الفصل السادس
****
بمجرد خروجها من غرفة مكتب والدها أطلقت العنان لساقيها تبحث عن شقيقتها
الكبرى في كل مكان بالطابق الأرضى قبل أن تهرول إلى غرفتهما المشتركة
بالأعلى بعد أن علمت من أشقائها بصعود شقيقتها هناك
دفعت الباب بلهفة مندفعة حيث تقف شقيقتها أمام خزانة الملابس ترتب
محتوياتها وطوقتها بذراعيها من الخلف بقوة مرددة ببكاء
:- أنا مش موافجة .. مش ممكن حد يبعدنى عنيكى ..
محدش يجدر يفرجنا واصل
ذُهلت سلمى مما سمعت من شقيقتها فاستدارت حول نفسها تبادلها الاحتضان،
تربت على ظهرها برفق تحاول تُبين ما ترمى إليه سندس
:- مين اللى هيفرجنا ديه .. ديه إحنا نجطع رجبته من فوج أكتافه ..
فهمينى إيه اللى حُصل؟.
رفعت سندس رأسها عن كتف شقيقتها ومسحت دموعها بقوة شاتمة بحنق
:- المخبل اللى اسمه أسامة .. مفكر حاله إيه .. أنا لا يمكن أوافج عليه ..
ديه المفروض يتچوزك أنتِ .. أنتوا موعدين لبعض من زمان
ضحكت سلمى بمرح وقد تفهمت شعور شقيقتها الأقرب إليها وتركتها مبتعدة
عنها وجلست على طرف فراشها تضع ساق فوق الأخرى
وقالت بتباه مشاكس
:- لكن أنا بجى هبعد عنيكى .. وهتچوز الأستاذ أيمن المدير المالى
لشركة مجاولات كبيرة جوى
اتسعت حدقتا سندس ومسحت على وجهها من جديد تزيل أثر الدموع
وتعيد كلام شقيقتها بحيرة
:- أيمن!! .. ده الواد المخبل اللى جطع علينا الطريج بعربيته جبل سابج
قهقهت سلمى ونهضت من مكانها متجهة نحو شقيقتها تضربها على كتفها بخفة
:- هما كلهم عنديك مخبلين .. ده هيبجا چوز أختك اتحشمي
حركت كفيها في الهواء تؤكد على رأيها
:- أكيد مخبلين .. هو حد يفكر يتچوزنا ويبجى عاجل
تبادلوا نظرات صامتة قبل أن تنطلق ضحكاتهم سويا وهما يتعانقان بحب
وسعادة وبعد برهة تساءلت سندس بتردد
وهي تبتعد قليلا عن حضن شقيقتها
:- يبجى هو ده العريس اللى أبوى جالى أنه چالك..
قطبت حاجبيها تساءل بحرج
:- يعنى صُح مش زعلانه إن أسامة فكر ..آآآ فكر يتچوزنى؟.
زفرت سلمى وقبضت على كف سندس تتحركان سويا كشخص واحد حتى
جلستا كلا منهما على طرف فراشها متقابلتين وسلمى تبدأ في حديث صادق
مع نفسها قبل أن يكون مع شقيقتها
:- صُح كنت أنا وأسامة موعودين لبعض من صغرنا .. لكن مين اللى وعد
ومين اللى وافج .. أمى الله يرحمها وأمه وچدتى وچدته .. يعنى لا أنا
ولا هو كان لينا رأى في الحكاية ديه
تنفست بعمق وعينيها تنكس أرضا مردفه بتألم
:- صحيح أمى الله يسامحها ويغفر لها دخلت حكاية الچواز من أسامة في
دماغى وعشت عليها سنين وأيام .. لكنى فوجت لما چه لحد إهنا
وجعد مع أبوى ورفض الچواز منى
جزعت سندس واشرأبت بعنقها تقاطع شقيقتها بلهفة
:- لاه .. لاعاش ولا كان اللى يرفضك .. هو كان رافض الچواز
وجتها مش رافضك أنتِ بدليل إنه ما اتچوزش لحد دلوك
ابتسامة خفيفة ظهرت على ملامح سلمى تُدرك حب شقيقتها ومناصرتها لها،
كما تُدرك إعجاب شقيقتها الوليد نحو أسامة بمظهره الجديد
الود والقرب بينهما يدفع كلا منهما للتضحية من أجل سعادة الأخرى رغم
إنهما ليسا في موضع تضحية فكلا منهما أمام فرصة لخوض غمار الحياة
وما عليهما سوى القبول أو الرفض
أيدت سلمى كلام سندس لأنها تدرك صحته وسمعته من قبل من أسامة نفسه
أثناء حديثه مع والدها منذ سنوات مضت
وأعاده والدها على مسامعها منذ دقائق
:- أهاه أنتِ اللى جولتى .. كان رافض الچواز ولما چه يفكر
في الچواز جلبه أختارك أنتِ
غمزتها بشقاوة وكفها يخبط على ساق سندس التي تذمرت
وأعلنت رفضها من جديد
:- لكن أنا مش هوافج وهرفضه .. هو بكيفه إياك يختار ما بينا
حركت سلمى كتفها ببساطة تقول بتعقل
:- أه بكيفه .. حجه يختار شريكه حياته كيف ما أيمن أختار هو كمان
عضت سندس على إبهامها بقوة متسأله من بين أسنانها بتوجس وحرج
:- يعنى أنتِ مش زعلانه على أسامة واصل!!.
