-أنا أعرف العريس.
همهمت بها ثريا فضيقت رونق عينيها وهي تراه يدخل:
-لم أكن أعرفه قِبلًا، لكن آرام عرفت كيف تصطاده.
ضحكت ثريا مع تعليقها مع قدوم العريس الضجر الذي ذكرها بزوجها، ولاحظت كم بدا غير مستوعب لهذا الزخم الأنثوي الصاخب فعلقت ضاحكة:
-أشعر به مصدوماً، يبحث عن مخرج!
دارت رونق ضحكتها وهي تؤكد:
-ستقتله عمتي عبلة لو فعل، انظري كيف تمشي به
****
هل سيكذب لو قال أنه لا يعلم بخطوة حضور العريس لحناء العروس ولا يفهم ما الحكمة من ذلك؟ لولا أن أخبره جدّه وألحت حسنا باتصالاتها. ما الحكمة في نقش حرفها فوق كفه، ونقش حرفه فوق كفها. وسط تواجد نساء الكوكب وانعدام الخصوصية. لقد رسم له أصحابه ألا يكفي؟ طبعًا لا يكفي في قواميس النساء وطقوسهن.
تأفف بنزق وطلب دخوله بعد تقلص أعداد النساء فلم تنجح خطته، وصل بالفعل وكانت هي قبلته دون أن يستقبل وجهتها. استحوذ على ملامحها انفعال وجوده بين الزحام الأنثوي، لديها عدة اهتزازات تتعلق به لا ينكرها وأحيانًا يرحب بفكرتها، وأحايين كثيرة يبغضها إذ تشي بحجم ارتدادها النافر.
وسط زفة تكوّنت من عماته وزوجة أبيه وأعمامه وصلها. كانت في ثوب يلائمها على كل حال، فوق صدرها اسمه مطرز بالكامل وينبت بين الياء واللام عنق غزال. بتلقائية حدد وجنتها في قبلة، وارتطم بحرارتها التي انفجرت مع قبلته التالية فلملم انفعالها ولم يدر أنه قد نشره على الملأ حين قال.
-ما شاء الله تبارك الله!
انتفضت عيناها حين أجلستها والدتها وجلس مثلها، ثم ناولوها طبق الحناء ورفعت القلم ترسم على كفه. زجرت سراب وضحكتها حين ارتجف القلم بين أناملها، ومع كل احترافها وباعها الطويل في الرسم. انحرفت حروف اسمها وتعرجت وهي ترسم خريطة اسمها فوق كفه، وتثبتها فوق خطوطه فأعادت تشكيل اسم ليس باسمها، وهي تطبع أصابعها في كفّه، فأن ترسم للعالمين شيء، وأن ترسم اسمها هي على كفه هو أشياء.
-لقد أفسدتُ اسمي.
قالتها ضاحكة وأمها تلكزها في ظهرها فتفهّمت حسنا وقال لعبلة التي اعتذرت:
-آرام أحبّت الدلال الليلة وبدا أنها نسيت حرفتها.
-لا بأس هي عروس ستعوضني لاحقًا.
تجمعت الضحكات حولهما واستسلمت كفها له
وعلى عكسها بدت حروفه ناضجة على كفها، أصابتها عرجة البداية، ثم استقام وتمدد وانطوى طرف اللام في نقطة واضحة فكان تمسّكه سليمًا بعكسها متكسرًا.
وحالما نادت ريتال بالرقص طلبت:
-لا يمكنني الرقص أمام الناس، لا أريد
ووافق على رغبتها بترحاب قبل أن يغادر مع أهله لاستكمال حفلهم.
****
«صباح يوم الزفاف»
تنظمت الخيول التي سترافق سيارة العريس، وتهيأت القاعات المختلفة عن قاعات ليلة الحناء، وانترك أمر العشاء كاملًا لحامد غنام القاضي.
لم يكن العريس بينهم، ليلته الثالثة بلا نوم، صباحه هذا كان بين يدي ميسم، لم تكن في ذهنها، ذهنها الذي اشتغل وومض بالماضي وتركته. بحادث امرأة لا تعرفه، يخبرها بأنه عاد إليها فتبكي ولا تعلم لماذا تبكي، لربما هي عاطفتها واحتياجها الأمومي له والتي تفسرها غرائزها. تحلل الوجع فوق قسماته وهي يرسمها شابة خائنة، أمًا فرطت فيه، وزوجة باعت زوجها، نادته تسأله:
-منتصر قال ابني سيتزوج.
تحرك كفاها في تصفيق واهن وجورباها بعيدين عنها وقد خلعتهما، وساقاها مكشوفتين. ازدرد الجمر في حلقه. داس على قلبه واقترب..
هي أمه وأمه وأمه. همس حين اقترب:
-لقد جئتْ.
سكنت كأنها لا تفهمه وبدأت كفاها الضرب والتصفيق:
-ستتزوج وأنا لن أحضر، لدى زوجي الليلة وليمة كبيرة سأحلب المواشي وأطعم الرعاة وأطهو لهم، لن أحضر زفافك.
اقترب منها ولحظ زرقة قدميها، فتسلم الجوربين وألبسهما إياهما تحت حركتها المضطربة وهي تحكي بصوت مدقوق بالمر:
-طاهر سيزورني، وعدني أنه سيأخذني من هنا.
صرخت بريبال ونفضته:
-قم وخذني إليه..
أجابها مغتصبًا حروفه:
-حسنًا سآخذك، الآن اجلسي واهدئي.
تفتحت عيناها غاضبة وهي ترمقه:
-ستتزوج وتنساني، أنا امرأة خلقت للنسيان، يا ويل قلبك لو فعلتها.
اهتزت الكلمات في جسمه وارتدّت فوق وجهه الذي اكتسى بتعبير مصدوم وهمس تحت وقع حروفها:
-لن أنساك، لقد وعدتك وأنا لا أخلف وعدي.
نفضت الثوب في حجرها ولملمته وهي تفك شعرها من وثاقه وتطلق زغرودة اختلطت بدمعة باكية:
-سيتزوج الصبي سيتزوج الصبي
التفتت له تسأله:
-ما اسمك
-ريبال
وعادت تغني عليه وتزغرد وتصفق بكفيها، ترك نفسه يحترق في وجودها الذي جاء فقط ليزلزل عالمه فقط ولجأت لذهنها الممحي بعدما عبأت ذهنه بالوقود. تبولت على نفسها وبدل لها ثيابها، عقد شعرها وناولها دواءها، دثرها بغطائها وخرج من عندها تهزمه رجولته وقهره، وتمتم كحاله مؤخرًا كلما ضاقت عليه
-يا الله!
وتحرك لزفافه الموشك.
****
«زوجناه وخلصنا منه، بقي يحيى الأصغر منه»
-يحيى في عمره، أنا الوحيد الأصغر الأغنية يجب أن تكون لي.
تمتم بها شهم غاضبًا من بين أغاني الزفة فمال عون إلى سياف وأجاب ابن عمه:
-أنت أنفق على نفسك وحينها سنزوجك، أو أقول لك دع ذقنك ينبت الشعر وحينها سأدفع نصف مهرك.
ضربه شهم في ركبته وتقافز بين الشبان:
-هل قالوا لك يا وجه دابر أملا للدعاية أن ذقنك ترتطم بصدرك؟
عاجله عون بكلمات بذيئة قبل أن ينطلق فوق الفرس رعد ويستلقي شهم فوق أصيل وتنتظم شبان القاضي الصغار فوق خيولهم وينطلقوا بين سيارت الزفاف الخاصة بالعروس ويتمشوا بهدوء مع وصول الموكب إلى منزل الآغا الذي تحرك فوق كرسيه واستقبل الحشود بعدما طوق ابنته بعطايا الذهب وطوق النقود الذي جاء بثلاث لفّات. هبطت العروس بين ذراعي خالها حمد الغربي وحسن، وتسلمها ريبال من والدها الذي قال له:
- ها هي أمانة من عنقي إلى عنقك وستُسأل عنها، آرام أغلاهم عندي مكانة وأحبهم إليّ، الله الله في معاملتك إياها فلا تحزن قلبها ولا تؤذها.
تناولها ريبال منه وأجابه بصوت وصل الحضور بأكملهم:
-اعتبرها جاءت من يدك إلى يدي، ابنة الغانمين لا تحتاج إلى توصية.
وطار الموكب بها
****
تزينت مرام مثلما تزين والدها للقاء حبيبته، خرجت معه وتحججت بالذهاب إلى خالتها ليلى التي سافر ابنها زيد لعلاج والدهم خارجًا. استغرب وائل البلوزة الضيقة التي ترتديها وهذا السروال القطني الأسود الذي بدا كجسد ثان لها، مع حزام ضخم حول وسطها فطلب منها بحزم:
-بدلي ثيابك لن تخرجي بها من المنزل هكذا.
توسطت كلماته المؤنبة خانة الرفض لديها وكادت تعترض فأمرها
-من دون أية كلمة إضافية، بدليها.
بدلتها لثوب شتوي لا يختلف كثيرًا عن البلوزة إلا بطوله ودثرت ساقيها بحذاء ذي ساق طويلة فغضّ النظر عن منظرها وقاد بها حيث منزل خالتها ليلى التي يعرف أنها يوم الجمعة في جلستها الخاصة بجمعية النساء. فحالما أوصلها وغادر للقيا معشوقته ابنة القاضي، استقلت سيارة أوبر وحركت تفعيل الموقع والخريطة، لملاقاة عريسها الجديد على طريق السلط عمان في مطعم يطل على جبال القدس حسبما أخبرها المهندس الجديد، الذي ترددت في مقابلته بادئ الأمر ثم وافقت كي تستمر، فبعد ما فعله يحيى في المطعم تلك المرة، وهي في دولاب ناري لا تنضب جمراته. كيف ينظر إليها بهذه الطريقة، كيف يخترق صفحاتها، كيف يعرض نفسه عليها هكذا، بل كيف وصل به الحال إلى هذا الحد من الانحطاط والدونية. كم كانت مغفلة وحمقاء كي تستجيب مشاعرها له وتؤسس بينهما ألفة، كيف ربطت نفسها به؟ لقد فرطت حبات السبحة التي أهداها إياها وحذفت كل رسائله التي احتفظت بها. فهو وإن آذاها قبلًا لن تنسى له أنه كان طيبًا معها يومًا. وكم جاء ذلك الموعد ليثبت لها كم بدت مغفلة، وكم تحتاج التحرر من علاقاتها المؤذية. فانخرطت في موعد جديد وعريس جديد وصلت إلى مكان لقائه توًّا فانقبض قلبها مع فروغ المكان ونأيه عن الأماكن المعتادة حتى أن السائق سأل:
-هل أنت متأكدة بأن المكان هنا؟
أكدت على السائق وتلفتت حولها:
-أجل هنا، أشكرك جدًا.
لقمته أجرته وتحركت حيث المكان المفتوحة باحته. ترددت خطواتها مع صوت الأغاني وعدم وجود السيارات إلا سيارة واحدة عرفت أنها لمصطفى الذي وصف لها كل أمارات تواجده. خاضت عرضًا مروعًا مع نبضها فقد بدا المكان أشبه بكوخ خاص للاستئجار
تقدمت خائفة وتحسست هاتفها الذي تنضرب إشارته كل حين، وتقدمت لباب المقهى، الذي انفتح على فراغ كامل ورائحة غريبة منفرة حضر من بينها وجه مصطفى الذي حياها بنبرة مرعبة ونظرة ذئبية:
-أهلًا آنسة مرام.
كادت تنسحب وتتراجع مع هذا الرعب المقبض لقلبها وحواسها، إلا أنها وجدت نفسها محشورة في المكان منغرسة فيه بلا حراك، وعيناها من بين غبشهما تراقب خطواته تتقدم منها.
****
-فيحاء ثبتي الكاميرات.
زعقت ناديا بجنون وهي تتحرك بعصبية والمصور مع القائم على تجديد الديكور يضيف كل وقت لمسة تثيرها وترعبها. تمسكت بعنقها واستراحت مع توسط سياف العلامة التجارية وغمزه إياها:
-اهدئي حبيبتي، كل شيء سيكون مثاليًا.
تمتمت له بنزق وغير رضا:
-ما أبرد أعصابك يا رجل، الانطلاقة هذه غير عن كل مرة.
خلع عن نفسه الروب الحريري مع خروج فيحاء فاستلمه منه مساعد المصور، تبقى بجذع عارٍ مدهون بمستحضر للتلميع إلا من سروال داخلي أسود ومجموعة ضخمة من السراويل الداخلية التي بانتظاره ليقوم بعرضها لـ العلامة التجارية الخاصة بزوجته، والتي على امتداد سنواته العشرة الماضية وما قبلها كان العارض الخاص بها ولم تتنازل عنه. أمضى وقته في التصوير وتضبيط الوضعيات حتى انتهى منهكًا، وارتدى ثيابه. مع ثناء ناديا:
-حبيبي أروع رجل في الدنيا.
قبّل وجنتها وتحسست تباعده ولم تعبأ، لقد تعرفت على وجه يافا ولم تلومه. راحت تملي التعليمات على تعديلات ومونتاج التصوير فيما تناول سياف صناديق أعدها بنفسه وغلّفها وناولها عامل التوصيل فيما يملي له مع كتابة الإهداء لريبال:
-هذا الطلب سلّمه للأستاذ ريبال القاضي، عريس الليلة.
**** |