تملكته السعادة وهو يتأملها تجلس بجانبه في السيارة صامتة ويبدو عليها بعض الإرتباك ..
تأمل يديها التي تكومها في حجرها وعينها تظهر من جانب وجهها برموش طويلة ..
ليست سوداء ..
أراد أن يخبرها أن رموشها تبدو لأي متفحص لا تتماشى مع لون شعرها..
تطلع أمامه على الطريق..
رائحتها إلتقطتها أنفه منذ أن دخلت السيارة ..
تذكر إرتباكه حين لم يستطع تصنيف رائحتها كرائحة ذكورية أبدا
وتساءل كيف ستكون رائحتها اذا امتزجت بعطر نسائي .. شعر بالدفء يتسرب إلى عروقه .
قطع الصمت مشاكسا " لاحظت أنك غيرت نوع الصابون الذي تستعمله .. هل تستخدم نوع الصابون حسب المهنة التي تعمل بها "
منحته ابتسامة صفراء مستخفة من مزاحه وقالت
" لم أجد النوع الي أستعمله دائما "
رد ببساطة " أحب النوع الاول "
جذب انتباهها بعض الاسطوانات الموسيقية على تابلوه السيارة فاندفعت تفحصها بفضول مجموعة من المطربين القدامى لكن معظم الاسطوانات للسيدة فيروز فعلقت باندهاش
"هل تحب فيروز إلى هذه الدرجة ؟!"
رد وهو يختلس النظر إليها ثم يعود ليحدق بالطريق أمامه
" طبعا أحبها جدا .. ومؤخرا أصبحت أحبها جدا جدا جدا "
سألت بفضول " وما السبب ؟"
رد بابتسامة غامضة " لأن لي صديقا جديدا يحبها جدا .. وأنا احبه.. فأصبحت تذكرني به "
غمز بعينيه
فارتبكت وسألت ببراءة " وهل تحب كل المطربين الذين يحبهم باقي أصدقاءك ؟ "
قهقه لسؤالها .. فشعرت بالبهجة من صوت ضحكته الرجولية الذي دغدغ أذنيها ..
شعورا بالدفء يسري بدمائها ..
ويخدرها قربه ورائحة عطره مختلطة برائحة رجولته تغزو رئتيها فتسكن أوجاعا بروحها ..
سحب أحمد اسطوانة ووضعها بمشغل الموسيقى فصدح صوت فيروز ليضفي أجواءا ساحرة براقة حولهما
وكأن السيارة اضحت فوق السحاب
و زحام العاصمة وأبخرتها الملوثة الماثل أمامهما ليس له وجود.
كانوا يا حبيبي
تلج وصهيل وخيل
مارق ع باب الليل
كانت اصواتن تاخدنا مشوار
صوب المدى والنار
وجودها معه بالسيارة وهذه المسافة الصغيرة بينهما وحولهمها ..
وجوده في حد ذاته.. وهذا السحرالذي يملأ الفراغ بينهما يشعرها بفرحة وبهجة ويشعرها بأمان تفتقده بغيابه..
ويخبرها كم أفتقدت وجوده الأيام الماضية .
احترسي يا بانة احترسي انتي تقفين على فوهة بركان قد ينفجر في أية لحظة في وجه الجميع ويؤذيهم ..
فكرت كثيرا في الاعتراف له بالحقيقة..
لكنها تجبُن كل مرة ..
ما اكتسبته من مكان تأوي إليه..
ووظيفة مُرضية وصحبة رائعة
و...
وجوده بحد ذاته في حياتها ..
بأي صورة بأي شكل..
أحمد رب العمل ..
وأحمد الانسان..
وأحمد الصاحب ..
و أحمد الأناني الغليظ ..
وأحمد العصبي ..
وأحمد الحنون ..
وكل حزم الألقاب التي اطلقتها عليه.. يجعلها تجبُن أن تكشف الحقيقة .. فتفقد ما تملك .
فيروز تغرد :
"حلّفتك يا حبيبي ..
لا تنسى يا حبيبي..
لما بتسمع هالغنية فكر فيّ يا حبيبي"
انتبهت لأنها لم تسأله الى أين يذهبان... فاعتدلت تسأله باهتمام..
فرد عليها بينما ابتسامة جانبية تشق جانب وجهه
" اريد أن اشتري هدية لآية فأروى ذكرتني بعيد ميلادها و بعدها سأعزمَك على العشاء "
ردت باندهاش وغضب " وما دخل ذلك بوظيفتي؟!!! "
رد ببرود دون أن ينظر إليها " سكرتيري يلازمني أينما أكون .. كمان أن اختيار الهدايا من ضمن واجبات أي سكرتير محترم "
أحمر وجهها في غيظ وهمت بالجدال
لكنه رفع سبابته أمام فمه وقال بهدوء
" أشششششششششش... فيروز تغني فلا تعكر مزاجي "
والتفت للطريق المزدحم أمامه .
إرتبكت لتلك الحركة التي بدأ فيها وسيما لدرجة افقدتها غضبها فجأة لتطيع في هدوء وتصمت .
وكانو الخيالة ..
تلج وصهيل ونار ..
مارق ع باب الدار ..
كانت أصواتن .. تاخدنا مشوار ..
صوب المدى والنار ..
صوب المدى والنار ..
تأملها بنظرات مسروقة ...
تأملها بكليتها ..
لم يكن الأمر سهلا عليه في البداية ..
فكما شك وتحير ووصل لبداية الجنون ..
وبرغم من أن كونها فتاة هو أعظم خبر قد سمعه في حياته ..
لكنه قضى ليلتين بعد معرفة الحقيقة في صدمة وذهول حتى أن جسده وهن من هول الصدمة..
فوقع مريضا ليومين في حمى ...
لا يتحمل تخيل ما مرت وتمر به ...
وكأن جسده كان يستبدل كل المشاعر المربكة او السلبية بأخرى متفهمة منطقية
ليصحوا بعدها من الحمى بنظرة جديدة وقلب منتصر بأنه أول من تبصر أنوثتها...
ورجولة متفاخرة بفطرتها وانجذابها للأنثى فيها حتى...
لو ادعت غير ذلك .
قد حذره عمرو على الهاتف خلال الاتصالات المتواصلة بينهما أثناء وجوده بالقرية السياحية أن يكون شعوره هذا مزيفا متأثرا بانتشاء رجولته لاستكشافها ...
لكنه الوحيد الذي يعرف نفسه ويعرف كيف يشعر بها..
يعرف أن شعوره المتفرد تجاهها قديم وليس مستحدث بعد اكتشافه الحقيقة ..
اصطحبها لبعض المحلات وهو حائر في اختيار هدية لآية ..
شعرت أنه متوتر وهو يحدد الهدية ربما لأنه مهتم هذه المرة بالحدث ..
حاولت مساعدته قليلا فعرضت عليه أكثر من اقتراح ..
ثم اقتنع باقتراحها بإحضار حذاء رياضي لآية..
واندهشت أنه تركها تختار الحذاء مدعيا أنه لا يعلم أي من هذه الأمور ..
فأختارت لها حذاءا رياضيا بنعل عالي عن الارض سيعطيها طولا .. اختارته ابيض بشرائط فضية لامعة .. كان غريبا وبطراز حديث شعرت انه سيتناسب مع شخصية آية الغير نمطية .
من بين أحاسيسه التي اختبرها معها هذا اليوم ..
إحساس امتدت جذوره عميقة بداخله منذ أول يوم قابلها فيه ..
ليثمر الآن ويعلن عن نفسه صراحة دون التباس ..
إحساسه بالخوف عليها والرغبة في حمايتها ..
هذا ما تبادر لذهنه وهو يقودها وسط المحلات والزحام ..
والحقيقة أن علامات القلق والترقب ممن حولها في الاماكن المزدحمة استرعت انتباهه انها بالفعل تخشى الزحام حتى وإن ادعت ذلك برباطة الجأش التي تجبر نفسها على التحلي بها ...
وخيل إليه أنها بالفعل تخشى الملامسة بشكل أكبر من مجرد خجل أنثوي فطري .
أضطر للامساك بمرفقها معظم الوقت رغم اعتراضها لطمئنتها وطمئنت نفسه أنها بجواره ولن تختفي في الزحام ..
والحقيقة ود لو يستطيع الإمساك بأكتر من مرفقها ..
كاحتضان كفها مثلا ..
لكنه ابتسم لتلك الخاطرة
" رجلان يمسكان بكفي بعضهما في الشارع .. يا حلاوة ! .. سنضرب بالأحذية بالتأكيد"
حين تأخر الوقت وشعر بإرهاقها البادي على ملامحها قرر شراء بعض الساندوتشات السريعة لالتهامها بالسيارة ..
ركن السيارة بجوار أحد محلات الطعام الشهيرة بالعاصمة وترجل..
وحين عاد لم تكن بانة بالسيارة .
يتبع