الموضوع
:
فُتاتُ القمر/ للكاتبة شَــيْمـآ ، فصحى
عرض مشاركة واحدة
04-04-20, 10:25 PM
#
25
هاجر جوده
مشرفة منتدى الروايات المنقولة
?
العضوٌ???
»
402726
?
التسِجيلٌ
»
Jun 2017
?
مشَارَ?اتْي
»
1,919
?
الًجنِس
»
?
دولتي
»
?
نُقآطِيْ
»
" كأنك تعلم بأنه يحبك، ولكنك لا تمتلك دليلاً "
(19)
يدنو قلبه من قلبها،!
مسح على شعرها بعد أن غفت روحها المتعبة في سبات، تنهد بتعب واضح.. ثم نهض من جانبها وتأمل الساعة، لقد تجاوزت الخامسة والنص صباحاً..
وضع يده على رأسه بإرهاق، ثم توجه بخطواتٍ بطيئة نحو خارج الغرفة،..
" مجد! ماذا تفعل هنا؟" سألته ريم عند اغلاقه الباب
التفت اليها بلا إجابة،..
نظرت اليه بتمعن وقد لاحظت التعب يحتل ملامحه، مدت يدها تحثه على السير معها،
استجاب لها وسار يتبعها حتى دخلا غرفتها،
سألها بتشتت " لماذا أنتِ مستيقظة؟"
أمالت شفتيها بتكدر " نوم متقطع.. ولكن أنت؟"
مسح على وجهه بعد أن جلس على الأريكة الصغيرة " لا أعلم يا ريم، قمر.."
اندفعت متوجهه نحوه " هل فعلتَ لها شيئاً.."
اختلطت نظراته بشتى المشاعر ولكن أكثرها وضوحا كان العتاب وبنبرة حادة " لا أستطيع أن أؤذيها.. ولكنها.."
صمت قليلاً وبعجزٍ أكبر تحدث " ربما عادت لها الكوابيس.."
هزت ريم رأسها نفياً " لا أظن ذلك.."
" اذا ماذا تفسرين.." ثم صمت،..
" ماذا حصل أخبرني؟"
زفر بحرارة لقد اعتاد على الكتمان داخله كل شيء،
جلست أمامه على الأرضية ثم قالت له " لا أدري ما بها قمر ولكنك ضائع يا أخي.. أخبرني ربما.."
قاطعها " لا أعلم ما يحصل من حولي.. أنتِ والعقبات التي تخرج في طريقك، ثم أمك التي تصر على زواجي ولا أدري لماذا،.. ( تنهدت ريم بحرارة بينما أكمل هو ) ونهايةَ الأمر ذلك الكمال.."
أردفت هي قبل أن يكمل " ولكن قمر بالأكثر ما يشغل بالك، أو أقول قلبك؟"
ابتسم من بين كل شيءٍ مرٍ يمر به ثم قال " إنها الأكثر نقاء من بين كل ما ذكرته؟"
توسعت عيونها وبمرح مصطنع " اذا أنا من الشوائب؟"
اتسعت ابتسامته " لستِ شائبة.." ثم تحولت معالمه إلى الجمود
وعم الصمتُ القليل حتى نهض من مكانه، وسار باتجاه الباب حتى توقف والتفت إلى الريم التي غيرت وضعية الجلوس واتجهت نحو الأريكة " هنالك شيءٌ يعلق في ذهني؟"
" ما الذي يعلق؟"
نظر إليها وكأنه يخرج كلماته رغماً عنه، حتى قالت له " لا أدري ما الذي تفكر به يا مجد نحوها، ولا أعلم ماذا حصل في هذه الليلة ولكنها قمر تتصرف كما يقول له قلبها.. "
ضيقَ عيناه بتعب واضح، فأردفت ريم " إن كنتَ تريدها فعلاً، فتصرف قبل أن يتصرف أحد قبلك؟"
" تقصدين كمال؟"
نهضت من مكانها وبلا مبالاة " كمال أو غيره، أو حتى قبل أن يخيب أملها وينتهي شغف انتظارها إياك؟"
عقد حاجبيه بحيرة واستغراب، كل شيء واضحٌ أمامه ولكنه مشتت يريد أن يسمع أي شيء يؤكد له كل شيء!
بينما جلست على فراشها وقالت بهدوء " حاولت أن أرى قمر من الزاوية العاطفية، ولكنها تضع الحب في صندوقٍ أسود مع عدم المساس، "
ثم صمتت أمام تعابير وجهه التي تدل على التفكير، ثم قالت بتردد " لا أدري إن كان يحق لي أن أخبركَ ولكن أنا أرى نظراتها نحوك ولكنها لن تطول.."
التفت اليها بحدة وراوده خطر الابتعادِ عنها، في حين صمته هذا تنهدت ريم أمام جموده وكيف يستطيع أن يبقى هكذا أمام احتمال خسارة من يحب ثم قالت ويغلب عليها الاجزام " أنا أقول لكَ ما يجول في خاطري من أفكار، إن كنتَ ستبقى ساكناً هكذا فعلى قلبكَ السلام.."
" أنتِ تقصدين أن قمر.."
قاطعته " لست أنا من تقصد أنت عليكَ ادراك ما يحدث.. قلت لك اتبع اشارات قلبك"
هز رأسه نفياً " أنا لا أستطيع رؤية كل شيء بوضوحٍ شديد.."
زفرت بحرارة ثم تحدثت اليه بنبرة حانية " ضعني أنا ومشكلاتي جانباً، ثم انسى أمي وطلبها المستمر.. وضع جمَ تركيزك بقمر وماذا تريد وكيف تكون معك، تذكر كلَ شيء بالتأكيد أنك سوف ترى شيئاً يدل على كلِ شيء.."
" أنتِ تعلمين شيئاً ولكنك.."
قاطعته " ليس باستطاعتي أن أترجم كلَ ما أراه من قلبِ قمر.. ولكنني إن كنتُ قد رأيت شيئاً يجب عليكَ أيضاً أن تكون قد رأيته"
ثم حالت بينهما لحظة صمت يشوبها الحيرة والفكر المشتت، لا شيء يرسو على برٍ في عقل مجد وريم تنظر إلى عيونه التائهة، كانت تود أن تقول له أن قمر فعلا تحبك! ولكنها لن تتفوه بأي كلمة عوضاً عن صاحبِ الكلمة.. إنها مدركة لقمر جداً ولكن هل فعلاً مجد لا يرى ذلك!
شد على مقبض الباب بقوة ثم أغلق عيونه وقارب صوته إلى الهمس " هل يجب عليَّ أن أعترف لها ولكن.."
تحدثت اليه قبل أن يختفي من الغرفة " لا أعلم إن كانت هذه المرة الثانية التي أراك بها منهزماً وتخشى التقدم أكثر، ولكنك إن بقيتَ تقف على النقطة السوداء باعتقاداتك وترددك سوف تخسر كل شيء ينتمي إليكْ.."
******************
تزداد الشمس انحداراً في زاويتها حتى تصل إلى منتصفِ النهار، تقف عمودية تطلق ألسنتها على بقاعِ الأرض المختلفة، وعلى اسفلتِ المشفى الحار وقفت سيارة التكسي حتى خرجت منها سوزان باندفاعٍ وسرعة كبيرة.
هرولت داخل أروقة المشفى والذعر بادٍ على ملامحها، حتى وصلت إلى الغرفة المنشودة، وقفت قليلاً تأخذ نفساً تلو النفس ولكنها ما زالت تلهث حتى هذه اللحظة، وبعد آخر نفس طرقت الباب مرة واحدة حتى دخلت بعدها والدموع تفيض من محجريها،..
همست بكل شوق الأيام التي مرت " ملاك.."
استفاق من غفوته على صوتها، ثم التفت بتعبٍ واضح والرضوض تملأه، جبيرة على أكمل ساعده، والقطعة الخاصة بالرقبة كانت تحيط رقبته، شهقت بذعر ثم توجهت داخل الغرفة " حمدا لله على سلامتكم.. كيف حصل هذا؟"
عقد ماجد جبينه بألم وقال بنبرةٍ مفعمة بالألم " أهلا سوزان.."
ثم توجهت عيناها بقلق نحو ملاك الراقدة في السرير الأبيض " هل بخير؟"
أومأ رأسه بلا قدرة على الحديث،
توجهت بأطراف مرتجفة نحوها وجلست بجانبها على حافة السرير ثم مسحت على شعرها بحنان وبعد دقائق صمتٍ من تمعنها الكامل " يبدو أنها بخير، ولكن لماذا نائمة؟"
خرج صوته كما الضباب تماماً " مسكن الم.."
أومأت رأسها بهدوء شديد، ثم قالت له " من الأفضل لك أن تذهب لغرفتك وتستريح.."
هز رأسه نفياً يقاوم كل الألم الذي حل به، كان يبدو مصمماً قآثرت سوزان الصمت وعادت بأنظارها نحو ملاك..
حتى بعد نصفِ ساعة تحدث ماجد بنبرة يشوبها الضباب مجدداً " لا أريد أن أخسرها هي مجدداً.."
التفتت اليه سوزان باستغراب شديد، وكادت أن تتفوه بسؤال ولكنه أكمل بذات المرارة " لقد تركتُ الأولى أنا بإرادتي، لا أريد أن تنتقم مني الحياة بملاك.."
نهضت من مكانها ووقفت أمامه باضطراب شديد " سيد ماجد هل أنتَ بخير؟"
تجمعت الدموع في عينه وهز رأسه بلا حيلة " أي خير سوف يأتيني؟"
تمالكت سوزان نفسها، انها تشعر بالخوف الممتزج بالغرابة، كان منذ قليل بكامل استيقاظه هل تراه يهلوس من فعلِ الألم؟
القت نظرة على ملاك ثم دنت بالقرب منه " سيد ماجد، لا تبث الخوف بي.."
ما زال مغلقاً عينيه وبألم كان واضحاً لها " إن لم اجتمع بابنتي سوف أخسر ملاك.."
بلل الدمع وجنتيه وهي في غرابة من كل ما يحدث، وكل الحيرةِ تجمعت في وجهها.. يبدو أنها أحجية!
هزت رأسها حتى تعود إلى وعيها الكامل وشعور الخوف لا يهدأ بل يتشعب داخل انسجتها بطريقة سريعة.. سألته بصوتٍ عالٍ " ماذا بها ملاك؟"
ولكنه ما زال يكرر " إن لم أجتمع بابنتي سوف أخسر ملاك.."
مرة مرتين، ثلاث..
وعند الرابعة قال بطريقةٍ مغارية " إن لم أجتمع بقمر سوف أخسر ملاك.."
عقد سوزان جبينها باستغراب وهمست بكل ما تملكها من حيرة " قمر.."
سرعان ما توسعت عيناها بكل دهشة وكأنها علمت من قمر التي يقصدها!!
نهضت من مكانها ثم ضربت جبينها بعد أن استفاقت من صدمتها ( كيف لم التفت الى هذه الملاحظة، فالكنية ذاتها؟؟)
ثم التفت اليه بحدة ونظرت إلى ملاك بغصة كبيرة! حتى اندفعت اليه بسؤالٍ هز كيانها إجابته " ولكن ما بها ملاك؟"
خرجت كلماته متقطعة " مريضة.. سرطان الدم..."
*******************************
تجمع الدم في عروقه ثم القى الأوراق بلا اهتمام على جسد من يقابله وصرخ به بجم غضبه " كيف تدخلها إلى المنزل! بأي حق؟"
ثم التفت إلى ياسمين وأشار بسبابته " أنتِ السبب في دخولها حياتي من جديد؟"
تحدث لؤي كاظماً غيظه " كانت قلقة.."
