![]() | #2950 | ||||
![]()
| ![]() أنا ماسة! لا أدري في الواقع من اختار لي هذا الاسم... من الطبيعي أن يسمي الابن والداه... لكن اللقيط من يسميه؟!!!! نعم... وجدتني"رحمة" مجرد "قطعة لحم حمراء" كما يقولون ملقاة جوار مسجد في حارتنا الصغيرة... فاعتبرتني هدية القدر لها بعدما فرّ زوجها هارباً بابنها الوحيد مع زوجته الثانية إلي بلد عربي... ليبعث إليها بورقة طلاقها بعدها بأيام!!! رحمة -التي جعل لها القدر من اسمها نصيباً -ربتني كابنتها... لكن عندما عاد ابنها الحقيقي كان عليها أن تختار بيننا.... خاصة بعد الحادث -المخزي-الذي تعرضتُ أنا له... وبالطبع....اختارت ابنها... لأجدني فجأة في وضعي الطبيعي الذي كان ينبغي أن أكون عليه من البداية... مجرد لقيطة!!! ================================================== ================= وقفت في محطة القطار تنتظر وصول قطارها القادم... تأملت تذكرتها في يدها بنظرة ساخرة مريرة... إنها ليست مجرد تذكرة سفر... لكنها وسيلتها للهرب من عالمها الذي عرفته طيلة عمرها.... لم تتصور أبداً ولو في أسوأ كوابيسها أن تخرج يوماً من حضن رحمة... رحمة التي كانت لها الأم والصديقة والأخت.... والآن تجد نفسها محرومة من كل هذا!!! لكنها مضطرة... من أجل رحمة نفسها ...ستفعلها!! سمعت صوت صافرة القطار فانقبض قلبها بشدة... لتتحسس أناملها تلقائياً سلسلة صدرها الصغيرة المنقوش عليها اسمه... عزيز... "حب قلبها "الذي كان أروع من أن يكتمل في عالم كهذا... و"خطيئتها" التي دفعتها للهرب رداً لمعروف رحمة التي تستحق تضحية كهذه...!!! التفتت خلفها وكأنها تبحث عمن يودعها... لكنها بالطبع لم تجد أحداً ! ماسة صارت وحدها في هذا العالم... وحدها تماماً هذه المرة!!! سارت بخطوات متثاقلة نحو القطار المتجه لإحدى مدن الجنوب البعيدة... حيث اختارت الفرار ... لكن بمسمى العمل!!! اختارت مكانها جوار النافذة لتجلس باستسلام ثم أسندت رأسها على زجاج النافذة تراقب الطريق.... شئ بداخلها يرجوها العودة...لكنها تعلم أنها مستحيلة.... تذكرتكِ بلا عودة يا ماسة.... بلا عودة!!! تناولت هاتفها لتبحث عن آخر ما تبقى لها من عزيز... خواطره التي يكتبها على مدونته الشهيرة... والتي تعلم أنها بطلتها الوحيدة.... خواطره التي تلاقي إعجاباً شديداً وشهرة واسعة.... نعم...عزيز ماهر حقاً في الكتابة عن الحب... وكيف لا؟!!! وعزيز روحٌ تنبض بالحب...وللحب!! ظهرت لها آخر كتاباته أخيراً... لتبتسم في مرارة وهي تتبين تاريخها... لقد كتبها بالأمس فقط... كتبها لها هي... مهلاً يا سيدتي... مهلاً يا قاتلتي... ماجئت أقول بأني معتذرٌ... ماجئت أقول بأني منتظرٌ... ما جئت أقول وكيف أقول... وكلامي بعدكِ صار عجوزاً... يتكئ علي صمتي!! ما جئت أقول بأنك راحلةٌ.. تاركةً خلفكِ قافلتي... وجحيماً آخر من أسئلتي... بل...من أجوبتي!! ما جئت أقول بأنك كل الأحزان... وبأنك كل الألوان... وبأنك كنت الغفران... لو ضاق الكون بمعصيتي!!! عفواً...ما جئت أُذكّركِ... بل جئت وأحمل في كفي أغنيةً... كانت هي ..أنتِ!! وبقايا من عمرٍ ولّي... حين رحلتِ... ونحيب سطور قد حملت كلماتكِ... كم قلتِ وقلتِ!!!! أتراها تشفع لي عندكِ... أم أنك أنتِ ما عدتِ أنتِ!!!!! ما جئتُ أقول بأني متهمٌ... وبأنكِ أنت مُبرئتي... بل أعرف أن الذنب بعنقي... والخطأ يطوق خاصرتي!! وبأنكِ كنتِ علي حق.. إذ قلتِ بأني بركانٌ... وفؤادكِ ضاق بأبخرتي!!! ماذا سأقول يبرئني.. ولساني يعترف بذنبي... تباً لجميع الألسنةِ!!! كم قلتِ بأني مغرورٌ... وغروري عطل أجهزتي... كم قلتِ بأني كالطفل.. لا يعرف وقتاً للجد ووقتاً للعب... وهذي حقاً مشكلتي!!! لازلت أحاول أن أرسم قرصاً للشمس بمسطرتي...!!! لازلت أحاول أن أطفئ... ناراً في القش بمروحتي!!! وأنتِ ما عدتِ بيتاً... من أقصي الأرض يناديني... فألقي فيه بأحملتي!!! ما كنتِ لديّ صدي صوتٍ... أو تذكاراً... أو أشعاراً بمفكرتي...!! بل كنتِ النور بأرجائي.. وملاكاً أسقط عن وجهي كل الأقنعةِ!!! إن كنتِ ستمضين بعيداً... فالتفتي خلفكِ وابتسمي... كي أبقيها في ذاكرتي!! في الوقت الضائع قد جئتُ... لا أعرف حمقاً أم ندماً... أم حسن الظن بمقدرتي... لا أعرف حقاً سيدتي!!! إن كنت فقدتكِ ذا اليوم... سأفتش عنكِ.. في كل مجرات الكون... وخلف جميع الأزمنةِ!! وسأجدكِ يوماً ساعتها... سأغير تاريخ ميلادي... سأغير اسمي لو شئتِ!! عفواً.. ما كنتُ لكِ دفئاً كما كنتِ أنتِ... عفواً... ما كنتُ لكِ وطناً... كما كنتِ أنتِ... عفواً... وأكرر أسفي سيدتي!!!! دمعت عيناها وعادت أناملها تتحسس سلسلته في عنقها.... عزيز يودعها بكلماته... يعتذر لها عن زلاته التي غفرتها له... غفرتها دون جهد يذكر... فقلبها الذي لم يعترف بغيره سيداً ومالكاً... لم يكن ليحمل نحوه مشاعر أخري سوي الحب... من للحب سوي عزيز...؟!!! وما لعزيز سوي الحب!!!! تنهدت في حرارة... وذكراه الحبيبة تتخلل مسام روحها ببطء.... هي كل ما تبقي لمؤازرتها في وحدتها الآن.... لتعود بذاكرتها للوراء... تسترجع لقاءها به أول مرة.... منذ سنوات.... "يا حلو صبح ... يا حلو طل... يا حلو صبح... نهارنا فل" انبعثت هذه الكلمات بلحنها المميز من المذياع القديم بمطبخ منزل رحمة... حيث وقفت ماسة تعد لهما الإفطار وهي تشعر بالسعادة المميزة لهذا اليوم... إنه أول يوم لها في معهد التمريض... لقد أوفت رحمة بوعدها معها... وساعدتها علي إكمال تعليمها حتي التحقت بالمعهد... وهي تنوي استغلال هذه الفرصة جيداً... لتثبت لرحمة العزيزة أن تضحيتها معها لم تذهب هباءً!! انتهت من رص أطباق الفطور على المائدة... طبق الفول "منزوع القشر" حتي لا يؤذي معدة رحمة الحساسة... وشرائح "الطماطم بالكمون" كما تفضلها.... والجبن قليل الملح مع الخبز الأسمر!!! إنها دوماً حريصة على أن يكون طعام رحمة صحياً لأقصي درجة... فصحة رحمة تشكل لها هاجساً منذ زمن بعيد... منذ وعت علي هذه الدنيا لتدرك أنها ليس لها سواها... وأنه لولاها لتلقفتها يد الموت ببساطة بعدما ألقاها -أحدهم-طفلة رضيعة جوار المسجد الصغير!!!! توجهت لغرفة رحمة كي توقظها... لكنها توقفت أمام المرآة الكبيرة القديمة في صالة المنزل... تأملت نفسها بتفحص ... جسد نحيف لا يغري بالنظر... وملامح عادية بسيطة... لا يكاد يميزها سوى عينين بلون الفضة ... رماديتين تزداد حدة لونهما أو تنقص حسب ما ترتديه.... واسعتين كفضاء بلا حدود... تظللهما رموش كثيفة شديدة السواد ... ويعلوهما حاجبان رفيعان يمنحانها منظراً ملائكياً!! ابتسمت في رضا وهي تعيد خصلات شعرها الملساء شديدة السواد للخلف... وذهبت لتوقظ رحمة عندما استوقفها رنين جرس الباب... توجهت للباب تفتحه بترقب... لتطالعها عينان بلون الزمرد الأخضر ممزوجاً بالعسل... عينان تنبضان بجاذبية كاسحة خاصة لفتاة بلا خبرة مثلها... تنحنحت في حرج عندما لاحظت تفحصه لها بدوره... فمنحها ابتسامة-مهلكة-كما شعرت بها وقتها ليسألها بصوته الرجولي الذي لم تسمع أعذب منه: _الحاجة رحمة هنا؟!! عقدت حاجبيها في دهشة لتهمس بتساؤل: _تريد أمي؟! اتسعت ابتسامته وهو يستند بكتفه علي حاجز الباب ليغمزها بشقاوة قائلاً: _وأمي أنا أيضاً! اتسعت عيناها في صدمة لتنتبه ساعتها للشبه الكبير بينه وبين رحمة... فأشارت إليه بإصبعها هاتفة بلهفة: _عزيز؟! أنت عزيز؟!!!! انتبهت من سيل ذكرياتها معه عندما بدأ القطار في التحرك نحو وجهته... دمعت عيناها وهي تشعر شعور من سُلخ من جلده... لقد رحلت عن عزيز ورحمة إلي الأبد... ولم يبقَ لها منهما سوى ذكريات... ذكريات ستبقى زاد قلبها في رحلته الطويلة.... ============= _رؤى! هتف بها فهد بلهفة فتوجهت نحوه بسرعة لتهتف بلهفة مماثلة: _فهد!!لقد كنت أبحث عنك! التقط كفها ببساطة ليهتف بمرح: _افتقدتك يا حبيبتي...لكنني سأعوضك عن غياب الأيام السابقة كلها!! ابتسمت رؤى في حنان وهي تنزع كفها منه بخجل قبل أن تملأ عينيها من ملامحه التي اشتاقتها حد الجنون... فهد جاسم الصاوي.... ابن جاسم الصاوي رجل الأعمال المعروف... وحبيب قلبها الذي دخل عالمها منذ بضعة شهور فقط ليقلبه لها رأساً علي عقب... وكيف لا؟!!! وفهد هو النموذج المجسم لكل ما تطلبه فتاة في فارس أحلامها... وسامته... حنانه... قوته... ثراؤه ومركزه الاجتماعي... وفوق كل هذا حبه ... حبه العميق الذي تشعر به يطوقها بحنان آسر!! تأملها بدوره وقد أسعدته نظراتها المتلهفة والممزوجة بعشقها الذي يشعر بكل ذرة منه... ليهمس لها بتردد: _كنت أريد أن أطلب منكِ شيئاً...لكنني أخشي أن تسيئي فهمي؟! | ||||
![]() | ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|