننا معاكسة القدر، لكل شيء سبب.. كل شخص منا يخطئ لو بمقدار ذرة.. إن لم يكن هنالك شيء يدعى بالتسامح لانتهت كافة العلاقات؟ " وعندما لم تسمع منها ريم أي إجابة سألتها مستغلة طيبة قلبها " انت تكابرين لجرحك، تصمتين خوفاً من ان تسمعي ما لا يسرك! أتعتقدين أني لا أدرك؟ " " لا أستطيع مجابهة الأمر.." تحدثت قمر بثقل صدرها " ولكنكِ تستطيعين أن تعطي كل شيء كي لا تفقد ملاك حياتها؟ " وعندما لم تتحدث قمر بأي حرف أخذت ريم نفساً عميقاً ثم زفرته بقوة ثم استندت على السرير بكل تعب " هل تعلمين أنتِ ورائد متشابهان؟ أستغرب من هذه الفكرة! " عقدت قمر حاجبيها فأردفت ريم " هو مستعد لأن يبقى بالفقر كي لا يؤذي عائلة عمه من الفقدان.. " التفتت نحو قمر في هذه الأثناء وأكملت " وأنتِ كما قلت منذ قليل تدعين من داخلك أن تكون نتائجكما متطابقة حتى تستطيع ملاك إكمال حياتها.. كلاكما متشابهان بالتضحية في أنفسكما.." " هل رائد سامح عمه؟ " تساءلت قمر بحيرة تنهدت ريم ثم أجابت سؤالها بسؤال آخر " هل حتى وإن جاء معتذراً؟ " نطقت قمر كلمتها بصعوبة كبيرة " ربما أجل.." ثم نهضت من السرير متوجهة نحو دورة المياه تتبعها نظرات ريم حتى قالت بأسف " (ربما) التي قلتيها الآن معناها نعم، تسامحين ولكن كيف لو تعلمين بوجوده هنا إلى انتهاء العلاج فقط؟ " ثم أغلقت عينيها بضعف وتحوم حولها طيف العبارة التي سمعتها ليلة أمس عندما اقتربت من الغرفة التي خصصتها الجدة لملاك، كان عمها يتحدث مع ملاك بلا مبالاة لأحد آخر غير نفسه " سوف نبقى هنا إلى انتهاء العلاج يا ملاكي.." ******************* تحولت جميع الأنظار إليها بعد أن اقتحمت قاعة التدريس الصغيرة بلا إذن، التفت كمال بردة فعل عنيفة نحوها سرعان ما تجهم وجهه واعتلته حمرة الغضب.. بينما اندفعت هي كما العاصفة هاجئة ثائرة " لماذا تتجاهل اتصالاتي ؟ " تتأرجح نظراته ما بين طلابه وما بينها بنفاذ صبر وتحدث كاظماً غضبه " هنادي هل يمكننا الحديث لاحقاً ؟ " عقدت ساعديها على خصرها بعناد بوجوم " سوف نتحدث حالاً؟ " ألقى كمال ما بيديه بكل غضب خارجاً وإيها بعد أن امسكها من مرفقها بكل قسوة وألقاها في الممر الواسع بعض الشيء.. بينما هي صرخت بحزن " لماذا تفعل كل هذا بي؟ " اندفع هو الآخر بصرخة " بل أنتِ ماذا تفعلين! كيف تدخلين بهذه الطريقة وأمام طلابي .. بأي حق؟ " تقدمت خطوة نحوه " لي الحق بأن أفعل أكثر من هذا عندما تتجاهلني، ألسنا على علاقة؟ " اشار بسبابته بحنق " إياكِ ان تتلفظي بهذه الكلمة مرة أخرى يا هنادي.." ثم اندفعت تعابير وجهه إلى سخرية " علاقة؟ نحن؟ ." استقامت ملامح وجهها وتحدثت بانكسار واضح " ألسنا كذلك؟ " وعندما لم يجب أردفت بنبرة حزينة " لقد فعلت كل ما يجب فعله.. تحملت كافة تصرفاتك.. بت صديقتك يوماً ما، ومعجبة في يوم آخر.. ثم وسيلة لتفريق رائد وريم! أتجازيني بهذا؟" مسح على وجهه أثناء كذلك وتحدث بقسوة لم تعهدها " ها أنتِ قلتها مجرد وسيلة ليس أكثر من ذلك؟ " نفت برأسها بلا تصديق سرعان ما توسعت عينيها وانحدرت دمعتين حارقتين عندما أردف " كما تعلمين أنا وريم عقدنا خطوبتنا.." تأجتت كل مشاعرها دفعة واحدة وبحنق تقدمت بخطواتها نحوه وألقت بكفها بكل ما اوتيت من قوة على وجهه وتحدثت من بين دموعها " سوف تندم يا كمال على فعلتك هذه.. وهذه التي تقول عنها ريم لن تنظر في وجهك أبداً.." أمسكها من كفها بقوة " إياك أن تتصرفي ما يحلو لك انتهت مهمتك عند ذلك الحد.." نظرت اليه هنادي " رغم ألمي الآن منك، ورغم كل شيء حصل بيننا.. " قلطعها بملل " لا تقولي كبرياء وما هذا.." ظهرت السخرية على وجهها " وهل بقي كبرياء! على كل حال رغم كل شيء حقاً وفي هذه اللحظة بالتحديد اشفق عليك.." وأكملت بتأكيد " أنت لن تحظى بريم أبداً حتى لو انفصلت عن رائد.." التفتت عنه مع بقايا كبرياءها الذي خسرته، مع ندبة قلبها.. مع دموعها الحارقة ! همست بعد أن خرجت من معهد التدريب الخاص به " لا يستحق.. لا يستحق أي شيء.." التقطت هاتفها بكل حقد ثم وجهته نحو أذنها حتى جاءها الرنين المستمر بلا اجابة.. ضربت قدمها بالأرض بانزعاج وغضب... ********************* تتحرك قدم ياسمين بتوتر شديد، خلف مكتبها مجدداً تنتظر قدوم مراد، ولكن لم يتبقى أي صبر لديها حتى لمحته يتقدم كما العادة، بجبورته وقامته المغرورة.. تقدمت نحوه كما الريح، بينما ارتفع حاجباه بتعجب " ما هذه العاصفة يا ياسمين؟ " " هل تعمدت ذلك؟ " " ماذا تقصدين؟ " زفرت بحرارة وبحنق " توقيع لؤي على الشركة المزيفة! " ظهرت عليه علامات التفاجؤ مع تعقيدة حاجبيه " ماذا تقولين عن أي توقيع؟ " ثم هز رأسه بلا فهم وتقدم موالية اياه بالسير نحو مكتبه، وحالما انفردا فيه تقدمت نحو مكتبه وقالت باستخاف " طبعا أنت لم تأتي البارحة كي لا تدين نفيك؟" ورفعت حاجبيها بتحدٍ، أخذ مراد نفساً عميقاً متمالكاً نفسه " وأخذ الأوراق منها بقوة.." حتى رأته يقلب الأوراق ما بين يديه بلا تصديق وعقدت ساعديها أمام صدرها بعد أن مزق الأوراق أمام عينيها وألقاها بغضب " من فعل هذا؟ صفااء.. بالتأكيد صفاء.." ثم التفت حتى يخرج مندفعاص هو الآخر أمامها " أين هي الآن ؟ صفااء " وصوته يصدح في هذا الطابق بكل جوهرية،.. تقدم منه لؤي مهرولاً " ماذا هنالك يا مراد؟ " صرخ بوجهه " ألم تأتي اليوم أيضاً، أنا سوف أريها يومها تلك الأفعى؟؟" حاول لؤي أن يهدئ منه بأي طريقة، وياسمين على مقربة منهما.. ورغم انخفاض صوت لؤي ومراد الا أنها تسمعهما بوضوح " لا يهم نتحدث في هذا الأمر لاحقاً،..." ثم سارا سوياً تتبعهما عيني ياسمين بترقب واقتربت على مسامعها جملة لؤي الذي أردف بهمس " الأهم الآن أن نركز على مؤسسة.... هنالك اجتماع لا تنسى" تيقظ كل شيء فيها بعد أن بعد أن سمعت اسم المؤسسة التي يعمل بها رائد، أرجعت خصلات شعرها وتحدثت كأنها بلا حيلة " ماذا تتخطان مجدداً.." ما لبثت أن تتكئ على الحائط الملون من خلفها إلا بصوت مراد يستدعيها.. شدت على قبضتيها وسارت نحو مكتبه،.. أشار بيده نحوها أن تجلس " أرجو أن تكوني قد هدأتِ من روعكِ ؟" أخذت ياسمين نفساً عميقاً " ولكن لا أستطيع التصديق أنها فعلت هذا أيضاً.." ثم التفتت الى لؤي الذي قال بثقة عمياء " قلت لكش ليس مراد من فعل هذا.." أومأت رأسها بهدوء، فيما تحدث مراد بمكر كما تعده " ما آخر التطورات مع رائد؟ " تحدثت بابتسامة جانبيه وهي تشير اليهما " التطورات في حوزتكم؟ " عقد مراد حاجبيه بلا فهم فأجاب تساؤلاته لؤي " توقيع التنازل.." " آه، أجل لقد حدث هذا، ولكن أنتِ؟" وضعت قدماً على قدم " ربما حصل انفصال أو سوء تفاهم بينه وبين ريم.." " وبماذا يفيدنا هذا، شيء آخر.." تحدث لؤي فيما قال مراد " أمر ما يخص علاقته مع صفاء؟ " أجابه لؤي " حتى هذه اللحظة لا يوجد شيء مؤكد.." اومأ مراد رأسه ثم صوب نظره نحو ياسمين " سوف تكسبين ثقته أكثر من هذا؟ " رفعت حاجبها الأيمن " كيف أفعل! " ابتسم مراد بمكر " سوف تخبريه أن مراد سوف يكون مستثمراً في مشروع مؤسسته الجديد.. وهذا يكفي لارباكه.." ورفع أمامها ورقة تنازل والدته عن حقهم في كل شيء يملكونه،.... ************************************** الثانية ظهراً، عادت كما كانت، في مرسمها قابعة، بين سكون الظلام.. تحت انينِ الماضي اللئيم! مجدداً تختبئ في كهفها المظلم! نظرت إلى اللوحة التي تختبئ مثلها خلف فوضوية الشعور، ثم ألقت قلم الفحم الأسود من يدها باضطراب، وأخرجت بعد ذلكَ تنهيدة من عمق الصدر المكلل بالجراح،.. مرت خمس دقائق تبحث عن إجابة كافية لكل ما تمر به! ألن ينتهي الألم؟ شعرت بارتعاشة الجسد بعد ان سمعت طرقات خفيفة على باب المرسم المفتوح، فالتفتت بفتور " هنالكَ أميرة مختبئة مجدداً.." أطرقت رأسها بيأس وهمست " مجدداً.." تقدم مجد بتأنٍ ووقف بجانبها سرعان ما نزل إلى مستواها وانحنى ليلتقط القلم الاسود.. نظر اليها برهة ثم توجهت أنامله نحو كفيها ووضع القلم وأغلق كفيها بين يديه،.. " لا شيء، ولا أحد يجعلك تحتاجينَ اللجوء الى المكان المظلم هذا.." مسح على شعرها بيده اليمنى بحنان بينما بقيت يده اليسرى تعانق كفيها سألها بعد أن نظر إلى الخطوط العشوائية المرسومة " بماذا تفكرين مجدداً؟ " نظرت قمر إلى اللوحة ثم إليه وسحبت كفيها من بين يده بفتور " لا شيء.." ثم تنهدت وهمست " بل بكل شيء.." تحدث مجد بلهجة حانية " يمكننا البدء في الحديث من نقطة ما.." نظرت إليه بعجز " أخشى أننا.." قاطعها بلوم " سوف نتخطى كل شيء يا قمر.." شعرت بثقل في رأسها، وباختناق في صدرها في حين قال هو بلهجة آمرة حنونة " مثلاً يمكنن البدء من الخرج من قوقعتك هذه.." أعربت عن اعترضاها بسؤال " ألا يوجد لديك عمل؟ " ابتسم مجد لها " لا يوجد ما هو اهم منكِ في هذه اللحظة.." بينما هي غارقة في اضطراب الشعور تساءل باهتمام " بالتأكيد لم تأكلي شيئاً منذ الصباح.. هل ننزل للأسفل!" نفت برأسها، تنهد بيأس وتحدث بخيبة " إلى متى يا قمر؟ هل عدنا للبداية؟ " تدخل صوت شقي من الخلف وفمه مملوء بالكعك " إنها لا تسمع الكلام عنيدة كالأطفال.." نظرت قمر الى ريم بنظرة باهتة بينما أردف مجد مشيراً إلى شقيقته ولاحت على شفتيه ابتسامة ماكرة " اذا سوف نتصرف معها كالأطفال.." ضحكت ريم على شكل قمر المتدلي على كتف مجد وهي تصرخ تماماً كما الأطفال " أنزلني يا مجد أرجوك أنا أخاف.." بينما صوت ضحكات ريم تعلو أكثر وقمر التي تحاول الفرار من مجد " إن حاولتِ سوف نقع أنا وانتِ عن السلم.." تحدثت ريم بمزاح " لم يتبقى سوا أربع أو خمس درجات.. لن تتأذوا كثيراً.." ثم أطلقت ضحكتها الرنانة،.. بينما تحدثت قمر بتعب واضح عند آخر درجة " مجد أرجوك.." أنزلها ببطء حتى استقامت أمامه بتعب، ومسح على شعرها بحنان عندما نظرت إليه ودمعة تخترق وجنتها البيضاء همست بضعف " لماذا تفعل هذا؟ " مسح دمعتها اخيراً، واستقرت يده فوق وجنتها بعض ثوانٍ حتى تحدث بألم برز في نبرته " ألا يحق لي أن اقلق بشأنكِ ؟ " وقبل ان تتحرك شفتا قمر للإجابة قاطع لحظتهما هذه دخول الجدة متعمدة السير نحوهم وبجانبها ملاك " واخيراً ظهرتم لقد مللنا لوحدنا،.." ظلت ريم صامتة تقف مننتظرة ردة فعل قمر على بعد درجتين من السلم خلفها وخلف مجد، ، بينما التفت الأخيران في تلكَ الأثناء.. فاندفعت قمر للخلف قليلاً تزدرد لعابها بضعف، سرعان ما أحست بيد مجد خلف ظهرها مع همس خفيف في أذنها " تصرفي كما تتصرف قمر التي.."،،،،، صمت قليلاً قبل أن يكمل بذات الهمس " التي اعهدها.." وبعد أن أبعد وجهه عنها لاحظ النظرات التي ترميها ريم اليه وقد قالت له بعد أن تخطه بصوت منخفض " لو قلتها هل سوف يُهدم العالم؟ " لم يأبه لها بل استكانت كل مخاوفه عندما كانت قمر تتقدم بتردد كبير ناحية جدتها وملاك.. تحاول قدر المستطاع أن ترسم الابتسامة على وجهها علها تجتاز حاجز الخوف، ولكن.. وبينما انحنى جسد قمر ودنت حتى وصلت إلى مستوى ملاك، استثارت مشاعر القلق على وجه مجد عندما دلف عمه ماجد مع فتاة شابة إلى المنزل، فسرعان ما تقدم بخطى واسعة متأهبة محاذياً قمر في سيرها،.. فماذا سوف يحصل عندما ترفع قمر بصرها بعد ثوان معدودة من نطق ملاك بصراخ وحماس " واالدي..." انتهى البارت اسفة عن انقطاعي لفترة عنكم ولكن الظروف ارغمتني انه ابتعد اتمنى تعذروني وان شاء الله موعدنا ببارت جديد الاسبوع المقبل تضلو بخير | ||||
08-12-20, 04:06 PM | #30 | ||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام
| // " في كل عبارة نكتبها القليل من الحقيقة و الكثير من الخيال أو ربما الأمنيات! " (24) بينما تهرول البراءة أمام ناظريها، وفي الأفق تلوح أمامها غيوم الصدمة...دنت للأسفل والتقطتها بحضن شوق لها وشعور مليء بالحزنٍ على قمر. ابتعدت عنها ملاك بلوم وعتاب طفولي " ولكنني كنت أريد والدي.." ازدردت سوزان لعابها ونظرت نحو قمر برهة من الزمن لم تتجاوز الأربع ثوان ثم تحدثت إلى ملاك بحنان " ولكنني اشتقت إليكِ ألا أستحق حضنك الجميل؟" أومأت ملاك مع ابتسامة طفولية " أجل اشتقت أنا أيضاً.." قبلتها سوزان من وجنتها ثم نهضت واعتدلت في وقفتها ونظراتها مسلطة على قمر، بينما تحدث ماجد إلى والدته " هذه سوزان.." قاطعته ملاك وهي تشبك يدها بيد سوزان " مربيتي وصديقتي.." تقدمت منها الجدة زينب ورحبت بها، فيما يقف الثلاثي (مجد وقمر وريم ) في أماكنهم متصلبين، اقترب ماجد من والدته وهمس لها.... سرعان ما اختفيا عن الأنظار خارج المنزل، ابتسمت سوزان وهي تدلف بخجل نحو قمر " ما أخباركِ يا قمر؟" عقدت ريم حاجبيها فيما مجد كان جل اهتمامه وقلقه ظاهر في عينيه، أجابتها قمر وكأنها خارجة من الوهم إلى الواقع ببطء شديد " أهلا.." همس مجد لها " هل أنتِ بخير؟" وبذات الهمس المرعب أجابته " لا أدري.." فيما رفعت ملاك رأسها إلى سوزان وبدأت تسحبها بحماس " هيا سوف أريكِ غرفتي.." تحاول سوان جذب يدها " ولكن يا ملاكي لا يجوز.." ملاك بإصرار " هيا تعالي.." فيما تحركت عينا سوزان بحيرة بينهم فتقدمت منها ريم " لا بأس يمكنكِ الذهاب.." وحثتها وذهبتا معا برفقة ملاك. وبعد أن اختفيتا عن الأنظار، التفتت قمر إلى مجد وهمست بضيق " خذني من هنا.." سألها بقلق " هل أنتِ على ما يرام؟" هزت رأسها تارة ب (نعم) وتارة ب (لا) ثم تحدثت باختناق " خذني إلى ذلكَ المكان؟" " أي مكان؟" " ذلك الشاطئ، ذهبنا مرة هل تذكر.. كنتَ تحتاج الراحة والبعد عن الناس، خذني أيضاً لأرتاح.." وضع يديه على كتفيها وقال مهدئاً اياها " حسناً.. خذي نفساً عميقاً.." فعلت ما طلب منها فابتسم لها " مرة أخرى.." بان الاعتراض على وجهها فأمرها مصمماً " هيا سوياً.." أخذت نفساً عميقاً وشاركها ذلك ثم زفراً سوياً... ************* تبدو ريم وكأنها تحاول تفكيك مجريات الأحداث وعلامات التساؤل واضحة بخصوص سوزان وتحدثها إلى قمر، تنظر إليها وهي تلاعب ملاك بكل طفولية تارة تضحك وتارة تشرد سوزان للبعيد، حتى عادت إلى أرض الواقع ونظرت نحو ريم التي بدورها أبعدت نظراتها المتفحصة عنها فيما ابتسمت سوزان وتحدثت مقاطعة " كنا معاً.." عقدت ريم حاجبها ، فأردفت الأخيرة " أنا وقمر، في مأوى الأيتام.." اقتربت منها ريم بذهول " ولكن قمر لم تحدثني باسمكِ أبداً.." أومأت سوزان " لم نكن في ذاتِ الحجرة، وقد خرجت مبكراً من المأوى، أعرفُ قمر من البعيد" " وكيفَ آلت الصدفة بكِ إلى هنا؟" سألتها ريم وهي تشير نحو ملاك.. " كنتُ بحاجة إلى العمل، لقد تخلت الأسرة المتبنية عني، وكنتُ أنا قد تخليت عن طفولتي أقصد المأوى.. فلم أرغب بالعمل به.." تحدثت ريم بتعجب " صدفة غريبة.." وبعد صمت تحدثت سوزان بتردد " في الحقيقة أنا أتفهم شعور قمر.." تنهدت ريم بحرارة " قمر في حالة غريبة، كنتُ أنتظر ردة فعلٍ قوية منها ولكنها.." قاطعتها سوزان " تحرق ألمها داخلها.." نظرت إليها ريم مباشرة لمدة بسيطة وتحدثت " قمر لا تخرج من غرفتها، وتحجز نفسها لساعاتٍ طويلة في الرسم.." " إنها هكذا منذ طفولتها، كنت أسمع الفتيات يتحدثن عنها.." هزت ريم إيجاباً رأسها بهدوء ثم نهضت من مكانها بفكر مشوش " سررت للتعرف إليكِ.." بادلتها سوزان بالابتسامة " وأنا أيضاً.." التفتت ريم للخروج من الغرفة حتى نهضت سوزان فجأة وتحدث باضطراب " أريد التحدث إلى قمر.." أدارت ريم جسدها بنظرة غريبة وسألتها " لماذا؟ هل طلب منكِ ذلك؟" هزت سوزان رأسها بسرعة وكانت قد لاحظت تلكَ النظرة العدائية من ريم " لا أبداً ليس السيد ماجد، أنا من تلقاء نفسي.." ثم نظرت إلى ملاك المستغرقة باللعب في الدمية الصغيرة وتوجهت نحو ريم " يمكنني فهمها حقاً أنا بلا عائلة مثلها ربما أساعدها،.." قاطعتها ريم بوجم " ولكن قمر لديها عائلة.." صمتت سوزان لوهلة... لم تؤثر عليها الجملة ربما لأنها حقيقة عاشت معها لسنوات طويلة، وبعد صمت تحدثت بقوة " ولكنها مكثت كما اليتيمة بين جدران المأوى، لذلك أنا من أفهمها ولستِ أنتِ.. أنا من عاشت ذات اليتم وذات البكاء والآن أعيشه مجدداً مع فتيات تشبهني وتشبه قمر بالقدر.." " أنا لم أقصد ذلك.." تحدثت ريم قاطعتها سوزان بلا مبالاة " لا يهم حقاً، لقد اعتدت على هذه المفردات" ثم التفتت نحو ملاك بامتعاض من ريم بعد ان رمت جملة مبهمة الملامح " لا يفضل الانسان ان ينتمي لعائلة تكون السبب في يتم طفلة صغيرة وابعادها عن والدها.." خرجت باستياء من عند ملاك وتلكَ الغريبة المدعوة بسوزان، ولم تأبه بالاً بتلكَ الجملة التي قالتها.. أبعدت كل شيءٍ عن تفكيرها حتى استقرت عينيها على رامي الذي كان على وشك الخروج من المنزل نادته حتى التفت اليها متعجلاً الخروج " سوف أذهب لألتقي برائد هنالك مستجدات.." تحدثت ريم بصوتٍ عالٍ " حسنا انتظرني.." اشار بيده مودعاً " في مرة أخرى يتطلب به وجودك.. كما المحكمة مثلاً.." رفعت حاجبيها تعجباً فيما تحدث وهو يخرج هاتفه من جيبة " ليس كلامي، إنه كلام رائد.." شدت على قبضتها بانزعاج ومرارة تستقر في صدرها بأكمله وسألت نفسهاً مرارة " لماذا أبعدني الآن بعد أن أمسكت يديه وبدأ السير؟" ولكنها لم تصل إلى إجابة أبداً.. زفرت بحرارة حالما هبطت قمر ووجهها مليء بكآبة الكون كله ومن خلفها مجد بتعابير وجه منهكة، أرجعت ريم خصلات شعرها القصيرة بضجر للخلف وتحدثت باستغراب " إلى أين؟ " وأجابها باقتضاب " سوف نخرج، لا نعلم في أي وقت سوف نعود.." رفعت ريم حاجبيها وعلامات التعجب تضج في وجهها " حقاً وتتركونني هنا؟ بأي حقٍ تفعلان هذا؟ " سارت قمر غير آبهة بكل ما يحدث، فليس وقت ريم ومزاحها الطفولي، في حين تأففت ريم " ما بها حقاً، لتختبئ وتختبئ ماذا سوف ينفعها الاختباء؟" جحدها مجد ومن بين اسنانه " ريم!.." انفجرت بغضب " ماذا ريم ماذا؟ لماذا كل هذه الدراما! هي ورائد وكأنهما الوحيدان اللذان يحق لهم الاختباء ونحن من علينا أن نواجه مشاكلهم.. وبعد أن نسمك يديهم يتركوننا لأناس آخرون! بأي حق؟" وعلى بعد خطوات قريبة من الباب الرئيسي التفتت قمر بحرقة فيما صرخ مجد بها " اخرسي يا ريم، ماذا دهاك.." تقدمت قمر بكسرة في نبرة صوتها " لم أطلب منكِ شيئاً،.." نظر مجد إلى قمر وبدأ بالتقدم نحوها " قمر إنها متعبة لا تقصدك.." هزت قمر رأسها نفياً ثم صرخت لأول مرة في وجه ريم " ماذا عساي أن أفعل؟ قولي! كيف يمكنني مواجهة شخص تركني منذ الصغر! كيف؟ " كانت قمر تتقدم من ريم ومجد يتقدم نحوها، وريم تلوم نفسها كيف تفوهت أمام قمر بهكذا شيء، كل غضبها بسبب رائد ونفيها بعيداً عنه، ولكن أفرغت غضبها في قمر. أردفت قمر بعد أن ازدردت لعابها بمرارة " لا يمكنكِ فهمي، ولا فهم تخبطاتي لا أنا ولا رائد.. لا تعلمين كيف يتألم الانسان من عائلته.." يهمس مجد عله يهدئ من روعها بين الحين والآخر " قمر.. أرجوكِ.." ثم يعود يجحد ريم بقسوة حين تفوهت " أنا غاضبة من رائد و.." بينما قمر تكمل وتقاطعها " يتألم الانسان ليس من سيطرتهم، بل من تركهم اياه.. على الأقل تربيتِ على يد جدتي بينما أنا.." ارتجفت شفتاها بثقل وانعقد لسانها فيما ظهر صوت من العدم يتحدث بألم " بين جدران حالكة الظلمة في الليل.." نظرت ريم إلى سوزان التي خرجت على أصواتهم، وتحدثت بارتجاف وأسف " أنا لم أقصد.." قاطعتها قمر بنبرة تبكي وجعاً وخيبة " لم أطلب منكِ أن تحلي مشاكلي، فقط طلبت أن تمسكي هذه اليد ( ورفعت يدها اليمنى أمام وجهها الذي بدأت شهقاته تعلو)" في حين تقدم مجد بلا ارادة منه واحتضن كفها ثم أخذها بين ذراعيه " حسناً اهدأي، أرجوكِ لا تفعلي بكِ وبي هذا.." ضربته على صدره " وأنت ابتعد أيضاً، لا أريد منك شيئاً.." تشبث بها أكثر وبدأ يهمس لها " لا تفعلي هذا بي.. لا تبعديني عنك.." كادت ريم أن تقترب لولا نظرة مجد القوية، وبعدها همست ريم ببكاء " لم أقصد، أنا أعتذر.." وبعد برهة كانت ريم قد صعدت للأعلى، في حين اكتفت سوزان بأن تقف بعيدة وعينيها تبحث عن ماجد البعيد مجدداً عن ابنته، ماذا تتوقع منه أصلاً؟ رفعت رأسها ونظرت إليه بعينيها الحمراوتين، أخذ وجهها بين يديه " خذي عمري كله، ولكن لا تحرقي قلبي ببكائك.." أخرجت دمعة أخيرة استقرت على كفٍ من كفوف يديه، وهمست " هل يمكنني أن أطلب منكَ طلبٌ أخير.." نظرَ إليها بلوم ثم تحدث " اطلبي ما تشائين.." هزت رأسها نفياً بعد أن أنزلت يديه من على وجهها " فقط طلب واحد.." أخذ نفساً عميقاً وشتم بداخله ريم ولكنه تمالك نفسه أمامها وأومأ برأسه " بلا سؤال اطلبي ما تشائين، بالتأكيد لا يوجد لدي من هو أغلى منكِ يا قمري.." امتلأت عينيها ببريق جميل، تمالكت نفسها وهمست بصوت مختنق" ذلكَ الشاطئ، فقط لا غير.." " حسنا هيا بنا.." وحثها على السير أمامه، حتى وصلا خارجاً عند الباب المؤدي للحديقة الجانبية، ارتدت للخلف كردة فعل من رؤية والدها يكاد أن يخرج من الحديقة وعلى وجهه ابتسامة مع جدته. امسكها مجد من خلفها ويديه استقرتا على كتفيها وهمس لها " أمامك خيارين أما أن لا تعيريه أي اهتمام!.." سألته بحيرة " والثاني! " " إن كنتِ مستعدة طبعاً تواجهيه بوقوفك هكذا؟" أمالت رأسها ورفعته ناحيته " ألا يعد هروباً؟" وقبل أن يجيب مجد، خرج صوت الجدة ومن خلفها ماجد " قمر عزيزتي.." التفتت قمر وكأنها رجحت الخيار الثاني مجبرة ولاذت بالصمت، تقدمت الجدة أكثر وربتت على كتفها بحنان ثم نظرت إلى مجد وتنهدت بقلة حيلة وفي قرارة نفسها أيقنت أن مجد لن تتغير نظراته الفولاذية إلى عمه " لا تتأخرا في العودة.." أجاب مجد باقتضاب " لا نعلم متى عودتنا يا جدتي.." أخذت الجدة نفساً عميقاً ثم تحدثت بتصميم " لا تتأخرا، سوف نتحدث.." نظر إليها مجد لوهلة ثم تحولت عيناه إلى عمه سرعان ما دارت عيناه إلى جدته وكأنه فهم تسرب عمه وجدته من بينهما قبل قليل وجاءته الاجابة التي فهمها حينما تقدم ماجد بهدوء ناحية قمر وتحدث " أريد أن أخبر ملاك أنكِ شقيقتها.." رفعت قمر عينيها بحدة إليه، وتسمرت نظراتها التي ظهرت وكأنها تحاول أن تجعله يحترق بألمه وذنبه ( وتتمنى أنها استطاعت ذاك) ثم استدارت عنه بلا إجابة وضعت يدها على صدرها وتحدت بصوت منكتم " أنا انتظرك يا مجد.." نظرت الجدة إلى حفيدتها بانكسار ثم إلى فلذة كبدها وهمست بحنان " سوف يتحسن كل شيء.." نفث مجد غضبه على جدته لأول مرة وتحدث بقهر " يجب عليه أن يوضح أولا لماذا تركها وليس أن يكون كل همه ملاك.." عاتبته الجدة بنظراتها ولكنه لم يأبه ورفع سبابته أمام عمه " أحزنتها مرة واحدة وما زالت تتجرع ألم تلكَ المرة.. لن أسمح لكَ مجدداً أن تحرق قلبها.." كاد ماجد ان يتفوه إلا أن مجد سارَ من أمامه كما العاصفة الهوجاء. **** تتراقص عينيه أمام ضفيرة شعرها الأحمر بينما هي تضع قدماً على قدم، بطريقةِ فتيات الطبقة المخملية تنظر إليه بتهكم في حين، ثم بلا مبالاة في حين آخر حتى تحدث بتذمر " ما هذا الصمت يا جيداء؟" رفعت حاجبها بتعجب " ألا يعجبك، هنالكَ الكثير من الفتيات اللواتي ينظرن إليكَ.." وأشارت إلى مجموعة فتياتٍ على مقربة منهما هز رامي رأسه بشقاوة وتحدث بسخرية " يعجبني، يعجبني حتى الصمت معك.." ضحكت بخفة وأشارت إليه " اشرب قهوتك أرجوك.." ارتشفت القليل من قهوته ثم نظر إلى ساعة يده الفضية وتساءل " ألم يتأخر رائد؟ " أمالت شفتيها كناية على أنها لا تدري ثم همهمت " انتظر وكأن وراءك عمل ما.." رفع رأسه بتكبر وأمسك بطرفي سترته وشدها للأمام " رجل أعمال.. ألا ترين..؟" جاءته ضربة خفيفة من الخلف وصوت مزاحي " كلنا نعلم، وهل لكَ مثيل.." تنهدت جيداء " وأخيرا يا رائد، كيف تجعلني أجلس مع هذا قرابة النصف ساعة" توسعت عينا رامي بتفاجؤ مصطنع، فيما ضحك رائد " بل أنا ما الذي أجلسني مع أطفال" " اجتمع الثنائي المرح.." دلفت اليهم ياسمين برشاقتها ثم جلست، تحدثت جيداء باعتراض " ما كان ينقصنا سوى كلمة ثنائي! " " ألا أعجبكِ؟ " سألها رامي هزت رأسها بقلة حيلة، في حين ضحك كل من ياسمين ورائد عليهما، حتى استقامت شفتي رائد ونظر ناحية رامي وأخرج ملفاً ما " هذا الملف الذي نسيته عندي المرة الماضية.." عقد رامي جبينه " أي ملف؟ " أشار اليه بعينيه بطريقة غير مباشرة " ألم تأتي إلي البارحة.." أومأ رامي رأسه وتحدث بتدارك " أجل أجل، أبحث عنه منذ الصباح.." سألت ياسمين بعد أن طلبت لها بعض الكعك وكوب القهوة " ألن تأتي ريم؟ " نظر رامي نحو رائد الذي هز رأسه نفياً، تعجبت ملامح ياسمين " ولكنها لطالما كانت تتشبث بكَ.." تدخل رامي " أنا من طلبت من رائد وريم هذا الشيء، لا يتوجب وجود عاطفة ريم هنا.." تحدث جيداء باستنكار بعد صمت " ولكن عاطفتها من أوصلتنا إلى هذه النقطة! " زفر رامي تبعه زفير من رائد ثم تحدث بعد أن شبك أصابع كفيه " لم نأتي للتحدث عن ريم، أليس كذلكَ يا ياسمين؟؟" اندفعت جميع الحواس معها بعد أن اخذت نفساً عميقاً ثم دفعته مرة واحدة وتحدثت بلهجة هامسة عجولة " مراد لقد وضع أحداً ما يراقبنا! " توسعت عينا الجميع فيما أردفت " يجب علينا أن نتحدث عن أمر واحد فقط وهي تلكَ المناقصة، والوثائق الحقيقية لدى رائد؟" همست جيداء " مما أنتِ خائفة يراقبنا فقط، ولا يسمعنا.." تدخل رامي " افترضي أنه وضع جهازاً للتنصت.." نظرت جيداء له ببلاهة، فيما كتم كل من رائد وياسمين ضحكتهما وتحدثت جيداء بغيط " لا وقت لذكائك المنعدم الآن.." " كنتُ أمزح أيتها الفتاة النارية.." ياسمين بضجر " لا وقت لطفولتكما المتأخرة الآن،.." ضيقت جيداء عينيها ثم عقدت ساعديها ونظرت إلى رائد، حيث عقد الأخير حاجبيه كنايةً عن التفكير ثم التفتت بجسدها ناحية ياسمين وتحدثت " وماذا هناك أيضاً؟ " قضمت ياسمين قطعة صغيرة من الكعك وتحدثت وهي تلوكها بين أسنانها " لا شيء، ما بقي الآن على رائد.." نظروا جميعهم نحوه، كاد أن يتفوه بشيء إلا أن همست ياسمين بتدارك " النسخ المصورة في مكان آمن أليس كذلك؟ " أومأ رائد رأسها إيجاباً فيما تحدثت جيداء بعد أن نظرت إلى رامي الذي أشار إليها بنظرة ذات مغزى حتى قالت جيداء " أجل، جميعها في بيت رائد القديم.. مكان لا يخطر في عقل والد..." بترت عبارتها ثم عدلت كلمتها " عقله.." ارتشفت ياسمين القهوة بهدوء شديد، وعينا رامي تلاحقها في كل حركة من جسدها. حتى تساءلت بحيرة " ماذا سوف نفعل مع صفاء، أخشى أن يصيبها مراد بمكروه" أجابها رامي قبل أن ينهض مجيباً على هاتف " لا يحصل لها شيء، كل شيء بيدنا نحن هذه المرة.." ازدردت ياسمين لعابها ونهض رامي من بينهم، حتى تحدثت جيداء وكأنها تضع خطة ما في عقلها " اذا سوف يأتي للمؤسسة ويبرز النسخة المزورة من حقوق ملكيتك.." أومأت ياسمين رأسها، فيما وجه رائد سؤاله " ربما يضعكِ أيضاً في لعبته يا ياسمين.." " لا أظن، يثق بي.." أجابته ياسمين مستنكرة بثقة فيما جلس رامي مكدراً وبصوت منخفض " علينا ان نتوقع كل شيء.." انتبه رائد لعلامات وجه رامي الغريبة فاقترب منه وهمس متسائلاً " هل كل شيء على ما يرام.." " ربما تعلم، والد قمر.." أومأ رائد رأسه متفهماً، ثم عدل جسده وتحدث إلى ياسمين " حتى لو كان وجودك لعبة مخططة منه هنا، فمعنا ما يكفي من الأدلة.. أليس كذلك؟" تحدثت ياسمين بنبرة غريبة " الأهم أن الدلائل بذلك المكان.." أمالت جيداء شفتيها ونظرت إلى رامي الذي بدوره تساءل " ماذا بكِ؟ " هزت كتفيها بمعنى لا تهتم، وأخرجت من حقيبتها هاتفها المحمول وأرسلت رسالة ما، حتى انطلق صوتُ نغمة قصيرة من هاتف رامي فالتقطه من على الطاولة حتى التمعت عيناه ببريق شقي ونظر إلى جيداء بمكر. ابتسمت ياسمين واقتربت من جيداء التي بدورها أغلقت هاتفها حين تحدثت ياسمين " وتنزعجين من كلمة ثنائي! هل بدأ ربيع الحب خاصتكما؟ " ************** تغرق تحت غطاء سريرها، تمسكه بشدة وتكاد من هول قوة قبضتيها أن تمزقه.. وهل يجدي البكاء الآن! بعد أفرغت جم غضبها من رائد بقمر ولا ذنب لها، أخرجت زفيراً قوياً ثم وضعت رأسها بينَ يديها وتضربه بين الفنية والأخرى " غيبة كيف أفعل ذلكَ بها، كيف أخرج كلماتي كما السم.. ما ذنبها! " صمتت عندما سمعت طرقات خفيفة على الباب ثم فتح على مصرعيه لتظهر سوزان ومعها عصير بارد مليء بمكعبات الثلج " هل يمكنني الدخول؟ " أومأت ريم رأسها وأرجعت جسدها للخلف حتى تجلس سوزان، أخذت منها ريم كوب العصير وشكرتها على مضض.. عقدت سوزان أصابعها بتردد حتى قالت ريم " يمكنك الحديث بما تشائين ربما أستحق.." ابتسمت سوزان بخفة ثم قالت " لا ألومك على شيء، ولا يحق لي لومك أبداً فكل شخص منا يخرج غضبه بطريقة مختلفة، ربما كان صراخك في وجه قمر خارج عن إرادتك.." " ولكنه كان جارحاً.." أردفت سوزان " قمر فتاة حساسة، لم تُبنى شخصيتها مثلك.. القوة في شخصيتك، مواجهتك للأمور مثلاً، إنها لا تملك الثقة الكاملة في نفسها لذلك تختار أن تصمت.. حتى في موضوع ملاك ووالدها رجحت أن تصمت لأنها اعتادت الصمت " ازدردت ريم لعابها فيما أكملت سوزان بحنان " عندما أرى ملاك، أنظر للفرق بيننا، أقصد أنا وقمر.. ربما ملاك في المستقبل تشبهك.. بقوتك وثقتك العالية ولكن.." قاطعتها ريم " انتِ مختلفة جداً عن قمر، شتان بينكِ وبينها.." أمالت سوزان شفتيها بتهكم من حالها ثم تحدثت " وراء كل قوة ضعف.. والعكس صحيح.. ( تنهدت ثم أكملت ) ما أعنيه أنني ضعيفة ولكن جاءت عائلة تحميني فسلبت بعض ضعفي ومدتني بالقوة أنتِ كذلك وملاك.. عندما وقعتِ وأنتِ صغيرة كانت والدتك خلفك وإن لم تكن والدتك فوالدك، جدتك أو شقيقك.." أومأت ريم رأسها وتحدثت بصوت باهت " أما قمر ضعيفة وراء ضعف.." " حتى لا يوجد خلفها ضعف.. وحيدة في ضعفها.. كل ما احتاجته ( مدت حينها سوزان يدها نحو كف ريم ولمسته ) هو هذه اليد فقط لتكون خلفها، لم تطلب منكِ شيئاً آخر، يكفي أن تمسكيها حينما تمد يدها إليكِ.. حتى وإن سارت طريقها تبحث عن قوتها لوحدها يكفي أنكِ من جعلتيها تنهض من بين الركام، إن ضاعت عن هدفها سوف تمد يدها وتمسكيها بشدة في كل مرة، إلى أن تعود لكِ محملة بقوة تكفيها وتفيضُ إليكِ.." اغرورقت عينا ريم بالدموع وارتجفت شفتيها بخفة، ربتت سوزان على يد ريم وهمست بابتسامة " وهذا ينطبق على الحب أيضاً.." نظرت إليها ريم بامتنان فبادلتها سوزان بابتسامة وتحدثت " إن كنتِ تريدين التعرف أكثر على ملاك فنحن بالأسفل.. ربما تروحين عن نفسكِ قليلاً " أومأت ريم رأسها " حسنا.." ********** على ذلك الشاطئ، وطئته أقدامها سابقاً بحزن وعادت مرة أخرى بحزن أكبر ولكن هل هذه المرة سوف تطير على رماله كما عصفور شهد حريته للمرة الألى كما المرة السابقة! وعلى نفس الصخرة التي جلس عليها مجد سابقاُ يبعث من فمه أحلى الأنغام وأشجاها جلست هي الآن تعانق البحر بصمت. ومن خلفها كان مجد ينفث دخان سيجارته بغيظ شديد واقفاً بجانب رجل ذو بشرة داكنة، صديقه الكبير الذي يأتي إليه بين الفينة والأخرى.. صندوق أسراره الوحيد (سليمان). نظر إليه وسأله " هل هي أمور القلب؟" استنشق مجد آخر سيجارته ثم سحقها أرضاً تحت قدميه " لو كانت كذلك لما كنتُ برفقتها.." سأله سليمان سؤال آخر " اذا لقد قمت بحل أمر الخطوبة ومعرفة سبب رفضها لك.." نظر إليه مجد بصمت ثم صوب نظره ناحية قمر وتحدث " يا ليت الأمر يقف عند هذه المشكلة فقط.." هز سليمان رأسه بقلة حيلة وتحدث " مشكلتكم انتم سن الشباب تظنون أن المشاكل لا تحل أبداً.." أجابه مجد بإصرار " وهي كذلك.." ربت سليمان على كتفه ثم تحدث " هل تسمح لي بالحديث إليها.." أومأ مجد رأسها بوجوم وأخذ سيجارة أخرى في حين التفت سليمان نحو قمر بعد ان أخذ كوبين من الشاي من مساعده الذي يعمل في كوخ خشبي صغير. تقدم إليها حتى وصلت صورته بجانب ناظريها فالتفتت اليه بهدوء وقابلتها ابتسامته " كوب من الشاي هل ترافقيني به؟" أدارت وجهها ناحية مجد الذي فهمت من ايماءة رأسه أن هذا الرجل من معارفه، فأخذت الكوب منه بهدوء وأمسكته بكلتا يديها. وأمام تصاعد بخاره ناحية وجهها تحدث سليمان " البحر جميل في الصيف، ثم تبدأ قسوته في الخريف إلى أن يحل الشتاء ولا أحد يجرؤ لأن يغمر قدمه داخله إلى أن تبدأ قسوته تدريجياً بالخمود عند حلول الربيع ثم يحل الصيف ويعود كما كان " نظر إليها بطرف عينه ثم أردف " وهكذا الحياة، تميل باتجاهات كثيرة.." صمت لوهلة وأصبحت معالم وجهه كما قمر بلا أي ردة فعل تُظهر تأثيراته العاطفية الداخلية، حتى همس صوته ببعضِ الحزن " كنتُ أعتقد أن الحياة فرطت بي بعدما حرمتُ من زوجتي وابني.." التفتت اليه قمر بتفاجؤ في حين أكمل هو بابتسامة يداري بها حزنه " الانسان لطالما أراد كل من يحب بجانبه، أشقاءه، والداه، عائلته.. ولكنها الحياة يا ابنتي تقتلع منكِ أغلى الأشياء ثم.." همس بثقل " تتركك حافية القدمين.." صمت بعد أن أدار وجهه للبحر وأردف بعد ذاك " ربما تجدين من يلبسكَ حذاءً يحميكِ من عرقلة الطريق فالمسألة هنا تصبح سهلة أن هنالكَ أحد ما في عتمةِ الحياة أنار طريقك ثم رويداً انار حياتك وقلبك.." قاطعته بنبرة مليئة بالعجز " ولكن الأصعب أن لا تجد.. أليس كذلك؟ " هز رأسه نفياً " الأصعب أن لا تجدي نفسكِ يا ابنتي.. أن لا تلبسي نفسكِ ذلكَ الحذاء.." أردف بعد أن التفت ناحيتها " لا أعلم ماذا يجري لك بالتحديد ولكن هنالكَ أحد يستطيعُ أن يكون ذلكَ الحذاء.. لا أقول بدافع الاهانة إنما بالمغزى يا ابنتي.. هل فهمتِ.." نظرت إليه بعمق وصمت أطبق بعد ذلكَ لمدة دقيقة بعد أن أمرها بلطف أن ترتشف قليلاً من الشاي. وبعد أن انتهت الدقيقة تحدث سليمان " ربما لا يقع علي قول هذا، ولا يجدر بكِ أبداً الغضب..." الفتت اليه بفضول فأكمل هو " ولكن قبل أن أخبرك لنغير مفهوم الحذاء ونجعله جذع الشجرة التي تنتمي إليه وتستندي بكل ضعفك عليه حسناً.." أومأت رأسها بصمت، أردف بعد ذلك بعد أن نظر إلى مجد من خلفهم وكان ينظر اليهم بترقب، ثم أعاد نظره إلى قمر " عندما قطع أمله من جذعِ شجرة ينتمي اليه بكل قلبه، بعد ان خانه خشبٌ ضعيف من شجرة أخرى، بعد أن سقط مرات متعددة بسببها.. عانى من تقبل حقيقة أن ليست كل الأشجار سواء.. ثم من العدم بعد خيبة ذلكَ الجذع الصغير ظهرت شجرة أخرى خشبها رقيق لينُ الألياف ... ربما لم يستطع تقبلها في البداية.. فكيف له ان يأوي لشجرة أخرى! كان يضربها ورغم ذلك تكون مسكناً لكل آلامه.. يتكئ عليها بكل جبروته وتبقى تحتضنه بأوراقها! رغم رقتها ورغم عدم يقينه بأن الحياة سوف تفتح له أبواب جديدة " قال جملته الأخيرة وهو ينظر إلى مجد مبتسماً، في حين نقلت قمر عينيها نحو مجد بذهول ظهر عليها فعقد مجد حاجبيه! أعادت نظرها نحو سليمان حين سألها " هل فهمت ما أعنيه؟ " ازدردت لعابها بصعوبة وتساءلت " وإن عادت تلكَ الشجرة ؟ تريد منك علاجَ ثمرة من ثمارها؟ أو جزء جديد كانت قد أنبتته بعد أن قطفتك ورمتكَ بعيداً ؟ " عقد سليمان حاجبيه وتحدث " غالباً انتقلنا إلى موضوع آخر.." رمشت عدة مرات قبل أن تنظر إلى مجد ثم تعود بعينيها نحو سليمان الذي تحدث " اذا ماجد قد عاد.." ارتجفت شفتيها بوهن أمامه، اخذ منها كوب الشاي الذي لم ينتهي، ووضعه جانباً بعد أن وضع كوبه أيضاً.. أمسكً بيدها بحنان وهمس لها " ربما الحياة من ركلتكِ بعيداً عن هذه الشجرة، وليست الشجرة ذاتها.." نظرت اليه باستفهام فأكمل هو " جميع الأجوبة عند هذه الشجرة، وبناء عليها عليكِ أن تحددي خياراتك بعدها إما ان تعودي لتلكَ الشجرة التي نزعتِ منها سابقاً أو تسيري طريقك بعيداً عنها وتكوني أنتِ الحذاء، عفواً الشجرة ذات الخشب اللين لمن ليس له شجرة.." أومأت رأسها وهمست ببهوت " أو لمن تركته شجرته.." ربت على كفيها وتحدث بذات النبرة الهامسة "ولكنه بالنهاية وجد شجرته" ثم نهض من جانبها وتحدث بصوت عالٍ لا تسمعه إلا هي " شجرة البرتقال المفضلة.." وبعد برهة كانت قد عادت قمر للنظر إلى البحر بفكر مشوش، حتى امتد أمام ناظريها كوب زجاجي يحوي عصير البرتقال الطازج وصوت مجد " عصير البرتقال أنتِ تحبينه؟ " رفعت نظرها اليه بذهول وجملة ذلك الرجل المدعو بسليمان تتردد في عقلها (شجرة البرتقال المفضلة) ثم فكت عقدة الكلمات وسألته مجيبةً لِعلامات التساؤل التي ظهرت في وجهه " هل كنتَ تحبُ من قبل؟ " ****** الساعة السادسة مساءً، إنها ليستِ المرة الأولى التي ترى والدتها في حالٍ كهذه! ربما سبق هذه مرتين! او مرة ! إنها لا تدرك العدد بالتحديد ولكن ملاك ووالدتها في مشهد عاطفي صغير، تدنو والدتها اسفل عتبات السلم وتمتد أناملها بحنان لم تعهده.. نزلت للأسفل مع اعتدال والدتها في وقفتها، تبادلت نظراتها بينها وبين ملاك ونحو سوزان قليلاً بانعقاد جبين. " هل هنالكَ شيء ما؟" سألتها والدتها بتعجب هزت رأسها نفياً، ثم تحدثت والدتها (سعاد) بنبرة متعالية كما العادة " سوف يأتون لطعام العشاء عائلة فاروق.." نظرت ريم اليها بذهول " ولكنك تعلمين ما هو رأي مجد.." رفعت كتفيها بلا اهتمام " وما الذي سوف يتغير؟ " تنهدت ريم بقلة حيلة ثم قالت " افعلي ما تشائين هكذا هكذا لن ينضم للعشاء " ثم سارت وابتعدت عن والدتها التي أكدت في قرارة نفسها أنه سوف يكون موجود بالتأكيد، ثم اعتلى صوتها صوب ريم وقالت " ساعتان فقط لحضورهم تجهزي وفقاً لذلك.." نظرت اليها سوزان وهي تصعد الدرج باستنكار ثم صوبت نظرها إلى ملاك التي حثتها المسير " هيا والدك بانتظارنا في الصالة.." وقبل دقائق قليلة، قبل أن تدلفا نحو الداخل وضعت الجدة زينب يدها بحنان على قدم ماجد وتحدثت " هل أنت متأكد أنه الوقت الصحيح لتعلم ملاك بشأن قمر.." وضع كفه فوق يدها وتحدث " بالتأكيد، قبل كل شيء يجب أن أجمع ملاك بقمر قبل أن تجتمع بي وأنا مليء بالذنوب اتجاهها.." ابتسمت الجدة بالتزامن مع تعقيد جبينها بغرابة حين دخلت ريم ويبدو عليها الغضب حتى نفثت كلماتها أمامهم بضجر من كل ما يحدث " هل تعلمين يا جدتي أن الدتي العزيزة تريد دعوة عائلة فاروق.." آثر ماجد بالصمت، فيما تساءلت الجدة " ولماذا لا نعلم، لم تخبرني بذلك.." همست ريم بتهكم " وكأنكِ لا تعلمين ما السبب؟ " ثم زفرت أنفاسها بحرارة وعلى إثر ذلك سمعت صخب ملاك وهي تركض نحو والدها وتقفز في أحضانه. نظرت باستنكار نحو عمها وهو يجلب من جانبه شيئاً ما أشبه بهدية، كانت ريم تراقب ما يحدث وتتأكد في قرارة نفسها ان قمر لا تستحق هكذا والد أبداً..! حاولت ان تنشغل بهاتفها قليلاً ولكن منعها ذلك صوت ماجد " لقد طلبت احضارها خصيصاً، كما طلبتِ.." رفعت بصرها نحوه مرة أخرى وشتائم شتى على أبوته التي يمارسها فقط لملاك، حتى خرج من مغلف الهدية صورة داخل إطار لم تلمح من معالمها شيء. لم تهتم كثيراً ولكن استرعى انتباهها تبدل نظرات الجدة إلى شيء مماثل للخوف والقلق! ثم يتحول المشهد إلى اقتراب عمها من جدته ويهمس لها شيئاً ما حتى أومأت في رأسها وما زالت تلكَ العلامات مرسومة على وجهها العجوز. إلى أن نطقت ملاك وهي تتوجه نحو سوزان التي جلست على مقعد بعيد بعض الشي " انظري، هذه صورة والدتي.." رفعت ريم حاجبيها بغرابة فما الذي يستدعي لجدتها أن يتبدل حالها كأنما رأت شبحاً ما؟؟ في حين ذلك سألت سوزان ملاك " ومن اللاتي معها؟ " قوست شفتيها بمعنى أنها لا تدري والتفتت حتى تسأل والدتها إلا أن الإجابة جاءت من الجدة وكأنها تعلم من في الصورة وبنبرة يغمرها الحزن والحسرة " إنهن صديقاتها.." ثم نظرت الجدة نحو ريم والتي بالكاد استوعبت انها أجابت هي عوضاً عن ماجد. ازدادت علامات التساؤل في ذهن ريم وقبل أن تتفوه بشيء ما تداركت الجدة الموقف ونهضت من مكانها وقالت " إن كان سوف يأتي ضيوف فسوف أرى المطبخ.. ماذا عساي ان أفعل بأمور والدتك هذه" أومأت ريم رأسها بشرود ووجهت أنظارها نحو ملاك تارة ونحو عمها ماجد تارة أخرى ولم يغب على نظرها سوزان وهي تحاول أن تعصف بذاكرتها شاردة هي أيضاً.. ثم لم تلبث إلا عدة دقائق حتى دخل رامي نحو الصالة، وقف قليلاً قبل أن يلقي عليهم التحية.. وقفت ريم بسرعة وكأنها تتلهف لسماع ما فعله مع رائد اليوم لولا ابتسامته وخطواته التي توجهت ناحية سوزان " سوزان أهلاً بك،.." بادلته الابتسامة وأجابته على سؤال ظهر في إماراتِ وجهه " لقد كنت مربيتها قبل أن أعمل في المأوى.." أومأ رأسه بهدوء ثم عاد أدراجه بدون أن يتحدث إلا عمه، سارت بجانبه ريم وسألته بإلحاح " لماذا لم تأخذني معك؟ " تنهد رامي على مسامعها وتحدث " هكذا أفضل يا ريم.." " ولكن لماذا؟ بسبب فعلتكم هذه أفرغت جم غضبي على قمر.." رفع حاجبيه متعجباً " هذا غباءك أنتِ.." ثم التفتا سوياً على طرقاتِ حذاء والدة ريم ذو الكعب العالي وهمس إلى ريم ممازحاً " ما المكيدة التي تخططها والدتك اليوم؟ " ابتسمت بتهكم " حالياً بما يخص مجد، لا أعلم ما ترتيبي الآن ولكن الأولوية على مجد.." مرت من جانبهم تتعداهم نحو المطبخ، في حين قال رامي " في النهاية مجد لا يأبه بالاً بكل ما يحدث.." " لن ينضم لطعام العشاء أساساً، لقد أخبرته ثم إنه مع قمر لذلك يجب على والدتي ان لا تأمل بنجاح مخططها.." رفع رامي كتفيه بلا مبالاة ثم سألها بفضول " وماذا يفعل هذا هنا.." " عمي ماجد؟" قاطعها رامي بلؤم " ليس عمنا، الأهم ما الذي يفعله هنا.." أجابته ببرود " ألن يبيت هنا هذا أولا،.. ثم يريدان اخبار ملاك عن قمر.." سألها مستفهماً " يريدان؟ يعني شخصين؟ من ؟ " تنهدت ريم وقالت بضجر" جدتك جدتك.. لا أعلم ما الذي تفعله ولكن صدقني ليس لصالح قمر كل ما يحدث" أومأ رامي رأسه وقال قبل أن يتوجه نحو منضدة صغيرة " من أجل ابنها أولاً ثم من أجل قمر.." ضيقت ريم عينيها عندما رأت رامي يأخذ ملفات مغلفة بغلاف ورقي بني اللون، وتتوجه خطاه نحو الخارج " إلى أين! لقد أتيت للتو؟.. ثم ما الذي بيدك؟ " اشار بيده وظهره ظاهر لها " لا شيء، لا تهتمي.." حتى التفت إلى صوت جدته التي خرجت من خلف ريم " رامي.." تقدم نحوها فقالت له " يتوجب وجودك هنا.." أومأ رأسه " أجل أعلم، لقد أخبرتني ريم.. ولكن.." صمت بتردد حتى استحثته جدته لإكمال حديثه " ولكن ماذا يا بني؟ " " هل أنتِ متأكدة مما يحدث؟ " تقدمت ريم بجانبهم وقالت " حقاً يا جدتي هل فكرتِ جيداً بقمر قبل كل شيء.." صمتت قليلاً حتى قالت " حتى وإن لم يرسما لوحة عائلتهم كاملة على الأقل يجب أن تعلم قمر بكل ما حدث.. والخيار لها بعد ذلك إن شاءت تسامحه.." سألتها ريم بشك " وهل أنتِ تعلمين ما حدث؟ " رامي بترقب لما سوف تتفوه به جدته " هل تعلمين؟ " أومأت الجدة بأسف " لقد أخبرني وأعطيته الحق.." توسعت عيني كل من ريم ورامي في حين قال رامي " تعطيه الحق في ماذا؟ " هزت ريم رأسهاً نفياً وكأنها لا تصدق ما قاتله جدتها.. ثم تحدثت الجدة بأسى " ليس ذنبه.." نظرت الجدة إلى كليهما ووضعت كفيها على كتف كل واحد منهم " صدقوني، سوف يتحسن كل شيء،، يكفي أن تجري الأمور كما يجب لها أن تكون عليه.. اتركوا كل شيء لقمر ولما سوف يأتي به قدرها عليها.." بذهول نظرت ريم إلى رامي الذي نظر إليها كما نظرتها، حتى استفاقا على جدته التي تفوهت بأمر " أنت هنا، لن تذهب إلى أي مكان.." أومأ رأسه " أجل، فقط سوف أضع هذه الملفات القديمة في الملحق.." ابتسمت الجدة بخفة ثم سارت في طريقها نحو الصالة برفقة ريم التي ما زالت عينيها على طيف رامي حتى اختفت داخل الصالة. سارت خلف جدتها حتى تقدمت منها ملاك ببراءة " انظري يا ريم.." تنبهت كل خلاياها نحو ملاك وابتسمت قليلاً رغم رماد الأفكار التي تناثر داخلها.. جلستا سوياً بعد أن أمسكت بتلك الصورة، أدركت ريم أنها صورة منذ الزمن القديم من ملابس الفتيات الأربع نظرت بغرابة نحو الصورة يبدو أنها منهكة، مر عليها عمر طويل لكثرة طويها.. فملامح الفتيات تكاد أن تختفي.. ولكن صوت ملاك أخرجها من تلكَ الغرابة قليلاً " هذه أمي.." ،، وهي تشير إلى احداهن.. أومأت ريم رأسها وقالت مجاريةً لها " أنتِ جميلة مثلها.." ثم انتقلت عينيها إلى بقية الفتيات بالصورة، تتنقل عينيها بين الثلاث الأخريات بغرابة وكأنهن مألوفات لذاكرتها. بقيت على هذا الحال لمدة نصف دقيقة حتى دخلت والدتها مع سؤالها " هل اتصلت بمجد يا ريم، لكي يأتي باكراً.." رفعت ريم رأسها بالتزامن لتخليها عن تلكَ الصورة بين أنامل ملاك الصغيرة، ثم نظرت نحو جدتها بقلة حيلة وأجابت كاذبة " ربما سوف يتأخر.." نهضت سوزان من مكانها وتوجهت حيثما تجلس ملاك وقالت لها بحنان " هيا لكي نضعها بالغرفة.." أومأت ملاك رأسها ثم نهضت وعينا ريم تلحقها برهة ، حتى قالت والدتها بأمر " اتصلي به يا ريم.." زفرت ريم ثم قالت " لقد أخبرتك أنه سوف يتأخر،.." تدخلت الجدة " اتركيه يفعل ما يشاء إن كان لا يريد فانتهى الموضوع.." نظرت سعاد (والدة ريم) نحو الجدة زينب ورفعت حاجبيها ثم قالت بطريقة بشعة وهي تشير بعينيها نحو ماجد " لقد تركتموه يفعل ما يشاء.. وماذا حصل؟" توسعت عينا ريم فيما نظر ماجد إلى والدته التي همت بقول شيء ما لزوجة ابنها المتعالية إلا ان سعاد قد وقفت وتحدثت بلؤم بعد أن ألقت نظراتها على ثلاثتهم " أنا سوفَ أتحدث معه، هذا عشاء خاص به وهو يتغيب عنه.." ثم خرجت مثلما دخلت. أخرجت ريم نفساً عميقاً ثم قالت وهي تنهض " لن تتغيري أبداً.." وأطبق الصمت لدقائق قليلة في الصالة حتى التفتت الجدة نحو ابنها بحزن.. وفي حين ذلك الحوار الذي بدأ بينهما.. وتحديداً حينما خرجت ريم، تفاجأت بدخول كل من مجد وقمر وعودتهم المبكرة.. هرولت اليهم وعلامات الانكسار واضحة على قمر، نظرت إلى قمر قليلاً ثم وجهت أنظارها إلى مجد الذي يبدو عليه الاستياء.. ، وقبل أن تتقدم ريم منهما التفتت قمر نحو مجد بنصف التفاتة وبكامل قلبها " شكراً على كل شيءٍ قد فعلته اليوم.." أمال رأسه وظهرت على وجهه كلمات بمعنى لا تشكريني ثم همس عندما اقترب واحتضن وجنتيها بكل محبة " قلت لك اطلبي.." قاطعته بجفاء " لقد كان طلبٌ أخير فقط.." أومأ مجد رأسه بصمت وتعرت الخيبة في تقاسيمه، في حين اقتربت ريم وعلى وجهها التردد وعلامات الحيرة، ثم تواجهت عينيها مع قمر التي بدورها أفاضت من عينيها حزن عميق.. تقدمت ريم بعد ان أبعدت عنها التردد وقالت بأسف " اسمحي لي أن امسك يديكِ ولن أتفوه بأي شيء آخر.." أومأت قمر رأسها ثم مدت كلتا يديها نحو ريم لأنها فعلاً كانت تحتاج ليدين تحاول انتزاع كل الحزن من داخلها.. وفي حين ذاك كان مجد مطبقاً صمته، يراقبها وهي تسير بجسد منهك.. يتصارع عقله مع عاطفته، بأن يلحقها قلبه ويحتويها بين ذراعيه وبين شجار مع عقله المنطقي أن قمر ليست على ما يرام.. ربما تحتاج ريم بالأكثر، فتاة تفهمها... تدور الأحاديث الداخلية في عقله تنهكه وتمزقه ، حتى استسلم في النهاية وأطلق زفيراً حاراً وتوجه نحو الصالة.. وفي داخل الصالة نظر ماجد إلى والدته التي تحدثت أخيراً " لا تهتم لما تقوله،.." هز ماجد رأسه نفياً " لا تقلقي، ثم لا يقع عليَّ قول شيء لها أمام أحد وهي كما تعلمين.." زفرت الجدة بحزن وكفكفت يديها بأسى وبقلة حيلة. شد مجد على قبضته عندما سمع صوت عمه في الداخل، وهمس " هذا ما كان ينقصني سوى رؤيتك أنت.." وهم بالابتعاد عن الباب إلا أن استوقفته جملة خرجت من عمه جعلت خلايا جسده مشدودة من الصعقة التي ألمت بها.. " لن يعلم أحد ما أن سعاد هي السبب في كل ما حصل " انتهى | ||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|