" لن تكون قلقة علينا، لم أبعدها عني لكي تأتوا أنتم وتدخلوها مرة وها هي المرة الثانية إلى منزلي؟"
شدت ياسمين قبضتها بغيظ على صمت لؤي المعتاد وقالت بحدة " إن لها شقيقة بالنهاية ويجب عليه.."
رفع مراد حاجبه باستحقار شديد ثم قال بسخرية مقاطعاً اياها " حقاً،.." ثم التفت الى لؤي وسأله " هل عندك فتاة أخرى وأنا لا علم لي.."
واعتلى وجهه الجمود والتفت عن لؤي وعاد صوب نظره إلى ياسمين " هل أصبحت جيداء عبئاً عليكم؟"
توسعت عينا ياسمين فيما أكمل مراد بكل فظاظة " لو كان بودي لو أخذتها تحت كنفي، ولكنني رميتها.."
قاطعته ياسمين بقلة صبر وعدم احتمال " يكفي يكفي، لا تكمل كلامك ليس أحداً منا قمامة.. خاصة جيداء"
صرخ لؤي مندفعاً لياسمين " اصمتي.."
بينما كان وجه مراد متسمراً من ردة فعلها العنيفة وقال وهو يمد يده للؤي " اتركها تقول ما تشاء.. انها تعلم جيداً أنها لن تستطيع النجاة من كل شيء.. يكفي أنها صامتة حتى هذه اللحظة.."
وأطال نظرته إليها وهي تشد على يدها بحنق، تعالت الغصة داخلها وانفجر كل شيء..
كان يحاول بنظرته أن يعطيها انذاراً، بل ابتسم بكل نصر وكأنه نجح بذلك!
" لا جيداء ولا أنتِ، لا يستطيع أحد افناءي بين جدرانٍ مظلمة.."
جلس خلف مكتبه وبكل مكر ارتسم على معالمه " تبدو الخطة واضحة تماما، لذلك أفكر أن أنقلك إلى الأرشيف.."
تحدث لؤي بعد صمت " ولكن،.."
قاطعه مراد وأشار بسبابته " كعادتك لا أريد منك التحدث، بل الاصغاء وتلقي الأوامر يا شريكي.."
شدت ياسمين على قبضتها " لا أريد الأرشيف أو ما شابه، ولا أريد مستنقعك هذا"
وغادرت وهي تنفث غضبها، في حين رفع مراد حاجبيه وبكل جدية وجه أمره نحو لؤي الذي يلوذ بصمت من قلة حيلته " اذهب اليها وقم بتهدئتها، انها كارثة علينا ان تحركت بغضب الآن.."
" هل أنت خائف من أن تكشف أوراقك؟"
أمال مراد شفتيه بلا اهتمام " لا تنسى أنها أصبحت أوراقك.."
تقدم لؤي وبكل قوة " لا تنسى أن هنالك ورقة واحدة كفيلة بأن تهزمك.. هل نسيت أمر رائد؟"
بلا اهتمام مضاعف تحدث مراد " سوف تختفي هذه الورقة في القريب العاجل.."
ثم أخرجَ سيجارته ووضعها في فمه وأشعلها بكل متعة!
تهالكت بكامل جسدها على باب دورة المياه الخاص بالشركة ومرارة الدموع تغسلَ وجهها، البكاء هو مخرجها الوحيد من كل ما حدث قبل قليل من مراد ولؤي ومن القدر الذي جعلها لعبة آلية يتحكم بها مراد ثم بالأكثر تبكي على شقيقها!
شهقاتها تعالت مع مكوث الذكرياتِ على بلاطِ السيراميك أمام عيناها!
" ياسمين افتحي الباب"
تكورت أكثر على نفسها، عندما سمعت صوت لؤي ينادي بها من الخارج، انه السبب بكل شيءٍ يحدث!
صمته وخنوعه لمراد دائما!
ولكن لماذا هي صمتت إلى الآن؟
عاد صوته يرن في ضبابِ عيونها نهضت من مكانها وكلُ شيءٍ ينهار أمامها، الماضي والحاضر حتى المستقبل!
وشهقتها الاخيرة قبل أن تنهض منحتها القليل من القوة،
مسحت دمعها المختلط بمساحيق التجميل وتحدثت بصوتٍ عال " سأخرج.."
ثم توجهت وغسلت وجهها،..
وعلى الباب، وقف بحزن أمام ذبولِ كل شيءٍ فيها ، بلع غصته ثم تقدم كي يمسكها.. ولكنها صدته بجفاء " لا داعي، سأذهب للبيت وأرتاح.."
" ولكن.."
جحدته ياسمين بقوة وبلا مبالاة أكملت طريقها في الممر " لا يقلق مراد، أو لا تقلقا أنتما الاثنان، لن أمسكما بضرر فأنتما عائلتي.."
كان وراءها حينما التفتت اليه بذاتِ النبرة " اوصل له أنها فورة غضب وسآتي للاعتذار منه.."
وقف بعد ما قالته ياسمين، ثم التفتت هي وغادرت الممر وطيفها الذي ذهب من أمامه يغرقه بالمرارة !
*******************
رشفت القليل من الماء، ثم وضعت الخبز المجفف في وعائها وعقدت أناملها باستغراب " ما بالها قمر لم تأتي للفطور ولا إلى الغداء.."
تحدثت ريم من بين طعامها بكلام لم يبدو مفهوماً كلياً " لقد نامت في وقتٍ متأخر.."
نظرت اليها الجدة بحيرة فيما تحدث رامي ببلاهة " لن يهرب الطعام منكِ.."
ثم التفت الى الجدة " بمقدار ما فهمته أنها لم تستطع النوم لذا في الغالب أنها سهرت مطولاً.."
أومأت ريم رأسها بينما تحدث الجد " ومجد مختفٍ؟"
تحدثت ريم بسخرية " وامي وأبي.."
