شبكة روايتي الثقافية - عرض مشاركة واحدة - غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد
عرض مشاركة واحدة
قديم 24-10-24, 03:55 PM   #266

ثناء يافي

? العضوٌ??? » 519760
?  التسِجيلٌ » Jul 2024
? مشَارَ?اتْي » 30
?  نُقآطِيْ » ثناء يافي is on a distinguished road
افتراضي غيوم البعاد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سما صافية مشاهدة المشاركة
{الجزء الثاني من
الفصل الخامس عشر}
~~~~~

منذ عاد إلى منزل والدته وهو يلزم الصمت الشارد ..
صمت أسود يظهر من عقدة جبينه وزيغ نظراته
أخبرها باختصار عما حدث في المزرعة ولم يتحدث بعدها
أصرت على تناوله الطعام فتظاهر بالأكل من أجل خاطرها
وحتى تتناول هي بعض اللقيمات تسد بهم رمقها
لاذ بغرفته بعدها يحرق في تبغ سجائره، يدور ويدور في دوائر مفرغة داخل متاهات عقله وهو يقف في المنتصف وحيدًا دون أهل أو عزوة
بل الأسوأ .. عزوته وأهله هم ألد الأعداء ومن أجل ماذا ..
لا سبب محدد سوى عصبية قبلية وتمسك بعادات وتقاليد جبلوا عليها
وتشبثوا بها حتى ولو حادت عن الحق
صوت صرير فتح الباب نبهه إلى وجود والدته القلقة عليه
وعلى منحى تفكيره الذي يبتلعه منذ الصباح
أدار رأسه إليها يمنحها ابتسامة طفيفة تحمل من الألم والخيبة أكثر
من الطمأنينة والسكينة التي أراد أن يبثها إياها
تقدمت بملامح أم تهزم الصعاب بثبات وتخفي خوفها
وقلقها بابتسامة رقيقة حنونة
ضمت كتفيه إليها وأراحت رأسه فوق صدرها الدافئ بعد أن
مالت لتلثم قمة رأسه بعطف تملس على خصلاته القصيرة بحنو
تبثه الطمأنينة والقوة بصوتها العذب الرؤوف
:- هون على نفسك يا ولدى اللى حُصل مكانش بيدك .. فداك مال
الدنيا كلاته المهم تكون بخير وسلامة
رفعت ذقنه إليها لتتأمل عينيها المحملة بالحزن والهموم بمقلتيها الدامعة، الراجية مردفة
:- أنت را چلى وسندى في الدنيا .. كل شى بعديك أنت وبتك مالوش جيمة ولا عازة .. والحمدلله أنكم بخير
عادت تضمه إليها بعاطفة الأم الماحية للأحزان والمضمدة للجراح تتمتم بالدعاء بتضرع إلى الله
:- ربنا يحفظك من كل سوء يا ضنايا
شدد من ذراعيه حول خصرها يتشبع من هذا الحب الصافي الذي لا تشوبه شائبة لدقائق طويلة
ثم ابتعد قليلا يتلمس كفيها ويلثمهما بحب متشبث بهما ورفع نظراته إليها يفضفض بما يعتمل داخل
صدره من حزن وألم
:- المنظر كان رهيب يا أمى .. مدبحة حقيقة .. شفت سنين عمر أبويا
بتضيع قصاد عينى وأنا عاجز عن فعل أى شئ
جلست بجواره تواسيه بجدية واهتمام بفلذة كبدها
:- بعد الشر عنيك من العچز يا ولدى.. أنت عملت اللى عليك وزيادة
شددت على كفه بقوة تجذبها برفق لتلفت انتباهه مؤكدة على كلامها في محاولة لإقناعه ونفض الحمل من فوق أكتافه
:- اسمع يا نصير .. أنت نفذت وصية أبوك واسمه اترفع فوج المزرعة .. أنت يا ولدى عملت اللى هو ماكنش يجدر يعمله ووجفت جصاد أعمامك وأخدت المزرعة من بين أنايبهم .. بكفاية لحد إكده
جعد جبينه يتأملها بعدم فهم لما ترمى إليه ثم استفسر بدهشة يُكذب المعنى الذي وصله
:- قصدك إيه يا أمى .. مش فاهم!!.
