عرض مشاركة واحدة
قديم 19-02-24, 08:13 PM   #841

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 998
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


أخذته قدماه للأسفل، مراقبته الحثيثة للقائها مع زكريا الذي لا يعرفه جعلته يفهم ما يدور في خلدها، تبدو كامرأة معجبة برجل وتود جر قدمه لشباكها، هبط درج المشفى بعد رؤيته لها تغادر الغرفة بوجه غير مفسر وتركها لأخيها مع زكريا بالأعلى، سار ببطء عبر الحديقة، شيء بحث عنها كأنه وجد الطعم المناسب لاصطياد سكته الشهية، بعد البحث وجدها!
جالسة على مقعد خشبي أسفل الشمس الموشكة على المغيب، تضع ساقًا فوق أخرى تحافظ على ظهر مشدود، بجلستها أناقة وشموخ امرأة تترك الأثر بعد لقاء واحد، تقدم أكثر فاتضحت كاملة، امرأة في منتصف الثلاثين تبدو كقطرات الرحيق الأخيرة التي يرتشقها رجل دفعة واحدة فتفتح الطريق أمام شلالات رجولة غير منتاهية، تفحصها دول خحل، من حذائها الكلاسيكي الأسود ذي الكعب المتوسط إلى جوربها الأسود الخفيف الشديد الأنثوية الذي يظهر منه مسافة شبر كامل قبل أن تقابله حافة تنورتها السوداء وبلوزتها الحريرية بلون العنب الداكن الذي تتخلله زهور صيفية، كيف مزجت العنب مع الورد في إكسير مُحرم كالخمر!
كرقبتها المزينة بسلسالين من ذهب، كلٌ لها شكل مختلف وربما دلالة، امرأة غامضة، كغموض ما تخطاه من مفاتنها قبل وصوله لرقبتها، وصل وجهها المستدير، تزم شفتيها على أفكار بدت مرهقة وربما خيبة أمل!
قد رأى خيبة أمل ممتزج بالغضب في عينيها السوداوين قبل قليل حين غادرت غرفة مأوى.
دارت عيناها عبر الحديقة ببطء حتى وصلته، واقفًا على مقربة يبادلها النظر، توجه صوبها بجراءة تامة، توسعت حدقتاها تأهبًا لوصوله، ودون دعوة جلس، ترك بينهما مسافة نصف متر واحد، ونظر أمامه، صدمتها وقاحته، لا تعرف من أين أتى بها ليقتحم جلستها ببساطة هكذا، سألته بحاجب مرفوع:
ـ عفوًا، هل تعرفني حتى تجلس جواري هكذا دون دعوة؟
كأنه لم يسمعها للحظة، جعلت الدم يفور حتى رأسها:
فسألته دون حذر:
ـ هل تسمعني؟
أدار رأسه إليها ببطء حتى وجهها تمامًا، سقطت عيناها في جُب عينيه فجأة، زلّت قدماها وسقطت معها، شيء غامض ربط نظرتهما، للحظة قبل أن تزيح ببصرها عنه، عاقدة جبينها، تزم شفتيها وتنظر أمامها فيما بقي هو على حاله يتأملها ويتأمل ثورتها المكبوتة، سألها مندهشًا:
ـ هل تملكين المقعد؟
أثار ضيقها، إضافة إلى رهبة خفية تسللت إليها، أجابتها بجمود كامل:
ـ من اللباقة أن تطلب إذن امرأة وددت الجلوس جوارها.
رفعت يدها تزامنًا مع ذلك تمسد وجنتها، ترتدي الكثير من المشغولات الذهبية، رقيقة كلها من خواتم تلتف حول إصبعين من كل يد وأساور لكنها عديدة بشكل ملحوظ.
وكان مباشرًا، رجلًا لا يحب الطرق الملتوية:
ـ لماذا لم تتزوجي إلى الآن!
