تنفس بقوة وهو يشعر بداخله يحترق وقشرته الخارجية تتصلب وتتكسر ويقبض بيده على إطار النافذة يحدق بالسماء بشرود ، ليسترجع مشاعره القديمة بهذه اللحظة حينما كان ينتظر نتيجة العملية التي نفذها قبل اعوام وتكبد الخسائر بها وها هو ينتظر مجددا بنفس المكان ولكن هذه المرة بخوف ورهبة تجاوزا اي مرة ، وخاصة بأنه لديه علم بما سيحدث وينتج عنه إذا اخفق وفشل بهذه المهمة ! ستكون نهايته الحتمية !
شد على اصابعه حتى ابيضت مفاصلها وهو يتذكر تلك الحادثة التي تحولت لكابوس شنيع بحياته ، حينها كان ينظر بعينين مفجوعتين للجسد القابع امامه بلا روح وهو يصرخ برجاله بغضب جامح وكأن الشيطان تلبسه
(لماذا قتلتموها ايتها الحيوانات الرخيصة ؟ ألم اطلب منكم ان تسلموها حية لي ! ألم انبهكم ألا يقربها احد منكم بسوء ! وانتم قتلتموها ! قتلتموها بدون اي ذرة ضمير ! من اعطاكم الأمر بقتلها ؟ من اعطاكم ؟)
بعدها اجابه احد من الرجال بنبرة عميقة والوحيد الذي تجرأ على التكلم من بينهم
(لو لم نقتلها كانت قتلتنا ، لقد دخلت علينا وهي توجه السلاح بوجوهنا ، ماذا كنا سنفعل ؟ هل نتركها تكشف امرنا وتقتلنا ؟ ولو تركناها على قيد الحياة كانت ابلغت عنا وادخلتنا جميعنا للسجن ، فيبدو بأنها ليست امرأة ضعيفة او مكسورة حتى تقبل الاستسلام بسهولة وتسلمنا نفسها)
يذكر عندها غضبه وهياجه وهو يصرخ بجموح امتزج بحرقة عذبته سنوات
(حتى لو هددت حياتكم جميعا كان يجب ان تتركوها تعيش ، كان يجب ان تعيش من اجلي ، كيف ارحمكم واعفو عنكم وانتم السبب بعدم اجتماعنا على الارض ؟ ولن يتحقق هذا الحلم مطلقا بعد ان تركت الحياة كلها وصعدت روحها للسماء ! كيف اصل لها الآن ؟)
سقطت رأسه بين كتفيه وهو يخفض قبضته قليلا قبل ان يذكر سؤاله الاخير لهم بعد ان استعاد نصف تركيزه
(وماذا عن الطفل ؟ ماذا فعلتم له ؟ لماذا لا اجد جسده ؟)
وصله الجواب منهم بخوف واضح
(لم نستطع إيجاده ، بحثنا بكل انحاء المنزل ولم نجده يبدو بأنه كان مختبئ بزاوية ما ، وللأسف لم نستطع قتله مع والديه)
صمت بنظرات ضبابية بدون كلمة حتى قاطع الرجل افكاره قائلا بتساؤل
(ماذا نفعل له ؟ هل نعود لقتله ؟)
رفع رأسه بهدوء وهو يقول بنبرة حاسمة
(اتركوه وشأنه ، سيأتي يومه قريبا ، ولكن ليس الآن)
افاق من عالمه الاسود ما ان فتح باب الغرفة بقوة ، ليخفض قبضته بلحظة وهو يستدير بلمح البصر ويقول مباشرة بلا اي مقدمات
"ماذا فعل ؟"
اخفض الرجل رأسه باحترام وهو يقول بتردد ولديه علم بنتيجة كلامه عليه
"هو...هو فعل ما عليه ، واصابه بالرصاصة بعدها اخذوهما للمشفى..."