جحدها الجد ثم قال رامي " مجد يجري اتصالاً ما مع أحدهم.."
أومأ الجد رأسها ثم التفت نحو الجدة " ماذا قرارك بشأنِ قمر؟"
رفعت ريم عيونها نحو رامي الذي فهم نظرتها المتسائلة فاشرا اليها بحركات جسده أنه لا يعلم، فيما التفتا سويا على الجدة بعد أن أجرت تفكيراً سريعاً مليئاً بالتردد " لم أحادثها حتى هذه اللحظة.."
" إن كنتِ لا تريدينَ اليوم، لا بأس سوف تنتظرنا عائلة وسام؟"
عادت ريم ونظرت إلى رامي الذي يجلس جانبها وهمست له بتوجس " هل تعتقد أن ما أفكر به صحيح؟"
أمال رامي شفته وبذات الهمس " لا أعلم.."
فيما التفتا الى الجد عندما نهض وقال بحزم " أرجو أن لا تطيلي الأمر لأكثر من أربعةِ أيام، دعيها تفكر بالأمر جيداً وإن كان لها نصيبٌ في وسام فإنه خير.. مع أني أراها صغيرة بعد على الزواج.."
توسعت عينا ريم ثم نظرت إلى جدتها بحدة، والصمت حال بينهما إلى حينِ خروج الجد..
" هل ما قاله جدي صحيحاً؟"
تنهدت الجدة " ليتني لم أخبره، ولكن.."
تحدثت ريم بغير تصديق " ومجد ماذا عنه؟"
" ريم اهدأي قليلاً.." قال رامي باندفاع، بينما زفرت الجدة ما بجعبتها بحرارة وقالت " لستُ أريد هذا الزواج ولكن ان لم اخبره أنا بالتأكيد سوف يتحدثون بالامر مع جدكِ؟"
" متى حدث كل هذا، هل بحفل الخطوبة!" سألت ريم بتفكير
" أجل،.."
بينما تحدث رامي بلا مبالاة " كم هذا رائع يا ريم، قمر تتزوج قبلك.."
لم تلقي ريم بالاً له ثم سألت جدتها باندفاعٍ أكبر " وهل سوف تسألين قمر؟"
" أجل، ربما غداً.."
عقدت ريم حاجبيها " لا تسأليها قبل أن تتحدثي إلى مجد.. "
نهضت من مكانها باستعجال " ثم أن قمر سوف ترفضه.."
رفع رامي حاجبيه، بينما تفوهت الجدة حتى تستدرجها بالكلام " وما أدراكِ؟"
" لا أظن أن قمر سوف تقبل به وعيونها تتجه إلى شخصٍ آخر.."
ثم غادرت الصالة أيضاً بعد جدها،..
تحرك رامي في كرسيه قليلاً ثم تحدث الى جدته " لا شكَ أنكِ تفعلين الصواب دائماً.."
ابتسمت له الجدة بينما أردف " اعلم انه موضوع معقد ولكنه جيد من أجل مجد.."
تنهدت الجدة بقلة حيلة " وهو صامتٌ ولكن عيونه تتحدث بالكثير.."
ابتسم رامي لها " ليس هو وحده، بل قمر أيضاً ( حك جبينه ) أظن ذلك"
" لا أدري يا رامي، فلتسر الأمور على ما يرام بينهما.."
" لا يوجد شجار ولا أي شيءٍ مما سبق، حتى عندما سمعَ اعتراف كمال ذاك ( وهنا تجهم وجه رامي قليلاً) لم يحادثها بسوء.."
ثم أشار بسبابته بابتسامة ماكرة " ولكن قصة هذا الخاطب سوف تسبب انذاراً له.."
همست الجدة بحيرة وقلق " لا أدري كيف يمكنه سماع هذا ومني أيضاً."
هز رامي كتفيه بلا مبالاة وتحدث في نفسه " لا تقلقي فقد وصلَ الموضوع له بدونِ جهدٍ منك"..
ثم التفت ولاحظ وجده بالصالة، بعد أن كان سوف يدخل ويتناول الغداء معهم، ولكنه خرج قبل أن يلفت الأنظار لهُ عندما سمعَ على مرسومِ قتلِ حبه!
طرقات مترددة على باب الشقة، ويد ترتجف بعد ان طرقته للمرة الثانية ثم التفت وقابل ظهرها الباب حتى فتحَ أخيراً..
عقدت جبينها بحيرةٍ واستغراب وكأنها تعلم من الآتي حتى همست بخفوت " ياسمين.."
التفتت اليها ياسمين باضطرابٍ شديد ثم قالت بنبرة يملؤها العجز " هل يمكنني الدخول؟"
تحدثت جيداء بذهول " ماذا الحدث معكِ؟"
هزت ياسمين رأسها وقالت بنبرة متحجرشة " إن كان لا يوجد مكان لي عن ف.."
قاطعتها جيداء وأمسكتها من ساعدها " ادخلي،.."
تقدمت قدماها بتردد واضح، حتى جلست باصرار جيداء على الأريكة..
" سوف أجلب لكِ بعض الماء.."
أومأت ياسمين رأسها بهدوء شديد، ثم نظرت الى رانيا شقيقة رائد وابتسمت لها بخفوت،
وعادت وبعثرت نظرها في أي مكان..
" اشربي الماء واخبريني ما الذي حصل مجدداً.."
أخذت الماء بصمتٍ مرير شربت دفعتين منه أمامَ ترقبِ جيداء لها، وبعد أن انتهت
" أجل هيا قولي.."
هزت رأسها بلا حيلة " انه مراد.."
ارتخت جيداء بمرارة على الكنبة " ماذا مجدداً؟"
" لا شيء الا توبيخ، اهانة استحقار.. حقا لقد سئمت يا جيداء؟"
عقدت جيداء ساعديها بينما اردفت ياسمين بكل قهر " ولؤي صامت، لماذا؟ هل فقطِ لأنكِ معنا!"