اتسعت عيناها وشهقت مصدومة، تعود فتنظر إليه وتسأله:
ـ كيف عرفت ذلك، هل سألت عني، سألت من، ولماذا؟
توالت أسئلتها ففضحت توترها، منحته فرصة الاسترخاء تمامًا والتمادي كليًا:
ـ بكِ شيء يبحث عن رفيق.
كان واضحًا، وصريحًا، ووقحًا وصادقًا، نهضت رمانة فجأة، رمته بشرر وقذائف:
ـ كيف تحدثني هكذا، لن يمر تحرشك بي ولا وقاحتك بسلام، سأقاضيك على تطاولك وتحاوزك معي.
تشبع وجهه بابتسامة بدت هادئة، نهض بدوره ووقف قبالتها، يغرق في شعوره بالانتصار:
ـ حسنًا، اتفقنا، أنا أنتظر الشكوى في قسم الشرطة.
وكما فعل مع مأوى قبلًا، عرّفها بنفسه:
ـ أنا جبريل شمس الدين، احفظي اسمي جيدًا.
كزت على أسنانها بعنف كررته خلفه متسائلة:
ـ جبريل شمس الدين من؟
اتسعت ابتسامته فجأة وعلق ذاهلًا:
ـ تنطقين اسمي بطريقة رائعة، كيف بدلتِ الراء بالغين، أنتَ مثيرة للاهتمام.
وجدت نفسها تلقائيا ترمقه كمخبول ثم تنحسب من محيطه، فلا ينقصها متحرش ينزع نهارها أكثر من ذلك.
***
أجادت الاختباء منه رغم عملهما في المشفى ذاته حتى تتالت الأيام، ظل يبحث عنها دون تضييق الخناق، حدسه أخبره أنها تريد لنفسها بعض الهدنة بعد ما حدث لها في بيته، لومه لطاهرة وأمها لم ينقص من لومه لها، ليس هكذا تُدار الأمور.
وبدا أنها تخلت عن جزء من حذرها بعض الشيء حد أنه قابلها وجهًا لوجه في منتصف إحدى ردهات المشفى، تصلبت أمامه وحركة يدها الدينامكية البطيئة فيم تخبئها داخل جيب معطفها الطبي وشت له بمقدار اضطرابها، واضطرب مثلها، لم يسبق له أن وضع بين سندان زوجة ومطرقة فتاة تحبه من قبل، سار إليها ببطء، ورائحة عطرة الممتزج ببقايا التبع مارست عليها تعويذة قهر وحُرقة، ليس لها على أيه حال وعليها التعامل مع تلك الحقيقة.
شحذت ثباتها كاملًا وافتعلت ابتسامة هادئة فيما تستقبله:
ـ مرحبًا، كيف حالك؟
استنكفت عن نطق اسمه حتى وصلها بهدوء يحاول منه التركيز وقراءة تعابير وجهها وكانت أكثر جمودًا مما يمكنه من ذلك، تبسم محياه ببعض العطف الذي كرهته:
ـ بخير يا رنا، كيف حالك أنتِ؟.
ليست بخير، ليست بخير البتة طالما قلبها ينبض بذاك العنف في حضوره، عليها وأد تلك المشاعر التي سمحت لها بفضحها وتعريتها أمامه وأمام الجميع، لاحظ توترها وزيغ بصرها فترفق بها بصوت دافئ:
ـ علينا التحدث يا رنا.
هزت رأسها بانفعال كان واضحًا أكثر من اللازم:
ـ سنتحدث عن ماذا؟، كل شيء بخير.
انحسرت بسمته، وحل محلها الكثير من الأسف:
ـ سأنتظرك بعد انتهاء عملك، هاتفيني ما إن تنتهي منه.
ترك وجهها حائرًا وكل شيء فيها ليس في محله، بعثر دواخلها وترك لها الساحة تنازل حبها له وحدها.