قاطعه بصوت نافذ مثل الرصاصة
"هل قتله ؟"
حرك رأسه بالنفي وهو يقول باختصار
"كلا لم يقتله"
تغضن جبينه بقسوة وهو يخفض نظره ويمسك خصره لبرهة قبل ان يركل بقدمه الكرسي اسقطه ارضا وافزع الرجل امامه ، ليتماسك الرجل امامه ما ان قال يتابع تحقيقه بجمود
"وهل استطاع الهروب ؟"
اخفض رأسه مجددا وهو يقول بخوف اكبر
"كلا فقد ألقي بالقبض عليه امام المنزل"
انتفض بوجل ما ان ضرب بقبضته على سطح المكتب وهو يقول بسخط
"يا له من فاشل رخيص ! وكلته بمهمة صغيرة ولم يفلح بها ! ويسمي نفسه رجل !"
امسك ذقنه بأصابعه يحكه بقوة وهو يتمتم بضيق
"وماذا فعل بالمسدس ؟"
رفع رأسه وهو يقول بأدب
"لا تقلق استطاع التخلص منه قبل ان يلقي بالقبض عليه ، وارسلنا رجل واحضره من حديقة المنزل ، يعني اصبح المسدس بحوزتنا الآن"
زفر انفاسه بقوة وهو يومئ برأسه ويخفض قبضته قائلا بوجوم
"جيد ، ولكن ليس كما اردنا ، لقد حطم ذلك الاحمق كل آمالنا واهدافنا !"
حدق به الرجل لحظات قبل ان يقول بهدوء خفيض
"يمكننا بكل سهولة وضع شخص آخر يأخذ جريمته ونثبت براءته ، وإذا حاول خيانتنا او توريطنا بالجريمة ننهي على امره هناك"
ادار نظراته نحوه بحدة وهو ينفض ذراعه على جانبه قائلا بغضب منفعل
"ليست هذه هي المشكلة يا احمق"
نظر له باستغراب قبل ان يسند قبضتيه على سطح المكتب وهو يقول باستياء
"ذلك الرجل قد رأى وجهي ، لذا هو بالتأكيد لن يتوقف عن السعي لقتلي ! اعرف ذلك جيدا لأنني رأيت نواياه نحوي ! كل ما يسعى له هو الانتقام !"
عقد حاجبيه وهو يقول بتفكير
"هل تريد منا ان نرسل شخص لقتله ؟"
سكن لحظات بدون حركة حتى انتصب بوقوفه فجأة وهو يقول بخفوت عازم
"لن اوكل هذه المهمة لأحد بعد الآن ، انا من سيتصرف بشأنه هذه المرة ، لقد وصلنا لطريق مسدود لذا لابد من انهاء هذا الأمر وللأبد"
صمت الرجل باحترام قبل ان يوجه نظراته نحوه وهو يقول بتسلط
"اين اصابته الرصاصة ؟"
ردّ عليه بهدوء ممتثل
"اصابت كتفه فقط ولم تسبب اذى كبير له ، وهو الآن بالمشفى يتعافى"
التقط المفاتيح عن سطح المكتب وهو يقول بحنق
"وسيء بالتصويب ايضا !"
