****
-يافا أنا سأبقى مع عائلتي هنا ولن أغادر.
قلقت يافا وارتسم الذعر على وجهها وهي تتحقق من راوية:
-هل أنت بخير؟ ولي عهدنا متضايق أو أشعرك بالضيق؟
نفت راوية وأخبرتها بعدما مسحت على بطنها:
-فقط أشعر بالغثيان والمنسف عزَّز ذلك.
تمسكنت ملامحها وشعرت بأسف حين انقلبت ملامح يافا وأخبرتها:
-المهم أنت، سأدهس على هذه الليلة وأسمح لك بالمبيت خارجًا فقط الليلة، غدًا لا عذر لك.
خرجت برفقتها ومرَّتا أمام مجلس الرِّجال فتغيرت ملامح يافا وصوتها، سألتها راوية:
-أنت بخير؟ هل هناك شيء ما؟
تقطع صوت يافا ملهوفًا وهي تخبرها:
-سيـّ......ـــاف هنا.
تغيرت ملامح راوية وأخبرتها:
-دعكِ منه يافا لأجل خاطري، هو لا يناسبك.
انكمشت ملامح يافا وشعرت بضيق، وصلتا سيارة مؤيد فانزوت يافا قليلًا وحاولت البحث عن وجه سياف الذي تبعها، بات على بعد سيارتين عنها وانغمست المسافة بينهما بشرارت الإعجاب والاشتعال، تنهدت يافا وقد شعرت بحاجتها للاستدارة وقبل أن تفعل مرّر الهاتف على أذنه وحكّه بها للأعلى، ضحكت مع إدائه التَّحية وهربت لزاوية أخرى بعيدًا عن فخ نظراته وأرسلت:
«لا أفهم التلميحات المتعلقة بالنوافذ، أعرف القبضات التي تضرب الأبواب وتلجها»
..
-راوية أنت لست بخير ولم يعجبني أسلوبك مذ قدمنا هنا، مررته لك عصرًا لكن الآن لا لن ينفع ذلك.
اعتصرت كفها اليسرى أناملها اليمنى وحاولت السيطرة على انفعالها وهي تشرح له:
-نديم أنا لست في أفضل أحوالي وأخشى إن عدت معك أن نتصادم أو أغضبك، لأن مزاجي حاد هذه الفترة ولا يحتمل.
شدد غاضبًا منها ومن أسلوبها في الغضب:
-إن كنت غاضبة تغضبين معي، تعودين برفقتي لنحتوي بعضنا وأمتص مزاجك الحاد، زيارتك لأهلك لن تجدي.
توسلت إليه في رجاء حقيقي:
-لأجلي فقط هذه اللَّيلة أنا لم أر آرام، دعني أكون برفقتها غدًا وأعدك سأكون بخير.
توقفت قليلًا تبتلع كلامها وهي ترفع كفه وتقبلها بخفة:
-لأجل خاطري.
مسح على لحيته بغضب مكبوت وردَّ باقتضاب:
-كما تشائين راوية
****
بقيت سراب مع آرام واعتذرت عن المغادرة برفقة عائلتها.
-سأبقى برفقة آرام عمتي حسنا.
انضمت إلى غرفة آرام التي شعرت بالفرج حالما غادر الناس، تخلصت من الثوب فورًا وبقيت قليلًا في الحمّام، عصارة مسمومة تتكتل في معدتها، تتوهج كما وجنتيها باحتراق مكثف كلما تتذكر لمسته لوجنتها، قبلاته وحتى المرور العابر لشفتيه فوق جبينها. غسلت وجهها مرات وتركت الأثر الطفيف للدبوس الذي ترك أثرًا فوق وجنتها ولمسه ريبال مطيلًا الوقف عليه قبل أن يختمه بقبلة انطبعت في صدرها مع شوكة مسنونة تربض فوقه. لا بأس هي من زجّت بنفسها عليه، ستحتمل، هي من أجبرته واستغلت شهامته، لا بأس. كادت عيناها تحترقان مع كل هذا الكم الذي يغلف داخلها. كل شيء طبيعي، هي ذاتها حلمت وتمنت هذه الأشياء برفقة يزن، ألم يحصل ذلك؟!
مرغت رأسها في الماء مع القشعريرة الطفيفة التي تخزها وتنز عنها تنهيدة كلما تذكرت هذه الكثافة الحسّية الفجّة بينهما. رفعت شعرها قليلًا وتركت نفسها لخروجه غير المبرر وتركه إياها بلا عذر هكذا وذكّرت نفسها:
-لا بأس كل شيء سيكون طبيعيًا.
وهي موقنة أن لا شيء طبيعي في هذه الزيجة والآن ستخرج لسراب وتحقيقها. حين خرجت وجدت سراب ستغادر بسبب مجيء عون المفاجئ فتوقفت تسألها:
-ألن تبقي هنا؟ ألم تخبريني أنك ستبقين برفقتي؟
اعتذرت منها سراب وأخبرتها أن عون جاء بشكل مفاجئ، ما ترك الصدمة تزحف إلى سراب حين طلبت منها آرام:
-إن رأيتِ ريبال أخبريه أن يهاتفني، أنا أبعث إليه بلا ردّ.
تذمرت سراب:
-هذا إن جاء للقصر أساسًا.
ضيقت آرام عينيها واستفهمت:
-لماذا؟ ألا يعود للقصر وينام فيه؟
تورطت سراب وتأكدت أن هذه الحمقاء على الأغلب لا تعرف شيئًا فسايرتها وضحكت في وجهها:
-لقد نفذتِ من تحقيقي الليلة، غدًا سأعود وستشرحين لي هذه الزيجة.
تهربت آرام منها وأخبرتها بتوتر:
-الأصل أن يُسأل العريس وأهله، التحقق من العروس هذا جديد عليّ.
تنهدت سراب وقد تأكدت حينها أن هناك شيئ أعمق من الانجذاب يربط بين ابن عمها ورفيقتها. اختتمت الليلة باحتضان آرام وإخبارها.
-يا لحظّي ستكونين مقربة مني أكثر.
****
أطبقت عبلة الباب خلف سراب واختلت بآرام أخيرًا، تسحبت خطواتها بهدوء وجلبت مشروبًا مهدئًا بعد يوم طويل منهك، حبست آرام ذعرها واصطنعت طبيعتيها وهي تضم نفسها في غطاء صوفي دافئ. اقتربت منها عبلة وقبّلت وجنتها وباركت لها، تناولت آرام الكوب منها وشكرتها:
-سلمت يداكِ حبيبتي.
ارتخت عبلة على السرير وردّت:
-سلمك الله بنيتي.
تنفست عبلة بهدوء وأخبرتها وهي تمسح على شعرها المبلول:
-كنتِ فاتنة الليلة، ما شاء الله! كل شيء لاق بك كثيرًا.
رمقت الخاتم الموضوع على الكومود:
-وكل تفاصيل الخطبة راقية ومذهلة، الخاتم مبهر تستحقينه.
ازدردت لعابها وفجرت خوفها أخيرًا وهي تسأل آرام:
-هل خطبة ريبال طبيعية؟ هل أبلغتِ سراب أو الشيخ طالب بشيء؟
نفت آرام وزحفت للخلف فيما تقسم:
-لا، لا والله لم أفعل ذلك.
اهتزَّ صوت عبلة وهي تتحقق منها:
-آرام أنت لم تتفاجئي حتى.
اصطبغ وجه آرام بحمرة كارثية ونفت عن نفسها:
-لا، أنا مدهوشة ومحرجة هذا عرض الزواج الذي لم أتوقعه وأبي كان موافقًا، ربما لم أستطع التعبير كوني كنت أعيش في ضغط وعبء نفسي كبير.
ترددت قليلًا ثم شرحت:
-لقد استشرته بشكل قانوني وأبلغته بوقوعي في مشكلة فقط.
مسحت على جبينها وخلعت عن نفسها التهمة باستماتة:
-لم أفعل أكثر من ذلك صدقيني.
اقتربت منها عبلة وقد شعرت بأسف لتحميلها العبء كاملًا وإسقاطه عن الجميع بما فيهم هي وضمتها تهدهد عليها بلا اقتناع:
-صدقتك حبيبتي، صدقتك، خروجه أقلقني وأشعل مخاوفي أكثر.
ابتعدت آرام قليلًا وسقطت الحروف كاذبة عن شفتيها:
-أخبرني أن هناك أمر عاجل طرأ له وسيأتي غدًا.
هزَّت عبلة رأسها وتركتها بأفكار مسمومة تعيث برأسها الفساد وترجم فوق مشاعرها حجارة السخط.
**** |