بعد عدة ساعات كانت جالسة جواره في سيارته، بيدها علبة مليئة بالمثلجات التي تحبها وبالأخرى ملعقة صغيرة عليها بتناول المثلجات بها، وأضحت عاجزة عن البلع، حاول عدة مرات والغصة في حلقها تغلق الطريق أمامها كليًا، قبض عن مقود السيارة الساكنة على الطريق وطفق يرتق جزء من كرامتها:
ـ أود الاعتذار عمّا حدث برمته.
وخزتها عيناها، عاودتها الذكريات المقيتة كلها دفعة واحدة، هزت رأسها عدة مرات وضمت كوب المثلجات بأناملها الرقيقة:
ـ لا بأس.
تردد صوتها بحشرجة بالغة جعلته يأسف على حالها وحاله، استدار لها بكليته، ورغم أنفه تأملها، لم يفعلها بتلك الطريقة قبلًا، جذبه النظر إلى استدارة وجهها فيما تنظر أمامها، رعشة رموشها أَذِيَتْ مشاعره، وزمة شفتيها العاجزة زادت من غيظه، ولوهلة ضرب رأسه شيء مباغت، رآها كامرأة حقيقة للمرة الأولى، لطالما رأها كأخت وابنة خالة، تأمله المتفحص لها أيقظ شيء غامض في صدره، أوجعه بشدة، جعله يزيح عينيه عنها ويسترخي في جلسته ليستند بمرفقه لحافة النافذة المفتوحة ويشرد في الفراغ الخارجي، بعد فترة صمت مترقبة تمتم ببعض الغضب:
ـ ما كان عليكِ التحدث مع طاهرة أبدًا يارنا.
قضمت رنا شفتها السفلى وأخفضت يديها القابضتين على علبة المثلجات لحجرها، وأخفضت رأسها أيضًا في موافقة ضمنية لرأيه، لم يعاود النظر إليها وفضل الشرود على الوقع أسير تلك اللحظة التي لم يتصورها يومًا، اندهش من نفسه، ومن شعور الانجذاب الذي سيطر عليه قبل لحظات واستمر دون مغادرة، تكورت قبضته وشعر بالنقمة على طاهرة، هي السبب الرئيسي فيما حدث، هي من شقت الثغرات بينهما مهما وكلما سعى لغلقها شقت غيرها حتى اهترأ ما بينهما إلى تلك الدرجة المثيرة للشفقة، تهدجت أنفاسه فمد يده يجذب علبة تبغه التي سحب منها واحدة حركها بخفة بين أنامله قبل أن يشعلها بقداحته، تركت له الساحة كليًا وانعزلت عنه وحدها، لو عليها لتوسلت الأرض أن تبتلعها لكن حماقتها هي العلة، هي من فعلت هذا بنفسها، كان حبها حبيس صدرها لا يدري به أحد ولا يكلفها كل هذا الهدر لكرامتها ومشاعرها، سمعته يتهكم بعد زفرة دخان كثيفة:
ـ من المفترض أن الزوجة تكون آخر من يعلم يارنا.
جلدتها حروفه والعبرات التي سكنت مقلتيها دون سقوط:
ـ لا أريد التحدث في الأمر من فضلك.
قاطعها دون سيطرة:
ـ يا حبيب....
قطعها قبل نطقها، اعتاد نعتها بحبيبتي دون قصدها فعليًا، دومًا قصد شيء آخر غير هذا الذي تفرضه الكلمة، عدل من جملته وتهذب في التحدث إليها:
ـ يا رنا، لابد أن نتحدث، أنا مدين لكِ باعتذار ولن أتركك وحدك تواجهين كل هذا.
افتعلت ضحكة وتشوهت على حافة ثغرها:
ـ أنا التي عليها الاعتذار، أنتَ متزوج وزوجتك تحبك، كانت لحظة حمق مني سامحني عليها.
سمحت له استدارتها إليه بتأملها مرة جديدة، الفتاة شديدة الجمال والجاذبية، رقيقة بشدة يكاد يطويها بكفه، وشفتيها الممتلئتين في لحظات تزمها تواري رجفتها وأخريات تفرق بينهما فتحرر شعورها، أطبق أجفانه متنفسًا بصعوبة، وتحركت يده تفتح باب السيارة ليهبط بسرعة ويتركها مصدومة، أغلق بابه بحدة ملحوظة، ألقى ببقايا لفافة التبغ بعيدًا واستند إليه موليًا إياها ظهره، كتف ذراعيه على صدره وحارت عيناه تسبحان في المدى، الهواء من حوله مائل للبرودة لكن حجيم صدره أكثر مما يسمح له بالراحة، ماذا يحدث معه، هو يحب طاهرة ولا يتمنى سواها وما يشعر به الآن مغايرًا لعشقه العارم لها، كما رنا أخته وستظل كذلك.
شعر بها تسير إليه بعد فتحها باب السيارة وهبوطها جاهلة تمامًا بما يدور في رأسه ويتسلل إلى صدره، وقفت على مقربة منه، يدها فارغتين متكورتين جوارها، تمتمت بخفوت يائس:
ـ فاروق، لقد أخطأت، ووضعت نفسي في مكان لا يناسبني.
ارتجفت شفتاها وفيما يرمقها بجانب عينيه استقرتا عليهما، تحركت تفاحة آدم خاصته ببطء، تصنع الضحك والمزاح:
ـ الغريب يا ابنة خالتي أن ابنة عمي لا تحاول بأي طريقة وتود التخلص مني ولا تمانع في ترك ابنتنا لي ببساطة.
تهرب من الانجراف خلف المجهول الغامض الذي يجذبه إليها واستمر في مسرحية المزاح للنهاية:
ـ وابنة خالتي تريد نصف حياة فقط.
اكتمل كل شيء بسخرية لاذعة:
ـ في رأيك، أنا لا أصلح كزوج لحياة كاملة عادية وطبيبعية، أحب زوجتي وتحبني بالقدر نفسه؟
هم فمها بالإجابة لكنها كبحتها بأعجوبة، بدت في عينيها الملهوفتين عليه، رمشت عدة مرات وتقهقرت للخلف، لا مزيد من التصرف بتلك الطريقة المخزية، حمحمت بخفوت وأجابته:
ـ أنا أسأت تقدير الأمر، بإمكانك التحدث مع طاهرة وتسوية الأمر معها.
حل وثاق ذارعيه واستدار قليلًا يمد يده داخل السيارة يجذب علبه التبغ والقداحة وأشعل واحدة وأخذ يستل منها يفرغ يأسه فيها، نفث آخر دخانها ودعسها تحت قدمه بعد الانتهاء منها، وانتظرته بصبر، دون تحدث أو اقتراب، سألها مباشرة فيما يثبت نظرته في عمق عينيها الواسعتين بلونها البني اللامع:
ـ وأنتِ كيف سأسوي الأمر معكِ؟.
تحرك بؤبؤي عينيها برجفة ملحوظة له، وقضت على اللحظة الحقيقية بأخرى زائفة دعمتها ضحكتها الهادئة:
ـ لا تهول الأمر هكذا، أنت تعرف أنني عملية ولم أورط مشاعري في الأمر.
كذبها مفضوح لا يحتاج أي ذكاء منه، عض شفته بقسوة وأخفض عينيه عنها، تفادى السقط في المحظور وأبعد خياله عن جسدها فتلك نقطة لا عودة لا يود الوصول إليها.... على الأقل الآن وطاهرة لا تزال معلقة به.
استل من الهواء ما أكفى صدره ومن ثم أشار للسيارة باسمًا:
ـ هيا أوصلكِ يا رنا، لقد تأخر الوقت.
طوقتها بحنان نظرته فيما تعود أدراجها وتجلس محلها، جاورها في مقعد القيادة وعاد وأوصلها إلى بيت خالها وكل منهما شغل عقله وقلبه ألف قصة وقصة وأشياء عدة لم تروى بعد.
انتهى الفصل
ولا تزال للحكايا بقايا.


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس