انتفضت السيدة فخر مجفلة عندما سمعت صوت باب المنزل يطبق بقوة ... يتبعه صوت خطوات سريعة وغاضبة تقطع بهو المنزل .. تركت المجلة من يدها ونهضت متتبعة إياه .. وكادت تصطدم بخالد وهو يتجاوزها نحو الدرج صاعدا إياه دون أن يلقي أي نظرة نحو ناهد التي كانت ما تزال تقف في منتصف البهو .. شهقات بكائها كانت ترفض أن تختبئ تماما وراء يدها التي كتمت فمها .. بينما تدفقت الدموع من عينيها بغزارة .. هتفت السيدة فخر بقلق :- ما الأمر ؟؟؟ ما الذي حدث يا ناهد ؟؟ هل تشاجرتما ؟؟؟ من المفترض بهذا الغداء أن يكون ترفيهيا لك بعيدا عن ماجد ..
عندما أزاحت ناهد يدها كي تتكلم ... عجزت عن النطق بأي حرف وقد علقت الكلمات بين شهقاتها .. أمسكت السيدة فخر بيدها وسحبتها إلى غرفة الجلوس مغلقة الباب ورائهما وهي تقول بنفاذ صبر :- ناهد ... ما الذي حدث ؟؟
أخيرا ... تمكنت ناهد من السيطرة على نفسها وهي تقول بألم :- لقد رآها ... كل شيء كان كاملا حتى رآها .. دائما تظهر من العدم لتفسد كل شيء ...
:- من هي ... من تلك التي رآها خالد ؟؟
هتفت بانهيار :- ومن تراها تكون ؟؟؟ قمر بالطبع ... دائما قمر ..
حدقت فيها السيدة فخر بتشوش للحظات وهي تردد :- هل رأيتما قمر ؟؟؟ أين ؟؟
:- في المطعم ... حيث كنا نتناول الغداء .. من بين كل الأماكن لم تجد سوى المكان الذي قرر خالد أخيرا أن يأخذني إليه في إحدى المرات النادرة التي يقبل فيها الخروج معي ..
هزت فخر رأسها محاولة إخفاء قلقها وهي تقول :- حسنا ... هذه ليست المرة الأولى التي يقابل فيها خالد قمر منذ طلاقهما ... وأنت تعرفين هذا ..
:- حسنا ... لقد رآها برفقة رجل آخر ... ففقد عقله تماما .. لقد أفرغ غضبه وإحباطه بي طوال الطريق .. لقد قال لي أشياء ... رباه ... عمتي .. لماذا كان عليها أن تعود فتفسد كل شيء ..
حافظت السيدة فخر على هدوءها وهي تقول :- حسنا .... خالد لم يكذب عليك أبدا يا ناهد ... وعندما قبلت الزواج منه .. قمر كانت دائما ضمن المعادلة ... هو لم يكن قد طلقها .. ولم يكن ينوي طلاقها .. حتى الآن وهي امرأة حرة .. خالد لم ينكر قط رغبته في عودتها إليه ... أو يخفي محاولاته التي لا تنتهي في إقناعها بهذا ...
تلاحقت أنفاس ناهد وأعصابها تقف علة حافة الهاوية ... منذ زواجها بخالد .. وطبيعتها الهادئة تضمحل شيئا فشيئا مع مرور الوقت .. وقارها ورزانتها كانا يضيعان مع جنونها كلما أيقنت بأنها أبدا لن تنال خالد كاملا كما ظنت .. ربما هو زوجها الآن ... ربما قمر خرجت من الصورة حقا ... إلا أن الكل يعرف بأن ناهد كانت لتكون أهنأ بالا لو أن قمر قررت البقاء في عصمة خالد .. من تحملها مزاجه العكر وقلبه المكسور .. وشوقه الذي لا يحاول إخفاؤه لامرأة أخرى ..
هتفت ناهد بثورة أخافت فخر من تأثيرها على صغيرها الذي ما يزال يستقي حليبه من صدر والدته :- إلا أنها رحلت ... رحلت و تركته يا عمتي وهو لي وحدي الآن ... ليس لها الحق في مشاركتي إياه .
لم ترغب فخر من زيادة الطين بلة ... إلا ناهد يجب أن تمحي أحلامها وتخيلاتها البعيدة عن الواقع عن رأسها إن أرادت أن تعيش مع خالد بسلام ...
قالت بهدوء :- ربما قمر رحلت .... إلا أنها ما تزال موجودة بينكما يا ناهد .. خالد ما يزال يحب قمر .. وأنت عليك أن تتذكري بأنه قد تخلى عنك مرة لأجلها ... ويمكنه أن يفعلها فيتخلى عنك لأجلها مرة أخرى لو اضطر لذلك ..
شحب وجه ناهد وقسوة عمتها تصفعها في الصميم ... قالت فخر متابعة دون أن تمنحها فرصة الرد :- لو كنت تعرفين صالحك يا ناهد ... فأنت لن تلاحقي خالد وتطالبيه بنسيان قمر ... إذ أنه شيء لا يمكن له أن يفعله إلا من تلقاء نفسه ... عندما ييأس تماما من عودتها إليه ..
قالت ناهد بحقد :- أو عندما تتزوج برجل آخر ... وإن كانت ظنوني صحيحة وفقا لرؤيتي إياها برفقة ذلك الرجل الغريب اليوم .. فهذا اليوم لن يكون بعيدا على الإطلاق ...
ثم تجاوزت فخر مغادرة الغرفة ... تاركة إياها تحدق في إثرها مصدومة من الفكرة التي لم تخطر قط على بالها أو بال خالد كما هو واضح من ردة فعله العنيفة اليوم من رؤيتها برفقة رجل آخر ... قمر ... تتزوج برجل آخر !! كيف ... كيف ؟؟؟ وماذا عن خالد ؟؟ رباه .. ما الذي سيحدث له لو أن قمر قررت حقا أن تتابع حياتها فترتبط برجل آخر ؟؟؟ يتبع ... |