آخر 10 مشاركات
حَمَائِمُ ثائرة! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          أرملة أخيه-قلوب زائرة(ج1 سلسلة حكايات سريه) للكاتبة : عبير محمد قائد*كاملة&الروابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          علماء: عثرنا على "سفينة نوح" التي أنقذت البشرية قبل 5 آلاف عام (الكاتـب : اسفة - )           »          مدونتي (◠‿◠) تفتقر الى حضوركم ✍ ☂ ✍ (الكاتـب : اشرف سامر - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          48 - لا تقل وداعا - ساندرا ماراتون (الكاتـب : فرح - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          زَخّات الحُب والحَصى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )           »          عروس دراكون الهاربة(157)للكاتبة:Tara Pammi(ج3من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          متوجةلأجل ميراث دراكون(155)للكاتبة:Tara Pammi(ج1من سلسلةآل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree216Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-09-19, 07:17 PM   #181

Rinalka78

? العضوٌ??? » 410014
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 118
?  نُقآطِيْ » Rinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond reputeRinalka78 has a reputation beyond repute


السلام عليكم ناطرة الفصل انا ماما من كتر ما حكيت عن كتاباتك اتشجعت وصارت بدها تقرا ليك حتى عملت عضوية بالمنتدى خصيصا لتقرأ فصولك ورجينا ابداعتك 😘😘😘

Rinalka78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 08:59 PM   #182

شوشو 1234
 
الصورة الرمزية شوشو 1234

? العضوٌ??? » 411586
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 384
?  نُقآطِيْ » شوشو 1234 is on a distinguished road
افتراضي

مساء الخير..
تسجيييل حضور ...😍🌸💕💕


شوشو 1234 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 09:43 PM   #183

Romance 18

? العضوٌ??? » 400619
?  التسِجيلٌ » May 2017
? مشَارَ?اتْي » 440
?  نُقآطِيْ » Romance 18 is on a distinguished road
افتراضي

مسااء النور بانتظاار الفصل

Romance 18 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 10:06 PM   #184

Warda123

? العضوٌ??? » 435416
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 65
?  نُقآطِيْ » Warda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخيرات والمسرات والبركات.
في أنتظار الفصل الجديد
تسجيل حضووووووووور


Warda123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 10:18 PM   #185

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,611
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

سأنزل الفصل حالا باذن الله...

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 10:29 PM   #186

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,611
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثالث
يُؤَذن لصلاة الظهر والعصر ولا يصلي، ويزعم أن بينه وبين ربنا عماراً، أي عمار هذا؟!... الدكتور عمر عبد الكافي.

