رواية ( السجين يهرب ) كُتبت بروح نقيّة، ولغة رقيقة جذابة.
وبعينٍ تنظر ما وراء النفس البشرية، وعبر خيالٍ سلس رائع،
يضع اليد على الجرح، ليصل إلى خفايا حياتية لم تشرق بعد!
قدّم شخصيات ، أجادت تصوير الفكرة النبيلة التي تسكن عقل راوينا الحذق.
شخصيات ، نشاهده كل يوم، أرواح نشعر بها بيننا !
فيؤلمنا كثيرا الصمت.. والخجل من قول : لا !!
لا للأشرار.. لا للطمع .. لا للحقد ، والركض خلف سراب
سيذهلنا حقيقته يوما.. وسنعجب للأفعى الذي لا يجيد سوى الذكاء بخبث..!
أجاد الروائي .. عرض صورة من صور الحياة السوداء الكثييرة..
وكيف ..أنّ الأمل في بحثٍ دائم عن مثل تلك الحياة
ليجلو ظلامها، ويقهر حزنها وسوادها..!
تدرجت الرواية ،تدرج ساحر شفيف.. لنتأمل مقطع هنا :
" العذاب ..الضيق .. الأماني العراض التي افترسها الفشل.."
هنا صورة مؤثرة بالفعل..!تبعث على الأسى !
" كل ذلك إنحرف بمسيرته .. وأهلك القناعة بداخله،وأوقد في نفسه
رغبة مسعورة لتحقيق ما يريد!!
تأمل حاله المزرية..
بطالة طاغية..فقرُ مدقع..أبوه الصياد كهلُ متعبُ..حطمته الأيام، ونهشه الفقر والحاجة
المستديمة للمال،فأصبح يذكر الموت أكثر من ذكره ملذات الحياة... "
أحاطت به الحياة ،بحروفها السوداء! فشنقت شيء كان يسمع به!!
حروف كان يسمعهم يرددونها : السعادة!!
بهكذا جراح ، غلبت نفسه الشريرة، وذبلت روحه النقيّة ،الخيّرة..!
نامت في مكانٍ ما..! بيد أنه سبات قد يطول ليله !
لكن ..حتما ..له فجر سيوقظه ..! وصباح سيسعد به!
بعبوس ،وألم ،وتعذيب ضمير ، سارت حياته، تعثرت قدماه ، فمرض الضمير!!
أشرقت له الحياة ، وزُفْتْ له السعادة التي كان يحلم بها!!
لكنه إشراق كاذب ،وسعادة وليدة مريضة، تخطو نحو الهلاك!
" كان دائما ينظر إلى نفسه في المرآة..عيناه الحالمتين وفمه الجميل على حالهما
أما كفيه فقد غسلت النعمة خشونتهما ، فكانا على شيء من الليونة.. أما جسده فما زال
على قوته ومتانته.. وتضرج وجهه بحمرة النعيم.. وكان يقضي أكثر يومه فائق الحيوية والبشر..
مسرفا في شرب الخمر والنبيذ.
امتلك السعادة التي ينشدها..وتحقق له النعيم الذي يطلبه ..وصدقت ظنونه
حين وضعت الثروة حداُ لشائه المستديم.. وقرر في نفسه أنَ الحياة ابتسمت له بعد
طول عبوس..وأنّ بدره قد اكتمل نموه.... "
لكن لأنها الحياة .. ولأنها تجيد اللعب وبمهارة ..بقلوبنا الرقيقة..
أحزنته بعدما أسعدته، أشقته بعدما أفرحته!
بدأ السبات الذي طال أمده يتحرك !
وبدأ الضمير يلقي بآخر أسلحته وأقواها:
التأنيب والفطرة السليمة..!