الفصل التاسع ... لقاء الماضي
أستلم عمر وسهيلة التصميمات بعد أن وقعا العقود مع ( شركه نورسين للانشاءات السياحية ) وهي إحدى شركات المجموعة الاقتصادية الجديدة ( نورسين جروب )..
وكعادتهما عمر وسهيلة جلسا في مكتبه ليدرسا المشروع.. والتصميمات التي سلمتها لهما الشركة صاحبة المشروع..
ملأت الدهشة نفس عمر، إن هذه التصميمات مصممة بأسلوبه ونفس أفكاره، فهذا المشروع قد رسمه مع نوران منذ أكثر من 12 عاما، نعم أنه يذكره جيدا، كان بعد انتهائه من الامتحانات.
كيف وصلت هذه التصميمات إليه مرة أخرى.. أنه يتذكر أنه مزقها في أحد نوبات غضبه عندما اشتاق إلى نوران..
لاحظت سهيلة شروده فقالت وهي تربت على كتفه: ما بك يا عمر؟ هل يوجد شيء بالتصميمات؟
قال بشرود: بل بالعكس.. إنها مصممة بعناية حتى أنني أسأل لماذا من صممها لم يقم بتنفيذها بنفسه..
سمع صوتا أنثويا يقول: لذلك أنا حرصت على أن تنفذها أنت..
التفتا إلى مصدر الصوت.. فكانت سيدة جميلة، لا يمكن أن تعطيها سنها الحقيقي، فهي ما زالت كما تركها.. بل ازدادت جمالا وتألقا بعينيها العسليتان وشعرها الذهبي المنسدل على كتفيها، وابتسامتها الرقيقة العذبة التي كانت في الماضي تذيب قلبه..
ارتجف قلبه بين ضلوعه لوهلة.. فهو لم يتوقع أن يراها مرة أخرى..
وتلاقت عيناهما لأول مره بعد 11 سنة، ورغم مرور كل هذا الزمن إلا انه استطاع أن يقرأ نظراتها، فهي حب الصبا والشباب، كان يقرأ أفكارها من عينيها، وهي كانت أيضا كانت كذلك..
قالت عيناها: عمر حبيبي.. إشتقت إليك جدا.. لقد زادتك السنوات وسامة وجاذبية وتألقا.
ولكن نظراته لها صدمتها وردت حنينها إليه إلى قلبها صفعات مؤلمة عندما ردت عيناه: ولكنك لم تعودي موجودة داخلي لقد قتلتي داخلي كل مشاعري نحوك..
أرتجف قلبه تأكيدا لهذا الشعور..
عجبا لم يكن يتصور يوما أنه لن يتأثر بها عندما تكون أمامه، حتى صوتها الذي كان يختلط بكيانه فيسمعه ويرقص قلبه طربا به.. صار بلا معنى..
اقتربت منه حتى كادت تلقي بنفسها بين ذراعيه من شوقها إليه..
أن تبكي على قدميه ليسامحها بعد كل هذا الوقت..
لقد باعت كل شيء لتشتري المال والنفوذ..
باعت قلبها النابض بحب عمرها، وباعت قلبه وحبه واخلاصه لها..
مدت يدها لتلقيها بين يديه وتقول بصوت مرتعش من اللهفة: كيف حالك يا عمر؟ مرت سنوات طويله لم نتقابل فيها..
نظر لها ببرود وقال بحسم: أظن آخر لقاء لنا حسم كل الأمور..
قالت وهي تضغط على راحته براحتها وتحتضن كفه بين كيفها: من قال ذلك؟ من قال أنه آخر لقاء بيننا؟
سحب كفه من بين كفيها وابتعد عنها ليقف بجوار سهيلة، التي أدركت أنه لا داعي لوجودها، آلمها ظهور نوران، فلم تكن تحتاج أن يخبرها من هذه السيدة التي تنظر له هذه النظرات..
فقالت بارتباك: استأذنكم.. سأذهب إلى مكتبي حتى تنتهي..
فأمسك يدها قائلا: لا انتظري.. أحب أن أعرفك، مدام نوران.. كانت خطيبتي يوما ما ولكنها فضلت علي رجل أعمال غني وتزوجته.. وافترقت بنا الطرق..
ثم أشار إلى سهيلة التي يمسك يدها بيده قائلا بفخر واعتزاز: المهندسة سهيلة.. شركتي في النجاح وزوجتي..
التفتت نوران بنظرها إلى سهيلة كأنها تلاحظ وجود أحد معهما في المكتب لأول مرة.. وتأملتها بهيئتها الهادئة الوقورة.. وثبتت نظرها على يدها التي يمسك بها عمر..
فسحبت سهيلة يدها من يد عمر بارتباك، وهي تقول: أهلا بك، حسنا سأتركك مع ضيفتك..
نظر إليها مبتسما ابتسامته الجذابة وقال بحب: حسنا يا عزيزتي، سأنهي حديثنا مع الضيفة.. وتجديني أمامك..
خرجت سهيلة وقد هوى قلبها وهو يرتجف بين ضلوعها ألما، رغم أنفها أصبحت طرفا ثالثا في علاقة ،
ليتها ظلت بعيده عن الناس.. ليتها ظلت في عالمها ولم يصبح هو كل عالمها..
هل حقا نسى ما كان بينه وبين نوران من حب؟
لقد لاحظت اضطراب وجهه، ولاحظت حديث العيون بينهما..
نوران ما زالت رغم هذه المدة تعشقه، وهو ربما يكون غضبان منها فقط.
فهي الحب الأول في حياته.. ولم يحب غيرها طوال هذه السنوات...
هل ما بين عمر وبيني حب؟ أم احتياج؟ أم راحة؟ أم ماذا؟..
دخلت حجرتها وأغلقتها عليها، وسالت دموعها في صمت.. إنها تخاف أن تفقد الإنسان الوحيد الذي أعطاها الأمل وأعادها للحياة مرة أخرى..
لن تتحمل أن تفقده أبدا.. أنها أحبته جدا، لقد خفق قلبها بالحب مرة أخرى من أجله بعد أن ظنت أنه لم يعد يخفق..
أغلقت سهيلة باب مكتب عمر خلفها، فاقتربت منه نوران وهي مطرقة الرأس كعادتها معه عندما تخطئ في حقه.. وقفت صامتة ..
تأملها هل جاءت حقا لتعيد له ما فقده معها؟ منذ 11 عام كانت تذيب داخله عندما كانت تقف أمامه هكذا..
تأملها بصمت حقا لم يكن بداخله أي مشاعر نحوها ليسترجعها، كانت ذكريات بعيدة كأنها لأحد غيره، هو الآن لا يشعر حتى بالغضب منها..
مدت يدها تحتضن كفه وهي تتطلع إلى ملامحه في شوق بعيونها الدامعتين وتقول له: عمر كم اشتقت إليك.. حقا لا أدري كيف مر هذا الوقت علينا لم نتقابل؟ كيف استطعت تتحمل السنوات التي مرت علينا ونحن في هذا الفراق..
سحب يده من يدها وهو يجلس خلف مكتبه قائلا: أنت صاحبه هذا الاقتراح.. أنت من تخليتي عنا وعن حبنا.. ولست أنا.. ثم إنه مر على ذلك وقت طويل، أعجب من أنك ما زلت تحفظين ملامحي.. يبدو أن لك ذاكرة قوية ..
نزلت دموعها وهي تقول برجاء: عمر لا تكون قاسيا معي، أعرف أنني أخطأت في حقك وفي حق حبنا.. وفي حق نفسى.. لقد مرت علي هذه السنوات قاسية، وعندما عرفت مكانك تركت كل شيء، وطلبت الطلاق وأصررت عليه وانتظرت عودتك من إيطاليا وجهزت لك هذا المشروع الذي حلمت به معي في يوم من الأيام لتنفذه بنفسك، سيكون نقطة التحول في أعمالك، عمر حبيبي لا تنظر إلي هكذا، هذه العيون تقتلني بعد أن كانت تحييني وتحتويني بدفئها، أعلم أنني أخطأت.. بل أجرمت.. ولكنني دفعت الثمن غاليا..
تطلع عمر إلى الملفات الموضوعة أمامه على المكتب قائلا: مدام نوران.. هذه القصة انتهت منذ سنوات طويلة.. ولا داعي لهذا الكلام لأنني لا أظن أنك عدتي بعد 11 سنة لإعادة الماضي، أو لإحياء حب قديم تغير أبطاله وماتت مشاعره التي كانت في القلوب، فلم يعد في قلبي شيئا لك لا بالخير ولا بالشر..
اتجهت نحوه ووقفت بجوار كرسيه وهي تمسك يده وترفع وجهه ناحيتها بأناملها: لا تقول ذلك يا عمر.. مستحيل أن تنساني.. أنا حب عمرك وأنت أول حب في حياتي وآخر حب، أنت تقول ذلك لتنتقم مني وتحزنني، معك حق.. أنا بما فعلته كأنني انتقمت من نفسي عندما تزوجت رجل لا أحبه وقلبي متعلق بآخر، لقد عشت مع رجل جسد بلا روح، عيشة بلا حياة، حققت كل أحلامي المادية لجسد ميت، ولقد تعذبت ولم أشعر بأي راحة أوسعادة إلا عندما كنت أختلي بنفسي وأفكر فيك، وأتذكر ذكريتنا الجميلة معا..
أمسكت هاتفها.. وأخرجت صورهما معا في الجامعة، وأيام الخطوبة الطويلة وقالت وهي تضع الهاتف أمامه: أنظر يا عمر.. كم كنا نحب بعضنا، كل من يرانا يحسدنا، كم كنا لائقان على بعضنا، كنا سعداء، عمر مازلنا نحن موجودان، يمكننا أن نعيش حبنا من جديد.. ونتزوج، ليس هناك ما يمنعنا..
نظر إلى الصور التي تقلبها في هاتفها، ولكنها لم تحيي في داخله إلا شوقه أن يعيش هذه المشاعر من جديد.. ولكن ليس مع نوران.. فقال بحزم هو يقوم: مدام نوران.. مع احترامي لكل ما تقولينه ولكننا لم نعد من كانا في هذه الصور، لأنني ببساطة لم أعد هذا الشاب المحب الواثق في حبيبته، ولم أعد أحبك، أنت الآن مالكة الشركة صاحبة المشروع الذي وافقت عليه، أنت لست الفتاة التي أحببتها وتمنيت أن أعطيها عمري كله، ولا أريد الخوض في الماضي حتى لا أكسر قلبك وخاطرك، وحتى ينتهي هذا المشروع لا داعي لتكرار هذا الكلام مرة أخرى وعلاقتنا في حدود العمل فقط حتى هذا سيكون عند استلام المشروع أو افتتاحه، أرجو أن أكون استطعت التوضيح يا مدام نوران..
واتجه نحو الباب.. فلحقت به وحالت بينه وبين الباب وهي تقول بانفعال ودموعها تغرق وجهها وأمسكت ذراعيه بكلتا يديها لتوقفه وتترجاه: عمر حقا أنت تغيرت جدا.. أصبحت قاسيا وتتحمل عذابي، ولكن لا تقول إنك لا تحبني، لن أتحمل هذا.. صدقني أنا يومها كنت يئست من أنك ستتقدم خطوة في زواجنا، وعمري يتسرب من يدي.. و.......
قاطعها وهو يبتعد بها عن الباب ويهتف في حدة: وماذا؟ هل تصدقين نفسك؟ لقد دعوتني لمطعم فاخرلا قبل لي يومها بأسعار وجباته لتناول غداءانا، وأنت تعلمين أن ذلك سيشعرني بالعجز، وأفهم الفرق المادي بيني وبينك وأنت تعايريني بملابسي يومها إنها غير مشرفة لك، لقد تجاوزت ذلك، وعدت عندما أخذني شوقي إليك لأبحث عنك، وذهبت إلى الشركة التي تعملين بها وعلمت ما جعلني أعرف من أنت جيداً، لقد قابلت هناك زميلي المهندس جمال، وسألني سؤال حيرني، كيف تكون خطيبتك سكرتيرة في شركتنا ولم تخبرك بفرص العمل الموجودة لك كمهندس متفوق في الكلية؟ لم أعرف أرد لحظتها ولكن عندما علمت أنك تزوجت شريف إبن صاحب الشركة، أدركت لماذا؟ لكي تجدي لنفسك حجة، فعملي في الشركة كان سيعجل ارتباطنا ويسرع في زواجنا وتضيع من يدك فرصة زواجك من إبن صاحب الشركة الذي سيحقق لك حلم الثراء والنفوذ، ولحظتها تماما ماتت داخلي نوران، ماتت بلا ذكرى، وتبقى لها في قلبي ألم وطعنة غدر، هل تذكرت أنك أحببتني بعد زواجك؟ عشت مع زوجك جسد بلا روح ولكنك أخذتي ثمن هذا الجسد ولم تكتفي بذلك، بل خنت زوجك مع ذكرياتنا، اكتشفتي فجأة أنه لا ينفع حصولك على الإثنين معا والآن بعد أن أصبحت سيدة أعمال لها شركة كبيرة ومن أغنياء المجتمع كما يبدو عليك، وأنا أصبحت لي مكانتي واسمي.. جئتي ل......
