الموضوع
:
فُتاتُ القمر/ للكاتبة شَــيْمـآ ، فصحى
عرض مشاركة واحدة
04-04-20, 10:15 PM
#
22
هاجر جوده
مشرفة منتدى الروايات المنقولة
?
العضوٌ???
»
402726
?
التسِجيلٌ
»
Jun 2017
?
مشَارَ?اتْي
»
1,919
?
الًجنِس
»
?
دولتي
»
?
نُقآطِيْ
»
" ويختفي قبح العالم عندما تلتقي بالوجه الذي تحبه"
(16)
بعد أقل من شهر... قرابة ثلاثة اسابيع...
الأيام مرت بسرعة البرق وكيف آل الزمان بسوزان حتى تعود إلى مسقط رأسها وتحجز نفسها في غرفة متوسطة الحجم على جهاز الحاسوب تدخل معلومات الفتيات الجدد..
نظرت إلى الساعة بملل شديد فهي لا تكاد تتجاوز الثامنة حتى الآن ولديها من العمل الكثير لإنجازه.. تأففت بضجر ورمت الملف بقوة شديدة لتتناثر أوراقها على طاولة المكتب وأخرجت تنهيدة من صدرها تنم عن الانزعاج الشديد...
أرخت رأسها على باطن يدها ونظرت إلى صورتها مع ملاك،، لكم اشتاقت لها ولمجالستها..
ثم بدأت تستذكر مجريات الأحداث منذ أن قدم أحدهم إلى المنزل وصرخ بوجه السيد ماجد،،.. ولم يكن ذلك الشخص سوى والده.. كانت قد عرفت هذه المعلومات من الخدم الذين تلصصوا إلى المحادثة وعرفت منهم فيما بعد أنه أمره بالرحيل عن هنا كي لا يسبب المشاكل مع عائلته.. أدركت فيما بعد أو قامت بتحليلها الشخصي الذي لا ندرك مدى صحته وهو أن السيد ماجد كان على خلاف دائم مع عائلته بسبب أمر ما مما أدى إلى فتور العلاقة بينهما وأدى إلى سفره خارج البلاد وأكد تلك المعلومات عندما حاولت جذب الكلام من ملاك فسألتها يوم رحيلهم " ألا يوجد هنا أحد تبقين عنده حتى يحل والدك أعماله؟!"
أجابتها ملاك حينها " لا،، ذاتا منذ ولادتي وأنا مع والدي ووالدتي وأصدقائهم.. وحين قدمنا الى البلد لم يكن أحد سوى انت فقط.."
... وعندما علموا بقدومهم إلى البلاد لم يستقبلوه لذلك اضطر إلى السكن لوحده... وبعد محاولاته في تليين العلاقة بينهما ردوه وحاولوا نفيه خارج البلاد.. ونجحوا في ذلك..
فها هي على إثر ذلك تجلس بين زوايا المأوى تعمل لأنها لم تجد عملاً أخر وملاك ووالدها سافرا ولا تعلم عنهما أي شيء ولا توجد طريقة للتواصل أبداً...
" هل ستبقين هنا إلى الصباح؟!"
فاقت سوزان من ذكرياتها على صوت إحدى الفتيات التي دخلت الغرفة.. ابتسمت لها ثم أجابت " ربما لا أدري،، ماذا تريدين!!"
" ما رأيك أن نلعب بالباحة اليوم؟!"
قالت سوزان بعد تفكير " ممم لنصف ساعة فقط ثم تخلدون إلى فراشكم.. لا أريد أن يوبخني أحدهم.."
وبعد قليل توجهت إلى الباحة الرئيسة للمبنى تشاهد الفتيات مع عدد من المناوبين ليلاً تجلس وإياهم كل واحدة منهن تتحدث مع الأخرى وهي فقط شاردة في كل شيء حولها حتى أن صرخت إحدى الفتيات بصوت عالٍ وهي تركض " قمر.."
لقد أصبحت زيارات قمر تتكرر كثيراً في هذه الفترة إلى المأوى تجلب بعض الحاجيات والدمى للفتيات تدخلهن في دوامة السعادة والسرور لأنها تدرك جيدا معنى اليُتم.. تدرك جيدا معنى الاحتياج وكأن قمر بفعلتها تعكس مقولة فاقد الشيء لا يعطيه ولكنها الآن تعطي أكثر ما فقدت...
برغم قلة الفترة التي قضتها سوزان في المأوى إلا أنها تتذكر حال قمر الذي يختلف اختلافا كثيرا عن الأخريات،، فقد كانت انطوائية على نفسها وبالكاد أن تتحدث إلى أحدهم وكأنها عادة حتى الآن ملاصقة بها.. وتتذكر جيدا حالتها عندما تنام ليلاً وإذ بها بعد ساعات قليلة تصحو متعرقة وتبكي بشكل هستيري ولا يخفف عنها إلا تلك الطبيبة النفسية التي تأتي إليها كل أسبوع...
عدم مخالطتها لقمر لا يعني أنها لا تعرفها جيداً كانت تسمع كثيراً عن حالات الاكتئاب والجنون التي تصيبها وبسرعة الضوء تجدها انقلبت موازينها وعادت هادئة منعزلة في أخر مكان في المأوى ولكنها الآن تختلف اختلافا كبيراً عن السابق...
وبعد أن أنهت قمر توزيع بعض الهدايا إلى الفتيات ظنا منها أنها تعوضهم ولو بالقليل مما حرموا منه رأتها سوزان تتوجه حيث تجلس هي مع البقية....
*******************
هل نستطيع قطف ثمار الأمل من شجرة الحياة؟!
أم مصير هذا الأمل إن يذبل..؟!
وهل سنداري الألم بالكتمان؟!
أم بتنهيدة من شدة وجع الألم وإذ بالصدر يتكسر؟!
برغم انقضاء تلك الأيام إلا أن شبح الخوف يطل بجناحية الكبيرة على قصر حكايتنا،، فكل جسد يقبع هنا بروحه المنهكة من آثار الماضي يعجز عن نسيان الماضي اللعين... وبرغم اجتماعهم كل ليلة على مائدة واحدة يتسامرون ويضحكون إلا أنهم بالحقيقة يغافلون أنفسهم.... فماضيهم يزورهم بين فنية وأخرى في مخيلتهم.. ينهش عقلهم ويجعلهم تحت سيطرة الخوف.. فهل من جديد سيعود الماضي ويحكم بقبضته على حياتنا؟!
تنهدت ريم وأبعدت هاتفها المحمول بعد محاولات خائبة من رد رائد على مكالمتها.. نهضت من مكانها بضجر واضطراب.. وسارت في الرواق حتى صادفتها قمر على عتبات السلم..
" هل ما زال لا يجيب؟!"
اومأت ريم رأسها وملامحها شاحبة تنذر بوقوع الأمطار من عيونها.. فاقتربت منها قمر وربتت على كتفها " ربما متعب "
" لا ادري يا قمر.. حتى أن جيداء لا تجيب.. لا استطيع أخذ خبر عنه، سوى أنه اخذ إجازة اليوم.."
نظرت إليها قمر بحيرة، بينما تساءلت ريم " هل ستذهبين الى المعرض؟!"
اجابت قمر بحماس " اجل، سيأتي كمال ويأخذني.. يا ليتك تأتين وتشاركيني فرحتي بلوحتي التي ستعرض "
لوت ريم شفتيها بابتسامة شاحبة " سأعد كوباً من القهوة يكاد رأسي أن يتفجر من شدة الصداع، هل تريدين؟!"
" حسنا.."
وفي الحديقة الخارجية جلست الفتاتان تحتسيان القهوة وتفكير كل منهما يرسو في ميناء العشق باختلاف الحالات.. فسحابة الحب تتجسد في عيون قمر التي التقطت كتابها من على الطاولة الخشبية وبدأت عيونها تترقب الحروف حيناً وحينا اخرى تنتقل عيونها على ريم.. والتي كانت جسدا بلا روح.. فهي منذ أن اكتشفا مراقبة عم رائد لهما تترقب وصول أحدهم لدليل حتى يقبع عمه داخل أسوار السجن يجني ما زرعه طوال السنين.. ويؤرقها جدا صمت رائد إلى الآن،،
يؤلمها سكوته لأنها تدرك جيداً صمته ذاك سيجعلها تخسره...
عيونها متسمرة على الهاتف وبين ثانية واخرى تزفر بحرارة.. حتى في نهاية المطاف وضعت قمر الرواية جانبا ثم هزت كتف ريم مع ابتسامة حانية قابلتها
" أما قلت أن الحب يتغلب على كل شيء؟!" تحدثت قمر بهدوء كعادتها..
بعثرت ريم نظرها تحاول ايجاد جواب لسؤالها ولكنها لم تجد الا أن تومئ رأسها..
تنهدت قمر ثم سألت باستنكار " وما الذي تغير الان؟! اما جازفت باعترافك له وكنت انت من تقدم خطوة؟! وكنت تقولين ان قوة الحب هي المسيطرة؟!"
ارخت ريم جسدها على الكرسي بتعب " ما علاقة هذا بقوة الحب؟!"
قاطعهما رامي وهو يجلس على الكرسي مقابلهما " الذي تقصده قمر هو تحالف قلبيكما.."
" انت من أين تخرج بفلسفتك؟!"
" من مصباح علاء الدين.." ثم لوى بشفتيه سخرية
" حقا لا مزاج لي لمزاحك.." ريم بضجر ثم القت نظرها على هاتفها.. بينما نظر رامي لقمر نظرة فاشارت اليه بمعنى ( لم استطع تغيير مزاجها..)
القت ريم هاتفها بقوة على الطاولة حيث اصدر صوتا مما جعل قمر تنظر اليها بصدمة.. فقالت ريم بنفور " ماذا عساي افعل، انه لا يجيب.."
آثرت قمر الصمت وبدأت باحتساء قهوتها، فيما بدأ رامي بحديثه الهادئ والذي يعكس جزءا من شخصيته المتزنة " انظري لي.. حينما قالت قمر عن القوة الحب انها تقصد بالمعنى الفعلي للامر هو ان تكوني جانبه ومعه وهو بذلك سيتخطى العقبة هذه.."
اخذت ريم نفسا عميقا " انتم لا تعرفون رائد، يحجز نفسه في قوقعته ولا يريد لاحد التدخل به.."
تدخلت قمر " ولكن الذي لا يجدي نفعا هو بقاؤه في هذه القوقعة، عليه فعل شيء ما بالتأكيد.."
قالت ريم " يظن نفسه انه اضعف من مواجهة عمه.. طوال هذه المدة وحين أفتح الموضوع معه يغلقه بأي طريقة.." ثم عقدت ساعديها امام صدرها باستياء
اشار رامي بسبابته قائلا " وهذا الذي يجعل عمه يتطاول اكثر، صمته سيولد امورا اعظم في المستقبل.. ثم انه بعمر كهذا واجه الفقر وهو المعيل الوحيد لأسرته كيف له ان لا يستطيع مواجهة هكذا امر.. انه اضعف مما اظن.."
تحدثت قمر وكأنها تصف نفسها " لانه يظن نفسه في دوامة لا يستطيع الخروج منها، يتهيأ له انها اوصدته ولن يستطيع الفرار.. ولكن.." صمتت قليلا مع ابتسامة خفيفة ثم استرسلت بالحديث وهي تتذكر صاحب العبارة
" ولكن عندما يدخل النور الى قلبه على هيئة انسان.. يمده بالقوة، تتوارى تلك التهيؤات ويصبح اقوى مما يظن.. فقط كل ما يحتاجه هو ذلك النور..(ثم نظرت الى عيون ريم) ومصدر هذا النور هو القلب.."
ابتسمت ريم بينما وضع رامي يده اسفل ذقنه وقال " لم أكن اعلم انك تتحدثين بشاعرية هكذا.."
ابتسمت له قمر فيما نظرت اليه ريم باستسلام " انت حقا لن تتغير.. مزاحك ميئوس منه.."
" وماذا عساي ان افعل.. لتزوجني جدتي حتى اتعقل.."
ضحكت قمر وقالت " ربما ستزيد جنونا هكذا.. وستتلقى حتفك من زوجتك المستقبلية.."
ضيق رامي عيونه بتحذير الى قمر ثم صوب نظراته نحو ريم " لقد علمتها من صفاتك السيئة.."
ابتسمت ريم وبدأت برفع وتنـزيل حواجبها كطفلة صغيرة ثم قامت قمر بذات الحركة..
فنهض من مكانه بذعر مصطنع " هذا ما كان ينقصني.. نسخة جديدة من ريم.."
فيما ضحكت الفتاتان عندما ابتعد عنهما... وبعد ذهاب موجة الضحك الخفيفة نظرت ريم الى قمر بنظرة ذات مغزى حتى قالت " ومن أين لك هذه الكلمات الشاعرية؟!"
اتسعت عيون قمر ثم ازدردت لعابها وقالت بتلعثم واضح " لا احد.. ثم ليس المهم مصدرها.. الاهم هو المغزى منها.."..
تنهدت ريم بحرارة وهي تومئ رأسها بالنفي وعلامات وجهها تقطر بالاستسلام... الاستلام من تحرك رائد اتجاه حقه قيد أنملة...
*******************
وفي طرف آخر تعالت اصوات طرق الباب مع رنين جرس المنزل بشيء يولد الضجة خاصة مع صوت التلفاز العالي في صالة المعيشة.. فنهضت تلك الصغيره بتأفف عيناً تترقب أحداث مسلسلها الكرتوني وعيناً على طريق اقدامها حتى وصلت ناحية الباب وفتحته بعد ان علمت أن القادم ليس الا جيداء..
ابتسمت جيداء بسعادة ريثما دخلت وقالت وهي تشير وتدلي بيدها كيس يحوي بعض الحاجيات " انظري ماذا جلبت لك.."
قفزت الصغيره بحماس وصرخت " المكسرات.."
" أجل خذيها.."
ثم تقدمت نحو والدة رائد " صباح الخير يا خالة.. ما اخبارك؟!"
قابلتها بالابتسامة " بخير.. أنت ما أخبارك؟!"
هزت كتفيها بلا مبالاة " احاول قدر المستطاع أن أكون بخير.."
تنهدت والدة رائد ( ميساء).. فقالت جيداء مغيرة دفة الحديث " تبدين بصحة جيدة؟!"
ابتسمت ميساء ابتسامة باهتة " بخير تحسنت عن ذي قبل ولكن.."
" ولكن ماذا؟! هل هناك شيء يقلقك"
" أحوالك مع عائلتك ليست جيدة يا ابنتي.. وإقامتنا هنا كأنها تحت الأمر الواقع.."
تحدثت جيداء باطمئنان " لا تقلقي،، انه منزلي اولا.. ثم منزلكم ثانيا.. كما أنك قمت بمعروف كبير لي منذ صغري.. لن انساه ما حييت.."
" ولكن مشاكلك كافيه لذلك.."
قاطعتها جيداء " انظري يا خالتي لا داعي لمثل هذا الحديث،، انت مثل الام لي وكما من الصعب اغلاق فم رائد ان سمعنا الان.. وسيصر على المغادرة.."
" وهذا ايضا حاله غريب هذه الفترة.. اشعر بالقلق حياله.." تحدثت ميساء بقلق واضح..
ربتت جيداء على يدها " لا يوجد ما يدعو للقلق،، لا بد انه متعب من العمل.."
" أتمنى ذلك.."
ابتسمت جيداء بارتياب وكأن بجملة والدة رائد تخفي جبالا كبيرة من القلق.. فيقال أن الام تشعر بأولادها ويبدو انها فطرة خلقت مع المرأة وشكوكها وقلقها يكون في محله دائما..
وبعد برهة زفرت بحرارة ونهضت من على الاريكة " ما رأيك بكوب من القهوة يعدل مزاجنا قليلا.."
اومأت والدة رائد برأسها وأمرتها بأدب " ولكن اجعليه حلواً قليلا،، لا داعي لتجعليه مرا كالعلقم.."
ابتسمت جيداء بخفة " حسنا كما تريدين.."
وبعد أن وضعت الماء في ابريق خاص لإعداد القهوة،، ثم شهقت فجأة عندما تذكرت ريم فوضعت يدها على جبهتها وقالت " بالتأكيد أن هاتفي تفجر من اتصالاتها المتكررة.." تنهدت ثم توجهت حيث الصالة اخذت هاتفها من حقيبتها وأضاءت شاشته فمالت شفتيها عندما اصابت التخمين فها هي عشر اتصالات هاتفية من ريم غير الرسائل.. وعادت بأدراجها نحو المطبخ حتى تتحدث بأريحية مع ريم... وبعد أن ضغطت للاتصال.. جاءها صوت ريم المتلهف والمعاتب " بحق الجحيم أين أنتم؟!"
تنهدت جيداء " بالكاد تذكرتك يا ريم.."
تأففت ريم وهي تجلس على سريرها " حقا،، ما اخبار رائد ؟؟ هل هو بخير ولمااذا لا يجيب هو ايضا؟!"
" رويدا رويدا.. هدئي من روعك.."
دست ريم اصابعها بين شعرها وارجعته للخلف وقالت بنبرة عاجزة " لا قدرة لي.. لقد فضت ذرعا وانا انتظر احدكم ليجيب.."
" اعذريني فقد كان هاتفي على الوضع الصامت.. وأما برائد فالآن قد جئت اليهم ويبدو انه نائم.."
( مع من تتحدثين عني؟!)
استدارت جيداء لرائد صاحب العبارة السابقة ولم تستطع التفوه بشيء بسبب ريم التي قالت لها بلهفة " انه رائد،، أعطني اياه.."
تنهدت جيداء بقلة حيلة ومدت الهاتف لرائد " انها محبوبتك.. قلقت عندما لم نجب عليها"
اومأ رائد رأسه وابتسم بخفة بالتناقض مع تعقيدة حاجبيه التي تنم عن الألم " سأكون في الشرفة.."
اومأت جيداء رأسها وعادت الى مهمتها في اعداد القهوة ناهيكم عن عقلها الذي تعمل محركاته من حركات ريم الصبيانية وأموراً أخرى أكثر تعقيداً..
أما رائد فقد أجاب بعد أن جلس على كرسي صيفي تقابله البنايات السكنية " وماذا بها صغيرتي؟!"
تحدثت ريم بضعف " أين أنت؟! لماذا لا تجيب على اتصالاتي؟"
أغلق رائد عيونه.. ثم قال " لقد كنت متعبا لم.."
قاطعته بحدة " تتركني والقلق ينهش عقلي.." ثم خفت حدتها عندما سمعته يزفر بحرارة " اعتذر على حدتي ولكن قلقت عليك.."
" لا عليك.." قالها بهدوء شديد
تساءلت باهتمام " وكيف أنت الآن؟؟ هل أفضل!!"
" أجل.." أجاب باقتضاب ووضع يده على صدغيه
تساءلت ريم بحيرة " رائد،، لا تبدو من صوتك أنك بخير.."
" أميرتي الصغيرة تهتم بي.. يا لحسن حظي.."
فهمت من كلامه انه يحاول تلطيف الجو قليلا بدعاباته فقالت بغرور " ليس هكذا وانما.."
قاطعها " ستبحثين عن كلمات مناسبة تعبر عن غرورك ولكن لا تستطيعين.."
قهقهت بخفة فابتسم هو وجلس بأريحية متناسيا هموم الدنيا وتحدث بنبرة هادئة جدا " هل تعلمين.. هذه الضحكة أفني عمري بأكملها حتى أسمعها.."
وبعد ان انهى رائد مكالمته العاطفية توجه داخلاً قاصداً والدته التي ارتسمت على وجهها ابتسامة قلقه فهمها رائد فبادر بتقبيل جبهتها ثم جلس بجوارها " وما بها جميلة الجميلات تنظر لي هكذا،، سأظن أنني وسيم.."
اتسعت ابتسامة والدته ووضعت يدها على وجهه بحنان " لا داعي للظن تأكد من ذلك.. " ثم غمزته ضاحكة " وما أخبار طير الحب الاخر.."
حك رائد جبهته باحراج " انها بخير.. تبلغك سلامها.."
أقبلت جيداء عندما بدأت والدة رائد القول " كم أحبها هذه الريم،، انها فتاة جيدة وتصلح لك زوجة يا بني.." ثم غمزته
أومأ رائد رأسه مع ابتسامة وقال قبل أن ينهض " قريبا جدا ستكون.."
فيما جيداء تمنت من كل قلبها أن يكون كلامه صحيحا وليس مجاراة لوالدته.. فخلف ( قريبا جدا ستكون ) مغامرات كثيرة فهمتها جيداء من جملته ان كان يقصد ما جال بذهنها..
أحيانا الحب أو ما أقصده بالتحديد جنون الحب وحب التملك يجعل من أنفسنا دنيئين نحاول بقدر استطاعتنا أن نحظى على ذلك الشيء مهما كلفنا ذلك ولو بطرق غير عشوائية.. نسعى للوصل الى الهدف المنشود متفادين الخسائر ولكننا في الوقت ذاته نجعل ذلك الهدف هو من يخسر.. ولا ندرك حينها الا اننا اتبعنا أنانيتنا وحبنا للتملك.. وممدنا غطاء على عيوننا حتى كدنا لا نرى ألم الشخص الذي نحبه...
يقال أن الحب هو تمني سعادة الآخر لا شقاؤه والنيل منه حتى نحصده وكأنه ثمرة من شجرتنا نمنع الغرباء من التقاطها.. لذلك نحاول منع أي أحد من الاقتراب من شجرتنا الحبيبة وإن كلف ذلك بذبول أوراق هذه الشجرة..
وهذه المحادثة الوجيزة خير دليل على ذلك.....
"ماذا فعلت؟! هل ما زلت تعبث بأحلامها كما تشاء؟!"
ابتسم بسخرية " كما أردتِ أنت؟!"
أجابته بهدوء " لمصلحتها أفعل ذلك،، ثم أنت تريد ذلك بشدة.."
وضع قدماً على أخرى وتحدث " حاولت وما زلت أفعل ما بوسعي.."
صمت قليلاً ثم تحدث قبل أن يضع حبة العنب في فمه " اللعبة على وشك الانتهاء لا تقلقي.." وابتسم بقذارة...
***********************
ممر طويل تتوزع على جانبيه شتلات ورد الزنبق والياسمين حتى نهايته إلى أن نصل إلى باب خشبي نصف مغلق تخرج من خلفه أنغام فيروز الجميلة.. والجميل الذي يختبئ خلف أسوار القلعة الفيروزية يدندن مع كلماتها بصوت يدخل الى الوجدان.. يقف على النافذة المطلة على المدينة ممسكاً بكوب قهوته مع بعض الذكريات..
هكذا هو مجد بعد ان تولى منصب مدير عام في المؤسسة الخيرية وترك عنه العمل في التجارة مع عائلته.. تغير قليلا أجل ولكنه ما زال الحديدي الذي تفلت أعصابه منه لأقل تصرف... ويظن نفسه ولي أمر الجميع وخاصة قمر..
والتغيير الجذري فيه أنه أصبح مدمنا لفيروز وعاشقاً لرائحة الياسمين... ومع الياسمين تبدو الحياة جميلة في نظره...
نظر إلى كوبه الذي رسم عليه بشكل عشوائي بألوان مبهجة ،، يتذكر حينما قالت له قمر عندما سألها عن سبب تلوينها للكوب بتلك الألوان..
أجابته بهدوء " كفاك حاجزاً نفسك بين أبيض وأسود،، الحياة جميلة وتحتاج ألوان مبهجة لكي تستمر.."
تفاجئ من كلماتها حين ذاك وشعر بالتناقض.. وكأن التي تحدثت ليست قمر التي تبكي ضعفاً وحزناً على ماضيها..
ويتذكر يوماً آخر عندما جلست تقرأ معلومة صباحية تخص الصحة الجسدية،، فبدأ يمازحها ساخراً وردة فعلها لم تكن سوى أن قوست فمها كالصغار وبدأت بعتاب طفولي يشبهها.. ولكنه كان أبعد ما يكون عن الاستماع لها فتأسره كلماتها كما تأسره عيونها... وكأن عيونها تعويذة سحر.. بل إنها السحر بذاته...
أبعد غيمة الذكريات عنه ووضع الكوب جانباً ،، أخفض صوت فيروز الذي ملأ المكان ثم توجه إلى كرسيه الجلدي الأسود ونظر الى زهرة الياسمين الذي تزين مكتبه وتنهد عشقاً..
صفير خفيف انطلق من ناحية الباب جعل مجد يبعد ناظريه عن زهرته المحببة ونظر الى رامي الذي دخل بدون استئذان كعادته وبصوته الساخر قال " أقنعني أنك لا تحب يا ابن العم "
لوى مجد الجانب الايمن من شفتيه " أنت لا تستسلم من تفاهاتك.."
جلس رامي ووضع قدماً على قدم كشاب متعجرف " وأنت ألا تسأم من النظر الى تلك الياسمينة.."
ارتاح مجد في جلسته وتحدث " وهل يسأم أحدهم من ياسمينة قلبه؟!"
*********************
أكثر ما تحبه الفتاة هو الاهتمام، وأن تجد شخصاً يهتم بها وبأدق التفاصيل في حياتها وأن تعش معه دور العشيقة الأولى والأخيرة وأن تكون موضع اهتمامه.. هكذا الفتيات تشعرن أن الحب هو الاهتمام... الحب هو الاستيقاظ على صوت محبوبها يشعرها أنها كل صباحاته... وأن يكون معها في كل شيء...
ولكن قمر عكس الفتيات العاشقات التي تتمحور حياة محبوبها عليها فقط.. حتى أنها تحب بدون بوح.. تحب بدون مقابل لأنها اعتادت على ذلك كثيراً وكثيراً... تدرك جيداً أن الاهتمام لا يباع في الشوارع كرغيف خبز.. ولا يمكنها أن تتسول بقلب بالٍ وتجوب الشوارع والطرقات حتى تسرق اهتمام احدهم...
هي تعطي أكثر مما تأخذ.. أو الأصح من ذلك هي تأخذ الألم أكثر مما تعطي الحب والاهتمام...
تنظر قمر إلى لوحتها التي ستعرض في | معرض الحياة |.. تشعر أن أنفاس الماضي تحرقها.. كأن اللوحة التي أمامها تنين من العصور القديمة ينفث نيراناً من الماضي الأليم..
لوحة تجسَدَ فيها الماضي السعيد الحزين ..جمعتها تلك اللوحة مع أمها وأبيها.. مع سعادة الماضي وحزنه في الوقت ذاته... كانت متحمسة طوال الوقت لهذا المعرض لتخبر الزائرين سبب رسمها لتلك اللوحة وما سر وجودها في معرض ينادي للحياة.. ففي الليلة الماضية كانت تتحدث مع ليليان وتسرد عليها ما ستقوله اليوم حتى سئمت منها ليليان وأقفلت الهاتف... ولكن حماسها اليوم اختفى ومعالم البؤس ارتسمت على وجهها..
" بناء على ما أذكره أنك كنتِ الليلة الماضية متحمسة للمعرض.. ما الذي جرى؟!"
أفاقت قمر من غيبوبة الذكريات على صوت ليليان قائلة العبارة السابقة.. فنظرت اليها ببهوت وهزت كتفيها " لا أدري.."
تنهدت ليليان وكأنها تشعر بآلامها وقالت " لقد وعدتِ نفسك أن ترمي كل شيء وراءك.. وتعيشي اللحظة الحالية و ألا تبقي حبيسة الماضي.."
اومأت قمر رأسها مؤكدة فتساءلت ليليان " وما الذي اختلف الآن؟!"
" اللوحة فقط اعادت لي الذكريات.."
" والذكريات مجرد وهم عشناه في الماضي ولن تعود.."
صدر صوت من خلفهما " وقالت أن هذه اللوحة هي من ستجعلني أقوى من ذي قبل.."
ألتفتت الفتاتان لصاحبة العبارة السابقة وسرعان ما انمحى الحزن من عيون قمر واستبدل ببريق السعادة حتى أنها قفزت بفرح " ريم ظننت أنك لن تأتي.."
احتضنتها ريم وقالت " وكيف لي أن لا أكون موجودة لأشهد إنجاز شقيقتي الحمقاء.."
ابتسمت ليلان لها ورحبت بها ثم أكملت ريم " ثم كيف لي أن لا أكون وأنا من شجعتك وكنت الدافع القوي..."
(كاذبة...) صوت ساخر تقدم اليهما وقاطع كلام ريم حتى أنها شهقت وتحدثت بغرور " فقط لأنك تغار.."
قهقهت قمر وصافحت رامي بحرارة " أهلا بك أنت أيضا.."
وانسجم الجميع بين ضحك وسخرية أما هي وبلا شعور بدأت تبحث بعيونها عن معذبها ذو العيون الرصاصية.. كيف لا يأتي وهو من شجعها بكلماته وعيونه.. كيف يغيب وهو من الجدير أن يكون أول الحاضرين..
وكيف يغيب نور قلبها ونبراس حبها...
انها تفرط بالاهتمام.. ولا تجد من يهتم بها.. او بشكل دقيق لا يهتم بها من تهتم لأمره...
ولكنها تذكر جيدا اهتمامه عندما وقعت ببركة السباحة وما خلفها من اهتمام.. فعندما جُبِّرت يدها وحان موعد فك الجبيرة هو من تبرع بأخذها للمشفى مع أنه يوجد بديل له لإيصالها.. وأيضا ظهر اهتمامه بها عندما قام الاطباء بفحص الدم لها وظهرت نتيجته أنها مصابة بفقر الدم وتحتاج الراحة وعدم بذلها مجهودا كثيرا حيث كان أول المعارضين لعملها وخيرها ما بين العمل والمعهد واختارت المعهد وتركت عنها العمل الشاق في الشركة... وكان دائما ما يوصيها أن تهتم لطعامها ويحثها على شرب عصير البرتقال... ويذكرها دائما بأن تشرب ادويتها الخاصة بتقوية الحديد في جسدها... والكثير الكثير...
أليس الاهتمام هو بداية الحب؟!
هكذا هي تعتقد... ولكنها تناست أنها عشقت مجد بصفاته المتبلدة وقلبه القاسي الذي لا يعلم معنى الاهتمام..
فكيف تطلبين الاهتمام من شخص حديدي يا قمر؟!
" الحياة جميلة بحلوها ومرها ، بشقائها وراحتها وبكل شيء يميز الحياة... يُشَبهون الحياة أحيانا بالعزف على البيانو أو أنها بحد ذاتها تلك الآلة الموسيقية.. حزن يتلوه سعادة كما أن هنالك أسود وأبيض... هناك حياة وهناك موت.. ولا خوف مع هذه الحياة ولا يأس برغم أوجاعنا وآهتنا وبرغم ظلم الحياة لنا..
الحياة محطات وكل محطة يتجسد فيها مشاعر مختلفة.. حب، كره، حقد، حزن، سعادة، خوف، والمحطة الأخيرة تكون موت.. هنا الحياة في هذا المعرض.. لن أطيل عليكم الحديث عن الحياة
فهيا بنا نسلك قطار | معرض الحياة | "
بعد كلمات المسئول عن المعرض قصَّ الشريط الأحمر حتى تعالت أصوات التصفيق ثم توافد المدعوين داخل المعرض فيرون الحياة كما تم رسمها..
****
" جميعكم مبدعون.. خاصة أنتِ يا ليليان تمزجين الألوان بشكل لا يصدق.." تحدث رامي بأسلوبه المعتاد
ابتسمت ليليان " شكرا لك.. نحاول جاهداً بأن تخرج اللوحة كما نريدها.."
لوت ريم شفتيها وهمست لقمر " لقد بدأت مراسم رامي بتطبيق الفتيات.."
تحدثت قمر نافية " دقائق فقط وسيعود خائباً.." ثم أشارت بعيونها إلى ما خلفهما " انظري الى ذلك الشاب.."
" الوسيم؟!"
ضحكت قمر " أجل الوسيم.." وشددت على كلامها ساخرة
وأكملت " إنه خطيبها.. وعقد قرانهما بعد أيام قليلة.."
علقت ريم بسخرية " وابن عمك الوسيم يعود الآن.."
وعندما وصل رامي حيث تقفا حك جبهته وقال " من ذاك؟!"
أجابته ريم بسرعة " لقد ذهبت من يدك تلك العصفورة.. انه خطيبها.." ثم أطلقت ضحكة استفسارية
برم وجهه لتصرف ريم وقال مستنكراً " حقا.." ثم وجه حديثه الى قمر وتساءل " هل ستأتي مديرة المأوى أم لا؟!"
" لا أظن.. "
نظرت ريم إلى ساعتها الفضية " ذاتا لم يتبقى الكثير يا رامي وسنغادر حتى وان كانت ستأتي فلا وقت لرؤيتها.."