رفعت كتفيها وأخفضتهما بلامبالاة مرددة بهدوء
:- هزعل ليه .. أبوكِ الله يطول بعمره فوجنى من الوهم ديه من زمان
وفهمنى أن لازمن الراچل يكون جابل وراضى بشريكه حياته
وإلا هيعيشوا هم الاتنين مش مبسوطين ..
وأحنا أدرى كيف أبوى وأمى كانوا عايشين
هزت سندس رأسها مؤيده فهما أكثر من عايشا حالة البرود التي
كانت تسيطر على حياة والديهما بصفتهما الأكبر بين البنات
وكيف تبدل الحال بزواجه من شموع
استطردت سلمى بنبرة متألمة رغم صحة ما تقوله
:- وكيف عايش دلوك بعد ما اختار شموع واتچوزها .. أبوى أصر نكمل
علامنا لاچل ما نفهم وندرك أن لازمن يكون لينا جيمة ومجام عند الراچل
اللى هنجضى أمعاه باجى عمرنا
وضعت كفها فوق صدرها تردد بنبرة تحمل قدر من الحالمية الوردية
:- أنا كان نفسى في راچل يخترنى بنفسه .. وأيمن اخترنى وطلب يدى
وهو ده بس اللى من حجى أفكر فيه دلوك
اتسعت ابتسامة سندس سعادة زهوا بطريقة تفكير شقيقتها التي من الواضح
إنها تناست أسامة بالمرة
انتقلت سندس تجلس بجوار شقيقتها تضم كتفيها
بقوه مشجعة ومهنئة :- ويا زين ما اختار
ابتسمت سلمى برقة وفكرها مشغول بهذا الخاطر الجميل الذى
يداعب أحلامها وأمنياتها في الحياة
أما سندس فاستندت بذقنها إلى كتف شقيقتها ليسود الصمت لثوانى
وربما دقائق قبل أن تتساءل سندس بجدية
:- تفتكرى أسامة فكر فيا لاچل عچبته ولا لاچل كيكة جدره جادر
اللى لهفها في بطنه
شهقت مبتعدة برأسها عن كتف سلمى التي التفتت نحوها
وسندس تردف بمشاكسة
:- شكله طفس وبيچرى ورا بطنه
قهقت سلمى بمرح وقالت تؤيد فكرة شقيقتها مداعبة
:- أكيد لاچل الكيكة.. ما هو أجصر طريج لجلب الراچل معدته
واصلت سلمى ضحكها بينما زمت سندس شفتيها
وتنفست بعمق قبل أن تهتف بتحدى
:- برضك مش هوافج عليه عريس الغفلة الطفس ديه
***************
بعد صلاة العشاء بساعات قليلة آوي كل فرد من عائلة أحمد
إلى غرفته الخاصة، دلفت شموع إلى غرفة النوم تتهادى ببطء ونظرها
مسلط على أحمد الذي يجلس أرضًا فوق سجادة الصلاة
يقرأ في خشوع من المصحف آيات من الذكر الحكيم
رفع عينيه قليلا يرمقها دون كلام فابتسمت في وجهه ببشاشة،
أعاد نظره إلى صفحات مصحفه حتى أنتهي من ورده اليومي
ورفع كفيه داعيا الله عز وجل بكل ما يفيض به قلبه
أخفض كفيه يمسح على وجهه وصدره وصوت شموع التي تقف أمام
المرأة تفك مئزرها المنزلي من حول جسدها تتمتم
:- ربنا يتجبل
كان قد نهض من مكانه يرفع حامل المصحف جانبا
ويطوي سجادة الصلاة فأجابها بهدوء
:- آمين يارب
اقتربت منه تجلس بجواره على أريكة جانبية تتساءل بدلال
:- يا تري افتكرتني في دعائك يا سيد الناس
ربت على كفها برقة مؤكدا
:- ليا مين أغلى من عيلتي ادعيلهم وخصوصي دفا الجلب شموع
شددت كفها محتضنة عضده بحب ومالت تقبل كتفه في عشق لا ينتهي
لهذا الرجل الذي بدل حياتها البائسة لحياة رغدة آمنة
ضم كفها وتساءل باهتمام بالغ
:- إيه الأخبار؟.
فهمت مقصده فهى عينه الساهرة على راحة أولاده وتفقد أمورهم
التي لا يستطيع هو الاطلاع عليها بشكل مباشر
والآن طلب منها استطلاع الأمر في غرفة البنات وموقفهن
بعد طرح أمر العرسان المتوقعين
أجابته من فورها تطمئنه بنبرة صوتها المبتهجة
:- زي الفل… البنات راضين وفرحانين وهملت سلمى دلوك
رايحة تصلى استخارة
قطب حاجبيه يستوثق من كلامها فأكثر ما يشغله راحة بناته
:- يعني متفجين ويا بعض .. موضوع أسامة مش مأثر عليهم
أجابت من فورها
:- لاه خالص .. جولتلك سلمى وسندس كيف التوم (التوأم)
مش ممكن حاچة تفرجهم واصل .. ما شاء الله عليهم
أومأ يحمد الله بخفوت راجيا أن يتم الله زواجهن على خير
بينما هزت رأسها تواصل حديثها بآسف
:- بس سندس لساتها مش موافجة على ولد خالتها كيف ما جالتلك
زفر ببطء يتمتم بتعقل
:- براحتها .. لسه جصادها وجت على ما تخلص دراستها ..
ونصيبها عند الله محفوظ
ربتت على صدره بحنو تدعو بفطرتها العاشقة له ومقلتيها تعانق ملامحه الحبيبة
:- ربنا يفرحك بهم وباخواتهم ويبارك ويزيد يا سي أحمد
وضع كفه فوق كفها يضمه بحب ومنحها ابتسامة جذابة
تضئ قلبها ولهًا وعشقا له
مالت برأسها على كتفه وذراعه تلتف حول كتفيها يضمها إليه
ويستند برأسه فوق قمة رأسها فقالت هامسة بتوجس من رد فعله
:- ربنا يزدنا ولا ينجصنا ويعوضنا عن سلمي وسندس
بعد ما يروحوا بيوت أزواچهم بولاد تانين
رفع رأسه عنها عالما بما ترمي إليه فهذا الأمر يشغل عقلها منذ فترة
ولا تتورع في اقتناص أي فرصة للحديث فيه
ربت على كتفها بحنو مبتعدا لينهض من مكانه مرددا بهدوء
:- ربنا هيعوضنا بزوجين للبنات وكام شهر ويجيبوا أحفاد …
يعني هنزيد ونزيد بمشيئة الله .. اطمني يا شموع
لاحقته مسرعة تدور حوله وتحيط خصره بذراعيها توقف تقدمه
مصرة على مواصلة الحديث
:- وماله لما نزيد بولادك أنت يا سيد الناس
رفع رأسها إليه ليطل في عينيها يحاول أن يُفهمها وجهة نظرة التي
ترفض استيعابها برغبة ملحة منها في الحصول على المزيد من الأولاد
:- أنا هبجي عن جريب چد يا شموع .. بدك أخلف تاني في السن ديه
رفعت كفها تربت على قلبه برفق مصرة على تفكيرها
:- وماله السن ديه أنت لساك شباب وزينة الشباب كمان طب ده
أنت مكملتش الخمسين .. أنت بس اللي اتچوزت بدري
تركها واتجه نحو الفراش يجلس على حافته بابتسامة خفيفة يتصور المشهد
:- وتبجي مراتي حامل وبتي حامل في نفس الوجت الناس تجول إيه؟.
وقفت أمامه تحاول إقناعه بما تتمني
:- جطع لسان اللي يمسك بكلمة .. وبعدين عادي ياما حُصلت
وكانت الأم تولد وبتها تولد أمعاها في نفس اليوم
ضحك أحمد يتراجع بظهره قليلا يستند بذراعيه على حافة الفراش مرددا بمرح
:- ديه كان زمان يا شموع
خبطت قبضتها داخل راحتها بإصرار
:- ولسه بتحُصل لحد دلوك .. مين يجدر يمنع حلال ربنا يعني
اعتدل يجذب ذراعها ليقربها منه حتي التصقت بركبتيه وقال برزانة
:- أنا كبير البلد وناوي اترشح للبرلمان .. يرضيكي ابجي في جلسة مچلس الشعب وينادوني الحج يا سيادة النائب مراتك بتولد
جعدت وجهها بغضب طفولي هاتفه بإصرار
:- وماله .. مش هنجدر نوكله ولا نربية.. والله هحطه چوات عينيا الاتنين ..
ديه حتى منيك يا حبة الجلب
مسحت على عنقه بحنو فأرخى جفنيه مستمتعًا بدلالها وعقله يصور له
أحاديثه مع زوجته الراحلة وعنادها الجاهل ثم تنفيذ ما تصبو إليه
دون علمه بتشجيع من والدتها ووالدته سعيا وراء إنجاب الذكر
حتى ماتت وهي تحاول من جديد بعد أن أنجبت له أربع فتيات
فتح عينيه يطالع شموع التي تطالعه برجاء منتظره موافقته لاتقوى
على تخطى أوامره مهما بلغت رغبتها.. وقال بخفوت يمازحها
:- ما جولنا جبل سابج عندى سبع عيال .. بكفايا
اتسعت ابتسامتها أكثر عندما تذكرت إنه يعدها من ضمن أبنائه وهتفت بسعادة
:- ده كان يوم الهنا لما دخلت دارك يا حبة الجلب
نهض من مكانه يضمها إليه هامسا بجوار أذنها
:- ربنا يبارك لى فيكِ يا دفا الجلب .. أنتِ رفيجة العمر..
مرتي وبنتي وحبيبتي كُمان
التصقت به تشدد على ضمته راغبة في التوحد معه.. اختراق جسده والسكن
بين أضلعه حتى لا يفترقا أبداً، فمعه وبه هي شخص كامل
رددت بصوت هائم عاشق من بين ضلوعه
:- والله لو تعلم كيف بعشجك يا حبة الجلب كان المغنوتية اتحاكوا بعشجي لك
رفعت عيونها تطالع عشق مقلتيه المتيمة بها تواصل بث هيامها به
:- ولو تعلم جد إيه مشتاجة لبذرتك تتزرع جوايا وترافجني فين ما اروح..
تكبر شوي شوي لحد ما نشوفها بتچري وتلعب حوالينا
هتفت بصدق متشبثة بفتحة جلبابها المنزلى
:- والله لو عليا ما افترج عنيك واصل وأچيب منيك عيال يسدوا
عين الشمس وبكفاية إنهم ولادك يا سيد الناس
شدد من ضمها إليه، يعشقها كما تعشقه وكيف لا وهو لم يعلم الدفء والسكن
إلا بين ذراعيها.. لم يشعر بالراحة والألفة في منزله إلا بوجودها فيه
هي قدره الجميل الذي منحه الله له حتى تهدئ روحه
وتنعم في الحياة بعد طول حرمان
تجولت كفاه صعودا على جسدها حتى ضم وجهها بين كفيه ومال يلثم جبينها
بقبلة طويلة قبل أن يغوص داخل بريق عينيها وقبل أن ينبس ببنت شفة
كانت طرقات جزعة تدق الباب مع نداء باكي
شهقت شموع هلعًا على فلذة كبدها صارخة بلوعة :- ولدي
انسحبت من بين ذراعي زوجها تهرول نحو باب الغرفة التي فتحته
من فورها ونزلت على ركبتيها تضم ضياء الباكي إلى أحضانها
تبعها أحمد يطالع ما يحدث ثم حدق في وجه عبدالله الذي يقف
بجوار شقيقه وسأله بهدوء عما حدث فأجاب عبدالله
:- صحى مفزوع من النوم وچري على إهنا
شددت شموع من ضم صغيرها متمتمه
:- مكوبس يا حبيبي ما تخافش كابوس وراح لحاله
مال أحمد يسحب ضياء برفق من حضن والدته
ورفعه بين ذراعيه يطالعه بحنو متسائلا
:- شوفت إيه خوفك إكده؟.
مسح ضياء عينيه بقوة وقال من بين شهقاته
:- الراچل الوحش كان بده يجتلني
قطب أحمد حاجبيه مفكرا وكاد أن يتكلم إلا أن عبدالله وضح من فوره
:- الراچل اللي في الفيلم
ضيق أحمد عينيه متسائلا وشموع تضم كتفي عبدالله إليها
وتستمع إليهم بينما وضح ضياء
:- أيوه .. الراچل شكله وحش جوي يا أبوي .. وشه متعور
وجطع الناس اللي في الفيلم كلاتهم جطيع والدم غرج الدنيا
رمي أحمد شموع بنظره معاتبة وقال بحزم
:- كيف تهمليهم يتفرچوا على الحاچات ديه
فتحت كفيها تبرئ نفسها من هذه التهمة
:- مش أنا والله .. أنا كنت عند سلمى وسندس وهملتهم مع نوارة
وفچر بيتفرچوا على التلفزيون
أكد عبدالله علي كلام والدته
:- أيوه نوارة كانت بتتفرچ على الفيلم وفچر صرخت وجالت لها تجفل الجرف ديه
تأمله أحمد متعجبا وسأله مستفسراً
:- وأنت ماخوفتش يا عبدالله
طأطأ رأسه خجلا وقال بخفوت
:- خوفت .. بس غمضت عينى لاچل ما أشوفش اللى بيحُصل في الفيلم
أومأ متفهما ثم رفع عيناه نحو ضياء الذي أراح رأسه فوق كتف والده
يطمئن بوجوده بجوار والده الذي قال بمرح
:- خايف من فيلم وعامل فيها نمبر وان.. ديه تمثيل في تمثيل هو حد يجدر
يجرب من ولد أحمد السمري .. كانت الشمس ماتطلعش عليه
كان يحدثه وهو يتحرك نحو غرفة الصبية القريبة من جناحه الخاص ثم تركه
فوق الفراش ومد كفيه يزيل كل أثر للدموع من فوق وجنتي الطفل
ثم قبل رأسه يحدثه برفق وهدوء
:- ما تخافش يا بطل .. أخوك عبدالله چارك ومحدش يجدر يجرب
من باب الدار واصل .. أنت عارف إكده زين
أومئ ضياء ببطء فحول أحمد نظره نحو شموع أمراً
:- هاتيله ميه يا شموع
أسرعت لتنفذ أمره بينما جلس أحمد على حافة الفراش وأجلس ولده أمامه
وفتح ذراعه الآخر يدعو عبدالله للاقتراب منه شارحا بهدوء
:- لازمن نفرج بين الحجيجة والخيال كل اللي في الأفلام ده تمثيل ومكياج..
خدع كتير وجرافيك نخاف منها كيف بجا …
خليك أسد وأنت كمان يا عبدالله أسد
اقتربت شموع تجلس بجوار صغيرها تسقيه الماء مرددة بمرح
لتكسر هذا الجو المخيف الذي أحاط بأطفالها
:- أسدين جصر النيل
تساءل ضياء وشموع تمسح على وجهه بمنديل مبلل بالماء لتزيل أثر البكاء
:- مين دول يا أماه؟.
رفع عبدالله أصبعه في الهواء مهللا وهو تحت ذراع أحمد يحتضنه برفق
:- أنا خابر.. دول عند الكوبري في مصر
مسح أحمد علي رأس عبدالله الذي بالكاد أكمل عامه الخامس مشجعًا
:- مظبوط .. برافو عليك يا عبدالله .. عرفت كيف؟.
أجاب بتفاخر طفولي
:- فچر كانت بتذاكر وجالت واحد اسمه إسماعيل هو اللي حطهم على الكوبري
قهقه أحمد ببشاشة
:- الراچل ديه اسمه الخديوي إسماعيل
:- أيوه هو ده
مال أحمد يقبل جبين عبدالله مشجعًا وضياء يطالب بحماس وقد هدأ خوفه قليلاً
:- هو ينفع أشوفهم يا أبوي؟.
لوي أحمد عنقه ينظر لولده متسائلا
:- مين!!.. أسدين جصر النيل
أومأ الصغيران بلهفه بعيون مترقبة فقال أحمد ببساطة
:- وماله .. لما أنزل القاهرة أخدكم أمعاي تشوفهم وتتصوروا أمعاهم كمان
هلل الصغيران بفرح وقد تناسا الحلم السيء بينما أسرعت شموع
لحجز مكانها بينهم بتردد خجول
:- وأنا كُمان يا سي أحمد .. عمري ما روحت مصر
رمقها أحمد مشاكسا وقال بهمس
:- ما جولنا سبع عيال ماصدجتيش
أخفت بسمتها سريعًا حياءا وأحمد ينهض من أمامهم آمرًا
:- خليكِ أمعاهم لغاية ما يناموا يا شموع … واقراءوا المعوذتين
وسورة الإخلاص جبل ما تناموا
أومأت بطاعة وبدأت في وضع الطفلين بأسرتهم والاعتناء بهما
بينما خرج أحمد يمشي بالممر الطويل نحو غرف البنات
فتح أول غرفة وتوجه نحو أسرة نوارة وفجر يُحكم الغطاء
عليهن ويطمئن على نومهن
مالت شفتاه بابتسامة خفيفة حين تهادى إلى سمعه الصوت الخافت للقرآن الكريم
المنطلق من هاتف نوارة المحمول ووجد الأباجورة مضاءة
بين فراشيهما دليل على انزعاجهما من الفيلم المرعب أيضًا
غادر الغرفة وأغلق الباب خلفه يواصل تجوله نحو غرفة البنات الأكبر
ولكنه تردد في الدلوف وقف مفكرا لبرهة صحيح أن شموع طمأنته عليهن
ولكن قلبه يرغب في الاطمئنان بنفسه
قرع الباب ثم دلف ببطء يطالع الفتيات
سلمى تجلس خلف مكتبها وأمامها المصحف تقرأ منه بهدوء
وسندس تجلس فوق فراشها تطالع هاتفها المحمول
ابتسم في وجوههن وهو يتقدم لمنتصف الغرفة
وكلتاهما تنتبه إليه :- لساتكم صاحيين
قالت سلمى بحياء لون وجنتيها بحرارة خجلها مسدلة الأجفان
:- كنت .. كنت بصلي استخارة واقرأ قرآن جبل ما أنام
ابتسم في وجهها داعيا من قلبه
:- ربنا ينور بصيرتك ويرزجك بالزوچ الصالح
فرد ذراعه فوق أكتاف سلمى حين نهضت وتقدمت نحوه بعد أن أنهت القراءة،
سحبها معه حتى مكان شقيقتها التي نهضت بجوار الفراش وأحمد يؤكد عليهن
:- خدى وجتك وفكرى زين … ولو العريس مش على هواكى
يروح وياچى ألف غيره .. ده أنتوا عرايس عيلة السمري
كل عرسان البلد تتمناكم
طأطأت الفتيات رؤوسهن خجلا وأحمد يشمل سندس داخل حضنه أيضًا
يواصل حديثه ناصحًا ومانحًا الفرصة من جديد لسندس لتعيد التفكير
:- المهم دلوك كل واحدة يكون عندها رأيها وشخصيتها ..
اللي ترتاح منكم وتوافج نتوكل على الله ونشوف الخطوة اللي بعدها
بدل نظره نحو سندس يردف حديثه بهدوء مؤكدا على تقبله لرفضها لابن خالتها
:- واللي ترفض.. ولا هيحُصل شى ربنا يعوضها بالأحسن .. صُح ولا إيه؟.
أومأن بقبول دون كلام فبدل نظره بينهن يستوثق من استيعابهن لحديثه، لتنطلق أصواتهن :- صُح يا أبوي
:- ربنا يخليك لينا يا أبوي
وزع قبلاته فوق رؤوسهن وتمني لهن ليلة طيبة ثم خرج يغلق الباب
وقلبه يدعو لهن بالخير والتوفيق
رأي شموع قادمة من الجهة الأخرى من الرواق ووقفت في انتظاره
أمام جناحهم الخاص فسألها باهتمام حين اقترب منها
يطمئن على الصغيرين :- ناموا؟.
:- أيوه .. وسبت الاباچورة السهاري منوره چارهم
هز رأسه وضم كتفيها ليدلفوا إلى جناحهم سويا فرفعت عينيها إليه
بنظرة القطط التي يعرفها جيدًا تتساءل بمكر أنثوي
:- كنا بنجول إيه يا سي أحمد
ابتسم بجاذبية ومال على أذنها هامسًا
:- كنا بنجول تصبحي على خير يا شموع
ضحكت بغنج وهو يدفعها أمامه ثم يغلق الباب خلفهما
*****************
يتبـــــــــــــــع