التوقيت تخطى منتصف الليل.
لكن المحيط العام في ذلك المكان كأنه في وَضح النهار..
اكتظاظ الناس خلف الحواجز الحديدية في أعينهم الحسرة والصدمة لما يروه أمامهم يتزامن مع همساتهم عن السبب الذي أدى لذلك!!
ليلة شتوية تلبد السماء فيها بالغيوم ، البدر مختفيًا خلفها لكن أضواء سيارات الشرطة وأصواتها تكسر حدة الظلام والصمت.
عناصر الشرطة متراصة أمام الناس حتى لا يعدو أحد للداخل ، وكبيرهم يتلقى الاتصالات من المسئولين يتابع معهم ما حدث ينبئه بآخر الأنباء.
ساد الصمت عندما ظهرت سيارة سوداء أفسح الجميع لها الطريق توقفت بجانب سيارات الشرطة وهبط منها شاب ليس بالطويل ولا القصير يرتدي بنطال أسود وكنزة صوفية رمادية فوقها معطف طويل أسود ، خصلاته ممشطة من الأمام إلى الجانب قليلًا يرتدي عوينات طبية يظهر منهما حجرين فحميين وسط فضاء عينيه الأبيض.
اقترب منه رجل الشرطة يصافحه بجدية :
- أهلًا وسهلًا بك دكتور قيس ، أنا ممتن لحضورك في أسرع وقت"
شدد على قبضته وقال برسمية :
- هذا عملي سيد هشام فلا داعِ لشكري.."
لاحت منه نظرة على ذلك الجسد المسجى على الأرض يغطيه غطاء أسود في صمت وأعين تجول على الخط الأبيض المحيط به بفم مذموم بتفكير ، ثم أعاد انتباهه إلى الرجل قائلًا بتقرير :
- تكررت الحادثة مرة أخرى ، أليس كذلك؟"
أومأ هشام بصمت ليبادله نفس الإماءة كتأكيد على الحديث وانحنى يدلف إلى مسرح الجريمة من أسفل الشريط الأصفر المحيط بها واقترب منها بخطوات متريثة حتى جلس القرفصاء بجانبها ، يستند على ركبته بساعده ، يميل برأسه للجانب قليلًا يحك ذقنه النامية بيده الأخرى قبل أن تمتد تزيح الغطاء عنها ليتأملها..!!
وجه شاحب يعلو خصلات تنافس سواد الليل مبللة بسائلها الأحمر اللزج ، يتوسطه عينان جاحظتان وفاه مفتوح بشفتين زرقاوتين..
هبط بنظراته الجامدة التي لاقت أكثر من هذه المناظر بشاعة إلى جسدها المستور بكنزة سوداء..!
من يتأمل ملامحها يظن أنها لقت حتفها بسبب جرعة مخدرات زائدة ، أو مادة سامة!!
لكنه يعلم أن الأمر ليس هكذا!!
أخرج من جيب معطفه قفازًا طبيًا يرتديه ثم مد يده يحرر الأزرار من معقلها فظهر ما فطنه بالفعل!!
الفجوة التي أصبح يراها كشيء معتاد في الآونة الأخيرة في سلسلة الحوادث التي أصبح مسئول عن تحليلها!!
دائرية في منتصف الصدر تميل نحو اليسار فوق القلب مباشرة ، حافتها تفصح أنها صُنعت بواسطة آلة حادة ثم كُويَت بالنار تخترق الأضلاع والرئة اليسرى ، لكن...!!
القلب غير موجود!!
ضم شفتيه بغموض وتفكير يستمع لشهقات الجمع خلفه المصدوم مما رآه والأسئلة تصله بذهول..
هل هناك من هو بهذه الوحشية؟!
ما الذي يدفع شخص أن يفعل هذا بفتاة مثلها؟!
ما حجم الجُرم الذي يصل بأحدهم أن ينتقم هكذا؟!
صوت هشام من خلفه آتاه يائسًا :
- حقًا أصبح الأمر زائدًا عن الطبيعي قيس ، هذه ليست أول فتاة تُقتل بتلك البشاعة"
بصوت هادئ يملأه البرود اكتسبه من خلال طيلة مدة عمله ، عيناه تتفصح الجرح بإمعان يصب كل تركيزه عليه أجابه :
- نحن أمام شبح غامض ، لا نعلم هويته لكن هو يعلم جيدًا ما يفعله"
- والحل؟!
رئيس الشرطة يريد عقد مؤتمرًا صحفيًا يحذر الناس مما يحدث ، فماذا سيقول لهم؟!"
لقاه الصمت في بادئ الأمر قبل أن يستقيم ينزع جواربه التي التقطت قطرات من الدماء يقذفها بداخل سلة قمامة كبيرة بجانب الطريق وقال :
- سيخبرهم الحقيقة هشام ، أننا أمام شخص مجهول الهوية سواء اسمه ، عمره ، من هو بشكل عام!!
أو سواء هل هو ذو سلوك طبيعي أم مختل؟"
عقد هشام حاجبيه باستنكار وعيناه تلوح نحو جسد الفتاة ، يهز رأسه بتعجب يشير لها :
- هل تريد إقناعي أن من يفعل ذلك شخصًا طبيعي؟!"
وضع قيس كفيه في جيبي معطفه يستدعي الدفء ، ورفع كتفيه ببرود قائلًا :
- ربما..!
كما أخبرتك هو مازال مجهول الهوية لا يمكن تلقيبه بمختل طالما لم نعرف سلوكه النفسي وما دفعه لذلك"
★★★★★ |