لوى رامي شفتيه ثم تحدثت قمر برجاء " لما لا تمكثون قليلا بعد.."
ريم بأسف " لكننا سنلتقي برائد وجيداء.."
تفهمت قمر ذلك وابتسمت " لا بأس الأهم أنكم حضرتم.."
مسكت ريم يد قمر بشدة وهمست لها " كيف لا أحضر يا شقيقتي الصغيرة.."
وقاطعهما رامي الذي علق ساخراً " ولكن حقا انظرا إلى كمال.. انه مصدقا لنفسه جدا.."
ضحكت ريم " انه يجلب لنفسه الشهرة من خلالكم يا قمر.."
ابتسمت قمر ونظرت إلى كمال " ألا يستحق.."
اختفت ابتسامة ريم وكادت أن تتفوه معارضة لطيبة قمر وظنها أن لكمال جهداً عليهم، ولكن الكلمات أبت أن تخرج من داخلها وهي ترى نظرات قمر المتلألئة نحو كمال وتلك الابتسامة الخفيفة التي زينت وجه قمر.. ثم سرعان ما صوبت نظرها بريب إلى كمال الذي يقف مقابلها وازدردت لعابها وهي ترى نظراته وشفتاه التي تتراقصان بابتسامة طفيفة موجهة ناحيتهم...
وفي قرارة نفسها ( أظن أنك على وشك أن تخسرها يا مجد،، فقليلا بعد وبتصرفاتك الهائجة ستهرب قمر بالتأكيد وتلجأ اليه.... )
*********
في أوج معركة الحياة.. نقف حيرا.. هل سيأتون!! أم يتركوننا نشهد على تاريخنا بصمت مرير؟!
وإن كان للخيبة معنى في أن نبحث في كل الوجوه هل هو ذاك؟! ثم عندما تتضح لنا الوجوه!! لا يكون هو ذاك..
وهل سيأتي؟! هل سيهتم ؟!
تقدمت ليليان إلى قمر ثم وضعت يدها على كتفها " لا تحلمي عبثا.."
أفاقت قمر من غيبوبتها وتمعنت في اجابة ليليان وصمتت.. لأنها تدرك أنها تحلم عبثاً.. ومنذ متى لم تكن أحلامها تتطاير وتتساقط كالشهب تماماً...
يا ليت الشهب تتساقط الآن في سماء أحلام قمر وتتمنى ( أن يأتي..)
أو يخرج لها جني من مصباح علاء الدين فتطلب منه ( أن يأتي..)
أو تستطيع بريشتها السحرية أن ترسمه أمامها الآن فتتحول تلك الرسمة إلى حقيقة..
ولكن كل تلك أحلام مبعثرة تكتب في كتاب الأمنيات المستحيلة فتعود قمر إلى الواقع البعيد عن المستحيلات..
تحدثت ليليان " قمر..إن كان سيأتي لأتى منذ زمن.. فلم يتبقى إلا القليل ونغادر إلى الحديقة لنقيم احتفالا من أجل المعرض"
أمالت قمر شفتيها " ومنذ متى كنت موضعا لاهتمام احد.."
زفرت ليليان بحرارة " لا تتفوهي بمثل هذا الكلام.. هناك ريم وابن عمك ايضا.." صمتت قليلاً ثم أكملت " لا تدعِ أموراً صغيرة مثل هذه أن تتحكم في مزاجك.. ابتسمي فلا تستحق أن تظلميننا بوجهك الذي يصبح مثل الغول عندما تحزنين.."
فتحت قمر عيونها "غول؟! أنتِ الغول يا آنسة.."
ضحكت ليليان " أجل هكذا.. كم تكونين جميلا بدون وجه البوم.."
" هل تدركين أنك تقومين بإهانتي؟!" قمر برفع احدى حاجبيها
" أجل.." ليليان بثقة..
ثم ضحكت الفتاتان معاً...
******** ينسينا الصديق الحزن وينسينا الألم.. ********
~ ~ ~ ~ ~ ~
إيطاليا ـ روما بالتحديد..
بناء ضخم يبدو من هيكله الخارجي أنه على حافة الانهيار.. ولكن تتحد خمساً من أدواره متراصين متماسكين حين الشدة كما من يسكنوه تماماً.. ربما عكسوا صفاتهم وأخرجوها كشعاع امتصه فيتصف به بنائهم القديم.. أو لعل الصداقة التي تجمعهم جعلت من البناء كهلاً لا يموت..
الصداقة تفعل هذا وأكثر.. نقيه كنقاء الماء وتجعل ما حولها نقي لا تشوبه أي شائبة... وعندما يدخل أحدهم إلى معسكر الصداقة يصبح فرداً منهم..
في الطابق السفلي بالتحديد تقف تلك العجوز الأوروبية والتي أخذت من جمال بلادها شعرها الأشقر والذي بدأ منذ زمن بالتحول إلى لون الثلج تنظر بعيونها الخضراء إلى من اقتحم هدوءها بضوضاء جرس المنزل من جديد..
" هل تريد المزيد من القهوة؟!" تحدثت بمزاح
ولكنه شعر بالاحراج حيال أمره المتكرر " في الحقيقة.. أريد أن أودع ابنتي عندك..ابدو متطفلا ول.."
قاطعته العجوز " لا تقل هذا.."
" ولكنني حقا اشعر بالاحراج.. انها ترفض اي مربية بعد ان اعتادت على السابقة.."
ابتسمت العجوز " لا بأس فانا أستطيع استقبالها في أي وقت.."
تحدث بامتنان " شكرا لك.. سأحضرها بعد ساعة تقريبا.."
اومأت رأسها.. فبادر بالصعود على عتبات السلم الا انه سمعها تقول من خلفه " سيد ماجد.. كيف حال زوجتك الآن؟"
التفت وقال " الاوضاع بائسة.. لا مفر من البقاء في المشفى حتى الوقت الراهن.."
أومأت رأسها بتفهم ثم قالت " انا انتظر صغيرتنا ملاك.."
وبعد تحرك xxxxب الساعة وانقضاء الوقت..
وقف السيد ماجد امام باب منزله وبجانبه ملاك التي تذمرت "خذني معك لماذا انا مضطرة للجلوس عند تلك العجوز.."
نظر اليها بعتاب وقال " لا يجوز أن تقولي تلك العجوز.."
تنهد ثم أكمل " اسمعيني جيدا يا ملاكي سأذهب لأقابل أحدهم فقط ساعتين لا أكثر.."
تحدثت ملاك باعتراض طفولي " ولكن كنت استمتع مع سوزان اكثر.."
زفر بحرارة " سوزان ذهبت.. ونحن الآن في ايطاليا.."
أمسك يدها ثم قال بقسوة" هيا بنا.. ولا اريد اعتراضاً على شيء.."
وبعد أن وضعها عند تلك العجوز خرج من المبنى ثم استقل سيارة أجرة...
وفي مطعم يدعى - ميرابيل - يقبع في الطابق السابع من احدى الفنادق الفخمة في المدينة..
جلس السيد ماجد على احدى الطاولات ثم نظر الى ساعته وكان قد وصل قبل الموعد بدقائق فقط فكان ما هو أفضل له لتمضية هذا الوقت هو النظر الى النافذة...
وبعد دقائق صوت رجولي تدخل صداه في المكان
" من الجميل الجلوس وتقابلك حدائق الفاتيكان.."
التفت اليه السيد ماجد.. ابتسم وسرعان ما صافحه بحرارة...
" كيف هي تركيا يا عابدين.."
" ماذا اقول عن اسطنبول يا اخي.."
ابتسم ماجد وقال " انها الجمال.."
" وفيها الجمال أيضا.." ثم غمزه
" هل تركت زوجتك هناك؟!"
امال عابدين شفتاه " وماذا عساي أن افعل.. انه العمل.."
وبعد أن أخذا قائمة الطعام من النادل سأل عابدين " وانت ما الذي اعادك!! ألم يكن هناك الكنز.."
وضع ماجد القائمة على الطاولة وتحدث " بلى،، هناك.."
عقد عابدين حاجبيه " كيف؟! هيا اخبرني بتوضيح أكثر.."
تنهد ماجد " دعنا نطلب ما نريد أولا... "
" حسنا.."
ومع فنجان القهوة الذي ارتشف منه عابدين قال " اذا.. طردك والدك وانت استسلمت قبل ان تأخذ حقك وما تملك منهم.."
عقد ماجد ساعديه " لم يكن بيدي سوى الرحيل.. ثم ان الكنز عند اصحابه"
" ولكن.. كيف ادركت انه."
قاطعه ماجد " من والدي عندما قدم للمنزل.."
" وانت بكل بساطة عدت ادراجك.."
ماجد بقلة حيلة " ليس بيدي،، فقد.."
" ولكن كان هدفك من البداية.. كيف تتخلى عنه للمرة الثانية.. قبل ان تتفوه بشيء او تعترض ان ما فعلته ليس صوابا ابدا.."
وضع ماجد رأسه بين راحته ثم زفر بحرارة
تحدث عابدين عندها " لم يكن عليك العودة ابدا.. فكان من المفترض ان تصلح الامور.."
" لم استطع.." ماجد بقلة حيلة
" الآن لم تستطع!! " عابدين باستنكار
اكمل عابدين " من الذي غادر البلاد من اجل محبوبته أليس أنت؟؟ ومن الذي عصى عائلته؟!"
قال ماجد بانهيار " أنا.. كله خطأي أنا.. وما تعيشه ملاك من خطأي أنا.. بدل من أتركها بين عائلته أتركها في أركان منزل عجوز قد انتقلت للسكن بجوارها حديثا.."
" هذا ليس سوى القدر.."
" القدر مؤلم يا صديقي.." تحدث ماجد متألماً
" عد لبلادك اذا.. لا خير في كاريس لا لك ولا لابنتها ملاك،، انها تقبع بالمشفى الآن.. وحالتها ميؤوس منها لذلك عد حيث عائلتك.."
~ ~ ~ ~ ~ ~
وحين تطفو على سطح المحيط في ليلة هادئة رغوة بيضاء.. وحينما يغرب القمر فيتبدل ظلام الليل إلى نور حقيقي..
وعند الوقوف على مشهد المياه الكاذبة فيتحول بخارها إلى مطر يغمر العالم.. وعندما تتساقط أوراق الخريف وفي ربيعي صادق تنطلق الأوراق أزهاراً وثماراً..
في مثل هذه الأوقات تظهر الحقيقة فقط..
ونحن خلال هذه الظواهر الطبيعية نحاول سعياً أن نسقط أقنعة البراءة الكاذبة...
" وماذا سنفعل الآن؟!" تساءلت ريم بحيرة
" لنكشف الورقة الرابحة يجب أن نعلم مكانها " تحدثت جيداء
أمال رامي شفتاه وبتهكم " ذكيه يا حمراء.. "
جحظته ريم فقال " ماذا هناك؟! " فتأففت ريم لأسلوبه الساخر
تحدث رائد بعد صمت عميق " بناء على معرفتي بعمي فإنه لا يحتفظ بتلك الأوراق له.."
أكملت جيداء عنه وهي تشير بسبابتها " فهو يلقي الأمور هذه على أحد آخر.."
" اذا الأوراق لا تكون معه فهو يختبئ خلف الأسوار.."
أومأت جيداء برأسها " أجل... أعتقد ذلك.."
تحدثت ريم مستفهمة " تعتقدين؟!"
قال رائد " لا نريد استباق الأحداث يا ريم.. ولا نخطو خطوة واحدة بدون تخطيط ذكي.."
" حسنا كما تريدون.." قالتها ريم ثم عقدت ساعديها ضجرة
أكمل رامي " احتمال كبير جداً أن لا يكون هناك نسخ للأوراق التي تثبت سرقته حصتك بالشركة.."
تدخلت ريم " وربما أتلفها أيضا.."
جيداء باستنكار " هل جئت لتعقدين الأمور؟؟!"
ردت ريم نافية " لا فقط.. أقول اسوء الاحتمالات.."
" ما تقوله ريم ليس ببعيد عن عمي.." قالها رائد
زفرت جيداء بحرارة " لا أظن انه اتلفها.. "
" كأنك تتحدثين بثقة مبالغ بها؟!" تسائل رامي
بينما تحدثت جيداء " أجل.. لأنه سمعت والدي يقول.."
قاطعها رائد " أيهما؟!"
لوت جيداء فمها بسخرية " الذي قام بتربيتي.."
أومأ رائد رأسها متفهما،، في حين نظر رامي إلى ريم مستغرباً.. وهناك أكملت جيداء " كانت يتحدث الى شقيقته.. والتي باعتبار عمتي.." تنهدت ثم أكملت " أن جميع الأوراق يتم حفظها.."
" اذا فإنها تعلم أين؟!" ريم بحماس
تحدث رائد " لا أعتقد.. فكما اعلم هي سكرتيرة كما أعلم.. أليس كذلك يا جيداء؟"!
" ليس بعد الآن.." جيداء ثم ابتسمت
عقد رامي حاجبيه " ماذا تقصدين؟!"
أخذت جيداء نفسا عميقا " سنحصل على ما نريد ولكن نحتاج مزيدا من الوقت ومساعدة عمتي.."
نظر كلاً من رائد ورامي أليها باستغراب بينما اتسعت عينا ريم بسعادة " حقا؟!"
اومأت جيداء رأسها..
******************
الساعة تشير إلى السابعة منذ وقت طويل بتوقيت الانتظار.. وأظن أن xxxxب الساعة تطن كحفيف الأفعى عند الانتظار مما يسبب ألم الرأس... المنزل ساكن كسكون الموت والضجر في هذه الحالات يتزين بأبهى حلته...
وضعت قمر كوب الماء بعد أن تجرعت منه ما يكفيها لأخذ مسكن لألم رأسها بعد يوم حافل من التعب والإرهاق النفسي والجسدي... وأرخت جسدها على أريكة بنية اللون تنتظر من الخادمة أن تجلب لها كوباً من القهوة لعلها تستعيد وعيها قليلاً،، فيوم مثل هذا اليوم كفيلٌ بأن يُنفذ كل طاقاتك البدنية وحتى النفسية وتبقى تنظر إلى سقف الغرفة التي تجلس بها حتى إشعار آخر....
" آنسة قمر.. قهوتك؟!"
فتحت عيونها بتعب وابتسمت بشحوب " شكرا لك.."
" هل تريدين شيئاً آخر؟!"
هزت قمر رأسها نفيا ولكنها تداركت نفسها فتساءلت " هل أخبرتك جدتي بشيء عن موعد عودتهم.."
" لا.. إن كنتِ تريدين بعض الطعام لتستعيدي جزءاً من طاقتك ف.."
قاطعتها قمر " لا شكرا.. لا يوجد لدي شهية الآن.."
اومأت الخادمة رأسها " إن كنتِ تريدين شيئاً آنستي فسأكون بالملحق.."
" حسنا.."
أخذت نفساً عميقاً لعل ذرات الأكسجين تنعشها قليلاً ثم أخرجته بهدوء شديد.. مسكت كوبها وبدأت بارتشافه بهدوء.. أمالت شفتيها بملل شديد ثم نهضت من مكانها...
( يبدو أنك وحيدة هذا المساء؟!)
استدارت بتفاجؤ وكادت أن توقع كوب قهوتها.. إلا أنها وقفت بتوازن وأومأت رأسها " أجل.."
ابتسم لها واكتفت هي بتلك الكلمات واستدارت من جديد.. لعلها بتجاهلها له ستلقنه عقاباً لأنه لم يأتِ للمعرض هذا اليوم.. تسمع أنفاسه المتعبة وصوت أثر جلوسه على أحد الأرائك..
التقطت جهاز التحكم عن بعد ثم جلست على أحد الأرائك الفردية وبدأت تقلب قنوات التلفاز متجنبة أي التفاتة منها تصدر.... توقفت على إحدى القنوات وبدأت تشاهد برنامجاً وثائقياً يتحدث عن الطيور لتشتت ذهنها بعيداً عن عيون الرصاص التي تدرك جيداً أنها متوجهة نحوها..
ارتشفت قليلاً من كوب قهوتها وشعرت بحركته في المكان إلى أن تجمدت أطرافها عندما جلس على الأريكة المجاورة.. حملقت بشدة بالتلفاز واستعانت بكوبها حتى تبث فيه قليلاً من توترها..
نظر مجد إلى التلفاز ثم لوى شفتيه بنصف ابتسامة " كيف كان المعرض؟!"
ظلت متسمرة بالتلفاز وأجابت باقتضاب " جيد.."
عقد حاجبيه " ولكن لا يبدو انه مر على ما يرام.."
نظرت إليه بنظرة ذات معنى ربما فهمها " كان جميلاً جدا.."
أومأ رأسه وابتسم " بالتأكيد سيكون أليس لوحتك تعرض هناك.."
أبعدت أنظارها عنه وبدأت بارتشاف قهوتها بهدوء شديد..
سمعته يقول " لم أكن أعلم أن البرامج الوثائقية من اهتماماتك.."
تنهدت بتعب " فقط هكذا لتمضية الوقت.."
تململ مجد في مكانه محاولاً بث ما بجعبته من اعتذار لقمر لأنه يدرك انها منزعجة بسبب عدم حضوره.. أخذ نفساً عميقاً ثم
" قمر،، أنا حقا أعتذر لعدم مجيئي.."
وكأنها لم تكن تنتظر منه اعتذاراً فنظرت إليه بذهول وخرجت منها بدون وعي " حقا.."
حاول كتم ضحكته فابتسم " أجل.. أما كنتِ تنتظرين مني الاعتذار؟!"
ازدردت لعابه وامالت رأسها " ربما.."
أحنى ظهره إلى الامام ونظر اليها فارتبكت
قال بمرح " ربما تسامحين المسكين الذي يتعب في العمل لأجل أن يشتري لك تذكرة لحضور معرض بعد أسابيع..."
نظرت اليه بدهشة فرأت شبح ابتسامته ثم قال " ما رأيك؟!"
رمشت عدة مرات مع ابتسامة تعجب " هل!! " نفضت رأسها ثم استرسلت بالحديث " يمكن ذلك.."
نهض بسعادة ثم قرص وجنتها " ستشاركينني الطعام بعد قليل... ولا اعتراض..."
أطلقت نفساً عميقاً حاملاً معه أكسجين الحب.. ثم تحسست وجنتها وشردت بذهنها راكضةً لخلف أسوار قلعتها القلبية حيث يقيم الحاكم مهرجاناً يُعزف به مشاعرها المرتبكة ويرقص من حوله أنفاسها المضطربة...
*********************
تحرك محتويات طبقها بملل شديد.. تخبئ نظراتها تحت حبات الأرز البيضاء.. وطاولة خشبية تحت ضوء القمر تلم شملها مع مجد.. وعيونها الناعسة تأبى الخروج من مخدعها والنظر حيث نور شمس مجد لكي لا يعمي بصيرتها ببصيلات الرصاص من عيونه...
نسيم الصيف الخفيف يغلف المكان مع رائحة الياسمين العتيق.. عقد ساعديه أمام صدره بحيرة كبيرة موجهاً أنظاره إلى زهرته الذابلة.. انه يود أن يمتص منها الحزن ويخبئه في مكان بعيد عن هذه الطاولة.. يريد بشدة أن يمسك بيدها ويخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام... وكم في أحلامه أن ينسيها ماضيها ويصبح هو مستقبلها وحاضرها..
تنهد ثم تساءل" ماذا بك يا قمر؟!"
رفعت رأسها ثم صمتت قليلاً،، تركت ملعقتها و قالت بنبرة كانت أبعد البعد أن يصدقها " لا شيء"
" ولكن عيناكِ لا تقول هذا؟!"
نفت برأسها " حقا لا يوجد شيء فقط.."
قاطعها بابتسامة " تستطيعين إخباري بما يجول في خاطرك.."
نظرت إليه بتردد فإنها لم تعتد أن تفصح له بالشيء الكثير وخاصة عن مشاعرها المستاءة..
فحثها قائلا " يمكنك الوثوق بأنني لا.."
فهمت ما يقصده فقاطعته " ليس أنه لا اثق بك.."
عقد حاجبيه " اذا ماذا هناك؟! لا تقلقيني.."
" لا شيء يدعو للقلق.. فقط أنه اللوحة التي تجمعني مع عائلتي.." صمتت وأبعدت عيونها التي على وشك بدء معركة الدموع عنه فهي إن كادت أن تتفوه بكلمة أخرى سيصبح مشهداً درامياً لا محالة وستغرق بشلال مشاعرها مجدداً..
تنهد ثم نهض من مكانه مد يده لها " تعالي قليلاً..."
نظرت إليه وقطرات الندى توشك أن تسقط من عسل عيونها.. حثها بعيونه فمدت إليه عيونها ونهضت معه...
ساراً قليلاً مبتعدين عن الطاولة وظل ممسكاً بيدها حتى توقفاً ..
بينما هي مطرقة رأسها وقف مقابلتها ووضع يديه على أكتافها برفق
" لا بد لظلام الماضي أن يبدده نورٌ يوماً ما "
رفعت رأسها فالتقت عيناها الدامعة مع بريق عيونه الجميل.. شردت ببحرهما ولم تعي على نفسها إلا وهي بين أحضانه وصوته يقول " سيمضي يا قمري "
أي نور يمكنه أن يطفئ عتمة الماضي؟!
أي مياه يمكنها أن تخمد حريق الذكريات؟!
أي شيء سحري يمكنه تحويل خوف الماضي إلى شجاعة؟!
وأي شعوذة يمكن إلقائها حتى نتمكن من المجازفة؟!
إنها شعوذة الحب.. وسحر الحب..
أنها مياه القلب.. ونور القلب..
***********
الذكريات تبدو سراباً لأحد ما قد ظمئ لرشفة من ماء الماضي الهنيء..
وكذلك ياسمين دائما ما تستيقظ كل صباح وأول شيء يراود ذهنها ( أن تعود الأيام كالسابق )... تنظر إلى أشعة الشمس عبر نافذتها لعل شعاعها الذهبي بريق أمل لخروجها من مستنقع الحاضر... فبعد أن تولت منصب سكرتيرة لصديق شقيقها السيد مراد اكتشفت أن وسط العمل سيء جدا.. وأنها كانت في عالم البراءة حتى دخلت إلى عالم الأعمال فغمرتها القذارة حتى أنها غرقت بها..
تخرج من منزلها كل يوم وتتمنى أن تُنفى إلى كوكب آخر بعيداً عن غطرسة ودناءة مراد فإنه يتمادى أكثر وأكثر بعد أن جعلها في المركز الأول من المساعدة... تنهدت قبل أن تدخل إلى مكتبه بكوب قهوته المرة.. رسمت الابتسامة على وجهها
طرقت الباب مرتين حتى أذن لها الدخول...
" صباح الخير.."
نفث دخان سيجارته الفاخرة " أين لؤي؟!"
وضعت كوب القهوة على مكتبه ثم أجابت " لم يأت إلى المنزل البارحة.."
" وابنته؟!" قالها بازدراء
شعرت بالاسف ثم قالت باستياء" لم تأتِ.."
فتح ملفاً من التي أمامه وقال بتعالي " ماذا حصل بشأن ماجد! هل توصلتم إليه.."
أومأت رأسها " إنه يرفض القدوم للبلد.."
نظر إليها بتهكم " وما عملكم أنتم؟! سيأتي مرغماً.."
" حسنا.. سأحاول الحديث إليه مر.."
قاطعها وهو يلوح بيده نافياً " عندما يأتي شقيقك أرسليه... واحجزي تذكرة لشخص إلى ايطاليا.."
" حسنا،، هل هناك أوامر أخرى.."
" لا.. انصرفي الآن.." قالها ثم شرع بشرب فنجان قهوته...
تأففت بعد أن أغلقت الباب من خلفها.. أسندت جسدها على الحائط وشعورٌ بالخزي يملؤها... فإن هذا الشعور يخنقها جدا ويجعلها تنتظر دورية الشرطة في أي لحظة حتى تقبض عليها حتى تتخلص من هذا الشيء التي تعثرت به والذي جعل قناع البراءة خاصتها يقع....
أسرعت إلى مكتبها لتستنجد بشقيقها ثم التقطت هاتفها من الحقيبة.. اتصلت به وانتظرت حتى يجيب
" ااه لؤي.."
جاءها صوته قلقاً " ماذا هنالك؟!"
" تعال بسرعة أرجوك.. " ثم همست له " ارتكبت خطأ واحد وشعرت بالذنب لما أفعله.."
" حسنا اهدئي.."
أكملت حديثها الهامس " أرجوك يا لؤي لا استطيع تحمل المزيد من الأمور هذه.. إنها لا تناسبني.."
" نصف ساعة فقط وأكون هناك وأحل الموضوع مع مراد.." قالها مطمئناً
أخذت نفساً عميقاً وبنبرة مضطربة " حسنا.. أنا بانتظارك.."
تبدأ حكايا العشق دائما بأغنية...
يرسلها المُحب إلى معشوقه على نية الصداقة ولكنه بالحقيقة يرسل مشاعره بطريقة غير مباشرة..
أغنية كتلك تلمس شغاف القلب وتملكه فتتدفق المشاعر داخله وتتزاحم مع الكلمات..
تلك المشاعر الجياشة فقط عندما تتدفق الكلمات من بين شفتا مجد صباحاً..
يستقل عتبات السلم نازلاً للأسفل والسعادة تشق طريقها في بداية صباحه... يغني بصوته العذب ويدندن بين كلمات الأغنية كنوع من الموسيقى يختلقها هو على نسج موسيقى الأغنية الأصلية...
" يا سيد الطرب ، ما بالك منشرح هكذا.." تحدثت ريم بانزعاج
لوى شفتيه " يبدو أن ملكة الدراما منزعجة؟!"
تنهدت بتعب، فعقد حاجبيه وكاد أن يسألها ولكنها لوحت بيدها مودعة " سأذهب لأنام فأنا متعبة من السهر.."
هز كتفيه بلا مبالاة ثم أكمل النزول وعاد للغناء والدندنة من جديد..
إن الحب في نظره مجرد أغنية تخرج من بين شفتاه فتصيب سهامها قلب محبوبته... يتخايل في مشيته ببدلته الرسمية التي تناسب اجتماع اليوم..
يتوجه إلى المطبخ يأخذ من الخادمة عصير البرتقال ثم يهرول مسرعاً إلى الخارج....
يخطو خطواته نحو ظلال ورق الشجر على الحسناء التي تجلس بملل.. إنها تبدو كلوحة طبيعية وهي تجلس عاقدة ساعديها شاردة في الافق... أكمل سيره بابتسامة غامضه ثم تنحنح ووضع كوب العصير الطازج..
تحدثت قمر بهدوء " صباح الخير.."
" صباحكِ خير.. " ثم أشار إلى الكوب " هذا العصير لكِ.."
ابتسمت له " متشكرة.. ولكن لا شهية لي.."
تنهد ثم جلس " ولكن هذا لا يجوز.."
" أقدر اهتمامك بي.. ولكان هذا لا يجري فقط لتكفر عن ذنوبك.." ثم أبعدت أنظارها عنه ومرارة تملأ حلقها..
نظر إليها بذهول وتحدث باستغراب " ماذا تقولين؟!"
هزت رأسها نفيا وكادت أن تنهض لولا أنه قال بصوت عالٍ بعض الشيء " هل تعي ما تقولين؟!"
همست بحزن " ما حصل بالراحة "
تحدث من بين اسنانه "وماذا حصل؟ ماذا فعلت؟"
نظرت اليه وحديث ريم وزجة عمها يرشقها كما الرصاص تماماً،
( عندما أرادت أن تدلف إلى غرفة ريم في منتصف الليل، سمعت زوجة عمها تقول: " أنا لا أعلم ما يحصل لكم؟ أنتِ ومجد "
أجابتها ريم بهدوء " لا شيء،.."
بتهكم شديد تحدثت " لا شيء، أنت تركضين وراء ذلك الفقير، ومجد لا أدري ماذا دهاه أراه يجالس ابنة عمك أكثر منا؟"
تنهدت ريم بملل " أرجوكِ يا أمي لا تدخلي قمر في رأسك الآن.. كفانا نحن"
" ومن يستطيع أن يتحدث اليها، انها جدتك وراءها تماما لا تسمح لنا بشيء ولكن مجد هل لأنه اساء لها كثيراً"
تحدثت ريم بنبرة حادة" لهذا يا امي، أجل يكفي.. " )
لم تستطع أن تتفوه بأي حرف، لا تدري ماذا تبرر موقفها أمامه.. ربما قد تسرعت!
ولكن ريم تؤكد ذلك لوالدتها..!
ازدردت لعابها بتوتر ثم ارتعدت أوصالها عندما نهض بقوة عن المقعد " أنتِ حقا حمقاء.. وحمقاء كبيرة.. إن كنت أريدك أن تسامحيني فأنا لا أفعل ما أفعله لكِ.. وأنا لا أنتظر مسامحة من أحد لما أفعله.." ثم صرخ بقسوة " هل فهمتِ؟!"
ظلت محملقة به بخوف.. قواها قد خارت واختفت.. ازدردت لعابها وتشبثت بقوة وهمية قد تراءت لها من سراب..
تخشاه إلى الآن.. وتخشى عاصفة غضبه.. فإنه إن غضب يصبح إعصاراً يدمر الكثير والكثير...
قالت بتردد " أنا فقط.. كنت.."
أوقفتها يده عن الحديث وشعرت بعيونه تنظر إليها بعتاب شديد.. تخبرها عيونه أنها حقا مخطئة.. مخطئة جداً...
أخذ نفساً عميقاً ثم نظر إلى عيونها مباشرة.. بعثرت هي نظرها آن ذاك وسمعته يقول مع أنفاسه المتقطعة
" كل ما أفعله من أجل حمقاء مثلك..."
ثم اختفى صوته بعيداً..
وبعد جملته تلك التي تخفي خلفها الكثير... تراءى لها مشهد ليلة البارحة عندما أخذها بين ساعديه حتى يخفف عنها آلامها.. ولكنه الآن يمضي بعيداً عن كل شيء بسبب ما تفوهت به..
فأين هو الآن من الحزن التي يعتصر قلبها!!
وأين يذهب بعيداً من دون أن تفسر له؟!
إن الإجابة ظهرت في غيمة تطفو على تلافيف عقلها الأحمق " بسببك يا قمر..."
والسؤال الأهم.. لماذا قال جملته تلك؟! وماذا يقصد يا قمر؟!
زفرت بحرارة بعد أن حاولت الإجابة على سؤالها ذاك.. ربما فكرت بالإجابة الصحيحة ولكنها كانت أضعف الاحتمالات بالنسبة لها.. وهي في أوج الخصام بين قلبها الذي يخبره بمدى صحة تفكيرها!! وبين عقلها الذي يحاول إيجاد إجابة شافيه؟!
يظهر من البعيد سحابة حديث تلتقط كلماتها وتهطل في أذنها.. فتخرج من المعركة ما بين قلبها وعقلها مبعثرة متشتتة..
ابتسمت بشحوب إلى جدتها..
فنظرت إليها جدتها بشك وتساءلت " لماذا كان صوته عالياً؟!"
أمالت قمر شفتيها " لا شيء.." وبدلت دفة الحديث " هل ستذهبين إلى المشفى الآن؟!"
أومأت الجدة رأسها " أجل.. "
" ما رأيك أن أذهب معك إلى المشفى,, تجرين فحوصاتك.."
" حسنا.. ولكن ستجرين أنتِ فحصاً لدمك أيضا.."
تنهدت و بإعتراض تحدثت قمر " لقد أجريته المرة الماضية.."
ولكن جدتها قالت بحنان " لا بأس بفحص آخر..دعيني أطمأن عليك.."
ابتسمت لها ثم غمرتها بلطف وبعد أن قبلتها على وجنتيها " أحبك يا أجمل جدة.."
" وأنا أيضا.." ثم ابتعدت عنها الجدة وقالت آمرة " هيا اذهبي لتجلبي حقيبتك.."
أومأت قمر رأسها ثم بدأت بالركض...
ــــــــــ مشهد قصير ــــــــــ
شبكت ياسمين أصابعها بتوتر شديد.. تنظر إلى الساعة المعلقة على الحائط كل دقيقة وتشك أن xxxxب الساعة تتحرك أيضا.. همهمت وهي تململ في الكرسي الخاص بها " هيا يا لؤي.."
ضاق صبرها فبدأت تمشي ذهابا وإيابا لعله يخرج.. إنها تنتظره إلى ما أكثر من نصف ساعة... وسمعت مقتطفات من شجارهم إلى أن هدأت الأصوات..
تنهدت عندما خرج وعلامات البؤس تسرق ملامحه.. رسم على شفتيه ابتسامة كاذبه ثم وضع يده على كتفها
تساءلت بقلق " ماذا حصل؟!"
تحدث لؤي مطمئناً " لقد سويت الأمور.."
" أخبرني.."
" لا تقلقي بشأنك.. أنتِ لم تفعلي شيئاً."
عقت حاجبيها " ولكن.." ولكنها تداركت الأمر وقالت من بين أسنانها " ذلك الحقير.."
ثم تهالكت على مقعد قريب " لماذا تكفلت بكل الأمور... لماذا؟!"
تنهد متعباً من ظلم الحياة ومن اختياراته كي يحمي من يحبه " أفعل هذا لأنني أحبك.."
" ولكن..." اختنقت الكلمات داخلها واكتفت ببكاء صامت
شد لؤي على يدها " لا بأس يا شقيقتي.."
نفت برأسها ولم تستطع أن تتفوه بأي حرف
" اهدأي أرجوك.. " صمت لؤي لوهلة.. ثم قال "سأذهب إلى ايطاليا اليوم من أجل ماجد.."
نظرت إليه بحسرة وقالت " نحن بدائرة لن نستطيع أن نخرج منها.."
حاول لؤي طمأنتها قائلاً " لا تقلقي بشأني.. "
" لا تظهر قوتك.. نحن الضعفاء والمهزومين هنا.. لا هو.." قالتها ياسمين ثم نهضت بدموعها بعيدا عن شقيقها..
**********************
" إنها الرابعة الآن.." تحدثت ريم بعد أن نظرت إلى ساعة الحائط بغرفتها.. ثم أبعدت الهاتف عن أذنها ووضعته على وضعية ( مكبر الصوت) وبدأت تمشط شعرها المبتل..
جاءها صوت كمال متحمساً " ما رأيك أن نخرج ثلاثتنا؟!"
نظرت إلى الهاتف وكأنه كمال وعقدت حاجبيها " ثلاثتنا؟!"
" أجل.. أنا وأنت وقمر.."
لم تستسغ الفكرة ثم امسكت هاتفها وقلبته إلى الوضع العادي.. وضعته على أذنها وتحدثت " قمر ليست هنا الآن.."
سمعته يتنهد بإحباط ثم قال " حسنا لا بأس.. لقد واتتني الفكرة لأني بالقرب منكم.."
قالت بملل وعلى مبدأ الواجب والأدب " يمكنك أن تأتي وتنضم إلينا قمر لاحقا.."
" حسنا.. أنا قادم.. هل أحضر معي شيئا.."
" لا.. شكرا لك.. بانتظارك.."
أغلقت الهاتف ثم ألقته على سريرها بضجر.. وجلست على مقعد كبينتها بخيبة كبيرة جداً..
" قمر وكمال!! "
ثم زفرت بحرارة .. ان كمال منذ مدة ليست ببسيطة يهتم بقمر جدا يساعدها بكل شيء وقمر أيضا تبدو مسرورة لتعاملها مع كمال وتمضي أغلب الأوقات برفقته .... حتى أنه قل تعاملها مع رامي.. وتتعامل مع مجد برسمية أحيانا أخرى واحيانا تتجنبه...هل يبدو أن كمل بدأ بتعبة فراغ قمر...
هزت رأسها نفياً بقوة وصرخت " لا مستحيل..."
( ما هو المستحيل..)
شهقت برعب ثم استدارت وبلعثمة قالت " لا شيء.."
تقدم مجد نحوها بشك " اذا؟!"
ازدردت لعابها وعادت أدراجها حتى تسرح شعرها " حقا لا شيء.. كنت افكر بشيء ما.."
ابتسم لها بتعب " جيدة عندما تخفين أمرا.."
قالت وهي تشير اليه من رأسه حتى أقدامه ممازحة إياه " اذا لست مثلك.."
وما كانت ردة فعله إلا أن أومأ رأسه فعقدت ساعديه وبنظرة تفحص " ماذا بك؟"
أجاب بهدوء " لا شيء.."
اومأت رأسها بتفهم لعدم إفصاحه.. فهذا مجد يخفي كل شيء ولا يشاركه مع أحد... يخبئ نفسه ومشاعره في صندوق خلف ضباب أسود قاتم لونه.. ولكن لا تفضحه إلا عيناه..
وهي في قمة شرودها سمعته يتنهد..
تقربت منه ثم سألته بقلق " مجد ما بكِ!! لا تبدو بخير.."
حك جبهته فهذه حركته عندما يكون يبحث عن اجابة أو ( حجة) ما ليقولها.. ابتسمت له ووضعت يدها على كتفه " حسنا لا بأس.. يمكنك اخباري لاحقا.."
" اذا ما اخبارك مع رائد؟!"
امالت شفتيها بحيرة " تحدثت معه صباحاً.. ان مزاجه معكر نوعا ما.."
" تبدين مترددة !!" سألها باستغراب
" جيداء تحاول أن تأتي لنا بأي شيء قد يوقع عمه بالهاوية.."
ابتسم مجد " هذا جيد، ولكن كيف؟! " وضع يده أسفل ذقنه " ولكن كرجل أعمال مثل عمه.. يصبح هذا الشيء ضرب من المستحيل.."
زفرت بحرارة " لا تهبط معنوياتي أرجوك.."
" لا تقلقي.. إن في كل خطأ ثغرة ،، مهما حاولنا إتمام عملنا بإخفاء الأدلة بشكل تام.."
اومأت رأسها ثم غمزته " وأنت عيونك تفضحك.." ثم قهقهت بخفة
عقد حاجبيه مع ابتسامة جانبية فأكملت وهي تخرج مجفف الشعر من دولابها " تفضح حزنك على حبك.."
عقد ساعديه " ابنة عمك حمقاء جدا لأنها..."
بتر عبارته على أثر طرق الخادمة الباب.. فاستدار ناحيتها وقال " ماذا هناك سيرين؟!"
أجابته " لقد جاء السيد كمال.. انه بالشرفة الخلفية.."
أجابت ريم " حسنا.."
استفهم مجد قائلا " وماذا يريد هذا؟!"
هزت ريم كتفيها " اتصل بي وقال انه بالجوار.."
اومأ رأسه " استقبليه أنتِ.. أنا نائم.." ثم بدأ بالمغادرة وقال قبل أن يغلق باب غرفتها بضجر " لقد أصبح ملتصقا بنا.."
أطرقت ريم رأسها بعد خروجه ثم توجهت حيث مرآتها وقالت بصوت أقرب للهمس " بل بقمرك.. "
********************
إن الحب أشبه بالسهم... سهم يأتي على حين غرة.. نكون في غفلتنا عندما يصيبنا..
نكون شاردين في الحياة.. ثم نصبح شاردين بالحب...
يبدو الحب حينها كنجم ساطع في سماء حياتنا،،
ويبدو أحيانا كشهاب ينزل من الفضاء إلى الأرض فيسبب فجوة غريبة..
فجوة نغرق بها أكثر.. ونبقي بها مشاعرنا وحكاية الحب..
في الحب نسافر إلى بقاع مختلفة.. نتجذر ونتعمق بها..
في الحب تداخلٌ بالوجدان...
ويصبح الحبيبان روحا واحدة بجسدين مختلفين..
ولكن ما الجدوى من الحب إن كانا الحبيبين يختزلان حبهما داخل أسوار قلعة رمادية وضباب أسود..!!
إن الساعة تجاوزت الثامنة والنصف.. يجلس مجد في غرفته يطالع بعض الملفات الخاصة بدور الأيتام الجديدة... يحاول جاهداً أن يشتت فكره وأن يشغل نفسه عن قوقعة الحب الغامضة... تنهد بعد أن أنهى آخر ملف له..
أمسك كوب قهوته فرآه منتهياً منذ زمن... نهض من مكانه بتعب واضح على ملامحه.. ويشعر أنه قد أفرغ طاقاته البدنية لهذا اليوم... هو هكذا لطالما يحاول الهرب بالانهماك بالعمل.. أو إيجاد أي شيء حتى لو يخرجه من تحت طيات الأرض فقط ليشغل نفسه...
غادر غرفته ثم نزل عتبات السلم بهدوء شديد وصداع يلفح بنسماته الخفيفة حول رأسه ..
استدار إلى الرواق المؤدي إلى المطبخ.. ثم دخله ووجد فيه احدى الخادمات التي تسكب بعضاً من القهوة المرة وبجانبها كعك حلو..وعندما رأته سألته إن كان يحتاج مساعدة فرفض ذلك بود ثم توجه نحو آلة القهوة وما لبث أن أشعلها حتى تقاذفت على وجهه رياح ضحك قوية تأتي من الخارج..
تعجب ثم نظر إلى الخادمة وتلوح في وجهه علامات الاستفهام فأجابته " الآنستان ريم وقمر والسيد كمال..."
" للآن هنا.." قالها بتذمر
( وهل هناك مانع يا بطلي..)
التفت الى جدته بابتسامة " لا أبدا.. ولكن فقط.."
قاطعته وقالت بهدوء "انا من دعوته للعشاء.."
اخذها تحت ساعده الأيسر وجعلها تقترب اليه " وهل هناك اعتراض بعد أمر الملكة.."
ضحكت الجدة " جميعكم تتلاعبون بالكلمات.."
سألها ممازحا " وهل جدي كذلك؟!"
ضربته على ساعده وقالت باحراج " قليل الأدب.."
تحدث ببراءة " أنا فقط أتساءل.."
توجهن نحو ما تحضره الخادمة وظهرت على وجهها علامات الرضا " جيد.. سنأخر العشاء قليلاً.."
تساءل مجد " ولماذا؟"
( لأنك تسأل.. )
التف مجد وضيق عيونه صوب رامي ثم " ها ها،، كم أنت مضحك يا ابن العن.."
غمزه رامي " أٌعجبك.."
لوى مجد شفتيه باستلام ثم توجه صوب آلة القهوة.. بينما رامي سار حتى وصل جدته وقبلها " كيف هي جدتي الجميلة.."
ربتت على وجهه " بخير ما دمتم جميعا بخير.."
أخذ رامي كعكة ثم قضم منها وقال بعدها " من في الخارج هناك أصوات؟!"
قال مجد بتذمر وهو متوجه لخارج المطبخ حتى يذهب إلى غرفته " انه كمال.." ثم لوى شفتيه ضيقاً فقابلته جدته بنظرة تأنيب وتحدثت بشكل آمر " إلى الخارج.." وقالت بعد أن زجرت مجد " جميعكم.."
زفر رامي " اووه يا جدتي أنتِ تعذبيننا.."
" امشِ يا سيد رامي.." تحدث مجد متحاملاً.. ثم خرج جميعهم إلى الخارج وتبعتهم الخادمة تصطحب لهم الكعك والقهوة....
توقفت الكلمات في حنجرة قمر وخنقتها حتى شكلت كتلة سوداء شبيهة بطعم العلقم عندما رأت مجد يتوجه صوبهم مع جدتها ورامي.. ظلت محملقه به لوهلة وهو يتحدث إلى رامي وتتراقص البسمات على شفتيه.. أخذت نفساً عميقاً وحتى تبعده عنها وعن تفكيرها أبعدت نظرها عنه وأمعنت السمع إلى كمال عندما سأل ريم " اذا متى بداية الفصل الجديد؟!"
زفرت ريم " كنا مستمتعين.. ما الذي أوصلنا إلى الجامعة الآن؟!"
شعرت قمر باقترابهم فوضعت رأسها على كيف يدها.. واسندت ذراعها على الطاولة وتمنت داخلها أن يحتل مجد مكاناً قاسٍ عنها.. وبالفعل أول من جلس هو مجد وقد اختار زاوية بعيدة على مقعد أسفل الشجرة.. تشنجت حواسها وشعرت بخيبة.. ولكن أليس هي من تمنت عدم جلوسه جانبها!! أطرقت رأسها وبدأت بسبابتها تحركها على الطاولة..
تحدث رامي بعد أن احتل مقعدا بجانب قمر " انظر الى شكلها.. وعندما تتخرج تريد أن تتوظف بشكل عاجل.."
برمت ريم وجهها لرامي.. حيث ابتسم واخذ كوب قهوة مع كعكة صغيرة.. وفي تلك الأثناء مدت الجدة بعضا من الكعك إلى كمال..
تحدثت ريم رداً على رامي " انظر الى نفسك أولاً تخرجت محامياً ولكنك لم تعمل بتخصصك.."
نظر رامي بنصف عين إلى ريم ثم تحدث " على الأقل وجدت عملا.."
" أجل أجل.." ريم بسخرية..
وعندما انشغل رامي وريم بالمزاح انضم اليهم بعد ذلك كمال ايضا..
فيما قمر كانت شاردة في أعماق المشاعر وعمق المتاهات التي تاهت وأضاعت نفسها بها... ربما كان جزءاً منها في أرض الواقع لذلك سمعت استدعاء جدتها لمجد حتى يجلس معهم.. فألقت نظرة جانبية لظله الذي يتحرك.. ازدردت لعابها وتذكرت جملة ليليان عندما اخبرتها ما حصل هذا اليوم ( أفضل شيء هو تجاهل المشاعر قبل تجاهله هو نفسه..)
لذلك أخذت قمر نفسا عميقاً عندما جذب مقعدا من جانبها واغلقت عيناها.. كتمت انفاسها ولكنها عندما فتحت عيونها رأته يتوجه إلى الناحية الاخرى وابتعد.. فتسمر كل جزء من جسدها لحركته تلك ثم نظرت بذهول وصدمة اليه.. بينما هو وضع جدارا سميكا بين قلبيهما.. ولم يعرها أي اهتمام..
تجاهلها وتجاهل كل شيء .. يعاقبها أجل.. هو كذلك؟! قاسي بمعاملة الجنس اللطيف أحيانا...
تحدث إلى جدته بتساؤل " سمعت أنك ذهبتِ إلى المشفى هذا اليوم؟!"
أجابته الجدة " لقد قمت بالفحوصات الدورية لي.."
تساءل كمال عندما سمع اطراف الحديث " ولكنك تبدين بصحة جيدة.. انك سيدة وكأنك في عمر الشباب.."
قهقهت الجدة على لطف كمال " وانت لسانك حلو مثل رامي.."
قال رامي بوضعية الفخر " أوليس صديقي؟!"
وفي هذه الاثناء تنهدت قمر وتحدثت ريم في الوقت ذاته " التفاهة نفسها.." ثم لوت شفتيها..
تحدث كمال مصوبا أنظاره إلى قمر " واظن ان قمر اصبحت مثلك.."
استرعى انتباه قمر اسمها فنظرت اليهم لوهلة وكأنها مصعوقة.. فضحك كمال وقال " حتى في صدمتها.."
ضحك الجميع عدا قمر التي ابتسمت له بدون فهم.. ومجد الذي تأرجح بصره إلى تبادل النظرات بين كمال وقمر.. شد على قبضته وتأوه على مسامع الجدة.. التي خفت ضحكتها ثم همست له " ما بك!!"
هز رأسه نفياً وعيونه ما زالت على قمر..
صوبت الجدة نظرها إلى حيث نظره ثم ربتت على يده " لقد اخذتها معي اليوم.. وقمنا باجراء فحوصات جديدة.. ستخرج نتيجتها بعد يومان.."
التفت بحدة إلى جدته وعقد حاجبيه " لماذا؟؟ لقد اجريناه مسبقا.."
تنهدت جدة وتذكرت حلماً بائسا قد حط على منامها ذات ليلة.. " فقط ليطمئن قلبي عليها.. ستذهب أنت لاحضار النتائج"
ابتسم مجد لها ثم قبل يدها بلطف " لا تقلقي.. انها كالقردة تضحك.."
نظرت اليه الجدة بعتاب.. بينما صرخت ريم ووجهت حديثها إلى قمر " هييي قمر.. هناك من يقول عنك قردة.."
نظرت اليها قمر بعدم استيعاب.. فأمالت ريم شفتيها " حقا .. من الذي اخذ عقلك.."
نفضت رأسها " لا شيء.. ولكن ماذا كنتِ تقولين.."
تحدث مجد بحدة وجحر ريم " تقول التفاهات مثلها.."
اتحدثت ريم بدون خوف " هو من قال عنك قردة وانا..".... ثم التفتت لتحادث كمال وتلهيه قليلا..
بدلت قمر نظرها إلى مجد ثم قالت بهدوء شديد وهي تنظر في عميق عينيه " لا بأس.. لا بد أنه يمازح لا أكثر.."
وظلت محدقة به بصمت شديد وهو كذلك.. حتى همس لها رامي " لا تكترثي كثيرا.."
هزت رأسها نفيا ثم ابتسمت له " لقد.." .. نظرت الى مجد نظرة جانبية ردت الروح المسلوبة منها وبترت عبارتها مما جعل رامي يستغرب ثم اكتفت بالصمت... في حين بدأت الجدة ترسل نظراتها المؤنبة لكل من ريم ومجد..
وبعد سويعات قليلة من العشاء.. قررت ريم بعد رحيل رامي وكما ان تشاهد فيلما بوليسا كان قد أخبرها به كمال عند حضوره وطلبت من قمر مرافقتها بالسهر هذه الليلة..
أومأت قمر رأسها منصاعه " حسنا.. لك ما تريدين.."
غمزتها ريم " لم تحزني من مجد لأجل كلمة قردة..."
تنهدت قمر ثم قالت " وهل يجب أن افعل؟!"
لوت ريم شفتيها " لا.. هو فقط.."
قاطعتها قمر مع ابتسامة خفيفة " اذا سأعد الفشار.."
" حسنا.. وأنا سأهيئ المكان لأجل الفيلم.." ثم فركت كفيها مع ابتسامة حمقاء..
قهقهت قمر لمظهرها الطفولي ثم هزت رأسها نفيا بنم عن الاستسلام.. وبعدها توجهت قمر خارج الصالة حتى تعدها ريم بناء على متطلبات الفيلم البوليسي..
اشعلت قمر أضواء المطبخ ثم توجهت إلى احد الكبائن وأخرجت حبات الذرة الصفراء اللامعة.. ثم إلى الخزائن المخصصة بأواني الطهي.. وبعد أن وضعت زيتا في إناء الطهي.. ثم ألحقت الزيت بحبات الذرة.. ارتعدت مع شهقة خفيفة عندما سمعت صوت مجد من خلفها " ماذا تفعلين؟!"
استدارت اليه بجزع فقال " لم اقصد ان أخيفك هكذا.."
تنفست الصعداء " لا بأس.. لأنك جئت على غفلة.." وبترت عبارتها..
وعم الصمت إلا من حديث أعين صامت تتجادل فيه العيون.. وأسر المكان برائحة العشق الخفي مع عذاب القلب وحرمان الوجدان...
تلوح في أفق عقلها جملته " سيمضي يا قمري.."
وتتمايل في عيونه طيف من حزنها وما زالت اتهاماتها له تغلق مسار قلبه من جديد..
ولم يصحو كلاهما إلا على تطاير حبات الفشار فوقهما... فشهقت قمر واستدارت لعلها تستطيع غلق الإناء.. ولكن يد مجد حالت دون الوصول وهو يقول " هل انتِ مجنونة.. ربما تحترقين.."
ثم جلب هو إناء على شكل نصف كرة واحد له وواحدا لها.. وبدآ بمحاولة التقاط حبات الفشار بمتعة وضحك.. ويبدو الفشار حينها حبات ثلج بيضاء تسقط على ربيع حبهما الصامت...
وعندما انتهى مشهد الفشار ذاك وتعبت حبات الذرة من التطاير هنا وهناك.. جلس الاثنان بتعب بجوار بعضهما ويبدو أن قمر اتكأت بجسدها وهي تلهث على كتف مجد..
وبعد أن التقطا أنفاسهما الأخيرة نظر كل منهما إلى بعض لوهلة ثم بدآ بموجة ضحك.. بل سخرية على حالهما ذاك..
وبعد ان ارتخى الضحك وبدأ يتلاشى... وكعابر سبيل وضب امتعته ورحل... ارخت قمر رأسها بدون وعي وبدون سيطرة على مشاعرها على كتف مجد بتعب ثم قالت " أنا اعتذر عن حديث الصباح.."
اخذ مجد نفسا عميقا ثم اخرجه " لا بأس.. فأنت حمقاء.."
ابعدت رأسها عن كتفه وبحدة طفولية " وكذلك أنت.."
وبعد انقضاء يومان...
والشمس ترسل خيوطها الحمراء في أفق السماء..
تنذر وقوعها ببحر الوداع..
تنهي مآسي الصباح..
وتجلب ظلاما كالحاً للسماء...
تنهد بألم شديد ممسكاً بورقة من شدة تكويرها تبدو كأنها فارقت الحياة.. رماها على المقعد الجانبيى ثم وضع رأسه على المقود بتهالك شديد وبدا يأن ويتحدث بوجع " لماذا!! لماذا!!..."
وغمامة الحزن إلا وأبت ان تذكره كيف دخل إلى الطبيب مرتاعاً بعد أن طلبت منه احدى الممرضات والتي استطلعت على نتيجة الفحص وبتردد كانت تنظر إليه.. فآثرت حينها بان تقول له " دقائق ويأتي الطبيب.."
كلماتها كانت كفيلة بأن يهرب الخوف إليه وأن يتسلقه من أخمص قدميه حتى رأسه.. وبعد دقائق دخل مضطربا جزعا يكاد يسقط مغشيا عليه بسبب دوار رأسه..
وما زاد دوار رأسه وتشنج اعصابه عندما تحدث الطبيب
" للأسف الشديد.. نتائج الفحوصات تشيير..."
صمت الطبيب قليلا ثم قال بدون تردد
" انها مصابه بسرطان الدم..."
انتهى الفصل واتمنى انه يكون نال اعجابكم
وما تحرموني من ردودكم الجميلة
واعذروني على تقصيري ولكن شوية ظروف
دمتم بخير
مع حبي
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤
هاجر جوده
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى هاجر جوده
البحث عن كل مشاركات هاجر جوده