الفصل السادس عشر
.
.
.
للايام قانون واكثر من يحترم القانون هي الأيام .. فمهما بلغ حُزنك ستمضي ومهما اكتمل فرحك ايضاً ستمضي وتنطوي لتبدل حالك من حالٍ الى حال او تبقيك في مكانك وتُحصىٰ هي من عمرك الفائت جاهلاً انت عم بقي لك منه !
من كان يظن ؟ بأنها ستقف عِند المرآه في خِتام احد ايامها تتمعن في ملامحها المِحمره بحياء لترى كيف بدت في لقائهما الاول بعد عقد القِران، مررت اناملها على وجنتها واطراف شعرها بينما تستذكر كِلماته التي كانت فردوسية اللحن على مسامعها
"يا أعظم انتصاراتي والعوض الجاي من ربي"
تُبدل ناظريها الى يدها اليُسرى التي تزينت بخاتمه، لا تعلم ما السبب لكنها تشعُر بالرِضا عن ما آل اليه الحَال نعم ان الطريق خلفها مليئاً بما يؤلم القلب ويؤرقه لكنها الان تقف عند محطةٍ مُستقره وان كانت غير آمنه .. واكثر ماتحتاج التزود به هو النسيان لسلوك دربٍ مجهولٌ طَرفه فهل ستحظى بحياةٍ تليق بزينه ام انها ستُشابه نهايتها قَدر فاطمه ! تحتاج الى ان تغامر كي لا تحيا بحُبٍ ناقص وجُرح لن يُشفى
خرجت من الغرفه بعد ان بدلت ملابسها وارتدت بيجامه نوم، فوجدت بتراء في الصاله مازالت بفُستانها تقف عند النافذه بشرود، تقدمت نحوها وتسائلت :بتراء ! فيك شي؟
نظرت بتراء ناحيتها وتنهدت قبل ان تجيب بينما تعود الى الاريكه قائله :مدري احس قلبي ناغزني ! كأن راح يصير شي
عقدت زينه حاجبيها وجلست بجوارها بينما تتسائل :شي مثل ايش بالضبط ؟ قلبك ناغزك على مين ؟
هزت بتراء رأسها بعدم معرفه قبل ان تجيب بقولها بينما تجول بناظريها في الارجاء بحيره وخوف :ما ادري
.
.
.
ذات الباحه التي حَدث بها النِزال منذُ اياماً مضت، مازالت الدِماء بها متيبسه جافه على الأرض، لاحياة بها سوى نعيق الغِربان التي تحوم بين الجِبال في ساعه من المساء وبعد ان اظلمت الأرض
كل ماحوله يدعو الى التوتر، ماذا لو لم تنجح خُطته؟ لو جاء محمد المشهدي رفقة رِجال آخرون ! لو انتهى امره هنا بين هذه الجبال دون ان يحظى بميته مسالمه ولا الوصول الى اخته !
ابتلع ريق فمه حينما رأى ضوء السياره الذي يلوح من الأُفُق، مد يده يتفقد مسدسه المُخبأ اسفل قميصه الفضفاض وثبت في بُقعته يراقب اقتراب السياره التي توقفت بالفعل قُرب سيارته .. أُطفِئت انوارها وترجل عنها رجُلٌ صلب مُلثم
التقط نفساً عميقاً ثم ترجل عن سيارته وتقدم بخطاه ناحية الآخر الذي يقف في مكانه في هاله لاتقرأ .. حينما تبقى بينهما خمس خطوات توقف هواري وقال :محمد المشهدي؟
قهقه المعني بخِفه وتقدم يقطع خطوتان من اصل خمس لتتضح له عينيه بسبب الضوء القادم من السياره وبينما هو يقبض على يديه خلف ظهره قال :نعم ؟
سكن هواري لبرهه، طالت فأصبحت دقيقه كامله كانت كافيه ليدرك هوية الآخر لذا فهو تراجع بينما يضع يده على جانبه حيث يقبع مسدسه وتقاطع بخطوات الآخر الذي اقترب منه سريعاً وأشهر في وجهه مسدساً ليبث في جسده شللاً عن اي حراك قد يؤدي به الى مُلاقاة حتفه
رفع الآخر يده يسقط بها اللثام عن وجهه فتراءت له ملامحه، تبّسم وعلق :من صِفات المنافق .. اذا وعَد أخلف
زفر هواري ورفع انامله الى طرف حاجبه قبل ان ينطق معلقاً على قول اديان الاخير :انا ما وعدتك بشي .. انت هددتني واجبرتني اوافق على اوامرك
سكن اديان لبرهه كما وكأنه مازال يستمع الى كلمات هواري التي انتهت بالفعل ثم اجاب عقبها بقوله :انت الربحان .. في طرف الطريق كنت راح تلاقي اختك وهذا مقابل يستحق تقدم روحك في سبيله ولا ياهواري؟
وفوراً علق هواري مستطرداً بقوله عن اقتناع تام به :ومن صِفات المنافق اذا حدَث كذب .. اختي ماهي معك اللي خطفها اسمه محمد المشهدي ..
