الأرض تهتز تحت قدمي كما لو أن زلزالاً بقوة سبعة ريختر يضربها ، قلبي يهدر بعنفٍ يوشك على تحطيم عِظام القفص المحيط به، أنفاسي تختنق داخل صدري ، عيناي تحدقانِ به أمامي تحاولان تكذيب ما تراه ، حاولت الصراخ ، لكن صوتي قد حُبس و ربط ، لا بدّ أن كل هذا مجرد كابوس ، سأصحو بأي لحظة ، يجب أن أصحو .
لكن دفء دمائهِ على يدي ، و اللون الأحمر الذي لوث ثيابي البيضاء ، و تلك الرائحة الغريبة .. لقد قُتل ، لقد رحل حقاً !!!!
الشرطة تحيط بي و هم يصرخون ، أرى الشفاه تتحرك بغضب و صخب ، لكن أعجز عن سماعهم ، شعرت بيدين غليظتين ترفعاني عن الأرض التي ركعت عليها دون وعي ، إنه يسحبني ناحية سيارة الشرطة ، يرميني بها دون رحمة ، لتكون رحلتي على الطريق نحو مركز الشرطة كشريط الفيديو يعيد علي ما حدث خلال السنتين الأخيرتين ، الآن أرى كل الأحداث التي أوصلتني لهذه اللحظة .
أنا "سلمى أحمد يوسف" و هذه قصتي …..
الكاتبة : زهر نيسان84
تصميم الغلاف الرسمي والفواصل المبدعة : بحر الندى
توقيع بتصميم كاردينيا73
الفصل الأول
قبل عامين ….
إنه اليوم المنتظر ، لقد تخيلته آلاف المرات خلال سنوات دراستي للمحاماة ، أخيراً …سوف أبتديء تدريبي على أعمال المحاماة ، سوف أدافع عن المظلومين و أسترد الحقوق المسلوبة ، هذهِ كانت فكرتي الوردية عن عالم يرتدي أصحابه الرداء الاسود .
بهمة و نشاط أرتديتُ الطقم الرسمي الأبيض الذي اشتريته لهذا اليوم ، رفعتُ شعري الأسود كذيل حصان ليلامس طرفه منتصف ظهري سامحةً لبعض الخصل بالإنفلات على وجهي ، رسمت الكحل بعيني الخضراوتين دون أن أضيف شيئاً آخر ، و الأهم كان حملي لروب المحاماة على ذراعي .
توجهت لغرفة الطعام لأجد الجميع قد بدأ بتناول الفطور ، أبي و أمي و أخي الوحيد “مازن “
قال “مازن" و هو يغمز بعينه :
-صباح الورد أستاذة “سلمى"
إشتعل و جهي خجلاً لتزحف الحمرة عليه تفضحني، فكلمة أستاذة غريبةٌ على مسمعي و لم أعتدها بعد، ليضحك الجميع و بشرتي البيضاء لا تسمح لي بإخفاء الأمر .
قال “مازن" دون أن يتوقف عن الضحك :
-عليكِ أن تجدي حلاً لاحمرار وجهك كحبة الطماطم ، سوف تفضحيننا أمام القضاة و المحامين بالمحكمة.
قلت بثقة و أنا أرفع رأسي :
-لا تقلق على أختك ، فهي أخت رجال
قاطع أبي حوارنا العابث و هو يسأل أمي :
-بسام سيصل اليوم من أمريكا، صحيح ؟؟
قالت أمي و قد أشرق وجهها فرحاً :
-صحيح سيعود بعد غياب ستة سنوات و قد أصبح طبيباً ، لن تصدق فخر أختي و زوجها به .
قال أبي ساخراً و هو يرمي “مازن” بنظرات محتقرة :
-معهما حق ، فليس الكل فاشلاً و عديم النفع .
تجهم وجه “مازن" و هو يلقي الطعام من يده يعقد كفيه أمامه دون أن ينظر ناحية أبي:
-ليس جميع الأشخاص ناجحون و محترمون بهذا العالم، هناك أوغاد و قتلة و سارقين، هل تعرفهم يا أبي ؟؟
وقف “أبي” و هو يضرب المائدة أمامه يصرخ بغضب :
-أنت عديم التهذيب و قليل الأدب ، لا أعلم لما أبقيك بهذا البيت
أسرعت لمازن أمسك ذراعه أرجوه بعيني أن يتوقف عن الردّ، لقد انقلب حال مازن بالسنتين الأخيرتين ، و أصبح غريباً عما عهدته ، فهو دائم الشجار مع أبي ، تخلف عن عمله الذي كان قد بدأ به بنجاح ، هناك أمرٌ قد وقع ، و لازلت أجهله ، لقد تعودت على ابتعاد أبي عنا و انشغاله بالعمل و عدم معرفته بأمور حياتنا و هو يكتفي برؤس الأقلام من أمي ، و لكن مازن كان سندي و معقل الأمان, لكنه الآن ابتعد .
بلع “مازن” ريقه و هو يزفر بضيق ،يضع كفه على وجهي قائلاً بحنان:
-أتمنى لكِ كل التوفيق حبيبتي ، إهتمي بنفسك ، أعلم بأنكِ ستنجحين
أراد الإنصراف لكن أمي أوقفته و هي تقول :
-“مازن” أرجوك أن تتواجد في بيت خالتك الساعة السادسة مساءً ، سيتواجد الجميع للترحيب ب”بسام”.
أومأ برأسه دون أن يتكلم و خرج و أمي تحوقل بحزن ، و أبي انشغل بسيجارته يحرقها كما اعتاد عند توتره يُقلب الصفحات بهاتفه ، قلت لأمي و قد اختفت الحماسة من صوتي :
ـسأغادر الآن أمي ، لقد تأخرت
-تعلمين أنني لا أستطيع تناول الطعام عندما أتوتر ، ستُألمني معدتي ،فقط إدعي لي أمي .
-ليكن الله معكِ بكل خطوة، و يوفقك، و يرزقك العلم النافع ، و يجمعك بابن الحلال الذي يستحقك عاجلاً ليس أجل .
ضحكتُ بخفوت و أنا أغادر المنزل و أمي تقحم موضوع ابن الحلال بكل شيء ، بالكاد أقنعتها بتأجيل الأمر لحين إنتهاء دراستي ، و لا أجد السبيل الآن حتى أخبرها بأنني أريد الإنتظار حتى نهاية تدريبي و الممتد لسنتين ، ستشتعل الحرب بيني و بينها.
ركبت سيارتي الصغيرة متجةً الى المكتب ، و مقابلتي القصيرة مع الأستاذ عماد تعود لذاكرتي ، هو رجل وقور تجاوز الخمسين ، تلمع عيناه بالدهاء و الذكاء ، سريع البديهة ، يمتلك مكتباً كبيراً يضم العديد من المحامين و المتدربين، كانت موافقته على تواجدي ضمن طاقمه أمراً لا يصدق ، لقد حصلت على فرصة ثمينة يجب أن أستغلها لأكون المحامية التي أتمناها .
ركنت سيارتي أمام المجمع الذي يتواجد به مكتب الأستاذ “عماد” ، دخلت المكتب أقلب نظري بين جدرانه أشعر بالضياع أتمسك بروبي الخاص ، الآن قد وصلت ، ثم ماذا ؟
كانت هذه مديرة المكتب ، إقتربتُ منها و أنا أقول بثقة مزيفة :
-أنا “سلمي أحمد يوسف” يفترض أن أبدأ تدريبي اليوم .
نظرت إلي تقيمني من الأعلى للأسفل ، و هي تقول :
-أهلاً أستاذة “سلمى” سيصل الأستاذ “وليد” بأي لحظة ، إرتاحي قليلاً …أنا “هلا”
قلت لها وقد شعرت بالإرتباك :
-لكن يفترض أن يكون الأستاذ “عماد” المسؤول عن تدريبي.
انفلتت من “هلا” ضحكة ساخرة و هي تقول هازئة:
-يا صغيرة، الأستاذ “عماد” لا يمتلك وقتاً لسخافات المتدربين ، فالعمل يغمره تماماً ، و لولا قوانين نقابة المحامين لما قبل بإداخل أمثالكم لمكتبه .
شعرت بالغضب يتصاعد لرأسي ، وددت أن أقتلع شعر تلك المتعالية، أنا صغيرة !!!
و كيف لها أن تلبس تلك الثياب الفاضحة داخل مكتب محترم ،أبتلعتُ غضبي و أنا أجلس بمقعد استقبال الزبائن أصرِف انتباهي عنها بمراقبة المحامين القادمين و المتدربين و حركتهم السريعة و حديثهم المستعجل و تجميع الملفات و الأوراق ، كان المكتب كخلية نحل ، فبعد دقائق سينطلق الجميع للمحكمة .
دخل المكتب رجلٌ طويل ، عريض الأكتاف ، وسيم بطريق مبالغة ببدلته الرسمية ، يبدو هارباً من صفحة مجلة ،إنه خيالي ، تساءلتإن كان أمثاله موجدين حقيقة بعالمنا العادي .
دخل لمكتبه و بعد دقيقة خرج حاملاً حقيبة ملفاته و روب المحاماة الخاص به، يطلب جدول أعماله من “هلا” التي أسرعت تناوله إياه و توقفه قبل مغادرته قائلة :
-هذه الأستاذة “سلمى” يفترض أن تبدأ التدرب معك
قال دون أن ينظر بإتجاهي :
ـألن نرتاح من قِصص المتدربين هذه ، حقاً لا أملك الوقت و لا الطاقة للتعامل معهم .
خرج و قد تسمرت مكاني ، إذاً هو مجرد شكل خالي من المضمون ، ما هذه الفظاظة و قلة الإحترام ، كيف يجرأ على …
قاطعت “هلا” حربي الداخلية المكبوتة و قائمة الشتائم التي بدأتُ بقذف ذلك المتعجرف بها و هي تُلوح أمام وجهي :
-ماذا تنتظرين إلحقي به ،لا تتركيهِ ينتظر …
أسرعت أقف كما لو أن مساً كهربائياً قد أصابني، خرجتُ دون أن أنظر أمامي ، ليكتمل يومي بالإصطدام بحائط بشري يفوقني طولاً و عرضاً ، و لولا ذراعه التي ثبتتني لصدره لكنت أمسح الأرض بثيابي البيضاء الجديدة ، أسرعت بالإبتعاد منحنيه أجمع ما سقط مني و عيناه التان صعقتاني بنظراتهما تقولان ألف كلمة لم أستطع تفسيرها ، وقفتُ أمامه و أنا متأكدة بأن وجهي قد تحول لحبة طمام كما قال “مازن” .
قال الأستاذ “وليد” متهكماً:
-هل كنتِ تنتظرين بطاقة دعوة خاصة لتتكرمي باللحاقِ بي ، لا أملك وقتاً لكل هذه التفاهة، تحركي.
و دون أن ينتظر رداً مني غادر بخطوات واسعة أحاول اللحاق به بخطواتي الصغيرة و أنا أردد بداخلي:
-فظٌ و وقح ، عديم الشعور ، كيف يمكن أن أتحمله و مديرة المكتب تلك لسنتين ، يبدو أن أمي محقة، يجب أن أجلس بالبيت أنتظر عريس الهنا .
الفصل الأول ... في نفس المشاركة
الفصل الثاني ... في المشاركة التالية
رابط تحميل الرواية ككتاب الكتروني
المحتوى المخفي لايقتبس