(بعد شروق الشمس بقليل)
(رحبة مسجد، جامع السلام)
شهيق ثم زفير أطول؛ يتحرك لسانه بذكر الله بين كل شهيق وزفير أما القلب فمستمر في وصاله بربه الذي لا ينقطع وإن سكنت الأطراف.
شهيق عميق ثم زفير أعمق؛ العبير الذي يملأ رئتيه في ذلك المكان الخاص به وفي تلك الساعة بالذات لهو أفضل وأزكى ما تعرفت عليه خلاياه الشمية، نعمة عظيمة عوضته الكثير، تُشعره بوِد الودود، يتودد إلى عباده وهو الغني عنهم.
- يمكنك الجلوس جواري يا يوسف... لماذا تقف عندك؟
تبسم بحرج وتقدم خطوات قليلة ليجاوره على السور القصير لرحبة المسجد ثم وجه نظراته لتأمل اللوحة الإلهية المبهرة.
- شعرت بي وأنا الذي ظننتني هادئا.
خاطبه يوسف بلطف دون أن يحيد بعينيه عن مرأى الحقول تحت أشعة الشمس الوليدة، تعكس وهجها اللامع فيشع الزرع بخضرة صافية، ويتلألأ الندى المتأرجح على حافة وريقاتها:
- الله كريم يا يوسف... الله كريم.
فسر الكثير بكلمات قليلة ذات معاني كبيرة تلقاها يوسف بتفهم عبّر عنه بالتسبيح بحمد ربه، وبعد برهة سأله محسن بنبرة هادئة وكأنها ساهمة أو خاشعة في تأملها ربما:
- ماذا ترى الآن يا يوسف؟
التفت يوسف إلى صديقه الذي يرفع رأسه وكأنه يناجي ربه في السموات العُلا، عيناه مغمضتان بسكون، ووجهه؟!... لا يعلم هل النور الذي يغشاه ما يُخيّلُ للذي ينظر إليه أنه جذابٌ أم سماحة ملامحه البشوشة دائما؟ لطالما كان محسن مصدر سرور لقلبه منذ الصغر، مجرد نظرة نحو بسمته الهادئة وتقاسيمه المتفائلة تسكن في أحشائه بأمل وبُشرى بأن كل شيء سيكون بخير.
- لم أتوقع أن يكون سؤالي صعب لهذه الدرجة.
رف يوسف بجفنيه قبل أن يتبسم بينما يرد عليه ببعض المرح المداعب:
- في الحقيقة... قبل سؤالك كنت أُمتع عيني بمشهد يخلب الألباب، صنعة بديع السموات والأرض، وحين سألتني نظرت إليك فوجدت صنعة أخرى أكثر إبهارا للخالق العظيم تبث السكون في الروح والأمل في القلب، وها أنا ذا منحتك إجابة صادقة يا فقيه.
كانت بسمة محسن قد اتسعت ومقلتاه تنفتحان تلقائيا لتبدآ بالدوران المتكرر داخل محجريهما حين شاكسه بنفس المرح المداعب:
- هل تتغزل بي يا ابن آل عيسى؟
ضحك يوسف واضعا كفيه على ركبتيه فوق سرواله الجينز الأبيض يبادله المشاكسة بمزاج رائق:
- تذكرني بالفقيه عبد العليم حين تناديني بابن آل عيسى...يا إلهي! أنت تشبهه جدا، خصوصا وأنت تترأس حلقات حفظ القرآن في الرحبة، نفس الهيبة حتى أنني استرجعت شعوري بالرهبة أمام والدك ونسيت للحظة أنك صديقي محسن.
هز محسن رأسه، يسوي طاقيته البيضاء بيديه كعادة تجتاحه كل ما شعر بالخجل أو التوتر:
- أحب ذلك لكنني بعيد عنه، والله إنه لشرف لي أن أشبه الفقيه عبد العليم، شفاه الله وعافاه ومنّ عليه بكامل الصحة والعافية.
أمّن يوسف خلفه وبعد لحظة صمت طرح عليه سؤالاً تردد بالتفوه به:
- وماذا ترى يا فقيه؟
ثم أدار رأسه نحوه ليكتشف بأن ملامحه هدأت وعادت إلى سكونها الخاشع باحثا عن ضالته في السماء:
- أنا لا أصدق بأنك لا ترى يا محسن، بل أظنك تبصر أكثر منا، وتُمسِك بإحكامٍ ما يفوتنا.
امتد صمته الخاشع حتى ظن بأنه لم يسمعه، فمحال أن يهمل محسن الرد عليه، لذلك أحترم خشوعه ورنا بأنظاره نحو المستطيلات المختلفة الحجم بعضها أخضر وبعضها اصفر وبات جاهزا للحصاد، تحد بينهم أشجارا كثيرة وكثيفة؛ التين، الزيتون، الرمان والنخل، تحُفها كحراس متأهبين.
- منذ صغري ومع فترة نشأتي كنت أرى أشياء تتغير على مر اليوم... لم أكن أعرف ما هي؟ سوى أنها ليست أمرا واحدا ثم جاء بي والدي هنا ورفع رأسي نحو أشعة الشمس كما قال، وسألني عن شعوري؟ أجبته بأن ما أراه في تلك اللحظة يسري في صدري ببهجة خاصة يأتي معها دفء أشعر به على وجهي ثم يتسلل عبر أطراف جسدي، فأخبرني حينها بأن ذلك هو النور ولابد من أنه أبيض اللون، ولكم سعدت لأنني تعلمت شيئا أتعرف عليه بمقلتي ثم بعدها في الليل سألني إن كنت أرى وأشعر بنفس ما رأيته هنا في الصباح، فأجبته بلا وأن ما أخبرني عنه أنه نور أبيض ليس ما أراه في ذلك الحين ويشعرني بقشعريرة البرود، فأخبرني بأنه الظلام ولونه أسود، كانا أمرين اثنين فقط أبيض وأسود لكنني فرحت بهما جدا.
أمال محسن رأسه بلحيته البنية المتوسطة الطول وهو يستدرك ببسمة متأثرة:
- لكن... هل تعلم ما الغريب في الأمر يا يوسف؟
غمغم المعني وهو ينظر إليه باهتمام:
- ماذا يا محسن؟
- الأبيض والأسود لم يكونا مرتبطين بالأماكن فقط، فمثلا وأنا بين يدي الله أشعر بنفس شعوري هنا مع كل إشراقة شمس يوم جديد، حتى في صلوات الليل يحيط بي ما تعلمت أنه نور أبيض وحين أشهد شجار الناس وتنافر القلوب من بعضها أشعر بنفسي وسط ما علمني أبي أنه ظلمة سوداء تسري داخلي بقشعريرة البرد.
- فهمتك يا محسن، أعترف بأنني أحيانا أغبطك.
نطقها يوسف بسهو واجم فبسط محسن كفه، باحثا عنه وهو يعبس بقلق:
- يوسف!
أمسك بيديه وربت عليهما، يُسِر لنفسه بلوم على ما نطق به بينما يصغي لنبرة محسن الحائرة:
- ما بك يا صاحبي؟ أشعر بأنك تحمل هما ما.
- لا تقلق يا محسن، لا شيء لا أستطيع التعامل معه.
صمت محسن قليلا ثم حاول معه مجددًا:
- ما هذا الذي يجعلك تتمنى العمى حتى لا تشاهده؟
أرخى يوسف أهدابه السوداء بهَم يعض داخل شفتيه بغيظ مكتوم:
- هل الأمر يخص أصدقائنا؟ هل ما عرفت عنهم أشعرك باليأس منهم أو بالخزي والنفور؟
فتح عينيه على ملامح صديقه القلقة باهتمام حقيقي، مقلتاه تهتزان داخل محجريهما بانزعاج واضح، فعاد للتبسم بتأثر بينما يجيبه:
- لم أقابل في حياتي من يهتم بغيره مثلك يا محسن؟ كيف تفعلها؟... كيف تجعل من مشاكل الناس مشاكلك الخاصة وتفكر فيهم لدرجة التفهم وحمل هم إصلاح حيواتهم؟
وكأن الخجل تملك منه فسحب كفيه ليسوي بهما طاقيته ورد عليه باسما بحزن:
- جميعنا بشر يستغل الشيطان مواطن ضعفنا، وكثيرا ما ننسى من هو عدونا الحقيقي فنقسوا على بعضنا يا يوسف! نقسوا بشدة.
هز يوسف رأسه بتفهمٍ يفكر في كلمات صديقه الذي استدرك بتشجيع:
- لا تيأس من عباد الله يا يوسف، وزد على ذلك قرابتهم لك تضاعف من حقهم عليك أمام الله.
وعى يوسف من سهوه على حديث محسن ورمقه بنظرة مبهمة المعنى قليلا قبل أن يربت على ركبته بينما يعده بلطف:
- إن شاء الله يا فقيه، إن شاء الله.... ألن تعود لبيتكم؟
نهض مع آخر حديثه فقام محسن هو الآخر بينما يقول له:
- بلى... بما أن نبيه رحل بعد صلاة الفجر ليلحق بمواصلات المدينة خذني معك...بسم الله توكلنا على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
***
(منزل جرير)
تنهد مؤنس ممسكاً بهاتفه يناظره بتعبٍ، يكاد الألم يشطر رأسه إلى نصفين لكنه لا يتراجع عن ملامسة سطح شاشته، يعبر عن كآبة نفسه ويعيد قراءة ما نشره وهو متسطح على سرير ابن عمه الغائب حتما في أشغال الحصاد:
*اعتقد أجدادُنا بسحر حبة البركة السوداء ونحن اليوم نعتقد بسحر القهوة السوداء...أي شيء لعين أسود!*
*هناك دائما شخص ما عندما تسبه وتحتقره تشعر بالراحة، إنه ذلك الشخص الذي تلمحه في المرآه كلما نظرت إليها*
- إن لم تتحرك حالا! أنا من سيبدأ بضربك وليس فقط سبك وشتمك!
رفع مؤنس رأسه إلى جرير المستند على دفة باب الغرفة بهيئته التي ينزل بها إلى الحقول، سروال من نوع السالوبيت أزرق تحته قميص دون أزرار أبيض صيفي.
- لماذا تركت حقولك؟
سأله وهو يتململ في رقدته فأجابه جرير بامتعاض وهو يدخل غرفة نومه:
- أنهيت حقل والدك وتركت رضوان يصقل جدارته في حقلي كي يساعدني مستقبلا إن شاء الله، وجئت أركل مؤخرتك من بيتي ومن غرفة نومي قبل أن أعود إلى حقل عمي الآخر.
نظر مؤنس إلى كفه التي بسطها نحوه، تقبض على كأس زجاجي بمحتوى قاتم اللون فاستفسر منه بينما يحدق به:
- هل هذا شاي أمس؟
هز كتفيه وأجابه بنفس الامتعاض الساخر:
- أي شيء لعين أسود!
ابتسم مؤنس بتشنج جراء ألم رأسه، والتقط منه الكأس ثم تحرك إلى حافة السرير:
- لم أكن أعلم بأن منشوراتي تثير اهتمامك.
كتف ذراعيه وباعد بين قدميه يحذره بينما يجيبه بجفاء:
- كنت أنتظر استيقاظك فلا تغتر بنفسك والهراء الذي ستفتعل به فضيحة مدوية يوما ما...وكف عن اللعن إلا ستجد نفسك مطرودا من رحمة الله بالفعل!
رمقه خلف الكأس الذي رفعه ليرتشف منه بنظرة ذات معنى تشع تساؤلا عبس له جرير بشدة، وهو يستدرك بغيظ:
- ما تزال تنعم برحمته فلا تستنفد رصيدك من ستره.
ارتشف مؤنس من المحتوى القاتم اللون فرارا منه، فسعل بقوة وضحك بينما يعاتبه:
- ما هذا يا جرير؟ أنه ثقيل وبدون سكر.
فهز الآخر كتفيه مجيبا بتشفٍ:
- مهما كان أفضل من السم الذي تجرعته أمس، هيا تحرك واخرج من غرفتي!
نفخ ساخرا بينما يستقيم على قدميه فتنهد من شدة الوجع في رأسه ثم أشار إلى أثاث الغرفة المتواضع؛ سرير منفرد بغطاء وخزانة ملابس بدرفتين:
- حسنا سأخرج! على الأقل جدد غرفتك، ألست تنوي الزواج؟
منحه دفعة على ظهره ورد عليه بنفس التهكم:
- ذلك ليس من شأنك، أخرج من هنا والحق بعملك!
خطا بصمت ساخر بعد أن بسط كفيه يدّعي الاستسلام، فنداه جرير وهو يتفحص هندامه بعدم رضا، قميص رمادي تجعد واتسخ بالتراب وسروال بنفس اللون والهيئة:
- مؤنس! لا تذهب إلى بيتكم الآن، لابد من أن لك ثيابا في مكان ما هنا... استحم أولا!
ضم شفتيه ناظرا إليه لبرهة ثم رد عليه بتهكم بارد شع من مقلتيه بقسوة قد تبدو غامضة للجميع إلا الذي يناظره ببرود هو الآخر:
- عيب عليك يا ابن عمي، هذا وقت الحصاد وعليّ سماع نفس الدرس الموسمي كل سنة وثيابي التي لابد من أنها في مكان ما هنا....لابد من أنها متسخة سأبحث عنها لاحقا لأنظفها، سلام يا ابن العم وسامحنا على الازعاج.
زفر جرير بمقت ومسح على وجهه بينما يشيع خطوات مؤنس المتمهلة بضيق قبل أن يقرر الذهاب لقضاء حاجة خاصة بالجمعية التعاونية أو ما أضحى يطلق عليها بالجمعية التنموية بالمرأة.
***
كاد أن يزفر براحة وهو يتسلل خارجا من منزل والديه بعد أن استحم وارتدى ثيابه حين نادته والدته بحنو:
- مؤنس، تعال بني لتفطر!