انطلق نحوه وما ان مر من جانبه حتى قال بأمر صارم
"إياكم ان تتحركوا من مكانكم قبل ان تسمعوا خبر مني"
اومأ الرجل برأسه بطاعة حتى اجتازه وخرج من الغرفة وهو يتلاعب بالمفاتيح بأصابعه ويتمتم بحقد
"حانت اللحظة المنتظرة يا ابن عارف الكايد ، استعد لقدوم كابوسك إليك"
___________________________
فتحت عينيها ببطء وهي تحاول توسيع مدى نظرها حتى ابصرت زوجين من العيون الذكورية تنظر لها ، وما ان تعرفت على هويتهما بسهولة حتى همست بابتسامة واهية
"سفيان....حذيفة ، انتما هنا ، الحمد لله"
انحنى نحوها الاقرب منها وهو يمسح على حجابها الابيض قائلا برفق
"نعم نحن هنا يا لورين ، موجودين بجانبكِ لذا ارتاحي الآن ، ولا تخافي من شيء"
بقيت تنظر له بصمت وهي تسدل جفنيها ثم تفتحهما مجددا وكأنها تتأكد بأنه ليس حلم او خيال ، لتفتح شفتيها الصغيرتين بأنفاس ضعيفة وهي تهمس بتعب
"اين...اين انا ؟"
اجاب عليها نفس الصوت بخفوت اجش استشعرت معه بالأمان
"انتِ بالمستشفى يا لورين ، والممرضين يهتمون بكِ ونحن ايضا معكِ"
عقدت حاجبيها الصغيرين ما ان بدأت تستعيد خيوط استيعابها وهي تهمس ببحة حزينة
"ماذا اصابني يا سفيان ؟"
تنفس سفيان بقوة وكأنها تذكره بما اصابها وتعرضت له وقد وصلت مرات دخولها للمشفى بسبب الحوادث لثلاث مرات ، ليستقيم بعدها بسرعة وهو يشيح برأسه بعيدا ويقول بخفوت جاد
"ارتاحي يا لورين ، ليس هناك ما يخيف"
امسكت بسرعة بأصابعه تضمها بكفها وهي تهمس بخوف تمكن منها
"هل انا بخير ؟...."
تدخل حذيفة الواقف بقربها وهو يمسك كفها ويضمها بين يديه قائلا بجدية
"انتِ بخير يا صغيرتي ، لقد تجاوزتِ كل الصعاب ونجحتِ ، انتِ الآن بأفضل صحة"
شدت بكفها الصغيرة على يده وهي تهمس ببكاء مرير
"لقد ، لقد كنت خائفة...."
قال حذيفة مجددا بقوة اكبر
"ألم نخبركِ بأننا بجانبك ! لن يصيبك مكروه ونحن موجودين معكِ ، كوني مطمئنة"
غامت ملامحها ما ان طافت ذكرى كلماته برأسها لشخص آخر بدأت تستعيد وجوده
(ملاكي ، يا ملاكي اهدئي ، اهدئي ، انا معكِ ، ولن اترككِ بحياتي حتى الموت)
شهقت بارتجاف وهي تسند نفسها بيدها الاخرى تنهض بصعوبة هامسة بهلع
"إلياس ! إلياس !"
اقترب منها حذيفة بسرعة وهو يمسك كتفيها يعيدها لاستلقائها قائلا بجدية
"اهدئي يا لورين وعودي للنوم ، هكذا ستتعبين نفسكِ ، استمعي إلى كلامي...."
تمسكت بذراعيه تتشبث بأصابعها وهي تهمس بانفعال باكي
"كيف ارتاح وانا لا اعلم شيء عنه ؟ لقد كاد يموت ! كاد يموت بسببي ! لن اتحمل ذلك ، لن اتحمل ان يحرموني منه...."
قاطعها حذيفة بصوت صارم وهو يمسك وجهها بين يديه يوصل الكلام لرأسها
"هو بخير يا لورين ، وبأفضل صحة ، لقد تجاوز كل ما حصل معه وهو الآن يستريح بالغرفة المجاورة"
سكنت لحظات وهي ترمش بعينيها الواسعتين بسحابتين رقيقتين هامسة بتحشرج
"ألم يصيبه اي مكروه !"
حرك رأسه بالنفي وهو يقول بشدة بدون ان يظهر حزنه على حالها كي لا تظن العكس
"كلا ، لم يصيبه اي مكروه او اذى"
زمت شفتيها بعبوس تسيطر على موجة بكائها قبل ان تبعد يديه عن وجهها بعنف صارخة باستنكار
"انت تكذب عليّ ! تكذبون عليّ كي لا احزن ، هو اصابه مكروه ! انا متأكدة من ذلك ، لقد تلقى رصاصة كيف سيكون بخير !"
تنفس بيأس وهو يرفع رأسه بعيدا عنها ويمسح على كتفها قائلا بروية وصبر
"لقد اصبح بخير يا لورين ، اقسم لكِ بذلك ، ألا تصدقين قسم شقيقك !"
رفعت حدقتيها الواسعتين نحوه وهي تهمس ببحة باكية
"إذا كنت تريدني ان اصدق اريد ان ارى بعيني ، خذني إليه يا حذيفة ، اتوسل إليك خذني إلى غرفته"
سلط نظراته بسرعة نحوها وهو يسحب كفه ويقف باستقامة قائلا بحزم
"لن نذهب لأي مكان بحالتك ، سنسمح لكِ برؤيته ولكن ليس اليوم ، بعد ان تتعافي...."
قاطعته بعناد وهي تضرب بقبضتيها على جانبيها
"لا اريد يوم آخر ، اريد ان اراه اليوم ، خذوني إليه ، خذوني إليه حالاً"
تدخل سفيان وهو يقول بغضب تحول له فجأة
"توقفي عن العناد مثل الاطفال يا لورين"
اغرورقت عيناها الخضراوان بالدموع وهي تخفض رأسها وتضم يديها امام وجهها تبكي بحرارة ، ليقول حذيفة بعدها بهدوء عميق
"لنأخذها إليه يا سفيان"
رمقه بطرف حدقتيه بصمت حتى تابع حذيفة قائلا بجمود
"من اجل نفسيتها فهي اكثر من سيؤثر بصحتها ويجعلها تتراجع"
اخذ انفاسه بقوة وهو يحرك رأسه قائلا ببرود
"حسنا ، خذها إليه"
توقفت عن البكاء وهي ترفع رأسها وتنظر لهما ما ان اخترق كلام سفيان عقلها بدون ان تسمع ما قبله ، وما ان وقفت بنظرها على حذيفة حتى حرك رأسه يؤكد لها ما سمعت ، لتزيل الغطاء عنها بسرعة وتنزل ساقيها قبل ان تحاول نزع المصل عن كفها ، توقفت ما ان امسك حذيفة بكفها وهو يتولى مهمة نزع المصل عنه برفق ثم احاط كتفيها بذراعه ونهضت بمساعدته ، ليسحبها بعدها من كفها خارج الغرفة وهو يقول برفق
"سيري على مهلك ، واسندي كل ثقلك عليّ ، حسنا !"
دخلت للغرفة المجاورة على بعد سنتمترات وهو يقابلها نفس الديكور بغرفتها ، ليجذب نظرها الجالس فوق السرير وهو يكلم الممرضة معه بضيق
"انا حقا بخير ولا احتاج مساعدة او سند احد ، لست ممن يمكثون بالمشفى ايام بسبب خدش رصاصة ! هل تعلمين كم رصاصة تلقيت بحياتي ؟"
همست بعدها بخفوت مرتجف يكاد لا يسمع
"إلياس !"
انطلق رأسه نحوها وهو يصوب نظراته عليها يشملها دفعة واحدة بحجمها الضئيل الصغير وقامتها القصيرة...ترتدي ملابس المشفى الزرقاء التي ناسبت بنية جسدها الضعيفة...والحزن يلون عيناها الخضراوان بجمال وكأنهما كوكبين يدوران بسمائه...هذه هي ملاكه الصغير والذي يملك قوة تفوق كل قوى موجودة بالأرض !
ارتسمت ابتسامته بعطف انقشعت الغمامة عن عيناه وهو يقول بخفوت مرتخي
"آه ملاكي بخير وبصحة وسلامة ! ماذا سأطلب من السماء اكثر ؟"
زمت شفتيها بحزنها المعتاد تحبس غصتها بقلبها وهو يواصل النظر لعيناها بحزن وصل لقلبه ، حتى رفع كفه نحوها بصمت لتترك الاستناد بشقيقها وتعرج وصولا لسريره ، وبلحظات كانت ترتمي على صدره وهي تلف ذراعيها حول عنقه وتكمل بكائها على كتفه بحرقة تحررت بعد حبسها طويلا...
بددت الممرضة الصمت وهي تقول بخفوت مستاء
"ولكن كتفك ما يزال مصاب...."
قاطعها إلياس وهو يلتفت نحوها قائلا بقوة
"لا بأس انا بخير ، ولن يضرني بكائها على صدري بل سيشفيني"
ابتعدت عنه بسرعة وهي تقول بإدراك
"انت...انت مصاب ، هل اذيتك ؟ هل آلمتك ؟ انا آسفة...."
امسك برأسها بقبضته وهو يدفن وجهها بصدره ويهمس بخفوت واثق
"انتِ يستحيل ان تكوني اذى لي ، بل انتِ بلسم روحي الذي سيشفي كل آلامي واوجاعي !"
اغمضت عينيها بنعومة تتنعم بدفء احضانه وهي تلف ذراعيها هذه المرة حول صدره الذي اصبح مساحة امان لها ، ليقول حذيفة بعدها وهو يبتسم بسخرية
"احذر من التعمق كثيرا كي لا ندخلك الاسعاف مجددا يا رجل الرصاصات"
رفع رأسه نحوه وهو يقول بابتسامة باردة
"مضحك كثيرا يا حذيفة !"
حرك كتفيه بصمت قبل ان يمسح إلياس على وشاحها الناعم الذي انزلق للخلف واظهر خصلات شعرها ، ليقول بعدها بخفوت باسم
"لو تعلمين كم اسرتني رؤيتكِ بخير يا روحي...."
لماذا لم تأتي لرؤيتي إذاً ؟""
قاطع افكاره صوتها الباكي المخنوق بطيات صدره وهي تعاتبه بشيء لأول مرة ! ليوجه نظره نحو اشقائها وهو يقول باستياء عابس
"كنت اريد الحضور إليكِ منذ لحظة استيقاظي ، ولكن هاذين الذئبين عديمي الرحمة لم يسمحوا لي بمغادرة غرفتي واحتجزوني قسرا بين هذه الجدران القميئة ! لقد كان اقسى اختبار امر به بحياتي !"
رفع حاجبيه ببرود وهو يقول ببساطة
"احترم نفسك كي لا نريك قوة الذئاب الحقيقية"
حرك عينيه جانبا لبرهة قبل ان يعود بالنظر لهما قائلا بتملق
"بل انا اتساءل كيف سمحوا لكِ بالمجيئ لرؤيتي ! بينما انا منعوني عنكِ ! هل اشم رائحة عنصرية ؟"
ابتسمت بخجل بأعماق صدره حيث نبضات قلبه بدون ان يراها احد ، ليسرق انتباههم صوت سفيان وهو يقول بقوة
"إلياس"
نظر له بملامح جادة بعد ان اختفى الهزل عنه وهو يستعد لكلامه ، ليتابع بعدها قائلا بغموض
"هل انت من استدعى سيارات الشرطة والإسعاف لباب منزلك ؟"
عقد حاجبيه بقوة وهو يقول بنبرة متزنة
"كلا لست من استدعاهم"
غزت الحيرة محياه وهو يقول بوجوم
"من فعل ذلك إذاً ؟"
شدت بأصابعها على قماش قميصه وهي تخفي انين بكائها بصدره وحديثهما يذكرها بكل ما حدث معها ، لتسمع سفيان وهو يقول بنبرة آمرة
"حذيفة خذ لورين معك للغرفة ، فهناك حديث مهم يجب ان نجريه بيننا انا وإلياس بمفردنا"
انتفضت لورين بسرعة بعيدا عن صدره وهي تقول باعتراض
"اريد البقاء معكما ، ارجوك...."
