عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-24, 11:50 PM   #990

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 4,050
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

لطالما كانت صالة استقبال بيت الكردي صامتة رغم الحوارات المتبادلة بين شاغليها، باردة مع ازدحامها بأفراد العائلة، تبدو مع فخامتها أشبه بمتحف مُهْمَل لا يتحمل الزائرون البقاء فيه طويلًا.
الآن بعد أكثر من عام على تبدل الأحوال وانتهاء الخطر عاد الدفء، عادت السكينة، وعادت الـ.. ضوضاء!
فَـ(موسى) القابع في سكون إلى جوار والده يراقب في حماس تلك الحركات التي يؤديها أخوه الأكبر قبالته، يبادله الضحكات، ويحاول في إصرار القفز إليه أرضًا؛
و(نور) الذي يحرص بين الفينة والأخرى على إصدار صرخة حادة لا تعود أسبابها إلى جوع أو ألم أو أية حاجة حقيقية، لا ينفك يُذَكِّر الجميع بوجوده وهو يحاول تنبيههم إلى ضرورة الإسراع في إنقاذه من بين ذراعي والده والذي جرب أوضاع عِدة كي يحمله ففشل فيها كلها!
أما عن (رواء).. "أميرة عائلة الكردي" كما يطلق عليها جدها، و"ابنة السَّقَّا" كما يصر والدها على تلقيبها بلا اكتراث لاستهجان الجميع فقد استكانت في استسلام أسفل عباءة جدها.
وبابتسامة راضية باتت جزءًا لا يتجزأ من ملامحه راحت عيناه تمسح أفراد عائلته..
أواصر مخلصة؛
نسل به يفتخر؛
والعزوة التي لطالما تمناها..
لعام كامل واظبت حفيداته وأزواجهن على المبيت بالبيت بعطلات الأسبوع، كما تفعل ابنته وزوجها أيضًا في حال سفر ابنتي شقيقه إلى خالتهن.
لعام كامل سرى الدفء في أعمدة منزل بناه بيديه وشعر أنه سيتهدم فوق رأسه بفعل غدر البعض؛
ولعام كامل كان ينتظر كل نهاية أسبوع بفارغ الصبر!
مشتاق لصهره العاطفي أكثر من اللازم الذي أثبت صدق حبه وتمسكه بحفيدته الكبرى، كما أثبت أيضًا أنه قد تجاوز تلك المحنة التي كادت تودي بزيجتهما؛
مشتاق لصهره الهمجي الذي أكرم حفيدته الوسطى ولم يبخل عليها بما في مقدرته، ومؤكدًا أنه قد استفاد من تجربة الانفصال المريرة جيدًا؛
وبالطبع مشتاق لصهره الخجول الذي برهن له يومًا بعد يوم أن حفيدته الصغرى كانت نافذة البصيرة حينما صدت الجميع في تصميم واستقبلته وحده بأشد الترحاب؛
مشتاق لِتَجَمُّع يستمر ليومين بعمر دقائق فلا ينفك يحصي الأيام بعده حتى تحين العطلة التالية!
اتسعت ابتسامته وردد راضيًا:
_لله الحمد والمنة!
وشملت وجهه كله وهو يتابع مُمتنًا:
_لله الشكر والعرفان!
...
"تعال لأبشرك!"
في اختصار همس الأستاذ ضياء لياسر الذي تطلع إليه بحماس للوهلة الأولى وما لبث أن تراجع في مقعده ليقول غاضبًا وهو يكاد يطحن أسنانه:
_يا إلهي! حامل.. أليس كذلك؟! أمي حامل!
تنهد الأستاذ في ضيق ثم ألقاه بنظرة ممتعضة قبل أن تتسع ابتسامة مُغيظة على ثغره ليربت على إحدى كتفيه ويُعلق:
_كم مرة عليّ التأكيد لك أنه لو حدث الحمل سأكون حريصًا على إخبارك أنت قبل الجميع؟!
وضع ياسر كَفًّا واحدة على قلبه لأنه لا يجرؤ على رفع الأخرى من أسفل رأس طفله كي لا يصرخ، وحرر نفسًا مُعبَّأ بالارتياح ثم قال:
_حمدًا لله! كدت أُصاب بنوبة قلبية في التو واللحظة!
ثم رسم ابتسامة مُتسعة أكثر مما يجب ليتابع مُشيرًا إلى نور الذي بدأ يتململ على فخذيه وأضاف بنبرة صدح فيها التوسل:
_لكن.. لو أنك ترغب بتجربة الأبوة منذ بدايتها لِمَ لا تأخذ حفيدك بضعة أيام عَلَّني أستعيد قدرتي على سماع الأصوات الأخرى؟!
عقد الأستاذ حاجبيه ليسأله في استنكار:
_أتترك طفلك؟!
_وأمه أيضًا!
بلا تردد أكد ياسر وهو يختلس النظر إلى حيث تثرثر زوجته مع بنات خاله، ثم استطرد في نبرة خافتة:
_لا تنفك توبخني بسبب عدم استطاعتي التعامل معه في سلاسة كما تفعل هي، مُتغافلة عن أنها أنجبت نسناسًا صغيرًا أرى على يديه الأهوال وهو لم يستطع القعود بعد!
ثم أردف في جدية:
_ليكن في معلوماتك أنها السبب وأنا أُبرئ ذمتي من الآن، نصحتها كثيرًا أن تتوقف عن مشاهدة أفلام الرعب أثناء الحمل فلم تكترث!
تطلع إليه الأستاذ في إشفاق تلقائي، ثم لكزه برفق كي لا ينزعج نور الذي شرع يتلوى بلا سبب بين يديه:
_هل انتهيت من الشكوى؟ ألا تريد أن تعرف ما لديّ؟!
في اهتمام رمقه ياسر فتابع هامسًا في ابتسامة واسعة:
_لقد ابتعت الصنارة بالأمس، لديك واحدة.. أليس كذلك؟!
فغر ياسر شفتيه لثانية ثم سأله ذاهلًا:
_هل وافقتك أمي بهذه البساطة؟
تعبير بالزهو احتل وجهه ثم رد مُبتسمًا:
_أستطيع التأثير بها!
في سخط نظر له ياسر ليتنحنح قبل أن يُضيف بنبرة ظللها الحرج:
_لأكون صريحًا لم أفعل بعد، لا أحب إثارة قلقها، لِذا انتظرت حتى اليوم كي لا تستطيع الاعتراض أمام الجميع.
تأفف ياسر في نزق ثم قال وهو يبحث عن زوجته فيرميها بنظرة ساخرة:
_لكن سلام تستطيع الاعتراض أمام الجمـ..
_أمام مجلس الأمن ذاته!
قاطعه الأستاذ في تأكيد، في يأس، ولم يلمح بسمة ياسر الماكرة أثناء استداركه:
_ليس وإن كان جدي حاضرًا!
ثم طَلَّ الغيظ من تعبيره أثناء مواصلته الحائرة:
_إلى الآن لا أتمكن من تفسير تناغمهما السريع، لم يعد لديّ شك بأنه على استعداد تام لرميي خارجًا إن شعر أنني قد أغضبتها!
"ماذا تدبر مع معلمك يا ولد؟!"
والسؤال طرق أذنيهما فجأة حين اتخذ صاحبه من المقعد المجاور لهما مجلسًا وهو يضم الرضيعة النائمة على صدره، تبادل ياسر مع مُعلمه نظرات اتفاق ثم أجابه في خفوت:
_سنخبرك على شرط أن تساعدنا!
بان الاهتمام على وجه الجد فتابع ياسر أثناء تربيته على نور متوسلًا صمته لقاء الصفعات التي تحط منه على خده في المقابل:
_إنها رحلة صيد مؤجلة، لكن أمي وسلام لا تعرفان بشأنها، وبالطبع لا يريد أحدنا معرفتهما فتبدآن بتوقع شتى أنواع الكوارث التي قد تحدث وكأننا سنتجه إلى محمية حيتان "الأوركا"!
في ارتياب نقل الجد نظراته بينهما ليسألهما مُتشككًا:
_لماذا؟ ماذا ستصطادان بالضبط؟!
_أسماك بالطبع يا حاج!
وفي سرعة أجابه الأستاذ ضياء ليلتقط ياسر طرف الحديث راجيًا:
_أنت تعلم أننا لو اصطحبناهما معنا ستواصلان الثرثرة وإبداء الهلع والاعتراضات بينما نحن نحب الهدوء، هو إحدى مزايا الصيد في الأصل لكنهما ستفسدانه، بالإضافة إلى أن بكاء نور المتواصل سيرهب الأسماك بالفعل!
زم الجد شفتيه وبدت عليه أمارات التفكير لثوانِ، ثم قال فجأة في جدية:
_سأساعدكما، لكن بشرط أن تصحباني معكما!
ارتسمت الدهشة على وجهيهما معًا حتى نطق ياسر في توجس:
_الرحلة ستكون مرهقة بشدة يا جدي، لن تتحمـ..
وابتلع عبارته حالما رفع جده سبابته أمامه وهز رأسه رفضًا ليقول في إصرار:
_لا! لا! أنا لن أكرر ما حدث بالعام قبل الماضي حين ذهبت معه إلى العين السخنة لتتركاني رفقة البؤس والنكد، سني لم تعد تتحمل، صحتي أيضا لن تتحمل فلا تجبرني على سرد المخاطر التي قد تتعرضان لها سويًا في البحر فتسمعان البكاء والعويل بدءًا من الآن!
ذهول عارم انبثق من نظرات ياسر الممعنة في جده وهو يكافح لتصديق أن جده يقوم بـ..ابتزازه!
ولولا أنه كان يراقب الابتسامة الواثقة على ثغره لظن أنه يهذي!
_حسنًا! لنذهب سويًا يا حاج!
بهذه العبارة حسم الأستاذ ضياء الأمر وانتزع ياسر من دهشته، وقبل أن يبدي الأخير اعتراضًا اعتدل جده في مقعده وربت تلقائيًا على رواء في حنو ليبحث بعينيه عن ابنته.
_أماني! سيذهب زوجكِ وابنكِ في رحلة بحرية للصيد.
ساد الصمت المكان وسكت الجميع بلا مقدمات، حتى نور الذي كان لتوه يقدم وصلة إبداعية في فن البكاء سكن احترامًا للثورة الآتية!
بسرعة غير اعتيادية تقدمت أماني من زوجها وابنها الذين ظهر الأسف رفقة القلق على وجهيهما، لتهتف في حنق:
_رحلة صيد؟! في عرض البحر؟! يا إلهي! كيف ستفعل يا ضياء؟! ألا تخشى الـ..
_سأذهب معهما أيضًا فلا آمن على حكمة تصرفاتهما بمفردهما، سوف نصطاد على الشاطئ.
قاطعها والدها بصرامة ليتدخل ناهل ساخرًا في خفوت سمعه الجميع:
_حتى أسماك الزينة لا تسبح على الشاطئ!
بِحدة رمقه الحاج فؤاد فتراجع عن الاستطراد في تهكم يؤجج انتعاشه، لتحيط أماني زوجها بنظرة لائمة ثم تسأله والخوف يعتري نظراتها:
_هل دبرت الأمر دون استشارتي يا ضياء؟!
وخوفها عليه لا يُسبب له ضيقًا كما يتوقع الجميع، بل يدفعه لِشُكر ربه على نعمة حظى بها حين لم يكن في انتظارها..
لِذا وقف قبالتها ليتجه إليها حاملًا أكثر تعبيراته شاعرية:
_لم أرغب بأن أُثير قلقكِ يا حبيبتي! الأمر لا يستحق على الإطلاق، يومان لا أكثر وسنعود لتعدين لنا أشهى الأسماك بيديكِ، فلا يستطيع أحد مجاراتكِ في الطهي!
كتم ناهل ضحكة استخفاف ستودي به إلى الطرد من البيت قبل تناول الطعام وهو يلحظ استكانة أماني الفورية وتراجعها تجاه المطبخ يتسلل الاقتناع إلى ملامحها، واضطر زوجها لخفض رأسه أرضًا كي يخفي ملامح استمتاعه فور أن رأى ياسر يضغط على أسنانه، إلا أن هارون الذي كان يترقب ردة فعل معينة ولم يحصل عليها هتف في غيظ:
_ألن تُعلق بأي اعتراض على ما سمعت للتو يا حاج؟! ألا يندرج هذا تحت بند العاطفية أيضًا؟! لماذا التمييز في المعاملة؟!
بلا اكتراث تطلع إليه الجد قبل أن يوجه حديثه إلى سلام التي اتخذت من الصمت تعليقًا إلى الآن، وسألها في هدوء:
_ما رأيكِ يا سلام؟
تنهدت في امتثال ثم ابتسمت وقالت بلا تردد:
_سوف أكون أكثر اطمئنانًا ما دمت أنت معهما يا "جدو"!
ابتسم لها في استحسان ثم تطلع إلى ياسر والأستاذ ضياء في زهو وهو يلمح علامات الدهشة التي تشاركاها في إنصاف، فالتفت الثاني إليه ليسأله في صمت، ولم يتأخر ياسر في الإجابة بكل ثقة:
_مُشعوذة! ثق بي يا أستاذ ابنة شقيقك مُشعوذة محترفة وهذا هو التبرير الوحيد! ولو فكرنا بالأمر مليًّا لوجدنا أنه التفسير المنطقي لتحويل رغبتي في خنقها إلى احتضانها!
رفع الأستاذ حاجبيه ليقول زاجرًا:
_احترم نفسك وإلا رميتك بنفسي لتلك الحيتان!
لكن ابتسامة ياسر المُتحدية أكدت له أنه لن يرتدع!
...
"يا إلهي! كيف يصمت هذا؟!"
في نزق تمتم وهو يخسر أمام طفله الذي يبدو أنه يتعمد إغاظته بصياح مستمر لا يريد به إلا إصابته بالصمم!
_هدهده قليلًا يا رجل! أتنتظر منه أن يسكت ضجرًا؟! لا يضجرون!
هتف به هارون في سأم بينما أخذ نور يتلوى أكثر فوضع الأول موسى أرضًا برفق ليبدأ في رفع ذراعيه تجاه يزن الذي انطلق إلى أخيه بلا تردد حتى جلس إلى جواره وبدأ بملاعبته..
مد هارون يديه تجاه ياسر قائلًا في تعجل:
_أعطني إيـ..
لم يدعه ياسر يتم عبارته ليهب واقفًا وينفذ طلبه المبتور، فما كان من هارون إلا أن بدأ في هدهدته ليسكت نور على الفور!
أخذ ناهل يراقب دهشة ياسر في ابتسامة مُتسلية ازدادت اتساعًا ما إن أمسك بطفله مرة أخرى ليندلع صراخه مرة أخرى بالمثل!
"لا تحاول تفسير الأمر يا ياسر! هارون أب بالفطرة، أنا نفسي لا أستطيع منافسته في العناية بالطفلين."
تدخلت لين وهي تتطلع إلى زوجها في حب فمنحها ابتسامة خلابة تلاشت على الفور ما إن صاح الجد:
_علام اتفقنا يا ولد؟!
تنهد هارون مُتظاهرًا بالحنق فيما تراجعت لين فورًا في أدب إلى حيث طفليها، إلا أن كلمات ناهل المُتهكمة لاحقتها:
_حاذري يا لين! هذا يدل على خبرته بشؤون الأطفال، أتساءل من أين اكتسبها!
منحته لين نظرة لا مُبالية فيما استعاد ياسر طفله مُجددًا في إصرار على حل هذه المُشكلة العويصة، فما كان من نور إلا أن بدأ بالصراخ حتى سكت عندما حمله هارون، هذا الأخير أخذ يلقي الجميع بنظرات مزهوة شجعته عليها زوجته!
تأفف ياسر في نزق ثم طلب مساعدة ناهل فعاجله رافضًا:
_لن أفعلها! ابنك هذا سيكون عنيفًا للغاية، ما إن أحمله حتى يبدأ بجذب لحيتي كي يخلعها!
_ألا تفعل رواء المثل؟!
باستهجان سأله ياسر فسرعان ما ابتسم ليُجيبه بنبرة انقضت عليها العاطفة بلا إذن وعيناه تحاول النفاذ إلى حيث يخبئها جدها وكفه تواصل التربيت عليها تلقائيًا:
_رواء حبيبة أبيها تفعل ما تشاء، لتخلعها كلها وسأطلقها ثانيًة لأجلها!
سمعته إيلاف فتنهدت في سعادة ثم نظرت إلى سلام وعَلَّقت في تفاخر:
_أرأيتِ كم هو حنون؟!
ثم انقلبت ملامحها فجأة لترمقه في حدة وتابعت:
_لماذا لا يتعامل معي دومًا بهذا اللطف مثلما يفعل مع رواء؟!
ضحكت سلام حين هتف لؤي فجأة بلا مُقدمات:
_لماذا تأخر نضال؟ لقد أُصبت بصداع بسبب الإزعاج الصادر عن هذه الروضة التي بتنا نعيش فيها أسبوعيًا، كما أنني أتضور جوعًا وأود العودة إلى غرفتي الهادئة حيث لا أثر لرائحة لبن الأطفال ومرهم التسلخات..
_لا تتحدث عن رواء بهذا الشكل يا لؤي!
_يزن وموسى يفعلان ما يشاءان أينما كانا يا لؤي!
_لقد شفى نور من التسلخات يا لؤي!
والعبارات الصارخة الزاجرة انطلقت من إيلاف ولين وسلام في الآن ذاته، فما كان منه إلا أن تراجع إلى حيث يجلس أزواجهن رافعًا كفيه أمامه في اعتذار صادق وإن كان يرمقهن في قهر، وبِغض النظر عن انزعاجه الواضح قام ياسر بوضع نور بين ذراعيه بلا طلب إذنه!
ونحنحة خشنة سبقت إلقاء السلام أنقذته من وصلة توبيخ ثلاثية لا قِبَل له بمواجهتها بمفرده، ولا إن طلب المساعدة!
في حرص ارتمت غفران بين ذراعي جدها ثم لثمت رأسه قبل أن تطبع قبلة سريعة على جبهة ابنة شقيقتها المستغرقة في النوم رغم كل هذه الأصوات، وبالمثل فعل زوجها ثم اتجه إلى "ركن المقهورين" حيث يتضح الضيق على أوجه لؤي وناهل وياسر، بينما يبدو هارون وكأن وجوده برفقتهم خطأ فالارتياح يسكن وجهه رغم التعب فيما أخذ يلاعب الطفلين بواسطة كُرة صغيرة من مكانه!
"نسيباي العزيزان كيف حالكما؟ أرى البؤس رفقة الهالات السوداء يحيطان بعينيكما، ألا تحصلان على قدر وفير من النوم؟!"
في تهكم بادرهما نضال أثناء مصافحته ياسر ثم لؤي، وحينما اتخذ مجلسه إلى مقعد مجاور لناهل رد عليه الأخير ساخرًا:
_ما يقرب من ثلاثة أشهر حتى موعد الوضع، أليس كذلك؟! لنرى حينها كيف ستغمض أنت عينيك!
قابله نضال بضحكة رائقة ثم رنا ببصره تلقائيًا إلى زوجته حيث بطنها التي تخفي بداخلها جنينًا مُراوغًا لا يوافق على التعديل من وضعه كي يستطلعان نوعه حتى الآن!
_كنا ننتظرك حتى نُنظم أمر الرحلة.
بادره هارون في جدية فتطلع إليه مُتسائلًا:
_أية رحلة؟!
تناول هارون هاتفه ليعرض عليه صورة دعائية تشمل عروضًا لأحد المنتجعات السياحية، مع مزايا مُتعددة يُقدمونها للمشتركين..
تطلع نضال في اهتمام إلى الإعلان وأخذ يقرأ كل كلمة في إمعان، إلا أن هارون تابع في حماس:
_ألم تعرب بالأسبوع الماضي عن رغبتك بالسفر إلى أحد المنتجعات السياحية؟! بإمكاني الحجز لنا جميعًا الآن عن طريق الهاتف.
رَفَع نضال عينيه عن الهاتف في توجس، ثم قال مُتعجبًا:
_أشكرك لاهتمامك يا هارون، لكن من تقصد بـ.. "لنا"؟!
وأجابه هارون بأن أشار بإحدى كفيه لجميع من بصالة الاستقبال، وقبل أن يستوعب نضال قال ناهل موافقًا:
_إنها فكرة رائعة، أحببتها!
اتسعت عينا نضال في دهشة لم يجد الفرصة للتعبير عنها حين سأل ناهل شقيق زوجته:
_ما رأيك في رحلة إلى أحد المنتجعات السياحية لبضعة أيام؟ عَلَّك تتخلص من ضغط العمل قليلًا!
وبلا تردد أومأ لؤي برأسه في تتابع وهو يشير إلى ياسر أثناء محاولة نور فقأ إحدى عينيه:
_أنا في حاجة ماسَّة لها! أو سأذهب لمشاهدة تلك الحيتان مع ياسر والعم ضياء، بالتأكيد ستكون أكثر رأفة بي!
تنحنح نضال واعتدل في مقعده ليبتسم بدبلوماسية، ثم قال في تهذيب:
_يبدو أنني لم أوضح جيدًا!
وأخذ تخير كلماته حتى لا ينطق بما لا يتفق مع أخلاقه كما يرغب وبشدة، ثم استطرد في هدوء:
_أنا وغفران لم نسافر منذ زواجنا، لذا أرغب بأن تقضي وقتًا ترفيهيًا قبل الوضع وانشغالها مع الطفل.
زم ناهل شفتيه مُتطلعًا إليه في تفهم، لكنه ما لبث أن عَلَّق:
_ أظن أن إيلاف ستسعد كثيرًا بقضاء عطلة كهذه لأننا أيضًا لم نسافر منذ الزواج!
فتح نضال فمه كي يبدي اعتراضه لولا أن نظر ناهل إلى هارون مُتسائلًا في جدية:
_هل فعلت أنت؟
على الفور هز هارون رأسه نفيًا ثم قال وهو يمعن النظر في نضال ببسمة مُشاكسة:
_لا، لكنني عثرت أخيرًا على موظف لإدارة المكتب، لِذا نستطيع تنفيذ اقتراحك.
تراخت ملامح نضال وهو يعي اتفاقًا مُتكررًا يدور بينهما على إخراجه عن طوره كما العادة، ولولا أنه يُفضل رؤية تعبيرات الحنق والغيظ على وجهيهما حينما يهب الجد للدفاع عنه كل مرة لتصرف بشكل مغاير!
ضاقت عينا هارون وهو يُحدق في صورة الإعلان لوهلة قبل أن يبدأ بتكبيرها، ثم مد يده بالهاتف إلى ناهل قائلًا في خفوت بعد أن تأكد من انشغال زوجتيهما:
_انظر في الأسفل!.. عروض التدليك!
اختطف ناهل الهاتف بلا تردد ليُكبر الصورة أكثر مُتسائلًا في لهفة:
_هل هي..؟
vip._
وحينما أكمل هارون عنه سؤاله رفع نظراته إلى نضال الذي يرمقهما بنظرة ممتعضة:
_لن أستطيع الرفض إذن!
ولَمَّا ضحك الاثنان ساخرين تأفف نضال مُشيحًا بوجهه عنهما ومُتمتمًا في ضيق:
_لا أمل بكما! أستغفر الله العظيم!
ثم ما كانت إلا دقائق حتى زفر في استسلام ليميل على أذن ناهل مُتسائلًا:
_هل قدمتموها له؟!
هزة نافية أجابه بها سبقت إجابته:
_كنا ننتظركما.
وإشارة خفية ألقت بها سلام إلى زوجها فاتجه إليها على الفور بعد أن تظاهر بعدم سماع نداء لؤي المُتوسل بأن يأخذ طفله!
وبينما كانت إيلاف مع الأستاذ ضياء يُلهيان الجد لئلا ينتبه صعد ياسر إلى جناحه كي يُحضر الـ.. هدية!
في اندفاع عادت كل من أماني وهالة من المطبخ رغم أنهما لم ينتهيا من تجهيز الطعام بعد، ولا إراديًّا طفرت الأولى العبرات من عينيها وهي تحتضن والدها بلا إنذار فتطلع فيها دَهِشًا، وعندما تراجعت تخفي وجهها الذي تصارع فيه الحب مع الحماس تقدمت هالة إليه منتظرة منه صَدًّا كما العادة.. لكنه لم يفعل!
_أين الطعام يا هالة؟
بادرها مُفتعلًا ضيق لم يعد في قلبه له من مكان، فابتسمت رفقة دموعها لتُجيبه واعدة:
_دقائق وسوف تتناول كل ما اشتهيت يا عمي!
في استحسان أومأ لها، ثم استسلم تمامًا لشعور من الرضا لم يكن حتى وقت قريب يظن أنه قد يتنعم به..
ربما هذه آثار الحج؟
والسؤال كانت إجابته واضحة، صدق في طلبه، تذلل لربه وتوسل إليه، أخذ بالأسباب، فكان أن أغدق عليه بأفضال لا حصر لها.
وعقد حاجبيه في دهشة حينما وقف أصهاره فجأة ليتجهوا إليه بينما حفيداته بالفعل تُحِطن به حين عاد ياسر ليقف أمامه ينظر إليه باسمًا في تأثر لا سبب له!
_ماذا هناك؟!
في ارتياب نطق الجد بسؤاله ناقلًا نظراته بين الجميع بينما كان هو محط أنظارهم، والإجابة لم يسمعها بصوته، بل مد ياسر يده بها له!
_ما هذا؟!
مُتعجبًا سأل وهو يمعن النظر بلا تصديق بعصا سوداء تجتمع فيها القوة مع الفخامة في مزيج خطف نظراته قبل أن يفهم سبب وجودها..
_أنتم لم..
تمتم بنبرة مبحوحة لا تستحكم به إلا فيما ندر، ثم في صعوبة فعلية رفع نظراته إلى ياسر الذي بدأت عيناه بالالتماع كما الغالبية وهم يلاحظون ردة فعل الجد:
_ما هذه يا ياسر؟
ازدرد ياسر لعابه حتى لا يفضح صوته قوة انفعاله، ثم قام بتقريبها منه حتى تقع عيناه على مقبضها المُزخرف خصيصًا لأجله، وأجاب:
_نعلم أنها.. ليست كتلك التي أهدتك جدتي _رحمها الله_ إياها، لكن هذه اجتمعنا كلنا على رغبتنا بتقديمها لك كما اجتمعنا على حبك يا جدي.
تسارعت دقات قلب جده وأصابعه تتقبض في شوق، وفي حماس، وقد بدا أن الحياة قد دبَّت فيها ثانية بعد أن راحت في سبات ما إن انكسرت رفيقتها..
لكنه فغر شفتيه ما إن لاحظ هذه النقوش غير الواضحة تمامًا للوهلة الأولى، فسارع _بيدين مرتجفتين_ بوضع نظاراته الطبية المُعَلَّقة على صدره باللحظة ذاتها حين كان ياسر يؤكد له ما يراه:
_لِذا حفرنا أسمائنا إلى جوار اسم جدتي عليها.
والدموع هزمت الجد أولًا لكنه لم يهتم بمسحها، وحينما أمسك بالعصا وقع قلبه في حبها بلا تردد!
(وِصال)
واسم زوجته الحبيبة كان يتصدر القائمة، كما ظل طيلة عمره يحتل قلبه بلا مُنافس..
ومَرَّت عيناه على اسمي أماني وزوجها، وكأن كان هناك اتفاقًا على ألا يُذكَر الخائنون أو المُتآمرون أو الساكتون عن الحق، وكان هذا العقاب الذي طبقته هالة بنفسها على نفسها!
والأحفاد تراصت أسمائهم كالعقد الذي لا يمكن انفراطه، طفقت أنامله تتحسس الكلمات المحفورة في حب حتى انتزعته سلام من استغراقه لتشير إلى موضع بعينه يجاور اسم زوجها:
_انظر يا "جدو"! لقد حشرت اسمي أيضًا.
أطلق الجد ضحكة صافية عالية أعقبها بأن قال في تدليل:
_اسمكِ في قلبي بالأصل يا بنت!
زفير حاد مسموع حررته غفران وهي ترمقها أتبعته بأن علقت في غيظ:
_المزيد من الصبر يا رب!
واقترب منه لؤي الذي تعرض وجهه لبعض الخدوش هي آثار إعجاب نور به، ثم اشرأب بعنقه ليتفحص العصا مليًّا قبل أن يتراجع مُتمتمًا في تذمر:
_كل واحد منهم اسمه يجاور اسم زوجته إلا اسمي أنا، وحيدًا شريدًا كتائه على قارعة الطريق!
ضحك جده ثانيًة ثم واصل تتبع الأسماء بأنامله حتى وصل إلى الصِغار..
(يزن)
(موسى)
(رواء)
(نور)
و...
ضاقت نظراته وَقَرَّب العصا من عينيه أكثر كي يتأكد مما قرأ، ثم في حيرة رفع رأسه إليهم مُتسائلًا:
_و.. مَن تكون بَيْلَسان؟
ران الصمت بين الجميع في تساؤل مُماثل، وحينما أخذ ياسر العصا من جده ليستطلعها مُتوجسًا كان نضال ينظر لزوجته فاغرًا شفتيه في ذهول..
قابلته هي بابتسامة ساحرة لتضع إحدى كفيها على بطنها وتُجيب جدها دون أن تحيد بنظراتها عن زوجها:
_بَيْلَسان نضال أحمد الزمر يا جدي، حفيدتك المُدللة القادمة!
_كيف..؟ و.. متى؟
بلا استيعاب نطق نضال يسألها، فَرَدت في أسف كللته بتعبير دلال تدرك تمامًا أنه سيؤثر به:
_علمت أمس الأول فقط! ووددت مُفاجأتك.
أجلى نضال حنجرته التي جَفَّت وهَمَّ بقول تعليق لم يدرِ به بعد، لولا أن هتف ياسر فجأة في استنكار:
_وكيف حفرتم الاسم؟! أنا من اتفقت مع المعرض!
_سلام تواصلت معه حينما خبرتها وطلبت منه إضافته!
أجابته غفران في استهجان فرماها بنظرة ساخطة قبل أن يقف الجد فجأة مُتمتمًا بشكر متتابع إلى ربه ثم هنأ غفران ونضال وهو يُعدَّل من وضع عباءته على كتفيه..
وما إن وضع العصا على الأرض وأمسك بمقبضها حتى كادت المزيد من العبرات تنتصر عليه، إلا أنه كبحها ليقول وأنامله تبدأ ردات فعلها اللا إرادية وكأنها تتواصل بطريقة خاصة مع النقوش:
_فخمة، ليست ثقيلة، ويبدو أنها.. متينة بالفعل!
ثم سكت وطاف بنظراته عليهم جميعًا في حب، في أبوة، وفي.. ثقة، ليُضيف:
_وستكون خير سند لشيخ مثلي.. كما الأسماء المحفورة عليها، وفي قلبي!
وأخيرًا ظللت السعادة بغيومها البيضاء عليهم جميعًا وهم يلحظون فرحته المُنيرة بِما تشاركوا في إهدائه إياه، ومُجددًا تدخلت سلام لتقول في حماس:
_اللون من اختياري يا "جدو"!
رفع يده الأخرى ليُربت على رأسها قائلًا في قوة:
_لهذا أحببتها على الفور إذن!
بادلته ضحكته في صفاء قبل أن تنظر _عن عمد_ إلى غفران التي _كعادتها_ ترمقها في سخط مُصطنع جراء الحب الفائض الذي تحصل عليه من جدها في بذخ!
ولَمَّا سار أولى خطواته رفقة العصا ردد تلقائيًا:
_رحمكِ الله يا وصال!
ثم جابت عيناه الجميع فردًا فردًا من أكبرهم إلى أصغرهم حتى وصل إلى بطن غفران التي تحمل آخر أحفاده _إلى الآن_ قبل أن يُتابع بابتسامة:
_وبارك لي فيكم جميعًا!
*****تمت بحمد الله*****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً  
التوقيع
أعمالي على قسم قصص من وحي الأعضاء
*رواية ((لا تَرُدِّي ناشدًا))
* رواية ((على ضِفَّة قلبكِ ظمآن))
*رواية ((سَكَن روحي))
*رواية ((وأذاب الندى صقيع أوتاري))
*نوڤيلا ((بين نسائم أفكاري))
رد مع اقتباس