عرض مشاركة واحدة
قديم اليوم, 12:46 AM   #8

فاطمة محمد عبدالقادر

? العضوٌ??? » 478303
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 761
?  نُقآطِيْ » فاطمة محمد عبدالقادر is on a distinguished road
افتراضي

للتو أنهت واحدًا من أفلام الرعب التي يحذرها منها والديها على الدوام، لا تستطيع قراءة الترجمة جيدًا بعد لكنها تراقب المشاهد بانبهار لا يناسب سنواتها السبع، لا سيما حين دفن أحدهما جثة شخص آخر في حديقة واسعة كحديقة هذا المنزل الذي انتقلت مع والديها إليه حديثًا، استغلت نومهما لتغادر المنزل مستكشفة ما حوله، وبخاصة الحديقة المشتركة مع المنزل المجاور، وقد وجدت مبتغاها!
طفل يكبرها بثلاث أعوام على الأكثر لكن قامته طويلة بعض الشيء، يحفر بقدمه مساحة صغيرة يبدو أنه سيدفن فيها شيء ما، فاقتربت منه منبهة:
_المكان مكشوف هنا!
تلفت حوله بعدم استيعاب قبل أن يرد ببديهية:
_لأنها حديقة!
قالت باستياء كخبيرة جرائم سابقة:
_اختيار غير موفق منك لموقع الدفن.
عقد حاجبيه مفكرًا بغباء:
_هل ساندي ستتذمر لأنني دفنتها هنا؟
ضيقت عينيها بخطورة مندمجة في دورها وهي تسأل:
_هل هي فتاة؟
نظر لها بتعجب من رأسها حتى أخمص قدميها، حيث ارتدت فستانًا ورديًا مطعم بالفراشات الرقيقة، لكنها تربط وشاح والدتها الأسود كالعصابة على عينها اليسرى!
_من أنتِ؟
سأل مندهشًا من عدم رؤيته لها من قبل، لكنها تجاهلت سؤاله مواصلة تساؤلاتها السينمائية:
_هل هذه هي مرتك الأولى؟
ببساطة شديدة أجابها:
_لا، دفنت ثلاث قبلها.
شهقت بقوة فارتد إلى الخلف متوجسًا من أفعالها المبالغ بها، قبل أن تعلق على إجابته:
_أنت خبير إذًا!
امتعض وجهه إثر جملتها فأجابها بانزعاج:
_أحب هذا النوع لكنه يموت سريعًا، هل تسخرين مني؟
شهقت مجددًا هذه المرة لكن الخوف اعتراها بينما تستفسر:
_هل الفتيات تموت سريعًا؟
_أمثالك؟ نعم بالطبع.
تجاهلته مجددًا لتقول مقيمة الوضع حولهما:
_أنصحك ألا تدفنها هنا.
نفذ صبره سريعًا من أسألتها العجيبة، ذلك الطبع الذكوري الذي يولدون به دفعه لأن ينهي الحوار سريعًا قائلًا:
_لا شأن لك.
عقدت حاجبيها باستياء وهي تنهره:
_يا لك من وقح، أنا أحاول أن أساعدك!
رد بنزق:
_تساعديني في ماذا؟ ماذا تعرفين عن الأمر؟ أنا دفنتهم جميعًا هنا يجب أن أدفنها بجانب أخواتها.
اندهشت من جديد لتسأل بانبهار غير مبرر:
_هل قتلت العائلة كلها!
امتعض ثانيةً من تلميحاتها بتسببه في موتهم السريع، فقال بغضب طفولي سريع:
_أنتِ تستفزينني مجددًا، ماذا تريدين؟
أشارت برأسها للحفرة التي صنعها بقدمه ببساطة قائلة بحنكة:
_لكن هذه الحفرة صغيرة جدًا.
أجابها بينما يرفع كيسًا يحمل سمكة صغيرة ميتة:
_بالكاد تكفي ساندي.
سقط فكها بصدمة، ثم قالت مشيرة إليها باستنكار:
_هل هذه هي ساندي؟
أجابها باقتضاب:
_نعم.
عادت تسأل وكأن كافة آمالها قد خابت:
_ألستَ قاتلًا متسلسلًا؟
قطب جبينه باستغراب فكان دوره ليمطرها بأسئلته قائلًا:
_هل ظننتِني هكذا؟
أومأت برأسها مؤكدة، فواصل مستنكرًا:
_وكنتِ تحاولين مساعدتي؟
أومأت برأسها مجددًا.
_وكنتِ مقتنعة أن طفلًا في العاشرة قد يقتل عائلة كاملة؟
أومأت برأسها للمرة الثالثة على التوالي.
_هل أنتِ مختلة؟