قاطعها سفيان بخفوت حازم
"لا تعاندي اكثر يا لورين واسمعي الكلام ، يكفي بأنني وافقت على طلبك بالقدوم لا تدعيني اندم على ذلك"
تبرمت شفتيها بعبوس قبل ان يغطي جانب وجهها بكفه ويديره نحوه ، ليعدل بعدها حجابها فوق رأسها ويدس الخصلات المتمردة خلف اذنيها قائلا بحنية
"لا تقلقي يا لورين فأنا سأكون بالغرفة المجاورة لكِ ولن ابتعد عنكِ ، بالوقت الذي تحتاجيني به او تشعرين بالخوف سأكون معكِ دائما ، ولن يفرقنا عن بعضنا سوى الموت"
ابتلعت لورين ريقها بارتجاف قبل ان تهمس ببراءة
"هل هذا وعد ؟"
احتضن وجهها الصغير بيديه وهو يقبل جبينها الابيض حيث اللاصق الطبي فوقه ويهمس بصدق
"وعد"
سحب يديه عن وجهها ما ان امسك حذيفة بذراعها وسحبها لجانبه ، وما ان وقفت مستندة به حتى قال إلياس بثقة
"انتبه عليها جيدا ، فهي امانة لديك"
حرك رأسه بابتسامة باردة وهو يسحبها معه خارج الغرفة ويغلق الباب خلفه ، ليوجه نظره لسفيان ما ان قال بأسلوب قاسي تحول له فجأة
"ستخبرني بكل شيء حدث معك ومع لورين ، ولن تخفي عني شيء مهما كان صغيرا وغير مهما"
تغضنت طرف ابتسامته بهدوء وهو يقول ببساطة
"ماذا تريد ان تعرف ؟"
كتف ذراعيه فوق صدره وهو يقول بجمود
"من خطط لهذا الهجوم ؟ هل هو حمزة ام اشخاص آخرين ساعدوه ؟"
ماتت ابتسامته وهو يحول نظره امامه قائلا بعدم حياة
"العصابة السوداء"
تغضن جبينه بحيرة وهو يقول باهتمام اكبر
"من هم ؟"
قست عيناه الرماديتان بلحظة وهو يقول بصوت اجوف
"العصابة التي اعتدت عليّ بالضرب ومنعتني من الوصول للشركة بيوم مناقصتي"
تغلبت الصدمة على ملامحه بينما حافظ إلياس على شموخه وهو ينظر امامه بقلب اسود امتلئ بالحقد من جديد وولدت نية الانتقام لديه بعد اعوام طويلة من هجرانها....
___________________________
ركضت بسرعة بالممر الطويل وهي بكل مرة توقف احد الممرضين بطريقها تسأله عن الوجهة لتكمل بعدها طريقها ، حتى اقتحمت الغرفة التي وصلت لها بدون طرق وقد تراءت لها صورتها المكسورة وهي جالسة فوق السرير نظرها على يديها المضمومتين بحجرها ، وما ان رفعت رأسها نحوها حتى ظهرت الخدوش التي شوهت جمال ملامحها البيضاء ولصاقه طبية فوق جبينها ، لتشق ابتسامة رقيقة محياها وهي تهمس بسعادة
"سراب !"
تأوهت بدون صوت وهي تندفع نحوها بسرعة قبل ان تجلس امامها وتعانقها بذراعيها بقوة تكاد تحتويها ، لتمسح بعدها على ظهرها بيديها وتنزل الدموع التي امسكتها طويلا هامسة براحة
"انا سعيدة بأنكِ بخير ، سعيدة جدا ، لقد اخفتني عليكِ يا متهورة !"
مالت طرف ابتسامتها بحزن وهي تهمس بخفوت
"وانا سعيدة جدا برؤيتكِ ، لقد عرفت الآن كم انا قيمة بالنسبة لكِ"
ابتسمت رغما عنها وهي تهمس بتذمر
"بالطبع انتِ كذلك ، وقيمة جدا بالنسبة لي"
تنفست بابتسامة مرتاحة ادخلت الطمأنينة لقلبها وداوت جروح روحها ، لتسمعها بعدها وهي تهمس بنشيج حزين
"انا آسفة ، كله بسببي لأني صمت ، انا آسفة ، آسفة...."
قاطعتها لورين بخفوت وهي تتمسك بظهر قميصها
"إياكِ ان تعتذري ، إياكِ ان تشعري بالذنب ، حسنا !"
قطع حوارهما الواقف بالغرفة لم تراه بينما كانت تبحث عن لورين
"كيف اتيتِ للمشفى ؟"
ابتعدت عنها بصمت وهي تمسح خديها بظاهر كفها هامسة ببرود
"اخذت سيارة من سياراتك وقمت بقيادتها"
رفع رأسه وهو يهمس بعدم تصديق
"يا إلهي ! كيف سمحوا بهذا ؟"
حدقت بها لورين وهي تهمس باستغراب
"هل تجيدين القيادة ؟"
اومأت سراب برأسها وهي تقول بابتسامة واثقة
"نعم اجيدها ، وانا سائقة ماهرة جدا فقد تعلمت القيادة بعمر الخامسة عشر ، وحصلت على الرخصة فور تخرجي من الثانوية العامة"
اتسعت ابتسامتها وقبل ان تتكلم سبقها سفيان وهو يقول بجفاء
"تجيد فقط قيادة السيارات قديمات الطراز وصغار الحجم ولم تجرب السيارات الحديثة ذات محركات الدفع القوية"
عضت على طرف شفتيها تكتم غيظها قبل ان يسرق تركيزها صوت لورين وهي تهمس بحيرة
ولماذا لم تأتي بسيارة سفيان ؟""
اخفضت نظرها بسرعة وهي تقول بخفوت
"لقد ذهب سفيان إليكِ من العمل ، ولم اكن اعلم حينها"
ساد صمت لحظات بينهم قبل ان يبدد سفيان الصمت قائلا بأمر
"سأعود للعمل الآن ، لذا هيا تحركي كي اوصلكِ بطريقي"
رفعت لورين نظرها نحوه وهي تهمس بحزن
"هل ستذهبون وتتركوني وحدي ؟"
عاد بالنظر لها وهو يقول بجدية
"لا داعي للخوف يا لورين ، فنحن لن نترك المكان فارغا هناك حرس بكل مكان خارج وداخل المشفى ، لن يصيبكما اي مكروه ونحن بالخارج"
اومأت برأسها بحزن قبل ان يربت على رأسها قائلا باتزان
"اعتني بنفسكِ جيدا"
غامت ملامحها بضبابية وهي تومئ برأسها مجددا وما ان تحرك باتجاه الباب حتى قالت سراب بقوة
"سأتكلم معها خمس دقائق"
تجمد بمكانه لحظات قبل ان يقول بجمود وهو يكمل خروجه
"اسرعي فلن انتظركِ اكثر"
تنهدت بقوة ما ان اغلق الباب خلفه لتحول نظرها للجالسة امامها تنظر بأثره بحزن ، لتمسك بعدها وجهها بيديها وهي تقول بجدية
"اصدقيني بالقول ، هل انتِ حقا بخير ؟"
نقلت نظرها لها وهي تمسك بيديها على وجهها هامسة بابتسامة رقيقة
"نعم بخير جدا"
سحبت يديها وهي تتراجع بجلوسها هامسة بخفوت مستاء
"كل ما يحدث بسبب غبائي ، كان يجب ان اتكلم ، كان يجب ان يعرفوا عن كل افعاله بكِ ! لو تكلمت بوقت ابكر ما كنتِ وصلتي لهذه الحالة...كانوا حاسبوه واوقفوه عند حده ، كنتِ ستكونين آمنة بمنزلك ، ولكن بسببي انا...."
قاطعتها لورين وهي تمسك بذراعها بقوة
"هذا كان قدري ، وانا قبلت به منذ زمن ، انتِ لا علاقة لكِ بشيء مكتوب لي ان اعيشه"
نظرت لها بقوة وهي تشير لنفسها قائلة بحدة
"لا تحاولي تبرير موقفي كي لا اشعر بالذنب ، فأنا مخطئة بكل شيء ، لا استطيع حماية المقربين مني وايضا اسبب لهم الاذى والجرح"
زمت شفتيها بعبوس وهي تمسك بكفها وتضمها بين يديها هامسة بخفوت
"انتِ لستِ كذلك ، لقد اخبرتني سابقا عندما تعرضتِ لتلك الرصاصة بأنه لا ذنب لي ، وانا لست شماعة حتى يعلقون عليّ كل خطأ يرتكبه بحياته ، هل تذكرين كلامك ؟"
ارتسمت ابتسامة حزينة على محياها وهي ترفع كفها وتمسح على جانب وجهها هامسة بعطف
"آه يا فتاتي ذات القلب الرقيق ! كيف تأتيهم الشجاعة على جرح ملاك مثلكِ ؟ هل كل هذا فعله لكِ ذلك المريض النفسي ؟"
احتدت ملامحها فجأة وهي تقول بخفوت ممتعض
"إن شاء الله تنكسر يده وقدمه ، ولا يرى ضوء النور بحياته !"
تغضنت طرف ابتسامتها وهي تقول بخفوت عفوي
"الحقيقة ليس كله بسببه ، بل انا احمل النصيب الأكبر بإيذاء نفسي ، فقد سقطت على درجات السلم وقفزت من فوق الاريكة"
رفعت حاجبيها البنيين بدهشة قبل ان تضرب خدها بكفها وهي تقول بتذمر تمثيلي
"انتِ متهورة ! متهورة جدا !"
ضحكت لورين بمرح لأول مرة بينما راقبتها سراب بابتسامة صامتة ، لتسحب بعدها كفها من بين يديها وهي تنهض وتعدل حزام الحقيبة قائلة بجدية
"يجب ان اغادر الآن فقد تأخرت بالفعل ، اعتني بنفسكِ جيدا واتصلي بي بالوقت الذي تحتاجيني به"
ما ان استدارت حتى اوقفتها لورين قائلة بهدوء مفاجئ
"كيف علاقتك انتِ وسفيان ؟ هل كل شيء بخير ؟"
تجمدت ملامحها وهي تشد بقبضتها على حزام حقيبتها ولم تتوقع ان تشعر بالتوتر بينهما ، ليأتيها جوابها بعدها على افكارها وهي تهمس بحزن
"انا اعرف حالات اشقائي جيدا ، اعرف عندما يحزنون ويغضبون ويحبون ، وحالة سفيان اليوم كانت غريبة وكأنه متضايق من شيء فهل كل شيء بخير بينكما ؟"
ابتلعت ريقها بصلابة تمثل القوة وهي تلتفت نحوها قائلة بابتسامة مزيفة
"كل شيء بخير يا عزيزتي ، لا تقلقي من هذه الناحية وكرزي على صحتك"
تهللت اساريرها بسعادة وهي تهمس بفرح
"انا سعيدة جدا ، سعيدة لأنكِ انتِ زوجة سفيان"
ارتجفت طرف ابتسامتها بدون ان تختفي وهي تضم قبضتها بقوة وتتمنى لو تستطيع ان تخبرها بالحقيقة ، ولكنها لن تدمر احلامها وثقتها بشقيقها كي تسعد نفسها !
لوحت بعدها بكفها وهي تهمس بمحبة
"إلى اللقاء يا لورين ، اراكِ على خير"
غادرت بعدها خارج الغرفة بينما بقيت نظرات لورين تتبعها والحزن يلونها وهي تتمنى ان تخيب توقعاتها ولا تصدق فلن تتحمل المزيد من الخيبات...
يتبع..... |