احداثيات الهوى احداثيات الهوى
أذكر جيداً ذلك الرسم البيانى الذى كانت ترسمه لنا أستاذة الرياضيات فى المدرسة؛ منحنى كبير يبدأ من نقطة الصفر ثم يعلو ، وعند قمة المنحنى ينحرف لأسفل مرةٍ أخرى.. بعدها قد يتعرج المنحنى ما بين صعوداً وهبوطاً وثباتاً، ولكن فى كل مرة يصل فيها لأعلى نقطة لابد وأن يتبع ذلك انحدار؛ وهكذا هى العلاقة الزوجية.
فى بداية العلاقة الزوجية نتفاهم، نحب حتى نجنى ثمرة حبنا وليدًا ترعاه قلوبنا، نقدم له يد العون ليكبر.. ليصحّ.. لينضج.
معسول الكلام يضفي على الوليد جمالاً أخاذاً هو ما نسميه "سحر البدايات"..بعدها ندمن السحر.. ثم نعتاده!
السحر هو قمة منحنى العلاقة، حيث تجد الكيانان قد صارا واحداً.. صارا طفلاً يحمل طباع رجلاً عاشقاً مسيطر، ويحمل رقة أنثى تتدلل متباهية بهيبة وطغيان حضور ذلك المسيطر.
أما عن مرحلة إيلاف النعم فهذى هى الخط المستقيم الذى يتجه إليه المنحنى فيما بعد .. حين تستمر العلاقة على منوال ممتع حد عدم الرغبة فى تغييره، فى المساس بمعطياته سلباً أو إضافة..
ثم يأتى اختبار الثبات وهو اختبار لو تعلمون عظيم.
الأمر كله أننا بوصولنا لقمة المنحنى تفاهماً و سعادةً وحباً.. نكون قد وصلنا لقمة المنحنى.. هنا يأتى الامتحان الأصعب؛ هل يختل التوازن فنسقط أم نحافظ على اتزاننا فنثبت ونسير فيما بعد على خط مستقيم!
مشكلتنا أننا ما إن وصلنا للقمة نسينا القاع الذى أتينا منه، وانبهرنا ببلوغ عنان العلاقة الزوجية وتصورنا أننا قادرين على إمساك الزمام بأطراف أصابعنا.. والحقيقة أنه عند هذه اللحظة تحديداً ينفلت الزمام!
و ميزان العلاقة الزوجية هو الحوار بين كفتيه، بين رجل يحتوى، يضم، يعول، يسيطر ويحب ويغار، وبين امرأة تمنح بسخاء، تعشق بتفانى، تندمج فى شخص الزوج حد الانصهار.
فإذا فقدنا الحوار اختل الميزان، وسار كل طرف على حدود لم يخبر الآخر بالأساس أنه قد رسمها.. فيتفرقا، ويكتشفا حين فجأة أنه لم يعد يجمعهم الطريق.
حينها يصبح كل شيء "عادياً".. الطعام ملء بطن، النوم عادة اتخذتها الجفون، العمل شر لابد منه، والجنس روتين للحفاظ على السلالة.
ويبدأ الملل بخنق العلاقة، وتبدأ الشجارات فى تكريم الجثة.
ولا فارق هنا في "كيف بدأت العلاقة".. عن حب، أو صالونات، أو حتى من أجل المصلحة.. النتيجة عادة ما تكون واحدة.
وماذا بعد؟
ماذا لو وجدت نفسك واحداً من هولاء المنخنقين؟
ارجوك لا تنتظر العزاء.. قاوم!
ببساطة عليك أن تصرخ.. نعم اصرخ حتى يسمعك من وصل لمنتهى طريق بينما أنت على أطراف آخر، اصرخ حتى يتمكن من تحديد موقعك بوضوح وانتظر.. لا تتعجل فأنت قد سِرْت طريقاً طويلاً.. قطعاً يحتاج الآخر لقطعه حتى يصل إليك، وفى ضعف المدة.
فإن مللت الانتظار لُمْ نفسك بالكفاية لأنك سرت كل هذا الطريق ولم تعى لمن فقده كف يدك فلم يعد يصحبك بينما أنت مستمر يرقبك الندم.
كلنا نمر بنقاط المنحى صعوداً وهبوطاً ، منا من يتعجل الوصول فيختل.. فيقع، ومنا من يثابر، يصبر، يتأنى فيلمس نجوم تسكن القمة ثم يحتفظ ببقاياها حتى فى رحلة الهبوط.. فكلما كان صبرك، وكلما تمسكت يدك بالميزان الذى أشرنا إليه؛ كلما تمكنت بحرفية من رسم احداثيات العلاقة.. من الوصول لقمة احداثيات الهوى. |