ضم يديه امام جبينه وهو يتنفس بقوة ويسلط نظره ارضا بعد ان وصل به الحال للذهاب بالمواصلات العامة منتظرا مثل العاجز بموقف الحافلات ، فقد نزلت العقوبة عليه بعد ان اغضب السيد الكايد وقرر ارساله لجامعته بدون سيارة يقودها وهو يخبره ان يدبر رأسه ، والأسلم له عدم مناقشته او عصيانه بتلك الحالة كي لا يحرمه من المال ايضا ويجعله يعود للتنقل البري سيرا على الاقدام ! ولا يعلم للآن بماذا اخطئ ؟ وما لذي اغضبه بكلامه ؟ ولكنه ملام لأنه صمت كل هذه الفترة الطويلة ولم يطالب بحقوقه من قبل حتى استغل الجميع صمته وهدوئه !
افاق على صوت همسات خافتة قريبة منه شتتت افكاره
سحقا له ! سحقا له !""
رفع رأسه قليلا وهو يحيد بنظراته سنتمترات ويبصر الكائن الانثوي الجالس على بعد مقعدين منه ، لم يكن يظهر شيء من ملامحها من شعرها الكستنائي الذي كان يغطي جانب وجهها وجسدها حتى خصرها ، وترتدي قبعة رياضية بيضاء فوق رأسها رسمت نجوم فضية على جانبها يبدو من شكلها صناعة امريكية ذات طراز عالي ، كانت تمسك الهاتف بين قبضتيها وهي تضغط عليه بأصابعها وتهمس بضيق
"هيا اعمل ، اعمل...."
حركت ساقيها بتوتر واضح وهي تستمر بالضغط على شاشة الهاتف بأصابعها النحيلة البيضاء حتى كادت تكسرها ، لتهمس بعدها بغضب منفعل
"ليس وقتك ، ليس وقتك الآن ، ارجوك اعمل ، اعمل"
كان يبدو بأنها تريد التواصل مع احدهم بشدة ولكن بسبب مشكلة بهاتفها لم تستطع التواصل معه ، ليعقد حاجبيه بقوة وهو يتمتم بوجوم
"غريبة اطوار !"
سرقت نظره مجددا ما ان نفضت يديها للأسفل واتكأت بظهرها للخلف وهي تهمس بإحباط
"لقد انتهى امري"
ادار نظراته بعيدا وهو يخفض قبضتيه ويتأمل الشارع امامه يلهي نفسه عنها ، ليشعر بضيق غريب من سكونها المفاجئ وهو يشد قبضتيه فوق ساقيه بكبت ، تنهد بالنهاية باستسلام وهو ينهض عن الكرسي ويلتفت نحوها ثم سار خطوتين واسعتين واستقر امامها ليخرج هاتفه مباشرة ويمده نحوها قائلا بقوة
"يمكنكِ استخدام هاتفي إذا كنتِ مضطرة جدا"
رفعت رأسها وهي تتعرف على الدخيل الذي ازعجها بوقتها السيء تنظر له من تحت مقدمة قبعتها بعدم اهتمام حتى فغرت فاها الصغير بذهول ما ان اتضحت صورته ! بينما ظهرت نفس الصدمة على ملامحه ما ان عرف من تكون فور رؤيته لتلك العينين المتمردتين الجميلتين وهو يتمتم باستياء
"غريبة الاطوار !"
تأهبت بجلوسها بلحظة وهي تغضن جبينها بوجوم ما ان استوعبت كلمته الاخيرة واللقب الذي اطلقه عليها ! لتخفض نظرها لهاتفه بصمت قبل ان تشيح بوجهها بعيدا هامسة بكبرياء
"شكرا ، لا احتاج"
راقبها بصمت لحظات وهي تتجنب النظر له بعناد طفولي قبل ان يقول بثبات
"انا مُصر"
بقيت ساكنة بدون حركة حتى فاجئها قائلا ببطء غريب
"يا كاميليا"
نظرت له بسرعة خاطفة قبل ان تخفض رأسها وتكتشف وجود بطاقة تعريفها حول عنقها ، لتمسك بها بقبضتها وتدسها بداخل قميصها بحركة ألجمته وكأنه ارتكب فعلة محرمة او تعدى خطوطها الحمراء !
تنهد بهدوء وهو ما يزال يمد الهاتف نحوها قائلا ببرود
"ألن تقبلي المساعدة قد تكون هذه فرصتك الاخيرة ؟"
عادت بالنظر له وهي على وشك الكلام قبل ان تزم شفتيها وتحدق بالهاتف بصمت ، لتأخذه بعدها وهي تديره نحوها وتضغط بأصابعها على شاشته ، وبغضون لحظات كانت تضعه بجانب اذنها وهي تنتظر الطرف الآخر لتقول بعدها بخفوت مبتهج
"مرحبا هذه انا صديقتك ، نعم ، نعم انا بالطريق"
ادار رأسه بعيدا ينشغل بالنظر حوله وهو يسير خطوتين يمنحها بعض الخصوصية بالمكالمة ، ليسمعها بعدها وهي تقول بانفعال بالغ
"لقد خرجت متأخرة من المنزل وعدت بعدها لأنني نسيت بطاقة تعريفي بغرفتي ، وفاتني موعد وصول الحافلة ، ولا اعلم متى ستأتي الحافلة القادمة"
تنفس بهدوء وهو يستمع لها بسبب صوتها الذي ارتفع بضيق
"دائما حظي عاثر بالحياة ، لا شيء ينجح معي واخفق بكل شيء ، لما انا منحوسة هكذا ؟"
ادار عيناه بملل قبل ان يسمع صوتها ينخفض فجأة
"آه هناك احد المارة اعارني هاتفه ، فقد انطفئ هاتفي بعد سقوطه بالطريق"
مرت لحظات وهو يحاول عدم الاستماع لمكالمتها والموضوع الذي يتناقشون به وكأنهما بجلسة مقهى وليست مكالمة هاتفية ، ليسمع نهاية حديثهما اخيرا وكأنه سيتم الافراج عنه وهي تقول لها بحزن واضح
"يجب ان اغلق الآن ، حاولي ان تلتقطي لي الكثير من الصور باحتفال التأسيس ، فيبدو بأنني لن ألحق شيء منه ، واخبري الاخريات عن تأسفي لهن بعدم الحضور"
تنفس الصعداء وهو يرجع نفس الخطوتين قبل ان يمد كفه بهدوء ، بينما كانت كاميليا تشرد امامها ببؤس حتى انتبهت له وقد نست وجوده لتسلمه هاتفه هامسة بحرج
"شكرا لك"
اخذ الهاتف وابتعد عنها بصمت قبل ان يجلس بمكانه السابق ، تنهدت بوجوم وهي تنظر للهاتف المعطل بيدها قبل ان تدسه بجيب بنطالها الجينز ، لتهمس بعدها بخفوت محبط
"لقد ذهب كل تجهيزي للحفلة هباءً"
رمقته بطرف حدقتيها لبرهة قبل ان تلتقط نظراتها المذاكرات على الكرسي بجانبه ، لتلتفت نحوه بلحظة وهي تهتف بدهشة
"هل انت طالب بجامعة العاصمة الكبرى ؟"
حدق بها بارتياب من طريقة سؤالها وهو يتساءل كيف عرفت بذلك ! لتسبقه بعدها وهي تجيب على تساؤله قبل نطقه
"لقد عرفت بذلك من طباعة الكتب الخاصة بك ، فأنا اعرف بكل المعلومات وكل شيء يخص تلك الجامعة"
اخفض نظره للمذاكرات بجانبه وهو يفكر بأنها شديدة الملاحظة ولا يفوتها شيء ، لتفاجئه بعدها ما ان غيرت موقعها وجلست بجانبه على بعد مقعد وهي تقول بلطف
"هل هذا فصلك الصيفي ؟"
اومأ هيثم برأسه بدون اي تعبير على ملامحه قبل ان تتابع هامسة بحماس
"اخبرني ماذا تدرس ؟ وبأي قسم تتعلم ؟"
تجمدت ملامحه لحظات قبل ان يدير نظره قائلا ببساطة
"ادرس الدكتوراه بقسم الطب"
اتسعت حدقتاها السوداوان بذهول وهي تقول من فورها بعفوية
"يعني انت لديك صيت معروف بالجامعة !"
تجاهلها ولم يجيبها حتى تابعت بسرعة بلهفة
"من الجيد التعرف عليك إذاً ، فإذا انتقلت لها تستطيع مساعدتي بإجراءات الدخول لها"
عقد حاجبيه وهو يقول باستغراب
"انتقالك !"
ردت عليه كاميليا بسرعة بخفوت حالم
"نعم فأنا سأنتقل لها مباشرة بعد ظهور نتائج اختبارات الثانوية العامة ، ذاك اليوم سيكون مثل الحلم بالنسبة لي ، فأنا اسعى كثيرا للدخول لها والالتحاق بأقسامها"
اعتلت ابتسامته بسخرية وهو يقول بنبرة باردة
"إذا قبلت الجامعة بدخول امثالكم فستكون جامعة فاشلة"
تبدلت ملامحها للغضب سريعا وهي تقول من فورها بدفاع
"ماذا ؟ ماذا تقول ؟ هل تعرفني اصلا حتى تتكلم هكذا ؟ انا اكثر فتاة متفوقة بالمدرسة ، واكثر فتاة حازت على شهادات الامتياز والتقدير ، ودائما ما اكون بالمركز الأول بكل شيء وبفصولي الدراسية ! فلماذا لا يكون من حقي دخول جامعة النخبة ؟ انا اكثر شخص لديه الأولوية بدخولها ، ولن تسير شروط القبول بالجامعة على مزاجك وطريقة تفكيرك نحونا"
ادار نظراته نحوها وهو يقول بتحدي
"عندما تظهر نتائج الاختبارات ، حينها خابريني"
عقدت حاجبيها السوداوين وهي تمسك طرف القبعة بأصابعها قائلة بثقة
"سنرى ذلك قريبا"
تجمدت النظرات بينهما لبرهة قبل ان يشيح بكل منهما وجهه بعيدا ، لتمر لحظات ساكنة حتى بدد الصمت حولهما صوت الحافلة وهي تقف امامهما تماما ، انطلقا بعدها بنفس اللحظة يركضان باتجاه الحافلة قبل ان يتزاحما عند الباب ، حتى قالت كاميليا بقوة وهي تمسك بإطار الباب
"السيدات اولاً"
رفع حاجبيه وهو يلتفت نحوها قائلا بنزق
"هل انتِ سيدة ؟"
تجمدت بمكانها بصدمة وتركت فمها فاغرا قبل ان يستغل الفرصة ويدخل قبلها امام نظراتها ، لتتنفس بعدها بغضب وهي تدخل خلفه وما ان وجدته عند الكرسي الفارغ الوحيد حتى اسرعت بخلع حقيبة ظهرها ورميها عاليا لتضرب جانب وجهه وتسقط فوق الكرسي ، التفت نحوها بصدمة وهو يراقبها تسير بثقة امامه قبل ان تمسك الحقيبة وتجلس فوق الكرسي بكل اريحية تستحوذ عليه...
ادار نظراته بعيدا وهو يحاول تمالك نفسه امام كل هذا التهريج الذي يتعرض له وقد باتت كل الانظار عليهما ، ليمسك بعدها بالداعم بجانبه يستند به ما ان تحركت الحافلة بهما ، ثم سمع صوت مرتفع لنقرشة بسكويت وهو يلتفت نحوها ويراقب صاحبة الضجة تكسر عواميد البسكويت بأسنانها وكأنها تستفزه !
تنفس هيثم بصبر وهو يبعد نظراته قائلا بضيق
"توقفي عن ذلك"
استمرت بفعلها وهذه المرة بصوت مرتفع اكثر تفعل العكس وكأنها تنتقم منه ! ليلتفت نحوها بسرعة وهو يقول بحدة
"انتِ !...."
رفعت يديها الفارغتين وهي تقول وعامود البسكويت الاخير بفمها
"لقد انتهى"
تنفس بجمود وهو يدير رأسه بعيدا ويغمض عينيه بصمت يستجلب كل الصبر الموجود لديه ، ليدخل بعدها شخص للحافلة وهو يحمل اغراض كثيرة ومن ملابسه الملطخة بالألوان اتضح بأنه دهان ، وقف بجانبه يمسك بالداعم معه بينما حاول هيثم الابتعاد عنه كي لا تصل الألوان لملابسه ، ليقبض على يده بغضب ما ان اهتزت الحافلة من حفر بالطريق واصطدمت فرشاة الدهان التي معه بذراعه !
زفر انفاسه بقوة ما ان ابتعد الرجل عنه وهو يميل بنظراته ويتأمل البقعة التي التصقت بسترته السوداء الباهظة ، ليسرق نظره صوت الجالسة بجانبه لم ينتبه بأنه اصبح قريب منها وهو يبتعد عن الدهان
"تفضل ، استخدمها بمسحه"
التفت نحوها وهو يتأمل المنديل الذي مدته نحوه قبل ان يقول بجفاء
"لا احتاج ، املك واحد معي"
حركت كتفيها بلا مبالاة وهي تستعيد كفها وتدس المنديل بحقيبتها ، ليخرج بعدها منديل من جيب بنطاله ويمسح ذراع سترته به ، قبل ان يسمعها وهي تهمس باستياء
"قُل شكرا على الأقل"
حاد بنظراته نحوها وهو يلمحها تنظر بعيدا من النافذة تمثل عدم الاهتمام ، ليقول بعدها بجمود وهو يعيد المنديل لجيب بنطاله
"الشكر لمن يستحقه فعلا"
راقب جمود بجانب وجهها بدون ان تبعد نظراتها عن النافذة ، وبعدها بلحظات كانت تنهض بقوة وهي تطرق على زجاج النافذة قائلة باندفاع
"هنا وجهتي ، توقف لو سمحت"
اوقف الحافلة بهدوء وهو يبتعد خطوة قبل ان تدفعه بحقيبتها التي ضربته مجددا كادت توقعه على الركاب الجالسين ، ليستعيد اتزانه سريعا وهو يراقب ظهرها يغادر خارج الحافلة بثواني ، اختلق ابتسامة رسمية يرد بها على النظرات المستغربة حوله وهو يسير باتجاه كرسيها ويجلس عليه يرتاح قليلا ، لتتحرك الحافلة بعيدا وهو ينظر باتجاه النافذة ويتمتم بضيق
"تلك الفتاة ورطة ! وانا لا اريد التورط بها !"
____________________________
كان جالس امام المكتب يقرأ كتاب بين يديه ويشرب من قدح القهوة امامه قبل ان يسمع صوت ضوضاء عالية بالخارج عكرت مزاجه ، ليرمي الكتاب امامه وهو ينهض عن الكرسي ويصرخ بغضب
"لا يستطيع الانسان الهناء بلحظة راحة"
دار حول المكتب قبل ان يتوقف ما ان فتح الباب وظهر صاحب الجلبة وهو ينظر له بجمود صخري ، لتتغير ملامحه سريعا وهو يرفع ذراعيه قائلا بابتهال
"يا مرحبا ، يا مرحبا بصهري السابق ، ما هذه المفاجئة ؟"
بقيت ملامحه صخرية بدون تعبير وهو يحرك نظراته للسكرتيرة خلفه يؤمرها بالانصراف ، لتغادر بعدها بانصياع وتغلق الباب خلفها بصمت ، اخفض ذراعيه على جانبيه وهو يراقبه ببطء قائلا بسخرية
"يا له من دخول كبير مثل العاصفة ! ألم يعلمك احد آداب الدخول !"
تلبدت ملامحه وهو يقول بلهجة عملية
"اريد الحديث معك...."
رفع كفه وهو يبتعد من امامه قائلا ببرود قاسي
"لا يوجد لدي حديث مع شخص مثلك ، لذا هيا غادر واتركني من حواراتك الفارغة"
اخذ انفاسه بقوة وهو يتقدم منه ويقف بجانبه قائلا بجمود
"لن تستطيع الهروب من كلامي بتجاهلي وادارة ظهرك لي"
التفت نحوه وهو يرفع حاجبيه قائلا باستهزاء
"ماذا ؟ هل جرحت زوجتك كبريائك ؟ هل كسرت شوكتك خروجها عن كلامك ؟"
حدق به بتصلب بدون كلمة وهو يقبض يديه على جانبيه ، ليتابع كلامه وهو يقول بابتسامة ساخرة
"فعلتها ابنة حبيبة ، ما لم تتجرأ دلال على فعله بك فعلته سراب بدون ادنى تردد او خوف !"
حرك فكه بقسوة وهو يقول بتصلب
"إلى ماذا تسعى ؟"
ردّ عليه من فوره بجموح
"اسعى لرد اعتباري"
ادار نظراته بعيدا وهو يقول بتشدق
"وهل ستفعل هذا باستخدام ابنتك الوسيلة ؟ هل هذا هو مستواك الحقيقي ؟"
ازدادت خطوط تقاسيمه بصمت قبل ان يعود بالنظر له وهو يتابع بجدية
"ما اريده منك هو طلب واحد ، واتمنى ألا تردني يا عمي ، اعد زوجتي لمنزلها كما اخذتها"
قطب جبينه بجمود وهو يقول ببساطة
"ولما قد افعل ذلك ؟ على ماذا سأحصل مقابل هذه الخدمة ؟"
ضم شفتيه بكبت لوهلة حتى قال بهدوء
"ماذا تريد مني ؟ هل هو الاعتذار....."
قاطعه بصلابة وهو يرفع ذقنه بإيباء
"ليس بعد الآن يا سيد صهر ، لقد تغيرت شروطي عن السابق ، فأنا اريد منك نسبة من الارباح التي تأخذها من اعمالك وفوقها ستطلعني على كل صفقاتك التي تعقدها مع عملائك ، هذا هو شرطي الجديد"
رفع حاجبيه بعدم تصديق وهو يقول باستنكار
"انت لست صادق !"
اومأ برأسه وهو يضرب على سطح المكتب بجانبه قائلا بثقة
"بل انا صادق تماما ، ولا امزح بما اقول"
عقد حاجبيه بقوة وهو يرفع كفه ويمسح ذقنه عند لحيته المشذبة ، لينفض كفه ويلوح بها بعيدا وهو يقول باستهجان
"هل تعرف مقدار الثمن الذي ستدفعه مقابل طمعك ؟ انت هكذا تبني احترامك وكبريائك فوق حياة ابنتك ! هل فكرت ماذا سيكون رأي ابنتك عندما تعرف حقيقة والدها وهو يبيع حياتها من اجل المال ؟"
حرك اشرف رأسه وهو يقول ببرود
"فكرت جيدا بالطبع ، ابنتي لن تضر ابدا فهي كل ما يهمها كبرياء واحترام والدها ، وايضا إذا فعلت ذلك سأضمن بأن ابنتي مع الخيار الصحيح ولن تظلمها بحياتك ، وهذه ليست صفقة بيع وشراء بل هي شراء حقوق ابنتي منك ، ما رأيك ؟"
زفر انفاسه بغضب وهو ينفض ذراعه على جانبه قائلا بحدة
"هذا الامر كان بيننا ، ما دخل زوجتي تقحمها بمشاكلنا ؟"
سحب يده عن سطح المكتب وهو يقول بقسوة
"كل شيء له ثمن ، وهذا هو ثمن تمردك على حماك وتقليل ادبك معه"
كسى الجمود ملامحه وهو يتقدم منه وينحني امامه قائلا بثقة
"إذا لم تعيد زوجتي لمنزلي سأذهب إلى منزلك وانتزعها منك"
رفع حاجب واحد وهو يقول بابتسامة جانبية
"ماذا ستفعل ؟ هل ستأخذها عنوة ؟"
استقام على طوله وهو يقول بنبرة صلبة
"بل ستأتي برضاها"
تغضنت طرف ابتسامته وهو يقول بثقة كمن يعرف الاحداث مسبقا
"لن تأتي معك ، بل لن تخطي خطوة واحدة خارج المنزل"
حدق به بصمت حتى تابع كلامه وهو يشير بأصبعه نحوه
"سراب لم تكن ترغب بك"
رفع سفيان رأسه وهو يقول بجفاء
"اعرف ذلك ، لذا ليس هناك داعي لتذكيري...."
"اصمت لا تقاطعني ، فأنت لا تعلم كل شيء"
اخفض رأسه بهدوء بينما تابع اشرف كلامه وهو يدور بأصبعه عليه
"هل تظن بأن زواجك من سراب كان يشبه زواجك من دلال ؟"
تغضنت اطراف حدقتاه بعدم ارتياح وهو يستمع له يتابع بنبرة شامتة
"هل تذكر الليلة التي طلبت فيها سراب ؟ هل تعلم ما قالته حينها ؟"
حرك نظراته بعيدا وهو يعلم جيدا ما سيقول له ولكن كلامه كان اقسى عليه ، بينما تابع اشرف وهو يضم قبضته على جانبه
"انا غير موافقة على الزواج ، ولن يستطيع احد ان يرغمني عليه"
بقيت نظراته صلبة بدون حراك حتى قال اشرف بانفعال ظهر بصوته وهو يضرب بقبضته على المكتب
"لقد عاندتني ابنة لأول مرة ووقفت امامي وكسرت كلمتي ! كل هذا لأنها لا تريد الزواج منك ، وماذا فعلت انا ؟ بالطبع قد صفعتها وكسرت كبريائها"
تغضن جبينه باستغراب وهو يعود بالنظر له بسرعة وقبل ان ينطق سبقه وهو يرفع صوته بضراوة وكأنه يعيش الموقف
"امسكتها من ذراعها وسحبتها بقسوة ، سجنتها بمخزن قديم واقفلت عليها ، باتت ليلتين هناك جائعة وعطشة وقاومت للرمق الاخير ، بعدها سمعت كلامي تدريجيا وذهبت بكل طواعية لطاولة عقد القران ووقعت ذلك التوقيع"
ارتسمت الصدمة على ملامحه وظهر الحزن والقهر بعيناه وهو يسمع كلام يسمعه لأول مرة زعزع كيانه ! لينتفض قلبه ما ان اشار له بقبضته وهو يتابع ذبحه
وألا سراب لم تكن تريدك ابدا""
اطبق على اسنانه بغضب وهو يقول من فوره باستهجان
"لم...لم تخبرني بشيء عن هذا ، قلت بأنها لم ترغب بي ولكنها مع ذلك وافقت بالنهاية بإدارتها ، وليست بهذه الطريقة !"
اخفض قبضته على جانبه وهو يقول بجفاء
"لأنني كنت اسعى حينها لزواجكما ، ولم اكن اريد ان اترك لك اي حجة او ثغرة تتهرب بها من الزواج ، وكان يجب ان تتعلم درسها وبأنها لا تستطيع رفض اوامر والدها"
اغمض عينيه بصداع عاد بقوة وهو يمسد بين عينيه بإصبعيه ثم سمع كلامه وهو يتابع بمغزى
"وايضا ألم تفهم ذلك ؟ ألم تنظر لوجه زوجتك لمرة واحدة ؟"
اخفض اصبعيه وهو يفتح عينيه وينظر له بخواء ، ليتابع بعدها بنبرة واثقة اقرب للشماتة
"هل نظرت ان كان وجه سراب يضحك بطاولة عقد القران وطول فترة زواجكما ؟"
اشاح بوجهه جانبا يحاول منع نفسه من التفكير لأنه يعلم النتيجة فهو من عاش معها كل هذه الفترة ويعرف بأي نظرة تنظرها نحوه ، ليست ضحكة هي حتى ابتسامة صادقة لم تكن توجهها نحوه وكانت تعامله على انه عدوها وليس شريك حياتها ! وظن بأن السبب لأنها تزوجته بسرعة ليتضح بأن الامر اكبر بكثير مما كان يتخيل ! فماذا سيكون شعور امرأة نحوه تزوجت منه بالإجبار والترهيب ؟
تأهب جسده بلحظة يخمد كل انفعالاته وهو يعود بنظره له ويقول بغضب مستعر
"اشكر ربك كثيرا لأنك تكون والد زوجتي وألا ما كنت سامحتك على كل هذا ، وكنت انتقمت منك اشد انتقام ، فأنت لا تستحق ان يطلق عليك لقب اب حتى !"
ضرب سفيان على المكتب بقبضته حتى هز محتوياته واسقط قدح قهوته على سطحها ، ليغادر بعدها بسرعة مثل البرق وما ان فتح الباب بعنف حتى تراجعت السكرتيرة برعب وشحب لونها ، ثم تجاوزها بقوة بدون كلمة واحدة وترك كل شيء خلفه...
انتفضت السكرتيرة ما ان صرخ اشرف بأمر
"تعالي ونظفي الفوضى التي تركها ذلك المعتوه ، لا تنتظري اسرعي بتنظيفها"
تحركت بسرعة وهي تجيب امره بصمت ، لينفض اشرف ذراعيه على جانبيه وهو يتمتم بضيق
"ليس هناك خير منكم ، لقد افسدتم يومي"
خرج بعدها من الغرفة بغضب بينما كانت السكرتيرة تراقب اثره وهي تحرك رأسها هامسة باستياء
"كان الله بعون صهرك عليك"
يتبع.... |