قاطعه اديان بينما مايزال موجهاً سِلاحهُ نحوه وبإبتسامه مُستفزه :اختك زوجتي
ابتلع هواري ريق فمه بذهول مما مر عبر مسامعه ! انه لشيء اشبه بالجنون ان يجد اخته بعد هذه السنين زوجه لاحد شيوخ الصعتري الذين قاموا بإختطافها ! شك لوهله عن مدى قابليتها للعودة اليهم ان أُتيحت لها فرصة الاختيار اصلاً ..
انزل اديان سِلاحه وتراجع نحو سيارته ليفتح بابها المجاور للسائق وفي ذلك الحين فقط علم هواري بمن سيواجه .. شعر وكأن قدماه لاتحملانه وقلبه يتمرد في صدره وكأنه راغباً في الخروج من سِجنه، اُدمعت عينيه حينما رأى هيئتها التي يحفظها جيداً رغم انها مغطاه تماماً بِحجابها الشرعي
أغرورقت عينيه بالدموع وكاد ليتقدم هو نحوها ويقطع المسافات التي حالت بينه وبين روحه وراحته ومِرواح همه الا ان اديان وقف بينهما وعاد شاهراً سلاحه في وجهه فوجه ناظريه اليه هازاً رأسه برجاء خائف من ان يُقتل في هذه اللحظه وهو على عتبة الحياه
تأكد اديان من ان سلطانه ورائه تماماً شاعراً بقبضتها التي احكمت على سترته بشيء من التوتر والخوف من كل مايحدث حولها، هذه المرأه الرقيقه اللطيفه لاتقوى على بشاعة ماترى وهو يوقن بذلك جيداً، ركز ناظريه على هواري وقال :لو فيك عقل واعي ومُدرك كان بديتها على حس توغوموري اللي عندك
سكت قليلاً ينظر اليه بينما هو لم يقدر على النطق او التعليق، لايود بأن يخسر ماتبقى له من املٍ بأن تعود سلطانه الى احضانه سالمه، ماراً عبر مسامعه قول اديان الذي اردف :ولا خدعك الصهر الجديد؟
رفع هواري يده يمسح بها وجهه ليخفي دمعاً تمرد عن عينيه رغماً عنه وقال :ذو الفقار مايدري عن الاتفاق اللي بيني وبينك، وصلته معلومات بأن سلطانه مع محمد المشهدي وشاركها مع ابوي
اومئ اديان واتم عنه باقي حديثه بقوله :وطبعاً ابوك مو مصدق بأن سلطانه عايشه ومايبي يخاطر مع الصعاتره بس انت بايعها .. مستعد تموت وانت تجرب كل الطرق اللي تنفتح ابوابها قدامك
تقدم هواري خطوه ونبس بإندفاع قائلاً :لاتأذيها ردها لابوي سالمه، وانا اذا تبي تقتلني اقتلني ماراح اقاومك
صمت اديان لبرهه قبل ان يضع يده على كتف سلطانه ويقدمها كي تقف بجواره اسفل انظار اخيها المتلهف على ضمها بين اضلاعه، وعلق بقوله :طيب اذا هي ماتبي ترجع لابوها ؟
وقعت عيني هواري على قبضة سلطانه لسترة اديان بتمسك شديد وتملك فأنهمرت دموعه رغماً عنه واشاح بوجهه بعيداً شاعراً وكأن شيئاً من اللهب يشتعل في جوف صدره كاتماً على انفاسه
حاله ذلك كان ممتعاً لاديان الذي مقت بالفعل تصرف هواري من ورائه بينما سلطانه فبالرغم من انها لاتتذكر هيئته التي بدت مألوفه نوعاً ما الا انها تتذكر جيداً تمتماتها في يوم الحادثه وإصرارها على مُناداته في احلك ظروفها وأصعبها .. ربما ذلك كان دليلاً كافياً لكونه كان آمانها وائتمانها، اندفعت بهمسه من قاع حقيقتها :هواري !
نظر اليها هواري مميلاً برأسه مُستسلماً لفرط حُزنه وقهره في ذات الاثناء التي ربت بها اديان على ظهر سلطانه حاثاً اياها على التقدم ففعلت خطوتان فقط وقطع هواري باقي المسافه ليضمها الى صدره بقوةٍ وكأن يرغب بإدخالها في فؤاده وحِفظها هُناك من كل سوءٍ بالدنيا او مراره
ادخل اديان مسدسه خلف ظهره مشيحاً بناظريه عنهما، اخرج من الجيب الداخلي لسترته ظرف ونظر اليه لبرهه قبل ان يمده الى هواري الذي كان يقابله بينما يحتضن شقيقته، تبادلا ايماءه خفيفه كانت ختاماً حقيقياً لتلك القصه التي انتهت بعودة سلطانه الى عائلتها وخسارة اديان لعائلته التي انتمى اليها يوماً ما
صعد سيارته وشغل محركها ثم تحرك سريعاً مبتعداً عن وقفتهما كما وكأنه هارب من ذلك الموقف ومن مشاعره وغصته التي لازمته فرفع يده يمسح دمعه تمردت عن عينه اليمنى قبل ان يتوقف بسيارته على جانب الطريق ويضع رأسه على المقود منهاراً هُناك بوهنه وحُزنه .. خائفاً من دنيا سيعود اليها وحيداً في منزل كئيب وبارد
.
.
.
في ساعه من بِدايات صُبح يومٍ جديد رتيبٍ كأشباهه إلا انه لايخلو من الأمل، ذلك البريق الطفيف الذي يقطن في قاع الفؤاد ومنذُ اسبوعٍ كامل هي على ذاتِ الحال، تفيق من نومٍ متقطع عند بداية شروق الشمس وتتلهف على المجيء لعل الله احدث بعد ذلك امرا
في ممر المستشفى تخطو بينما تراقب بعينيها فراغ المقاعد المصطفه امام باب غُرفة طاهر، لا احد هنا من اقاربه الذين اعتادوا التردد عليه .. عمه واحد ابناء اخواله، الممر فارغ وذلك السكون بدا مُفزعاً، ابتلعت ريق فمها واتجهت الى الزجاج المطل على داخل الغرفه وقد اتسعت عينيها برؤية السرير يشارك الخارج فراغاً ووِحشه
تراجعت خطوه وقبضت على حقيبتها بينما يدها الاخرى تستقر على فمها، تعالت انفاسها واخذت تسرع قاطعةً باقي الممر الى طرفه حيث يقع ركن الاستعلامات وهناك نبست للموظفه بعجاله وبالكاد تستطيع صف كلماتها :المريض اللي بغرفه ٩٢ وينه ؟
عقدت الموظفه حاجبيها وتسائلت :اللي من اسبوع بغيبوبه؟
اومئت ساره سريعاً بينما الموظفه سكنت لبرهه بينما تنظر في جهازها الكمبيوتر مثيرة بتلك الثواني القليله رعب ساره وخوفها وارتباكها مما قد يمر عبر مسامعها قبل ان تلتمح ابتسامتها بينما تعيد انظارها اليها قائله :صحى الفجر ونقلوه للدور الثالث غرفه ١١١
زفرت ساره نفساً مرتاحاً ورفعت يديها الى وجهها بينما تهمس بالحمد لمرات عِده، انزلت يديها وشكرت الموظفه قبل ان تتجه الى الدرج المجاور سريعاً وحالما توقفت اقدامها امام باب الغرفه المنشوده التقطت انفاسها بشيء من التوتر وابتلعت ريق فمها، طرقت باب الغرفه لمرتين ولم تسمع اجابه ففتحته بهدوء واطلت برأسها الى الداخل قبل ان ترتسم على شفتيها ابتسامه برؤيته مستيقظ وينظر اليها بهدوء
دلفت وللتو حتى انتبهت للرجل النائم على الاريكه والذي يبدو بأنه استيقظ على صوت باب الغرفه فهمست :آسفه صحيتك
نفى الرجل والذي يكون عم طاهر قبل ان ينهض من مكانه ملتقطاً شاله بينما ينبس قائلاً :لا ولايهمك، خذوا راحتكم انا برا
فتحت ساره فاهها بذهول ولم تقدر على النطق قبل ان تنظر ناحية طاهر الذي هربت من بين شفتيه قهقه خفيفه تزامناً مع باب الغرفه الذي أُغلق معلقاً بخفوت :مو بس انا اللي كاشفك
زفرت وهزت رأسها بيأس قبل ان تسحب كرسياً وتجلس عليه قائله :كيفك ؟
اومئ بخفه ثم قال مجيباً بينما ينظر اليها بإمتنان وقد اعلمه عمه بملازمتها له عند باب غرفته طوال الاسبوع الفائت دون انقطاع :بعافيه .. شكراً ساره صار ديني لكِ كبير
عقدت حاجبيها وتسائلت بينما تحتضن حقيبتها :مافهمت على ايش تشكرني ؟
تبّسم طاهر واجاب :لانك ماخليتيني بالرغم من اللي صار
فوراً هزت ساره رأسها وعلقت قائله :ماصار شي، انا اللي غلطت وانا اللي لازم اعتذر منك .. وعلى اي حال مو وقته هالكلام توك صحيت ومحتاج ترتاح
صمت هو وراقبها بينما تفتح حقيبتها وتخرج منها علبه سوداء بحجم الكف، وضعتها على المنضده المجاوره للسرير تزامناً مع نهوضها من مكانها وقولها :صار اسبوع اجيبها معي كل يوم على امل انك تصحى، الحمدلله على سلامتك طاهر ماتشوف شر وربي يجعل اللي صار طهور واجر لك
سكن طاهر لبرهه بينما يراقب عينيها التي أُشيحت عنه عقب مده بسيطه وكادت لتبتعد لولم يوقفها هو بقوله :ساره .. انا للحين مصر على انك تعطينا فرصه .. فكري في الموضوع اكثر المشاعر مو شي يتخبى صدقيني تقدرين تشوفين اللي انا والكل قاعد نشوفه ! .. تكفين !
زفرت انفاسها قبل ان تومئ بخفه لترتسم على شفتي طاهر ابتسامه مبتهجه اجبرتها على ان تبادله بخفه وتلوح بكفها قبل ان تبتعد بالفعل وتغادر الغرفه تحت انظاره
تنهد ومد يده بصعوبه يلتقط العلبه التي وضعتها بجوار رأسه، تبّسم حينما فتحها ووجد بها صوره فوتوغرافيه للمقهى الخاص بها مكتوباً اسفلها عباره كانت اشبه بماء الحياه الذي بُث في عروقه واحيا روحه بعد يباسٍ عتيق ..
"الاماكن كلها مشتاقه لك"
.
.
.
فَرقت بين رمشيها بشيء من الرتابه والبطء، لاتستيطع ان تدرك ماحولها خاصه في لحظات صحيانها الاولى، تراءت لها بتراء تقف فوق رأسها بهاله غير مُفضله .. تبدو مرتبكه او خائفه من شيء ما وللحظه تذكرت قولها البارحه " قلبي ناغزني ! كأن راح يصير شي "، نهضت سريعاً لتجلس في مكانها متسائله برعب :شفيك شصاير ؟
لطمت بتراء على خدها بينما تُفصح عن ذلك الأمر الذي اثار جزعها منذُ الصباح الباكر :زينه الحقي علي .. الكحل مو راضي يروح
جمدت زينه في محلها لبرهه قبل ان تشير الى عينيها هامسه بلا استيعاب :الكحل ! .. صحيتيني من نومي عشان كحلك مو راضي يروح ؟
اتسعت عيني بتراء بذهول مما مر عبر مسامعها فتلك المعتوهه حتماً لم تستطع ادراك اهمية الامر فقالت معلقه :اييه تبيني اطلع متبرجه كأني من نساء الجاهليه ! شفيك سوي حل لازم يروح
تأففت زينه بضجر قبل ان تنتر فيها بسخط وملامه :شسويلك يعني انا قايلتلك لاتسوين كحل بس انتي ماتسمعين، تموتين على المعاند
ابتلعت بتراء ريق فمها وبركود تسائلت :والحل ؟
اشارت زينه نحو تسريحتها المصطفه عليها مستحضرات التجميل وعلقت بينما تعود لتمتد على السرير :لاتبالغي سوي مزيل مكياج
زفرت بتراء بينما ترى زينه تتمدد على الجهه الاخرى لتقابلها بظهرها وتسائلت بينما تتجه الى المستحضرات لتبحث بينهم عم ذكرته الاخرى، هي لم تعتاد على استخدام اي شيء من هذا ولطالما كانت تمقت المكياج وزينة الوجه بأنواعها لو لم تضطر الى ذلك بالامس في حفلة عقد القران :مايضر داخل العين ؟
وفوراً جائتها اجابة زينه بسخريه :راح ياخذك حتى لو عمياء لاتخافين
اطلقت بتراء "تشه" للسخريه بينما تمسح عينيها بالقطنه التي مع الاستمرار ازالت مابعينيها بالرغم من بقاء طرف اجفانها بلونٍ داكن قليلاً الا انه وعلى اي حال لايلفت النظر
خرجت بعد دقائق من المنزل بعد ان تناولت فطورها متجهه الى الصحيفه سيراً على الاقدام كما احبت واعتادت، لقد وصلتها رساله من ساره قبل نصف ساعه تخبرها بأن طاهر استيقظ وقد كان ذلك خبراً شعرت وكأنه قد اعاد الحياة الى نصابها، وربما الايام الخاليات عائده بالفعل .. تتلفت حولها بحيويه بينما تراقب المحال المفتوحه والماره حولها كلاً له مرامه .. بدت لها في هذا الصبح الحياه بلونٍ جميل كانت قد افتقدته في الفتره الماضيه
دلفت الى مقهى ساره واتجهت اليها بينما تنبس
بإبتسامه :مين الحلو اللي الفرحه اليوم مش سايعاه ؟
تبّسمت ساره وعلقت بينما تتجه الى ركن التحضير :خليك راح اجيبلك حلا بهالمناسبه الحلوه
اومئت بتراء واتجهت للجلوس على مقعدها المفضل الذي تستطيع من خلاله رؤية الشارع بوضوح وكذا بوابة مبنى الصحيفه المجاور للمقهى، تقدمت ساره نحوها ووضعت طبق حلا امامها وكوب قهوه قبل ان تجلس مقابلها قائله :لما لقيت الغرفه فارغه فكرت للحظه بأنه مات بعيد الشر مادري كيف وصلت للاستعلامات وسألتهم .. خفت بشكل مو طبيعي للحين احس جسمي يرجف
ابتسمت بتراء واتكئت بوجنتها على يدها بحالميه مما اثار ساره للتساؤل بسخط :شفيك انتي بعد !
قهقت بتراء بخفه قبل ان تشرع في تذوق الحلا معلقه :حتى الحلا اليوم سويتيه بطيب نفس، ماعرفناك ياطاهر وانت كذا تأثر على بنتنا
احتدت عيني ساره ومدت يديها تجر طبق الحلا نحوها بينما تنتر بها :اقول هاتي حلاي ماتستاهلينه
امسكت بتراء بكف ساره بينما تنبس بين قهقهاتها :آسفه والله توبه خلاص
زفرت ساره وتركت الطبق قبل ان تستطرد بقولها البعيد عن المزاح وبجديه تامه :بتراء انا خايفه، مابي انجر لمشاعري وارتكب الغلط بحق نفسي ! بنفس الوقت مو قادره اتجاهل واحنا نقضي كل يومنا سوا
وضعت بتراء الملعقه من يدها وعلقت بقولها :تدرين لو انا بمكانك ايش كنت راح اسوي ؟
هزت ساره رأسها بإستفهام بينما هي اردفت :كنت راح اروح الحين واطلبه من اهله بنفسي .. اللي مثل طاهر عمله نادره ساره .. طاهر ماحبك لانه شافك صدفه واعجبتيه ولا لان منطق المجتمع يشوفكم مناسبين لبعض .. الولد عرفك صح قراك وقرأ شخصيتك، عرف اطباعك وروحك وحنيتك .. شاف جوهرك ساره وحبك لهذا السبب .. قاعد يستميت عشانك وحطك سر في قلب امه .. انتي متخيله كم الصدق اللي في قلب هذا الولد ناحيتك؟
ادمعت عيني ساره وتقوست شفتيها قبل ان تنبس بنبره متهدجه :شايفه حتى انتي تقولين ولد !
قهقهت بتراء بعلو قبل ان تعلق بينما تعود لتناول الحلا :يابنتي انا حتى ابوي الله يرحمه كنت اقوله ياولد وقفت على المجنون حقك
تبّسمت ساره واشاحت بناظريها ناحية الشارع بينما بتراء انشغلت عنها بما بين يديها، لبرهه يسيره واتسعت عيني ساره بينما تراقب المشهد الذي في الشارع .. سيف وشخصين يحاولا جره فور ان ترجل عن سيارته دون ان يتقدم احد لمساعدته بجبن وخوف من مظهر الرجال الذي يظهر انتمائهم للصعتري، نظرت ناحية بتراء ولوهله ودت لو لاتخبرها كي لاتخاطر بروحها لو لم تهتف واحده من مرتادي المقهى التي تجلس في طاوله خلفهم :يمه قاعدين يخطفون الرجال !
التفتت بتراء سريعاً ناحية الشارع قبل ان ترمي الملعقه من يدها وتنهض بعُجاله وخوف هامسةً بـ "سيف"، لحقت بها ساره ركضاً تزامناً مع اغلاق ابواب السياره وابتعادها امام ناظريهم
تلتفتت بتراء حولها فوجدت الرجال يقفون بعجز بينما ينفضون ايديهم ويهمسون بالحوقله ! فقط تلك كانت ردة فعلهم ناحية اختطاف رجلاً اعزلاً امام ناظريهم، وقعت عينيها على مفتاح سيارة سيف وهاتفه الذين وقعا منه بينما يحاول مقاومتهم فدنت تلتقطهما وتتجه الى السياره بتجاهل تام لمحاولات ساره لايقافها وصراخها على الناس كي يمنعونها من اللحاق بهم
حركت السياره سريعاً واتجهت الى ذات الطريق الذي اقتيد سيف اليه .. طرقاً كانت في طرفها تؤدي الى حدود القريمزاء وجبالها ..
.
.
.
الثأر كالمنون وحينما يبيت المنون هو الدافع لعيش الحياه فالايام هنا تصبح علقماً يتجرعه الميت بينما يحاول اقناع نفسهُ بأنه مِلح الحياه وماهو الا خُطى مهروله نحو الهلاك .. والوحده اسوأ .. انها اسوأ ماقد يعيشه الانسان
ان يستيقظ صباحاً في ذات المنزل وتتوقف اقدامه في منتصف المطبخ الخالي، لا ابريق شاي يتصاعد دخانه على الموقد ولا رائحة خُبز تداعب انفه .. لادفئ ولا ضجيج ولا حراك .. كل شيء حوله جامد وباهت وراكد
تقدم نحو الموقد ووضع عليه الابريق بعد ان اضاف اليه الماء، اتجه نحو العلب التي كان يراها تعبئها بالمساحيق باحثاً بينها عن خاصة السكر والشاي قبل ان يوقع واحده فأنتثر مسحوقها البني في الارض مختلطاً بالزجاج، اطلق زفيراً ضجراً ودنى يلتقط الزجاج في ذات الاثناء التي رن بها هاتفه فقام من مكانه رامياً الزجاج من يده على الارض
التقط هاتفه من منضده الصاله عاقداً حاجبيه لكون الإتصال قادماً من هواري ! ولوهله خمن كونها سلطانه فأجاب بقوله :اهلاً
وفوراً جائه صوت هواري من خلف السماعه عالياً ومندفعاً حين قال :اختي وينها يا اديان ؟
رفع اديان احد حاجبيه وسخر منه قائلاً :تو البارح رجعتلك اياها لحقت تضيعها ؟
نفى هواري مافهمه اديان بينما يترجل درجات العماره بعجاله وارتباك لم ينفك عنه منذ ان تلقى اتصال ساره قبل دقائق التي اعلمته عم حدث عند مبنى الصحيفه :بتراء، جماعتكم خطفوا سيف وبتراء لحقتهم بسيارته
اتسعت عيني اديان بذهول مما مر عبر مسامعه ودنى يلتقط مفتاح سيارته بينما يتسائل بخوف حقيقي :متى صار هذا ووين راحوا بأي اتجاه تكلم ؟
وبينما هو يصعد سيارته اجابه هواري وهو بالفعل غير عالم الى اي وجهةٍ يتجه واين قد يجد اخته :مادري اديان حرفياً مادري، جماعتك انت تقدر توصلهم وتعرف وين ماخذين الرجال
فتح اديان باب منزله بعد ان ارتدى احذيته وخرج بغية اللحاق بهم قبل ان يفوت آوان ذلك وربما اكثر مايثير خشيته في هذه اللحظات كونه يعلم جيداً في اي يدٍ قد وقع سيف وماهو مصيره الذي قد تشاركه به بتراء بغباءٍ وسذاجه مستفزه، علق بينما يصعد سيارته قائلاً :طيب انا راح ادور عليهم انت خليك مكانك لاتحاول تسوي اي تصرف غبي
لم يجيب هواري بينما اديان فقد اغلق المكالمه واخذ يقود سيارته في الطريق الجبلي الوعر بعد ان وجه اتصالاً لسلطان وشبكه بسماعة السياره ليصدح صوت سلطان بعد برهه :ها اديان
كان اديان يتمعن في المساحات حوله بينما يقود لعله يرى شيئاً يقوده الى ضالته في ذات الاثناء التي قال فيها موجهاً تساؤله الحاد لسلطان :الجماعه خطفوا سيف وبتراء لحقتهم انت وين كنت ؟ انا موصيك تراقب الحيوان هذا ولا لا ؟
كان يظهر جلياً من صوت الرياح القادم من خلف السماعه بأن سلطان يقود في طريقاً ما حينما اجاب :الولد اللي حطيته على سيف لحقهم، متجهين للجبال الغربيه بس ماراح يظهر نفسه .. اعذرني اديان ماراح اجازف فيه، واساساً انا الحين متوجه لهناك
ضرب اديان على المقود بقوه واغلق المكالمه، هو يعلم جيداً بكون سلطان له كل الحق في ذلك لكن الآن لايجب ان يتوقع منه احد التفكير بالمنطق فهو على حافة الخساره العظمى والتي قد تفتح عليه حرباً مهلكه بحق
في جهه اخرى كان قد توقف هواري عند مركز الشرطه وربما تلك هي الوجهه الوحيده المتاحه اليه في هذا الوقت، ترجل بعجاله وتقدم ناحية احد الضباط الماره، امسك بساعده مما اثار ريبة الرجال واستغرابه الا انه وفوراً افصح عم لديه قائلاً :خطفوا صحفيين من صحيفة حق لازم تتحركون قبل يقتلوهم !
صمت الضابط لوهله بينما ينظر اليه بتمعن قبل يومئ ويوجه اوامره سريعاً بقوله :حركوا دوريه للصحيفه، لازم نتأكد من صحة البلاغ اولاً
زفر هواري بينما يراقبهم وهو عالم في سره بأن ذلك لن ينجح، لايمكن ان يلحقوا بهم لابد بأن سيف وبتراء في عداد الاموات الان ..
الامر يدعو الى الجنون فما الذي بيده ان يفعله يا الله !
.
.
.
وهُناك كان الأمر اشبه بالخرافات او الجنون المطلق، اوقفت السياره بعيداً متخفيه بين الجبال بينما تراهم يترجلون عن ثلاث سيارات مدججين بالسِلاح متخفيين خلف اللثامات والملابس الثقيله كما وكأنها تشاهد فيلماً وثائقياً عن الإرهاب .. لايمكن ان يكون ذلك واقعاً صحيحاً امامها ودونما فبركه او تلاعب !
اتسعت عينيها واخذت تشهق ببكاء بينما تراهم يخضعون سيف للجلوس على ركبتيه في منتصفهم، فكوا عن عينيه تلك العصابه واخذ ينظر اليهم بشيء من محاولة الادراك او الاستيعاب متسائلاً بداخله عن كيف تبدو نهايته قريبه الى هذا الحد؟ انه يرى الموت في افواه اسلحتهم وفي حدة اعينهم وشرارات الحقد المنبعثه من هناك، يراه في لثاماتهم الملفوفه بقسوه واجسادهم الضخمه
وفي تلك اللحظه فقط تمنى لو انه حظى على نهايه رتيبه كالموت على فراشه بينما يحتضن كف والدته، او بحادث سياره بينما هو في طريقه الى عمله صباحاً .. او ربما بسقوطه فجأه في احد الاسواق بينما يبتاع الكاتشب الذي يفضله دائماً على العشاء
بدت كل تلك الافكار رفاهيه مقارنةً بالوضع الذي هو به الآن، لايعلم عن كيف ستكون نهايته هل بطلقه في منتصف جبينه ترديه قتيلاً فوراً ثم يترك عقبها طعاماً للحيوانات المفترسه، ام سيتم تعذيبه الى ان يلفظ انفاسه الاخيره !
تلاشت كل تلك الافكار حينما ركز ناظريه على المساحه الجبليه امامه لقد كان مع تلك الجماعه بين جبلين بينما امامه يرى طرف سيارته التي تختبأ خلف احدى الصخور ولا يمكن ان يهلوس الان ليس قبل ان يتلقى اي لكمه او تعذيب جسدي، ابتلع ريق فمه حينما شعر بكفٍ غليظه تقبض على شعره بقسوه ومسدس بارد يوضع على جانب رأسه في ذات الاثناء التي صدح بها صوت الرجل من خلفه بعلوٍ قائلاً :انزلي عن السياره قبل مانفجرك فيها
ارتجفت كفوف بتراء واهتزت عينيها حينما وصل صوته جلياً الى مسامعها وارتد صداه بفعل الجبال، ثوانٍ قليله لم تبدي فيها اي حراك تعالى عقبه ذات الصوت بقوله :راح اعد لك للثلاثه اذا ماسمعت صوت باب السياره طلقة ار بي جي وحده وتسلمين على اخواننا في القبور
هزت رأسها بفي بينما تسمعه يبدأ العد من الثلاثه فترجلت عن السياره سريعاً واغلقت بابها تزامناً مع لفظه للرقم واحد، زفرت نفساً ثقيلاً حينما عاد ليردف :يلا ياحلوه تعالي
عضت على شفتيها بقوه ومدت يدها تتأكد من ان المسدس ثابتاً نصفه اسفل حزام بنطالها ولوهله تذكرت اديان وتمنت للحظه لو انه هُنا ربما ماكان سينال منها خوفاً او فزعاً في حضوره !
ظهرت امامهم واخذت تلتقط مسامعها تعليقات قذره مستهزئه منهم تزامناً مع قهقهاتهم المستفزه بينما ينظرون ناحيتها بشيء من الاستخفاف والاستغصار .. وربما هم محقين في ذلك فما الذي تستطيع هي فعله الان سوى الموت مع سيف في ذات اللحظه ؟
رأت نظرات العتب والملامه تتجه اليها من عينيه فأنهالت دموعها بلا توقف، نعم تشعر بالندم حيال لحاقها بهم وهي تتذكر والدتها، زينه، هواري، ساره، عبدالعزيز .... واديان ! كيف سيستقبلون خبر مقتلها وهل سيلومونها كما يفعل الان سيف ؟ الا انها تدرك جيداً بأنها لو عاد بها الزمان ستفعل الامر ذاته .. لايمكن ان تستقبل جنازه اخرى وهي في مثبتها كالجبانه !
رفعت ناظريها للرجل الذي نطق امامها بينما تتكى هي على الصخره ورائها :ها ياعصافير الحب مين فيكم يبي يودع الثاني اول ؟
اغمض سيف عينيه وانهالت دموعه بينما ينبس بنبره متحشرجه :لاتقتلها، مشكلتكم معي انا .. خلوها ماراح تضركم
شد الرجل على قبضتة التي تكاد ان تقتلع شعر سيف من منبته بينما يجيب بنبره يكفي مستواها ليصل الى بتراء بوضوح شديد ويتردد صداها في الارجاء بشكل مقيت :المطلق وجه اوامره بتصفيتكم الاثنين، ماعندكم رفاهية التضحيه بس من زود طيبة قلوبنا قاعدين نسألكم .. مين الأول ؟
لم يقدر اياً من الاثنين على النطق، كما وكأن شللاً قد اصابهما، لاشيء يُحكى سوى الدموع التي جرت كالفيضان لاقوه تكفي امام هول المشهد وان بلغت الشجاعه منتهاها فالموت له هيبه .. هيبه مرعبه بحق
افتز كلاهما بصراخ ذات الرجل بينما يشد من قبضتة على رأس سيف، صرخه صمت اذان الجميع بقوله :انطقـوا يـا .....
وبموازاة صرخته خرجت صرخة سيف الذي نطق بعلوٍ ونبره باكيه وهو يوقن جيداً بأن تلك انانيه منه بأن يختار الخلاص قبل الاخرى لكنه وفي هذه اللحظه يتمسك بأملٍ ضئيل، علها تنجو ! :انـا .. اقتلنـي انـا الأول
اومئ الرجل وقبل ان تستيطع بتراء ادراك ماسمعت صدحت في الارجاء صوت الطلقات التي عبرت جميعها من خلال رأس سيف، ثوانٍ فقط وسقط جسده على الأرض القاسيه قتيلاً لاقى مصرعه في سبيل الحق .. والحق غالٍ تُدفع له الارواح ثمناً
صرخت بتراء في ذات الاثناء التي قتل بها سيف امام ناظريها، صرخت ببكاء وجزع وخوف، صرخةٌ دوت في الارجاء وارتد صداها ليصم الاذان، جلست على الارض حينما لم تسعفها قواها على الوقوف واخذت تكرر اسمه عله يجيب وينكر حقيقة تلك الفاجعه التي المت بهما سويه
ترى ذات الوغد يتقدم ناحيتها ومسدسه موجهاً اليها معلناً عن انه حان دورها في الموت .. بينما يهتف :صار دوركِ
هزت رأسها بنفيٍ، لاترغب بذلك .. لاترغب بالموت لقد كانت تكذب ستقسم بالله الف يمين بأنها كانت تكذب هي غير مستعده لتموت ليس بهذه البساطه وخلفها تقف كل الحياة التي مازالت تنتظر عودتها اليها
بحركة سريعه استطاعت اخراج مسدسها الذي يبدو بأنه حقاً قد حان دوره، ربما لن تستفيد منه شيئاً لكنها وعلى الاقل ستقضي نحبها وهي تحاول النجاة !
تعالى في الارجاء صوت طلقات الرصاص بينما هي جالسه توجه سلاحها نحو الجماعه وتطلق الرصاص الحي دون ان تكف عن البكاء والصراخ وكأنها تحاول تشتيت انتباهها عم تفعل .. تراهم يتساقطون امامها كأوراق الخريف حتى انتهى اخرهم .. توقن بأنها ليست من قتلهم لكنها لاتقوى على التفاف الى الخلف
رمت سلاحها ونهضت بخطى متعثره قبل ان تسقط وتنهض لمرات حالت دون وصولها الى سيف بسرعه لكن حينما وصلت .. تمنت لو انها لم تفعل ! جلست على ركبتيها عند جسده الهامد واخذت تبكي بإنهيار وصراخ لم ينفك تزامناً مع صوت سيارات الشرطه الذي صدح في الارجاء وسماعها لخطواتٍ تتقدم ناحيتها
لوهله فكرت بأن القادم اديان ! كادت لتلتفت اليه وتستنجد به عله يستطيع انقاذ سيف، فهي ابعد من ان تصدق امر موته بهذه البساطه ! ذلك قبل ان تشعر بألمٍ عظيم قد برق اسفل رأسها ثم ظلامٌ وتلاشي فأُردي جسدها هامداً بجوار سيف بِلا حراك
.
.
.
ذهبَ الذينَ تُحبهم ذهبوا، وكأنَ شيئًا لم يكُنْ وها أنا وحدي ملء هذا الكون . |