هنا توقفت مفكرة قليلًا في معنى تلك الكلمة الجديدة على مسامعها، ثم قالت في أول لمحة تليق بعمرها:
_هل هذا شيء جيد أم سيء؟
تعرف مفاهيم الإجرام ومبادئ دفن الضحايا لكنها لا تفهم صفة كتلك، فأجاب باستهجان:
_جيد، إنه مدح.
أعادت خصلة من شعرها خلف أذنها شاعرة بالإطراء لترد:
_أشكرك.
ظنها اكتفت من الحديث وستعود من حيث أتت، لكن لسوء حظه عادت لأسئلتها المريبة مجددًا:
_ألا تشاهد أفلام الرعب؟
شرع يضبط الحفرة ليدفن بها سمكته بينما يرد بلا اكتراث:
_لا أحبها، هلا غادرتِ الآن؟
رمقته بازدراء وهي تتحدث عن نوع أفلامها المفضل بشغف:
_أنت جبان إذًا، إنها مجرد أفلام، لقد انتقلت لتوي لهذا المنزل وأراه شبيه لتلك المنازل في أفلام الرعب، كما أن الحديقة واسعة وتسمح بحدوث الجرائم.
تلفت حوله بخوف ظاهر بينما قالت هي بعد أن دبت الرعب في أوصاله:
_ظننت لديك شيء مثير، كنت مخطئة، سأتركك إذًا.
كادت قدمها تزل في الحفرة حين فرد ذراعه ليصدها إلى الخلف، فوضعت يدها فوق صدرها قائلة بمبالغة مسرحية:
_أنقذتَ حياتي!
لم يعد يندهش، فقرر ألا يرد حتى تشعر بالملل وتغادر، لكنها أكملت بود:
_يجب أن أشكرك على ما فعلت، سأدعوك للحضور إلى منزلي لنشاهد فيلمًا سويًا.
كل ما تأكد منه أن هذه الفتاة لا تنهض من أمام شاشة التلفاز أبدًا، فرد بامتعاض:
_لا أريد، فقط ارحلي من هنا.
لم تأبه لرفضه، مدت كفها إليه لتصافحه معرفة بنفسها:
_هدى ميمون.
مد كفه معقبًا بغباء:
_منمون؟
ضربت كفه بسخط وهي ترد:
_منمون ماذا؟ قلت ميمون.
ثم سألت دون أن تعير اهتمامًا للانزعاج البادي على وجهه:
_ما اسمك؟
عزف عن الإجابة قائلًا بغيظ:
_لا أريد أن أخبرك به.
_أنت حقًا سمج.
رأت رجلًا ناضجًا يقترب منهما، فالتفتت إليه فورًا وهي تنزع الوشاح عن عينها سائلة بوداعة:
_هل أنت والده يا عمو؟ ما اسمه؟
ابتسم الرجل مقتربًا من ابنه الذي احتقن وجهه غضبًا منها وهو يجيب:
_نعم أنا والده، إنه داوود.
قالت بابتسامة بريئة:
_أنا هدى جارتكم من السكان الجدد للمنزل المجاور، هل تسمح لداوود أن يأتي معي لنشاهد فيلمًا كارتونيًا معًا؟
وافق والده دون ممانعة فثار حنق صغيره الذي نظر له بعدم رضا، فمال إليه قليلًا هامسًا:
_إنها مفوهة، من الأفضل أن ترافق هذا النوع من الأطفال بدلًا من صديقك الأحمق.
ثم تركه معها وعاد إلى المنزل، فجلست بجانبه إلى أن انتهى من دفن السمكة، ثم جذبته معها من ذراعه قسرًا ليذهب معها بينما تقول:
_هل تعرف ما كان سيحدث لي إذا وقعت في تلك الحفرة؟
أجاب بمنطقية رافضًا تضخيم الأمور:
_ستلتوي قدمك؟
نظرت مباشرةً إلى عينيه بعينين واسعتين مصححة له:
_كنت سأموت!
غمغم وهو يسير بجانبها مستسلمًا.
_يا لك من مختلة.
_أشكرك.
لم يعلم أي منهما أن ذلك الموقف كان بداية لصداقة طويلة الأمد، وربما لو عرف داوود لحظتها أنها ستكون صديقته لقرر أن يدفن نفسه بجوار السمكة، لكن ذلك التناقض الجلي في شخصياتهما نجم عنه تجاذب غير متوقع بعد تنافرهما الأولي، وفي اللقاء الأول عبرة، لمن سارا في مساحات واسعة، مزدحمة كانت أو فارغة، لكنهما لم يصادفا سوى بعضهما البعض.. هنا كانت نقطة البداية، ترى أين ستكون نقطة النهاية؟
يتبع..


فاطمة محمد عبدالقادر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس