الفصل الرابع عشر
بعد مرور عشرة ايام....
وقفت رحيق مع هلال داخل الشقة الخالية من الاثاث... بينما يستند عز علي باب الشرفة يراقب الشارع الراقي بوجوم
تقافزت رحيق بحماس وهلال يشدها يحاول دفعها للتعقل دون فائدة... خاصة مع تشجيع معاذ وكلماته المطمئنة
( تحدثت منذ قليل لصاحب البناية واخبرني ان الشقة لك ياهلال.... هلال... هلال)
هلال لايرد... هلال منغمس في ايقونته وتفاصيلها الممتعة وهي لاتدخر جهدا في مساعدته علي ذاك الانغماس... وهي تتطلع لكل ركن في الشقة بشغف معلنة نيتها عن تحويله لجزء خاص بهما... وحدهما
حادت نظراتها للواجم بإشفاق... فلازالت الليلة التي اصدر فيها جدها فرمانه... تفرض تبعياتها علي عز بقوة
ففي تلك الليلة... حين سمعت رجاء هجران الباكي... سارعت لغرفة جديها التي خجلت هجران من طرقها... واوصلت طلب الاخيرة لجدها...
لم يتأخر منصور كعادته... بل سارع بقدر ما سمحت له الصحة لغرفة المجلس حيث انتظرته هجران ورحيق...
(رحيق. ..انتظرينا بالخارج طفلتي)
غادرت ليلتها رحيق الغرفة.. متوترة حزينة لحالة صديقتها الجديدة المضطربة...وانتظرت بالخارج... حتي خرجت هجران بوجه غير الوجه
توقف البكاء وازدهرت ابتسامة لطيفة علي محياها.... وهي تعدل حجابها الاسود معتذرة
( اسفة رحيق اني قاطعت جلستك مع خطيبك)
بإشارة من جدها... لم تسأل رحيق او تستفسر عما دار في الغرفة... بل اجابت بمرح وهي تشد هجران في اتجاه غرف نوم الفتيات
( لا تعتذري يا فتاة... لقد انقذتني في الوقت المناسب)
جملتها الاخيرة كانت هامسة موحية بشغب عاطفي... ماجعل هجران تتخضب خجلا وحياءا.
وبالرغم من كونها لم تعرف ما دار بين جدها وهجران... لكنها عرفت يقينا ان للامر علاقة بعز... خاصة مع اتصال جده الغاضب الذي حكي لها عنه هلال شامتا
( جدك بعثر كرامة اخيك بالامس... وامره ان لا يحاول ان يلتقي هجران بأي شكل ملتو كان او صريح... والا....)
صمت حينها هلال... لكنها تعرف جدها... لن يطلق تهديده... بل سيدعه معلق ليجعله اكثر رعبا.
استفاقت رحيق من مراقبتها لعز الواجم علي دخول مهذب واعتذار لائق
( السلام عليكم... سيد معاذ... مالك البناية بمكتبك ينتظركم مع سيد صقر)
شهقت رحيق حين رأت القادم وهي تندفع اليه بحماس
( انه انت... أليس كذلك!)
لم يرد الشاب.... بل وضع رأسه ارضا في حياء وحرج
لتلتفت رحيق لهلال مؤكدة
( انه هو يا هلال... الشاب الذي انقذني من المحتال حين صدمت ڤان عز)
هنا استفاق الواجم اخيرا من غفوته الاختيارية هاتفا
( صدمت ڤان من يا...)