تسمر للحظة لا يفصله عن الباب الداخلي سوى خطوتين، وأغمض مقلتيه بضيق قبل أن تتسع بسمته بسرعة ليستدير إليها ويتوجه نحوها ليضم كفيها يقبلهما بينما يجيبها بلطف:
- صباح الخير أمي، لست جائعا وأريد اللحاق بعملي.
تطلعت إليه بقلق وهمت بإقناعه بينما تمسك بذراعيه حين دخل عليهما والده بهيئة يتقاسمها أغلب رجال المنطقة الذين تجاوزوا منتصف الخمسين فما فوق؛ جلباب أبيض وعمامة صفراء، يهتف بامتعاض ساخر:
- لابد من أنك أكلت حيث قضيت ليلتك واحتسيت الخمر، ولن يكون ذلك سوى في بيت عاهرة!
أدارت والدته رأسها لترمق زوجها بعتاب تجاهله والسخط يغشى ملامح وجهه الشبيهة بابنه إلى حد كبير، هذا الأخير الذي يمنحه الآن نظرات غامضة لا يستشف منها سوى التحدي وكأنه لم يلق عليه الآن بتهمتين بشعتين:
- إلى ماذا تنظر؟ ألستُ محقا وسيرتك تلوكها الألسن على ضفاف الوادي يا أستاذ؟ يا رجل التعليم!؟ لو اكتفيت بالزراعة كابن عمك لهونت أمر سخرية الناس منك ... فماذا ستُعلم أبناءهم وأنت فاقد للتربية؟ تُجاهر بسكرك ومجونك أمامهم غير مكترث بالفضائح التي تجلبها على سمعتنا.
ضمت والدته جانب وجهه لتديره نحوها بعدما يئست من أن يحيد بنظراته عن وجه والده العابس محاولة فض النزاع المعتاد:
- يكفى يا حاج من فضلك، وأنت بني أدخل لتفطر معنا.
طرف بأنظاره نحو أمه، يتفحص هيئتها الضئيلة داخل عباءة منزلية عليها تلك الوزرة المعروفة في منطقتهم، تحيط رأسها بطرحة صغيرة مثلثة تعقد طرفيها خلف عنقها المكشوف يزينه وشم أخضر باهت قديم أعلى حنجرتها، وأسفلها يستقر عقد من خيط أسود تتدلى منه مسكوكات ذهبية ثم أطرق برأسه للحظات يتمالك فيها نفسه قبل أن ينظر إلى والده ليخاطبه بتعبير مبهم ساخر قبّل بعده رأس والدته وانطلق مغادرا:
- اتفقنا يا حاج! سأخفي فواحشي عن الناس ولن يعرف أحد بأمر الخمر ولا العاهرات.
دخل الفصل بأعصاب باردة، فلم تكن تلك أول مشاحناته مع والده ولن تكون الأخيرة.
استقر على مقعده خلف طاولة مكتبه بعد أن طلب من الطلاب استغلال حصص الشهر الأخير في المراجعة، وتحديدا آخر دروس الفلسفة، ولسخرية الأمر هي أصعب شيء في الوجود حقا، له على الأقل! *السعادة* كم يليق المفرد بالفلسفة بما أن لا أحد أدرك معنى السعادة ليحدد لها تفسيرا واضحا وملموسا فهو فعلا يليق بالفلسفة.
صاحَبته بسمته الساخرة وهو يسترخي على المقعد، يتفقد التعاليق الكثيرة التي تتوالى إما ردا على منشوريه الصباحيين أو تعقيبا على منشوراته التي كتبها وهو ثمل. أهمل الرد على الكثير منها وتجاوب مع القليل ثم بدأ بجولته على الجدار العام يطالع آخر ما تم نشره حتى توقف عند منشور أثار انتباهه كما فعل الذي قبله:
*لوم الذات دلالة على بقايا ضمير لازال ينتفض بروح المقاومة.*
ضم شفتيه بتفكير عميق حول صاحبة المنشور التي يعرفها جيدا، وكل مرة يقرأ لها منشورا يميل إلى التصديق بأنها تتفاعل مع ما ينشره، فيتساءل لماذا لا تعلق له مباشرة؟ فلقد كان يوما ما أستاذها أم ربما هو تعبيرها الشخصي على صفحتها وهو يسيء الفهم!
- أستاذ!
ترك شاشة هاتفه ليرمق الطالب الذي استدرك قائلاً بحيرة:
- الفلسفة تلخص السعادة في تحقيق جانب النقص الذي يعاني منه الإنسان، وهكذا السعادة حسب منطق الفلسفة لا تُدرَك حقا لأن الإنسان يظل متطلعا لما ينقصه إلى أن يموت.
رف مؤنس برموشه مرات عدة بمرح ضحِك له الطلاب قبل أن يجيبه بنفس الفكاهة:
- ثرثر بقلمك حول تلك الخلاصة وستحقق درجات عليا يا نبيل...
ضحك الطلاب مجددًا من بينهم نبيل الذي أكمل حديث أستاذه الأثير:
- ما هي الفلسفة إلا ثرثرة قلم تحوم حول مركزٍ كلما ازداد غموضه كلما اتسعت مساحة متاهته!
رفع إبهاميه مشجعاً بمرح أضحك الطلاب، والألم في رأسه لم يهدأ بعد ثم لوح لهم:
- عودوا لمراجعتكم إذن حتى تكتسبوا مخزونا وفيرا يُمَكِّن أقلامكم من الثرثرة في نطاق واسع.
أطرقوا برؤوسهم بينما هو يسحب علبة مسكن من حقيبته ليستل حبة بلعها دون ماء نسي إحضاره ثم أرخى رأسه على مسند المقعد، يتأمل نبيل للحظات تألقت فيها على شفتيه بسمة تخلت عن سخريتها لوهلة لتلمع بمشاكسة امتدت إلى مقلتيه وهو يرفع هاتفه ليدون كلمات يجرب بها حظه ليتأكد من صدق إحساسه أو يتأكد من إصابته بجنون العظمة! دغدغت صدره موجة تسلية عند آخر خواطره بينما يراجع كلماته قبل أن يعتمدها وينتظر:
*يقولون بأن السعادة نقصان لا يكتمل، ومادام الإنسان طماعا يرى ما ينقصه فقط يظل لاهثا خلف وهمٍ أسموه جورا... السعادة*
***
(منزل الحاج عبد البر)
ارتفع عنق تقوى عن أوراق عدة كانت تطالعها باهتمام، تجاورها شقيقتها التي كانت بدورها تتصفح هاتفها في انتظارها لتعقب بجبين مقطب ونظرات جدية:
- هذا ليس جيدا يا صفاء، إنه مطابق لمشروع تخرجي ولو اختلف المنتوج وعلامته التجارية.
وضعت صفاء الهاتف جانبا على مكتبهما المشترك في غرفتهما لتركز باهتمامها على تقوى التي استدركت تفسيرها:
- والمشكلة في الأمر أن الأستاذ المشرف عليك هو نفسه من كان يشرف على مشروع تخرجي، وقد سبق ونوه إلى قلقه نحو اختيارك لنفس موضوعي.
ثم أشارت إلى كومة الأوراق المنتشرة على سطح المكتب مضيفة:
- لا يكفي تتبعك لخط سير الإنتاج، ولا حتى تطبيق إحصائيات مختلفة لمدة سنة، هذا كله قد سبق وفعلته تلزمك إضافة جديدة لكي يقبل بمشروعك.
زمت صفاء شفتيها بتفكير ساهم، ملامحها مشابهة لشقيقتها إلى حد كبير، العينين الرماديتين والبشرة الحنطية اللون والشعر الأسود بدرجته الأولى، وطوله المماثل، حتى الملابس كثيرا ما كانتا تتشاركانها، الاختلاف الواضح للعيان هو طول تقوى الذي لا تتقاسمه سوى مع نبيل الذي يبدو أنه سيكسب مزيدا من السنتمترات عن طولها.
- هل تسمعينني يا صفاء؟
حركت رأسها بخفة وسألتها بحيرة:
- وماذا سنفعل؟
ارتفعت كف تقوى إلى شعرها تحكه بتعب بينما تجيبها بعض التأنيب:
- إنه مشروعك يا صفاء ويجدر بك الابتكار، لو أخبرتك أنا ماذا سيكون دورك أنت؟
تبسمت وهي تمسك بكفها متوسلة إليها، بأداء درامي مزعوم:
- أرجوك أنقذيني، أتوسل إليك! اعتبارا للدماء التي نتشاركها.
هزت تقوى رأسها بيأس من شخصية شقيقتها الهزلية دائما:
- لا فائدة منك... الحديث معك مصيره في كل الأحوال إلى المزاح.
مالت نحوها تقبل وجنتها بطريقة مضحكة قبل أن تجيبها بنفس الفكاهة:
- تكفي شقيقة واحدة مملة!
جعدت تقوى أنفها الحاد مستنكرة فطوقت جسدها تضيف بمحبة خالصة:
- أمزح... أنا أمزح، هيا شقيقتي الجميلة ساعديني، ماذا أفعل؟ أريد التخرج هذا العام.
- إن شاء الله.
غمغمت تقوى باستسلام ثم زفرت بينما تلتقط بعض الأوراق محاولة التعبير عن فكرتها:
- أنظري يا صفاء، لمَ لا تكملين بعد انتهاء خط سير الإنتاج؟ أعني التخزين والتوزيع، فالشركة التي منحتك إذن قضاء فترة التدريب في ورشاتها يملكون خط توزيع خاص بهم، استغلي ذلك وقارني بين تكلفة التوزيع الخاص وكم كان سيكلفهم لو فعلوا مثل البقية واستعانوا بوسائط التوزيع!
تذمرت نافخة بضجر:
- لكن ذلك سيتطلب مني مجهودا كبيرا، لماذا لا أكتفي بمثل مشروعك فالمنتوجات والورشات مختلفة؟!
تركت تقوى الأوراق لتشير لها مفسرة بحزم:
- الأستاذ المشرف سيرفض مشروعك يا صفاء، إذا لم يعجبك اقتراحي يجب عليك تغيير موضوع المشروع كليا.
نفخت مجددًا تزم شفتيها قليلا قبل أن تهز كتفيها قائلة بقلة حيلة:
- حسنا سأكمل وأطبق فكرتك.
أومأت لها تقوى براحة وهمت بالنهوض لكن صفاء أوقفتها مستدركة بسؤال لطالما ترددت في طرحه عليها:
- بالمناسبة يا تقوى، سمعت أن الأستاذ المشرف دبر لك عملا في إحدى الشركات في المدينة السياحية، وأيضا ثرثرة عن كونه أراد الزواج بك!
تملكها الخجل وإن صاحبه بعض الرفض لكنها ردت عليها، فلم يسبق لها أن أخفت عنها أمرا يخصها إلا قليلا:
- رفضتُ العمل لأنني بالفعل أعمل مع والدي، أما الزواج فلم يتقدم فعليا وهناك من أخبره بأنني مخطوبة.
قفز حاجبا صفاء مرددة بذهول:
- مخطوبة! من فعلها؟
عبرت صفحة عينيها لمحة من التسلية بشكل خاطف بينما تجيبها بنبرة عادية:
- زملائي من الوادي تبرعوا بتقديم نشرة تفصيلية له عن حياتي بكل تفاصيلها.
ضحكت صفاء وهي تدير جسدها محتلة جانب كرسيها فقط، تعقب من بين قهقهتها:
- وطبعا لم تخلُ التفاصيل من جرار الحقول المتيم بك.
رمقتها بعتاب فهزت كتفيها بتجاهل واستفسرت منها ككل مرة عن جانب مختلف للموضوع الذي تشعر بأن أختها تتحسس من ذكره:
- الحق يقال ليس مجرد جرار حقول إنما خريج معهد الزراعة والبيطرة قسم الزراعة... ورجل مر بمثل الظروف التي نعرفها في طفولته يستحق التشجيع والاحترام على ما حققه ولا أجد تفسيرا مقنعا بعد لرفضك له.
أطرقت تقوى بوجوم فسارعت تفسر نفسها بتردد مرتبك:
- أعني أنه شاب سوي، الجميع يشهد له بأخلاقه الحسنة حتى أنه يغض بصره عن الفتيات، وأنت بنفسك شاهدتِ عونه للناس، فماذا لو كان لا يواظب على الصلاة؟ أغلب من نعرفهم من الشباب يتهاونون بفعل المغريات والملهيات، حاولي مساعدته على الالتزام بعد الزواج.
صمتت تقوى تصغي إليها وحين أنهت شقيقتها حديثها نظرت إليها لتجيبها بجدية نضحت بها مقلتاها بعد أن استدارت إليها كليا بجسدها فأصبحتا متقابلتين:
- جميعنا مقصرون في حق خالقنا مهما التزمنا لكن كل واحد منا يحاول ما في استطاعته، وهناك قواعد لا يمكن التهاون بها لأنها أساس البناء، وإن أقيمت بهشاشة فلا تنتظري منها تحمل البناء فوقها ويظل التهديد بالسقوط يلاحق بناءها طوال الوقت، هذا إن لم يسقط في أي لحظة بالفعل.
تلكأت تبلع ريقها لتضيف بوجوم لم يغادرها:
- جدتي تقول دائما؛ تحَلَّي بما تتمنينه في من حولك فإن لم تجديه رغم ذلك، فهو بلاؤك لحكمة بالغة يجب عليك النجاح في تجاوزه، لكن خذي بالأسباب وأحسني الاختيار بنية صادقة لا بغية فيها سوى وجه الله، حينها سيكون الامتحان لا شك وبإذن الله أيسر وأبسط.
عبست صفاء بينما ترمقها بحيرة تجلت في مقلتيها الرماديتين فزفرت تقوى قائلةً لها بنبرة خاوية:
- مثلا، لو كان جرير...
توترت حين نطقها لاسمها لوهلة تجاوزتها متجاهلة خفقات قلبها لتسترسل:
- لو واظب على الصلاة التي هي من أوامر الله الأساسية لتجاوزت عن أمور تعد من طبع الإنسان، كجلافته مثلا في اختيار الكلمات... أستغفر الله!
تنهدت وهي تطرق برأسها فابتسمت صفاء بمكر وهي تشاكسها:
- ربما يخبئ حلو الكلام بعد أن تصبحي زوجته حلاله؟
ارتفع حاجبها وهي تعقب بامتعاض:
- نصحتك بالتوقف عن متابعة المسلسلات دون جدوى، خربت عقلك عن آخره!
ادعت البراءة بشكل مضحك فتبسمت تقوى مرغمة والتقطت كفيها تستدرك بحنو:
- ضعي ما سأخبرك به في رأسك، لا أحد يتغير من أجل أحد إن لم تنبع الإرادة من صميم القلب الراغب في التغيير من أجل نجاته هو أولا، فصعبٌ جدا أن يفعلها من أجل غيره خصوصاً ما يخص علاقة العبد بربه، هذا أولا! أما الأمر الثاني فلو رأيت أكثر من حولك ضال عن طريقه تمسكي أنت بحبال الهداية والنجاة، ففي النهاية كل واحد منا سيأتيه فردا، والدليل كلام الله في سورة المائدة *بسم الله الرحمن الرحيم .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*...ابحثي عن كلمتي أكثر الناس في القرآن وستتفاجئين بما يليها من تتمة، ولكلٍّ نيته الله وحده مطلع عليها.
نهضت من مكانها بعد أن ربتت على كتفيها بحنو تضيف وهي تفتح أحد أبواب خزانة الملابس:
- حاولي التركيز على مشروعك، فالأشغال منتهية والبيت نظيف، لا أظن بأن أمي ستحتاجنا في شيء لكن سأطلب منها تأجيل طلباتها إلى أن أعود من بيت جدتي، اشتقت إليها، لم أرها ليومين كاملين.
تحركت نحو مرآة منضدة الزينة لتحيط رأسها بطرحتها الطويلة وتسدلها على صدرها بلون أخضر قاتم كتنورتها الواسعة عليها قميص أسود.
- تقوى..
نادتها فنظرت إليها عبر المرآة بينما تصغي لسؤالها:
- ما هي السعادة من وجهة نظرك؟
جعدت جبينها بحيرة هي تستفسر منها:
- ما الذي خطر على بالك؟
هزت صفاء كتفيها لاهية بالقلم الحبر بين أصابعها فصمتت تقوى قليلا تفكر بينما تسحب كيسا خلف باب غرفتهما ثم اقتربت منها لتخيرها بين حذائين:
- اختاري واحدا... أنا اشتريتهما أمس حين خرجت برفقة حفيظة وزينة، إنهما متشابهين، الاختلاف الوحيد في الفراشة والنجمة...هيا!
نظرت صفاء إلى زوج الأحدية السوداء ثم رفعت ناظريها إلى أختها، تجيبها بتردد:
- اختاري واحدا، واتركي لي الآخر.
ثم ضحكت بطفولية تتابع:
- ففي النهاية سأرتدي كليهما.
ضمت تقوى شفتيها تتدعي السخط قبل أن تبتسم هي الأخرى بنفس الطفولية:
- أحببتهما، وأنت محقة في النهاية سنرتدي كليهما، سأختار النجمة.
بسطت صفاء ذراعيها تهتف بنفس الطفولية وهي تبسط قدميها أيضا:
- هنيئا لك بالنجمة يا نجمة!
قطبت تقوى جبينها تدير رأسها نحوها وهي منحنية تدس قدميها داخل الحذاء، ترمقها بصمت أُجبِرت عليه بسبب دعاء اللباس الجديد، فضمت صفاء شفتها السفلى قبل أن تستطرد بمرح:
- لم تجيبيني، ماهي السعادة من وجهة نظرك؟
التقطت حقيبتها واستقامت بظهرها عند عتبة الغرفة لتعبر عن قناعتها بخشوع:
- السعادة ...مممم! امتلاء القلب بنور الله حتى يفيض فلا يعود لأي شيء آخر متسع ليستقر فيه.
ثم تبسمت بتأثر لتكمل قبل أن تنصرف:
- لا يعرف لذة تلك السعادة إلا من ذاقها... السلام عليكم.
انصرفت بينما شقيقتها تشيعها بنظرات ساهمة وعت منها فجأة لتلتقط هاتفها، تتفقده.
***
ضحك عاليا ملفتا انتباه طلابه فمسح على وجهه بحرج قبل أن يرمقهم بسخرية:
- اعتذر إليكم لكن وأنا أتفحص المستجدات على *مواقع التشتت والانقطاع الاجتماعي*.
انتشرت البسمات عبر الوجوه الشابة وهو يكمل بنفس السخرية:
- وجدت تفسيرا للسعادة لن أقول جديدا لكن مختلفا عن ما جاد به أعلام الفلسفة المبجلين.
ثم نظر إلى هاتفه، يقرأ المنشور الذي طال انتظاره حتى أوشكت الحصة على نهايتها:
*السعادة امتلاء القلب بنور الله حتى يفيض، فلا يعود لأي شيء آخر متسع ليستقر فيه*
ثم رفع سبابته مكملا:
- لم أنته بعد *لا يعرف لذة تلك السعادة إلا من ذاقها*
وضع هاتفه وقلبه يموج بحماس خاص فاجأه في نفسه، صِدق شكوكه أثبتت أنها بذات أهمية لنفسه، لمَ يا ترى؟ إنه لشيء مثير ليفكر فيه! حسنا، صداعه بدأ بالتراجع هو الآخر وبعد كل شيء قد ينتهي يومه بغير ما بدأ به.
- هل ذاق أحدكم تلك السعادة يا ترى؟
انتشرت الهمهمات بين الطلاب والطالبات المتبسمين، بعضهم بتسلية وآخرين بسخرية.
- قد يكون صحيحا يا أستاذ، ألم نتعلم من الفلسفة أن السعادة وهمٌ لا يُدْرَك، إذن كل إنسان يفسرها حسب قناعاته وإيمانه.
عقب نبيل بوجهة نظره ببعض الاندفاع فقال له مؤنس وبسمته تتحول لمرح غامض التعبير:
- لماذا لم أتفاجأ بقولك يا نبيل؟
انطلق جرس رأس الساعة فسحب حقيبته وهاتفه مستدركا ليطرد ريبة نبيل التي طغت على ملامحه:
- أعني أنك محق، كل شخص يفسر السعادة حسب قناعاته وإيمانه...راجعوا جيدا!
ثم هتف بنبرة عالية:
- الامتحانات على الأبواب، لن أخبركم كما ولابد من أنكم مللتم سماعه أن هذه السنة مهمة في حياتكم الدراسية لكن سأكتفي بلا تستعجلوا الكسل، أيامه قادمة لاحقا أثناء سنوات البطالة.
علت ضحكاتهم بينما يوليهم ظهره مغادرا بعد أن أشار لنبيل الذي لحق به:
- ماذا عن علوان يا نبيل؟
بلل الشاب الفتي شفتيه بتوتر، فمال نحوه يستطرد بتهكم:
- أنا متأكد من أنك مطلع على أسباب فعلة بعض من زملائك، فأنت أمين الجميع هنا، إنما أسألك بصفة شخصية، فأنا وجرير نهتم لأمر ذاك الشاب، إنه من عمر شقيقتك الوسطى يا نبيل، ولا يرضيك ما حدث له، أعدك أن الحديث سيبقى بيننا.
أنهى حديثه بجدية صادقة فتنحنح نبيل وهو يرد عليه بما لم يكن حقا مفاجئا لمؤنس:
- كل ما أعرفه يا أستاذ مؤنس أن هناك من دفع لهم من أجل شعر علوان، لا أحد من الثلاثة ذكر هويته ولا أظنهم سيفعلون.
***
(شارع الشرفاء)
يناظره بحيرة واضعا ذقنه على راحة كفه مستندا بمرفقها على سطح إحدى طاولات المقهى الفاصلة بينهما، ينتظر المزيد مما هو متأكد من أنه يخفيه عنه.
- هيا يا فواز، ليس وكأن هذه أول مرة سترافقني فيها.
تحدث إليه بهيج مجددًا ليقنعه فرد عليه أخيرا وهو يمسد لحيته:
- لكنك تقول حفلة خاصة، وأثرياء من خارج الوطن وداخله، يجب أن أقلق يا بهيج.
زفر المعني وهو يميل نحوه يفسر له من جديد:
- إنها أمور معتادة إلى جانب ما أفعله دوما لكنها قليلة ومدرة للمال أكثر من الحفلات الأخرى، خاصة بالأثرياء جدا، وحين سألت المنظم إن كان بإمكاني إحضار تاجر عطور ليضفي على المكان سحره الخاص ويبحث عن رزقه مثل الجميع وافق، فقررت إقناعك.
تجعد جبينه أكثر وهو يسأله بنفس الريبة:
- ولماذا لم تخبرني عنها من قبل؟ أعرف عن عملك كمهرج في حفلات المدارس، والأعراس كطبال لفرقتك، وأعرف بشأن الحفلات الخاصة وحضرت معك بعضها كصديق، لكن حفلة خاصة جدا وأحضر كتاجر عطور!... ماذا تخفي عني يا بهيج؟
أرخى بهيج ظهره على مسند الكرسي الخشبي يرمقه بتمعن، باسطا ذراعيه الطويلتين على سطح الطاولة الدائرية بينما يلمس كأس الشاي بأطراف أصابعه:
- لأن هناك أمور قد لا تعجبك.
- أهاااا!
تلفظ بها فواز بظفر ساخر وانحنى نحوه، محركا رأسه صعودا ونزولا مع تتمة كلامه:
- هذا مربط الفرس يا بهيج، أخبرني وأنا أقرر!
جعد جانب ذقنه الشقراء التي هذبها ذلك اليوم قبل أن تلمع مقلتاه بزرقة قاتمة بينما يفسر له بحذر:
- تلك الحفلات يحضرها رجال ونساء من داخل وخارج الوطن، منهم أصحاب مناصب رفيعة، ومنهم فاحشي الثراء، ومنظم الحفلات يتفق مع فرق كثيرة منها موسيقية وترفيهية....
تلكأ عند كلمة ترفيهية فسأله فواز برفعة حاجب مهددة:
- ترفيهية مثل ماذا؟ فكاهة مثلا؟
أومأ له بهيج ورد عليه بنفس الارتباك:
- هناك فكاهيين وبهلوان، ومصالح أخرى...
كان فواز يهز رأسه بتمهل مع كل كلمة يتلفظ بها بهيج حتى سكت فحثه الأول بنفاد صبر:
- و....؟ أنت تضيع وقتي، ما المعنى يا بهيج؟!
بلع ريقه ثم أخبره بخفوت وهو يميل نحوه بمسافة أقرب:
- هناك فرقة خاصة، فتيات وشباب يحضرون لهدف معين، ويسعون لتحقيقه بكل وضوح ليجمعوا أكبر قدر من المال...
تخللت أصابع فواز لحيته ونظراته تغيم بتفكير ترجمه إلى كلمات:
- هدف معين! هل أشم رائحة دعارة أم أنني أتخيل ذلك جرّاء تاريخك الأسود في صداقتنا المحظوظة يا بهيج؟
ضحك بهيج بحرج مرتبك قبل أن تختفي ضحكته فجأة مجيبا بصراحة:
- أجل! لكن نحن لا دخل لنا...
- كيف!
انتفض فواز هاتفا بصدمة حانقة قبل أن يتلفّتا حولهما يتفحصان النظرات الفضولية التي أجبرته على خفض صوته والحفاظ على هدوئه الظاهري، ليستطرد بخفوت:
- كيف لا دخل لنا؟ ألن نكون من الحاضرين؟ ماذا إن فسدت السهرة وتدخلت الشرطة؟
تبسم بهيج بغموض وقد ارتخت قسماته بتعبير الظفر بعد رده وأجابه بثقة:
- لا تقلق من هذه الناحية، سبق وأخبرتك بأن من الحاضرين أصحاب مناصب رفيعة وحساسة، لذلك تُنظم لهم الحفلات بسرية تامة، فهل أنت موافق؟
عبس برفض متردد:
- يجب أن أفكر جيدا!
فرد عليه مستنكرا:
- ليس هناك وقت السهرة ستبدأ بعد ساعات، ويجب أن أغادر بعد ساعتين على الأكثر ثم كنت أعتمد على إقناعك لنذهب بسيارتك.
تجعدت ملامحه بينما يعقب بامتعاض:
- انتهازي!
فضحك باسترخاء:
- يا بخيل اعمل معروفا في سيارتك وحركها قليلا، ستتلف بطاريتها لعدم تحركها بشكل دوري، أنا أقدم لك خدمة ومع ذلك أتوسل إليك.
زفر فواز وملامحه لم تنبسط بعد فأضاف بهيج بمكر وهو يغمزه:
- فكر في الأمر، النساء هناك عالم آخر لم تره من قبل، يختلفن كل الاختلاف عن...
بتر حديثه حين انتفض فواز ليسكته بينما يسحبه من ذراعه خارج المقهى:
- اصمت يا أحمق! وأمهلني ساعة لأجمع فيها بضاعتي.
ما يزال بهيج ضاحكا بعبث، يخبره في نفس اللحظة التي التقيا فيها بفتيات على ما يبدو للعيان يتجادلن حول شيء ما قرب مدخل المقهى:
- أحضر أفخر ما لديك، واعتمد على الخلطات التقليدية فهي تجذبهم أكثر، ولن يشتروا منك علامة تجارية معروفة لأنهم يتعاملون مع بيوتها الأصلية، أنظر إلى هذا الجمال الفتاك يا رجل!
التفت فواز إلى من يقصدهن فقبض على ذراعه يحذره:
- إنهن أخوات أصدقائنا تراجع ولا تفضحنا!
داعب ذيل شعره بخفة بينما يغمزه بتسلية:
- لا أقصد نهيلة المكتنزة، بل قطعتا اللؤلؤ المجاورتين لها.
امتعض فواز ومنعه من التوجه نحوهن وهو يشرح له ساخرا من بين فكيه المطبقين حنقا:
