رواية سمراء العين
الفصل الثاني
دخل كريم إلي غرفة خضرة، صورتها في إطارعلى الطاولة، ترنو إليه بإبتسامة نابعة من عمق البراءة، وحدها أمام الراهن، تملأ بنظرتها الساحرة النفس سرورا يمتزج في النفس بحزن الغياب، كان الفراغ رهيبا.. أخذها ينظر إليها، غريب، كأنه يراها لأول مرة، يحاول أن يتلبسها، أو يسكن عينيها كما يسكن الجن جسد الإنس، يريدها أن تكلمه مثل أميرات الأساطير ، ينظر إليها بوجه طفل وعينين هامعتين، أعاده حنين الأشواق إلى سن طفولتهما، إلى قهقهتها ، إلى غنجها الصبياني، إلى دلعها و صوتها الرخم و هي تنشد و تغني، إلى رقصاتها و تمايلها و هي تمشي ...
كيف كانت تجري و تختفي خلف الأثاث و تحت الأسرة، و وراء الأبواب و خلف الستائر، تملأ البيت بالحياة... تخترق حتى سكون العمة حربية و تسترق من ثغرها البسمة من العبس، تذكر أنه لما كان يضربها تبكي ، فإذا صاح هو وانتفظ بذراعيه كالديك، غلبها الضحك، فتمتزج في محياها الدمعة بالسرور، و ترسم على وجهها أروع صورة للبراءة و التسامح، فإذا سألوها من ضربها ، تقول باستحياء و خبث...ضلبني جوجي .. فيضحك الجميع، و تتأفف الأم و تنهرها، فتظهر على ثغؤها لمسة شغب و عناد...
ينظر إلى هذا البيت الواسع الفسيح الذي اكتسحه الصمت الموحش و تحول إلى منفى، يعيش فيه الجميع غربة الذات واسحوذ عليهم قلق الإنتظار الرهيب ، عائلة من رحم التسلط القبلي، تنتظر على أحر من الجمر اليوم الذي تأكل فيه الدودة منساة الحاج لشرف، هذا الكبش الهرم الذي يقودهم إلى المجهول.
وحده كريم لا يعترف بالحدود التي وضعتها بصمات الأصابع الهرمة ، هذه الأصابع الحديدية التي أمست تصنع بعنادها الشقاء و بأنانيتها المأساة ، لا تزال تنصب للمجد و بعدد عصييها تقاس، في حين أن الأمم تبني للمجد بعدد الأقلام، وتلون مستقبلها بالحبر، و بالعرق تقاس...
كان أستاذ الفلسفة في الثانوية يقول لهم دائما في اخر الدرس... ما السعادة إلا كلمات يدرك مفعولها الساحر الوجدان الإنساني ، ترمم التصدعات النفسية، فتستوي الحياة للممارسة و تفتح صرخة الحرية بها الآفاق على مد السمع و البصر، يسمعها الجميع و لا يغتالها أحد... هي السعادة يا أبنائي التي تصنعها قهقهة صبي، أو بسمة امرأة، أو زقزقة عصفور، أو هدهدة زهرة، أو خرير جدول، أو إطلالة قمر، أو طلة شروق،أو حنو غروب... هذه الأشياء الجميلة عندما نستشعرها و نؤمن بها نصنع روعة وجودنا لأنها من وحي البصيرة و صدق الفراسة و لا تقبل الجحود... انتهى الدرس هيا بنا..
كان الصمت في الغرفة يحتوي صدى انكسارات النفس التي يحدثها أنين اللواجع، و يحتضن صخب أمواج الظنون على امتداد الإحتمالات، يروي الحاضرشجون الزمن الماضي ، ويتساءل عن سر الضجة التي أحدثت هذا الشرخ المؤلم... هو الماضي لما ينسلخ منا، يهدد دائما بإبعاده الأشياء الجميلة التي تصنع حاضرنا و يزرع في ذاكرتنا الشك والشرود...هذه ذكرياتها لا تزال تملآ كل الفضاءات بين ثابت و متغير...
كانت تكبر بسرعة ، برزت مفاتنها ،وجمعت نعومة الجسد إغراءات الأنوثة الحالمة، تتنفس الصبح في كل اللحظات و ترتشف قطر الندى، في صوتها الرخم نغمة هيام و بحوحة هديان الغدير الحالم، لطيفة الحركات، لينة الطرف، في بسمتها رحمة ملاك و بلسم الجوارح الجريحة...
و بدأت تلتزم السكوت، و تعانق الشرود، و تأوي إلى العزلة، هي الحاضر الغائب، أول من يقوم و اخر من ينام ، تخدم الجميع ولا يذكرها أحد، تضحك همها و هي تظن في سريرتها أن ما تعانيه هو مسار كل الجميلات في حبك الحكا و الأساطير، تنتظر الفارس الذي ينقذها و يفتح لها القصر الذي في قلبه ، عينها دائما عليه ، كان هو يشعر بذلك الوهيج الذي تسوقه إليه نظرتها من عمق وجدانها، فتغمره السعادة التي كانت على مرمى بسمة أوهمسة...
في حين كانت أخته ثورة ، تلك الفتاة النحيفة ،بشفتين رقيقتين ، المتوقدة النظرات ،ترمي بشراراتها كجهنم في الهجيرة، أنانية مجحفة جحودة، تتلون كالحرباء، جمعت فيها الغيرة كل السموم، تتقاطر حسدا و حقدا، كانت محط نظر الجميع، نسخة طبق الأصل لأبيها وراء وجه اخر...ثورة المدللة وحدها لها حق النزهة و السفر و الفساتين الغالية و الحلي الثمينة و الكعب العالي و الحقائب الإيطالية الجميلة و العطور الباريسية و المعاطف الفاخرة...
خضراء لا تطلب شيئا ...لا تشتكي لأحد عندما تمرض ، تختفي و لا من يسأل عنها، وحده هو الذي يذهب إليها يعودها، يشتري لها الدواء. في عيد ميلادها، هو وحده أيضا الذي يقدم لها التهاني، يعطيها هدية يستعيد لها بها بسمة زمان ممزوجة بدموع الحسرة، فتأخذها و تهرول بها إلى غرفتها، تغلق الباب ولما تفتحها تجدها دائما الشيء الذي كانت تحلم به، لا تعرف إن كانت من فلطة لسانها أو من قراءته في عينيها و ذوقه المتميز، رغم بساطتها أحيانا تسعدها لدرجة أنها لا تريد ان تضعها من يدها، تنظر إليها بأنانية الطفلة الصغيرة، هي من طبعها مولعة بالمتواضع في كل شيء، وحده جسمها الممشوق يصنع الروعة في كل لباس، كأنها عارضة أزياء، ملابسها دائما على المقاس، بمظهرها هذا كانت تؤجج نار الغيرة و الحسد في ثورة التي كانت مثل قضيب الحديد، بيضاء بلقاء حديدية الوجه، بلسان أحد من السيف، طويلة رقيقة الأصابع بأظافرحمراء كمخالب المفترسة، أطرافها متدلية من منكبي فزاعة الحقول، و ساقين على كراعي عنزة عقور...و بدأ الشك يراوده أنه من الممكن ان تكون تلك الأفعى قد دبرت لها مقلبا و أحدثت هذا الإنفجار الرهيب، بدى له غير مستبعد...هكذا هو و الإحتمالات تترادف أمامه بحثا عن منفذ يدخله إلى عالم هذا اللغز المحير ...الصمت هنا يفرض هيمنته و يروي للطوية ما يريده، من شجون الهوى إلى هواجس الشك، يردد الفراغ ماثر خضرة و بنبضات الفراق يعزف لموسم الهجر لحن الأفول، وحدها الزفرات المتتالية يتنفس عبرها الحنين، أخذت خضرة معها كل معاني الدفء، و توقف الزمن الجميل في هذه الساعة المعلقة على الجدار، يسجل بذلك وقفة في محطة العشق المستحيل، وقفة إجلال لصبرها و معاناتها...
فتح الدولاب، لم تأخذ من أمتعتها شيئا، و هي في مقامات العراء، ملابسها على الرفوف مطوية و مرتبة ، و الأخرى معلقة، كانت خياطة ماهرة، يستعيد صورتها في كل لباس براشاقتها، تهز في حركاتها اللهف بالمفاتن، تتبختر دون تكلف كأميرات البلاط الملكي، واصلة الشعر، واسعة العينين، طويلة الرقبة، خصبة الشفتين، ناهدة الصدر، ضيقة الخصر، عريضة العاجزة ومستوية الساقين، في خصوبة أناملها رقة ورفق ، لا تحتاج أظافرها إلى ملون، تظهر وردية لدم فاتح لا يحمل سوادا، و رجلين لطيفتين يسوقهما الطرف اللين إلى حيث يريد، كالغزالة الشاردة في الطريق، تطاردها عيون الرغبة بنهم...هكذا يستعرض كريم مبررات عشقه الذي اغتاله قضاء مجهول
يوم جاءت بها أمه ، كان هو طفلا يافعا، استغرب لكونها سوداء، يهز بها المهد، و يشد لها الرضاعة، تعجبه عندما تمسكه من أصبعه لما يداعبها، بمجرد أن تراه تضحك و تمد له يديها و تدفع بقدميها اللحاف ليحملها، فيفعل، ويضعها في حجره كأنها دمية ، يقبلها و يلاطفها، يساعده أحيانا عمي المبروك على ذلك...عمي المبروك، المكنى ببامبرا، صديق أبا عن جد للعائلة ، كان يمزح دائما و يقول بكل براءة...أنا اليوم منكم أل لشرف بخضرة...على بساطة هذه الكلمات ، كانت تزلزل الأم حد الإرتباك و يتلون وجهها ...
المبروك، هذا الرجل الذي ما شعر بابتعاده أحد، توقفت زياراته التي كانت تكاد تكون يومية، وانقطعت أخباره، و طوى الزمن ذكره... ألا يمكن أن تكون خضرة قد ذهبت إليه ؟..سؤال قرع بابا كان مغلقا في ذاكرة كريم منذ زمن بعيد...
عمي المبروك رجل أسود، طويل حتى انحنى، عريض الصدر، بيضوي الرأس، أبيض العينين، واسع الفم، غليظ الشفتين، عريض الأنف، صغير الأذنين، منتفخ الوجنتين، رسم الدهر على جبينه طلاسم المعاناة و الغبن، تغطيها الطيبة و البراءة، سهل المراس، طليق اللسان، كثير التنكيت، بارع في رواية الأساطير حد التصديق، خاصة عندما يمزجها بكرامات الأولياء و الصالحين...هكذا كان يتميز بالحديث الشيق في الجد و الهزل، لا تطيب مجالس القوم إلا بحضوره، عندما يتكلم عن نفسه يتغير وجهه، كأنه يسلخ ذاته و هو يبتسم، يجلدها و هو يضحك عجبا...
لما دخل عليه كريم كان جالسا فقام إليه و أجلسه مكانه و هو يغمره بالترحيب و يحضنه كعادته لما كان صغيرا، بنفس الإبتسامة اللطيفة التي تبعث في نفس محدثه الإرتياح و الأنس، كان عمي المبروك يحضر حينها شاي المساء، تراه كأنه ساحر، حركاته كأنها شطحات صوفية يستوحيها من الأرواح التي تحول كل لمسات الإنسان الى طقوس مقدسة تتفاعل معها النفوس الطيبة. ماهر كان عمي المبروك في كل فنون المجالس و المؤانسة.. يواصل عمله دون اهمال حفاوة استقباله لضيفه، بهذا الهدوء صنع وقاره، لا يتكلم من فراغ ، لم تظهر عليه بوادر السؤال، يذكر بكرم العرب لما كانوا، ما زاد في ظن كريم أن خبر خضرة في طوية المبروك، فاسرع يفرغ ما بجعبته..
كريم: هربت خضرة يا عمي المبروك
المبروك: أعرف ذلك.. قالها بكل هدوء
كريم: أين هي ؟.. هل هي هنا، أقصد عندك ؟
المبروك: أردت أن أقول لك...
سكت أ ينظر إليه بأسى و أسف، ابتسم ثم عبس، هز رأسه، وزاد في لهب موقده، و لما صعد الزبد، خفت النار و تابع قائلا..
-كنت انتظر ذلك، كان عليها ضغط كبير، و من كل جهة، مسكينة خضرة، لا ظهر لها و لا عصا، كأنها غصن طفيلي لقم في شجرة و وجب قطعه، صدق ابوك لما كان يلقبها باليابسة، لا زلت أذكر ذلك اليوم الذي جاءت بها أمك، حز في نفسي سؤال ليتني طرحته أنذاك، و قلت في نفسي ...لماذا جاءت بهذه السوداء المسكينة، كان يظهر لي في وقته سخيفا و تافها، قالوا أنها وضعت وخلوقا مشوها و بشعا ، مات فعوضوه لها بهذه السوداء اللقيطة، التي وجدوها أمام باب العيادة، و كتموا عنها ذلك حتى استاعدت عافيتها فأخبروها بالحقيقة، لم تتقبل في الأول هذا الأمر بسهولة، إلا أن معاملتها لها كانت عكس ذلك، تحضنها بحنان الأم الحانية، برحمة لم أتعهدها فيها من قبل ، أغرقتها بعاطفة فياضة، تناديها باللؤلؤة السمراء، مرات بالجوهرة السمراء، تدللها ة تدلعها، ة ظهر الكثير مما كانت منطوية عليه من عطف و حنان، كنت احب خضرة كثيرا، كأنها ابنتي، حتى فكرت في أول الأمر أن أتبناها لو تتنازل عنها أمك، رغم أني كنت أشعر أنها ما كانت لتفعل، و ما عرفت حتى الآن لماذا، أحن إليها و أذهب إليها كل يوم، و من كثرة اهتمامي بها أحسست بنمو بذرة الكراهية و البغض في نفس أمك سترة سامحها الله، ولم يهدأ لها بال حتى دبرت مكيدة و مقلب للقطيعة بيني و بينكم، و أسمعني الحاج لشرف ما لم أكن أتوقعه منه أبدا، عيرني و هددني و انقطعت صلتي بكم..
كبرت خضرة و يشاء القدر أن توظف في مستشفى المدينة كممرضة أين كنت أعمل بوابا ، و تجددت صلتي بها، فكانت لا تفارقني، تمنيت أن أخطبها لإبني ، لكني خشيت ردة فعل الحاج لشرف و أمك، رغم ذلك اردت أن أغامر لكن لما صارحتني أنها متعلقة بك تراجعت...كانت تحبك كثيرا بقاؤها إلى اليوم كان من أجلك، كنت أنت أجمل أمنية و أعظم طموح في نفسها، تحملت الويل فقط لتكون لها يوما،لكن هو القضاء و القدر يا بني..
كان المبروك يتكلم من دفء الحزن و الشفقة أحيانا، و بنبرة السى و الأسف أحيانا أخرى، كلامه كالأنامل اللطيفة تمر برفق على مكامن العاطفة في ذات كريم، و جف المبروك المجلس بهيبة الصدق و الإخلاص و عظمة الوفاء و التسامح الذي كانت تتميز به خضرة، واستصغر كريم نفسه أمام هذا العطاء الذي أعجزه و ألجمه،يشعر بجرعات الشاي تنتزل ساخنة تشق في طريقها المهجة في صدره
كريم: كأني غريب في هذا البيت
ينظر إلى كأس الشاي ، أصفر كأنه عسل مصفى،تناول جرعة أخرى، لم يشعر في هذه المرة بتلك اللسعة اللذيذة في لسانه، و تلك النشوة التي تدفع إلى الثناء على المعد كما هو شائع عندهم.
سكنه القلق ، و وهنت مبرراته و أثار فيه كلام المبروك نوعا من الريبة في موقفه الذي راه متخاذلا إلى حد المقت، يتساءل ماذا كان يمكنه أن يفعل، و لماذا لم يسأله المبروك عن سبب هروبها، هل مرت عليه و أخبرته ، أم كان يعلم أنها ستفعلها، الشيء الوحيد الذي هو متأكد منه أن الحادثة ليست كما يتصورها الجميع، لا يمكن لخضرة أن تؤدي أمه، فأربكه هذا الخلط جد الجنون، ينتظر من المبروك أن يواصل حديثه..
المبروك : هي يا ولدي أسرار البيوت، للنساء فيها الحظ الأوفر، و الرجال في اغلب الأحيان غرباء...لا تحاول الدفع بالحدث أكثر، خضرة عقدة قدر لا يعرف حلها إلا الله..و الذي أعرفه أنا لا يخدمك و لا يخدمها في شيء، بالعكس يمكن أن يعقد الأمور أكثر فأكثر، و ليس كل ما يعرف يقال.نصيحتي لك أنساها أفضل لك..
كريم: مستحيل ،لا أستطيع يا عمي المبروك، البحث عنها اصبح هاجسي الوحيد، لا ارضي بالتخادل إلى هذه الدرجة، أشعر أن هناك حلقة مفقودة و أن هذه الأحداث ليست وليدة التلقائية، هناك سر أخشى أن تكون وراءه لعنة تدفعها الى الانتحار
المبروك: لا أتوقع هذا، إنها أقوى بكثير ..
كريم : و ماذا يمكنها أن تفعل بنفسها ؟
المبروك : الذي أعرفه أن ذهابها لم يكن ارتجاليا، لأنها لمحت لي عدة مرات بذلك..لا تقلق عليها أكثر مما يجب فترهق نفسك و لن تصل إلى شيء، خضرة ذكية جدا و لها من حسن التفكير و التدبير ما يساعدها على مواجهة كل الصعاب...أنا أثق بها كثيرا...
ذهب كريم و عاد المبروك يبحث في ذاته عن زمن أهمله و كاد أن ينساه ،زمن سترة ، تلك المرأة التي كان يراها بغير ما كان يراها الجميع، طيبة محشوة بخليط، و ضعف الظاهر المريب، و ليونة طرف متمسك، هي الوحيدة التي كانت تتميز باستعداد رهيب لكل ما يحدث،هادئة تراها مطمئنة تساير بصبرها للإهانة والإزدراء كل التقلبات، كأنها هي وحدها التي خلقت لهذا الدور القذر تحافظ به على توازن يرضي الجميع و يساعدها على ترتيب الأمور و سياقها في الإتجاه الذي تريد...يستعيد كل شيء، يحاول أن يربط الماضي بالحاضر، هي وحدها سترة التي لا تزال تصنع الحدث بعد الحدث، كل هذا من أجل إخفاء أمر تخشى ان ينكشف، و رغم الشرخ الكبير تدارك أن الأفكار التي كانت مجرد شك يساوره أصبحت تكاد تكون حقيقة رهيبة تكشفها ورقة سترة الأخيرة، و تؤكد أنه كان السبب الرئيسي في كل مأسات خضرة، وما هو في النهاية إلا ضحيتها الأخرى...
ينظر حوله، الغرفة واسعة، مفروشة بالزرابي الصحراوية الحمراء و بعض الوسائد من الصوف بيضاء كأنها خراف منطوية هنا و هناك، على الجدار صورة للكعبة المشرفة، حلم ما استطاع إليه سبيلا، فوقها ساعة قديمة من زمن والده تدق كلما مر من عمره نصف ساعة، لم ينتبه إليها حتى هذه اللحظة، على الجدار الآخر صورة لوالديه، نقلتمها الريشة جورا من حال إلى حال، برأت زمن البؤس و الغبن و رسمتهما في مظهر الملوك و السلاطين، يستعيد في وجم الزمن الذي قضاه مع عائلة الحاج لشرف أثناء الثورة و بعد الإستقلال، وما عاناه، وحدها المرحومة جدة الحاج لشرف كانت تحتويه و تحضنه كأنه ابنها، تذكر وفاة أمه و هي توصيها به خيرا، تذكر وفاتها وهي تقول له كن شقيق لشرف لقد تربيتما في هذا الحجر و حضنكما هذا الصدر ، لن يفرق بينكما الا الموت، تذكر زوجته لما اتي بها من الصحراء و نصيحتها له بالعودة و هي تقول له الرجوع إلى الأصل فضيلة يا المبروك، ستموت هنا في غربة الذات وحيدا، تذكر غربتها، معاناتها مع المرض و صبرها على شغف المعيشة و هم الزمن المجحف،تذكرها و هي تبتسم له في اللحظات الأخيرة من عمرها قبل وفاتها، تذكر حين وضعها في اللحد و كشف عن وجهها و وجدها لا تزال تحتفظ بابتسامتها، كأنها تعيش حلما جميلا..
تدفق الماضي كالسيل العرم و جرف كل الذكريات التي طمرها الصبر و السلوان، فشعر بالحرمان والذنب وفاضت عيناه...يسأل نفسه هل هو الذي أرد ان يكون هو،لأن القدر في اعتقاده لا يظلم أحدا،فإن كان كذلك فقد غفر لنفسه كل شيء إلا أن يكون سببا في ألم الآخرين، يئن بين ضرتين، ضرة الماضي وما أثقلها وضرة الحاضر وما أقساها، يسأل نفسه لماذا اختاره القدر ليكون هذه الحلقة الموبوءة في صناعة هذا القضاء المؤلم...
الشيء الذي هو متـأكد منه أن خضرة لا تلجأ إلى الحلول الإنهزامية كالإنتحار مثلا ، إنه يراها الوجه الآخر لصورته، انصهرت على تحمل ضربات القدر و البشر ، كان يراها قوية في صمودها أمام كل الهزات، عيبها الوحيد هو أنها تثق في الجميع، و لا تمانع أن يسعد من حولها و لو بشقائها و على حساب سعادتها، لا تواجه إلا بابتسامة رضى المقهور، ابتسامة الصبر على البلاء و أذى الأقرباء، لا تتكلم كثيرا، حتى أصبح الرضى بالقضاء على ثغرها السيمة الظاهرة للجميع، غريب كأنه يقرأ نفسه، و تأكد أكثر من تورطه في بؤس خضرة، جريمته أنها سوداء و هذا ما جناه عليه وعليها لون البشرة، هو متأكد أنها لن تعود، الآن فقط ولدت، شاقة مسيرتها و متعبة لكنها أكيد لن تورطه أكثر، ربما الصدفة أفضل من ألف ميعاد، و الرياح لا تهب دائما بما لا تشتهي السفن...كاد الشاي أن يتبخر كله، و هو الملوع بالكأس الأخير...تناول جرعة، مخضها في فمهأ ابتلعها،تذوق...لا لم يجد فيها تلك اللذة الساحرة، فوضع الكأس و خرج إلى أين ، لا يعرف..
في طريقه إلى البيت كان كريم مبعثر الأفكار، يدفعه العزم إلى خوض أي مغامرة، يحاول أن يجمع ما استطاع من بقايا الأحداث لتمهيد الطريق الذي يوصله إلى الحقيقة، مزمل في معطفه، لم ينتبه للبرك و الوحل، و قبل أن يصل إلى الشارع الرئيسي كان أسفل السروال قد تخضب ، نفظ جذاءه على الرصيف، مسحه على بعض النباتات الطفيلية ، لامس بشرته البلل فأسرع إلى البيت، أمام الباب تنهد قبض على أصابعه و ضرب فخذه و قال: يجب أن أصل قبل فوات الأوان ..
الأب: أراك تحمل أثقل حيرة على عاتقك...ما وراءك ؟..
كريم: أبحث عنها ، يحب أن أجدها
الأب: تتحداني و تتحدى أمك يا كريم ؟..أم هي السذاجة و خيبة ظني فيك..كم أنت أحمق و مغفل ، لو كانت تحبك لتحملت البقاء و لو على الجمر، وافرض أك وجدتها كيف تثبت براءتها أمام الناس؟..لقد أصبحت من بنات الشارع، ليس لها ما تعول عليه لما خرجت من هنا إلا على المجون، و هروبها وصمة عار في جبيننا جميعا...ضيقت عليها الفضيلة هنا والطهارة والعفاف،فهربت...لن نقبل بعودتها أبدا، تريد أن تمرغ أنفي في التراب أمام البدوي و الحضر، إلا هذه، لن أرحمك يا كريم، لن أرحمك و لن أرحمها، جنبني و لا تحاول، حتى لا تورطني و لا تندم..أنت لا تعرف بشاعتي لما يتجاوز الخط الأحمر..
كريم : الغائب حجته معه يا أبي،و من يدري، يمكن أن يكن قد أصابها مكروه، أو انتحرت، الغضب يا أبي جنون..
الأب : أنت تستفزني أو تستخفني أو أنت أبله، بنات اليوم كألسنة الحمير يألكن الشوك بلذة و لا يهمهن ما يحملن على عواتقهن، خضرة من الخطيئة جاءت و إليها تعود، فلا تحرق أعصابي و تلطخ إسمي من جديد..
حل الصمت، ينظر إليه كريم و كأنه يجتر بصعوبة كلامه، وارتسم نوعا من التردد على وجهه كالذي يشعر بالذنب، لأول مرة يراه على هذه الحال..يجب أن ينصرف
نظر إلى الساعة، قديمة من عهد جده و لم تتعب،لا تزال تطارد الليل و النهار بسذاجة الذي يلاحق السراب، على حالها لم يتغير فيها شيء، لم تؤثر فيها عوامل الزمن ، ضرباتها كنبضات قلب أجهدته الأيام و لم يستسلم ، متشبث بالحياة، تسير دائما خلف الزمن رغم ضبط xxxxبها كل صباح، بسببها أحيانا نحن المتأخرون دائما عن المواعيد و لا بداية لشيء إلا بحضورنا لأننا من أل لشرف، و من يجرأ
الأب : أشغل نفسك بما هو أهم، واترك هذه التفاهات، محامي مثلك على أبواب المستقبل ينتظره الكثير، أما النساء فنادي فيهن لواحدة يأتينك المئات، كل النساء لا هم لهن إلا الرجل... جدك كان اخر همه المرأة، استعبدهن بجماله و جرأته و عنفوانه، حتى الفرنسيات كن يركعن أمامه، يتساقطن كالذباب..كنا نستعبدهن و تريد أن تستعبدك خضرة ، خضرة يا كريم ؟..يا للوقاحة ..
و بدأ يعيد سرد حكاياته و مغامراته و تحايلاته و حيله...حينها كان كريم قد انتقل إلى عالم الإفتراضات، يحاول أن يخترق حجب المجهول الذي يحول بينه و بين الحقيقة..و فهم الأب أن ولده لم يعد يستمع إليه فسكت يكمد حسرته، فعاد الصمت، تنهد كريم و قام متسترا بابتسامة مزجاة، ترك والده يجتر أيام شبابه وزهو أنانيته، لا شك أنه يلعن شيبته وهوانه و ضعفه و رحمة الذين يحيطون به حفاظا على صحته، و هو يعرف أنه لا يساوي الآن إلا لسان تسلط و كبرياء ممقوت، و لما كان أمام الباب التفت و قال:
-عمي المبروك يبلغك السلام
الأب : لا با رك الله له في حركة و لا في سكون،الكلب الأسود يتمثل فيه دائما شيطان، أسود القلب لا يتحرك إلا في الظلام...الخفاش هو من أفسدها علينا..أي ريح نتنة ساقتك إليه ؟
كريم: لا أظن..لو كان كذلك لذهبت عنده، و من يمنعها ؟..
الأب : أنت لا تعرف هذه الأنواع من البشر، يحرقون البيت و يبكون مع صاحبه
كريم : الرجل كان بمثابة عمنا، و لم نر منه إلا الخير ..
كأنه ذكر أمامه الشيطان بخير، كان دائما يقول لهم المبروك أدنى ما يذكر في مجلس أنا فيه، و إذا ذكرتموه فمضمضوا افواهكم لذكري ، إنه نجس و ساعته نحسة...
كان مرتخيا فتصلب، عبس و ظهرت عضلات وجهه واشتدت، يلعن و يسب و يشتم، تجمع زبد اللعاب على طرفي فمه، و أصابته حمى اللهف...فسكت كريم و واصل الأب جنونه..
رن جرس الباب، فنظر كريم إلى ساعته و انصرف في ظن أبيه أنه سيفتح على الطارق،أما هو فكانت فرصته للتملص من قبضة تسلط أبيه على هذا الرجل الذي يكن له كل الإحترام و التقدير، خرج كريم و هو يفكر كيف يصل إلى السر الذي يخفي تنامي هذه الدراما التي لا تكاد تنتهي ويلاتها، يبحث عن اليد التي وضعت في كل منعطف عقدة تبررسكوتا يضيع الدوافع، فقد الأمل في مسلك السؤال للوصول إلى مفتاح هذه الأبواب الموصدة..
ينظر إلى أخته ثورة من بؤر الذاكرة، بقدر ما ضاقت عينيها بقدر ما اشتدت شرارات بأسها، الأم كأنها تمثال نحت من الصم لا تؤثر فيه تعاقب الفصول، باطنها كظاهرها، تتعامل مع الجميع بنفس البرودة و الشرود أحيانا، العمة حية تسكن دهاليز النفوس المظلمة، تتلون بلون الحدث و لا تقول شيئا، ظهورها دائما مصحوب بنقرات القلق و الحذر...ينظر إلى ترتيب الآثاث ، و ألوان الستائر واللوحات على الجدران، وجدها تزرع الحيرة و الريبة، و كأن اليد التي مرت من هنا، كانت تخفي وراء كل لمسة سرا رهيبا، أو ظنا محيرا ، هذا البيت القديم، من عهد المعمرين الأسبان قد تجاوز المئة سنة ، لا يزال يحتفظ بظل أصحابه، تزرع أرواحهم في الخفاء التنافر لفرض وجودها و خلودها بينهم، كم من مرة يرى بعض الظواهر يستحي أن يذكرها خوفا من اتهامه من طرف أبيه بالجبن، يسر بها بعضهم إلى بعض و لا يذكروها للجمبع، عندما ينزل إلى القبو كأنه في قبر، يستشعر النازل إليه أنه يعيش تلك الأفلام المرعبة التي تسيل العرق البارد في البدن، يتهيأ له أن كل الأشياء التي نقلها و رتبها أعادتها يد الخفاء الى أماكنها التي كانت فيها ، يستنفرفيه كل شيء، و يظهر له أن هذا السكون ليس طبيعيا، يتحسس بكل مداركه ليتفادى المفاجأة التي ينتظرها خلف أي شيء، أشياء قديمة قدم الزمان لا يزال أبوه يحتفظ بها، من زمن أجداده و أجداد المعمر الفرنسي، رحى من حجر، قربة ، محراث تقليدي ، صندق، عصي، سيوف و خناجر، ، برميل للماء، ستائر خيمة، منصب من حديد و قدر أسود، كلها من عهد أجداده، في الجهة الأخرى تماثيل برونزية، بيانو قديم، لوحات فنية و صور لشخصيات تاريخية فرنسية و اسبانية ، صليب مصلوب عليه رجل، جرات و براميل الخمر بعض ألبسة الكارنفال، أقنعة، زجاجات خمر، جوارب ،مدفأة حطب والسياط التي ذكرته بمقولة احد الأرجل السوداء التقى به جزائري في مدينة ليون كان في عهد الاستعمار يعمل عنده، فقال الجزائري ...ذهبتم و أخذتم معكم كل خيرات الأرض الجزائرية التي كانت تمون دول الحلف الأطلسي بالمواد الفلاحية، فرد عليه قائلا، لا لا لا أبدا ما أخذنا معنا الا هذه السياط التي كنا نجلدكم بها و هذه العقول الذكية التي كانت تسيركم،...كيس فيه مجلات ، و مكتبة تحمل من كل انواع الكتب، تاريخ فلسفة ادب علوم اجتماعية علم نفس و غيرها محفوظة كأنها الآن طبعت، وحدها تصنع الحدث و تجدده كلما جاءها زائر يكاد يركب جملة او جملتين بالفرنسية، توقفه، تستصغره، تجرده، ينحني و يثني عليها، يتعلق بها حتى لا تستطيع أن تتخلص منه، يخرج مثقلا بهموم قديمة لأمة كانت هنا صنفت الإساءة جزائرية و الاحسان فرنسي، و لتكون متحضرا يجب ان تظهر فرنسيا، كأنها عن قصد تركت ثراثا زاخرا في كل مجالات زمن بائد من اثار فلاسفتها و مفكريها و ادبائها، تقدسهم ذاكرة جردوها من كل مقوماتها، وخلدوا أنفسهم كأنهم احياء بيننا و هم أموات ، لا يستطيع الأب بنوستالجيته رغم جهله التخلص منها، بل لا يقبل حتى المساس بها، انها حديث الجميع ، و صدق من قال جوع كلبك يتبعك، في قبو الحاج لشرف لا زالت فرنسا قائمة..لا يزال كريم يذكر لما كان ينزل مع أبيه، يمنعه من لمس أي شيء و الفضول يمزقه،كانت تعجبه تلك المجلات و الكتب ،حتى اصبح موشوما في نفسه أن القبو مكان مقدس، محرم و ممنوع، حفاظا على الأشياء القيمة التي فيه، ما زاد في نسج الإفتراضات و الظنون، و أصبح هاجس دخوله يشغل الجميع...فما أخبث الإستعمار الفرنسي، قالها في نفسه حتى لا يسمعها أبوه..
في الحديقة الأمامية أشجار سرو طويلة تجاوزت المبنى، تحف الممر الرئيسي المبلط بحجر الصم الأسود و الأبيض، مقعدين من نفس الحجر عن اليمين و عن الشمال، تحت كل نافذة مقعد يتسع لأكثر من شخصين، بجانبه شجرة توت و أمامه مربع مخصص للورود و الأزهارقد تصحر، في الشتاء كان مجلسا تحت أشعة الشمس الحانية، و في الصيف منتعشا تحت ظل التوت الوارف تأتيه نسمات المساء العليلة من كل جهة، ماتت الأزهار وخربت المقاعد،و لا يزال إسم الدار محفورا بالحروف اللاتنية على جدار الباب مثل ما يفعلون على قبورهم، توحي أنهم يريدون القول... هنا يرتاح ال فرنك إلى الأبد ...ما أدهاك و ما أخبثك يا فرنسا... قالها في نفسه حتى لا يسمعه أبوه
و يبقى الرهاب هوالشعور الذي يحاصر جميع مرافق البيت و أجنحته، هي الدار المسكونة، لم تذهب الأرواح مع أصحابها، لا تزال تسكن الجميع، من حين إلى حين يصرع أحد أفراد العائلة، فيكفر و يهدي ليكون بطل رواية أو فلم من الأفلام الفرنسية التي تحوز على الجوائز و الأوسكارات، و لم تجدي التمائم ولا البخور ولا تراب قبور الصالحين نفعا، أمواتهم طردت أمواتنا وتتحدى أحياءنا ليلا و نهارا، إنهم هنا ولا يزالون.. وحدها روح خضرة هجرت هذا البيت الذي ولدت فيه، وفيه نشأت وترعرعت..
غريب كأنه كان في غيبوبة كل هذا العمر، و جاء ضجيج سقوط خضرة فأيقظه، كثيرة هي خبايا أسرة لا يتجاوز عدد أفرادها أصابع اليد ..وجد نفسه في دائرة مغلقة تحاصره الإستفهامات من كل حهة ...
لما وصل أمام باب غرفته ، كانت عمته واقفة في اخر الرواق لما رأته اختقت، لم يراها منذ ليلة الحادثة، فقفز إليها التكير، أقسم أن في هذه الغرفة السوداء تخمض كل أشرطة الأحدات، دخل، جلس على حافة السريرمال إلى الوراء معتددا على يديه، ينطر إلى الثريا ليواصل المنولوج إلا أن الحبل الذي كان يربطه بتراكم الزمان و المكان في ذاكرته انقطع، و وجد نفسه أمام هيبة الصمت ، ذلك الصمت الذي تسبقه أو تأتي من بعده العواصف الهوجاء، فعاد إلى حديث أبيه عن المبروك و عن خضرة، تستحضر تلك العدوانية التي تمكنت من نفسه و لا يجد لها مبررا، كان يرمي بكلمات كشرارات جهنم..
-ماذا تريد أن تجني من امرأة أنتجتها الخطيئة ؟
المفرك ، لا بارك الله فيه و لا عليه، ذلك الأسود ، سود الله حظه
اليابسة ، إنها اللعنة التي تطاردنا مند جاءت بها أمك، هي نحس و المفروك نحس
ماذا سيقول الناس عنا ؟
أنت غبي و ساذج ، ان فعلت أتبرأ منك، إلا هذه يا كريم، إلا هذه..
تتردد هذه الكلمات في عمقه كأنها هزات ارتدادية لزلزال ضرب العائلة في الصميم، أو انفجارات لألغام قديمة زرعتها بقصد نيات مبيتة خلف الذاكرة. تذكر العمة فقام يبحث عنها، في اخر الرواق كان السلم الخشبي للطابق العلوي، حيث النافذة التي تطل على مدخل الحديقة، من هنا كانت العمة ترصد تحركات الجميع، لا يصعد عندها أحد، الأب و لا الأم يرونه عالمها الخاص ، و لثورة جناح الأوانس لها فيه كل ما تحتاج إليه و أكثر،هي التي سمت العمة بالشبح، لا تتحمل حضورها ، تتحاشاها كأنها الجدام أو الجرب، تقول لها دائما، لو يموت أبي أطردك شر طردة، فتنظر ليها العمة بمقت، ترسم ابتسامة الكره و البغض على شفتيها لتقول لها و هي تنصرف، سيموت قبلي و سنرى أيتها اللئيمة من تطرد الأجرى أنا أم أنت ...
وقف أمام باب غرفتها، يرتب أسئلته، يلفها في سياق حديث عاد، قرع الباب ينتظر أن يؤذن له ، لا أحد يرد...ناداها
عمتي ..عمتي، أنا كريم افتحي..
لا أحد يردن استأذن ثانية، ثم دفع الباب فوجده مغلقا، انتظر قليلا، و لما هم بالغنصراف ، ها هي ذي قادمة من هناك ، من منعطف الرواق المظلم كالشبح، لعلها تكوت قد تعمدت هذا الظهور المفاجيء، من حيث لا ينتظرها أحد، لم تسلم، فتحت الباب، دخلت، شرعت النوافذ لينتشر النور ، و أشارت إليه بالدخول فدخل...
كانت صورة جده بين النافذتين، تقابل باب الغرفة، بشنبه الطويل وعمامته الصفراء المبرومة كرزمة حبل مكيفة فوق رأسه بإتقان، على كتفيه رداء القيادة الفرنسية الأبيض مزين بأوسمة شرف ، و في يده سوط و خاتم من ذهب، في يده الأخرى جواد عربي أصيل لا يظهرأنه مطاوعه، عيناه كالنسر و هو يصطاد، مناخره مرفوعة إلى السماء، مصعر الخد بكبرياء وعزة نبلاء ، شفته السفلى تدفع شفته العليا، ترفعها لتزيد في استعلائه و شموخه، أبيض و سيم كأنه فرنسي الأصل، جواربه حمراء طويلة في مؤخرتها مهماز معفرة بالتراب، و تحت حزامه فرد، بجانبه كلب صيد أبيض كذلك و وديع، تميز ببعض البقع السوداء حول أنفه و في أذنيه ،يجسد في إقعائه حقيقة وفاء كل منهما لصاحبه...وقف كريم أمام الصورة مستغربا، يحاول أن يتذكر أين رأى الشبه، نفس الوجه،نفس المياسم، نفس العينين، منبهرا انفتح فاه و مد عنقه إلى الصورة، كأنه يرى وجه جده لأول مرة، لا يكاد يصدق، لقد اكتشف شيئا يستحيل أن تصنعه الصدف،ينظر إلى عمته ثم ينظر إلى الصورة بنفس الغرابة، تأكد الآن أنها تلك العلبة السوداء التي يستحيل الوصول إلى الحقيقة بدونها، و زاد مقته لها درجة، هز رأسه وتنفس الصعداء..عن يمينه طاولة من خشب اللوز منقوشة أمامها مقعد بني و فوقها مراة، على يسار السرير طاولة صغيرة فوقها مصباخ و مدياع و منبع، فوقها على الجدار صورة صياد ببندوقيته امامه كلبين ينظر إلى سرب من الطور تكاد تلامس الغيوم، صنع الخريف حوله منظرا ساحرا بتوقيع فنان فرنسي، ثرية من نحاس خالص متدلية كرياتها الزجاجية كأنها من ماس، في الجهة الأخرى دولاب قديم من نفس الخشب منقوش بإتقان، يظهرأن الغرفة جهزت بطريقة لا تسمح بإعادة ترتيبها ، كل شيء في مكانه منذ زمن بعيد، و لعله كما تركه المعمر،بذوق اريسطوقراطي يتجدى كل الأجيال، برنوس القيادة معلق هناك بمدالياته و ألوانه، بجانبه العصا من الخيزران الطبيعي و السوط تحته الجوارب ، إنها الأشياء المقدسة التي تصنع حضور الماضي، بعد أن مات الكلب و مات صاحبه، تنافح من أجل تخليده..جلس على الكرسي ينظر إلى عمته و هو يبتسم، ثم قال:
-هو الزمان هنا لم يتغير ، و الماضي يضاهي الحاضر المستسلم في كل شيء، بل يتعاطاه بشغف و يرفض رحيله، أراك ظميره الذي يخاطب به في هذا الصمت الرهيب، هذه غرفة جدي ورثها،قال أبي أنك كنت أحب الناس إليه و أقربهم، كم أتمنى أن أعرف ماذا قال لك جدي و هو يلفظ أنفاسه في حضنك، أعرف فقط أن قاتله من قبيلة أولا الشمائل، ثوار جبل الشموخ، قتله من أجل الجزية التي كان يجمعها للحاكم الفرنسي، تحداه أراد أن يجلده فكان أسرع منه، طعنه في القلب و هرب إلى المغرب بدى الغضب عليها، ضاقت عينيها،واتحولت شفتيها الى خط من الأذن الى الأذن،واشتدت عضلات وجهها، تتماسك بصعوبة،كان البخار يخرج من مناخرها...نظر إلى صورة جده ثم التفت إليها و قال:
-اراه وصمة عار على جبين أحفاده، أستحي لما أتذكر أن جدي كان عميلا لفرنسا، خان وطننا و شعبنا و أمتنا، لماذا لا ترمي بهذا باثار العار في النار، و تغسلي برمادها حاضرنا و مستقبلنا ؟..
تقدمت، فتحت الباب،فأحدث زوبعة، و أشارت إليه بالخروج، لما قام أدارت وجهها، خرج وانصفق الباب وراءه ، جبل وانهار...
عاد إلى الصالون و استلقى على الأريكة ينظر إلى زخرفة السقف حول الثريا، هي الفرصة التي كان ينتظرها ليتخلص من تلك الكلمة التيي كانت جاثمة على صدره، غنه يشعربألم أثرها، استرخى يستمع إلى نبضات جسده،أغمظ عينيه واستسلم فأخذته السنة،فجأة فتح عينيه فوجدها قادمة، من عادتها أن لا تأتي بخير أبدا، ينتظرها أن تتكلم ،ينظر إليها محذرا بوعيد وقد أعد للصاع صاعين، هو يعرف جيدا أن اللعنة تنطق على لسانها في أغلب الأحيان، كما تتصور الكلمة تلقي بها في زهو واستعلاء، متمرسة فس صنع القلق و الإزعاج، على هذا جبلت خلقا و خلقا، طمس الشر فيها كل مياسم الأنوثة..
-ثورة: تنام كالنملة في شباك العنكبوت، ما أضعفك يا أخي،أجهدت نفسك و لا تزال، العرق دساس يا هذا، و العار وشم على الوجه، يتحدى فصول العمر كلها، فماذا تريد من دخيلة السوء ؟..ألا تدري من أي معدن صنعت ؟..هذه الأشياء لا يتسامح فيها الناس، إنك تثبت من يوم إلى يوم أنك ناقص مروءة و إنسان تافه..لم يحتفظ من كلامها إلا ب..العرق دساس..تتردد هذه الكلمة في داخله ،تعيده على صورة جده،أحدث كلامها هذا زوبعة في أفكاره،هدمتها و بعثرتها ، يحاول رغما عنه إعادة ترتيبها من جديد، تأكد أن الحقيقة تكمن في فرضيته الجديدة، لكن الوصول إليها مسلك صعب جدا،و يمكن أن يجدث كارثة لا يعلم عواقبها الا الله، و حالت هذه الأفكار بينه و بين كلام ثورة ، لما استعاد سمعه ، وجدها تنظر إليه و كأنه فرغت من كلامها في ذلك الحين و تنتظره أن يرد عليها، لأول مرة تقول ثورة كلمة ضغطت بها على زر حقيقة كانت ضائعة، فابتسم و قال:
-يا ثورة هل هي التي اختارت ان تكون كذلك ؟
ثورة : و ما ذنبنا نحن في كل هذا، و لماذا يجب أن نحمل همها؟
كريم : هي أمك التي جاءت بها
ثورة : قال أبي أتينا بها لظروف قاهرة، كادت أمي أن تفقد صوابها لما منعوها من رؤية ذلك المخلوق المشوه الذي أنجبته، فكانت خضرة الحل الأسرع و المناسب، و هذا من حظ خضرة.و قبلت بها أمي بصعوبة، لم تصدق أنها أنجبت طفلة سوداء
كريم : استعملوها المسكينة، شيء فظيع جدا ان يستعمل الإنسان كما يستعمل الحيوان في التربية و التجارب، هذا جزاء من انقذت أمك من الهلاك ؟..
ثورة : إنها سوداء لن نتبناها و لن تتزوجها، وإن فعلت سيتبرأ أبي منك و يحرمك من الميراث ، هكذا قال..
كريم : فهمت الآن لماذا تحملي كل هذا الكره والبغض لخضرة ،إنك تخشي أن تشاركك في التركة بتبن أو بهبة ..إنها عين الدناءة، كنت اظن أنك عنصورية فإذا بك طماعة تافهة أخبث مخلوق فوق هذه الأرض
-ثورة : لم أتصورك أنك نذل إلى هذه الدرجة، أنا بخضرة، جننت أنت أيها السفيه، بتفكيرك هذا ستدفعني إلى...أنت ..أنت...
تصلبت أطرافها، و تشنجت عضلات وحهها، و ظهرت أسنانها كأنها تشد بها على رقبته...
فقام ، نظر إليها بعصبية،و قال:
-هيا اخرجي من هنا..هيا اذهبي ..و إلا... و رفع يده
فخرجت بغصتها تشق الهواء شقا، ذكرته بجده و بيده السوط...
إذا كان العرق دساس فهي الشرالذي كان يسكن جدي و الوحشية التي كان يتميز بها، كان الهالك لا يرحم أحدا، استباح كل شيء، سفك الدماء، سلب الأموال وهتك الأعراض، كان زير نساء، و من تقاومه، جرأة و جمال ومال، و لم لا يكونوا قد قتلوه من أجل امرأة و قلبوا الأمور ليستفيدوا من التعويضات ؟.. و أبي بهذا المراس يحمل نفس الفيروسات التي كان يحملها جدي، ألا يمكن أن يكون هو كذلك ذبح في الثورة أبرياء بالجملة، لا يزال يقول دائما، لقد ذبحت عشرات الخونة ، لا أسأل عن براءتهم، أنا عبد مأمور بضمير ميت، ولهذل اختارتني الثورة للتنفيذ... فما أخبثك يا حليب فرنسا عندما تختلط بالدم الجزائري ، و ما أصدقك يا مالك بن نبي ...
كريم هذا المحامي الشاب، على مقاس العباءة السوداء والمحفظة التي ارادوا لها أن تكون رمزا للعدل و الحق و الأمانة.. كان كريم لا بالطويل الذي يعاب و لابالقصير المذموم، عريض حد البسطة في الحسم، ليس بجمال المرأة الفتان و لا بغلظة الرجل الفض، اجتمعت فيه هيبة العظمة و ليونة الطرف ، يعرف كيف يقول الحق عل لسان خصمه، له ثقة كبيرة بنفسه دون تكلف و لا غرور، في وجهه حق لكل منزلة و لكل مقام، يتحرى الصدق لذاته بموضوعية الحكم واعتدال، ثقيل في المزان، طليق اللسان، واضح البيان،باسط الحجة، بديهي الطرح، متراص المرافعة، يقظ الفراسة، حافظ المقاييس، يتبين و يتحين ،ليس بالمتسرع، و لا بالمتثاقل،لا ينكر حق الثعلب و لا يرحمه، ينصر الظالم و المظلوم، ولا يخشى في الحق لومة لائم، و يميل معه حيثما مال...
و تبقى قضية خضرة هي المحك الحقيقي الذي جعله وجها لوجه أمام مسؤوليات ثقيلة و تحديات عظيمة تحتاج قبل كل شيء إلى جرأة كبيرة لإختراق أسرار الماضي و كشف الحقائق الملغمة التي صنعها أبوه أو أمه أو عمته ... المبدأ نبيل والعرف لا يرحم و لا يعترف..كلهم قلع موصدة...
عدم التبليغ عن هروب خضرة و عدم نشر صورتها في الصحف و كتم الخبر عن الجميع بحجة الخوف من الشماتة و خطره عل صحة الأب ، أصبحت في نظره مبررات واهية ... في هدوء الجميع ينمو الشك و يترعرع أن هناك سر أخر وراء هذه الأحداث التي يرى أكثرها مفتعلة، تحركها شخوص يعملون في الخفاء لتغطية جريمة فظيعة...
يزور غرفتها من حين إلى حين، يجلس و يستمع إلى حديث أشيائها، يستنطق الماضي في كل شيء، و بدأ الجو حوله يكتئب، وتكسوه غيوم الاسى والحزن،و أعلق الصمت حوله الأبواب..
كريم المعول عليه من طرف أبيه، ولي الحاج لشرف، وحامل إسمه، والمخلد لذكره و ذكراه، هو الإرث ثقيل جدا و لا مفر منه، إنها قوانين القبيلة و لن تنتهك..
بدأ يعتزل، يغيب عن مواعيد الطعام و موائد الصهرات و المناسبات، غارت ابتسامته، و تصلبت عضلات جهه من العبس، البكاء في عرفهم للنساء فقط، و نحيب الرحال اهات و تأوهات في الخفاء، نجى عدة مرات من احالته على المجلس التأديبي لتحامله على القضاة، تمر تصرفاته تحت ابتسامتهم، لحماسه المفرط و غلو إيمانه بقداسة القانون، كلهم معجبون به و لأبيه في أنفسهم ألف حساب، و يرونه مستقبلا زاهرا فقط تنقصه الخبرة ليكون الدرع الوافي لبسط سيادة الفانون...
يذهب الى المبروك من حين الى اخر طمعا أن ينتزع منه سرا تحت طائلة زلة لسان، الا أن الرجل كان رزينا و متزنا و بارعا في الحديث لانصهاره في المحن، يجاريه الى حد القابض بيده على الماء و لما يخرجها لا يجد فيها شيئا.
في تلك الليلة دخل متأخرا، ترك الباب مفتوحا،و فتح النوافذ و جلس على حافة السرير، كأنه يريد لغرفته أن تتنفس الصعداء، يده على خده ينطر الى الأرض، دحلت أمه ، لم يرفع رأسه كأنه لا يزال في غيبوبة، ترك للصمت نصيبه، ثم قال:
مرحبا أمي.. لم تنامي بعد ؟
كيف لي أن أنام و أنت في هذا الحال ؟.هجرتنا يا كريم، و جردتنا من السعادة بك، و ألزمتنا الحزن و الآه، أبوك يئن تحت وطأة تصرفاتك، يخشى تهورك في لحظة ضعف، قينكشف المستور، و تضيع هيبتنا، و يزدرينا الناس و نتحول الى أضحوكة و أحاديث أرادلة الخلق و صعاليك القبيلة، اليوم أنت في العلى يحسب لك ألف حساب، فمتمسي مهزلة و شماتة، ما وجدت وسيلة أواسيك بها سوى أن اعرض عليك فكرة الزواج، يمكن أن تجد في البديلة، بل الأفضل ما ينسيك تلك اللقيطة، ألا تظن أن خضرة انتهى امرها و اصبحت في خبر كان، الآن هي مجرد شبح مر من هنا ؟..أرحم نفسك يا بني ، أنت لأفضل منها أفضل، لماذا تريد أن تخلد إلى الأرض، و تنزل الى الحضيض، و لا ركع أبوك و لا جدك لأحد، و لا ركب أحدهما الدنايا، قتل جدك لتصلبه و أنفته و عزته و تحديه للجميع، أنتم أهل قيادة و ريادة و حكم و سيادة و ترويض الصعاب، كنا نراك و انت صغير سيد القوم و حكيم الديار، و أنت اليوم المحامي الذي ملآء الفضاء همة و شرفا و وقارا، حتى قالوا لما يتكلم الأستاذ كريم كأن الطير على رؤوس الجميع، و هذه الهيبة ما صنعتها لك دراستك و انت تعرف هذا، بل هي ميراث تواصل الأجيال، كلهم يعرفون ابن من أنت يا كريم، كلهم أكلوا من تحت أيدينا ، و كنا دائما الأشرف و الأكرم، نريدك أن تبقى قدرا على أعناقهم الى يوم الدين، الأسد و الحلوف كل ابوه معروف،جبلنا على هذا و لن نتركها لغيرنا أبدا، أينما يحل أبوك يرفع و يكرم و تقضى حوائجه بكل عزة، من طرف أناس شاخوا على مقاعد الدراسة، و جابوا أقطار سموات العلم في كل الفنون، و تحصلوا على شهادات عالية المستوى لا تساوي ابتسامة واحدة من رضى أبيك، كالذباب يتناحرون على ما تعفن من بقايانا...العزة يا كريم نفوذ لا يقتصر على وسيلة واحدة، انظر الآف المحامين و أنت أشهرهم، فقط لأنك إبن الجاج لشرف، خضرة لقيطة من بنات الخطيئة تبقى وصمة عار إلى الأبد، فترفع يا بني و أبعدنا عنها...
كان كريم يستمع إلى أمه و هي تعيد للمرة الألف مغامرات زوجها المشبوهة والفارغة، قبل الثورة و أثناء الثورة و بعد الثورة، وهو يرى أن مقولة أسود الكرتون فد تحققت في كثير من الإنتهازيين مثل أبيه، فقاطعها بعصبية..
يا أمي، يا أمي كل شيء تغير إلا أنت وأبي ،الناس يطيعونكم لأنكم اشتريتم الذمم المتهورة، واطلعتم على أسرارهم، تعرفون عنهم مالا يعرفه غيركم، إنه ولاء الخوف، يا أمي ، الخوف من الفضيحة، الخوف على المصالح، الخوف من السجن، الخوف من تصفية الحسابات ... إن نفوذ أبي المزعوم و بهذه الطريقة هو الذي صنع هذا المجد المزيف، و سيزول يوما، و نظهر جميعا على حقيقتنا، و سيكون السقوط مؤلما جدا اذا لم نتدارك أنفسنا الآن ونحاول أن نصلح ما أفسد الأجداد..أظن ان الوقت قد تأخر بنا كثيرا يا أمي الحبيبة،غدا و نتكلم ، أما الآن فهيا بنا تستريحي قليلا
-أبدا يا بني، لن أخرج من هنا إلا بكلمة فصل، يا بني أحرقت كبدي والقلب ينزف من أجلك هما و غما، لا يمكن أن ترتاح أم وابنها في حالتك، كأنك لا تعرفنا ولا نعرفك، أغيرتك السوداء إلى هذا الحد ؟..حتى أصبحت تكرهنا، و من أجل لقيطة يا كريم تعاقبنا و تنتقم منا بهذا النفور ؟.. خضرة يا كريم هجرتنا هجر السوء، لا نريد ان نجاهر به حتى لا ننفضح، أكيد أنها لن تعود حتى لو وجدتها، فابحث عن غيرها، تريح نفسك وتريحنا
-سأفكر يا أمي ،ارتاحي ،زواج الدوام يحتاج تفكير عام كما يقول المثل..
قامت فقام لها، وضعت يدها على كتفه، عانقته و فاضت عبراتها كحبات البرد و هي تقول:
-أرجوك يا كبدي لا تخذلني، أمنيتي أن أرى أحفادي لأني متأكدة أن رحيلي قريب...ستتذكر الام هذه اللحظة من عمري يا كريم وتظرف نفس الدموع التي اظرفها أنا الأن
تنحت قليلا ، شدته من منكبيه ، ابتسمت ، قبلت جبينه و خرجت..