وضع معاذ كفه علي فم عز قبل ان يتفوه بسبة محترمة لرحيق التي لم تبال بكل ذلك... بل بالشاب الذي اجاب بصوت خفيض
(لم افعل الا ما استوجب علي فعله انسة رحيق)
ربت هلال علي ظهر كريم بحرارة متسائلا
( كيف لم تتعرفي عليه با رحيق... لقد اتي لبيتنا مع هوينا عدة مرات... كي يحصل دروسه مع زيد)
ابتلعت رحيق سؤالا اوشك علي الانطلاق.... فكيف لشاب يبدو في مثل سنها تقريبا ان يكون في نفس المرحلة الدراسية كزيد... ولكنها استبدلته بأخر
( وما الكلية التي تأهلت لها! كم حصلت علي مجموع... هيا اعترف)
اغتاظ هلال من تباسط رحيق مع كريم... لكنه ادرك بفهمه العميق لها... انها ممتنة لذلك الشاب المهذب
زاد ارتباك كريم... خاصة مع سعوره انه اصبح محط انظار الجميع.. بما فيهم معاذ الذي لام نفسه علي عدم سؤاله باكرا
( لقد حصلت علي نسبة 98بالمئة...) اتسعت الاعين وانطلقت المباركات التي قاطعها كريم بإعلان حاسم
( لكني لن استكمل تعليمي الجامعي... لذا لم اقدم اوراقي لجهات التنسيق)
وضع صقر الحقائب في الردهة الواسعة... لتلتفت اليه هوينا التي سبقته بخطوة... وترتمي في حضنه باكية للمرة الالف
( حشيشتي... توقفي ارجوك... لم تتوقفي عن البكاء طوال الطريق مابين بيتنا وبيت جدك)
مسحت هوينا دمعاتها في قميصه وهي تشدد في احتضانه
( ولن اتوقف حتي تأخذني معك)
دفعها برقة ليخاطبها وهو يتطلع فيها
( تعرفين اني لن استطيع اصطحابك حشيشتي. .لا يمكنني تعريضك للخطر... وبيت عائلتي للاسف الان هو موضع الخطر كله)
اصرت وهي تعود للبكاء
( اذن وافق علي ان يذهب بهاء معك... ارجوك)
يود لو قبل انفها المحمر وعيونها المنتفخة. ..يود لو بإمكانه محو نظرة الخوف من عينيها... لكن للاسف لايستطيع... لذا ابتسم ممازحا
( تعرفين كم المشكلات المتورط فيها بهاء الان مابين اخوته... وسفر نور وزواجه القريب... ولا تنسي حالته العاطفية المتردية لسفر مهيرة مع اختها لحضور الامتحانات...لذا فأذا اصطحبته معي... معناه انهيار عاطفي وبكاء و"شحتفة" طوال الطريق)
لم تبتسم... بل تطلعت في عينيه طويلا... تطلب وعدا... لم يبخل بنطقه
( اعدك ان اعود لك سالما باذن الله هوينا) لاحضر زفاف هند واكرم
هزت رأسها رافضة
( لا... قل حشيشتي)
ابتسم متأثر... لولا الخزي لبكي... خاصة وهو يردد بغصة
( حشيشتي)
علي بعد خطوتين... وقفت فؤادة... شامخة تشبهه
قوية حد العنف... تشبهه
تتفتت لشظايا تحت هالة القوة... تشبهه
منذ اعلانها المخزي... ومنذ تأكيد منصور علي اصرارها علي ذاك الشرط... رفض صقر التحدث اليها او زيارتها في بيت منصور...
وبالرغم من شوقه الشديد اليها... وقف جامدا... لا يتحرك... فقط عيناه تراقبان وقفتها التي تماثل جموده.... وكلاهما لايتأثران بنهر فياض يجري بينهما اسمه هوينا
( معك يا هوينا من الاموال مايكفي... واذا احتجت لاي شئ انت او سواك... اطلبي من معاذ... لكن لاتغادري البيت... ولا تسمحي لها بذلك..)
ألتفت ليغادر مسرعا... فقط ليمنع عاطفته تجاه يمامته من التدفق... راميا بخصامه لها عرض الحائط
( ابوي)
نداء فؤادة ذاك كان عجيبا... يحمل في حروفه الثلاث كل ما لا يمكن صوغه في كلمات... اعتذار.. انكسار.. قوة.. عزة....محبة فياضة
تقدمت منه بخطوات متمايلة في طبعها... صارمة في ضرباتها للارض
وقفت ماثلة امامه... وبعد ابتعاد هوينا.. لم يعد هناك فاصل بينهما...
( ما الذي يمنعنا من رمي كل هذا وراء ظهورنا... وان ترسلني لعادل ثانية.. اظل في بيته حتي اجد من يتزوجني... وننتهي تلك القصة المشئومة)
هذا ما قالته... بكل رجاء.... مرده خوفا معتملا داخلها علي صقر..
( لا... اختيار غير متاح اصلا..)
ألتفت اليها اخيرا... يؤكد لعينيها الزيتونتين.... تلك التي لا تحمل لغيره سوي الصلابة.. ولا تحمل له سوي الرجاء
( حقك سيعود..ورأسك سيرفع.. . والا لن اعود انا)
هنا فقط.. تهاوي كل شئ.. تهاوت القوة والصلابة... وعادت فؤادة طفلة... لاتجد سواه تحتمي به من زمن لم يكف يده عنها
رمت رأسها علي كتفه... تماما كما فعلت هوينا منذ دقائق... وشتان ما بين الوضعين
( يكفيني ان رأسك مرفوع...)
امسك ذقنها بين اصبعيه يهتف بحرارة
( اتظنين اني شعرت ولو بلحظة فخر ان رأسي مرفوع بينهم لظنهم اني قتلتك! ابدا والله... بل شعرت دوما اني ملطخ بعار الصمت والسكوت عن حقك)
شدها لحضنه بكل ما أوتي من قوة وهو يهمس لها
( ستعودين للتحليق يا يمامة الصقر... لن تسعك الارض ولا السماء بعدما اعيد لك حقك...) |