- قطعتا اللؤلؤ شقيقتا يوسف يا بهيج... تراجع حالا!
- حقا!
سأله بذهول ليكمل بعدها ضحكا بقوة لفتت انتباه الجميع:
- بطُل عجبي من جمالهما الخلاب إذن! لكنني مندهش لسبب آخر، كيف لم أراهما من قبل؟
هز فواز رأسه بيأس ينفخ بقوة قبل أن يسأله بذهول حين فر منه نحوهن:
- ماذا تفعل يا بهيج؟
تبسم بهيج بمكر وهو يلمح نظرات إحدى اللؤلؤتين المتمعنة فيه باهتمام لا يخطئه أحد، فهتف قائلاً بتسلية مرحة:
- نتعرف يا رجل! إنهما شقيقتا صديقنا يوسف الغالي، ويجب أن أرحب بهما في البلدة.
تنهد فواز بغير تفاؤل ولحق به بقلة حيلة، أما هو فبسط كفه نحو التي تراقبه باهتمام باسما يخبرها بلطف مستغلا وسامته التي تجذب كل عين جديدة بمظهره المختلف:
- أنا بهيج صديق يوسف، وقريبه أيضا وهذا يعني أنني قريب لكما ولو من بعيد كحال بقية ساكني الوادي، هل أنت سارة أم سلا؟
ضحكت فكشفت عن صف أسنان صغيرة بيضاء كاللؤلؤ، لتجيبه بنفس مرحه:
- أنا سارة، وهذه سلا.
أومأ لها بينما يترك كفها بعد أن منحه ضغطة سرت بقشعريرة غريبة عبر أوردتها والتفت إلى شقيقتها العابسة باسطا نحوها كفه هي الأخرى، فمنحت كفه نظرة سريعة قبل أن تلمس أطراف أصابعه بشكل خاطف ابتسم له بتعبير مبهم:
- تشرفت بكما وسعيد بالتعرف إليكما، يوسف صديق عزيز علي...
لم يفُته توتر نهيلة التي تدير رأسها كل حين خوفا من أمر ما، فوجه إليها حديثه الساخر رغم صدق معانيه:
- كيف حالك يا نهيلة؟ وكيف حال ... نبيه؟ لم أرك منذ مدة على عكس تحفك الفنية المعروضة في معرض الجمعية، إنها تزداد جمالا مع مرور الوقت بالمناسبة...
ارتبكت أكثر واحمرت بشدة فرفعت كفيها تسوي بهما طرحتها، هامسة له بشكر خافت جدا يكاد يسمع.
- كنا نتجادل قبل قليل حول إمكانية جلوسنا في المقهى.
تدخلت سارة فالتفت إليها بتركيز بينما تكمل بدلال فطري ضاعف من نعومة أنوثتها الجذابة:
- اشتقنا أنا وشقيقتي للجلوس في مقهى لكن نهيلة تقول بأن المقاهي هنا خاصة بالرجال فقط، وسنفتعل فضيحة بجلوسنا فيها.
تفحص ملابسها بجرأة أربكتها؛ فستان بلون بني فاتح بطول يتجاوز الركبتين بقليل عليه سترة من الكتان الحريري بلون الورود الزهرية المزينة للفستان، فتتسع بسمته من عدم راحتها إلى أن تدخل فواز، قائلا بجدية حازمة:
- نهيلة محقة، النساء لا يجلسن في المقاهي هنا، فقط في المطاعم أو المخابز حيث تجهز العصائر والمشروبات الساخنة مع الفطائر والحلوى، وعلى أي حال لن تجدن هنا سوى القهوة السوداء المركزة والجرائد.
- مع شاشة بلازما، وواي فاي!
هتف بها بهيج مدعيا البراءة بينما يدس كفيه في جيبي سرواله القصير كلون عينيه ثم استرسل باستظراف:
- حاولت جاهدا تخليصهم من أفكارهم الرجعية هذه لكن عبثا!
ثم قرص عنقه بمزاح يكمل:
- أقسم برقبتي...
دفعه فواز بخفة يهمس له من بين نواجذه، وسارة على عكس سلا العابسة ونهيلة التي تحول ارتباكها إلى عصبية:
- امشِ يا ظريف، سنتأخر يا أبو رقبة!
- لؤلؤ يا رجل! لؤلؤ!
همس له محدقا بفم سارة الضاحك ومستسلما له قبل أن يتجمدا مكانيهما ونبيه يقبض على ذراع شقيقته المنتفضة بهلع، يديرها إليه ليشير لها بحركات عنيفة تحاكي ملامحه الغاضبة:
- ماذا تفعلين هنا؟
وكعادتها حين التوتر أمام شقيقها خاصة دونا عن غيره، لا تجيد التصرف ولا الرد سوى بالتبلد والصمت مما دفع به إلى النظر نحو فواز وبهيج بحدة تراجعا على إثرها خطوة استعدادا للركض، فهما أدرى بعصبيته النادرة حين تبلغ مداها فيتحول إلى نهر جاف حمل فجأة بسيل قوي يجرف معه الأخضر واليابس، لولا تدخل الفتاة العابسة تشير له بهدوء بما لم يفهماه ولم يخفف من غضبه لكن على الأقل أشار لأخته كي تتقدمه ففعلت بصمت ولحقت بها سلا بينما سارة تتبسم مشيرة بأصابعها لبهيج بتحية ما لبث أن ردها هو الآخر بنفس الإشارة والبسمة حتى انتفض من زفير نبيه الذي حدجه بنظرات كالسهام الحادة قبل أن يستدير لاحقا بالفتيات محافظا على مسافة كافية خلفهن.
- أخبرتك بأن تتراجع، لكنك تحب المشاكل منذ صغرك!
دفعه فواز مرة أخرى فضحك وهو يبتعد عنه بينما يجيبه بنفس التسلية:
- للمشاكل نكهة حلوة تبدد ملل الحياة يا صاح! جهز نفسك بعد ساعة ونصف.
***
(منزل الجدة جواهر)
تجولت بين غرف منزل جدتها العتيق الذي ورثته عن زوجها الراحل تاركا لها فتاة واحدة بعد أن سبقته الأخرى إلى دار الحق على إثر ولادة متعسرة نتجت عن نزيف حاد لم يستطيعوا معالجته، وقد تأخرت جدا في الوصول إلى مستشفى المدينة السياحية.
أطلّت على الغرفة الثالثة، وألقت على الحاضرات السلام وسألتهن باسمة بلطف:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل رأيتن جدتي جواهر؟
- في غرفة السجاد يا ابنتي.
ردت عليها إحدى النسوة المنهمكات في صنع الحلوى، فهزت رأسها بتفهم، فجدتها تحب نسج السجاد أكثر من بقية الحرف التي خصصت لها غرف بيتها العتيق بعد أن قررت دعم الجمعية التنموية بالمرأة في وادي الحقول.
دخلت غرفة نسج السجاد وأسرعت لتحتل مكانا خلف منسج السجاد الخشبي الضخم جوار جدتها، هاتفة بحب وهي تقبل رأسها:
- السلام عليكم، كيف حالك جدتي؟ اشتقت إليك.
نظرت إليها وهي تضحك بدفء شعت به مقلتاها البنيتين الحانيتين، بشرة وجهها ناعمة وغير مجعدة سوى من بعض الخطوط حول العينين، لا يدل على تجاوزها للخمسين سوى عنقها المستور بطرحتها البيضاء المطرزة بخرزات صغيرة، وتمهل حركاتها حين النهوض:
- وأنا أيضا، والدتك كانت هنا أمس وأخبرتني بأنكم انشغلتم بالحصاد.
هزت تقوى رأسها وقد شرعت في لف خيوط النسج القصيرة حول الخيوط الأخرى الأشد سمكا وطولا، والمشدودة كأوتار صلبة على طول المنسج الخشبي تقول لها تقوى بتقدير لجودة الصوف:
- الألوان جميلة يا جدتي، أصبحتن بارعات في تلوين الصوف.
ردت عليها جدتها وهي تسحب من حجرها *الخلالة* على شكل يد حديدية بأسياخ حادة قصيرة تدخلها بين الخيوط المشدودة فتمنح الخيوط القصيرة المعقودة حولها دقات بسيطة حازمة لتثبت مكانها قبل أن تبدأ بلف صف جديد من الخيوط القصيرة الملونة:
- الوسائل تتطور بنيتي وتساعدنا بفضل الله.
هزت رأسها فاستدركت الجدة بمرح:
- لم تذكر أي من صديقتيك أنك قادمة لزيارتي.
التفتت إليها تسألها بلهفة:
- زينة وحفيظة هنا؟
- أجل، في غرفة التطريز على ما أظن.
أسرعت لتنهي الصف الذي بدأته فضحكت الجدة جواهر تعاتبها بمزاح:
- ظننت بأن الشوق إلي ما أحضرك!
ثبّتت الخيوط باليد الحديدية *الخلالة* ونهضت على ركبتيها لتقبل وجنة جدتها ثم ردت عليها بطفولية مرحة لا تحتلها إلا جوار تلك المرأة الأحب إلى قلبها:
- هذا أكيد جدتي، سأشتاق إليك دوما ما دمت ترفضين السكن معنا والبقاء مع من يحتاجونك أكثر حسب قولك طبعا، سأذهب لرؤية الفتيات وأمر عليك لأتحدث معك قبل مغادرتي إن شاء الله.
انطلقت مسرعة، تاركة جدتها تضحك مع بقية النسوة خلف المنسج الخشبي.
- أنتما خائنتان! لم تخبرانني بقدومكما!
رفعت الفتيات رؤوسهن عن مثبتات القماش الدائرية فاعتذرت إليهن محرجة:
- أعتذر إليكن، السلام عليكم ورحمة الله.
ثم خطت لتجلس بين صديقتيها هامسة لهما بتأنيب مرح:
- خائنتان، ماذا تفعلان هنا؟
ردت عليها حفيظة بنفس النبرة الرائقة:
- عاطلات عن العمل، ماذا سنفعل غير البحث عن ملء الفراغ القاتل؟
ثم ضحكت ساخرة قبل أن تستطرد:
- لم يبق هناك مقاعد شاغرة سوى في صف التطريز لذا....
أشارت إلى المثبت البني بين يديها، فتدخلت زينة تفسر لها:
- لم نتفق يا تقوى، لقد تفاجأنا ببعضنا عند قدومنا وكم ضحكنا على ذلك، فلقد اتفقت مع ابنة عمي شقيقة مؤنس الكبرى على أن تجالس والديّ ساعتين كل يوم أتعلم فيهما التطريز لأنه ما ينقصني من أجل القصات الجديدة التي أقوم بتفصيلها وخياطتها في البيت.
هزت تقوى رأسها بتفهم حين تدخلت حفيظة، قائلة لها بتهكم:
- غريب أمر أبناء عمك، يحبونك ويحبون والديك ويودونك على عكس والدهم المقاطع لأخيه الوحيد على قيد الحياة.
تنهدت بوجوم بينما توضح لها وضعهم:
- لأن زوجته امرأة جيدة وطيبة ربت أولادها على صلة الرحم، وبالرغم من تباعد بقية أولادها إلا أن الكبرى ومؤنس لا يفارقاننا ومعهما جرير، ودائما ما يعرضون خدماتهم ويشعرونني بالسند بفضل الله.
وكالعادة كلما صادفت ذكر اسمه تتورد لكنها تتجاهل الأمر:
- وأنت يا حفيظة؟
سألتها تقوى فأجبتها بامتعاض:
- بخلاف زينة سآتي صباحا ومساء، فلم أعد أطيق البقاء في بيتنا وحيدة، سألتزم مع عاملات غرفة الحلويات، موسم الصيف على الأبواب، والمناسبات ستتوالى.
لم تستفسرا عن السبب في بقائها وحيدة مدركتان لوضع أسرتها الغريب.
- جيد إذن، أتمنى لكما التوفيق والنجاح، سأذهب لرؤية جدتي قبل أن أرحل.
همت تقوى بالنهوض عن الكرسي بين آخرين مرتبين على شكل دائرة، فردت عليها زينة بعبوس حائر:
- بهذه السرعة!
هزت رأسها باعتذار وحفيظة ترمقها باستنكار أيضا:
- وعدت أمي بأنني لن أتأخر وأنا أريد التحدث مع جدتي قليلا، ركزن في ما تفعلن، فعلى كل حال سأشغلكن إن بقيت...سلام.
خرجت مطرقة برأسها ونزلت الدرج من الدور الثاني إلى الأول، وحين همت بعبور المساحة الواسعة أمام الباب الخارجي إلى الرحبة الداخلية حيث تطل جميع أبواب غرف الطوابق الثلاث سمعت صخبا لفت انتباهها فالتفتت إلى حيث لمحت جرير يُدخل ألواحا خشبية طويلة، وبعض العلب الكرتونية الكبيرة. تسمرت مكانها لثوانٍ قبل أن تسترجع إدراكها وتهم بالاستدارة في نفس اللحظة التي رفع فيها رأسه إليها واستقام هو الآخر يناظرها بنفس التفاجؤ.
تجمدا مكانيهما يناظر كل واحد منهما الآخر بغموض أفكاره حتى قرر جرير ولأول مرة التحدث إليها بغير الكلمات القليلة بينهما عبر مراحل نشأتهما، والتي لا تتعدى التحية والسؤال عن الصحة والحال:
- من الجيد أنني وجدتك هنا.
***
(منزل ناصر الخواجا)
انتقل يوسف بثقل جسده على قدمه اليمنى أمام منزل جده مراقبا بصبر يحسد عليه صديقه الذي ما يزال منهمكا في تحريك كفيه بحدة وعنف، ملامحه نافرة بغضب جم لأسباب عدة غير مفهومة، وحسب ما التقطه من حركاته المسرعة الغاضبة؛ شقيقتاه وأخته نهيلة، مقهى شارع السلام ثم بهيج وفواز لكن التفاصيل!؟ ما يزال يحاول فك رموز طلاسم الطوفان الهائج أمامه دون نتيجة تذكر.
قرر بأنه اكتفى فالتفت إلى التي أصرت على البقاء على مقربة منهما على عكس أختها التي دخلت المنزل ترغي وتزبد من غباء ورجعية رجال العالم أجمع:
- ما الذي حدث بالضبط؟
تجعد جانب فمها بينما تعاتبه بضجر:
- أخيرا قررت السؤال؟ ما يزال الوقت باكرا!
- سلا!
نطقها بعتاب فتجمد الآخر حين لمحها تحرك كفيها مفسرة بهدوء عابس:
- أخذتنا نهيلة صباحا لجولة في غرف الحرف التابع للجمعية في منزل المرأة التي يناديها الجميع جدة جواهر، وحين عودتنا اقترحت سارة أن نقضي بعض الوقت في المقهى لتناول القهوة أو أي مشروب ساخن أو بارد لكن نهيلة رفضت لأن المقاهي هنا محصورة على الرجال وكعادة سارة تمردت ولم تصدق الأمر.
أصدر نبيه شخرة سخرية فرفعت حاجبها ترمقه بعبوس متسائل زفر له بغضب ونظرة متحدية.
- أكملي يا سلا..
تدخل يوسف فرمشت مرتين لتنفض عنها ما يعتريها من ارتباك في حضرته، تكمل حديثها بالإشارة:
- ونحن نتجادل اقترب منا رجلان، قال أحدهما بأنه صديقك المقرب بهيج...
شخرة بهيج تلك المرة خرجت من حلقه ساخرة بمرارة، فنظرت إليه بعبوس حانق.
- سلا انظري إلي وأكملي!
طلب منها يوسف بجدية فزمت شفتيها ثم تابعت:
- عرّفنا إليه وإلى الرجل الآخر، فأخبرته سارة بسبب وقوفنا هناك ليؤكد لنا الآخر؛ اسمه فواز على ما أذكر صحة كلام نهيلة، في تلك اللحظة ظهر صديقك غاضبا لا نعلم لماذا! حتى لم يمنحنا فرصة لنودع نهيلة المرعوبة لسببٍ نجهله أيضا واقتادنا كالنعاج..
فغر نبيه فمه بذهول استدعى البسمة على ثغر يوسف الذي حافظ على واجهة جدية، وهو يشير إلى صديقه:
- لماذا أنت غاضب يا نبيه؟ أنت سمعتها بنفسك لم يحدث شيء يستوجب ثورتك الغاضبة هذه!
زم شفتيه بحنق احمر له وجهه ليقارب احمرار شعره وذقنه ثم تأفف مشيرا بنفس الحدة:
- لا لم أسمع! هل نسيت بأنني أطرش؟!
ارتفع حاجبا يوسف يرمقه باستغراب فزفر بمقت ينفض طرفي سترته ثم أشار بيديه:
- نبه أختيك إلى أن لا تتبادلا الحديث مع كل من يقابلهما في الطريق ولو كانوا أصدقائنا ثم.....
تلكأ بكَبت انفجر فأشار بيديه قبل أن يغادر
- انظر إلى لباسهما يا رجل!
شيع يوسف خطوات نبيه الواسعة الغاضبة بمزيد من الحيرة.
- إنه رجل غريب!
جفل من سهوه والتفت إليها ليعاتبها بجدية:
- لم أرد إحراجك أمامه وأخبرك بأنه محق!
تفاجأت، واستفسرت منه باستنكار:
- محق!
هز رأسه مشيرا إلى ملابسها، معاتبا بضيق:
- سروال قصير يا سلا؟... قصير!؟
نظرت إلى سروالها تبرر بانزعاج:
- إنه يتجاوز الركبتين بقليل!
تأفف يوسف حانقا وتقدمها داخل البيت:
- هنا اسمه سروال قصير، وفستان سارة أيضا قصير، دائما ما أحذركما في ما يخص ملابسكما وسلوككما دون فائدة.
وجدا سارة في انتظارهما تحتل أحد مقاعد بهو الاستقبال، فتخصر يرمقها بعتاب مطت له شفتيها وهي تدس سماعات الهاتف داخل أذنيها بتجاهل.
- من فضلك يوسف لا تبدأ مجددًا! ملابسنا محتشمة.
تحدثت إليه سلا بانزعاج قلق فنظر إليها مستنكرا بسخرية:
- من وجهة نظر من تحديدا؟
زفرت بضجر ووالدتهم تنضم إليهم توجه حديثها ليوسف:
- يوسف!.. أريد التحدث إليك حالا بني!
- أمي نبهي عليهما في ما يخص ملابسهما...لا يجوز هذا! وهنا ستفتعلان فضيحة لسمعتهما.
صمتت سلا تنظر إليهما بترقب ووالدته تسحبه من ذراعه بينما تجيبه باستخفاف:
- ستتعودان على الوضع هنا، لا تقلق! تعال معي...هذا أهم!
تمشت سلا بتمهل ساهم أيقظتها منه أختها وهي ترفع رأسها، مزيلة غرتها الذهبية عن جبينها لترمقها بريبة من مقعدها:
- ماذا تريد منه بهذه الأهمية؟
توقفت سلا لتستند بظهر مقعد شقيقتها بينما تجيبها متنهدة بوجوم:
- ستقدمه قربانا لاسترداد حقها... هذا واضح!
- يا إلهي! .. يوسف لن يوافق!
عقبت سارة باستنكار عابس وشقيقتها تهمس لأحشائها الثائرة على عكس سكون واجهتها.
- ليته كان قربانا لمن تظنون، وليس لوحش يجيد التخفي بمهارة حرباء وبدهاء حية.
***
(منزل الجدة جواهر)
توقفت قدماه قبالتها لا يفصلهما سوى نصف متر، ولم يستطع الاقتراب منها أكثر. دقات قلبه نافرة وعضلاته متصلبة.
لماذا يفقد شجاعته وقوته أمامها فيرتعش صدره الضائق بأنفاسه؟
لماذا يشعر بالرماد يحترق داخل نظراتها ال... معاتبة له؟
لابد من أنه يهذي، لماذا ستعاتبه؟ ومَن مِنهما أحق بالعتاب واللوم؟
- حممممم.... كيف حالك؟
غبي! ألم يجد أفضل من ذلك ليقوله لها؟
- الحمد لله.
عاد للنظر إليها حين سمع همسها الخافت، ودفع الكلمات عبر حلقه ليلقي بما في جوفه مرة واحدة:
- ألم توافقي بعد يا ابنة الحلال؟
بللت شفتيها مطرقة برأسها ووجها المحمر خجلا، قدماها لا تطيعان غريزتها بالانصراف والابتعاد عن مصدر استنفار أحشائها:
- أخبرت والدي بردي...
- وأنا لم أرفض!
رد عليها بتحفز حين تحدثت بهمسها الخجول، فرمته بنظرة عابسة ذات معنى زفر له بقوة وهو يخبرها بنبرة حاول جعلها لطيفة لكنها خرجت بنفس حزمه المعتاد:
- الإنسان لا يتغير بين ليلة وضحاها، ومن يدري قد تكونين الحافز... حافز قوي!
ارتبكت بحياء من نبرته التي وكأنها رقت لكن حين طرفت إليه بنظرة خاطفة لم تكن ملامحه قد تغيرت ونظراته ما تزال وكأنها لا ترى غيرها.
- الحافز ينبثق من صميم القلب يا جرير!
انتفضت تقوى واستدارت إلى جدتها التي جاورتها بقامتها المقاربة لقامة حفيدتها لولا انحناؤها الذي يكاد يلمح، تناظر جرير بأنفة يتخللها الحنو فأطرق برأسه احتراما لها بينما يخاطبها بتهذيب:
- مرحبا بالجدة جواهر، أحضرت المنسج الجديد ومستلزماته.
تبسمت بحنو وإشفاق تسأله باهتمام بعد أن دعت له بخير الجزاء:
- جزاك الله خيرا بني لكن ألست منشغلا بالحصاد؟ لا أريد أن أحملك أكثر من طاقتك، وأخشى على صحتك.
رقت مقلتاه بتأثر لطالما شعر به نحو تلك المرأة، يجيبها ببعض الخجل الذي لم يفاجئ تقوى، فكثيرا ما كانت تراقبه كيف يتغير ليعود صبيا خجولا أمام جدتها:
- رقبتي فداك يا جدة جواهر، خفّت عن كاهلي المهام هذه السنة بسبب حصادة الحاج ناصر الخواجا الجديدة، فقد أقنع أصحاب الحقول المجاورة لخاصة زوجته المرحومة ونسيبه بحصد محاصيلهم، وقد وافقوا رغم شجارهم السابق معه حول رفضهم لبيع حقولهم له، لذلك رتبت برنامجي كي أريح جسدي...
هزت رأسها بغم أصابها فجأة ثم وجهت له حديثها الحازم:
- تريد الزواج بحفيدتي، يجب أن تكون على قدر مهرها يا جرير.
تكومت المعنية على نفسها خجلا وهو لا يستطيع لجم مقلتيه عنها كل مرة تفِران منه نحوها بينما يجيب الجدة باندفاع أعاد البسمة على ثغرها:
- وأنا على استعداد لتحقيق كل مطالبها يا جدة جواهر.
ضحكت ثم قالت له بنبرة حانية:
- لكن مهرها ليس مالا ولا جاها بني، مهرها زوجا صالحا وزواجا يشيد بما يرضي الله على أرض الأولى ليمتد بفضل الله إلى أرض الآخرة...
ثم رفعت رأسها بزهو تكمل بنبرة تشع محبة وتقدير:
- ولقد كان ذلك نفس اختياري صادقا لوجه خالقي، فرزقني بزوج عشت في كنفه أربعين سنة لم أشعر فيها يوما إلا بالعطف منه والرحمة والعزة، احترمني وأحبني وكذلك فعلت وكانت مواجهة صعاب الحياة معه يسيرة ومحتملة بفضل الله حتى بعد أن غادر وسبقني إلى دار الحق...
بسطت ذراعيها تشير إلى منزلها:
- لازلت أعيش بفضل الله في عزة وكرامة كان هو وأصله الكريم السبب فيهما، فها هم أهله الذين هم أنفسهم أهل الفقيه عبد العليم رفضوا أخذ حقهم في أرث ابنهم ومشاركتي فيه أنا وابنتي، بل وساندوني حين قررت استغلال المنزل لدعم النساء وتعليمهن ما ينفعهن في مواجهة العوز والفقر، وما يزالون يراعونني ويساندونني إلى الآن....
كان مطرقا برأسه كطفل مذنب وتقوى ترميه بنظرات خاطفة بينما تطرق برأسها هي الأخرى.
- طريق الحق لا يأتي سوى بالخير والبركة مدى الحياة وبعد الانتقال إلى الدار الآخرة، فلا تلم حفيدتي على طلبها بل لم نفسك لأنك ترفض الحق، وإن احتجت لعون فالجأ إلى الله ثم ابحث عنه في صحبتك.
رفع رأسه إليها ليستقبل منها نظرات ملؤها العتاب صاحبتها خيبة يعرف سببها جيدا بينما هي تكمل بحزن:
- لطالما شهدت لك بقوة إرادتك، لقد تحديت صعابا لم يكن لطفل في مثل عمرك في الماضي أن يتحداها ويخرج منها منتصرا رافعا رأسه بين الناس، أنت أقوى مما تظن! ومن بين كل الناس أنت بالذات تستطيع جمع أصدقائك وشتات نفسك يا ابن العسكري!
قرأ تلك الخيبة التي شوهت صفاء نظراتها فاتسعت مقلتاه بادراك متأخر... متأخر جدا ففتح شفتيه لا يدري هل يدافع عن نفسه أو يطلق سراح أنفاسه المنحسرة في صدره؟ لهث بصدمة شوهت معالم وجهه الصارمة فعقدت تقوى جبينها بريبة والجدة ترفع يدها لتكمل بحزم تكاد مقلتاها تدمعان:
- شكرا لك بني، يمكنك الانصراف... لا أستطيع إطعامك الآن فالبيت مليء بالنساء.
ثم قبضت على كف حفيدتها المستغربة من حديث جدتها، تعرف أنها لا تلقي بكلمات دون معنى، تاركتان الآخر غارقا في صدمته قبل أن يجفل منها على نداء مؤنس قرب المدخل الخارجي.
***
(منزل ناصر الخواجا)
أغلقت باب غرفتها واستدارت إلى ابنها الوحيد الذي ترى فيه بطاقة نصرها، قلبها يلومها على ما تفرضه عليه لكنه الطمع! لطالما كان له أقنعة يتخفى بها كدافع قوي للنفس وستارة تعمي البصر.
- هل قررت يا يوسف؟
رفع رأسه يتأمل كل شيء في الغرفة إلا هي؛ غرفة واسعة يغلف جدرانها ورق أخضر عليه رسوم شجر الأرز بلون أبيض، والسرير المزدوج بمرتبة مرتفعة يغلفها غطاء قطن فاخر يطغى عليه اللون الأخضر كالستارة الملكية على النافذة المحتلة لنصف الجدار، والخزانة ضخمة كالمناضد الثلاث وقاعدة السرير مذهبة بنقوش شبيهة بزهرة أشجار الأرز.
- أنا أحدثك يا يوسف!
تنهد مرسلا نظراته إليها بتعبير واحد *الرفض*، فزفرت بتوتر وهي تضم ذراعيها إلى صدرها بأناقة تضيف:
- لا تنظر إلي هكذا!
ارتفع حاجبه ببعض الدهشة المتعمدة وهو يسألها:
- هكذا كيف؟
والدته دوما أنيقة، وجميلة، جميلة جدا في الحقيقة! ومن منهم ليس كذلك! كاد يسخر من نفسه ضاحكا بمرارة لولا ملامح والدته التي تحولت إلى عصبية بينما تهتف بنبرة حرصت على خفضها:
- لا تنظر إلي بلوم هكذا، كل ما أطلبه منك لأجلك ولأجل شقيقتيك.
ازداد حاجبه الأسود ارتفاعا، فتابعت بحنق:
- إنها أموالك وشقيقتيك مثل ما هي أموالي... رباه! ألا أستحق منك دفاعا عن مصالحي ... فأنا والدتك!
تنفس بعمق يحني عنقه متأملا كعب حذائها الأسود، والدته أنيقة جدا لا يستطيع إنكار ذلك، حتى بحجابها تتقن اقتناء ما يناسب جسدها عبر مراحلها العمرية.
- يوسف!
نفض عن رأسه ما يحاول إشغاله به عن الغضب كما تعود الفعل ثم حدق بها بينما يقول لها واجما:
- ماذا لو أخبرتك بأنني لا أستطيع دفع ثمن استرداد حقك أمي؟
فتحت شفتيها وكأنها ستتحدث لكنها اكتفت بتحريكهما، وكأن الكلمات تهرب منها أو صوتها فر منها تاركا إياها أمام ابنها الذي يناظرها بتوسل لتتفهمه.
- ماذا لو كان الثمن الذي سأدفعه باهظا بالنسبة لي ولا يستحق كنوز العالم أجمع؟ ماذا سيكون ردك والدتي؟
- وماذا يعيب زواجك بفتاة جميلة وذات أصل؟ هل تحب فتاة ما؟ أخبرني يا يوسف.
اقتربت منه مستفسرة بقلق لاهث:
- هل هي ابنة جاكلين الكبرى؟ أرجوك يوسف أجبني؟
هز رأسه متعجبا وحائرا من قلقها الشديد بينما يجيبها:
- بالمناسبة، أنا أجهل سبب قطعك لعلاقتك بصديقتك فجأة، لكن لا! أنا لا أحب لا ابنة جاكلين ولا غيرها! أنا أحدثك عن نفسي يا أمي وموقفي نحو الأمر بأكمله.
تعمق الأخدود بين حاجبيه الأسودين، مراقبا والدته كيف ضغطت على بطنها وهي تتنفس براحة، فيتساءل بتعجب أ لتلك الدرجة يهمها حبه لابنة صديقتها من عدمه؟ أم أن راحتها نابعة من عدم حبه لفتاة من الأساس؟
- جيد! إذن لماذا ترفض الزواج من شقيقة زوجة جدك؟
امتعض وسألها باشمئزاز تمكن منه رغما عنه:
- أتسألين حقا؟!
ارتبكت تسوي ثنايا وهمية على طرحتها وهي تدافع عن موقفها:
- أعرف أن جدك تزوج من فتاة صغيرة لكنه زواج في النهاية وبموافقتها وموافقة أهلها، كل ما يهمني الآن هو ممتلكات أمي ووالدي كان واضحا معي... زواجك من شقيقة زوجته سيمكنه من بسط سلطته في الوادي، كما أنه شرطه ليكتب أملاك والدتي باسمي...لقد عدلت عن قراري وعدت خصيصا من أجل ذلك، حتى أنني تشاجرت مع والدك بالله عليك يا يوسف!
فقد صبره ودنا منها، يعاتبها بقسمات متكدرة رغم نبرته الهادئة الجافة:
- أجل أمي... لقد تشاجرتِ مع أبي وغامرت بمكانتك لديه، والله أعلم إن كان سيسامحك أم سيظل متذكرا كيف رفضت زيارة الوطن من قبل حتى حين مرض جدي إبراهيم ثم وفاته لم ترافقيه إلى مدينة الجبال.
قاطعته مدافعة عن نفسها بقوة:
- لقد شعرت بالخزي، ما اقترفه عمك من جرائم لا تغتفر، ولم أستطع رفع رأسي بين الناس هناك.. أنا ابنة الحاج الخواجا يشار إليها بانتمائها لعائلة آل عيسى... عائلة ذلك المجرم!
تخصر يوسف يدافع عن أهله هو الآخر:
- لقد تجاوزوا ذلك يا أمي، تجاوزوه بسمعتهم الحسنة وتمكن إبراهيم ابن المجرم من رفع رأس العائلة بفضل الله بين الخلائق، فلا أحد من العائلة يشبه عمي الأكبر وأنت تعلمين ذلك، وها هو إبراهيم عضو في مجلس النواب في منصب أرقى حتى من منصب جدي.
قاطعته مجددًا تبسط كلا ذراعيها:
- لا أنكر ذلك، وها أنا ذا عدت أيضا!
التوت شفتيه بسخرية مريرة وهو يجيبها:
- أنت عدت من أجل مصالحك أمي...
- وهل يعد ذلك عيبا؟ إنها أملاك أمي يا يوسف وما تبقى لي منها! لن أسمح لأحد بأن يرثها غيري...
أسدل جفنيه وتقدم أقرب منها حتى لم يعد هناك مسافة ملاحظة بين وجهيهما، يخبرها بخفوت وكأنه يخجل مما يتلفظ به:
- ليست أملاكك وحدك أماه، هناك شريك لك راقد على سريره لا أحد استطاع معرفة علته هو وابنه الذي يصغرني يجوب الشوارع بدون عقل...
بللت شفتيها ومقلتاها تنذران بدموع وشيكة، تهمس له بتقطع:
- زوجته ترفض أي مساعدة مني، إنه خالي الوحيد ولأنه من نفس عمري أحببته كأخ لي، زوجته ترفض أي مساعدة منا ولا حتى المساعدة في معالجة زوجها وابنها...
هز رأسه ونظراته تغيم بنفس الوجوم وهو يجيبها بخفوت حازم:
- وهذا أدعى لأن نكتشف السبب، لماذا تقاطعنا بكل تلك العدائية؟ وأيضا جدي لم يكن من حقه استغلال حب جدتي له ويطلب منها كتابة نصيبها من الحقول باسمه؟
تدحرجت الدمعة على خدها وهي ترد عليه بتردد، فاقدة للحيلة:
- كان...
لم يدعها تكمل بينما يقول لها متمعنا النظر في مقلتيها الدامعتين، يحاصرهما بحزم علّها تتفهمه دون أن يدمر استقرار حياتهم:
- أعرف أمي! أقنعها بذلك حتى لا يرث معك أهلها وتبقى حصتها كلها لك وحدك، ومع مُصاب خالك فهو المتحكم في كل شيء بتوكيل من زوجته التي تكره جدي كره العمى وكل من يقرب له، ألا يجعل هذا عقلك يفكر ويطرح أسئلة أماه؟ فأنت ذكية جدا ولماحة!
تجمدت ترمقه بحزن لا يتحرك فيها سوى بؤبؤاها المتحركين تأمُّلا لسواد عيني ولدها، ودموعها التي توالت على خديها:
- كيف يملي عليك الآن شروطا ليسلمك ما هو حقك وحق خالك وابنه؟
اكفهر وجهها بكره سمحت له بالظهور أخيرا بينما ترد عليه بغل:
- زوجته الحقيرة!
هز رأسه متابعا بوجوم:
- ما أراه حقا أن أفكارها تتوافق مع أفكار جدي كثيرا رغم فارق السن الشاسع بينهما، وكونك تفكرين بأنها حقيرة يجعلني مستغربا جدا من دفعك بي للزواج من أختها؟ فأنا متيقن من حبك لي أماه...
قاطعته بضم وجهها وهي تبكي بألم، وتهمس له بقلة حيلة:
- أجل أحبك كثيرا بني... لكن ماذا أفعل؟ هل أترك كل شيء يضيع مني؟ إن لم يكن حقي بتلك الأهمية فماذا عن حق خالي عبد التواب؟ هل أتركه يضيع لتستولي عليه فتاة لا تكبرك سوى بعامين لأنها تستغل مكرها وفتنتها؟
زفر بكدر وحزن عميق، والدته محقة، لكن!
- ثم أنت تجهل ما أفكر فيه.
تشنجت ملامحه، يخبرها بانهزام:
- بلى أنا أعرف أماه....أنت تنوين الغدر، وأن أطلق بعد أن يصبح كل شيء في متناول يدك..
هزت كتفيها وأطلقت سراح وجهه، تقول له بتصميم وهي تمسح دموعها:
- كل شيء مسموح في الحرب...
- هذا هو!... كل شيء مسموح في الحرب.
أكد لها بغموض كئيب فنظرت إليه باستفسار أطرق له برأسه يفكر بغم... إنه فخ محكم قد لا ينفذ منه إلا بدمار شامل.
- فكر يا يوسف ولا تسقط أمر خالي من حساباتك فأنت رجل! وفي النهاية تستطيع التحكم في مصير هذا الزواج، ولا أظنك ستخسر الكثير فالفتاة صغيرة وجميلة، وقد لا تكون شبيهة بشقيقتها.
- لو فقط تعرفين ماذا سأخسر؟
غمغم فسألته بقلق:
- ماذا قلت؟
رفع رأسه عاليا يتنفس ثم قال لها بنبرة جوفاء:
- سأفكر أمي... لكن لا تعتمدي على موافقتي الأكيدة.
غادر متقدما والدته التي تأخرت عنه قليلا لتتأكد من محو آثار دموعها، وفي تلك اللحظة التقى برواند في الرواق تبتسم له بتأثر واضح قابله بجموده المعتاد، فاقتربت منه تهمس له بنعومة:
- وافق على طلب والدتك وجدك يا يوسف ...لا حل آخر أمامك.
ثم لمست كفه بخفة مما جعله يتراجع بنفور، لكنها كانت قد سبقته متجاوزة إياه لتلقي التحية على والدته التي ابتسمت لها ببرود غافلة عما يحدث وهي ترد عليها:
- مرحبا يا رواند...
زفر بغضب وتوجه إلى غرفته وكل تفكيره ينحصر في مشكلة واحدة، خال والدته.... كم يسهل عليه إقناع الأخيرة بالرحيل حتى لو اضطر لإخبار والده بكل شيء كي يجبرها على الرحيل فهم ليسوا بفقراء وحتما يستطيعون العيش من دون حقول جدته رحمها الله، لكن خاطرا واحدا يشل تفكيره ويحد من أفكاره الثائرة والمطالبة بانتقام لائق؛ خال والدته عبد التواب وابنه..... علوان!
***
(أمام منزل الجدة جواهر.)
- ماذا تفعل هنا يا مؤنس؟
سأله حين قطع المسافة من داخل الرحبة الخارجية لبيت الجدة إلى الشارع حيث أوقف جراره بعربتها.
- لقد كنتَ محقا يا جرير، هناك من دفع من أجل شعر علوان.
أطبق فكيه بقوة وزمجر وهو يعتلي جراره فتسلق مؤنس الدرجة الحديدية ليجاوره مستدركا بحيرة:
- أنت تعرف هوية من فعلها؟ أليس كذلك؟!
- ليس بالضبط... لكن لدي فكرة أو مجموعة من الأفكار.
رد عليه بسخرية بادلها إياه مؤنس وهو يحدثه بعقلانية:
- ما تفكر فيه جنون لن يتقبله أحد، أرح نفسك.
نظر إليه جرير ليخاطبه بغضب فاجأ مؤنس:
- أجل يعتبره الجميع جنونا بينما نسبة غير قليلة منهم يتعاطاه ويصدق به، أليس هذا هو الجنون بعينه؟
- إنه النفاق الاجتماعي يا ابن العم! وله أوجه مختلفة ليس فقط عالم الشياطين..
ضرب جرير مقوده بعصبية، يهتف:
- ليس هذا وقت فلسفتك يا مؤنس!
- لماذا أنت غاضب هكذا؟
سأله مؤنس مستغربا فرد عليه بغل:
- لأن صمتنا سلبية... ضيّعتْ الكثير وسيضيع أكثر! هي محقة! لقد غفلت ونسيت فضاع الكثير....كان علي المحاولة... من بين كل الناس.. أنا كان علي المحاولة.... إنها محقة! وأنا مجرد أناني بائس!
زفر بقوة ومؤنس جامد مكانه، يرمقه ببلادة قبل أن يقول له بحذر:
- حسنا أنت غريب اليوم! من هي المحقة؟ وما بك؟
مسح على وجهه بحدة فاستدرك مؤنس، مشيرا إليه:
- وجهك أحمر بما فيه الكفاية، دعه بسلام وأخبرني ماذا تقصد؟
دس المفتاح في مكانه وأشعل المحرك بينما يقول له قبل أن يحرك قطعة الحديد الضخمة، وابن عمه يتمسك بظهر مقعد جرير كي لا يقع:
- لابد من أن أبدأ من مكان ما،....علوان ربما!
***
(منزل ناصر الخواجا)
كان على وشك الخروج حين ناداه جده من غرفة الجلوس فتنهد بتعب قبل أن يستجمع نفسه، عائدا إليه:
- كيف حالك يا بني؟ هل استقريت جيدا؟
بادره بينما ينحني ليقبل رأسه فرد عليه بأدب:
- الحمد لله يا جدي وأنت كيف حال صحتك؟
ربت على صدره ولمعت مقلتاه بمرح لطالما اتسم به فيمنحه مع جمال خلقته سنا أصغر من سنه الحقيقي، والذي جاوز السبعين بسنتين:
- بصحة وعافية الشباب... الحمد لله.
ابتسم يوسف بهدوء، يعقب:
- زادك الله من فضله جدي، أعتذر إليك يجب أن أخرج الآن.
- أنا أريد التحدث معك في موضوع مهم للغاية لكنني منشغل بالحصاد..
هز رأسه بتفهم بينما هي تدخل عليهما بفتنتها التي لا تستحي من إظهارها للعيان.
- إن شاء الله يا جدي... أعانك الله.
رفع جده رأسه استجابة للفتنة التي أهلت عليه فتتسع بسمته باسطا ذراعه نحوها بإشارة استدعاء صامتة بينما هي تقول له بنعومتها الخادعة للجميع باستثناء يوسف:
- مرحبا حبيبي ... متى جئت؟
أخفى يوسف اشمئزازه واستأذن باقتضاب غادر بعده تصحبه كلمات جده الرقيقة التي إن دلت على شيء فهو غرقه في عشق من يحدثها حد العمى:
- وصلت قبل قليل، حبيبة قلبي رواند.