زفرت بقوة وقد اشتدت نبرتها الواثقة في قرارها فهي لاتملك غير ولدها ولن تتهاون عن بذل الثمين والغالى في الحفاظ على حياته وهي أكثر من يعلم ببطش أعمامه ومدى ظلمهم الذي لم يسلم منه ولا حتى شقيقهم الراحل
:- جصدى كيف ما فهمت .. المزرعة بجت باسم أبوك وخلاص .. هملها باسمه واليافطة مرفوعة عليها كيف ما وصى وأنت انتبه لحالك وعاود لشغلك وبتك
هز رأسه يستوضح أكثر ويناقشها في الأمر
:- يعنى عاوزانى أسيب المزرعة مهجورة وعليها اسم أبويا
رفع حاجبيه دهشة وقلب شفته مردفًا بعدم اقتناع بالفكرة
:- طب فرضنا أن ده حصل .. برضو هكون قريب منهم .. وهاجى البلد أزورك ومش بعيد أحتك بأعمامى ولا ولادهم لأى سبب
وبدون ذرة تفكير أعلنت بجدية
:- ههمل البلد وأعاود أمعاك المهم سلامتك وتبعد عن الشر
هز رأسه متعجبًا من فكرتها الغير منطقية له
:- وفرحتك برجعوك البلد وقربك من أختك وبناتها .. عزوتك وبيتك اللى
دبت فيه الحياة من جديد .. هتسيبى كل ده لمين
قبضت على معصمه تتعمق داخل مقلتيه بنظره راجية تماثل نبرة
صوتها الدافئ
:- كله يهون بس تكون بخير يا ولد عمرى
أخفض رأسه قليلا يفكر بتركيز بينما أفضت بما تحمله داخل صدرها لسنوات عديدة
:- أنت كل ثروتى وتحويشة عمرى .. أبوك الله يرحمه صُح كان راچل طيب..
طيب جوي لكنه ظلمنا وهو عايش بضعفه وخوفه من خواته وهملنا نعيش
بعيد عنيه يا دوبك يحن علينا بزيارة من الموسم للموسم ..
وأنى صبرت على العيشة ديه لاچلك أنت .. لاچل ما تكبر
وتتعلم حتى لو في ضل أبوك لكنى ربيتك على الشدة والجوة
.. ولما أبوك شاف عودك الصلب رمي حمله عليك وشيلك وصيته ورغبته في الدنيا اللى هو مجدرش عليها
زفرت بعمق وأسى لتفصح عن قناعه فهي من ربت واهتمت وأنشأت ذلك الرجل برعايتها وجهدها
:- لكن حج ربنا أنت مش مديون له بشي أكتر من إكده.. صُح كان بيصرف علينا ويراعينا من بعيد لبعيد لكن أنا اللي تعبت وربيتك لحد ما بجيت راچل يسر العين والجلب .. ومش هاچي دلوك أعرضك لأذى أعمامك اللى حميتك منهم طول عمرك .. بكفيانا ونعاود على مصر
كان يتأملها ويستشعر خوفها وحرصها على حياته وسلامته ولكن عقله لا يقبل بالهزيمة
وكرامته لا تسمح له بالهرب من المواجهة
عليه التفكير بعمق وإيجاد حل حاسم لتلك المعضلة
********.

ضحكت بمرح تمازح صديقتها القديمة عبر الأثير
:- والله وحشتينى جدا يا فرح و عارفة إنى مقصرة معاكى ..
بس صدقينى أنا في دوامة ومعنديش وقت أعمل أى حاجة
أجابت فرح معاتبة والتي هاتفتها تليفونيا بعد أن أخبرها زوجها
بما حدث صباحًا في المزرعة
:- أنتِ لسه هتبررى يا ندلة ولا خلاص كبرتي علينا يا ست الدكتورة ..
ده لولا مدحت قالى إنك بعتالى السلام مكنتش هكلمك خالص
استعادت ندى بعض من نفسها التائهة في دوامة العمل واسترسلت في مشاغبتها
:- طب ما تتكلمى أنتِ يا هانم وراكِ إيه يعنى ما أنتِ قاعدة في البيت لا شغلة ولا مشغلة
أجفلتها صرخة فرح العالية الملتاعة على طفلها الصغير الذي بالكاد يمشى بضع خطوات خرقاء وتركت الهاتف لتسرع إليه وتحمله بين ذراعيها بعد أن سقط على وجهه وشرع في البكاء
عادت إلى هاتفها المحمول الملقى بإهمال فوق الأريكة بعد لحظات وهي تدلك ذراعي وساقي الصغير ليهدأ وهي تهتف على صديقتها بلوم
:- شفتى يا ستى اللى ورايا .. أنا لو غفلت لحظة عن فادى بيعمل مصيبة أنتِ فاكرة الجواز وتربية الولاد سهلة ولا إيه .. بكره تخلفى وتعرفي
:- بعد الشر عنى .. مش وقته خالص أوعى تقولى كده في وشى
أطلقت عبارتها سريعًا بتلقائية نابعة لرفضها لهذا الأمر بشكل قاطع شهقت فرح توبخها بحميمية
:- أنتِ هبلة يا بنتى أومال هتوهبى نفسك للعلم .. ليه هتخترعى إيه ولا تكتشفى إيه .. يا بنتى جوزك يزهق ويطفش منك لازم تربطيه بالعيال
أطلقت ندى ضحكة مرحة تتهكم على أسلوب حديث صديقتها
:- ياااى بقيتى بلدى أوى وبتتكلمى زى ستات البيوت العواجيز .. يا بنتى أنا عاوزه اثبت نفسى وأحقق حلمى
تنهدت ندى بعناء فلا يوجد من يفهم تفكيرها وترتيب أولوياتها ولكنها استطردت موضحة
:- فيها إيه لما اهتم بشغلى ودراستى.. لا أنا أول واحدة ولا أخر واحدة تعمل كده وخصوصا في أول حياتهم
ضمت فرح طفلها الصغير إلى صدرها تهدهده ليغفو بين أحضانها
:- الحمدالله إنى مش مهوسة بالدراسة زيك .. أنا عندى مدحت وفادى بالدنيا ربنا يحفظهم ليا .. ونصيحه منى يا ندى أوعى تنسى نفسك وتأجلى في الخلفة لغاية ما العمر يجرى منك ديه نعمة كبيرة وغريزة ربنا زرعها فينا ..
تأملت ملامح طفلها الغافى الرقيقة ولثمت بشرته الناعمة مردفة بعاطفة حنونة
:- صدقينى مفيش أحلى من إنك تكونى أم لكائن صغير يجننك ويطلع عينك وياخد قلبك منك
ابتسمت ندى برقة وتمتمت بالدعاء لصديقتها
:- ربنا يباركلك فيه يا حبيبتى .. أنا مبسوطة أوى أنى سمعت صوتك أنتِ كنتى وحشانى أوى بجد
سمعت ندى صوت المفتاح يدور في باب الشقة فحولت نظرها إليه وهي تنهى المكالمة مع صديقتها
:- أوعدك مش هتأخر عليكِ تانى ونتواصل على طول خلى بالك من نفسك
أغلقت المكالمة وعينيها تتحركان مع جاد الذي تخطاها ودلف إلى غرفة النوم وشرع في نزع ملابسه
تبعته إلى الداخل تعاتبه بلطف
:- اتأخرت كده ليه يا جاد وقافل تليفونك .. أنا كلمت عم خضر في المزرعة قال إنك مشيت من بدرى
رمى قميصه على طرف الفراش بإهمال يجيبها دون النظر نحوها
:- كان عندى شغل بره المزرعة
اقتربت تلتقط قميصه من فوق الفراش وتضعه فوق المشجب وتعيد سؤالها
:- وقافل تليفونك ليه!!.
أكمل ارتداء ملابسه يجيب باقتضاب
:- يمكن الشحن خلص من غير ما اخد بالى
اندفعت تشاركه في تفاصيل يومها معلنة عن نجاحها
:- عرفت اللى حصل .. الحمدالله مفيش ولا حيوان من اللى بعالجهم حصله حاجة .. الحادثة طلعت بفعل فاعل بس الموقف كان صعب جدا .. ونصير صعب عليا أوى خسارة حيوانية ومادية كبيرة ربنا يعوضه خير
قاطعها بحدة يُنهى الحديث عن ذلك المحامى المتأنق
:- عرفت .. البلد كلها عرفت مبروك أن اسمك سليم ونضيف
قطبت حاجبيها المنمقين تتفحصه بذهول متسائلة
:- في إيه ياجاد هو إيه اللى حصل .. وإيه الطريقة اللى بتتكلم بها ديه
زفر بضجر ورفع بصره إليها أخيرًا يصيح بضيق
:- مالها الطريقة يا دكتورة .. ما أنا بهنيكى على نجاحك أهوه .. المطلوب منى أعمل إيه تاني
زاوت بين حاجبيها مفكرة لبرهة ثم تساءلت بحيرة
:- أنت لسه زعلان عشان نزلت النهارده .. ده كان ظرف طارئ وقلت لك تيجى معايا وأنت رفضت
التفت نحوها بسرعة أجفلتها يصيح في وجهها بعصبية لم ترها منه من قبل
:- أجى اعمل إيه يا دكتورة .. أشيلك الشنطة ولا أواسى حضرة الأفاكوتو الأنيق
اتسعت مقلتيها جزعا من منحى كلامه الغريب وقالت بتشتت
:- أنت بتقول إيه ..أنيق إيه وكلام فارغ إيه .. أنا ما اسمحلكش تكلمنى بالطريقة ديه
فز من مكانه يتقدم خطوة واحدة سريعة يمط عنقه للأمام ومقلتيه متسعة بنظرة جنونية أجفلتها
:- تسمحى بإيه يا دكتورة .. قوليلى تسمحى بإيه عشان أعرف أكلمك إزاى .. ما هو أنا مش عجبك أصلا .. لا لبس ولا كلام ولا مستوى ولا حاجة خالص
انكمشت على نفسها مجفلة تتساءل بتردد وحيرة
:- إيه اللى بتقوله ده .. أنت عقلك راح فين .. أنا مش فاهمة أنت بتفكر
في إيه.. وضح كلامك
زم شفتيه يزفر بضيق ناظرا إلى سقف الغرفة يحاول السيطرة على انفعالاته الثائرة ثم أخفض مقلتيه صوبها يتأملها بنظرة اختلطت فيها مشاعر الحب بالغيرة بالكرامة المجروحة وقال بغموض
:- هتعرفى .. وهوضح لك كل حاجة ما تستعجليش يا دكتورة
ازدردت ريقها الجاف ببطء تحاول استيعاب كلماته وفهم انفعالاته
وهو يدور في الغرفة على غير هدى قبل أن يرتدى خفيه ثم يخرج متوجها نحو الحمام
أخرجت صوتها بنبرة هادئة متوجسة
:- على فكرة أنا عاملة أكل من بدرى ومستنياك
أجاب بجفاء دون أن يتوقف عن طريقه
:- مش جعان أنا هاخد دش وأنام
:- هتنام من دلوقتى!!.
قالتها بتعجب فمازال الوقت مبكراعلى النوم فجاء جوابه المقتضب
:- أيوه هسافر من الفجر على مصر
لوت عنقها تطالعه بدهشة
:- سفر تانى .. أنت لسه راجع أمبارح
توقف عند عتبة الحمام واستدار نصف استدارة يواجهها ويقول بنبرة هازئة
:- شغل وأنتِ عارفة الشغل خط أحمر .. ولو مكونتش نفسى دلوقتى هكونها أمتى أومال
ثم دلف إلى الحمام وأغلق الباب خلفه وتركها تقف ذاهلة من أسلوب معاملته العجيب و البعيد كل البعد عن جاد العاشق المتيم

********.

يتبــــــــــــــع
سلام كيف فينا نتابع الفصول الجديدة فصل ١٦


ثناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس