01-05-18, 03:02 AM | #11 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| حين جنح الليل يسبل اهدابه على الدنيا .. كان رامز يجر قدميه بارهاق وهو يدخل الى الحارة الصغيرة التي يقطن بها منذ شهور .. يتأمل البيوت القديمة المتراصة بغير تنسيق .. مستغلة كل مساحة ولو حتى صغيرة لاقامة بيتا للسكن .. الشارع ضيق لا يصلح لدخول سيارة والشرفات المتقابلة تكاد تلمس بعضها .. رائحة الصرف تزكم الانوف من أول دخولك للشارع.. لكن أنفه اعتاد عليها فاصبحت أقل حدة عما قبل .. يدعو الله ان يفلت من الست نرجس صاحبة الشقة التي يؤجرها والتي تلح على إيجار الشهرين الماضيين .. بتحفز دخل البيت القديم ذو البوابة الصغيرة الصدئة المدفون نصفها في الأرض .. يمشي ببطئ وخفة حتى لا يصدر صوتا .. اعتلى درجات السلم بهدوء وحين وصل للطابق الاول اخرج مفتاحه في الظلام يشتم في سره الست نرجس التي تهمل وضع مصباح أمام الشقة . حاول التركيز في الظلام ليرى مكان المفتاح ... فسمع اسمه يتردد من خلفه فالتفت ليجد رأسا يشتعل في الظلام في هالة زرقاء على وجه تغمره المساحيق.. في رعب ارتد للخلف يلتصق بالباب مرددا البسملة وسلام قولا من رب رحيم .. فنطلق صوت نسائي بضحكة رقيعة مرعبة ميزه عقله ليهدأ قليلا فهي الست نرجس ! .. حركت نرجس الهاتف بيدها قليلا نحو الباب مسلطة الضوء الازرق الصادر منه على موضع المفتاح لتسمح له بالرؤية..ففتح رامز الباب وأضاء نور الصالة ليتسرب الضوء الى السلم حيث تقف نرجس امراة تخطت الاربعين ترتدي ملابس ضيقة وتصبغ شعرها بلون أشقر يتناقض مع لون بشرتها الخمرية ليعكس بشرتها بلون صدأ الحديد . تأمل وجه الست نرجس ممتعضا وهو يتساءل هل تنام باطنان المساحيق هذه على وجهها !!... اخرجته الست نرجس من شروده لتقول بصوت به دلال " تأخرت علينا يا استاذ رامز ..بتنا لا نراك هذه الايام .. تخرج باكرا وتأتي متاخرا متخفيا مثل اللصوص " رد رامز بإرهاق " انا ابحث عن عمل يا ست نرجس حتى ادفع لك اجرة الشقة وقد وفقني الله اليوم .. فقط اصبري قليلا وسادفع لك كل المتأخر". ردت نرجس بدلال وهي تقترب منه واضعه كفها تلمس رقبته بميوعة " اريد الحديث معك يا استاذ رامز في هذا الشأن ما رأيك هل تستضيفني في شقتك ام استضيفك انا .. فأنا جهزت عشاء فخما لنا وحدنا نأكل ونتحدث ولن تحمل بعدها هما للايجار" ابتعد رامز بتحفز ملقيا يدها بعيدا بعنف واضح ثم قال بحزم " شكرا ست نرجس أنا متعب وأريد النوم وقد التهمت عشائي بالخارج تصبحين على خير " هم باغلاق الباب لولا يد نرجس التي قاومت اغلاقه وقالت بشراسة وقت تغيرت ملامحها لتبدوا اكثر ارعابا "اذن ما دمت لا تريد التفاهم فاعلم انني قررت ان أتيك بزميل في السكن " رد رامز بهلع " كيف والشقة تحتوي على غرفة واحدة وصالة !" مطت نرجس شفتيها وقالت " الغرفة تحتمل سريرا آخر.. وسأؤجرها لشاب مثلك تستطيعا تقاسم الغرفة وقد يسليك وجود شخص معك بدل من أن تُجن وانت تكلم الجدران " هتف رامز برعب " يا ست نرجس انا قلت لك مرارا لا اسكن في شقق مشتركة مع احد وأني تركت مسكني السابق لنفس السبب ووافقت على إيجار هذه الشقة بالرغم من انه مرتفع قليلا عن اسعار السكن في المنطقة فقط لأني لا أشارك أحدا السكن " هزت نرجس ساقها بتململ ثم قالت " اذن سأزيد الايجار قليلا.. سأمهلك اسبوعا واحدا لتدفع ما عليك والا سأتيك بشريك بالغرفة .. لا تؤاخذني استاذ رامز انا لا افتح بيتي ملجأ للايواء .. انه ما تبقي لي من زوجي المرحوم ..فأعيش على الدخل الذي يأتيني منه " ثم بدأت في البكاء مستطردة " وانا كما تعلم وحيدة ليس لي ظهر ولا سند في هذه الدنيا - مثلك بالضبط - وأنا ... " قاطع رامز حديثها بحزم " يفعل الله ما به خير تصبحين على خير ست نرجس " واغلق الباب في وجه نرجس الممتقع في غيظ . اسند جبينه في يأس وارهاق على الباب بضع ثوان .. ثم استقام ليغلق ثلاث اقفال مثبته بالباب .. ليتحرك من الصالة الضيقة ذات الاثاث البسيط المتهالك ويدخل غرفة نوم تفوح منها رائحة السنين .. لا تحتوي سوى على سرير صغير .. وسجادة قديمة متأكلة الأطراف .. ومرآة صغيرة مثبتة على الحائط .. وفي اقصى الركن حقيبة ملابس حديثة مفتوحة تحتوي على ملابس منظمة بشكل ملفت .. جلس رامز على السرير وخلع حذاوؤه بتأوه فظهرت قدميه صغيرين ناعمتين تحمل كدمات من كثرة المشي .. ثم وقف وافرغ ما في جيبه .. بضع نقود قليلة .. وجواز سفر سقط مفتوحا على السرير مكتوب بداخله (رامز عبد الله الخازن ) . ترك الغرفة ودخل الحمام الصغير الي يلف جدرانه مواسير صدئة متآكلة ككل ما تحتويه الشقة .. اكمل خلع ملابسه .. البنطال .. البلوزة الطويلة .. البلوزة ذات الاكمام والرقبة الطويله .. فظهر جسد ابيض حليبي يلتف حوله الكثير من القماش كرباط حول جزعه .. فك القماش من حوله طبقة .. طبقة .. الطبقات كثيرة اخدت تملأ ارض الحمام طرفا في الارض والاخر لم يظهر بعد فمازالت يديه تحرر الطبقات ليظهر خصرا اكثر نحولا بمراحل عما يبدو امام الناس. ويحرر شيء اخر مسحوق تحت طبقات القماش.. يحررنهدين أنثويين انسحقا تحت الطيات الحازمة !.. نهدان يئنان من السجن والقروح كباقي الجسد .. وعند اخر طرف للقماش ظهر جواز سفر اخر كان مخبأ هناك ..وضع بحرص على الحوض .. وصوت ماء الاستحمام ينزل على الجسد المتقرح في أنات صامتة عاجزة .. بعد دقاىق كانت بالغرفة مرة اخرى تضع جواز السفر الآخر بجانب الأول على السرير وشعرها الذكوري القصير يقطر بالماء .. ترتدي اسدال الصلاة تصلي صلوات اليوم جملة واحدة ثم تسجد ترفع يديها للسماء " ربي انت تعلم كيف حالي .. فهل يارب من فرج قريب " تمتمت ببعض الأدعية الاخرى ثم استقامت يتلهمها الجوع فأخرجت من جانب السرير كيساً به بعض الخبز اليابس وبعض الجبن الابيض ملفوفا بورقة ... رفعت قدميها على السرير .. وضمت ساقيها امامها .. واخذت تأكل في صمت بجوع مهلك .. وعينيها المرسومتين تحت أهدابها الكستنائية تذرف دمعا صامتا .. وبجانبها جواز السفر الاخر مفتوحا قليلا .. وصورتها تنعكس فيها بالحجاب مكتوبا بجانبها .. ( بانة عبد الله الخازن) ... نهاية الفصل الأول | ||||||
01-05-18, 03:15 AM | #13 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| الفصل الثاني في المساء ترجل أحمد من سيارته أمام منزله في الحي الشعبي نسيبا وصوته يهدر في الهاتف . " حسنا يا امي .. اذا لم تصل آية خلال نصف ساعة لن أمررها على خير .. كلا .. سأجلس مع الشباب قليلا .. طمئنيني بالله عليكي .. في رعاية الله . اغلق الهاتف وأدار رأسه يمينا الى حيث مبنى المقهى المصمم على طراز حديث و الذي يقع أمام عمارة والده .. رفع رأسه ينظر الى الدور الثاني بالتحديد من مبنى المقهى حيث الإنارة مضاءة .. زفر في حنق وهو يخترق المقهى ذو الابواب الزجاجية دون ألقاء السلام على مريديه .. الذي يعرف معظمهم من اهل الحي .. المقهى من دور واحد واسع وعلى طراز شبابي حديث يملكه سيد صبرة أو بمعنى ادق والده البخيل الحاج صبرة .. استقبله الفتى طأطأ صبي المقهى بالترحيب فأشار اليه أحمد وهو يتجاوز الزبائن الى آخر الممر ليعتلي سلم خشبي داخلي يصل للدور العلوي. أشار أحمد لأنفه وهو يتجاوز طأطأ "رائحتكم بن محروق .. أريد شايا لن يعجبني هذا البن " اعتلى الدرج بسرعة الى حيث ( خٌن الاوغاد ). في الدور العلوى يجتمع الاوغاد الثلاثة وهو رابعهم كما يطلقون على انفسهم منذ ... لم يعد يعد السنين .. مر بذاكرته كشهاب خاطف كيف كان هذا المكان منذ بعض سنوات هو مجرد سطح للقهوة القديمة يجتمعون فيه ويتسامرون .. على السطح ضحكوا وبكوا وتعاركوا .. اطلقوا أحلاما ووعودا .. منها ما تحقق .. ومنها ما طار وتحرر من الذاكرة مع السنين أومازل القيد الانتظار .. وأكثرها ما اعتقل في الوجدان تحت عنوان امنية مستحيلة !.. ما أن لمحه الاوغاد الثلاثة الجالسين أمامه يدلف الى الغرفة حتى كتموا ضحكاتهم وتظاهر كل منهم بعمل شيئ فبادر أحمد موجها الكلام لسيد "كنت اعلم انك لن تمررها دون اخبارهم كامرأة ثرثارة " انفلتت الضحكات من فم سيد ولم يقدر على كتمانها اكثر فانفجر الجميع تباعا في الضحك عمرو ووائل واخيرا أحمد نفسه . بعد دقائق وضع طأطأ الشاي على المنضدة فنظر إليه أحمد بعينين نصف مغلقه ليقول " هذا الشاي لقط رائحة من البن المحترق .. أحضر لي كوبا آخر " رفز الفتى طأطأ ذو الثامنة عشر عاما وهو يرفع عينيه للسماء يقول هامساً بصوت مسموع " ها قد بدأنا " ثم نظر لأحمد وقال كأنه يعامل طفلا صغيرا " يا باشمهندس أحمد أنف الأنسان لا يستطيع أن يلتقط من هذه المسافة أن الشاي يحمل رائحة بن محروق من الممكن أن تكون متأثرا برائحة البن المحروقة في الهواء " سحبه أحمد من مقدمة قميصه البسيط ليقرب وجهه إليه ويقول في هدوء غاضب " أقول لك أن الشاي رائحته بن محروق .. فتطيع بدون نقاش " هم طأطأ بالجدال لكن صوت سيد جاء حازما يأمره بأحضار كوبا آخر .. فرفع الشاب الكوب وهو يبرطم بصوت مسوع .. فلحقه أحمد بصوته وهو ينزل من على السلم " أيضا هناك رائحة سمك او فسيخ تأتي من مكان ما تحت .. وهي واجهة سيئة لمقهى محترم " شحب وجه طأطأ وهو يتجول بنظره بينهم ..ثم ينزل السلم بسرعة متحاشيا نظرة سيد المتوعده . ضحك الأربعة وصوت عمرو يقول " أنت وأنفك اللعينة ! " مال وائل على سيد يسأله باهتمام عن سر قلقه فلم يبادره بالرد واكتفى بالانشغال بهاتفه والاتصال بشخص ما بدون اي رد .. تأملهم أحمد وهو مستندا إلى ظهر الكرسي في استرخاء يحدث نفسه..كبرنا يا اوغاد .. كبرنا وتغيرنا .. ويبدو اننا سنودع حقبة اخرى من حياتنا لنبدأ في مرحلة جديدة .. ها هو سيد .. الولد الشقي سيتزوج قريبا .. ترى من القادم انا أم عمرو ؟ .. اذا كان الامر بحسب الأكبر سنا فاهو وائل اكبرهم ذو الستة وثلاثين عاما متزوج منذ عشرة سنوات .. وسيتبعه سيد ذو الثلاثة وثلاثين عاما قريبا .. اذن ربما اكون انا القادم او عمرو فكلانا نبلغ من العمر واحد وثلاثين عاما .. عليّ ان اتملص من ترشيحات الحاجة أمي اكبر وقت ممكن لاتمتع بالحرية . اتاه صوت وائل يميل على عمرو المستغرق في الشاشة البلازمية العريضة امامه المثبتة على الحائط يبارزه في احد الالعاب الالكترونية القتالية .. تحدث وائل بصوت يتعمد الاغاظة " امس في سهرة الأُنس كانت هناك فتاة بشعر طويل اسود كانت مبهرة تذكرتك على الفور وقلت عمرو يحب ذوات الشعر الاسود الطويل .. جرب وشاركنا يوما يا شيخ عمرو" .. بادره عمرو بنظره جليدية ثم عاد للتركيز في الشاشة محركا المتحكم الالكتروني للألعاب " لست شيخا .. وتعلم أني لا احضر هذه السهرات " . على ذكر الشعر الاسود لاح وجه بملامح مرتعبة وشعر اسود وعينان مرسومتان باستفزاز لا يليق برجل في مخيلة أحمد .. هناك امرا ما غريبا بهذا الفتي يتخطى الفضول الطبيعي تجاه انسان تقابله من بلد أخرى .. كما أنه صاحب على مدى حياته مختلف الجنسيات العربية.. لم يشعر أبدا بهذا الفضول .. ثم أن هيئة هذا الفتى عجيبة.. ربما يكون صغير السن تحت العشرين مثلا .. تلاشت ملامح الفتى المرتعب من امامه على صوت طأطأ الذي دخل عليهم يلهث بفم جاف وهو يشير بيديه في هستيريا " الاستاذة آية ... الأستاذة آية تتشاجر في الشارع " . يتبع | ||||||
01-05-18, 03:25 AM | #14 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| هب الجميع في سباق على السلم للوصول إلى الشارع .. كان أولهم واسرعهم سيد الذي خرج متحفزا يشهر قبضته بجسده العريض وطوله المماثل لطول أحمد لكنه اكثر ضخامه منه كاجساد المصارعين .. بحث يمينا ويسارا وحين لمحها على اول الشارع اسرع الخطى .. ثم طباطأت خطواته بمجرد ان أقترب حيث وقف يراقب المشهد في هدوء رافعا حاجبا متسليا وقد انضم إليه وائل وعمرو .. آية تتشابك بالايدي مع شاب صغير سائق عربة اجرة صغيرة ذات ثلات اطارات التي تستعمل بين الشوارع الداخلية في الاحياء الشعبية .. وفي هذه اللحظة بالذات كانت تشده من شعره وتضربه بركبتها في بطنه والشاب يتلوى من الألم وتخرج من فمه كلمات غير مفهومة . وجهت آية بعد سيل من السباب والاستحقار من بين اسنانها الكلام للسائق " هذا لأنك لا تعرف من هي آية سماحة " .. حين وصل أحمد أخرهم بسبب ألم ركبته وجد الجميع مسمرين يشاهدون في صمت ويكتمون الضحكات .. اكملت آية حديثها في غضب وعصبية " فلست انا من تتحرش بها بالفاظ لا تليق يا ابن ( .... ) " . كتم كل من وائل وعمرو ضحكاتهم بينما نظر أحمد في ذهول الي سيد الذي رفع يديه في استسلام اشارة على انه يتبرأ منها . تحرك أحمد مخلصا الشاب من يديها ليتولى التعامل معه .. فما كان منها إلا أن نفضت ملابسها وعدلت حجابها ثم غمزت بعينها لعمرو وهي تمر من امامه قائلة" هل نفذت دروسك في الدفاع عن النفس بدقه يا معلمي " بادرها عمرو بابتسامة واسعة .. ثم تحركت متخطية وائل وعمرو لتقف أمام سيد الذي يراقبها بذهول واضعا يديه في جيبي بنطاله .. قامت بإلقاء حقيبة يدها على صدره بعدم اكتراث فتلقاها ببساطة ثم عاودت تصحيح وضع ملابسها ببنطالها الجينز وبلوزتها البيضاء وحجابها الازرق الصغير ..فأشار لها سيد بسبابته لتدخل خصلة شعر سوداء فرت من الحجاب لتشاهد المعركة الي دارت من قليل .. مال عليها سيد مصطنعا الهدوء هامسا من بين أسنانه " من أين لك بتلك السُبة ؟.. أين سمعتيها؟ ". رفعت كتفيها بلا مبالاة وردت وهي تواصل ترتيب ملابسها " من هنا او هناك لا اذكر " فسألها من بين اسنانه : " وهل تعلمين المعنى ؟" ردت بشقاوة تمنحه ابتسامة عريضة " كلا.. لكني اعلم انها كلمة قليلة الادب " رفع سيد حاجبه باستنكار منفعلاً " بل منعدمة الادب يا ابنة سماحة .. هل جننتي !.. ماذا سيقول الناس ..ثم ما هذا التناقض .. سحلتي الرجل لأنه يعاكسك متفاخرة بأنك آية سماحة ثم ..ثم ماذا ؟.. تسبيه بهذا اللفظ ! " ضيقت آية عينيها في شك وهمست له في قلق " هل هي بذيئة إلى هذه الدرجة ؟!" رد مصححا" بل في منتهى البذاءة " ثم أشار لنفسه ببراءة مصطنعة " لقد خدشت حيائي انا شخصيا " كتمت ضحكتها بشقاوة ورفعت عينين لامعتين نحوه فمال برأسه يقترب من قامتها القصيرة مشاكسا في همس " لن يمررها لك أحمد هذه المرة ولن اتدخل " . حدجته بنظرة عابسة وقد انقلبت الملامح الشقية المليحة لملامح متصلبة في عصبية " مالي انا وتصنيفاتكم الذكورية .. لما لا أقول ما اود ان اقوله .. ان هذا ( السخيف ) يستحق هذه السُبة التي لا اعلم معناها لكني اعلم انه يستحقها ... ثم لماذا لم تتدخل وتسحق هذا (السمج ) بدلا من المشاهدة؟ " رد عليها ببرود" اردت فعلا ان اتدخل .. ولكن لتخليص الشاب المسكين من بين اسنانك الشرسة ". هتفت مؤنبة " سيد ! " تجاهلها لينادي على أحمد الذي هم باللحاق بالشاب الفار بالعربة " اتركه أحمد انا اعلم من أي منطقة هو وسأهاتف زعيمهم وأمنعه من المرور من حيّنا مستقبلا " استدار أحمد ليواجه آية يمسك بذراعها ضاغطـــا على اسنـــانه " اين كنت حتى هذا الوقت ... ومن اين لك بالفاظ الشواع هذه .. هل هذا لسان ابنة عائلة محترمة وطالبة في كلية الاعلام " . خلصت ذراعها من يده ثم تكتفت وهي تمط شفتيها ببرود " بالنسبة للسؤال الاول اليوم محاضراتي حتى وقت متأخر واعتقد ان لديك نسخة من جدولي باعتباري من الكائنات تحت الوصاية الابدية .. وبالنسبة للسؤال الثاني .. فلا ارى عيبا أن اعبر عن حنقي بلفظ يدل عن مدى غيظي .. وليس لي ذنبا ان قدري ان اولد في مجتمع ذكوري متعفن" . ثم استدارت نحو المنزل فهم أحمد اللحاق بها في غضب لولا تدخل الشباب .. درءا للفضائح فتوعدها في سره وهو يتوجه بضغط منهم للخن مرة اخرى . اما سيد فتأملها وهي تخطو بخطوات حانقة ضاربة بقدمها الصغيرة الأرض في عنف لتعبر بوابة العمارة يلاحقها عنفوانها الهادر دائما .. لاتشبه أروى اختها الاكبر في شيئ بل لا تشبه احدا .. انها آيه .. مخلوق ناري ينبض بالحياة والعاطفة .. مزيج من الشقاوة والتمرد والاشتعال .. جامحة الى ابعد حد بسنواتها التسعة عشر ... والتي تحيرك هل مازالت مراهقة صغيرة ام شابة ثائرة على كل القيود .. كثيرا ما يشفق على أحمد فهي تقوده عادة للجنون بجموحها وتمردها وهو لا يملك من الصبر اي قدر.. لا يهمها فارق العمر الكبير بينها بين اخوتها فهي صغيرة العائلة ومدللة أبيها وشوكة في ظهر اخيها أحمد كما يدعوها دائما .. وكثيرا ما تسأءل هل فرق العمر الكبير بينها وبين أحمد وأروى ساهم في جموحها وتمردها محاولة منها لاثبات انها مساوية لهم .. فأروى تكبرها بحوالي احدى عشر سنة وأحمد يكبرها باثني عشرة سنة .. فقد جاءت بدون حساب ( كغلطة ) كما تمزح دائما ام أحمد .. فتستشيط غضبا الصبية من تلك الحكاية .. لكنه يستبعد ان تكون تلك الاسباب هي ما شكلت تلك الثائرة المحتجة دائما.. فجموحها نابع من تكوينها كما يرى.. هذه الجنية الصغيرة تملك روحا حرة مغامرة تغضبها القيود تتغذي روحها على الانطلاق والاستكشاف ... تقاوم روحا ظمأى للعاطفة والاهتمام .. . وهي صفات لا تناسب مجتمعا لا يتوانى يفرض كل قيد وقيد على النساء .. هو شخصيا يعترف انها ارهقته خلال عمرها التسعة عشر .. فهي وكما يردد دائما باعتزاز ربيبته .. وكيف لا تكون ربيبته وهو من رافقها خلال سنوات عمرها .. فكان لها المعلم والصديق والاب في وقت كانت تمر فيه عائلة سماحة بمحنة كبيرة .. الحادث المأسوي الذي تعرض له أحمد واروي من عشر سنوات مضت وما تبعه من سنوات طويلة بين اروقة المستشفيات وعيادات الاطباء ليبقى الوضع الحالي أفضل ما يمكن الوصول اليه .. أحمد بشريحة معدنية في ركبته وآلام مستمرة أغلبها نفسية .. وأروى ... المسكينة أروى كسر في الظهر يلزمها الجلوس على كرسي متحرك! .. وعلى الرغم من ان عمر آية وقتها كان تسعة أعوام فقط لكنه لا ينكر انه كانت تربطه بها علاقة خاصة جدا من قبل ذلك .. فلا ينسى ابدا كيف بدت حين ولدت .. ببشرتها البيضاء وشعرها الاسود المموج .. كانت كجنية صغيرة بحق .. بعينين بسواد حالك مليئتين بالطاقة والاشتعال ... تطالعك بنظرات فضولية .. كانت تخصه وحده بكثير من الاهتمام ..تحوم حوله كفراشة ترفرف حول الضوء .. وهو ذو الاربعة عشر عاما وقت ولادتها لا ينسى ابدأ كيف كان مفتونا بها وبشقاوتها .. كانت له قطعة السكر التي تحلي سنين عمره المرة وصراعه مع الحياة. .. فغدت آية مصدر الدفء لحياته المرهقة كثيرة المعارك .. ليست وحدها .. بل عائلة سماحة بكاملها لهم كثير من الفضل عليه وعائلة عمرو القاضي وعائلة وائل .. لن ينسى ابدا خيرهم وافضالهم عليه... بعد الحادث اتخذت علاقته باية منحنى اكثر اهمية فرافقها خلال مراهقاتها المبكرة.. تلقى عنفوانها وجموحها وشذبه .. حاوطها بذكاء وألجم تمردها دون ان ترى القيود فتتمرد أكثر... حماها من جموحها.. كان معلمها الاول ومرشدها .. استثمر ذكائها ووجهه نحو حمايتها من نفسها أولا قبل حمايتها من الآخرين .. وفي المقابل اشرقت شمسها الصغيرة على روحه المظلمة فاضاءتها .. علمها تذوق الموسيقى والطرب فكانت عالمهم السحري الذي يوحدهما معا .. في خيال الموسيقى اطلقت روحها الثائرة عنفوانها الهادر .. في الموسيقى حررت قيودها وامتصت مشاعرها المتدفقة وهذبتها ... تنهد بحزن وهو يعود الى الحاضر باستسلام .. الانفصال آت لا محالة .. هو ليس بالساذج وعليه ان يعترف انها كبرت وكل عام يزيد في عمرها سيفصلهما شيئا فشيئا .. فلم تعد آية الطفلة المتعلقة برقبة الشاب سيد.. وهو يعد نفسه لتقبل الامر بشجاعة وتفهم .. ستترك الصبية يده يوما ما بإرادتها وتحلق بعيدا تتلمس طريقها وحدها .. وإن لم تفعل .. سيتدخلون بلا قلب ينتزعوها منه بلا رحمة ! . يتبع | ||||||
01-05-18, 03:34 AM | #15 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| بعد اسبوع اخيرا وقت مستقطع .. القت بانة جسدها على بعض الاخشاب الملقاة في بقعة منعزلة خلف مبنى الورشة الكبير في الساحة المشمسة .. تدلك ساقيها وكتفيها بوجع .. العمل هنا مرهق بدنيا .. فنقل وترتيب الاخشاب وتصنيفها وما يلزم ذلك يحتاج لكتلة عضلية وقامة طويلة .. تكونت في ذهنها صورة لكيان عضلي ببشرة سمراء لامعة لقامة طويلة .. فكرت في غيظ .. ربما يجدر بالسيد المتذمر دائما ان يقوم هو بهذه المهام بدلا من هدر صوته هنا وهناك طيلة اليوم بنزق يوتر الاجواء .. نفضت رأسها من صورته الي دأبت تلازمها كظلها .. على الرغم من تجنبها للاحتكاك به من بداية عملها بالورشة .. او ربما هو من يتجنب عن عمد الاحتكاك بها .. يتجاهل وجودها بشكل متعالي مفتعل .. وهذا امر يريحها كثيرا .. فالرغبة من لكمه تسيطر عليها اينما حل لمجال رؤيتها .. لسبب مجهول يثير فيها هذه النزعة للعنف بعكس طبيعتها المسألمة القادرة على التكيف والتي ساعدتها كثيرا في النجاة في هذا البلد الغريب .. فتحت اللفافة الورقية لتلتهم شطيرة من الجبن اعدتها مسبقا .. عليها العودة للعمل سريعا لن تسمح بأي خطأ يكلفها ترك المكان .. العمال هنا طيبون في المجمل .. متعاطفون معها كشاب لاجئ يبحث عن لقمة حلال .. وعم عبد الحليم ريس العمال رجل حكيم ودود .. اما الحاج ابراهيم سماحة فأسرها من أول وهلة بطلته الهادئة الوقورة .. حين رأته أول مرة ذكرها بوالدها ربما ليس شكلا وانما موضوعا نفس النظرة الهادئة الوقورة وقوة الشكيمة والحكمة في التصرف .. بسبحته الخضراء ذات الحبات الصغيرة الي لا تفارق يده .. تخيلته بالشكل الكلاسيكي كما يظهر الحاج في الدراما بجلباب طويل وعمه واندهشت عندنا رأت عكس ذلك .. بملابس عصرية لابناء العاصمة بنطال كلاسيكي وقميص ... شعور بالدفء تسلل اليها عندما قابلته اول مرة ليسأل بهدوء عن من تكون او عن من يكون بمعنى ادق .. وبالرغم من عدم تبادلها الحديث معه بعدها الا ان التجول بالقرب من مكتبه بات يشعرها ببعض الامان ربما لافتقادها الكبير جدا لتلك النعمة ... خنقتها عبرة تحاول التحرر من عينيها وهمست " أبي .. هل انت حي .. ادعو من الله ان تكون حيا ".. الانباء تؤكد وفاته في القصف على بلدتهم التي أصر والدها أن يترك العاصمة ويعود للدفاع عنها مع أخوته .. ولم يمض وقتا قبل أن تسمع بمجزرة بشعة أبادت البلدة بمن فيها .. ضربت بقبضتها على قلبها تهتف في همس " آه من وجعك يا بانة " لكنها تتشبث بأمل أنه استطاع النجاة حتى لو أمل زائف لتستمر بالمضي قدما كما وعدته.. كما تتشبث بالامل الزائف أيضا بأن اخويها فراس ورامز احياء ايضا بالرغم من صورتهم التي لا تنفك لا تغادر رأسها وهم غارقين في دماءهم على الطريق .. ثقلت العبرة الساخنة في مقلتيها وسقط لتكوي بشرتها الملتهبة من حرارة الشمس .. صوت خطوات تقترب تجبرها على العودة للواقع . يتقدم في خيلاء على مرمى بصرها ليقف على بعد مسافة منها دون ان يوليها اهتمام .. فتأملت جانب وجهه وجسده .. هل يتألم ام يخيل لها ! .. جبينه معقود وصدغه بازر وكأنه يجز على اسنانه .. يحمل في يده علبة مياة غازية يتجرعها في صمت وشارداً بالمدى المفتوح امامه حيث لا توجد مبان حول موقع الورشة على مرمى البصر ... همت بإنهاء الشطيرة على عجل لتعود للعمل بينما تراه يخرج علبة صغيرة من جيبه ويضع في كفه حبتين او ثلاث من دواء يلقيهم في فمه ويعاود شرب جرعة كبيرة من المياة الغازية . دون ارادة منها اندفعت تقول" من غير الصحي شرب المياة الغازية مع الدواء انت لا تعلم ماذا تفعل المياة الغازية بالجسم فما بالك حينما تخلطها مع الدواء تسبب تفاعلات خطيرة" . لم يرد فشكت ان يكون قد سمعها من الاساس .. شعرت بالغيظ وندمت على تهورها بالكلام فاستقامت لتعود لعملها حين اتاها صوته الرجولي الساخر "هل حان الآن موعد الفقرة الصحية ؟ " كيف يتحمل نفسه ! .. حقيقة كيف يتحمل نفسه بهذا الصلف والغرور ... لولا انها شاهدت اسلوبه المتعالي مع كل من حوله لشكت انه يتعمد اذلالها واهانتها بهذا الاسلوب المستفز . ردت بثقة " لا بل نصيحة اوجهها لك بمعلومة مؤكدة وخطيرة". فسألها باستهزاء " ماهي دراستك ؟ " شمخت بانفها وردت " صيدلة .. كنت في اخر سنة وقامت الحرب ولم اكمل .. وضاع كل شيء " .. ثم اندفعت قائلة بفضول " وانت ؟ " لعنت نفسها على هذا السؤال المتسرع ما شأنها بدراسته !. رد بهدوء وهو ينظر امامه موليها ظهره يتطلع في الافق البعيد "خريج وكالة ناسا العالمية للعلوم وتكنولوجيا الفضاء ". ارتفع حاجباها باندهاش : "ماذا ! " .. صمتت قليلا تفكر ثم قالت ببرود " هل تسخر مني ؟ " فجاوبها بتهكم " ان كنت انت صيدلاني .. فماذا سأكون أنا ؟ .. رائد فضاء طبعا ! " كتمت غيظها بعنف فادار وجهه اليها يراقبها بتسلي وهي تقول من بين اسنانها وهي حريصة على الالتزام بصوتها المستعار الغليظ قليلا " ارى انك تنظر لي باستهانة وتسلي .. عموما صدق او لا تصدق انا صيدلاني .. ولكنلم تسعفني الظروف لأنهي السنة الأخيرة .. وانتهت الاحلام حين بدأت الحرب .. وها انا ذا اعمل كعامل في بلدكم وفي ورشتكم .. ارجو ان يكون ذلك مسليا بالقدر الكافي يا سيد أحمد" ثم اندفعت تهرول وهي تأبي ان تبكي .. هذا الانسان مغرور ووقح .. أما أحمد فرفع حاجبا واحدا باستنكار " سيد أحمد!!" يتبع | ||||||
01-05-18, 03:42 AM | #16 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| عند الساعة الخامسة عصرا انتهى اليوم لتتنفس بانة الصعداء .. وقفت عند بوابة الورشة الكبيرة تنتظر اي سيارة اجرة جماعية توصلها لاول طريق المساكن بعدها ستبدأ رحلة اخرى باستقلال الحافلة .. إبر الخشيبات الرفيعة تخترق كفيها تحاول استخراجها بتركيز .. لماذا لا يرتدون قفازات تحمي الايدي؟! .. اذا بادرت هي بارتداء قفازا اثناء العمل ستثير السخرية وربما الشك ... اخترق صوته الذي اصبح مألوفا اذنها من الخلف بتساؤل " هل انت فتاة ؟ " استدارت مصعوقة ترمقه بعينين واسعتين .. ثم تدبرت صوتها بصعوبة لتقول بوجه شاحب " لماذا؟؟؟؟؟!!!" رد ببساطة " لانك تغضب مثل الفتيات وتنسحب متباكيا بعد أن تلقي كلمات غاضبة في الهواء " . اطلقت نفسا محبوسا في راحة ثم استعادت رباطة جاشها لتقول بشموخ " لم ابكي ". رد بتسلية مغيظا " بل بكيت .. اكاد اجزم انك بكيت " قالت باصرار " قلت لم ابكي " لاحت شبه ابتسامة على جانب فمه ليتركها ويعود للداخل بهدوء .. اما هي فوقفت تهدئ من روعها.. بعد دقائق مرت سيارته من جانبها تخرج من البوابة وتوقفت وهتف عبر النافذة " هيا .. اركب .. سأوصلك ". هتفت باحراج " كلا شكرا استطيع انتظار سيارة الأجرة " قال باصرار " قلت اركب " . فأصرت على الرفض لكنه كان عنيدا " الا تريد ان تعرف مجال دراستي" فردت بامتعاض " كلا شكرا " كان صوته حانقا حين قال باصرار " ولكني اريد ان اعرف تأثير المياة الغازية على الادوية اركب .. والا .. " فأكملت في سرها جملته الشهيرة ( والا لا ألومن الا نفسي ) .. زفرت في غضب ثم ركبت السيارة . ربما الآلام التي تصرخ بعضلات جسدها هي ما تشعرها بنوع من الراحة حين جلست بجانبه في سيارته الحديثة .. تأملت ساعده الاسمر العضلي الظاهر من كم قميصه الأسود ..اصابعه سمراء طويله يحركها على المقود برشاقة وثقة .. تبا !.. مالذي تفكر به الان!!! .. أدارت وجهها تراقب المساحات الشاسعة من الاراضي الخالية على جانب الطريق .. عجبا البيوت في العاصمة في بعض المناطق تكاد تستغيث وهيتعاني من الالتصاق والتكدس والاماكن واسعة هنا خارج العاصمة . أتاها صوته الرجولي مقاطعا تأملاتها "انا خريج هندسة الكترونيات " التفتت اليه ولم ترد فأكمل وكأنه يحدث نفسه" ووظيفتي الحالية كما ترى في مؤسسة الحاج سماحه للموبيليا.. نجارا " . ارخت ظهرها المتألم لتغوص في الكرسي المريح أكثر وقد تنبهت لصيغته المتهكمة بألم فسألته" وهل رغبت في العمل بوظيفة اخرى ؟.. صمت .. ولاحظت تشنج جسده قليلا قبل أن يقول "لا يهم ".. ثم ادار وجه اليها بفضول " مع من تعيش ؟" تسرعت في الاجابة " اعيش مع ابي واخوتي رامز وفارس ... اقصد بانة وفارس " .. احمر وجهها قليلا .. تبا لذلة لسانها .. دعت الا يكون قد لاحظ كلامها المتناقض ... إنها تخبر الجميع بأنها ليست وحدها هنا كنوع من الحماية الوهمية . سألها بسخرية " وهل فارس رقيق الملامح مثلك ويغضب مثل الفتيات؟ " . زفرت في غيظ وادارت وجهها نحو نافذة السيارة .. صوت ضحكتة رجولية خافته.. حاولت تجاهل تأثيرها الغريب عليها عندما أتاها صوته يقول "كم عمرك ؟ " ردت بدون النظر اليه "27" . فقال بهدوء " ظننتك اصغر من ذلك بكثير .. اذن انا اكبر منك باربع سنوات وان كنت غير مقتنع " اعتدلت وهي ترى السيارة قد بدأت تخترق الزحام وهمست في سرها" بل اكبر مني 7 سنوات عمري الحقيقي 24 عاما ".. ثم قالت بصوت حازم " من فضلك انزلني هنا لالحق بالحافلة " مع اصرارها الشديد لم يجد مفرا من التوقف لتترجل من السيارة ملوحة له بعجلة ثم تبتعد هاربة هاربة لوحدة فُرضت عليها فالتزمت بها خوفا من اكتشاف الحقيقة .. فالاقتراب من الصورة يجعلك تعي تفاصيلها لتدرك حقيقتها .. وهي تجاهد منذ عامين لتخفي حقيقتها . يتبع | ||||||
01-05-18, 03:48 AM | #17 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| أغلق أحمد باب الشقة بهدوء ليستقبله وجه باسم يحمل ملامح رقيقة .. تأمل هيئة ( أروى ) الهشة وجسدها الرقيق النحيف على كرسي متحرك وهي تطالع حاسوبها الشخصي في صالة المنزل الكبيرة .. تلقى ابتسامتها الحانية بابتسامة حانية مثلها وهو يبتلع طعما مرا في حلقه .. لم يخفي جلوسها على ذلك الكرسي اللعين قامتها الطويلة ورشاقة قدها الى حد النحول .. مازالت تفقد الوزن .. كلما وقعت عيناه عليها يدرك أنها تفقد المزيد من الوزن .. فتبدو أمامه بشعرها الأسود الحالك المرفوع باهمال في كعكة كبيرة ملفوفه فوق رأسها ..بهيئة تجعلها تبدو كراقصة باليه رقيقة بهذا العنق الخمري الطويل والذي تتساقط عليه بعض خصل الشعر الفارة من الكعكة المبعثره فوق رأسها .. راقصة باليه بظهر مكسور ! .. عقدت حاجبيها المروسمين فوق عينين بندقيتين واسعتين وسألته وهي ترفع الحاسوب المحمول من على حجرها لتضعه على المنضدة الصغيرة أمامها وترد سلاما لم يلقيه " وعليكم السلام ورحمة الله .. ماذا بك ؟ " تنبه إلى شروده فأقترب منها بمرح يقبل رأسها ثم أرتمى بجسده على الأريكة ليقول مداعبا " تذكرت الآن أنك كنت مثالا للأنثى التي أتمناها في مراهقتي ". انفجرت في الضحك ثم قالت بمزاح " كاذب .. لقد كنت تتعمد اثارة غيظي أنت وسيد و عمرو بأنكم تكرهوا السمراوات وتصفوا شعري بزغب بطة سوداء" .. ابتسم في حنان وقال مدافعا " كنا تثير غيظك كما قلتي .. لكن ثلاثتنا كانا مدركين في قرارة أنفسنا كم أنت جميلة بشعرك الأسود الطويل ناعم مستقيم كشعر الخيل .. يا فتاة لقد تركنا دراستنا وقضينا أيامنا كلها بالمدرسة نحوم حولك كحراس شخصيين " .. تخصرت وضيقت عينيها مدعية الغضب " حقا ! .. ولهذا عدت من المدرسة يوما من الأيام تطلب من أبي أن ينقلني لمدرسة أخرى وألا يجمعنا مدرسة واحدة أبدا ". أنفجر أحمد ضاحكا والذكريات تتفجر في رأسه تباعاً كانفجارات الألعاب النارية في السماء ليكمل حديثها " يومها دخلنا ثلاثتنا في عراك كبير بسببك.. وتأذى عمرو كثيرا وجرح في جبينه وأمه كادت أن تقتلني أنا وسيد حين أوصلناه للمنزل.. أنت تعلمين كيف تبالغ في حمايته .. ومازال هذا الجرح يترك ندبه في جبينه حتى الآن . .. كانت أيام جميلة .. الحقيقة لقد كنا نشعر بذكوريتنا ونحن ندور ورائك نحرسك .. نشهر قبضتنا في وجه الأولاد بلا ورع فننتشي بالشعور بالقوة بداخلنا ... ثلاث فرسان يحرسون أميرتهم" . ردت مداعبة " وماذا عن قبضتكم التي كنتم تلوحون بها في الشارع .. كنت أشفق على أبي وهو يلهث وراءكم هنا وهناك .. هل كان بسببي أيضا " . حرك حاجبيه مغيظا " يبدو أن الشقاوة أعجبتنا واكشتفنا بفضلك موهبة أصيلة بداخلنا - للبلطجة - فمارسناها مراهقين وشبابا"... تأملته بحنان وقالت بفخر " أنتم أصبحتكم زينة شباب المنطقة .. ولم تذهب جهود أبي هباء لتودعوا مراهقتكم الغاضبة القلقة بسلام .. أصبح أبي ينتشي فخرا حين يراكم تشهرون قبضتهم في وجه الحق والعدل وحماية الضعيف " أمال برأسه للأمام مقتربا منها وهمس"لنعود لموضوعنا الأساسي .. هل تكتمين سرا ؟ " مالت هي الأخرى برأسها نحو وهمست بمشاغبة " سرك في بئر عميق ". قال بنفس النبرة الهامسة " لقد تمنيت أن تكون فتاتي بشعر أسود ناعم بدون تموجات كشعر الخيل مثلك .. هل تذكرين فيلم مولان الفتاة ذات الشعر الأسود التي تتخفى في هيئة رجل لتذهب الى الجيش بدلا من أبيها العجوز ؟ " فأومت برأسها إيجابا فاستمر بالهمس " لقد عشقت شخصية مولان لأنها تشبهك ". إلتمعت عيناها بتأثر وكلامه مس قلبها فسألته في حنان " بك شيئا مختلفا اليوم .. تبدو مسترخيا .. لم أرك هكذا منذ زمن " . لوح بلامبالاه " لا يوجد سببا محدد " .. اعتدل ليسأل باهتمام : أين أمي ؟ ردت وهي تعيد الحاسوب لحجرها " مع أبي في غرفتهم .. تجهز له ملابسه سينزل بعد قليل يتفقد محلات الموبيليا ". عاد ليسألها متفحصا " هل مازالت محبطة لاقتراب زواج سيد " زفرت أروى بيأس " للأسف " تحرك يسند ظهره على الأريكة " ألم تخبريها أنك لا تكنين له أية مشاعر " .. قالت وقد كسى الحزن ملامحها " قلت لها مرارا وتكرارا أني لا أراه سوى أخ كبير .. لكن يبدو أنها كانت تعلق آمالا كبيرة عليه ". زفر في ضيق ثم وقف " سأذهب لغرفتي .. أين المجنونة ؟." ابتسمت ثم قالت بلوم " توقف عن نعتها بالمجنونة .. اذا سمعت سنقضي الليلة كلها نفض شجاركم ونهدئ صياحها الهستيري ..آيه في غرفتها والمزاج سوداوي حاليا " مط شفتيه بامتعاض وقبل أن يسأل عن السبب أكملت " رفض أبي ذهابها لرحلة فأغلقت عليها الغرفة منذ ساعات " يتبع | ||||||
01-05-18, 03:51 AM | #18 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| في غرفة أخرى : وضع إبراهيم سماحه يده على كتف زوجته بتعاطف " كفى حزنا يا إلهام الزواج قسمة ونصيب ". رفعت إليه عينيها العسليتين التي تشبه عيني آية وقالت بحسرة قلب " كنت أتمناه لأروى .. فمن غيره سيرضى أن يتزوجها بوضعها الحالي " .. نظر إليها نظر عتاب ليقول " ليس لأننا ربيناه مع أبنائنا منذ أن كان في السادسة من عمره أن نطلب منه أن يتزوج بنتنا ويتحمل ظروفها هذه .. نحن ربيناه لوجه الله ولا نريد منه جزاء ولا شكورا " .. اسرعت أم أحمد للدفاع عن نفسها قائلة " حاشا لله لم اقصد هذا أبدا .. أنه مثل أحمد .. وكما قلت انا من ربيته .. ربي يعلم كيف أحبه .. ربما لهذا شعرت أنها ستكون بأمان أكثر معه " . فرد ابراهيم بحزم " وهو من حقه أن يختار بحرية زوجته التي سيعيش معها باقي عمره وعلينا أن ندعو له بالسعادة " . رددت وهي تقاوم شعورا بالخيبة بداخلها " أدعو الله من كل قلبي أن يعيش سعيدا وأن يعوضه عن كل سنين اليتم التي عاشها وأبوه على قيد الحياة .. لكن قلبي يعتصر ألما يا إبراهيم .. أروى ستتم الثلاثين قريبا .. هل تعلم معنى هذا " .. ابتلع طعما مرا في حلقه ليقول مدعيا الصلابة " ماذا أن اقتربت من الثلاثين .. البنات هذه الأيام تتزوج بعد الثلاثين بخلاف زماننا .. والأجدر أن تقنعيها للعودة للعلاج لتستطيع ترك الكرسي والوقوف .. وقتها ستقف وتختار بنفسها زوجها " . تحسرت إلهام في قلبها وقالت " إن رأسها يابس عنيد مثلك .. لا تريد العودة للعلاج .. ولا تأكل مثل البشر .. وتتقوقع كالعادة في غرفتها تقضي عمرها أمام الحاسوب .. ومهما حاولت معها لم أفلح .. بل أنها تدعي أنها مستمتعة بإنطوائها هذا " . تنهد إبراهيم بحزن " لله الأمر من قبل ومن بعد " . يتبع | ||||||
01-05-18, 03:55 AM | #20 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| بعد أيام: فتحت بانة الأكياس التي أحضرتها على منضدة في المطبخ الصغير بالورشة وهي تقف بجانب عم شكري الساعي وهو يرمقها باهتمام .. انعشت رائحة البن رأتيها وقالت له في سعادة " لقد أحضرت البن أتمنى أن يعجب الحاج " . أومأ برأسه يبعث لها بابتسامة مشجعة " رائحة هذا البن شهية جدا .. تبدو من متجر متميز " . وضعت يدها على فمها تداري ضحكتها ثم قالت " من محمصة بن شهيرة في وسط العاصمة .. لكني أجيد انتقاء البن الجيد وسأغامر اليوم واضيف له بعض الاضافات التي نضعها بالقهوة عادة في بلدنا ربما يعجب الحاج المذاق الجديد " .. اسند عم شكري جسده العجوز على الكرسي الوحيد في المطبخ " استعد أيضا لطلب المهندس أحمد فنجانا .. أنا واثق أن رائحة البن ستصله بمكتبه ليطلب فنجانا .. رائحتها لا تقاوم " . ارتجف جسدها حين ذكر إسم أحمد فأدارت رأسها لعم شكري ليبادرها بالقول " أن لديه أنف ذئب .. يلتقط الرائحة من على بعد .. ومثل هذه الرائحة المميزة للبن لن تفوته " .. ثم تنهد قائلا " أنه صعب الإرضاء .. يوميا قد أعيد تحضير طلباته أكثر من مرة .. هذا الكوب به رائحة صابون .. هذا الكوب رائحته عطنة .. هذا الشاي رائحته قهوة .. السكر به رائحة بصل ! هل تصدق أني يوما ما كنت ادهن شقة ابنتي بالطلاء وحين حضرت بعدها بيومين وأحضرت له الشاي .. اصر أن الشاي به رائحة طلاء برغم أنه لا يعرف شيئاً وبرغم أني غسلت يدي ألاف المرات قبل أن احضر للعمل .. واستمر اسبوعا يرهقني بإعادة طلباته حتى أعلن اخيرا بعدها ان رأئحة الطلاء قد زالت " . ابتسمت بانة وهي تستدير لتحضر القهوة.. وتساءلت في سرها هل تحضر للسيد المتذمر فنجانا ؟ .. حركت رأسها تنفض الفكرة في توتر .. ووضعت الركوة على اللهب .. كانت قد سمعت بالمصادفه من يومين حديث بين الحاج سماحه وعم شكري يخبره الحاج بأن نوع البن الذي يحضر منه القهوة ليس جيدا .. فوجدت نفسها بدون إرادة منها ترد على الحاج باندفاع أن نوع البن هذا ليس جيدا بل إنه درجة ثالثة وشرحت للحاج مستويات جودة البن وبعض المعلومات الأخرى مثل الفرق بين أنواع البن المستورد حسب كل بلد .. فلاحظ الحاج معرفتها التفصيلية بالموضوع فاعترفت له بأن أعمامها كانوا يتاجرون بالبن ويستوردونه ويمتلكون أكبر محمصات للبن في البلاد حينها أعطاها الحاج مبلغا وطلب منها أن تشتري بعض البن وها هي تحضر له أول فنجان قهوة وهي تنتشي بالسعادة .. تذكرت يوما ما كانت تحضر لأبيها فنجان القهوة عصرا وتدخل عليه بمكتبه وهو غارق بين الكتب يستقبلها بوجه الهادئ الحنون . طرقت باب المكتب بهدوء وصينية القهوة ترتعش بيديها .. أتاها صوته الوقور يأمر بالدخول .. دخلت فرفع رأسه إليها وخلع نظارة القراءة وقال " أهلا يا بني .. يبدو أنك قد اشتريت القهوة بالفعل .. رائحتها شهية " قالت وقد تخضب وجهها بحمر الخجل " لقد تجرأت وسمحت لنفسي أن أضيف بعض الاضافات للبن .. أعددتها كما نعدها في بلدنا .. إن لم تعجب ذوقك فسأذهب لإعدادها بالطريقة العادية " تناول الحاج سماحة فنجان القهوة ثم ارتشف منه قليلا وقال " ممتازة .. حقا ممتازة .. عليك بتعليم عم شكري الطريقة " شعرت بالحماس والفخر وهي توميء برأسها وهمت بالخروج ثم تذكرت شيئا وأخرجت نقودا من جيبها ومدت يدها للحاج فنظر إليها بتساؤل لتقول بحرج " باقي النقود " . رمقها بنظرة معاتبة ثم قال الحاج بجدية " أحتفظ بالباقي يا رامز .. شكرا لتعبك ". شعرت بالضيق والحرج الشديد فقالت " كلا شكرا " .. ثم وضعت النقود على المكتب وخرجت بسرعة يتبع | ||||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
رومانسية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|