هتفت به مقاطعة وهي تمسك يده بقوة: جئت لأعتذر لك عن كل ما فعلته.. عمر ألم تلاحظ إسم شركتي إنها باسم ابنتنا التي اخترته أنت، نصفه نور ونصفه سنا يعني ضوء القمر.. هل تذكر؟
جذب ذراعيه من يديها قائلا بحنق : لم يعد بيننا شيء يعود، وحتى إذا فكرت أن أحب من جديد لن تكوني أنت، فأنت لا غالي لك وأنا مجرد شيء تريدين الحصول عليه لأنك لم تتعودي أن تخسري، أرجوك أخرجي من هنا، ولا تعودي مرة أخرى، وأنا سأرفض المشروع أو يكلف به مهندس غيري..
قالت وهي تقف تحول بينه وبين الباب: عمر أنك لا تزال تحبني، والدليل أنك الآن بلا زواج ، لم تقابل من تحبك مثلي أو تحبها مثلما أحببتني..
قال وهو يتطلع إلى ملامحها التي سقط عنها قناع الحياء: من أخبرك إنني لم أحب حتى الآن، ولكن أكيد ليس مثلما أحببتك لأنني كنت أيامها ساذج، ولا أستطيع الإختيار السليم لمن أعطيه قلبي..
قالت: ومن هذه؟ ولماذا لم تتزوجها؟
قال وهو يشير إلى الباب: لقد رأيتها معي عندما دخلتي، وحفل زواجنا بعد أسبوعين أن شاء الله..
قالت: هذه زميلتك.. لو كانت حبيبتك ما تركتك وحدك معي..
مط شفتيه بابتسامة ساخرة قائلا: لا .. إنها تثق في وفي مشاعري نحوها، وفي نفسها، فهي تدرك أنني لا أرى غيرها ولا أتمنى في حياتي شريكة إلا هي، فهي شريكتي في العمل وفي النجاح وفي الحياة، ثم إنني سأطلب من الشركة اعفائي من هذا المشروع..
هتفت نوران بانتصار: لن تستطيع لأني كتبت عليك شرط جزائي وأنت وقعت دون أن تنتبه له..
نظر إليها باحتقار متهكما: وتقولي أنك تحبيني.. إنك مخادعة..
قالت بتحد: كل شيء مباح في الحب والحرب.. وأنت من ستقوم بالمشروع، وسيأتي اليوم الذي تنسى كل ما حدث بيننا، وتعود إلي فأنت مازلت تحبني.. وسترى..
أبعدها عن الباب في عنف وهو يقول بعصبية: حسنا سنرى.. ابتعدي من أمامي..
خرج وأغلق الباب خلفه بعنف، ألقت نوهان نفسها على المقعد ودفنت وجهها في يدها وانخرطت في بكاء حار فما توقعته قاسيا عليها..
هي تعلم أنه لن يسامحها بسهولة.. ولكن عليها أن تحاول مرات ومرات..
لقد آلمته كثيرا.. ولكن ما لن تستطيع تحمله هو أن يحب غيرها.. أن تنظر عيناه لأخرى كما كان ينظرلها.. قد تتحمل أن يتزوج أخرى.. ولكن يحب لا..
قامت ومسحت دموعها وعدلت زينتها، وخرجت وهي تنوي أنها لن تتنازل عنه مرة أخرى مهما كلفها الأمر..