26-08-15, 11:09 PM | #1851 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| بعد مرور ثلاثة أشهر... "صدقني مهاب... لا يجب أن تظل تحوم حولي مثل الدجاجة... صحيح أن حاتم أوصاك بي لكنني أستطيع العناية بنفسي بشكل جيد". لم يعر زوجة والده أي انتباه، و هي تتلفظ بكلماتها مغلفة بأقوى غلاف من التهذيب و الشكر، بينما كلاهما يعرف أنها لا تريده أن يحوم حولها كالدجاجة الأم! و كلما حاولت التخلص منه وجدته يتحدث بشكل مباشر دون أن ينظر لعينيها... "والدي طلب مني أن أعتني بك و هو مسافر... لذلك لا تحاولي مجرد محاولة أن تخرجيني من هنا!" ظلت تحدق به و هي تراه يدور حول نفسه محاولاً إيجاد عمل يضاف للعناية الخارقة لزوجة أبيه... وسادة تحت قدميها التي بدأت تنتفخ مع دخولها الشهر السادس في الحمل... يتجنب بكل قوته النظر لبطنها البارزة بشكل كبير، و كأنها في الشهر التاسع لا السادس... يتجنب أيضاً النظر لعينيها لأنه يعلم كم هي ذكية هذه المرأة، و هي قادرة على الولوج إليه عبر عينيه حتى و لو كانت حامل! في الحقيقة هو يتعامل معها كأنه مراهقة حمقاء تخجل من حبيبها الوسيم بتجنب النظر لعينيه مباشرة! لا يدري لم راق له التعبير؛ لترتسم بسمة ساخرة على شفتيه، سرعان ما انكمشت و ماجدة تحاول النهوض... "لا تحاولي..." تحدث بصلادة و هو يضغط على كتفها برفق أن تظل جالسة، لكنها أزاحت يده و هي تشير للشرفة أمامها... "أريد الذهاب للشرفة مهاب... أنا بحاجة للتنشق للهواء النظيف". "يمكنك ذلك هنا ماجدة... فقط خذي نفساً عميقاً هنا و أغلقي عينيك و تخيلي أنك في الشرفة... و قبل أن تقولي كلمة أخرى، سأخبرك أن المطر يكاد يخلع الزجاج من شدته... نحن في فبراير يا زوجة أبي... فبراير يعني برد... برد قوي و شديد!" أغلقت عينيها بحلم و هي تحاول أن تنفذ رغبات زوجها؛ بتحمل هذا المتفلسف... "مهاب، لقد عشت في بلجيكا الأعوام الفائتة... هل تعلم كيف الجو هناك؟... ليس برد، و لكن ثلج... و كنت لا أختبئ كالدجاجة في الخن... بل أخرج و أتأمل ملكوت الله". "نعم... كلام جميل... بلجيكيا ستكون وجهتي المقبلة... المهم هنا أنك تسقطين أهم شيء... و هو أنك لم تكوني حامل سيدتي... و أنك لم تكوني مصابة بضغط الحمل سيدتي... و أن صحتك ليست على ما يرام سيدتي، و عندك نقص في الفيتامينات و نسبة الحديد بدمك ليست جيدة... مما يعني أن مناعتك ضعيفة... و المناعة الضعيفة زوجة أبي ليست مؤشراً جيداً، لأجلك و لأجل الأمانة التي في بطنك!" أسقط في يدها كما يقال و لم تجد ما ترد به عليه، لكن الروح التي فيها تأبى الاستسلام... "حسناً... ستنام بعد لحظات و سأرى المطر بأي طريقة ملائمة!" رفع عينيه لأعلى يرجو الصبر... "الله يعينك يا والدي!... يا ماجدة، أنت سيدة كبيرة و واعية... لا تفعلي كمن يقطع أذنه نكاية بفمه!" "يا ذكي، هي يقطع (أنفه نكاية بنفسه)..." "أظن أن من حقي أن أؤلف الأمثال..." ثم ابتسم الابتسامة الفاتنة خاصته، و هو يجد لذة في مشاكساتهما اليومية... "هل تعلمين؟... أعلم الآن من أين أتت دعد بمزاجها المتقلب... قد تبدين هادئة لغير المدقق... لكنك شعلة حقيقية فقط لم يقترب منك و يلسع بشرارتك!" لا يفهم لم حل سكون غريب عليها، و هي تتذكر ابنتها المعتزلة عنها... لا تدري عنها إلا شذرات قليلة وصلتها من مهاب، و فاتن التي تتعامل معها ببرود مؤلم... أخبرتها أنها سعيدة جداً مع زوجها الذي يعشقها... لقد نلت ما تريدين دعد، فهل يوجد فيك أي لمحة للمغفرة! لا، لا يوجد، و الدليل على ذلك قطع وصلها مع أمها... تعلم أن ابنتها أقوى من أن يسيطر عليها الصانع، لذلك تعلم أن استقطاع أمها من حياتها كان قرارها الشخصي... "ماجدة... زوجة أبي... ما الذي حل بك؟؟" حدقت به لثوان، و كأنها لا تعرفه... لقد غفر لوالده بسهولة لا ممكنة... يمكنها ان تعتبره رجل طيب... رجل فيه حنان، فقط لمن يستحقه... تنهدت تنهيدة كبيرة، و هي تحاول أن تتجاوز الموضوع... فقط لتصبر حتى ميلادها و ستعود بكامل قوتها القديمة، و ترجع هذه الفتاة لعقلها حتى لو شدتها منه! "لا شيء مهاب فقط....... هل تعلم؟؟... أنت تناديني بثلاثة أسماء... ماجدة... زوجة أبي... و سيدتي... لم لا تناديني خالتي و تنهي الأمر!" ابتسم نصف بسمة و هو يجلس قبالتها عالماً بشكل أو بآخر أن ما ينغصها هو دعد... لذلك جارها في كلماتها، ليس لسبب سوى الحفاظ على استقرار حملها... "حسناً خالتي، خالتي... رغم أنك لا تكبريني إلا بخمسة عشر عام... لكن ما يريحك يريحنا خالتي ماجدة..." روحه المرحة نجحت في انتزاع بسمة على شفتيها، ليتابع بمرحه... "الآن فهمت كيف والدي صار صريع تحت قدميك... تلك البسمة كافية لتخر الركب أمامك!" "أيها المنافق الأشر... يكفيك تملقاً..." "ليس تملق لكن وعد... لم لا تنسي المطر خارج البيت و تقنعي برؤيته على التلفاز... تخيلي الحياة هكذا معه بطريقة جميلة... أليس الخيال هو الوسيلة الأولى للتطور و الاستمتاع!" "حسنا ًأيها المتخيل... أعدك طالما أنت راعي الخراف حولي، لن أخرج للشرفة... لكن ما أن يعود زوجي من سفره، فلنا شأن آخر!" حل هدوء مكان المرح الذي كان موجوداً بينهما، إلى أن قاطعته ماجدة و صوت المطر الذي يضرب زجاج النافذة أعطاها شعوراً جميلاً... "هل يمكنني أن أسألك سؤلاً لا يخصني؟..." لم ينظر إليها و هو يهز رأسه بإيجاب، عالماً أن عينيها ملتصقة بملامحه... "كيف سامحت حاتم بهذا اليسر و هذه السهولة؟؟... هل كان جرمه قليل، لتغفر بسرعة أم......." "أم؟؟" تساءل بنصف بسمة مريرة، لتكمل بنفس اللهجة... "أم أنك تجيد العفو... فقط من تحبهم كفاية تستطيع أن تغفر لهم بسهولة... أو ربما حبك لوالدك ضخم بطريقة جعلت الجرم أيا كان تافهاً لتخسر مثل هذه الصلة!" لم يرد عليها لأنه لم يجد ما يرد به عليها... كان قد توقف عن الخصام و القطيعة مع والده، لكنه توقف عن سكب مشاعره المحبة بشكل كامل، إلى أن عرف بحمل المرأة، قبل عدة أشهر... يومها اتصل والده به و هو بحال لا ممكنة... في تلك اللحظة، علم أن والده ليس ذاك الضخم الذي لا يؤثر به شيء... ليس مسلماً به كالشمس و الهواء... هو كائن حي يضعف و يحتاج سنداً قوياً من صلبه له... "ربما لو أخبرتها بحالتك الصحية ستجدينها هنا متجاوزة كل المشاكل التي بينكما..." فوجئت به يقطع الصمت بجملته، لتسأله بحذر... "هل تعرف ما سبب القطيعة بيننا؟..." لم تحاول أن تضيع الوقت و تسأل من هي و كيف عرف... امرأة ذكية يستطيع أي كائن أن يحبها... ما عدا ابنتها بالطبع! "لا، لست أعرف... لكنني أعرف أنك تتمنين أن تريها... بكل ما فيك تتمنين ذلك..." ثم ابتسم بسمة مريرة و أخرى تطل عليه بنظراتها الميتة، تحلم بالأمومة... "صدقيني ماجـ.... خالتي... صدقيني لا يوجد ما هو أجمل، من أن تكون لك ابنة... من لحمك و دمك... تضمينها لك... صدقيني الحياة قصيرة لكي نقضيها بالشجار... لذلك عدت لأبي... لأنه أكثر من أضيع ثانية واحدة معه بالخصام..." ثم بكرم حاتمي أحمق غبي، و كأنه نسي العلامات التي خلفها شجاره الفائت مع زوجها، عرض... "هل تريدينني أن أحضرها هنا؟؟" "و هل أنت تزورها؟؟" ابتسم بسمة مرة... "لها زوج مجنون بالغيرة... لذلك حرم علي زيارتها في بيتها و قد علم أننا كنا من قبل مرتبطين... لذلك التواصل بيننا قل و عادة يكون عبر مواقع التواصل..." نصف بسمة ارتسمت على شفتيها... "لقد أخبرتني دعد، أنه كان ارتباطاً مزيفاً!" مرر أصابعه في شعره بتوتر، و هو يرد عليها... "ربما الأحمق زوجها، لا يستطيع فهم ذلك... هي أخت لي... فقط أختي". اتسعت نصف البسمة لتتحول لكاملة و هي تقول... "دعد ابنتي أقوى من أن يتحكم بها رجل كما يريد... ربما هي رأت خللاً ما لم يره زوجها لذلك تتجنبك... يوجد شيء ما مهاب أليس كذلك؟... شيء يمنعك أن تقتحم بيت الصانع مثبتا أخوتك لهاً... و كأنك تخاف من أن يؤثر هذا الشيء على حياة الفتاة، أو ربما العكس... تخاف لأجل هذا الشيء!" لا يدري لم شعر برجفة بقلبه مع كلمات المرأة الغريبة و التي بدا و كأنها تعري كل حواجزه و تقرأ من عمق عمقه! نعم يوجد شيء... شيء له شعر حريري طويل أسود... شيء له عيون زرق باردة و لا يفهم كيف تحرقه... بشرة شاحبة... قامة مثيرة... فتاة يعشق أصغر تفصيلة بها! فتاة وجد نفسه يخترق كل حواجز احترامه لذاته و هو يعيدها لعصمته... فتاة حرم على نفسه و عليها قربه لكي تقنع بحاجتها للتخلص من ادمانها المهين... فتاة يريدها... يا الله كم هو محتاج لها!... قد تبدو بعيدة فارغة لا تعطي... لكنها بتنفسها، بتواجدها بكل ما فيها، بكل ذلك، هي تعطي دون أن تدري! نعم هو عاشق للين... يعلم ذلك... و يعلم أن هذا أغبى شيء حدث له... يعشق مدمنة فضلت حبوبها على كل شيء مشتملة إياه... يعشق عقيم لن يرى طفلاً منها... لن يجد من يقول له أبي... يعشق مطلقة و يعلم كم يسترخص الكل من حملن هذه التسمية... يعشق مجنونة لا يمكن التنبؤ بأفعالها و أقولها... و رغباتها تكون عجيبة... لا يوجد رادع لها، و لا حدود أمامها في سبيل تنفيذ رغباتها... و المشكلة أنه يعشقها لأنها هي هذه الخلطة المجنونة! "مهاب..." التفت لزوجة أبيه التي تحدثت بهدوء شديد... "هل فعلاً لك شيء عند الصانع؟!" لا سيدتي... للأسف لا شيء لي عند الصانع... لكنني كلي انا عنده! *** "احمليه جيداً دعد... ليس هكذا... يا ربي، في كل فتاة أم تجيد التعامل مع الأطفال بالفطرة إلا أنت!" بتوتر و عصبية و رغبة مجنونة بالنجاح بالذات أمام زياد، الذي لا يسمع الحديث و لكنه يراها و هي تكافح بكل قوتها مع الطفل البدين بعمر شهرين و نصف... "أنا أحمل الولد جيداً... فقط أنت المجنونة بابنك... و كأنك أول أم في التاريخ... ها أنا ذا أضع يدي تحته بشكل جيد و أضمه بحنان لصدري... و يدي خلف ظهره تسنده... بينما أنت فقط تنتقديني..." ثم مالت بعنقها تحدث الطفل... "الله يعينك يا كمال... ستقتل أمك أول فتاة تحبها... و حينما تتزوج سوف تنتحر زوجتك من تملك أمك المجنون!" انتفضت فاتن بعنف و هي تقفز لتتناول الطفل منها بغيظ... "هاتي ولدي... هاتيه، أنت لا تستحقين أن تحملي مثل هذا الملاك البريء..." انقلبت ملامح دعد، و البريء يتقيأ بعض الحليب على صدر أمه ما أن حملته على كتفها... "فعلا بريء... و رائحته حالياً كبريء... و أنت كذلك بنفس الرائحة..." و مالت لتشم مؤخرة الرضيع باشمئزاز أغاظ فاتن أكثر و أكثر... "و الآن الرائحة مضاعفة... أرجوك خذي بريئك و أعفينا من رائحته!" "تسخرين من ولدي يا مهندسة..." التفت لفاضل الذي اقترب مع زياد، و قد شعر أن زوجته بحاجة لمعونة من لسان دعد الذي انطلق بمزاح سمج! "لا أسخر فاضل..." تحدثت بسرعة و هي ترى فاتن تتوقف بفضول في منتصف الطريق لتبديل ثيابها و ثياب الطفل... "لكن زوجتك تعامل الطفل و كأنه من ورق بردي، سيذوب في قطرة ماء!... انظر كيف تحمله... انظر... أليست نفس الطريقة التي أحمله بها... و كلما حملته تعلق علي و تنتقدني... و كأنني معتادة أن آكل الأطفال الرضع!" "هل سمعت؟؟... هل سمعت؟؟..." التفت فاضل لفاتن مرة أخرى ليجدها اقتربت، تتحدث بأريحيتها و اقتحامها لكل الحدود مع زياد... "هذه العودة تسخر من ولدي زياد!" بتلقائية مد زياد يديه ليتناول منها الطفل و سلمته إياه بسهولة جعلت دعد تبادل فاضل نظرة مذهولة، لكن الذي أشعل بها مشاعر مرتبكة هو الحنان و التلقائية التي شعت من زياد و هو يحمل الطفل متجاهلاً قيئة و رائحة حفاضه... "و الآن أيها الملك المدلل... ألا ترى كيف يتشاجرن كل السيدات لأجلك و لأجل هذه الوسامة المذهلة؟... هذا و أنت مازالت رضيعاً، فكيف سيكون الحال و قد صرت بطول الرجل الذي يحملك..." كان يميل بحنان ناحية الطفل الذي لم يبك و لم يفعل أي فعل متضايق كما يفعل كل مرة مع دعد! الحمد لله أنه ولد و إلا قالت أنه أغوى الطفلة بحفاضتها! "لكن أمك تقول عن زوجتي عودة... هل تراها عودة؟؟ لحظة لست اسمع". قرب أذنه الخالية من الحلق من الطفل بطريقة أرجفت قلب دعد اكثر... "اممممممم نعم نعم... فهمت عليك... هكذا هن النساء... دوماً تكون لهن أفكار غريبة بعض الشيء!" "ماذا يقول لك؟!" خرج صوت فاتن حاداً بجدية، جعلت حاجبي دعد و فاضل يرتفعان للحظات، قبل أن ينفجر الكل ضاحكاً عليها و قد احمر وجهها و زادت عصبيتها... "في الحقيقة، أنت و زوجتك العودة لا فائدة منكما... هات ولدي هاته... هو الوحيد الذي يفهمنني!" "لأول مرة أرى امرأة تتوحم قبل الحمل و بعده!" همست دعد لفاضل، و هي ترى زوجها يحك رأسه الحليق بدهشة مازالت مستوطنة داخله... منظره و هو يحمل الرضيع أرجف قلبها... تعلم كم يعشق زوجها الأطفال... هي أيضا تحبهم كثيراً... لكن ليس مثله... لذلك كلما تتأكد من فشل رحمها بأن يحمل فيه جنيناً، تشعر بشعور سيء و قلق لا مبرر له تجاه حياتها الزوجية. شعرت بفاضل يتحرك بضيافة، لم تعرف أنه يمتلكها ناحية زياد الواقف بارتباك و حيرة، مع شعوره بعدم الانتماء لهذه الأسرة على الرغم من انفتاح فاتن معه، و محاولات فاضل أن يكون مضيافاً أكثر من اللازم معه... هو لا يشعر بالانتماء إلا مع كمال... الطفل الذي حمله باندفاع أول ما خرج من غرفة التوليد... كانت في المكتب مع فاضل ينهيان مشروعاً ما و قد استعادت دعد عقلها الذي كان مهاجراً في الصين... و إذا به يقف بتوتر و قلة حيلة و هو لا يعرف ما ينبغي عليه فعله، بعد مكالمة قصيرة من خادمة زوجته، لتتبناه دعد بثوان و تأخذه للمشفى و تبقى معه، تسانده، ثم لحقهم زوجها... كانت أول مرة يرى فيها طفلاً رضيعاً يخرج من غرفة الولادة بملامحه المنتفخة، و شعره الأسود الناعم، و فمه المفتوح على وسعه بالبكاء الناعم... يا الله ما أجمل بكاء الرضع!... فكر زياد... يجب أن يجعلها نغمة لهاتفه المحمول! المهم، أنه بعد هذه الصلة، أصبح صديقاً للعائلة مرحبا به، خاصة أن دعد أصبحت دعد مرة أخرى... "اعذريها دعد..." تحدث فاضل مخرجاً زياد من أفكاره... "هي فقط ترى أن أعني... تعرفين كيف الأمهات يكن مجنونات بطفلهن الأول!" ملامحها تجمدت لثوان لم يلاحظها إلا زياد و هي تدرك أنها لم تشعر بعد بهذا الشعور... مجنونة هي تعلم ذلك... و إلا ما كانت تفكر بالنقائص بزواجها بهذه الطريقة!... خصوصاً أنها مازالت في أول زواجها! "كم حسنة أعطيتموني و أنتم تنهشون في سيرتي!" "فاتن أنت اليوم حقاً متفجرة بالطاقة!" جلست بقوة جوار دعد... "نعم أنا كذلك... لأنني لست عودة مثلك... يا إلهي دعد كم أتمنى أن أراك حامل و قد فسد جسدك الجميل... يا للجمال وقتها حينما أكون أنا و أنت مثل بعض!" "لن يفسد جسدي مع الحمل و خلافه... أنا أحافظ على أكلي... و لا أترك تماريني رغم كل شيء!" "هل ستقولين؟؟ تمارينك خط أحمر!" التفت لزياد الذي أخذ صف فاتن بطريقة دفاعية لأن فاضل دوماً بصف دعد... "أنظر، أنظر من يتحدث هنا... زياد... هل أتحدث أم أترك الجيوب مغلقة!" "لا أريد إلا كوب شاي لتكتمل متعة المشاهدة..." خرج صوت فاتن مستمتعاً و هي تتراجع بجلستها على الأريكة براحة... "أخيرا سيتشاجرا طائري الحب!" "لن نتشاجر!" التفت دعد إليها بعنف، قبل أن تنهض لتقف جوار زياد و تمد يدها تتأبط ذراعه بتملك و انتماء... "فقط نسايرك... نحن لا نتشاجر أليس كذلك زياد!" و قبل أن يرد زياد برد لا نعرف أهو في صف حليفته أم حبيبته، فوجئ الكل بفاضل يضحك بقوة... "مازالت قواك فعالة سيدة فاتن... لم لا ترينا مواهبك الرائعة في الطهو... ضيوفنا ينتظرون العشاء!" احمر وجهها باعتذار و هي تنهض مادة الطفل لفاضل الذي تلقفه بهدوء و هو يريحه في حضنه بفخر، جعل توتر زياد يشتعل و يده ترتفع لحلقه و زادت درجة التوتر و هو يرى دعد تلحق المرأة لتعاونها في تقديم العشاء... *** | |||||||||
26-08-15, 11:10 PM | #1853 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| كانت الغيوم مازالت تتكوم في السماء بانتظار اطمئنان الغافلين لها، لتنفجر مرة واحدة ساكبة كل ما بها من أمطار، لتعود تتكوم مرة أخرى... كانا صامتين طوال طريق العودة من العشاء، في بيت المفتي... هي بتردد لما تعتزم فعله و يدها تتحكم بالمقود باقتدار، و هو للأمانة لم يهضم بعد أن يجلس جوارها و هي تقود بينما هو يعد الأشجار! فجأة انتبه إلى أن الأشجار لا تنتمي للطريق لبيتهم، لكنها أشجار شارع آخر... و بتدقيق بسيط قرر أنهم يتجهون إلى البحر... دون تردد فتح النافذة رغم البرد و سمح لهواء البحر برائحته الفاتنة أن تدفئ السيارة... ابتسمت مع الرائحة، ثم أوقفت السيارة، و كلاهما ينتظر السؤال او الجواب من الاخر... أخيراً حسمت ترددها، و هي تفك حزام الأمان عن صدرها... "لا أدري إن كنت سأنجح أم لا..." حاول ألا يظهر أنه فهم، لتتابع بعد تنهيدة صغيرة تحسم ترددها.. "لكن التجربة هي الطريق المباشر لكي أعرف..." و على ضوء برق سطع بتحذير قبل الرعد... "ما رأيك أن أجلس مكانك، و أنت تقود..." عقد حاجبيه، فتابعت بتوتر خوفاً من أن تفشل... "كما تعلم، لقد قرأت في كثير من المواقع عن طرق لمحاربة دوار الحركة، إلى أن تواصلت مع أحد الاستشاريين في فرنسا... طبقت كل تعليماته، و الآن أشعر أنني نوعاً ما جاهزة لأن أجرب حلم كل فتاة..." "حلم كل فتاة؟؟" تساءل متجاوزاً كل ما قيل، و هو يعلم أنه أمر فاشل... لأنها خلال الأشهر الثلاث الفائتة حاولت أكثر من مرة أن تتحمل ان تجلس جوار السائق لكن الأمر كل مرة ينتهي بها و هي تتقيأ على الرصيف! "نعم... كل فتاة تحلم بأن تدقق بحبيبها و هو يقود... مركز بكل ثقله في الطريق و هي تنحت ملامحه في ذهنها... هو حلم رومانسي... ثم يستدير و يبتسم لها... لا أستطيع أن أشطط بأحلامي أن أضع رأسي على كتفك... فقط أريد أن أتأملك!" بسمة باهتة لونت شفتيه، و هو يميل ناحيتها في الشارع الفارغ تماماً في هذا الجو الممطر... "حاضر يا دعد... طالما أنت تكافحين، فأنا سأكون معك... جيد؟؟" ثم حملها بيسر لتستقر مكانه و استبدل الأماكن، مراعة لكي لا يخرج كلاهما للمطر، لكن تلك الحركة اشعلت كلاهما مرة واحدة... و كما توقع... خلال ربع ساعة كان يساعدها لأن تستقر مرة أخرى في مقعد السائق، بعدما تجنبت لحسن الحظ التقيؤ في الطريق الممطر... لحظات مرت و هي تعب الهواء النقي من النافذة بينما الاحباط يملأها... "لا تقولي شيء!" تحدث بسرعة و عيناها البائسة تلتقي بعينيه الحنون... "أنا لا أريد ذلك الشرف... صدقيني بالبدء كنت لا أطيقه... لكنني الآن أجده أمراً عادي... لا تهتمي... و مادام الأمر مهما بالنسبة لك، فأنا معك كيفما كان... لكن لا تضغطي على نفسك... لكل شيء وقته الملائم له... ثقي أنك ستفعلين عندما تكونين قادرة!" مسحت الدموع قبل أن تسيل من عينيها و هي تقول بقهر ذاتي... "فقط لو كنت مثل كل النساء... فقط لو كنت قادرة على أن..." لم تكمل و غصة تخنقها.... منذ أن تصالحا و هو يثبت أنه كما كانت تتمنى... نعم الزوج... نعم السند... نعم الرفيق... و طبعا الحبيب. كان يستحق كل ما بذلته من جهد لأن تستقر على كتفه آخر الليل... عاملها المعاملة التي تحلم بها أي أنثى عاشقة... صحيح أنه قد يثور بسرعة لكنه يخمد بسرعة... يعتذر عندما يخطئ... يفاجئها بكوب شاي من اعداده و هي منهمكة في عملها... يصنع بيديه مائدة افطار خاصة بهما... يأخذ رأيها، و تشاوره في عملها... روحان منسجمان بكل المقاييس... و هي علمت من ذلك انه يحبها دون كلام... لكنها دوماً تبحث عن نقيصة في سعادتها.. تخاف أن يبتعد عنها بسبب هذه العلة المقيتة... تخاف أن يبحث عن غيرها إن تأخرت في الانجاب... تخاف أن يبعد عنها لأي سبب مجنون... أحياناً تحلم أن تحاول –و طبعا تفشل- أن تحب جو فقط لأجل أن يبقى لها... تعلم أن تعلقها به مرضي... و تخاف كثيراً أن تظهر هذا التعلق المجنون بشكل علني، كي لا يتركها مشمئزاً من ضعفها أمامه، و هي تدري أنه يعشق قوتها، و ثقتها... تلك المخاوف اللا منطقية تنسج دوماً فيها شعوراً بعدم استقرار... و أسوأ شيء أنها لا تستطيع ان تصارحه! تنهدت دون كلام و هي تدير المقود متحركة للبيت... *** البرد الذي ينتشر في كل مكان لم يؤثر بها... نافذتها مفتوحة و قطرات الماء تتسلل للغرفة، لكنها لم تهتم... جهاز التدفئة متوقف و هي تستمتع بالبرودة اللاذعة... لم تهتم و حريق بها يمنعها من أن تشعر... حبة... حبتان... ثلاث... لا يهم العدد... المهم أنها مخدرة عن واقعها... شتمت شتيمة أجنبية قذرة و هي تفرك جبينها... لو تستطيع أن تخطفه! لو تستطيع أن تسرقه مرغماً ليقبلها كما هي... تأملت الغطاء الأبيض لعلبة الحبوب... بسمة مقيتة ارتسمت على شفتيها و هي تتخيله مثلها مدمن عليها... ربما ترشو خادمه لكي يضيف تلك الجرعات في طعامه فيدمن دون أن يدرك... و بذلك ينتهي هذا الحاجز الكبير بينهما... كانت بسمة خيالية، لأنها تعلم كم يهتم مهاب بصحته و يجري فحصوص شاملة كل شهرين أو ثلاث... البسمة تمددت لضحكة، و هي تفكر بآخر مرة أجرت فيها فحص... كان ذلك في حادث انتحارها الغبي الفاشل... لم تتأثر مع تلك الذكرى و كأنها كل يوم تقوم بالانتحار المجنون... لم تتأثر و كأن الحبوب تخدر كل حواسها إلا الاشتياق... سطع البرق بقوة فنهضت... مالت بعنقها تتأمله من النافذة... تذكرت عندما كانت في الثانية عشر، و قد استغل زياد سفر أمها، باللعب بالماء معها... و بقوة صوبت خرطوم الماء ناحية أخيها الذي فر، ليصدم قابس كهرباء لا تفهم حتى الآن سبب وجوده... المهم أنها نالت صدمة كهربائية كادت أن تقتلها... جسدها طار لمتر و قد تيبست بالكامل... و بعدما غادرها الطبيب و بقي زياد طوال الليل يحوم حولها مرعوب لأجلها مع علاء... المهم أنها بعدما ناموا كلهم أغلقت عينيها ببسمة و هي تتذكر ذاك الألم الغريب... ألم قوي لدرجة أنه فريد... ألم لم تشعر إلا أنه سماوي... شيء كوني... كاصطدام النجوم و ابتلاع الثقوب السوداء للمجرات... لابد أنه تألمت بتلك الطريقة! لا تدري لم ذكرها منظر البرق بتلك الحادثة... لا، لم تعري سلكين و تمسكهم... لكنها أحبت الشعور بوجود ذكرى غريبة عندها... جنح تفكيرها مرة أخرى متجاوزاً الإلهاء المتعمد لمهاب... أغلقت عيناها و الرذاذ المتسلل من نافذتها يضربها... متى ستحن يا مهاب... متى ستقبلني كما أنا... اعتبرها عاهة مستديمة... اعتبرها مرض مزمن... اعتبرني أعاني من ألم عضوي أزلي لا يزول إلا بهذه الحبوب... لم لا ترتقي بتفكيرك و تعدل في ميزانك و تحترم الألم النفسي كما العضوي... عادت ذاكرتها لذلك اليوم الذي كانت فيه كالصنم و لم تفعل إلا أن وضعت وشاحها على كتفيه... سكونها هذا بدا لها و كأنها نالت جرعة من حبوبها... ألم الرجلين الأعز على قلبها و هما يتناحران على شيء لا يعرفه كلاهما أراحها... هل الألم بهذه الطريقة يريح؟؟ لا، لا يريح... و لم ترتح إلا بعدما اتصلت بحقارة بعلاء تسأله عن مهاب بعدما أغلق الأخير هاتفه... البسمة تتسع.. علاء الذي جاوبها بهدوء شديد أنه أوصله لشقته و أوصاه ببعض المسكنات و.... فقط... الرجل الثلجي عاد بكل قوته... يخبرها بالأمر و كأنه يمنحها آخر أخبار الطقس! عادت رغباتها بمهاب كما كل مرة تلتف حول الملهيات و التشعبات في تفكيرها و من ثم تتصدر الحاجات كلها... تذكرت تشبيها راق لها قديما... يجب أن يصنعوا حبوب من الحبيب و توزع بكبسولات... و هكذا ينتهي التوق بحبة أو اثنتان... فكرة مجنونة او عبقرية، لكنه لا يهم... تناولت الهاتف و طلبت رقمه... ظلت ثواني تنتظر أن يرد ، أو يفصل الاتصال... لكنه لم يحدث... بتعود انتظرت انتهاء الرنين، ثم أرسلت رسالة... (اشتقت لك... ألا تشتاق؟؟) على الطرف الآخر بسمة مرة ارتسمت على شفتيه، و هو عكسها ينعم بدفء التدفئة في غرفته التابعة لبيت والده... (و هل يهمك الأمر؟... أستغرب حقاً أن تشعري بشيء بعد تلك الجرعة!) تلفتت حولها برعونة و كأنه سيطل عليها، ثم انتصبت بجلستها بخجل من تفكيرها... (بل يهمني... جداً يهمني... مهاب... تعال إلى الشقة... و أعدك ألا تتركها بعد الآن!) ابتلع ريقه بعجز و هو يمسح الصورة التي أرسلتها لنفسها و هي راقدة على الفراش في قميص نوم حريري سماوي... شعر أولا بتصلب الحاجة و الرغبة في جسده... ثم اندلعت فيه حرارة غضب جعلته يطلب رقمها لينفجر عبر الأثير... "أهكذا تظنين أنك تجذبيني... كلب تلقين له عظمة مجوفة ليلعقها و فقط... أهكذا تتصرف فتاة تحوي داخلها ذرة واحدة من الأخلاق... أتعلمين... توقفت منذ زمن بعيد بالأسف لأجلك... من آسف عليه هو أنا... أنا الأحمق الذي ظن للحظات أنك تستحقين... أن الكفاح لأجلك و معك يكون ذا جدوى!" لم تهتم و لو لذرة واحدة لتأنيبه، و هي تهمس بإغراء احتقر نفسه لأنه تأثر به! "لم لا ندع هذه الاهانات التي تعلم أنها لن تؤثر بي قط... فقط دعنا نكن كما كنا مهاب... أتذكر... أتذكر عندما اشتعلنا معا لأول مرة... أتذكر مهاب عندما تلفح صدرك كله بشعري ذات مرة... أتذكر عندما...." "نعم لين أذكر... أذكره كله... كما أذكر عندما خدعتني لأجل قهر خطيبك... أذكر عندما خدعتني لتنتقمي من أخيك... أذكر عندما خدعتني لأجل أهوائك المجنونة... اللعنة لين أذكر... أذكره كله... و ألعن نفسي كل يوم لأنني أهين نفسي و اربطها بك!" احتد تنفسها لأول مرة و هي تتلقى اهاناته التي تشبعت بمرارة و احتقار ذاتي، آلمها... "إذن ما الذي تريده مهاب... لا تستمتع و لا تمتع غيرك! ما الذي تريده مهاب... حبوبي أم أنت؟؟ أهذه هي الكفتان التي تساومني على ارتقاء احداهما... ألا ترى كم أنت متخبط زوجي العزيز... " أغلق عينيه و هو يستصغر نفسه مرة أخرى لدرجة أنه يشعر كما لو كان قن من عبيد النساء! "لين... إلى جهنم!" و أغلق السماعة و هو يغلي... يشعر بغليان يحرقه كحمم حارقة... يا ربي لو كانت بين يديه... فقط فلتتجرأ و تفعل ما أخبرته بتحدي أنها قد تفعله و تقتحم بيت أبوه بوثيقة زواجهما! حمد الله أنه مسافر لأكثر من شهر... و إلا لقابل العروس المجنونة! مرغما تأمل البرق و هو يشعر بالألم منها و لأجلها... و من ضعفه و هوانه... أغلق عينيه بحسم... هذه هي القاضية لين... هذه هي القاضية! *** كعادته يقف أمام نافذة مكتبه العالية و المطر يضربها... المطر الذي لم يتوقف منذ الامس... الوقت يبدو و كأنه المغيب لكنها كانت الظهيرة... تفكيره جنح لشيء آخر... اليوم سيقابل العروس التي اختارتها أمه له... ابتسامة ساخرة رآها أمامه على الزجاج و هو يتذكر الجنون الذي بدأ يسليه و هو يفقد أمه عقلها بشروطه... فلا الطويلة أعجبته و لا القصيرة و لا متوسطة الطول... و لا ناعمة الشعر و لا خشنته و لا البين بين... و لا الشقراء أو الصهباء أو حتى بنية الشعر أو سوداءه... و بكل تأكيد كل درجات ألوان العيون لم ترق له... لكنه و لأول مرة يرى أمه مثابرة لا تتوقف... تعمل بجد و هي تخرج قائمة خلف الأخرى... و هو يتسلى بالرفض و التمنع! ضحكة عالية برزت في صمت الغرفة و كلمة تمنع تشعره بأنه عذراء خجول... اعتدل بهدوء و طرقات الباب الثابتة من سكرتيرته التي بدأت تفهم مهامها تسللت لعقله... "سيد علاء... السيد زيـ............." "علاء لم لا تطرد هذه الحمقاء... كم مرة قلت لك أنا لا تنفع للعمل معك!!" ابيض وجه الفتاة و كأنها تلقت الطرد من العمل، إلا أنها أسرعت للخارج مع نظرة علاء التي تعلمت أنها تطردها من المكتب – لا العمل- دون كلام! "زياد..." تحرك ناحيته بترحاب واضح... " مر وقت طويل!" نعم مر وقت طويل و هو يتجنبه بعد الخلاف الذي حدث بينه و بين مهاب... وقتها اعتزل الكل في شاليه هادئ يمتلكه... جلس مع نفسه و قرر أن يحدد أولوياته... أولوياته دوماً هي زياد... وازن كفتي ميزان... غضب زياد الغير معروف أبعاده، أو خيانته له بإخفائه كل فضائح أخته... يحاول أن يوازن الكفتين دون جدوى... لذلك قرر بهدوء أن يترك كل شيء... ستجن لين... لن تصبر أكثر... كرهها لزياد لن يجعلها تقف عند هذا الحد... و هو يريد أن يكون موجوداً ليسند زياد عندما تطعنه... سيكون درعه و ربما... سيفه! "زياد... مر وقت طويل!" انبته لسخرية زياد الواضحة منه، و هو يكرر نفس كلماته... ثم تحرك بخفة ليجلس على احد الكراسي بعدما خلع سترته الجلد البنية المتلائمة مع سرواله الجينز البني الداكن... "قلت لنفسي أن الرجل متضايق لفض الارتباط بينه و بين أختي، لكنني لم اتخيل أن تنسني..." رفع يده بإشارة قف لعلاء الذي أردا أن يبرر، ليكمل هو بجدية... "لقد اتفقنا منذ البداية أيها المحامي النبيه، أن رفضها أو قبولها، لن يغير في علاقتنا شيء... أليس هذا اتفاقنا و أنت تؤكد لي أن ما بيننا ثمين لا يعوض... لكن عقودك سيدي المحامي بحاجة لمحامي آخر ليوثقها!" ابتسم ابتسامة مريرة و هو يتحرك ناحيته... يا ربي كم هو محروق من أن أنه يكذب... يكذب أكثر و هو يعذب نفسه بالبحث عن طلاقهما ليجد أنه لا طلاق، بل طلقة وثقت في المحكمة ثم ردها على ذمته! و هو الآن يشعر أنه كائن رخوي مقزز كعلقة لا فائدة منه! "لا... ليست هذه هي القضية... امممممم أنت تعلم أنني سأحصل قريبا على ما أريد من أبي..." تحدث بهدوء، ليرد زياد بمشاكسة و هو يضع ساقا فوق الأخرى... "و لأجل ذلك تعتزل صديقك!" أغلق عينيه بحلم و هو يكره نفسه للأريحية التي يعامله بها زياد... "أعني أنني كنت فقط مشغول... ثم أنت لم تمر علي من قبل!" تحدث باتهام جعل يد زياد تمتد باسترخاء على ظهر الكرسي... كان رائق المزاج مرتاح في زواجه... زوجة محبة... ميول متقاربة مشتركة... ذكية لماحة صاحبة حس فكاهي... مرحة صبور تجيد التعامل مع مزاجه المتقلب... و أكثر مع أخته الغير طبيعية... و أيضا تبعثره كله بطريقة لا ممكنة كل ليلة... و معظم الصباح و بعض الظهيرة و العصر... و المغرب أيضاً! إذن يحق له أن يكون رائق مرتاح يشعر بهناء متخم، بينما صاحبه على صفيح... لذلك و بمحبة أخوية بحتة تحدث... "هل تعلم ما تحتاجه علاء؟؟" عقد حاجبيه ينتظر التفسير الألمعي... "تحتاج زوجة!" حدق فيه للحظات و هو مخروس... زياد؟؟ زياد الصانع يريد أن يزوجه! أما زياد فكتم بسمته و هو يعتدل في جلسته موسعاً المسافة بين ساقيه ليرتكز بمرفقيه على ركبتيه... "ماذا؟؟ هل صدمتك... أنت بحاجة للاستقرار و الراحة... أنت بحاجة لأن تجد امرأة تفهمك دون كثير من الكلام!" "هل أنت زياد صاحبي؟!" تساءل أخيراً و هو يقترب ليتحسس بشرته و كأن الصاعقة ضربته... صحيح أنه واضح لكل أعمى أن الرجل سعيد مستقر راضي كبقرة في محراث... لكن أن ينصحه!! "أنا صاحبك.." قال و هو يزيح رأسه عن مجال يده.. "و أنا بكامل وعيي... هل تعلم تجربة واحدة سيئة لا تعني نهاية الكون... يجب أن يكون لدينا أمل أكثر في الله". غمغم بتلقائية... "و نعم بالله". ثم أخذ نفساً عميقاً و هو يقول بهدوء... "أنا لن اعتكف بكهف زياد... و لن أتنازل عن فكرة الزواج... فقط غيرت الطرق". عقد حاجبيه بلا فهم، ليرد عليه علاء... "لقد وكلت أمي بأن تهتم بالموضوع". لحظة الصدمة مرت، ليهز بعدها رأسه عدة مرات صعوداً و نزولاً بتفهم ساخر... "أنت تركت السيدة زهوة أن تهتم بهذا الأمر!!!" ثم ابتسم أعرض ابتسامة ممكنة لدرجة أن شفتيه التصقت بأذنيه، و هو يقفز بحيوية مصافحاً صديقه بتهنئة بكلتا يديه، ليخضه كله... "مبروك صديقي... ألف مبروك... للأمانة أنا جداً جداً جداً مبتهج... و من شدة ابتهاجي سألقي بنفسي من النافذة!" مرغما ابتسم بسخرية و قد نال عدواها من صاحبه، لينفجر زياد و هو يتراجع عنه بقوة مرة واحدة "أجننت أنت لتجعل امك تخطب لك؟... ماذا ابنة زوجها الرابع أو الخامس..." على الرغم من كراهيته لكل أفعال أمه، إلا أن نبرته تحولت لمحذرة قاسية... "زياد... لا تنسى أنك تتحدث عن امي!" لوح بكامل ذراعه في الهواء... "و لأن كلانا يعرف من هي أمك، أخبرك بما تنتظره... " مسح علاء على وجهه بيأس، و هو يحاول أن يستعيد الهدوء لحروفه... "أنت تتحدث و كأنها جرتني من يدي للمحكمة... أنا فقط غير متفرغ و أريدها أن تجد لي زوجة ملائمة... هذه طريقة أفضل من السعي خلف الفتيات و البحث عنهن... هذا هو الهدف... و نقطة آخر السطر!" شد على نواجده بضيق و هو يشعر بمسؤولية لما آل إليه حال صاحبه... فلو أنه أوفقه منذ البداية و منعه عن خطوبة لين لما تحول لهذا الرجل البائس! "علاء... أرجوك تروى... فقط لا تستعجل في قرارك!" أغلق عينيه بهدوء و هو يتجه مرة أخرى ناحية النافذة التي مازال المطر يضرب زجاجها... "لقد دخلت الثلاثين زياد و أنا مازلت أعزب... ببساطة أظن أن ساعتي البيولوجية استفاقت على رنين استعدادي التام لأن أكون زوجاً... الأمر لا علاقة له بك أو بأختك... الأمر هو أنني أشعر أنه يجب علي فعل ذلك!" محامي منافق كذاب أشر! نعم هو كذلك، و إلا لم تذكرت ساعته البيولوجيه تلك الحاجة عندما لوح والده بجزرته العفنة! تنهد زياد الغافل عن متاهات عقل صاحبه... "كما تشاء علاء... فقط تذكر ذاك المثل الذي يتحدث عن التروي و الندم... تروى صاحبي... هذا أفضل لك..." بسمة باردة ارتسمت على شفتيه و هو يعلم أن التروي و التظاهر و الكذب و الخداع هما ما يراه كل يوم في مرآته... المرآة الصارمة التي استفاقت متأخرة تعرض صورته بوضوح مزعج! *** تنفست الصعداء و هي تتخلص من مراقبته لها أخيراً... ابتسمت و هي تقود بحرص... ستذهب للسوبرماركت القريب لكي تتبضع مكونات العشاء... قلبها يخبرها أن حاتم سينهي عمله و قد يشاركم عشاء الليلة أو غداء الغد... دفعت العربة و ذكرى أول لقاء مع حاتم ترتسم أمامها عندما كانت تفرغ مكونات عربتها في حقيبة السيارة... الفارق أن عربتها شبه فارغة و جسدها تضاعف حجه بشكل يجعل الكل يفسح الطريق امامها... ابتسمت للسماء الرمادية بغيومها المتكومة، و كأن المطر قد أخذ فترة راحة من الهطول... عادت تدير عينيها حولها و كأنها تأمل برؤيا زوجها يبرز من الفراغ، لكنها هذه المرة اصطدمت بعيون خضر حارقة... شعر فاتح واضح أنه مصبوغ، لكنه يتلاءم مع شقرة حواجبها و رموشها... امرأة تكبرها بعدة أعوام تقف أمام سيارتها و تحدق بها بكراهية لا ممكنة... الملامح ليست غريبة... الدرجة الرائعة من الخضار في عينيها و التي ورثها مهاب تبدو واضحة... و على الرغم من تعبها و تهالكها شدت قامتها المتعبة، تنتظر حركات المرأة المتأنية ناحيتها و قد أدركت أن اليوم لن ينتهي على خير! *** نهاية الفصل | |||||||||
26-08-15, 11:12 PM | #1854 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| (26) الفصل السادس و العشرون عنوان الفصل: لحظة فاصلة... الهاتف بيدها، و التردد هو ما يجعلها تقلبه بكل الاتجاهات... جالسة على مكتبها، و ذهنها انطلق يرحل عن عملها في بحور شخصية... ذاكرتها تنحرف لمحادثتها بالأمس مع زوجة المدير... فاتن تختلي بها في المطبخ، لتتحول من تلك المشاكسة، لامرأة حازمة، مهتمة... "دعد... أمك بحاجة لك..." لم تكمل، و لم تحتاج للإكمال... دعد و أمها باتا الحدث الرسمي في كل مناسبة تجمع دعد بفاتن... حتى زياد بدأ يسأل بحذر عن أمها، و كأنه يشعر أن صفاء قلبها يجب أن يشمل كل الناس... اضجعت على مقعدها و هي تفكر... الغفران كان سهلاً للجميع، إلا هي... أكان جرمها ضخم كي لا تغفر، أم أن حبها يمنعها أن تثق بها مرة أخرى؟؟... و كأنها إن وثقت بها سترى الكارثة الأكبر و الأضخم... تنهيدة متخمة تسربت من شفتيها، و فاتن تذكرها بعقوق الوالدين و عقوبته، و غضب الله على فاعله... غصة خنقتها و هي تعتدل في جلستها... نعم هي اشتاقت... و نعم هي متألمة... و نعم غفرانها مؤلم مثل غضبها... كلاهما بحاجة للسكين أن تمر عبره لتخرج منه... أغلقت عينيها بألم و هي تتذكر كم كانت صداقتها مع أمها كثيرة... ربما هدوء و صمت أمها، أحبط الجانب الصاخب المرح منها... لكنها أبداً لم تنتقدها أو تقلل منها... تذكرت تضحياتها في بلجيكيا... عملها كعاملة نظافة ثم كنادلة، إلى أن اعتمدت شهادتها و استطاعت أن تعمل بشهادة التمريض خاصتها... و بالمقابل لم تطلب منها أي جهد إلا أن تتعلم و ترتقي بنفسها... و بتفكير حيادي ندر أن تمتلكه امرأة تذكرت كيف رعت والدها و أعطته كل ما هي قادرة على اعطاءه... لم تمنع شيء منها عنه برضاها، لكن يشهد الله، أنها لم ترى أو تسمع عن امرأة رعت بيتها و زوجها و أولادها كما فعلت أمها... ربما هي دون أن تدري أحبته حبا هادئ يليق بعلاقتهما... لم تحبه حباً مزلزلاً كما ترى حياتها مع حاتم... و ببساطة و دون تزويق... هي لم تتعمد صنع كلا الحبين! لحظات ظلت مغلقة عينيها، قبل أن تفتحهما بعزم... و بحسم طلبت رقمها و قلبها يرتجف بقوة... لكن الهاتف كان يرن كامل رناته، ثم يتوقف... تعيد الاتصال مرة أخرى، و قد علمت من مهاب أن المرأة لا تخرج من البيت كثيراً... لذلك من المفترض أن ترد عليها... رنة أخرى... و أخرى و أخرى... و مع كل رنة كان قلبها يرتجف بقوة... شعور غريب سرى فيها أن مصيبة ما ستحدث! *** امرأتان واقفتان أمام واجهة السوبرماركت نظرات احداهن متوجسة، و الأخرى كلها كراهية بحتة... منذ البداية عرفت أنها تريد الايذاء... منذ أن وجدتها تنتظرها على عتبة المتجر... بل منذ أن علمت مخططها المجنون للتفرقة بينها و بين زوجها... و بالفعل قامت بمحاولات مجنونة لتكبله خسارة لا ممكنة على الأقل مادياً، إلا أنه مع مهاب استطاعا أن يحلا الأمر بأقل قدر من الخسائر... و الآن هذه المجنونة تقف قبالتها في ظلال الغيوم التي تتكدس أكثر و أكثر... نظرات الكراهية تجمعت كلها تجاه بطن ماجدة الضخمة البارزة، و رغم قوتها إلا أن يدها امتدت تحيط ببطنها بحماية! "إذن هذا ما دفعه لأن يتزوجك!" عقدت حاجبيها بلا فهم، لترد المرأة باحتقار... "حامل في الشهر التاسع، بينما زواجها لم يمر عليه ثمانية أشهر... لسنا بحاجة لمبرمج ليفهم سبب ارتباطه بامرأة مثلك!" أغلقت عينيها بحلم و هي تشعر بالقطرات التي بدأت تحذرهم بالنزول... "سيدة رضوى، أظن أن الأمر لا علاقة لك به أبداً... تزوجني لأنه يعشق التراب الذي أسير عليه، أم تزوجني ليجعلني حامل، أم تزوجني لأنني حامل... كل هذا لا يخصك... في الحقيقة انا لا أفهم........." بترت عبارتها و المرأة المجنونة تقترب منها بسرعة و هي تصرخ فاقدة كل عقلها... "بل يخصني... ابن الحرام الذي تريدين أن تلصقيه بحاتم يخصني... تريدين أن تجعلي ابني أخ لابن الحرام الذي في بطنك... و الذي ربما لا أب له!" بلا ارادة ارتفعت يدها بصفعة قوية تجاه المرأة المجنونة و قد انفلت زمام سيطرتها... "ابني أنا ابن حرام أيتها المجنونة؟؟!!... أيتها الغبية... كيف تتجرئين و تنعتيه بهذه الصفة... كيف تسمحين لنفسك فعل هذا التصرف الحقير؟!..." إن كانت ماجدة فقدت عقلها لثوان فتلك فقدته منذ زمن، و الدليل هو انقضاضها المجنون على ماجدة التي تراجعت بحركة حادة غير مدروسة لتسقط على ظهرها أرضاً لكن ذلك لم يشفع للأخرى أن تتوقف عن تهجمها... كانت خطتها أن تواجهها في هذا الوقت حيث أن المطر يقلل من عدد الشهود، أو حتى يجعله معدوم... تريد أن تراها... تريد أن تحرقها... تقتلها... تلك التي توسدت صدر حبيبها... بل حملت في أحشائها قطعة منه! لذلك بكراهية لا محدودة رفعت ساقها في ركلة محددة لبطنها، لكن ذلك توقف مع الصوت الصارم... "توقفي!" للحظة بدا أنها ستكمل، لكن مهاب قفز بسرعة ناحية ماجدة يحيمها من هجوم أمه المجنون... "هل جننت لتفعلي هذه الفعلة؟؟... أقسم أن......." بتر عبارته و هو يحاول أن يحافظ على شيء من كلمة أم بالنسبة له، ثم أخذ نفس قصير يلجم لسانه به، قبل أن يلتفت لماجدة المتألمة، التي أخذت ثواني تعض بها على شفتيها تكتكم الأنين، قبل أن تقبل ساعده المعاون دون كلام، ثم أخذ يتفحصها بنظراته القلقة المشعة بالاهتمام... "هل أنت بخير؟؟" المنظر قهر المرأة الواقفة تحدق بهما بكل غلها و قهرها و خسارتها... كم تكره الخسارة... كم تكره أن تسلم الرايات... يا إلهي!... نظرات ابنها المهتمة للمرأة تقتلها... انتبهت على صوته القلق و هو يسأل ماجدة إن كانت قادرة على السير للسيارة... ضمت شفتيها و هي تعي أن هذه الحقيرة لم تتوسد فقط صدر حبيبها حاتم، بل ازاحتها أيضاً عن مكانتها في صدر ولدها... ولدها الذي ساند المرأة المثقلة بحملها، و هو يتجاهل أمه المجنونة... مرغمة بشعور فقدٍ تام، صاحت تناديه... "مهاب... ولدي... انتظر". التفت من خلف كتفه لأمه الواقفة في الجو الغائم الرمادي... لحظات حدق بها، قبل أن يهز رأسه برفض... "ما فعلته اليوم أثبت لي حقا أن مكانك ليس بيننا... ما فعلته اليوم أثبت لي أن كلمة أم سقطت عليك جهلاً بكونك فارغة من كل قيمها... لذلك لا أستطيع إلا أن أقول... وداعاً يا أمي!" و بهدوء ساعد المرأة لتسير معه حتى سيارته... بينما تلك بقيت واقفة مكانها تغتسل بالمطر الذي انفجر مرة واحدة! بينما الغل الذي يطل من نظراتها يكاد يبخر المطر من شدة حرارة كراهيتها... لم ينتهي أمرك ماجدة... أقسم أنه لم ينتهي! *** "يجب أن نذهب بك للمشفى". ظلت ساكنة تحدق بالنافذة بهدوء على الرغم من بعض الألم الذي بدأ يسري في ظهرها، إلا أنها تجاهلته، و هي تحاول أن تبدو بخير... فقط لأجل هذا الشاب الذي سيشله الألم إن حدث لها شيء بسبب أمه... ربما تصبر لهذا اليوم و تذهب صباحاً وحدها للمشفى دون علمه! بسمة مرة ارتسمت على شفتيها و هي تشعر بالهاتف يهتز برنين خافت، لترى اتصالاً من دعد... و كأنها تشعر ما يحل بها... دقيقة مرت و انتهى الرنين ليعود يصدح مرة أخرى... تسمع الصوت و ألمها يشتد... شعور غريب يسري فيها... تغلق عينيها و الرنين مازال يحدث... و فجأة شريط حياتها بدأ يعرض امامها... ذكريات لا تفهم كيف، و لِم توالدت في عقلها، بل كيف فتح باب عقلها أمامها لتظهر متزاحمة بطريقة غير مترابطة! تتذكر ولادة دعد... بشرى حصلت عليها و حلم يتحقق... جميلة كما لو كانت دمية... اكتمال حياة كانت تمثل القمة أمام عينيها... تتنافس هي و أبوها على اللعب معها... و بها! ولادة أخيها لم تنقص ذلك الحب و لو نقطة واحدة... تستمر بحبها... شحب وجهها و موت حسين مع ابنها يتصدر الذاكرة... شدت على شفتيها بألمين جسدي و نفسي، و هي تتذكر الألم الحارق وقتها... الوحدة و القهر... الجور... الظلم... يا ربي... لم تجد وقتها لتبكي فقداها!... لم تجد وقتا للحداد لأجلهم... يتدخل والد زياد في وسط معمعة المشاعر... و لتأجل النواح لوقت آخر... تحاول أن تنهض... تقاوم بكل قوتها... و تخسر بكامل ضعفها... تقدم الطفلة قرباناً لأجل السلام... و كأن السلام مع الشياطين يمكن انجاحه! تقفز الذاكرة مرة واحدة لدعد و هي في قصر الصانع المهجور... منظرها... كدمة على خدها... كدمة لم تنسها أبداً... المنظر مازال يكبر و يكبر... و الرنين مستمر... و فجأة سكن كل شيء... حتى الوجع سكن و كأنه يعدها بحصة أكبر. و بهدوء فتحت عينيها، محدقة بالنافذة جوارها... المطر على أوجه و قد اثقلت كل الغيوم بمطرها فسكبته مرة واحدة... تحدق في الظلام... ثم بلا تفكير وجدت أصابعها تعيد الاتصال بها... سمعت شهقة ارتياح من دعد التي اندفعت مرة واحدة تسأل بقلق و كأن القطيعة بينهما لم تحدث... دون أن تدري وجدت نفسها تقاطعها... "ألاء أنا متعبة!" قفزت مرة واحدة و هي تسمع صوت أمها المنهك يبرز عبر الإشارات الرقمية في أذنها، بينما مهاب يشد بقوته محاولاً السيطرة على السيارة في هذا الجو، و الاسراع بها للمشفى... اسمها القديم جعل شعوراً بالأسوأ يتسلل إليها... "كلي منهكة... أشعر أنني أقاتل خيالاً وهمياً... ألاء لم لا تحاولين أن تغفري... تسمعي... لم لا تحاولين أن تري الأمر من جانبي... حتى و إن أخطأت بحقك... بربك ابنتي... ألا توجد ذكرى واحدة بيننا تشفع... ألا توجد لمحة واحدة في عقلك تشفع للغفران... أهو صعب... أهو ثقيل..." "أمي أين أنت؟؟" همست بهدوء و هي تدخل عبر دوامات الألم الذي ينغزل كشرنقة حول المرأة، التي تابعت دون وعي بالسؤال، و كأن فرصة الاستماع ستكون الأولى و الأخيرة... "ألاء أنا أحبك... أقسم لك أنني أحبك... أحبك أكثر من أي كائن آخر... ألاء لا تحاكميني على شيء لم أكن أسيطر عليه عندما حدث... حبي لأبوك كان بغير ارادتي... لكنني الآن أقسم لك أنه غالي على قلبي... أبوك كان شيء ثمين أكثر من أن أصف... ربما أحببته بنفس ما يريد... لا أعلم... لكنني عشت معه أحلى سنين تحلم بها امرأة". أرادت أن تفكر بما تقوله المرأة، و بما يدفعها الآن لأن تقوله، لكنها سمعت صوت تكتكة عبر الهاتف لتيقن أنها تسمع صوت المطر... "أمي بربك أين أنت؟؟" تنهدت المرأة بتعب و هي تلتفت لمهاب بدموع عينيها... بسمة غريبة رسمت عبر الألم... "أنا بأمان مع مهاب..." خفق قلبه و هو يسمع لتلك الكلمة من المرأة... "فقط أرجوك اغفـ............" وجدت نفسها تقاطعها و قد تبعثرت سيطرتها مرة واحدة... "كيف أغفر لك و أنت لم تخطئي... أنت أمي... هل تفهمين؟؟... بكل ما بها من معنى... بكل ما بها من وصوف... أعلم ذلك، لكن استيعابه احتاج مني لثورة ضد جنوني... أنت التي أرجوك أن تغفري لي... بربك اغفري لي أمي!" و دون تردد نهضت عن مقعدها و هي تسحب سترتها الثقيلة لترتديها بعجل و هي تخرج من المكتب، بينما تكفلت بطريقة ما أن تظل السماعة على أذنها... "اسمعي... أنا في طريقي إليك... يوجد الكثير مما أريد أن أخبرك إياه... فقط انتظريني... لن يأخذ مني الكثير من الوقت في الطريق لبيتك..." تسير بسرعة عبر أروقة الشركة، و هي تشعر بفورة من المشاعر و قلبها يخفق بقوة، و كأنها تشعر بصدمة الحياة مرة واحدة... تقفز بسعادة على درجات السلم، و الغفران بينها و بين أمها يشحنها بطاقة ايجابية ضخمة... بينما بسمة جميلة ترتسم على شفتي المرأة التي تجلس جوار الشاب و مشاعرها تنفجر مرة واحدة... هو الآخر أخذ العدوى ببسمة تمددت على شفتيه، و هو ينظر بطرف عينيه للمرأة التي تمسح الدموع عن أطراف رموشها... "و أنا انتظرك ابنتي... انتظرتك طويلاً و سأنتظرك غاليـ........................." بترت عبارتها و إضاءة قوية تبرز مرة واحدة من نافذتها... تسمع شتيمة قذرة من مهاب و هو يدير المقود بحدة على الأرض الزلقة، و برد فعل فيزيائي انزلقت السيارة أكثر، قبل أن تدور حول نفسها بقوة، ثم مرة واحدة تنقلب من ناحيتها و تزحف على جانبها عبر الطريق الزلق... و بعدها حل صمت مهيب... صمت قاتل! *** | |||||||||
26-08-15, 11:13 PM | #1855 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| زياد معها يقف جواره أمام غرفة العمليات حيث ترقد أمها تحت مائدة الجراح... دموعها مازالت تسيل و هي تتذكر صوت المعمعة... تصرخ مرة بعد مرة على أمها، لكن تلك الأصوات شلت لسانها مرة واحدة... تتجمد بوقفتها المصدومة تحت المطر، بينما تستمع لصوت الحادث من هاتف أمها الذي مازال متصل... تسمع أنين أمها... شتيمة مهاب... تسمع الكثير و الكثير بينما المطر يغرقها حتى النخاع... تمثال يستمع لعملية قتل كاملة... لا تفهم كيف رآها الحارس، و بدأ يسألها عما بها... و كيف جاء فاضل و كيف استطاعوا معرفة كل شيء... حتى زياد لا تفهم كيف حضر و لا متى... فقط على صدره وجدت نفسها تبكي بجنون و فقدان تام... و الآن تقف معه أمام الباب و رعب يشلها و هي تنتظر الأسوأ... أمها في غرفة العمليات... مهاب خرج بخدوش و جروح بسيطة مع كدمات امتصتها قوة بدنه... لكن كله تركز في أمها... بلا شعور جلست بألم و هي تدعو الله بكل قوتها أن يفعل أي شيء لأجل أمها... عادت تتذكر المكالمة التي حدثت قبل الحادث هل هي السبب؟ هل هي من آذت أمها؟ يا إلهي... لقد كانت ترجوها... ترجو وصلها... ترجو فقط أن تستمع لها... عادت الدموع تسيل من عينيها بينما زياد يتحرك ناحيتها ليحتضنها من كتفها بدعم... لا يتحدث لكنه يدعمها بكل طاقته... لا ينكر أن ألما ما اشتعل به لأجل ماجدة، اضافة لألمه لأجل زوجته... لم يحب ماجدة من قبل... و لا بعد... لكنه و للغرابة يتألم لأجلها... تنهد بتناغم مع تنهيدة زوجته التي ختمت بها بكائها، لكنها لم تبتعد عن الدعم الذي منحه إياها... بعدها جلسا بهدوء المتقبل لقدره ينتظران الطبيب أن يخرج ليخبرهما ما حل بالمرأة... *** "أستحلفك بالله ألا تبلغ حاتم بأي شيء عن أمك!" ابتلع ريقه و هو يتذكر هذه الجملة تخرج منها بوعي مفقود و الدم يحيط بها و يغرقها به، بينما هو يحاول بكل قوته أن يخرجها من السيارة... ثم توقف عن تلك المحاولة و هو يجد سيارة غريبة عنه تقف و شبان يعرضون المساعدة... يعاونوه على أن يرجع السيارة على عجلاتها الأربع برفق... يعاونوه أيضاً على فتح الباب، ثم يتقدم أحدهم معرفا نفسه كطالب طب، يزجرهم أن يحركوا المريضة... فقط يتصل بالإسعاف و يحاول أن يفحص مهاب الذي يغرق وجهه بالدم... ساعات... لحظات... دقائق... أعوام، و أخيراً وصلت السيارة... الأنين... الدم... المطر... رائحة البنزين... البرق... الرعد... و الضعف... الكثير منه! تمازج مازال يراه و يستشعره حوله... أغلق عينيه بعجز و هو يلكم الحائط خلفه... كله من أمه... كله منها... أمه المجنونة التي لم تتوقف عن السؤال عن ماجدة؟... لم يتوقع أن تفقد عقلها مرة واحدة بهذه الطريقة... يا إلهي... لقد كادت أن تركلها في بطنها... دار بعينيه في المكان حوله ليلمح دعد واقفة مع زوجها أمام الغرفة... لم يحاول أن يقترب منهما و هي لم تفعل بل بقيت متحصنة بجسد زوجها بخوف... هذا التصرف خنقه أكثر و كأنه المتسبب بحادثة المرأة! شعور بوحدة خنقه و وعد ماجدة يكبله... بحاجة لشخص واحد يهتم لأمرة، أن يقف جواره... ذهنه مرغماً حاد للمجنونة التي تستلذ بقتل الألم بالحبوب... بحسد تمنى –في لحظة جنون- لو كان مثلها... يده تمتد للضمادة التي تغطي جبينه... هذه حصيلته من كل هذه الفوضى... فقط عشر غرز تجميلية تزين جبينه! كدمات و سجوح خفيفة... يخرج غير مبالي من غرفة الفحص يبحث عنها... ألم مرعب يسري في جسده... و هو يعاود تذكر ما قاله الطبيب، قبل أن تدخل غرفة العمليات... كذب عليهم و هو يعرف نفسه على أنه ابنها و المسؤول عنها، ليوقع على موافقة عمليتها... عاد يلكم الجدار بعجز... هو السبب... لو لم يقد بتلك الرعونة لما حدث ما حدث... هو السبب! للحظات تمنى لو كانت كل الاصابات حدثت له، و تلك الأمانة لم تمس... لكنها أماني لا معنى لها، أو قيمة! و فجأة انتفض الجميع و تقدم مرغماً ناحية الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات... *** لا تزال تنظر أمامها بتخشب غير مصدقة... ما قاله الطبيب بدا و كأنه يحاط بكل أنواع التشويش ليصلها همهمات لا معنى لها... تحاول بكل قوتها أن تفهم... تستوعب... لكنه لم يكن بيدها أو ارادتها... مرة أخرى تسمع شذرات من الطبيب... غيبوبة كاملة... بل موت سريري تام، فشل شبه كامل في كل الوظائف الحيوية و إن نُزعت عنها الاسلاك ستموت على الفور... التشوش يختفي مرة واحدة و الكلمات تصل لعقلها... الطفل سليم برحمها، و هذه رحمة من الله... و في حالة نادرة مازال جسدها قادر على أن يمنحه ما يحتاج من مقومات الحياة... هو بعمر خمس و عشرون أسبوع... لو استطعنا ان نحافظ عليه في رحمها حتى يكمل الشهر السابع أو حتى ينتصفه، سيكون بحال أفضل بكثير... فقط أسبوعان أو ثلاث... و يدخل مرحلة جيدة، أكثر أمان... ماذا عن أمي؟؟ برز السؤال في عينيها، ليشيح الطبيب بعينيه بيأس... "أدعوا لها بالرحمة؟!" و هنا شعرت هي بالانهيار... قدماها مرة واحدة تراخت عن حملها لتسقط على الأرض دافنة وجهها... و نحيب يخرج منها و هي تقيم عزاء لأمها في روحها... "اذكري الله دعد... اذكري الله... لا تيأسي من رحمته..." قالها و هو ينهضها بقوة لتقف على قدمين لا فائدة منها، لكنها تحاملت على نفسها بطريقة ما... تنظر للطبيب برجاء مس قلبه... "هل يمكنني..." تمسح دموعها بأمل أن تنجلي تلك الغصة عن حلقها... "هل يمكنني أن أراها؟؟" ظلت تنظر إليه برجاء و كتفي زوجها تحيط بها، بينما مهاب يقف على بعد خطوة و كأن وجوده لا معنى له... لحظات مرت و الطبيب يفكر، قم تنهد بقلة حيلة... "لو سيطرت السيدة على انفعالاتها يمكنني أن أسمح لها بالدخول... و فقط لمدة ربع ساعة لا أكثر..." *** على الرغم من خشيتها و من توقعاتها، و من وصف الطبيب للحالة، إلا أنها لم تكن متهيئة لهذه الصدمة... يدها تشتد بقوة على فاها تمنع أي صوت يخرج منها، بينما منظر أمها الساكن يحفر موسعاً مقدار يأسها... تتقدم مرغمة ناحية السرير... لحظات ثمينة مرت، قبل أن تجد عزماً بها، لتسيطر على بعض مشاعرها... تقترب أكثر... تنحني، لتمسك اليد الفارغة من المحاليل بتوتر... تصدمها البرودة... تلك البرودة المشابهة للموت... لحظات مرت و هي فارغة من كل شيء... تحاول فقط أن تنقل بعضا من دفئها لأمها... لكن كل تلك الحرارة كانت تذهب هباء... مرغمة مدت يدها لتضعها على بطن أمها الضخمة... لم تشعر بأي شيء... ذات البرودة المهلكة... اقشعر بدنها منها و هي تسحب يدها بسرعة عن بطنها... لحظات طويلة مرت قبل، أن تجد الطبيب يطلب منها بهدوء أن تتبعه للخارج... نظرت له بغربة و يتم حارق... ثم مالت تقبل تلك اليد قبلة طويلة... لا تدري كيف استطعمت ملوحة دموعها مع القبلة، لكنها لم تفلتها إلا عندما شعرت بلمسة الطبيب منبهة على كتفها... لحظات أرادت بأنانية أن تتجاهله، لكنها وجدت نفسها تعتدل بهدوء... تنظر إليها نظرة مودعة أخيرة... ثم تستدير خارجة! *** كان يتوقع أن تتحسن حالتها، لكنها تلحفت بسكون أخافه حالما عادت من تلك الغرفة المعقمة... فقط تنظر بيتم مريع مر ذاق مثله، رغم أن ماجدة تحمل حروف كلمة أم بلا نواقص، عكس أمه! يتلقفها بحضنه غير مبالي بجمودها و هي ساكنة بنظرات ميتة... يا ربي كم هو مؤلم الفقد! ربت على ظهرها المتصلب و هو يحاول أن يصبرها بذكر الله و الدعاء، و عدم الركون لكلام الطبيب... ظلت على حالها، حتى عندما ساندها لتجلس هادئة على الكرسي جواره... شعر بمخاوف من صدمة او انهيار عصبي أو شيء من ذلك... فقط تنظر للفراغ و كأنه كل ما تملك... تنهد أخيراً و هو يعاونها لتنهض متراخية مسلمة مفاتيحها له، ثم جذبها لتتحرك معه للخارج... "نحن لن نذهب و نتركها، أليس كذلك؟؟" أغلق عينيه براحة لثوان، وهو يستمع لصوتها المبحوح في أول استجابة للمؤثرات حولها... "بكل تأكيد لن نفعل..." تحدث بدفء و هدوء... "فقط سآخذك تبدلي ثيابك المبتلة، و تغتسلي ثم تعودين قوية..." حدقت به لثوان و كأنها لا تعرفه... "لا... لن أتركها... و لا لثانية واحدة... سأكون معها..." أغلق عينيه بحلم، قبل أن يقول بهدوء... "أنت بحاجة لقوتك دعد... تعالي لنبدل ثيابك و تغتسلي ثم تعودي..." و رغماً عنه، نظر لمهاب بنظرات حاول قتل الكره فيها... "و هذا... أعني أخوك سيبقى معها إلى أن نعود..." التفتت لمهاب و كأنه لأول مرة تراه... حدقت بملامحه المشوهة و الدم الذي ينتشر على ثيابه... لحظات طويلة و كلا الرجلين ساكن ينتظر ردة فعلها، إلى أن عضت شفتيها و هي تتقدم ناحيته بخطوات مهتزة... "لقد كنت معها في آخر لحظة... أليس كذلك؟؟" خفق قلبه برعب و هو ينتظر الملامة منها... كان يظن أن الملامة من ذويها ستريحه، لكنه الآن يشعر برعب من كلماتها التالية... شعر بنبض قلبه يختل مع صوتها المتهدج و هي تقترب منه أكثر بهمسها المنهك... "هل غفرت لي؟؟ هل دعت علي... هل سامحتني... بالله عليك لا تكذب علي... فقط خبرني..." لحظات مرت و كلاهما يحدق بالآخر بأمل... على الأقل هي ترجمت مخاوفها، بينما هو يخاف أن يطلب الغفران منها... من أبوه... يا ربي... بل من الطفل الذي يرقد في بطنها، مصيره غير معروف... لحظات مرت، قبل أن يخرج صوته متعب... "كانت أول مرة أرى البسمة ترتسم صادقة كاملة على شفتي أمك!" ارتجفت ملامحها و هي تعض على شفتيها تمنع البكاء، بينما هو يكمل بهدوء و عقله يستعيد منظرها قبل الحادث... "لأول مرة أراها راضية دعد... كانت جد سعيدة... صلحك معها كان ثمين لدرجة لا ممكنة..." ثم هز رأسه و هو يستعيد بذهنه تلك البسمة الصافية السعيدة... بسمة حقيقية مرسومة على ملامح نحتت بالرضى التام... "نعم دعد... كانت راضية بطريقة لا ممكنة!" "شكراً لك مهاب..." فتح عينيه ينظر لدعد التي تسيل دموعها، و صوتها يخرج مخنوق... "لا تدري كم أزحت من ثقل عن كتفي... شكراً لك مهاب..." ثم تركته دون كلام و هي تغادر مع وعد بالعودة... بينما الوحدة عادت تغزل سرعة قياسية حوله... *** صمت قدسي يلفهما... حاجته للارتواء من الراحة بحضورها لم تحدث... بؤس يلفه و كلمات الطبيب تعاود الارتسام مكتوبة في عقله... ألم شديد يتسرب في جسده و هو يتخيل والده الذي سيعود خلال يومين متفاجئاً بهذه المصيبة... أغلق عينيه بيأس شديد و السيدة الهادئة تحدق به... لم تتساءل بلسانها عما أصابه و الجرح واضح في جبينه... فقط عينيها تساءلت قبل أن تخفضها و تحدق بدورق الماء أمامها... لكن ادراكها به لم يقل و هي تعلم، أن كوب الماء أمامه لم يمس... حادت بعقلها لذكرى قريبة... لا تتصور سعادة مثل السعادة التي ارتسمت على ملامحه حينما فوجئ بابنتها في البيت معها... لم تتخيل أي أحد يفرح لشخص غريب عنه بهذا الصدق... صدق ملئ عيونه الخضر جعل حزناً لأجل هذا الشاب يتسلل لروحها... تعلم أن زياراته الداعمة لهم بإنسانية بحتة، تثريه... لكنه بحاجة لعون كي يجد هدفاً لروحه كي يستمر... قاطع ألمه و تفكيرها، ابنتها الخجول التي لا تنفتح إلا معه... تبتسم و هي تدفع كرسيها المتحرك ناحيته... كانت الهدية الأولى التي جلبها لهم... كرسي متحرك متطور... لا يحتاج لمجهود عضلي من يديها كي تحركه، و لوحة أزرار على مسدنه هي الوسيلة... "مهاب... كيف تخرج في هذا البرد؟؟" فتح عينيه ببهجة كاذبة، و عيونها السود تتسلق ملامحه... "اشتقت لك أيتها الأميرة..." احمرار ارتسم على ملامحها، و هي تنظر إليه بحياء... ثم انعقد حاجباه، و هي تحدق في وجهه لثوان مشدوهة، قبل أن تنفجر بقلق تسأله عما حل به... لمسة الاهتمام و القلق ناحيته لمسته بطريقة لا ممكنة، لذلك بتلقائية وجد لسانه يخبرها ربع الحقيقة، مسقطاً زوجة أبيه و طفلها، لكنه أجاد بسخرية من روحه أن يعرض الباقي بشكل ساخر خفف قلقها... "و بهذا تجدين يا أميرة أن أجمل شاب في المدينة قد نال دمغة في وسط جبينه!" ابتسم لأجل ضحكتها الهادئة مع عبارته التي ختم بها قصته الملفقة عن حادث بسيط مع عجوز متصابية... لحظات مرت بعد الضحكة، إلى أن قطعته الصبية و هي تنظر لأصابعها في حضنها... "ألم تخبرك أمي قراري؟" ابتسم ابتسامة هادئة و ألمه يتراجع للخلف... لا يصح أن ترى هذه الفتاة أي ألم بعد الآن... حتى و إن كان معكوساً في عينيه، لا يصح ذلك... "في الحقيقة، أحب أن أسمع القرارات منك أنت يا أميرتي..." ابتسمت و هي تدير الكرسي لتدخل للداخل، بينما بسمة فخور ترتسم على شفاه أمها و هي تراقبها بحنان... لحظات قصيرة مرت، لتعود مرة أخرى و هي كلها محمرة بطريقة لذيذة... و على الرغم منه شعر بفخر لا محدود، أنساه فعلاً ألمه الذي يعشعش داخله... "مبارك يا أميرة... مبارك يا أميرة البنات..." رغم تحرره... رغم انفتاحه... رغم بعده عن الدين، و صلته المحدودة بربه و ذلك بصلاة كان يؤديها بلا انتظام... رغم كل هذا إلا أن قلبه تبعثرت نبضاته و هو يرى الفتاة بحجابها الحديث و قد تلائم لونه الوردي مع بشرتها العاجية المحمرة... "كما قلت لك أمي... مهاب سيكون أكثر من سعيد به..." ابتسم ابتسامة واسعة و هو يقترب من الفتاة بهدوء، فرغم قربه من الأسرة التي مازالت تنهض... و رغم أن المرأة أخبرته أنها أوهمت الجميع أنه من جمعية ما تعاون المهجرين، لذلك أصبحت زيارته شيء ليس بغريب أو خاطئ... رغم كل ذلك، مازالت المرأة ترفض أن تخرج الفتاة من الشقة... ليست من حديد لتتحمل احتمال فقدانها للفتاة، و هي كل ما تملك... "تعالي لننظر سوياً من النافذة للمطر..." و بهدوء أدار الكرسي المتحرك و حوله للنظام اليدوي ثم دفعها للنافذة... "كم هو جميل المطر..." ابتسمت ابتسامة واسعة و لهجتها تبرز بشدة... كونها استيقظت منذ شهر و نصف، و كون أمها تحبسها بحماية مفرطة، كل ذلك جعل لهجتها ثابتة لا تتأثر بأي لهجة أخرى... حتى لو كانت لهجته... لكنه هو من تحدث بطريقة مضحكة بلهجتها... "نعم جد جميل... فقط للنظر..." "كم أتمنى لو أخرج للسير تحته..." و التفتت لأمها برجاء حار لأمها، التي أشاحت بوجهها برفض، مما جعل تنهيدة حارة تخرج من قلب الفتاة... منظر الفتاة... منظر الأم... المطر... كل ذلك ذكره بالمرأة التي ترقد في المشفى... و مرة واحدة انسحبت كل الفرحة التي ارتسمت بتسلل على ملامحه، و هو يستطعم المرار مرة أخرى في كامل عواطفه... "أميرة..." التفتت الفتاة بتساؤل لأمها بهدوء من خلف كتفها، فتقدمت تلك بوقارها، لينزاح فوراً مهاب تاركاً لها مهمة تحريك كرسي ابنتها عودةً للمائدة... "الجو بارد... ربما بعدما تخضر الأرض مرة أخرى نخرج سوياً". تنهدت الفتاة بهم يفوق سني عمرها الأربعة عشر، لكنها لم تحاول أن تجادل أمها... حل صمت هادئ مرة أخرى... حتى الفتاة كانت صامتة و كأنها تقدر تلك النعمة بعد الضجيج المرعب الذي دفعهم ليتركوا بلادهم مرغمين لا فراراً! "كيف هي زوجتك؟؟" فجأة سألت مهاب بأريحية، و هي تقتحم أفكاره الكئيبة، ليبتسم نصف بسمة... "جيدة... كما تريد أن تكون، هي صارت... لذلك بمقياسها هي في أفضل حال!" عقد حاجبيها بتساؤل بطريقة لذيذة... هذه الفتاة محببة كقطعة فراء في وسط الثلج! "و هل تختلف مقاييس الجودة للحال؟... الحياة فيها جيد و فيها سيء... فيها كل نوع... لكن الصح واضح، كما أن الخطأ واضح... " ثم التفت لأمها و هي تحاول أن تتذكر... "ما هو الحديث الذي يتحدث أمي عن الحلال و الحرام..." بهدوء تحدثت المرأة و عينها ثابتة على ابنتها... "قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ((الحلال بين، و الحرام بين، و بينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه، و من وقع في الشبهات وقع في الحرام))" تنهد من قلبه و هو يصل على الرسول صلى الله عليه و سلم، ثم قال بمرار يتزايد... "للأسف أميرة... ليس كل الناس قد تعلموا هذا الحديث و فهموه... و ربما عرفوه و لكنهم تجاهلوه... و ربما هم يجدون أن الشتبهات مطاطة و تتمدد!" "و هل زوجتك تفعل هذا الشيء؟!" قبل أن تؤنبها أمها، ابتسم بسماحة للفتاة... "زوجتي تعيش في بعد آخر... أظن أنها لا تدرك ما يحدث حولها... أحياناً أشعر..." ثم انتبه لنفسه أنه يحمل الفتاة حمل همه، فحاول رسم بسمة حقيقية على شفتيه... "أنت تريدين أن أتوه عن السؤال..." و أكمل مع تضييق عينيه... "كيف عضلات ساعديك... هل مازلت تعتمدين على الأزرار للحركة متجاهلة تحريكه بشكل يدوي..." كتم بسمته بشدة بينما يتخذ طابعاً صارماً لملامحه، و الفتاة تعض على شفتيها كمن وقع في الشرك! "هل تفعلين؟... واضح أنك لا تفعلين... هل تعلمين ما سأفعله أميرة؟؟ هل تعلمين؟؟ سأزيل البطاريات من الكرسي..." "لقد فعلت..." قاطعته بسرعة، و هي تحاول أن تستعطفه... "أعني حاولت، لكنه جد ثقيل... يداي بحاجة لمران..." "ماذا قال الطبيب أيتها الأميرة؟؟" تنهدت بتذمر طفولي... "أعرف ماذا قال الطبيب... لكنني لا أريد أن... أعني لم أتعب يداي، طالما عندي هذا المقعد الالكتروني... أنت ترى أن الحضارة هي أن نستغل كل شيء بكسل... مثلاً كل من أراهم من النافذة يركبون سياراتهم، مع أنهم يستطيعون السير على أقدامهم... ليس فقط في الشتاء، لكن في كل الأوقات... و الكل يلعب ألعاباً التكرونية، و قد أوقفوا عقولهم عن التفكير... يفتحون التلفاز يشاهدون مذيعين كاذبين منافقين حقيرين... يشيدون بمن قتلونا و طردونا من بيوتنا... الكل يهلل... الكل يطبل... لسنا شهداء، بل قتلى... أهلي كلهم خونة... و نحن جبناء لاجئين تركنا بلادنا لهم... الكل لا يريد أن يتعب... لم تريدني أن أتعب مهاب... " بصدمة تجمد هو أمها مرة واحدة بينما هي تنفجر بكل ما بها من ألم و نقص... "كثيراً ما أخشى أن أعصي ربي بأن أتمنى أن يقبض روحي... لكنني متعبة مهاب... مخنوقة... أعلم أنني كل ما تبقى لأمي... لست مخنوقة من الحبس أو من الشقة... بل مخنوقة لأحاول... لا أريد سوى أن لا أفعل أي شيء... لأنني لو امتلكت أي شيء، فلن يبقى لي... مصير كل أملكه هو الفناء!" كانت آخر كلماتها مخنوقة بينما المرأة تقف حاضنة إياها بحنان و هي تمسح على رأسها المغطى في الحجاب... المنظر جمده و المرأة تذكرها بمصير الصابرين الشاكرين... تذكرها بقصة المرأة التي قُطعت يدها ليؤنب أمير المؤمنين الساخرين، بأن يدها سبقتها للجنة... تذكرها، أن ما مروا به لا شيء مقابل ما مر به الرسول و الصحابة و التابعيين... أخيراً هدأت نوبة البكاء القصيرة، لتتنهد تنهيدة أخيرة و هي تحاول أن تحرك كرسيها بيديها كما طلب منها للمغسلة المنخفضة لتغسل وجهها... راقب ظهرها، و هي تتحرك و جمود يقتله أنه ليس بقادر على تخفيف ألمها، أو حتى ألم أمها... "شكراً سيد مهاب..." التفت بخوف حقيقي من المرأة أن تطلب منه بهدوء أن يتوقف عن زيارتهم... "أريد أن أطلب منك طلب..." لم يكتم تنهيدته المرتاحة، لتبتسم المرأة نصف بسمة... "لو سمحت لا تذكر السيدة زوجتك لابنتي... أنا آسفة، لكنك الآن تمثل القدوة الذكورية لها... أردتك أن تخبرها أن لك زوجة كي لا تحلم بك بشكل آخر، كأب أو أكثر... أردتها أن تفهم أنك عم لها، لذلك أخبرتها كاذبة عن صلة قرابة بعيدة بيننا... لكن أرجوك... ابنتي بحاجة لصورة أفضل، لكي تتحمل الحياة... أنت تظن أنها قوية، لكن كما ترى هي مازالت طفلة..." سكن و هو يشعر بغضب حقيقي من كلمات المرأة بحق لين... رغم انها لم تهينيها، لكن تلك الكلمات بشكل عام، تعني أن يترك طرف ثوبهم نظيف دون ذكراها... "سيد مهاب أنا لا أهين السيدة زوجتك لا سمح الله... فالله وحدة أعلم بحالها... و أقسم لك أنني لا أضمر لها أي ضغينة... لكن كما ترى، لم يبقى لي في هذه الدنيا إلا هذه الطفلة... هي فقط ما أمتلك... لذلك أرجوك... حاول أن تحسن منظارها في الحياة..." تنهد بقلة حيلة، و هو يجيب متجاهلاً ما فات... "لو أنك لا تحميها بهذه الطريقة المرضية... أنا مستعد أن أسجلها في مدرسة خاصة لمثل حالتها... لن تشعر بنقص أو ضيق..." "و ما المقابل... لم تريد أن تفعل كل هذا؟؟" رفع عينيه لأعلى بقنوط، مرت لحظات طويلة و هو لا يجد م يرد به، قبل أن يتحدث بهدوء ساكن... "أمي آذت زوجة أبي الحامل... زوجتي مدمنة على الحبوب، و ترفض تركها حتى و إن هجرتها... أبي مسافر و قد ترك زوجته أمانة بين يدي... زوجة أبي حالها بين يدي الرحمن... حياتها في حالة خطر مع حادث سيارة، و قد كنت أنا من يقود بها. هي الآن تحت بند الموت السريري، و كل همنا أن نحافظ على الجنين الذي في بطنها أن يظل حياً لأطول فترة ممكنة... و بالمقابل أنا فقط خرجت بعشر غرز!" سكنت المرأة مصدومة بما قاله، لكنه تابع بصوته الشهيد، و هذه المرة عيناه هو على الدورق... "هذا حالي بالضبط قبل أن آتي إليكم... أكون فارغ... فارغ تماماً... الألم يتطاول على كل ما بداخلي من مشاعر و يقتله... ثم يقتل نفسه مطمئناً، لينتقم مني بالفراغ!... أنتم لا تحتاجونني... أنا من يحتاجكم... أنا من يحتاج أن يشعر بشيء ما... يشعر بأنه به شيء واحد يستحق أن يعيش لأجله!" للحظات خانه التعبير قبل أن يكمل... "أنتم لا تعرفون قيمتكم... أنتم دواء روحي لي... من بعدكم تجددت صلتي بربي... انتظمت في فروضي و صيامي... أنتم شيء ليس من زماننا، و كأنني أقرأ قصة عن صبر الصحابة و تحملهم... أنتم تعطونني أكثر مما تتخيلون... لو تدركون قيمة هذه الثروة التي أثريتموني إياها بتعرفي عليكم، إذن لكنت مديناً لكم بكل حياتي..." أخيرا رفع عينيه للمرأة و هو يختم كلامه بذات النبرة... "لذلك، أنا لا أحاول أن أدفع لكم مقابلاً لما منحتموني إياه، فلا أي شيء دنيوي يمكن أن يسدد هذه الهبة... أنا فقط أشكركم... هذه هي الطريقة الوحيدة التي أشكركم بها..." ثم نهض بتعب شديد، ينوي المغادرة و قد علم أن الفتاة قد اعتكفت بالغرفة المشتركة مع أمها، و لن تأت لتودعه... "لا تخافي على أميرة... هي قوية مثلك... بإذن الله ستبقى نظيفة و... أميرة... فقط لا تحاولي أن تحفري ذكرى نكبتها بحمايتك المفرطة لها... و أرجوك سيدتي... بل أتوسل لك... إن احتاجت أي شيء، أعلميني... أنتم مسؤوليتي من الآن فصاعدا أمام الله!" تنهدت المرأة بهدوء و هي تقاوم كل مشاعرها التي تستثار باهتمامه، رغم علمها أنه يفعل ذلك لأجل ما ذكره آنفا... لكن فعلته تلك تحيي بها الحنين لزوجها... لأبيها... لإخوتها الذين كانوا فقط يدللونها هي و طفلتها... للحماية الرجولية التي تزيح ثقلاً كبيراً عن كتفي أي امرأة... الحمد لله على كل حال... وقفت تراقبه و هو يتجه للباب، لكنها لم تمنع نفسها أن تقول... "اذهب لزوجتك سيدي... أخبرها أن الحياة قصيرة...أشركها بألمك... صدقني ستكون سنداً جيداً لك... و صدقني لن ترى إلا راحتك... و بالنسبة لإدمانها، ادع لها الله أن يهيئ الاسباب، لتشفى من هذه الآفة... ثق بأن الله لا يرد راجي أو طالب..." لم ترى بسمته المرة التي استوطنت شفتيه قبل أن يغادر... ثم ودعها بهدوء قبل أن يغلق الباب. *** | |||||||||
26-08-15, 11:14 PM | #1856 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| مرة أخرى أمام البرق و الرعد تقف... تنظر للكون ببسمة واضحة حقيقية... أول بسمة سعادة منذ زمن ترتسم على شفتيها... تكاد تقفز لتلمس السماء من فرحتها... أغلقت عينيها عن ألم جسدها من نقص الحبوب... نعم من شدة فرحها حرمت عليه الحبوب خوفاً أن تتقلص و لو بمقدار شعرة تلك السعادة... لكن ذلك لم يمنعها أن تقهقه ضاحكة... بدأ كله مع مكالمة من مهاب... يطلب أن يلقاها... تطير فرحاً ظناً أنه اشتاق لها، تلبس أجمل و أكثر ثيابها اغراءً... تضع في حقيبتها قميص نوم لا يمكن لرجل بدم أحمر أن يصمد أمامه... تطير لسيارته متلحفة، بنار شوقها و رغبتها به... لكنها تفاجأ بمنظر جبينه و الضمادة تغطي جرحه... قلبها يخفق بألم و شلل يتسلل للسانها ألا تسأل... رغما عنها، توقعت أن يأخذها للشقة ليفرغ ما به من ألم بها، لذلك تفاجأت به يأخذها لمطعم هادئ خال... تراه مثقلاً بالمهموم، فيخفق قلبها على غير العادة اهتماماً به... تحاول أن تتواصل مع جانبها الانساني، لتحاول أن تسأله عن سبب ألمه و ضيقه... بسمته المرة ترتسم على شفتيه... تشعر به قد وصل لقاع القنوط... بل حفر نفقاً لا بعد له في قنوطه! تمد يدها بجرأتها... تمسك يده بحنان... تسأله بلمسة انسانية محبة حقيقية... ما الذي أرقد هذا الألم كله في جوفك؟؟... يعود يرفع عينيه إليها و كأنه لا يجد حرفاً في فاه يصف ما حل به! فتشد على يده التي بين أصابعها بدعم حقيقي... ثم بهدوء متردد يبدأ يتكلم... يخرج ما به بلا ترابط أو تواصل... أمه الحادث... دعد... الطفل... الموت... و ماجدة! و بلا تصديق تستمع... مصدومة لتواسيه، لكنها تجاوزت كل صدمتها مرة واحدة و هي تنهض عن كرسيها غير مبالية بأحد و تجلس جواره لا قابله... تحتضن ذراعه بيد، و تمسد على كتفيه بالأخرى، و هي تهمس بكلمات لا تعلم متى تعلمتها لتواسيه... تشعر به ينظر إليها غير مصدق... و كأنه راهن بتعمد على أغبى و أفشل جواد في العالم... تمسح على شعره غير مبالية بمكان جلوسها... تطمئنه و هي تتمنى حقاً لو تحضن رأسه في صدرها لتبثه أي شيء متبقي فيها... تتألم لأجله، بل تحترق بذات نار الذنب التي تشتعل به... لحظات لا تعلم تمددها لساعات أم هي دقائق، وجدته ينهض بهدوء ليذهب للمشفى... تتحرك خلفه بخفة عبر القطرات الضعيفة للمطر... يوصلها لبيتها بهدوء... تظل نظراته للأمام و هو لا يجد فيه قوة ليودعها، لتفاجئه بأن تميل عبر السيارة تقبله بكل قوتها... بعدها تحتضن رأسه في صدرها بلمحة كاملة لسحب الألم... ثم تقفز خارجة من السيارة، و لا تنسى أن تميل عبر النافذة، ترجوه أن يطمئنها إن جد جديد... تسير في البيت المعتم متألمة و قد فهمت لم لم ترى أخوها و زوجته طوال اليوم... تدخل غرفتها... تخلع معطفها مع الوشاح الذي يشابه ما علقه بعنقه ذات يوم بحنين... تبدل ثيابها و هي مرغمة تشعر بالشفقة على ماجدة... تتناول علبة حبوبها لتحرق المشاعر التي تولدت داخلها... و فجأة سطعت الفكرة بعقلها و كأنها ضربة الكهرباء المذكورة... بسمة مجنونة ارتسمت على شفتيها... علبة الحبوب تسقط أرضا... عُمْرٌ كامل يمر أمامها بكل تفاصيله و فكرتها المجنونة تتحول من خيال لواقع! مشاعر مجنونة تتزاحم في جسدها، تدعمها أفكارها الغريبة... تربعت على السجادة الدافئة في غرفتها، و قد بدأ البرد يتسرب لجسدها، لكن ذلك لم يسمح لها أن تغلق النافذة، فقط وجدت وشاحاً صوفيا ملقى جوارها و لفته حول جسدها... و على شعر السجادة الناعم أخذت ترسم عدة أسامي بأظفرها... ماجدة... مهاب... حاتم... علاء...زياد... دعد... و... لين! اتسعت بسمتها و هي ترى الأسماء أمامها... و كأنها خلية وصل بدأت تصل خطوط بين عدة أسماء... ماجدة مع حاتم... دعد مع ماجدة... حاتم مع مهاب... زياد مع دعد... مهاب مع ماجدة... مهاب مع دعد... و أخيراً خط واضح قطع كل شيء... خط لا لبس فيه يصل لين بكل شخص فيهم... و كأنها هي الحبكة لكل قصصهم... ابتسمت و هي تعاود حفر اسمها مرة بعد مرة... و كأنها تثبت هذه الحقيقة الساطعة... أنا السيدة هنا... أنا الرابحة، و الرابحة دوماً هنا... أخيراً وقفت بخفة تنظر لنفسها في المرآة... كانت جميلة... تدرك ذلك و ليست بحاجة لمحلل كي يخبرها... فلتت شعرها الطويل ليصل لفخذيها... تتأمل الخصل السوداء الحريرية... بسمة أخرى ترتسم على شفتيها... منظرها راقي و أسرتها عريقة... نسب يفخر به أي شخص، من عراقة أسرة والدها، و نسب أمها الأميرة... سر عقمها محفوظ بينها و بين أسرتها... فتاة تشرف أي عائلة، إن تغاضينا عن طلاقها... فقط هذه هي الواجهة... أما في الخلفية، فتقبع الحبوب و الجنون و العقم! و لأول مرة هذه الحقائق لم تنغص عليها مشاعرها، و بسمتها مازالت متمددة على شفتيها... و بلا حبوب لأول مرة مدت يدها تطلب رقما حفظته... حاولت كل جهدها أن تزرع ذاك التعاطف في صوتها... "مهاب أنا معك... دعني أقف معك... بل أريد أن أكون معك... زوجتك... لا يجب أن تعاني لوحدك..." و هناك... أمام غرفة العناية المركزة حيث ترقد زوجة والده، وقف مهاب غير مصدق... لا يجد فيه حرفا ليرد، بينما عقله يتأكد من أنه لا يحلم عندما عادت تكمل بصوت متعاطف ثري بألمه... " مهاب أرجوك ساعدني لأنظف جسدي من هذه السموم، كي أستطيع أن أكون سدناً لك كما تريد!" *** نهاية الفصل | |||||||||
26-08-15, 11:15 PM | #1857 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| (27) الفصل السابع و العشرون عنوان الفصل: التفوق في الخسارة! مرت لحظات ذهول لا مصدقة و هو يستمع للهاتف... حواجبه معقودة بتفكير مطحون، و هو يستمع لكلمات لين الراجية... يسكن كل شيء حوله و تلك الكلمات تعاد مرة أخرى... نظفني... أكون معك... سنداً لك... معك... معك... تتردد الكلمة أكثر من مرة، ليتحرك مبتعداً عن الغرفة خارجاً للبرد، عله يستفيق من تلك الصدمة! "لين هل أنت بوعيك؟؟" تبتسم الأخرى بسمة جذلة... بل بكامل عقلي... تركته في فترة رقاد اختياري، ثم أردته أن يستفيق... و قد فعل... لقد استفاق بكل قوته! "نعم مهاب... لأول مرة أكون بكامل عقلي..." وصلته تنهيدة ألم لأجله!! و هي تكمل بحزن... "مهاب، حينما أخبرتني بحال دعد لمّا رأت أمها... حينما أخبرتني بخوفك مما سحيل بوالدك... حينما أخبرتني بكل ذلك أدركت كم أن الحياة قصيرة..." واقفة أمام المرآة تتغزل بوجهها الفاتن و هي تلون حروف كلماتها بالاهتمام و الرغبة في أن تكون معه... "أدركت أننا في لحظة واحدة قد نخسر كل شيء دون أن نتحضر لأجل ذلك... لذلك أريد أن أستغل كل ثانية لأكون معك... و إن كان الشرط الذي تشترطه لأجل ذلك، هو أن يتطهر جسدي من الحبوب إذن أنا موافقة... فقط ساعدني... أنا لا أعرف أي طريق أسلك!" للحظات، فقط للحظات، آمن... آمن أنها من الممكن أن تكون السند الذي احتاجه... آمن أنها ستكون دعوة مستجابة... لكن عقله الذكي اتفاق مرة واحدة... "لماذا الآن لين؟؟" عقدت حاجبيها و هي تفكر أن مهاب لن يكون سهلاً... "لماذا الآن تتذكرين أن الأحباب يروحون و يأتون، و الفقد قد مر عليك بكل ألوانه و أشكاله... لماذا الآن لين؟؟" خفق قلبها برعب أن تفشل خطتها، لكنها بعزم قررت أن تقاتل لآخر نفس... "لأنني لأول مرة أحب!" خفق قلبيهما مرة واحدة، و هي تتحدث بصدق من قلبها... "لأنني لأول مرة أشعر بأنني دونك لا شيء... حبوبي لا شيء مقارنة بك مهاب... حبي لك يعني أن خسارتك - أو احتمال حدوثها- هو القاضية... لن أتحمل أن يحدث لك أي شيء... مهاب أرجوك... أرجوك، لا تدعني وحدي... أنا خائفة أن أعود وحدي... خذ بيدي و كن معي... أرجوك كن معي!" أغلق عينيه لثوان، قبل أن يتحدث بصرامة مقاوماً كل ما بداخله من تيارات متضادة... "لو مددت يدي و شددت على يدك... هل ستتمسكين بها... هل ستفعلين كل ما يجب عليك فعله... هل ستكونين قوية لتواجهي ما أنت عالمة أنك ستواجهين..." بسرعة جائه الجواب مفاجئاً له... "نعم... سأفعل أي شيء... أي شيء فقط لأكون معك... أعلم أن الأيام المقبلة صعبة على الجميع... سأذهب لأي مصح... ٍسأفعل كل ما يطلبه الطبيب... سألتزم... لن أتراجع... أقسم لك أنني لن أتراجع... و لن أجبرك أن تترك أهلك في هذه الظروف الصعبة... فقط دلني على الطريق، و تواصل معي و ادعمني!" مرة أخرى خفق قلبه مع الصدق البائس في صوتها... "هذه فرصتي الأخيرة مهاب... هذه فرصتي الوحيدة، لكي أنهض... فهل ستكون سندي... أم أن كل وعودك هي جدار بالوني سينفجر مع أول ضغط حقيقي!" رن هاتفه بتلقيه اتصال آخر... شعور مؤلم مر عبره و هو يرى رقم والده... لكنه قبل أن ينهي اتصالها ليتلقى اتصال الرجل، تحدث بوعد صادق... "بل سأسندك لين... ستكون يدي معك من أول خطوة لآخرها... فقط اثبتي أنت على موقفك..." و انتقل فوراً يتلقى اتصال والده ساكباً بعض الكذبات على مسامعه ليمنحه اطمئناناً محرفاً! *** العجز يخنقه و هو يراها على حالها من يومين... جالسة، أم واقفة، تستند عليه أو على مسند المقعد أمام غرفة العناية حيث ترقد أمها... انفعالاتها جامدة و كأنها تجهز نفسها للفقد الأعظم... فاتن و فاضل يكونان حاضرين بالتناوب كل يوم لكنها تبدو بعالم لا يصلها بمن حولها... لا يستطيع أن يلومها على حزنها، و ألم الاستنزاف يقتلها... لا يعلم أيهما أهون... موت مفاجئ مريح كبتر كامل لكل الوجع، أم أيام و ليالي تمر و كلاهما يستنزف روحه في أمل مجنون للنجاة! الأطباء دوماً يعطونهم تقرير يومي عن تقدم حالة الطفل في بطنها فقط، مسقطين الأم من حساباتهم... تنهد دون كثير من الكلام و هو يعاون زوجته للنهوض و العودة معه... لو الأمر بيدها فستبقى هنا للأبد دون أي نشاط تسابق أمها في خطواتها للقبر! "دعد... هيا نعود للمنزل... يجب أن تبدلي ملابسك و ترتاحي..." لم تجد فيها القوة لتهز رأسها برفض، و قواها كلها تخور، لتسلم كل أمورها بتراخي له، لكنه لم ييأس و هو يتحدث معها و كأنه ينشط مخها للتفاعل مع المحيط الخارجي... "أنت بحاجة لقوتك... فقط سويعات ترتاحين بها و تبدلي ملابسك... أمك بحاجة لك بكامل قوتك!" رفعت عينيها إليه بعيون بائسة، بينما تهز رأسها بيأس... "ليست أمي من تحتاج لي زياد... لقد ولت... كله ولى و انتهى!" أغلق عينيه لثوان يرجع حزنه على حالها للخلف... "مازال في صدر أمك نفس، و مازال في جسدها روح... لذلك لا تقنطي حبيبتي... هيا تعالي و أعدك أن أعيدك لهنا وقتما تريدين..." ثم داعب أنفها بألفة... "ثم ما ببطنها هو منها... الطفل الذي بداخلها هو هدية لكم منها..." رفعت عينيها لأعلى زاهدة كل الزهد في هذه الهدية، ثم بتراخي نهضت و كلهما متبلد دبق متألم... و قبل أن تغوص ذاكرتها بكلمات الطبيب لمحت الشريك الوحيد لها بالألم يتلفت حول نفسه بضياع، لتنفصل عن زياد بقوة و تركض ناحية حاتم و هي تنفجر مرة واحدة بالبكاء المرير... أما حاتم فقد صدم بمنظر دعد الذابل... كان مهاب قد مهد له -و هو يحاول أن يجمل الأمر- أول ما وصل و لم يجد زوجه بالبيت، لكن منظر دعد جعل الرعب يشله ليستقبل احتضانها بلا أية ردة فعل، بينما هي تشهق بيأس شديد... "لقد راحت حاتم... راحت... فقدناها... للأبد راحت!" *** يقف كغريب ينظر لها جالسة جوار زوج أمها و انهاك مرسوم على الوجهين... لقد أصبحت رفيقة له... فجأة بات كتفه لا يكفيها، فلجأت لكتف تعلم أن سيدها ممتلئ بذات الجرعة من ألمها، إن لم يكن أكثر! على الجانب الآخر يقف رجل يخاف أن يقترب، ليكون مرئي و لا يبتعد لأنه لا يطيق ذلك! بذات الخشية يحدق مهاب بهما و عدم لوم أبيه و عتابه له يقتله... فقط انفجر به أول ما وصل، ثم بات ينظر إليه بخيبة أمل، مع هزة رأس يائسة، ثم يدير عينيه عنه كلاهما موجودان طوال الوقت و كأنهما يتنافسا الانتماء لهذه النكبة... و بالمقابل كان حاتم يجلس هنالك يحاول أن يتماسك... كانت الصدمة قاسية... لا يمكنه تخيل حدة في الألم التي شعر بها... ألم حاد و كأنه مسمار بطول الأرض و عرضها... ينهشه بكل حدة و هو يمر عبر لحمه، و عصبه و عضله و عظمه... يفتته فلا يبقى منه شيء يذكر!... ارتجفت ذقنه بدموع متكومة بحلقة... صوتها و هي تشكو له مهاب قبل عدة أيام يتردد في عقله... ترجوه بدلال يناسبها أن يعود ليريحها من حمايته المفرطة... تهمس له بحياء أنثوي فطري و جرأة عاشقة بشوقها له... تصفد العرق على جبينه، و حنين مجنون يحرقه و هي تشكو من ركلات الطفل في بطنها المتضاعف حجمه... الطفل الذي أرادا ألا يعرفا جنسه، و قد اختلفا بأمنياتهما... هي تريد ولد، و دون أن تشرح علم أنها تريد تعويضاً به عن ابنها المفقود... و هو يريد طفلة يعشقها بكل فتنة أمها... استند على يده مغطياً عينيه و جبينه، و ذكرى كذبة مهاب تنطلي عليه... يقلق بخفة و هو يخبره أن حمل ماجدة في خطر، لذلك هي في المشفى و لا تستطيع أن ترد عليه... عاد يتذكر كيف انفجر به لأول مرة في حياته و هو يدعو عليه بقهر... لماذا لم تخبرني منذ البداية؟؟... لم تركتني أضحك و أشغل عقلي بما لا يستحق بينما هي هنا تبرد بالتدريج... نظرات ابنه الجامدة و هو يتلقى جلد الملامة بصمت، أخبرته أنه غير قادر... غير قادر على المواجهة... كان ينتظر أمل مجنون بحدوث شيء خيالي كأن تستفيق! يريد أن يمنح والده أي شيء إلا خبر وفاة زوجته سريرياً! و بعدها امتلئ بصمت منكوب، و هو ينهار على الكرسي خلفه... لا يجد فيه قوة لتحمل هذه الصدمة... دعد دائماً جواره... تبكي عنه و هي تسنده، و تستند عليه! أحياناً يتكلمان بأمل غبي أنها ستعود... بجنون يفقدان المساحة الزمنية و هما يتحدثان عن العطلة الصيفية و كيف ستكون معهم... و كثيراً يكونان صامتين بفقد للحرف، خاصة بعد زيارات لا فائدة منها لغرفتها... المنظر الذي يقتل كل آمالهما و هي نبات لا تتحرك و لا تفعل أي شيء... الطبيب ينظر بشفقة لهما، و هو يخبرهما، أنه من الأفضل تركها تذهب... شد على عينيه بقوة و دعد تتذكر شيئاً لا يمكنه نكرانه... لقد أرادت دوماً بأن تتبرع بأعضائها... أي شيء فيها مفيد يمكنه أن تتبرع به... و يوجد فيها الكثير مما هو مفيد... شد على نواجده و فكرة حياة غريب، بقلب زوجته يحرقه... آخر ينظر عبر قرنيتها... و آخر يشفى بنخاعها... و مشوه يستعيد جمال جلده بجلدها. يا للهول كم هو مرعب طلبك ماجدة! الفكرة أرسلت قشعريرة في جسده... لكنه لن يجد فيه القوة ليقول لا! *** | |||||||||
26-08-15, 11:16 PM | #1858 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| كانت تقف بتوتر و حقيبة صغيرة بها الضروريات... تنتظر بترقب سماع نداء طائرتها... لآخر مرة أخذت جرعتها، و هي تودع بيت أخوها بجبن المتسلل و شجاعة الانتحاري! أنهت إجراءاتها، فجلست على مقعد الانتظار تنتظر طائرتها... الوجهة: فرنسا... الهدف: مصحة خاصة لعلاج حالات الإدمان المشابهة لحالاتها... لماذا وحدها؟؟ هي من طلبت من مهاب أن يفعل ما بوسعه كي يدير الأمر، دون أن يظهر في الصورة... عادت تسبح بتفكيرها في شيء آخر... العم حاتم... والد زوجها المنكوب... نظر إليها للحظات، و تقبل وجودها كما نتقبل وجود البعوض في المنزل... لم تهتم... في الحقيقة لم تهتم... لقد أصرت على أن يتعرف عليها قبل أن تسافر... أن يعلم أنها ركن من عائلته قبل أن تعود... يجب أن يعي أنها منهم... بالمقابل، لم يستطع مهاب أن يوقف جنونها و هي تقتحم حياته بفجاجة، و كأنه غير مطمئن لها... ابتسمت... الفكرة مرسومة بعينه أنها قد تستغل الحادث و ضعفه لتصبح زوجته علناً... فقط بإضافة الإدمان، لذلك حذرها ببساطة و بكلمات مباشرة أنها لو نكثت عهدها معه، فسوف يطلقها طلقة بائنة! و كأنها تحلم بعدما وجدت هدفها الحقيقي في الحياة يتحقق... و مع تذكر الهدف، وجدت نفسها مرغمة تفتح حقيبتها و تخرج منها صورة ايكو لطفل يسبح في رحم أمه... أمه التي تحولت لنبات... أمه التي تتسابق انفاسها بهجر جسدها... طفل مقاتل... متشبث في الحياة... طفل بحاجة لأم... و هي بكل بساطة ستكون تلك الأم! *** هذه المرة تقف وحدها أمام غرفة العناية... اليأس الذي بها أوقف الدعوات أن تخرج من فمها... تنتظر جوار حاتم الخبر النهائي... أغلقت عينيها على دموعها، التي توقفت هي الأخرى عن النزول، و كأن الحداد في روحها قد اكتمل على أمها... كلمات الطبيب الهادئة... حال أمها لا يتغير... لا أمل... فقط يقولها باعتيادية، و كأنه يجنبهم ألم الأمل... ثم يخبرهم عن صحة الطفل الجيدة بالمقابل... أغلقت عينيها بيأس و هي تفكر كم هي متكاملة تلك الأم... حتى في تلك الحالة التي لا تدري، جسدها يرحم أبنائها و يحفظهم... بتلقائية لم تفقدها، حدقت بالمكان الذي يجب أن يقف به زياد... لم يعد موجود... لقد استقل بألمه حالما شك بأنها تعلم... المضحك المبكي أنها لم تعلم إلا بعدما سألت مرة عن مهاب، ليخبرها حاتم أنه مع زوجته ينهي اجراءات السفر... كان يتحدث بهدوء و كأنها تدري عن الموضوع... و لما أخبرته بجهلها عن أنه أصلاً متزوج، وجدت الرجل يرفع عينيه إليها بقلق خافت... "لابد أنكم تعلمون أنه متزوج..." عادت تهز رأسها بجهل، ليكمل بما جعلها تحمل هماً اضافيا لهمّها... "لأنه متزوج بأخت زوجك!" يومها هزت رأسها بلا تصديق، لكن ملامح الرجل الجادة، منعتها أن تطلب تأكيد... لين و مهاب؟؟ غير ممكن... بل غير معقول! وجدت نفسها تستأذنه، و خرجت تجلس في الحديقة تفكر بالأمر... لين و مهاب؟؟ مازال الأمر عسير التصديق! بل أقرب للمستحيل... لكن تفكيرها عاد مرة أخرى يتفعل، لتتذكر كيف كانت لين في النادي الرياضي تشرب العصير بتلك الطريقة المغرية... كانت تظن أنها تريد أن تستثير علاء... لكن واضح أن الهدف شيء آخر! و بلا تردد اتصلت بمهاب لتفهم منه... لكنه لم يجب... مرة بعد مرة... و هاتفه لا يرد... و مرت ليلة نامت خلالها جوار زوجها، و هي تكره ما تشعر به من ذنب لمداراتها بما تعلم... و في اليوم التالي أخيراً رد عليها... و ببساطة وافقها على ما سمعته من والده... أما ما صدمها هو معرفتها أن لين قد سافرت... فرت من البلاد... و قبل أن تجد الفرصة لتخبر زياد، وجد زوجها كعادته فيها كبشاً لينتقم من كل قهره... رجفة ضخمة نفضت جسدها و هي تتذكر ما حدث في ذاك اليوم الفاصل، الذي اكتشف فيه زياد سفر أخته... *** لأول مرة تراه بهذا المنظر... منذ أن عملت بالبيت و هي تراه مجنوناً إلا ربع، أو عشر عاقل... لكنها لم ترى شيئاً كما رأته اليوم على ملامحه... عيونه حمر تبرق بطريقة مخيفة... صوت تنفسه يعلو بطريقة تهدد بإصابته بشلل كامل... يده بلا إرادة تعصر الورقة التي بين يديه و كأنه يعصر يد كاتبتها... بل يعصرها كلها... أول شعور ظهر داخله هو المرار... مرار حرقه كله... كلمات الرسالة بسيطة جداً و كأن كاتبتها تدرك أنه يعيب عليها طلب الغفران... تخبره بهدوء أنها مسافرة، لتتعالج من الادمان الذي تعانيه، بمباركة زوجها... زوجها... الكلمة ظلت تتردد في دهنه، لينفجر مرة واحدة بغضب حارق... صرخة عالية ارجفت مدبرة المنزل و هي تتراجع للخلف بعيداً عن كل نيران غضبه... كم تكره أنها هي من عرفت غياب السيدة و أخبرته، لتواجه جنونه! "الحقير... الحقيرة... سأقتله... بل سأقتلهما... أقسم أن أقتلهما كلاهما... الحقيران... سأقتلهما... أقسم أن أقتلهما كلاهما..." شعرت بالرعب و هي تخرج فراراً من الغرفة؛ لتحاول أن تجد عوناً، لو افنجر شيء في قلبه أو شرايين دماغه! أما هو فجنون تلبس كل أعضائه... كل عضلة في جسده تحلم بالتحرر لتحرق كل ذكراها مرة واحدة! حدق في غرفتها... دار حوله بلا حيلة... ثم انقض بجنون يبحث في الأدراج... و كأنها تنتظره بوثيقة زواج قانونية، في أول درج... صوت عقل ضعيف حاول أن يقنعنه أن يهدأ لكنه ظل بذات الجنون، يبحث إلى أن وجدها... موجودة في درج أخير مخفاة خلف ملابسها الداخلية... علب و علب و علب... علب صغيرة ممتلئة بالحبوب المسكنة... بجنون أخذ يقذفها حوله لترتطم بالحائط متحطمة، لكن جنونه لم يتوقف... بل قهره... غضبه... حممه... نيرانه... يا إلهي... لم يكن له أن يتصور أن النار تتألم باحتراقها... لكنه كان ناراً و حريق بذات الوقت... يكوي نفسه بناره... لذلك انطلق بذات السرعة لورشته يريد أن يحضر منشاره و ازميله و سكينه و لحامه... بل سيحضر مسدسه المرخص! و قبل أن يتحرك سمع صوت باب الدار يفتح... و بهدوء دخلت أول شريكه في الجريمة! *** "دعــــــــــــــــــــــ? ?ـــــــــــــــد" انتفضت مرة واحدة و هي تسمع صرخته... نظرت لمفاتيح الدار التي سقطت منها مع الصرخة التي أشعلت مخاوفها منه مرة أخرى... أخدت نفساً تحاول به أن تسيطر على مشاعرها، و هي تتوقع السبب... لكنها قوت نفسها و هي تذكر نفسها أن الأمر لا يخصها... هي لا علاقة لها بالأمر... صرخته الأخرى، جعلتها تتجه إليه على قدمين مرتجفتين، لتجده يغلي في المكتب... ضوء الغروب الخافت يتسلل من النافذة، و ضوء مصباح القراءة يسانده ليبرزا نيران غضبه أكثر! يدور حول نفسه و هو يمسك ورقة بين يديه... ينظر إليها لثوان ثم يرفع رأسه للأعلى بغضب حارق... أخيراً رآها... حدق بوجهها بنظرات حارقة... لحظات و تجاوزها بكل قوته، لتجده يغلق الباب بكل قوة... ثم يقف مشرفاً عليها بقامته و غضبه حولها لقزمة أمامه... "بكلمة واحدة أريد الجواب..." ابتلعت ريقها و هي لا تجد فيها قوة لترد، فأكمل و هو يمد الورقة المكرمشة في وجهها... "هل كنت تعلمين أي شيء عن هذا؟؟" ظلت جامدة و هو يكاد يلصق الورقة في وجهها... لم تحتج لكثير من الجهد أن تقرأ الحروف... رسالة وداع من لين... اعتراف بسيط بزواجها من مهاب... لا تبحثوا عني... الصدمة الحقيقية ترتسم على ملامحها و هي تكتشف أنها في مصحة سرية لأنها تعاني من الإدمان... عيناها متسعة على آخرها، لكنها لم تستطع أن تكمل الرسالة للآخر، و هو يسحبها، من أمام وجهها و صمتها يدينها أكثر... فقط نفسه يخرج بجنون، و هو يحدق بها بعيونه المحمرة النارية... "هل كنت تعلمين دعد؟؟" "زياد أنـــ......" هز رأسه بنفي و أصبعه ينزل على شفتيها بقوة و كأنه يصفع شفتيها به... "قلت كلمة واحدة... تعلمين أين هي أم لا تعلمين؟؟" حدقت به بعجز، لثوان و هي تعض على شفتيها، ليميل ناحيتها بفحيح أقوى ألف مرة برعبه من صراخه... "هناك..." ارتجفت برعب و هي تتبع اشارته، لتقع عينيها على صندوق زجاجي... صندوق به رمل و صخر و وعاء ماء... فروع أشجار و وكر خبيث يلائم سيده... صندوق يحوي أغلى كائن حي على قلبه... صندوق فارغ! و قبل أن تحلل هدفه من اشعارها به و قد بدأت علامات مخاوفها تظهر عليها بتنفسها المتسارع و حدقتيها المتسعة بشكل مرعوب، مال يهمس بأذنها بفحيحه المشابه لفحيح بدأت تتخيل وجوده حولها في كل مكان... "أنت لا ترينه... أليس كذلك؟؟" دارت بعينها ناحية الرجل، ليكمل بذات الفحيح الكريه... "هل تعلمين لم هو فارغ دعد؟؟ لأنني ببساطة أطلقته في الغرفة..." قفزت برعب شديد، من مكانها ناحيته، و كأنها تنوي التعلق به بحماية و قد نسيت أنه هذه المرة عاد لخانته الأولى كعدو... "لا..." دفعها بعيداً عنه برفض منحها أي شيء منه، لتتعثر بوقفتها، و تستند بآخر لحظة، بمسند المقعد... "لا، دعد... أخبريني قبل أن يجذبه دفئ لحمك... أنت تشعين حرارة الآن في هذا الجو البارد... سيجدك... لذلك أخبريني ما تعرفينه... تحدثي لعنة الله عليك!" كانت متجمدة مع كلمته و دون أرادة ضمت نفسها برعب و هي تنظر للأرض بفزع... لا تستطيع أن تتحدث.. تريد أن تخبره كل شيء... لكنها لم تقدر... الحروف لا تستطيع الخروج و الرعب يصوره يسير من ورائها لتنتفض بقوة مستديرة للخلف... مرة أخرى تشعر به يتسلق ساقها... تدور كمجنونة و الرعب يسيرها... أخيراً همسها المرعوب وصل لقلبه المتحجر... "أخرجني زياد..." عبر شفاه متقلصة و أنفاس متسارعة تهدد باختناقها، تابعت تستجديه بصوت بدأ يعلو دون وعي منها... "أخرجني من هنا زياد... أخرجني... أرجوك!" ثم انطلقت بلا وعي ناحية الباب تحاول ان تفتحه و هي مازالت تصرخ بجنون... "أخرجني... أخرجني من هنا... افتح الباب زياد... افتح هذا الباب اللعين... افتحه..." كانت محاولاتها لفتح الباب مجنونة و المفتاح أصلاً غير موجود... ليجذبها بقوة عن الباب ممسكاً إياها بين كتفيه و هو يصرخ بقهر و صمتها أتعبه... "أكنت تعلمين... أكنت مرسالاً بينهما... تحدثي... لأين أخذها... تحدثي... أين ذهب بها... تحدثي و ارحمي نفسك!" آخر كلمة كانت صرخة عالية و هو يهزها من كتفيها و هو يعيد مرة أخرى أمره أن تتحدث... تحدثي... ارحمي نفسك و تحدثي... لكنها لم تكن معه... كانت هناك مع مخاوفها... تعيش معها... تعاد أمامها مراراً و تكراراً... تراها حولها في كل مكان... تلفتت حولها برعب... و فجأة امتلئ المكان أفاعي... المكان كله أفاعي... نظرت للسقف لتراها تتسلقه... الحيطان... النافذة التي ذبل ضوئها... المكتبة... المكتب... هلوسة كاملة سيطرت على عقلها... صراخه يبدو بعيداً عبر ألف ألف سنة ضوئية... لا تسمعه و هو يعيد سؤاله... لا تشعر بيديه التي تهزانها... لم تكن تفهم اتهاماته لها بأنها شريكة له في اسقاط أخته... لم تكن إلا مع جنون تعيشه بكل تفاصيله... و أخيراً لم يعد في جسدها أي مقاومة و هي تبرد باستسلام تام... مستسلمة كما نحتها بتمثاله لكل مخاوفها أن تسيطر عليها... تحاول أن تخرج من هناك، لكن الأفاعي تشلها... تلتف حول فوق جسدها... عيناها متسعة على أقصى قدر، لكنها لا ترى شيء حولها... فقط ترى الأفاعي و هي تتراكم فوق جسدها... تسيطر عليها... شلل كامل لكل أعضائها مما تعيشه... الصدر يضيق و التنفس المتسارع بدء يبطئ... اختناق قوي حرقها، و كأنها تعتصرها كما تعتصر فئرانه... تشعر بثقل على صدرها... و فجأة دون مقدمات، فقدت الوعي، لتسقط مرة واحدة على الأرض التي تفترشها كل أفاعيها الوهمية! أما هو فلم يحرك ساكناً، و هو يحدق بها مصفرة أمام قدمية... و كأنه انتقم بجزء يسير من جرمها بحقه! ثم انطلق بجنونه ناحية الحقير السافل الآخر! *** | |||||||||
26-08-15, 11:18 PM | #1859 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| كان ينتظره... طوال الأمس و الصباح، هو ينتظره... لم يتوقع أن يكتشف غياب أخته بعد مرور أكثر من يوم على ذلك! ابتسم بسخرية و هو يتجه للباب يفتحه و ذاك يكاد يكسره بطرقه و شتائمه السافلة التي بكل تأكيد ستؤثر على سمعة العمارة! أول ما استقبله هو لكمة... ليس لكمة، لكنها زلزال... زلزال ألقاه داخل الشقة ليتقدم ذاك دون أن يهتم بإغلاق الباب خلفه، و هو ينقض عليه بقهر يلكمه و يركله و قد فقد السيطرة على نفسه... يتنفس كالثور و هو ينفجر فيه بقهر الرجال كله... أما مهاب فعلى الرغم من توقعه لجنون زياد، و عذره نوعاً ما له، إلا أنه فعلاً تفاجأ بقوة الجنون التي برزت فيه... و على الرغم من كونه رياضي متقاعد، و جسده مازال قوي، إلا أنه لم يجد حتى الفرصة ليوقف هجوم المجنون عليه، و هو يلكمه بلا توقف في كل ما يمكن أن تصله قبضاته و ركلاته... يصرخ بنعوت لا يمكن تحملها، يصفه به هو و زوجته... و فجأة مع انحطاط تلك الكلمات، و جد نيرانه تشتعل مرة واحدة و قد انفجرت به طاقة هائلة... و بثوان انقض على زياد بقوة مشتعلة بالغضب المضاد... و بتعارك ذكرين مجنونين على الشرف و الفضيلة وصل علاء في آخر لحظة! *** شلل... شلل يجمد كل انفعالاته... شلل منعه أن يوقفها... شلل أثبته بالكرسي الذي يجلس عليه... كان شلله ختاماً لمحادثة بدأت برنين من المجنونة... لحظات قليلة أثبت ترتيب أنفاسه، قبل أن يستقبل المكالمة... و بهدوء فوضوي لا يجيده إلا هي أخبرته أنها مسافرة... "الآن طائرتي مغادرة علاء..." أغلق عينيه و كأن الشلل لم يصلهما بعد و كلماتها تعاد مرة أخرى في عقله... "أنا لست آسفة لأجل أحد إلا زياد... صدق أو لا تصدق... أنا آسفة لأجله... لذلك أريدك أن تقف معه... لن يعلم أبداً أنك كنت تعلم منذ البداية... لن أخبره، و مهاب لن يفعل... و أنت كذلك!" تنفسه تعالى خارجاً من شلله إلا أن صدمته من كلماتها يمنعه من أن يقاطعها لتتنهد بهدوء و هي تكمل... "هذا هو سبب اتصالي بك... ستخبره أنني أخبرتك قبل أن أغادر عن سفري... عن زواجي من مهاب... عن..........." أغلقت عيناها و هي تحارب الدموع أن تتكوم بعينيها تنغص نشوتها بأمومتها الوشيكة... "عن إدماني!" وصلها تنفسه المجنون المحتقر لتنهي كامل اعترافها... "نعم علاء..." أجابت سؤاله دون أن يطرحه... "أنا مدمنة للحبوب المسكنة... منذ أن فقدت جنيني و أنا أتعاطاها بتزايد... و....." ابتلعت غصة مرة بحلقها، بينما هو لا يجد حرفاً يخرجه... فقط شلل تراكب على كل عضلاته... حتى يده ثبتت السماعة على أذنه برد فعل ثابت لشلله... "و الآن مهاب عرض أن يساندني... هو من كشفني... و هو من عرض أن يعينني... أعلم كم تحتقرني... أعلم كم تكرهني... و أعلم كم تتمنى لو تسقط بي الطائرة... لكنني حقاً لا أريد أن أكذب عليك... أنا لست آسفة، لأنها الفرصة الوحيدة لي لأعيش... أنا آسفة فقط للألم الذي سأسببه لزياد... لكنني سأعود لين أخرى... لين حقيقية... طبيعية... لذلك، إن كان هذا يغفر لي عندكم، فأتمنى أن يفعل..." وصلته آخر زفرة منها و هي تنهض تجر حقيبتها الصغيرة و هي تنظر لمهاب الذي حضر متأخراً ليودعها... "لذلك وداعاً علاء... اعتني بزياد... أرجوك افعل!" و انهت المكالمة و هي تتحرك لأجل أفق جديد في حياتها... دون ذرة ندم واحدة! *** أفاق من شروده و هو يتذكر حال زياد حينا اقتحم عالمه... لأول مرة تتصل به مدبرة منزله ترجوه أن يأت ليرى ما سيفعله المجنون... و بسرعة مجنونة قاد متوجهاً لبيت صاحبه... مرت رجفة بجسده و هو يجد المرأة تحدثه بلا ترابط عن زوجته فاقدة الوعي و عن خروجه المجنون بسيارته تاركاً الفتاة بحال لا يوصف... لم يفكر كثيراً و هو ينطلق بسيارته مرة أخرى لشقة مهاب... تجمد لثوان و هو يرى حطاماً في كل مكان حوله... عيناه تدوران في حطام الشقة الذي يدل على الجنون الذي لا سيطرة عليه... و بلمحة عقل متأخرة أقفل الباب خلفه بسرعة، تجنباً لفضائح بدأت، لكنها مازالت تتسع! عاد يتلفت حوله بلا حيلة و الرجلان مازالا يتقاتلان بتنافس للقتل الأكيد... ملامح الرجلين تشوهت بالكدمات و اللكمات و الدم ينز من شفاه زياد، و بالمقابل من جرح في طرف خد مهاب، بينما غرز جبينه التي اقتربت من الالتئام عادت تنفرج و تنزف بغزارة! بكل تأكيد هما يتنافسان على الاقتراب من جريمة قتل... أغلق عينيه لثانية يحسم بها الحل الوحيد... ثم................ تجمد الاثنان مع صوت رصاصة بدا جداً عالي... حدق بهما علاء بصرامة شديدة و الدخان يبرز من فوهة السلاح الذي أنزله لأسفل... "خلال دقائق أو أكثر أو أقل، ستكون الشرطة هنا... " وقف مهاب ببطء شديد، ليتبعه زياد و هو يشد على نواجده بقهر... يا ربي كم هو متشبع بالقهر... قهر و غضب يجعله ينفخ للحظات، قبل أن يتقدم مرة أخرى ناحية مهاب الذي أزاح الدم عن وجهه بتحفز شديد، لكن علاء وقف بالمنتصف و وجهه ناحية زياد... "إنه لا يستحق أن تقترب منه زياد... هو لم يفعل إلا أن تزوجها برضاها... إن كان هنالك من يستحق القتل فليكن هي!" تجمد الاثنان من البدائية التي تشع من كلمات علاء الباردة، ليهز مهاب رأسه بسرعة و هو ينظر لظهر الرجل و وجه صاحبه باشمئزاز... "حقاً يا أشرف شرفاء الأرض... تتحدثان عن الدم الذي يراق ليطهر الشرف... و ماذا فعلتما لأجلها... ها... ما الذي فعلتماه لأجلها..." انتفض زياد، و لثوان تحفز علاء ليصد هجومه عن مهاب، لكن كلاهما تجمد و مهاب يكمل بكراهية من كلاهما... "تتركانها كأنها حمل زائد، لأول حقير يطرق بابك... لو كان فيكما دم أحمر كما تحاولان الآن أن تظهرا، إذن لكنتما بحثتما... فقط بحثتما عن خلفية الحقير الذي سلبها كل شيء... قتلها مرة واحدة... و تركها تنعى أشلائها المتناثرة... كنتما ترونها جثة تسير بينكم... كنتما ترونها ميتة... ألم ير أحدكم أي علامة؟... أخوها الذي يعيش معها بنفس الدار لا يعرف أن أخته مدمنة... ثم تأت لتتحدث عن الحساب و الشرف... أي حساب و أي شرف... عن أي حساب و عن أي شرف... فكلاهما لم تسمعا بهما..." توقف ثانية واحدة ليأخذ نفساً، و هو يمسح الدم عن جبينه بطرف كمه، بينما زياد يتجمد مع هذه الحقيقة، ليتابع مهاب و كراهيته لنفسه و لزياد و علاء تدفعه لأن يفجر كامل الدمل غير عابئ بأحد... "أختك حاولت أن تنتحر... أين كنت؟... أختك كانت متزوجة بالسر أين كنت؟... أختك مدمنة حبوب، أين كنت؟... هه و هل تعلم ما هي النكتة... أختك خارج البلد لأكثر من يوم... و أين كنت؟..." و أكمل باشمئزاز و هو يشوح بيده باحتقار... "يا أخي اذهب إلى أي حفرة جحيم و ألقي نفسك بها... ربما وقتها يبرز دمك الأحمر... لكن لا تتحدث الآن عن أختك و أهميتها... هل تفهم؟؟... و هل تعلم... لو كنت مكانك، لحمدت الله أن همها قد انزاح عن كتفيك كاملاً... ها قد ارتحت من عبئها... اذهب زياد... اذهب للجحيم، عل دمك الأحمر ينز على جمراته!" برحمة من الله، لم تكتمل المرارة من زياد، و طرقات قوية تدق الباب... أخيراً جاءت الشرطة! *** الكلمات تعاد في ذهنه مرة بعد مرة... تجلده بأقوى من كل اللكمات التي نالها من مهاب... يشعر بيد علاء تشد على كتفه و هو جالس جواره في مجلس بيت الأخير، بعدما استطاع بمعجزة أن يخرجه من الحجز بكفالة، خصوصاً مع تنازل مهاب عن القضية... شد على كتفه أكثر و هو يقول بهدوء و روية... "زياد، لا تصدق ما قاله... لقد............" قاطعته هزة رأس ساخرة مرة... "بل كل كلامه صواب... كل كلامه صحيح... أختي في بيتي... بين حيطاني... متزوجة منذ أكثر من سبعة أشهر بالسر... سبعة أشهر... هل تفهم معنى سبعة أشهر؟!..." ارتجف ذقنه بهوان و هو يكمل باشمئزاز مريع من نفسه... " أختي مدمنة لأكثر من عامين... أختي... يا إلهي... أختي أنا!" ثم دفن رأسه بين كفيه بانكسار حقيقي... لأول مرة يشاهد الكسر الحقيقي للرجال... يا رب خذ بحقه منك يا لين على ما فعلت بأخيك... يا ربي لا تسامحها... عاد يستطعم نفس مرارة أخيه الجالس جواره، و حرقهما باتا واحد... الكسر انتقل له، لكن مهما قيل لن يكون ككسر زياد... ذلك الرجل الذي تهدلت كتفاه مرة واحدة بعدما واجها كل مصائب الدنيا... رجل يدفن رأسه بيأس حقيقي بين كفيه و هو يستطعم الاستحقار و يتلحف به... يا رباه كم هو مؤلم كسر الرجال!... لم يجد ما يواسيه به... فقط شاركه الجلسة الصامتة و كأنه يعاونه على جبر كبريائه... عنفوانه... أخيراً بدأ يهز رأسه بسخرية... "أراهن أنها تضحك الآن ملئ فيها..." لكنه و بتعذيب لروحه استمر بصمته، بينما زياد يرفع عينيه لأعلى و كأن جنوناً حقيقيا تلبسه... "بكل تأكيد أنتِ فخور بفعلتكْ... بكل تأكيد أنتِ راضية... بكل تأكيد حصلت على راحتك التامة... انتقامك التام..." ثم دار بعينيه في القاعة و هو يخاطب خيالات مجنونة يراها وحده... "هل تعلمين لين؟؟ ضربة معلم..." فجأة ارتفع صوته و كأنه صراخ، و هو مازال يدور بعينيه يبحث عنها... "نعم ضربة معلم، ضربة استاذ محترف... ظللت دوماً تحاولين أن تخدشي... تجرحي... تخمشي... و أخيراً..." عاد صوته ينخفض بانكسار... "و أخيراً تجدين عبر تلك العلامات، المقتل... تجد المكان الصحيح، للطعن... تجدين المنطقة التي لا يبرأ جرحها... فعلاً استاذة... فعلا لين!" *** | |||||||||
26-08-15, 11:19 PM | #1860 | |||||||||
نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء
| لا تذكر كيف وجدت نفسها في غرفتها على سريرها... لا تذكر من نقلها لهناك... لكنها انتفضت مرة واحدة و هي تتذكر كل ما حدث مرة واحدة، لتجد يداً حانية تمتد لتهدئها... "لا شيء هنا سيدتي... اطمئني... أنت بخير..." إلا أن ذلك لم يوقف تلفتها حولها بجنون، و كأن الكابوس لم ينتهي... لحظات مرت، و عيناها متسعة بقوة و فزع، لتجد مدبرة المنزل تخترق كل قواعدها و تضمها بهدوء مطمئن... لحظات أخذت ترتجف خلالها بصمت، بينما تتذكر ما حدث... كيف انقلب مرة واحدة عليها... أغلقت عينيها برعب و هي تعي أنها لم تمتلكه قط... فقط ظلاً له أو صورة مزيفة ترقد جوارها كل يوم... أما هو فظل كما هو... بعيد بعد مجرة أخرى عنها! يا ربي... كم هي مؤلمة قسوته و ظلاماته... لم تعاتبه، حتى في مخيلتها لم تفعل، فهذا هو زياد... لكنها وجدت العتب يجلدها هي... عاد جسها ينتفض و هي تسمعه يصرخ بجنون يخاطب لين الغائبة... تنفسها عاد يتسارع و هي تدرك أنه فعلاً فقد عقله... إلا أن فكرة برزت في عقلها، أنه استطاع أن يصل للين... دارت بعينها بتساؤل لمدبرة المنزل الي عادت لتحفظها المهذب... "هل عادت لين؟؟" همست برعب احتقرت نفسها لأنه خوفاً عليه أن يتهور و يقتلها... هزت المرأة رأسها بنفي متهيب، لتتيقن أنه فعلاً جن... و بلحظة أدركت أنه كان من الأول مجنون و الدليل فعلته المرعبة بها... ساكنة تماماً مكانها و كأنها تخشى أن يتذكرها ليكمل افراغ جنونه بها... لحظات لا تدرك طولها مرت قبل أن يحمل المكان الهدوء المترقب... هدوء ينتظر المصيبة المقبلة! ابتلعت ريقها و هي ترى المدبرة تخرج باعتذار من غرفتها... ثوان مرت و هي تحدق بظلالها، ثم قفزت خارجة و كلها خوف أن يصعد إليها... وجدت قدميها تنطلق بتلقائية لغرفة مكتبها... و بيد مرتجفة أقفلت القفل مرتين... وقفت للحظات تحاول ضبط تنفسها لكن ذلك كان عسير... الرعب الذي يسري في جسدها من موقف اليوم مازال يسري في جسدها... أضاءت كل الانوار... وقفت للحظات مرعوبة أن يظهر لها ذلك الكائن مرة أخرى... جلست على الأريكة و هي تحاول أن تستعيد دعد القوية، لكنها انتفضت مع صوت ما، لتعود تحاول ان تضبط تنفسها مع طنين جهاز التدفئة... حواسها رغماً عنها يقظة... بطرف عينها ترى أشياء تعلم أنها خيالية... شدت على عينيها تطرد الصورة لتراها تبرق خلف جفونها... أخيراً بإنهاك و استسلام أسندت رأسها على يدها، و هي لم تعد قادرة على المقاومة... "أمي...." همست بفقد و هي تتمنى لو تحضنها و تمتص هذا الخوف... كم تريدها الآن... بأنانية تريد حمايتها... و كأن الواقع قرر أن المخاوف المجنونة أخف وطئة منه، لذلك برز بكل قوته يدهسها... و بانفجار كبت الفقد مع الوحدة، مع الظلم الذي نالها، انفجرت تبكي... تبكي و كأنها آخر مرة يحق لها أن تنادي ذاك الاسم... تبكي و كأن الجنون الذي وقع عليها كان محفزاً لتستوعب فقدها الحقيقي... عادت تهمس بوحدة محرقة... "أمي... أرجوكِ تعالي..." الحرق فيها يشتعل بغليان و القيح فيه ينسكب ليزيد الألم... لا تدري كم مر من الوقت و هي على هذا الحال، غير عالمة أن شخصاً آخر يسند رأسه على باب الغرفة يكاد يصاب بجلطة في قلبه مع صوت بكائها... فاقد لكل شيء حتى حلمه المستحيل بالراحة معها... فقط يستجلب الألم الذي صنعه بها ليكمل بلمسة فنيه انكساره التام... مبارك زياد... لقد وصلت مرة أخرى زياد، لقمة التفوق في الخسران... *** عادت من ذكرياتها بما حل بها... ابتسمت بمرارة، و هي تتذكر كيف استيقظت صباحاً لتنطلق للمشفى بدون انتظار له، و قد علمت أنه سقط من كل حياتها... فقط تؤجل النكبة التي منه و فيه، لتستطعم نكبة فقدان أمها... و بدون كلام نظر إليها حاتم بنظرات مدققة، و بينما تحاول أن ترسم بسمة ما فقط لأجله، وجدته يتقدم ليحضنها بهدوء... لحظات و هي تشعر بشيء من المرار بها يتقلص بقربه، ليفلتها بصمت و هو يعود لهدوئه الذي يقتل فيها الأمل... لم تره تائه ضائع إلا عندما فجعته بما تعلم... و بعدما فهم كامل حال زوجته، سقط الجبل مرة واحدة... لم يبكِ أمامها، لكنه سقط... تحطم... ينظر حوله بحيرة و كأنه سيجدها تخبره بما يجب عليه فعله... منظره بهذه الطريقة حرقها، لتحاول بقوة من جينات أمها فيها، أن تواسيه... و كما مع أمها وجدا في الصمت راحة من ذلة الكلام... "مهاب لا يرد عليّ... هل عندك علم عن حاله؟؟" فوجئت بالسؤال يخرج منه... يمكنها أن تخمن لكنها تخاف من نتيجة تخمينها، بينما الرجل يكمل بذات الهدوء... "من منظرك بالأمس حينما أخبرتك بزواج مهاب، أكاد أجزم أنه زواج بالسر..." لم تنفي كلامه، و لم تؤكد عليه، ليكمل بعد غمضة عين... "لو رأيت مهاب، بعد الآن دعد، أو سمعت عنه... فيمكنك أن تخبريه أنني لم أعد والـ................" فوجئ بها تقاطعه بسرعة... "أرجوك لا تقلها... يكفيه ما فيه... أنت لم ترى الذنب الذي يعيشه بعد حادثة أمي... أرجوك لا تقلها... مهاب رجل جيد... نحن لا نعرف ما حدث بينهما ليفعلا ذلك... لذلك لا تسقط اللوم كله عليه..." نظر لعينيها التي تعاظم السواد تحتهما... ثم تحدث بمرار لم يداريه... "لم أعد أعرفه دعد... لقد تغير كثيراً... بعد عني أميالاً... لكن أن يصل الأمر للعبث مع الشرف... ليس ابني من يفعل ذلك... رباه... إنه شرف و ليس شيء أقل!" ابتسمت بمرارة و هي تتذكر جنون زياد... رحمة من الله منعت القشعريرة من السير على ظهرها بحضور حاتم... "لكنه ليس وحده الملام... أنت لا تعرف لين... " توقفت بسرعة و هي تغلق عينيها مع شفتيها بيأس، ألا تغتابها... أخيراً عادت تتحدث بهدوء... "عمي، لا تكن عليه مع كل النكبات فتخسره تماماً... مهاب على الحافة... و أعلم أن زوجـ... زوجي مجنون، لذلك حمله كامل المسؤولية... لكن الزواج لم يتم بالإكراه، و لم يجبرها على شيء... لذلك، لا تضعضع صخرته الوحيدة و تتركه يهوي فتخسره تماماً..." ظل الرجل ينظر إليها بثوان و فخر لا يحق له أن يشعر به، أنه يجلس جوار قطعة من ماجدة... بسمة مرة ارتسمت على شفتيه و هو يهز رأسه موافق دون كلام... ظلا كذلك لوقت طويل دون أن يحتسباه من الزمن... فقط أمل غبي مجنون أن تقهر كل كلام الأطباء و تنهض... ذلك الأمل كان مؤلم لدرجة، أنهما يخافا أن يأملاه... *** أخيراً استطاعت أن تتحرر من الحجاب الأسود و الثياب السوداء... كان ثاني لون تكرهه بعد الرمادي... تركت الثوب يسقط أرضاً و هي تخرج منامة قطنية لونها أزرق هادئ... رقدت بعقل فارغ على السرير في غرفة علمت أنها جهزت لأجلها منذ زمن... لكنها لم تدخلها إلا بعد رحيل سيدة الدار. ابتسمت بحنين و هي تمرر يديها على النقوش الأنيقة لمفرش السرير... لونه بنفسجي هادئ تلائم بدرجاته ليتصاعد لوردي... ذوقها في الأثاث و كأن دعد التي اختارتهم... استلقت على السرير و هي تتذكر ما حدث منذ ثلاثة أيام... للأمانة هي لا تتذكر أي شيء... لقد تم الأمر بسرعة خيالية، لتستيقظ و هي في هذه الغرفة، على خبر وفاة و ميلاد! شعرت بغصة معتادة في حلقها، و هي تودع أمها على مائدة الجراح، و قد انتهت فورما أدت آخر مهمة لها... قلبها في مكان ما، و قرنتيها، و نخاعها... لا تفهم كيف وجدت كتفا اشتاقت بجنون لسيدها تدعمها... غصباً يحتضنها بينما هي جامدة لا تصدق... يكاد يبكِ بدلا عنها، بينما هي جامدة... رغم استعدادها لرحيلها، و رغم حفظها لكامل الأدعية إلا أن صدمة الفقد كانت أقوى... اعتدلت و هي تتذكر تسارع الأحداث... عزاء... ثياب سود... كفن... قبر... و طفلة! على خلاف كل الصور كانت طفلة... طفلة في حضانة تصارع الدنيا كلها لتعيش... رئتاها كانت غير مكتملة... بحاجة للبقاء في الحضانة لفترة طويلة... المهين هنا، انها لم ترها حتى الآن... لا تدري لم تشعر أنها سرقت حياة أمها، رغم إيمانها التام أن عمر أمها قد انقضى لكن هذه الطفلة تمثل لها غصة تخنقها... نهضت من على السرير لتتحرك ناحية النافذة... أخذت تتأمل القمر المضيء في سماء صافية، بطريقة لا تلائم ليالي الشتاء... كان يوم موت أمها يوماً جميلاً صحواً توقف فيه المطر... لا تدري أهي اشارة لكي لا تيأس، أم أن الطفلة تلك تحمل في طياتها أمل جديد... تنفست بهدوء الهواء النظيف بعدما فتحت النافذة، و هي تفتقد للأمان من ذلك الصدر الذي امتص معها صدمة الموت... زياد القريب البعيد... تشعر به حولها في كل مكان... لا تفهم كيف وقف جوار مهاب و والده في العزاء... يفاجئها بطريقة تفقدها عقلها... تماسكه و تجاوزه عن كل ما فات يرعبها... يضمها بصمت وقتما اختلت بنفسها في الحديقة الخلفية بعدما دفنت أمها، و كأنها فهمت معنى الموت... يواسيها بذراعه... بصدره... بشده عليها... بمشاعر تتسرب دون ارادة منه إليها... لكن شفتاه مطبقتان، و كأنه قرر الصيام عن الكلام... و المشكلة أن هذا يخيفها... بل يرعبها... لم يعتذر، و كأن اليأس قد اكتمل فيه... لم يطلب الغفران... لم ينظر لعينيها و كله خوف أن يرى ما يفقده آخر قوة فيه... لم يحاول أن يدافع عن قضيته و قد سقطت العقوبة عليه قبل المحاكمة و الإدانة، و شهادة الشهود! نعم زياد لم يصم عن الكلام، بل الكلام صام عنه! و بجنون وحدتها، و بتوق لصوته وجدت نفسها تتجاوز كرماتها و رغبتها بأن يعتذر و يعتذر و يعتذر، حتى تفكر أن ترضى، وجدت نفسها تتصل عليه و هي تحلم بأن تسمع صوته... *** بتهيب لا تدري لم يسري في جسدها وجدت نفسها تقود في هذا الوقت المبكر من الصباح لبيتها... عدم رد زياد على هاتفها بالأمس ليلاً أفزعها... بترقب دفعت البوابة متجاهلة أن تطرق الباب و حنين مع خشية يتسللان لمشاعرها... تجاهلت الشاعرية في شوقها لبيتها و افتقادها لأركانه، و أيضاً بقوة أكبر تجاهلت الرجفة في جسدها و هي تسير بسرعة أقرب للركض أمام غرفة المكتب، لتصعد متوجهة لغرفة النوم و هي تشعر بخفقان قوي في قلبها... *** صمت بليغ يحلق بين الاثنين... هو توقف لثوان يحدق بها بافتقاد مجنون، و هي تحدق بما يفعله بلا تصديق... لحظات ثم همست بادراك متأخر... "أنت مسافر؟؟" منظر حقيبة التخييم الضخمة الكبيرة على السرير... جوارها ضروريات يعرفها هو جيداً... ضروريات اعتاد عليها في سفره القديم و الذي بدأت به الحكاية... ترك ما بيده و أخذ يحدق بها... يخاف أن يبرز أي شيء على السطح... يخاف أن يظهر أي شيء... لكنه مشتاق... يا الله كم هو مشتاق... و للأسف، يعلم أنه لا يحق له أن يشتاق... يعلم دوماً انها أفضل شيء حدث له... و يعلم أنها حدث و انتهى! لذلك هو لن يكمل تلويثها ببقائها في عالمه القذر! "أنا آسف دعد!" صدمت من الكلمة... و صدمت أكثر و هو يكمل بهدوء... "شيء لم أعتذر عنه قط... كم أتمنى لو يعود الزمن بي قليلاً لأعتذر من المعنية الأولى لكن القدر حكم عليك أن تتلقي التعازي... و الاعتذارات!" خفق قلبها لثوان برعب شديد، بينما هو يكمل بذات الهدوء و إن عادت يداه تكملان تعبئة الحقيبة... "أنا أعتذر بالنيابة عن عائلة الصانع لما فعلناه بأمك قديماً... كان تصرفاً حقيراً... و أعلمك أنني قبل أن أتزوجك كنت قد حللت مشكلتها تماماً... لقد كنتما من وقتها بأمان... أعتذر لكما أننا جعلناكم تمران بكل ما مررتم به... كان تصرفاً حقيراً من قبلنا أن نستغل فتاة منا، و أمها بتلك الحقارة!" ثم رفع عينيه الميتة لعينيها المصدومة... "لا أدري إن كنت تصدقي أم لا تصدقي... لكن يهمني كثيراً أن تقبلي اعتذاري... كما يهمني أكثر أن تقبلي اعتذاري، عن المشورة القانونية التي استطعنا أنا و علاء أن نوصلها إليكم بطريقة ملتوية!" تنفست بعمق أشد و هي تتذكر هذا الأمر... كانت قد نوت أن تتمرد على خوف أمها و تعود لحضن جدتها... لذلك و بسرية حاولت التواصل مع محامي في الوطن لتفهم وضعهما القانوني... و وجدت أنه أشركها في كل تهم أمها القديمة... بل خدعها بإضافة أنها ملاحقة مثل أمها لأن مصانع الصانع أفلست، بينما هي لم تتحمل نصيبها من الخسارة، غير مدركة أنها كانت قاصر، و أن الخسران، لا يؤثر بها، بل على وصيها و هو زياد! كل هذا جعلها تقنط من العودة للوطن، إلى أن تغلب الحنين على كلتاهما، خصوصاً مع خبر وفاة جدتها الغالية... و بالمال الذي بدأت دعد تحصده و أمها تخبئه، وجدتا القدرة على الحصول على هويات جديدة... و ماضي قديم دفن بطياته و اسقط منه حتى خبر زواجها، خصوصاً بعدما علمت أن زياد الصانع أصلاً كان قد طلقها! و الآن ابن الصانع يعتذر عن كل هذه البلبلة! ظلت تنظر إليه بوجوم و رغما عنها شعرت بمرارة الظلم الذي سقط عليها... ذلك المرار الذي انتقل كاملا لزياد، ليبتسم به ساخراً من نفسه... "ماذا كنت أظن؟؟ فعلا الغفران كثير على من هم بدناءتنا... هل تعلمين دعد؟؟... ربما يريحك ما حدث للين... رغم كل شيء الدنيا دوارة، و الديون تتسدد بطرق لا ممكنة!" لحظات مرت و يده التي تحاول أن تتصرف بلا مبالة رفضت الطاعة و توقفت عن العمل، و بدلاً من ذلك ارتفعت بتلقائية لمكان كان به حلق في أذنه... لكنه ببتر لكل ما يمت لها بصلة كان قد خلعه كما خلع اسمها من حياته! "لماذا تعتذر الآن زياد؟؟" أفاق من أفكاره على تساؤلها الهادي، ليرفع عينيه إليها بنظراتها التي بدء الفهم يتسرب لنظراتها... ابتسم بسمة هادئة و هو يرفع بلوزة قطنية بكمين طويلين أمام وجهها و هو يرد ببساطة... "أملاً ببعض الراحة!" "لأين أنت ذاهب زياد؟؟" تنهد و هو لا يعلم حقاً الجواب، ليرد بصدق... "لا أدري... فقط سأغادر..." "لأين زياد..." الصوت الذي يسأل بدأ يحتد و الصرامة تشع منه... بسمة شوق لها برزت رغماً عنه قبل أن يقتلها، و هو يتشاغل بنظره عنها... "لأي مكان دعد... لم أكذب عليك بأي حرف... أنا بحاجة لأن أغادر... أنا بحاجة لأن أسافر... بحاجة لأن أتنفس... أي هواء آخر... فقط بحاجة لنفس... نفس أخير... أنا فقط أريد أخرج من هنا!" ثم نظر حوله و تنفسه يتصاعد و صمت انفعالاته بدأ يتقلص... "أنا بحاجة لأن أكون في أي مكان إلا هنا... هنا يخنقني... يذكرني بخيباتي... يذكرني بفشلي... يذكرني بعجزي... يذكرني..." "بي!" فوجئ بها تقاطعه و هي تقطع المسافة بينهما في خطوتين لتكون مقابلة له... "يذكرك بي... أأنا خيبة زياد... أأنا فشل آخر!" حدق بها لثوان و هي قريبة بعيدة في وقفتها، لحظات قصيرة حاول أن يكبت شوقه ناحيتها، و كله كراهية لظلمه لها، قبل أن يهز رأسه من فشل الحلم بها... "بل أنت كنت حلماً جميلاً ، حاول أن يتسلل لكابوسي الطويل... أنا أحررك دعد مني... أتركيني، هذا خير لك... أتركيني و ابقي نظيفة... أتركيني..." "أنت لست الوحيد الموتور هنا زياد... أنت لا تحررنني... و لا تتكارم علي... أنت تفر بجبنك كما كل مرة من أي مواجهة حقيقية!" ابتلع ريقه و كأنها أصابت بدقة محترفة الهدف، و رغم أنها رأت امتقاع وجهه إلا أنها أكملت بصرامة... "أنت تفر من المحاولة زياد... تعتذر عن حدث عاش و مات و انقضى عليه عقد من الزمان، و تخشى أن تطلب الغفران على ظلمك لي... بل تخشى أن تطلب الغرفان منك لجرمك بحق أختك... نعم، أنت تؤمن أن ما حدث لأختك هو خطؤك وحدك... أنت تظن أنك الملام وحدك في هذه الجريمة..."ثم هزت رأسها المنهك و هي تحاول أن تتعقل..." أنت بحاجة لمواجهة الحقيقة زياد... لين.............." "لا تذكري اسمها في بيتي... هل تفهمين؟؟" قاطعها بصراخ جمدها لثوان، لكنها عادت تهز رأسها و هي تقول بقوة... "لن أذكر اسمها... هل هذا ما تريده... نسقطها... نمحوها... نخرج الألبومات و نقص صورتها... نقيم حفلاً في الخارج و نحرق كل حاجياتها... بل نحرق كامل ماضيها، علنا نتطهر من ذكراها... هل هذا يريحك... لا لن يفعل... أنت تريد أن تفر من مواجهة ذكراها... من مواجهة كل المصائب... من أثرها الباقي بك... تبتر عضواً منك و لا تهتم!.. ماذا أيضا؟؟... تفر من فعلتك بي... تفر من علاء... من كل شيء... بجبن أنت تفر زياد..." رفع رأسه لأعلى، و هو شعر بعجز مريع، قبل أن يعود بنظراته اليائسة لدعد... "ما الذي تريدينه مني دعد؟؟... ما الذي تأملينه مني؟؟... أنت لا تعلمين شيء مما بداخلي... أنت لا تعلمين كم............. يا إلهي دعد!!... كانت مدمنة... لعامين مدمنة... هل تفهمين؟؟" نظر للسقف و العجز مع القهر مازالا يشتعلان فيه، و لا يظن أنه قد يبرأ منهما أبدا... "كل هذا بكفة، و كونها متزوجة بكفة أخرى... متزوجة بالسر... تخرج إليه و تبات معه... كل هذا و هي تأكل صباحا على مائدتي... تشاركني يومي... تحدثني... تنظر إلي... و بالليل... بغفلة مني... يا ربي... هل تفهمين ما أنا... هل تفهمين؟؟" هزت رأسها برفض لما يقول... "أنت مجنون لتحمل نفسك كل هذا اللوم... المرأة إن أرادت أن تفعل أي شيء ستفعله على الرغم من كل شيء... علاء أخبرني كامل قصتها بالأمس عندما اتصلت عليه اطمئن عليك... لين فعلت كل هذا لتنتقم منك... هل ستسعدها بأن تبكي على ما فعلته بك... هل ستجعلها ترتوي بثمالة كأس نجاح انتقامها منك!" مرت لحظات و سؤالها معلق ينتظر من الجواب، ثم هز رأسه بيأس و هو يعود ليكمل ملئ حقيبته بتجاهل تام لها... أما هي فتجمدت غير مصدقة لما يفعل... حتى عندما أغلق السحاب، و تأكد من احكام اغلاقها... حتى و هو يحملها على ظهره مجرباً ثقلها... حتى و هو يفعل ذلك ظلت غير مصدقة... أخيراً تجرأ و رفع عينيه لعينيها... بسمة محبة لا تعلم كيف تجاوزت كل شيء كسهم موجه لقلبها... "تذكري دعد، أنني أحبك... كثيراً أحبك... لذلك، كل مرة أحاول أن أفسد ما بيننا... لأنني لا أستحقك... أنت تحتاجين لحياة سليمة بلا عقد... لحياة نظيفة بلا ماضي قاتل... أنت بحاجة لأن تتطهري مني و من كل ما كنت فيه!" ثم أغلق عينيه و هو يستصعب القول و الفعل، بينما فهم يتسرب لعقلها، لتخرج حروفها مرتجفة... "انت لن تعود؟؟" مط شفتيه للأسفل بمعنى لا يدري، قبل أن يتجه لباب الحجرة... "كنت سأمر عليك، ببيت زوج أمك... لقد أردت أن أعطيك هذا الملف بكامل حقوقكم القديمة مع فائدة تقادميه... أظن أنه يخصك الآن..." وجدت نفسها تقاطعه بفقدان عقل، و هي تلقي الملف لآخر الغرفة بفقدان عقل... "أيها المجنون... ألم تفهم شيء من الأشهر الفائتة... ألم تفهم أنني أحبك، لدرجة أن جرمك بدا و كأنه لم يحدث..." "لكنه حدث..." قالها ببساطة و هو ينزل الدرج... لحظات تجمدت قبل ان تلحقه بسرعة... "زياد أقسم أنك لو غادرت لن أغفر لك... هذه المرة لن أفعل... أقسم لك أنك لو فعلتها و غادرت، فسأتركك... طلقني... هل سمعت؟؟... طلقني... لا تتركني هكذا..." ابتلع ريقه بعجز، و هو يتمنى لو يخرج الكلمة... لكنها كانت ثقيلة بمرار على لسانه... ليهز رأسه بقلة حيلة، ثم تجاهلها، و هو يكمل النزول، فأكملت صارخة... "زياد أيها الجبان... طلقني... لا تتركني معلقة... و أقسم بعدها أن أتزوج أول طالب لي... سأقهرك زياد... سأنجب أولاداً منه... سأفعل بك أسوأ مما فعلت بك لين... سأدمرك، كما دمرتني... لو غادرت فسأدمرك زياد... سأحرق قلبك... لو كنت كما تقول تحبني، فسأرسل لك صوري معه... سأحرق آخر نبضة في قلبك... سأدمرك بأسوأ طريقة... زياد لو غادرت فسأفعلها..." رفع رأسه أخيراً و هي أعلى الدرج، بينما هو يقف بينه و بين الباب مسافة مترين... لحظات مرت و هي تتمنى لو ترى عيني حبيبها التي تشع بأي انفعال لا هذا الميت... لتهمس بآخر ما تملك من قوة، علها توقظه... "زياد.... لن تخرج من باب هذا المنزل إلا و أنت قد حررتني!!" *** نهاية الفصل! | |||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|