زفرت جيداء بحرارة، بينما التفتت اليها ياسمين ودموعها تسقط منها " لماذا أجبرتُ نفسي من أجل لؤي؟ طوال هذه السنوات كنت أعمل في قسم آخر وفي اخر سنتين عندما طلبتُ من مراد أن يقوم بترفيعي شهدت على أموراً كثيرة.."
ثم وضعت وجهها بين كفيها واخرجت بكاءاً لمدة دقيقة ثم عادت واستقامت في جلستها " هل أنا مجبرة! قولي لي يا جيداء ماذا عساي أفعل؟"
ملأتها الغصة فلم تتفوه بأي شيءٍ في حين تنهدت ياسمين وجلست بذات وضعية جيداء وبنبرة متعبة " لقد تعبت من كل شيء، أريد أن أرتاح بعيداً عن الاحتيال في الأرقام، بعيداً عن ذلك المستنقع.."
" يمكنكِ المكوث هنا كما تشائين يا ياسمين"
شهقت ياسمين عندما ظهرت والدة رائد من العدم ثم تتابعت دمعاتها بكل ضعف،.
" أنا حقاً متأسفة لكل شيءٍ حصل لكما.."
ابتسمت لها والدة رائد بحنان وقالت " لستِ السبب بكل شيء.. يمكنكِ القول أنه الطمع ،الجشع.."
أمالت ياسمين رأسها بعجز فيما ربتت جيداء على كتفها وقالت " لا تفكري بأي شيءٍ الآن، يجب أن تستريحي.."
سألت بتردد " ألن يمانع رائد وجودي فأنا بصفة ما أكون.."
قاطعتها والدة رائد بعتاب " لن يمانع وجودكِ أحد، اذهبي واستريحي في الغرفة ولا عليكِ أن تفكري بأي شيء.."
ابتسمت ياسمين من بين ضعفها ونهضت مع جيداء نحو الغرفة..
**************************
سحرت شعرها بعد أن استحمت بالماء الدافئ، ولكن ما زالت علامات الاحباط مرتسمة على وجهها جلست بشرود وعلى مسامعها شبحُ ريم التي تحادث رائد في هذا المساء
" ولكن حقاً خذ وقتكَ الكافي في كلِ شيء.."
صمتت قليلاً قبل أن تودعه " أنت تعلمَ كم أحبكَ يا رائد، أحبكَ كما أنت وكفى.."
ثم أغلقت الهاتف ووضعته على السرير مع تنهيدة عميقة
سألتها قمر " كيف حاله؟"
نظرت اليها ريم بحيرة " حقيقة أشعر أنه يتأسفُ لي حتى وإن كانَ لم يقلها مباشرة.."
" ربما شعر أنه خيبَ آمالكِ.."
ابتسمت ريم " ولكنني ومع كل شيءٍ أحبه حتى وبأسوء حالاته.."
" أليسَ الحب شيئاً كهذا؟" تساءلت قمر
امالت ريم شفتيها ثم استقامت باندفاع نحو قمر سرعانَ ما غيرت ما كانت تود أن تقول " حتى وإن بقي كما هو حاله "
" لماذا تطلبين منه أن يأخذ حقه!"
" من أجله يا قمر، والدته مريضة وله شقيقة ثم إنكَ تعلمين.."
قاطعتها قمر بسؤال آخر " أعلم حسن نيتك ولكن هو ألن يعتقد أنكِ تريدين منه حتى تتساوى مادياً.."
تحدثت ريم بسرعة " في الحب لا يوجد شك بمقدارٍ صغير يا قمر، لو كان عنده مقدار ذرة من الشك لما قبل أن يتجه نحو حقه.. ولما ظل معيَ"
صمتت قليلاً ثم تحدثت " لا أنكر أني أفكر في المستقبل بشكلٍ يثيرُ القلق ولكن أفكر بشكلٍ آخر يكفي أن أكون معه.."
ابتسمت قمر بينما أكملت ريم " ولكن ما عليكِ فعله يا قمر.."
عقدت قمر حاجبيها بانزعاج،
" ما عليكِ فعله هو أن تسمعي قلبك فقط، وخذي عقلك معك بين الحين والآخر"
ازدردت قمر لعابها وظهرت عليها الحيرة فيما أكملت ريم " إن كان قلبكِ يقول لكِ ابقِ بجوارِ من تحبين فابقِ.."
أمالت قمر شفتيها وقالت بعجز " حتى وإن كانَ لا يحبني؟"
ابتسمت ريم لبراءتها وأكملت " ابقِ حتى تعلمينَ حقاً إن كان يحبك أم لا.. ثم بعد أن تحصلي على الإجابة فهناك العقل وهناك القلب اختاري بينهما"
ارتعدت قمر قليلاً وابعدت وجهها عن ريم بتوتر فيما كتمت ريم ابتسامتها كأنها بلغت مرادها
ونهضت من مكانها " الحديث عن القلوب جعلني أشعر بالجوع.."
ثم وضعت يدها على معدتها وأخرجت أصواتاً من فمها تشابه أصواتَ الخاصة بالجوع
" انظري صوت الجوع.."
خرجت ضحكة خفيفة من قمر، بينما اتجهت ريم نحو الباب " أنا سوف اذهب الى المطبخ حتى آكل شيئاً ما وأنتِ اذهبي إلى جدتي أظن أنها في الحديقة.."
أومأت قمر رأسها " حسنا وأعدي لي بعض الساندويشات.."
شهقت ريم " ليس مفرد ولكنه جمع! هل تبدلت معدتي وحلت مكان معدتكِ.."
ثم وضعت سبابتها بتفكير علة وجنتها " فأنا أريد واحدة وأنتِ الكثير.."
ضحكت قمر عليها وقالت " من فرطِ الحب أصبتِ بهلوسة.."
رفعت ريم رأسها بغرور " لا أحد يشبه هلوستي.."
ضحكت قمر أكثر " هذا ليس إطراءاً انما اهانة بعض الشيء.."
بذات الغرور قالت ريم بشقاوتها المعتادة قبل أن تختفي " لا يهم، الأهم أن لا يتعدى عليَّ أحد ما سواء كان شيئاً جيداً أم لا.."
*****************************
بعد ساعات من انقضاء الليل الموحش .. تعود شمس حكاتنا للشروق من خلف التلال والجبال الشاهقة التي تلامس سطوحها عنان السماء لترسل اشعتها الذهبية و التي تخترق كافة الطرقات .. الوديان ،، السهول .. والهضاب.. المحيطات والبحار.... معلنة عن قدوم نهار يوم جديد مليء بالحب والنشاط .. العمل والكد.. الألم والحزن.. الأمل والتفاؤل .. الجد والمثابرة ..
كان نهاراً مشرقاً جميلاً كالعادة تضج فيه اصوات المدينة الصاخبة بسياراتها وسكانها لتمتزج اصواتهم مع زقزقة العصافير و صوت الرياح الخفيفة التي تلفح اوراق الشجر الخضراء اليانعة ليصبح ذلك المزيج صوتاً موسيقياً رائعا... كمعزوفة البيانو التي تطرب لها الأنفس ويهدأ لها الوجدان..
حركت رقبتها بكل تعب، وكل شيءٍ يبدو في جسدها غيرَ صالحٍ للجلوس، تأوهت بخفة ونهضت بعد أن أبعدت سترتها الوردية عن جسدها وجلست بكل خمول وكسل،..
نظرت بعدها إلى ساعة هاتفها فوجدتها الحادية عشر قبل الظهيرة، تثائبت بنعاس شديد.. ومدت أناملها حتى تمسد ما يمكنها الوصول إليه من كتفها...
ثم بعدَ دقيقة، نهضت من مكانها نحو دورة المياة ولكن صوت ملاك أيقظها من النعاس
" سوززاااان"
التفت بحماس وتوجهت اليها مندفعة بشوق " ملاكي الجميل.."
ثم احتضنتها بكل محبة، وأخذت تمسح على شعرها بكل حنان
حتى أمسكت وجها بين يديها " كيف أنتِ أيها الصغيرة؟"
عبست ملاك " أولاً لستُ صغيرة، فسوف أصبح في العاشرةِ بع شهر ونص أو شهرين.."
ثم انحنت شفتاها نحو الأسفل " لقد نسيتُ مجدداً.."
احتضنتها سوزان بقوة " لقدُ اشتقتُ لك جداً جداً.."
" وأنا أكثر.."
بعدها بقليل ابتعدت سوزان عنها فتساءلت ملاك " أين والدي؟"
ابتسمت بوجهها وأجابتها باطمئنان " ذهب حتى يرتاح، ثم أنكم عدتم من السفر وتحتاجون بعض الراحة."
" ولماذا بالمشفى ؟"
أمالت سوزان رأسها بتفكير فيما أردفت ملاك بحيرة " لا أعلم ربما كنتُ أحلم أن والدي مصاب بجروح، ولكننا في المشفى اذا لستُ أحلم"
دخل ماجد مباشرة بعدما تفوهت به ملاكه الصغيرة وقال لها " لا داعي للخوف، مجرد أمر بسيط وينتهي؟"
تقوس فم ملاك وظهر عليها بدايات البكاء " ولكن ماذا حصل؟"
قال وكأنه يمثل " لقد تعرضت ملاكي الصغيرة لهجومٍ من الوحوش النادرة وأنا كنت بطلها.."
ابتسمت سوزان بينما قالت ملاك بنبرة ما بينَ الركود والحماس " كما العادة"
" أجل، ودافعت عنها وقتلتهم جميعا جميعا.."
صفقت ملاك بحماس ثم بحزن " هل فعلو لكَ كل هذا؟"
ضحكت سوزان وقالت " أنتِ حقا صغيرة.."
التفتت اليها ملاك وعقدت ساعديها بحنق " لستُ صغيرة.."
نهضت سوزان وهي تغيظها " صغيرة، وجميلة وملاك.."
" انا فعلاً اسمي ملاك.."
ضحكَ ماجد لها وقام بوضعها تحت ساعده الغير مصاب " أنتِ ملاكي الجميل.."
" وأنت والدي الجميل.."
" يا جميلة والدها، هيا ارتاحي قليلاً قبل أن نذهب إلى المنزل.."
انصاعت ملاك له ثم اشار الى سوزان حتى تتبعه خارجاً،..
سارت وراءه بعد أن أرسلت قبلة بالهواء الى ملاك..
وعلى مقاعدِ الانتظار الخارجية، جلسا سوياً..
" تفضل سيد ماجد.."
تحدث ماجد بحيرة " لا أدري ما عليَّ قوله الآن.. ولكن.."
بابتسامة مطمئنة من سوزان أكمل ماجد وكأن كل قوته التي بالداخل انهارت أمامهم " دليني على الطريق سوزان؟"
تماسكت سوزان أمامه وقالت " الطريق أمامك واضح، ولكن عليكَ أن تسير به.."
" أخشى أن يرفضوا عائلتي استقبالي بعد أن تركتهم؟"
هزت جيداء رأسها نفياً " صدقني لو أنه الآن تخرج عائلتي أمامي لن أقول ما الذي جاء بهم بعد هذا الوقت.."
صمتت قليلاً ثم أكملت بحزن " لو أنهم يأتون لن أقول كم أصبح عمري.. ولكن عندما يأتوني لسبب ما فأنا لا أعلم ماذا سوف أفعل"
" موقفي مختلف عنكِ.. فقد طردوني سابقاً.."
طيف ابتسامة هزيلة على وجه سوزان " لا أتحدث عنك، بل أتحدثُ عنها.."
عقد ماجد حاجبيه فأردفت سوزان " أتحدث عن ابنتك الأخرى.. قمر.."
ظهرت امارات الاستغراب على وجهه فقالت سوزان مبررة " لقد سمعتكَ تتحدث البارحة ولفظت اسمها بحديث شبهِ منقطعٍ عن بعضه.. وعلمتُ أنك أباها.."
عقدت ساعديها وابعدت وجهها عنه عندما لمحت دمعاً خانه قد تجمع في عيناه " ولغتها الفرنسية، الكنية ذاتها وكل شيءٍ كنتُ أسمعه من الفتياتِ سابقاً أثبت لي ذلك.."
" كيف؟.." سمعته يتساءل بعجز كبير..
تمالكت سوزان نفسها وقالت له بعتاب ممزوج بقهر " لا أريد أن أكون ذات حكم مسبق بشأنك ولكن لماذا؟"
وبنبرة أقوى بقليل " لماذا تتركوننا كما قمامة! قل لي .. أنا وقمر والبقية لماذا؟؟"
خرجت شهقتها أمامه وبانهيار " قل لي، ما الأسباب حتى ترعانا الدولة! هل تحبنا الدولة أكثر من أمهاتنا وآبائنا؟"
هز رأسه نفياً " أنتِ وقمر، وأي أحد ليست من عدم المحبة.. ليست يا سوزان.."
نهضت من مكانها تداري الدمع وتكفه عن وجهها " أنا هنا من بعد ما علمته من أجل ملاك فقط.. أنا هنا حتى تمتثل للشفاء التام من المرض"
ثم قالت له بقسوة " لا أدري إن كانت قمر سوف تستقبلك أنت، ولكنها بالتأكيد سوف تستقبلُ ملاك وتفعل ما تستطيع لأجلها.."
همس بضعف بعد أن دخلت سوزان الغرفة التي ترقد فيها ملاك " ليس من عدم محبتي تركتها، تركتها من أجلِ كاريس.. ثم ذهبتُ لاستعادتها من منزل صديقي قالوا لي أنها هربت.."
******************************************
كانت تسير داخل ممر هذه البناية بخطى واثقة مرتدية بنطالاً من الجينز الأزرق بحمالات مع قميص أحمر داكن اللون لترفع خصلات شعرها القصيرة عن وجهها، ثم ولبضع ثوانٍ ظلت تنتظر الى ان فتح الباب ليطل من خلفه وجهه البشوش وترحيبه الحار بهاا..
"اهلا بريم .. واناا اقول لماذا اليوم مشرق.."
قالت بغرور مصطنع وهي تدلف "بالتأكيد لأن ريم أنارت كل المنطقة.."
ابتسم لها وهو يحثها على المسير وقال بسخرية " تفضلي بالجلوس ياا شمعة تضيء بيتنا.. "
لوت شفتيها بضيق ثم قالت بحزن مصطنع "اذا كان هذا جزائي لأنني اشتقت اليك واتيت ..."
قاطعها وهو يقول " بعد ان اصبحتِ حبيبتي تتدلين علي.. "
تلون وجهها بلون الأزهار الحمراء من شدة الخجل وهي تراه يبتسم لها بحناان .. وشعرت بحرارة تسري في جسدها وكأن أحدهم اشعل مدفأة بقربها وارتباكها الذي لاحظه ليبتعد عنها .. فقالت هي لتذهب هذا الجو الشاعري وتخفف من ضربات قلبها التي تزيد بجانبه "ما أحوالكم.. وكيف هي والدتك؟ !"
اجابها بابتسامة "بخير.. "
نظرت اليه لوهلة ثم تساءلت بهمس "وياسمن ؟!"
نظر إليها بعدم تصديق " ثم كيف تشتاقين ونحن دائماً على تواصل.."
تحدثت بعناد " ولكنني فعلاً أشتاق إليك."
أومأ رأسها بسخرية "دعيني اقوم بواجب الضيافة اولاً ثم تستكملين عملك كمحققة" قالها وهو يغمز لها متوجها الى حيث المطبخ.. اما هي فأخذت عيونها تنظر للفراغ بركود كبير، برغم كل الطاقة الايجابية التي بينهما إلا أنها تشعر ببعض القلق،.. ولكنها
رسمت على وجهها ابتسامة عندما ظهر أمامها رائد يحمل كوبين من عصير البرتقال الطازج..
"تفضلي ياا أميرتي.."
أخذت الكوب من يده لترتشف رشفة صغيرة بارتباك..
"اذا تستطيعين الآن استكمال التحقيق ايتها الشرطية.."
قالت باستفهام "ألا تلاحظ أنك تسخر مني؟!"
قال بسخرية "ألا تلاحظين أنني اطلق عليكِ القاباً تناسبك تماما.."
قالت وهي تفكر "لا أنكر ان لقب الكسولة مناسب.. ولكن ..(وهنا هزت رأسها نفيا) لقب الشرطية لا .."
امسك بأرنبة أنفها وقال مازحاً "ومن يحشر انفه بكل شاردة و واردة ؟!"
قالت ببراءة "ليس انا .."
قال بعد ان ارتشف من كوبه " لا تليق بك البراءة "
"ونعم الحبيب.. المفروض ان يبادلني بكلام جميل مثله ..ولكن .. لا يتنازل سيادته بأن يجاملني !!"
قال وهو يغمض عينا ويفتح الأخرى "هل تلمحين الى شيء ما يا جميلة؟!"
" ابداً.. أتحدث مع نفسي.. " ريم بابتسامة شفافة
قال بمزاح "هكذا تثبتين انكِ فعلاً مجنونة.."
نظرت اليه بعيون غاضبة وقبل أن تنطق بأي حرف سمعا صوت رنين هاتف ريم... ولوت فمها بضيق وهي تنظر الى شاشته ولكنها اجابت "اهلا أمي.. صباح الخير.."
جاءها صوت والدتها غاضباً "أين أنتِ منذ الصباح.. ألا تعلمين ان هناك موعداً في صالون التجميل ثم سوف نقابل والدة كمال"
اجابتها بيأس " أعلم.. "
"اذن ستخرجين من منزل ذلك الصبي وتأتي بالحال.. هيا نحن بانتظارك.."
ريم بحزن "حسنا.."
تساءل بقلق عندما رأى لمعة الحزن التي تغلف عيونها "ماذا هناك ياا عزيزتي؟!"
"لا شيء.. سوى انهم ينتظروني.."
شعر بالضيق قليلاً
ثم قالت بنبرة حزن "أردت ان يمضي معك يوماً بلا أحد.. فقط نحن.."
همس في اذنها بحب "أميرتي الصغيرة..."
رفعت رأسها إليه لتلتقي عيونهما العاشقة وتبدآن بحديث صامت وليتبادلاه بطريقة مختلفة تعبر عن مدى الحب والعشق الكبير الذي يحمله كل شخص للآخر..
أمالت شفتيها " ولكن كنتُ أريد أن نتحدث مطولاً.. حتى نبدأ بحل كل الأمور سوياً.."
"سوف نمضي يوماً اخر سوياً أعدك بذلك.. الأيام القادمة كثيرة.."
ثم بابتسامة " ما رأيك غداً؟"
هزت رأسها موافقة لتجتذب حقيبتها البنية من على الكنبة وتبتسم له "بلغ سلامي للخالة ميسون وقبلها بالنيابة عني.." واكملت مازحة " وعليك حفظ كل تفصيلة من تفاصيل تلك ياسمين وتخبرني اياها.."
تنهد بقلة حيلة فيما ضحكت هي وأردفت " انتظرني في المرة القادمة بسيل من الأسئلة ايها المجرم "
قال بحب "مجرم لأني اعشق فتاة حمقاء مثلك.."
ازدادت ضربات قلبها وبسرعة اقتربت منه وقبلته من خده الأيمن لتنسل بخفة خارج المنزل تاركة ذلك الفقير الذي يذوب بنار حبها و يتحسس خده بابتسامة تهلل وتزين وجهه الرجولي..!
ولكن فارقته الابتسامة عندما تحدثت ياسمين من خلفه " أتحبها كثيراً؟"
التفت اليها بهدوء شديد " صباح الخير،.."
ابتسمت له ثم تقدمت وقالت باعتذار " لقد جلبت لك مشاكلاً بقدومي إلى هنا.."
هز رأسه نفياً " لا أبداً، مرحب بكِ دائماً.. لا تعتبرين ضيفة يا ياسمين"
ابتسمت له بامتنان كبير، فبادلها الابتسامة قلقاً،..
حتى سألت بتردد " تبدو وكأنكَ محاطٌ بضباب.."
صمتت قليلاً حتى تتوقع ردة فعله عما سوف تقوله، ولكنها أخذت نفساً قوياً وقالت بنبرة حاولت قدر الإمكان أن تكون بلا تردد " إن كنتَ تريد يمكنني مساعدتك!"
ومع انقضاء النهار، بما يخفيه من أحداث!
كانت ريم قد تجولت مع والدتها بعد أن انتهوا من مركز التجميل برفقة والدة كمال، وكانت بين الحين والآخر تحادث قمر ورائد وتطل برسائلها السخيفة على رامي،..
إلى أن استقرت الشمس عند المغيب،..!
صعدت أول درجات السلم بتعبٍ، وتهالك شديد وبيدها عدد من المشتريات لها ولقمر، ولكنها في ظروف ثوانٍ قليلة وضعت الأكياس جانباً ثم توجهت نحو المطبخ وأخذت لها كوباً من الماء وشربته على دفعة واحدة،.. ثم عادت وانتشلت أكياسها وكأنها تحمل كيساً ثقيلاً من الطحين،..
وعلى آخر عتبة من عتبات السلم، أخذت نفساً عميقاً ثم استدارت حيث الغرف الخاصة لها ولقمر،..
ولكنها عقدت حاجبيها على توتر الجدة عندما أغلقت باب غرفة قمر، وتوجهت حيث يقف مجد على مقربة منه،
فهرولت ريم إليهم بقلق،..
فيما كان الترقب وقلة الصبر من مجد ظاهرة في عروقها البارزة،..
وقفت بعدم فهم عندما تحدثت الجدة بتوتر ظاهر في أناملها المتشابكة " تقول أنها قد سمعت الحديث لذلك لا داعي للتفكير.. و"
صمتت الجدة قليلاً وبكل أسف "لقد رفضت قمر.."
اتسعت ابتسامة ريم " المدعو وسام.."
هزت الجدة رأسها نفياً ثم نظرت إلى مجد، فيما تساءلت ريم باستغراب " اذا ما الذي رفضته؟"
وفي داخل الغرفة، قبل وصول ريم عند جدتها ومجد بدقائقَ قليلة..
أخرجت قمر نفساً قوياً، مليئاً بالراحة، فمنذ قليل دخلت عليها جدتها وأعربت لها عن ذلك الموضوع الذي شل تفكيرها مطولاً، ولكنها اتخذت من قلبها لساناً فجاوبتها بالرفض التام للزواج في الوقت الحالي وأنها لا تريد التفكير بالأمر أبداً،..
نهضت من مكانها وكأن الحمل الذي كان في صدرها صار حمامة وطار بعيداً،.. وارتسمت على وجهها ابتسامة مليئة بالحياة ونظرت إلى السماء عبر عتبة باب الشرفة.
ثم عقدت حاجبيها بضيق وتذكرت أن ريم لم تظهر حتى هذه اللحظة، التفتت حتى ترفع شعرها ذيل حصان بشكل عشوائي،.. ثم اتجهت حيث الباب فتحت مقبضه ثم تراجعت الى الوراء وكتمت شهقتها بعد أن سمعت جدتها تقول:
" قمر...
لقد رفضت الزواج من مجد.."
انتهى الفصل،..
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤
هاجر جوده
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى هاجر جوده
البحث عن كل مشاركات هاجر جوده