noor elhuda and Abeer flower like this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 28-11-24 الساعة 03:23 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 11:01 PM   #187

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,611
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rinalka78 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ناطرة الفصل انا ماما من كتر ما حكيت عن كتاباتك اتشجعت وصارت بدها تقرا ليك حتى عملت عضوية بالمنتدى خصيصا لتقرأ فصولك ورجينا ابداعتك 😘😘😘
🌹🌹🌹🌹
حبيبتي اهلا بيك وبالست الوالدة ... اتمنى اشرفك يا قمري شكرا لك


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 11:07 PM   #188

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,611
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 93x( الأعضاء 33 والزوار 60)‏**منى لطيفي (نصر الدين )***, ‏Warda123, ‏sira sira, ‏affx, ‏رغدجني, ‏Shaima Esam, ‏Qhoa, ‏اللؤلؤة الوردية, ‏Abeer el, ‏lotus baka, ‏رانيا خالد, ‏سيد النساء, ‏شوشو 1234, ‏leria255, ‏فديت الشامة, ‏ghdzo, ‏ahmedman2010, ‏smsm nono, ‏ام الارات, ‏darkfury, ‏Fatma Mahmoud 99, ‏نوره خليل, ‏نائلة نصر, ‏simsemah, ‏رانيا زهير, ‏Monya05, ‏الياسمين14, ‏Better, ‏بوفرديا, ‏rowdym, ‏Romance 18, ‏Reem1997+, ‏ام توتا

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 11:10 PM   #189

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

يسعد مساكي يا اميرة عشق
تسجييييييييل حضوووووووووووور

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 93 ( الأعضاء 33 والزوار 60)
‏ضحى حماد, ‏بوفرديا, ‏Warda123, ‏sira sira, ‏affx+, ‏رغدجني, ‏Shaima Esam, ‏Qhoa, ‏اللؤلؤة الوردية, ‏Abeer el, ‏lotus baka, ‏رانيا خالد, ‏سيد النساء, ‏شوشو 1234, ‏leria255, ‏فديت الشامة, ‏ghdzo, ‏ahmedman2010, ‏smsm nono, ‏ام الارات, ‏darkfury, ‏Fatma Mahmoud 99, ‏نوره خليل, ‏نائلة نصر, ‏simsemah, ‏رانيا زهير, ‏Monya05, ‏الياسمين14, ‏Better, ‏rowdym, ‏Romance 18, ‏Reem1997, ‏ام توتا


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-19, 11:13 PM   #190

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 95 ( الأعضاء 33 والزوار 62)
‏ضحى حماد, ‏shammaf, ‏Warda123, ‏sira sira, ‏affx+, ‏رغدجني, ‏Shaima Esam, ‏Qhoa, ‏اللؤلؤة الوردية, ‏Abeer el, ‏lotus baka, ‏رانيا خالد, ‏سيد النساء, ‏شوشو 1234, ‏leria255, ‏فديت الشامة, ‏ghdzo, ‏ahmedman2010, ‏smsm nono, ‏ام الارات, ‏darkfury, ‏Fatma Mahmoud 99, ‏نوره خليل, ‏نائلة نصر, ‏simsemah, ‏رانيا زهير, ‏Monya05, ‏الياسمين14, ‏Better, ‏rowdym, ‏Romance 18, ‏Reem1997, ‏ام توتا


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:01 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.