ـ حسناً , والآن أظنكما تريدان أن نترككما بمفردكما .
الابتسامة الوحيدة التي منحها إدوارد لروزي لم تزدها إلا
ـ ليس عليك أن تبقى هنا , يا مرغريت !
أمر زوجته بذلك , بعد أن اختفى ظرفه المصطنع , وهو يشيح
بوجهه عن روزي ويحدق في زوجته عبر مائدة العشاء , متابعاً :
ـ ما زال هناك أشياء كثيرة عليك أن ترتبيها , لا أدري كيف تبقين
جالسة عديمة النفع بهذا الشكل !
استاءت روزي بغضب لأجل مرغريت , عندما احمر وجه المرأة
الشاحب الهزيل ونهضت على الفور طائعة تلبي أوامر زوجها .
حاولت روزي مساعدتها بشكل آلي , دافعة كرسيها إلى الخلف
ـ لماذا لا تؤجلين ذلك إلى الغد , يا مرغريت ؟ لن أذهب إلى
العمل في الملجأ قبل العصر , وبذلك يمكنني مساعدتك , وأنا واثقة
من أن السيدة فرينتون لن تمانع في مساعدتنا كذلك . . .
ـ الملجأ ! . . ( ارتفع حاجبا إدوارد وهو يقاطع روزي بغلاظة ) يا
إلهي ! . . كنت أظن غارد وضع حداً لذهابك إلى هناك . بالنسبة إلى
تلك الحثـــالة من الناس القانطين في الملجأ , لا أدري ماذا
ـ إنهم ليسوا من حثالة الناس ! ليس منهم من كان يريد أن يكون
شريداً دون مأوى , يا إدوارد . . . ليس منهم من كان يريد أن يعتمد
على الآخرين , على الدولة للحصول على صدقات و . . .
نفرت عندما أمسك غارد بيدها . أرادت أن تنتزع أصابعها من
قبضته , لكنها لم تجرؤ تماماً على ذلك . عملها في الملجأ كان على
الدوام موضوع جدال , خصوصاً مع جدها الذي كانت وجهه نظره
تنزع إلى الطراز القديم . كذلك , اشتبهت روزي في أن غارد يشارك
إدوارد رأيه , وسرعان ما سمعته في فكرها يقول بحزم وجهة نظره بأن
ما كانوا يحاولون إنجازه من وراء هذا الملجأ ما هو إلا تبديد للوقت
ـ روزي على صواب تماماً , يا إدوارد ! وهــؤلاء الناس لا
يستحقون عطفنا فقط وإنمــا مساعداتنا العملية كذلك . وبمعزل من
موقفي الخاص , وحتى لو كنت أخالفها الرأي , فليس من حقي
التدخل في عملها . هي زوجتي , ونحن متماثلان في الحقوق . إنني
احترم حقها في تقرير ما تفعله وما لا تفعله . وعلى كل حال , إذا لم
يكن هناك احترام وثقة متبادلين بين الزوجين , كيف يمكن أن يكون
استدارت روزي تنظر إلى غارد ذاهلة ! لم تتوقع منه قط أن يعبر
عن مثل هذه الآراء ! أتراها بعيدة إلى هذا الحد عن غارد ؟ غارد الذي
كانت تظن نفسها تعرفه ؟ غاد الذي طالما اعتبرته دوماً متغطرساً
بطرف عينها , رأت وجه مرغريت بملامحه الكئيبة التعسة .
مسكينة مرغريت ! كم هي مأساة أن تتزوج رجلاً مثل إدوارد ! وكم
تكون المأساة أكبر لو أنها أحبته ذات يوم !
هذه الحادث الصغيرة استقرت في ذهنها , وعندما أصبحت هي
و غارد بمفردهما أخيراً , استدارت نحو تسأله بتشكيك :
ـ هل كنت تعني حقاً ما قلته ؟ من . . . عن اعتقادك بأن . . . بأن
حبك لشخص بمعنى الاحترام له والثقة به ؟
النظرة الفاحصة التي رمقها بها جعلتها تتمنى لو أنها لم تثر هذا
ـ إنها المرة الأولى , أليس كذلك , التي تكتشفين فيها أن لدي
أفكاراً ومشاعر بدلاً من . . . ؟
هز رأسه ببساطة , ثم قال بهدوء :
ـ نعم ! أنا أعتقد حقاً أن الاحترام والثقة يسيران مع الحب جنباً
إلى جنب . . . الحب الحقيقي وليس ذلك الحب الشائع المبني على
الشهوة . الذي يحب شخصاً ما , يعني أنه يحبه كما هو لذاته , يريده
أن يكون هو نفسه بدلاً من محاولة تغييره إلى الصورة المسبقة التي
رسمها في خياله . هذا يعني أنه يحبه لما هو عليه وليس بالرغم مما
وإذ لاحظ عليها شيئاً من الاضطراب , قطب جبينه وسألها برقة :
ـ لا شيء ! لا شيء أبداً !
لم تجرؤ على النظر إليه مباشرة لاحتمال أن يرى المشاعر في
عينيها فيتكهن بتأثير كلماته عليها . هل يمكن أن يحبها شخص ما
بهذا الشكل ؟ بمثل هذا الصدق ؟
أذهلها أن غارد هو , من بين جميع الناس , الذي وصف لها
الحب كما تتصوره وتتمناه بالضبط . غارد الذي لو كانوا سألوها عنه ,
لما ترددت في القول إنه لا يستطيع فهم هذه المبادئ ولا المشاركة
ـ يبدو عليك التعب لماذا لا تذهبين إلى سريرك قبل أن يقرر
إدوارد فرض صحبته علينا ؟ ربما نال كفايته من إرهاب مرغريت !
لم تستطع مقاومة سؤال ألح عليها , فقالت بهدوء :
ـ أتظنها أحبته يوماً مــا ؟
هز رأسه قائلاً بلهجة حاسمة :
ـ لا ! أبداً ! أما أنه الرجل الذي انخدعت بأنه يحبها , أظن
نعم ! . . . ويا لتعاسة تلك المرأة ! .
ـ لا أدري لماذا تبقى معه وهو يعاملها بهذا الشكل الرهيب .
ـ لعله دمر احترامها وتقديرها لنفسها إلى درجة لم تعد تستطيع
معها الرحيل . ثم هناك طبعاً ولداها .
ـ إنه شخص رهيب يتلذذ بإرهابها وتعذيبها . . .
ـ نعم ! وهذا لا شيء بالمقارنة بما قد يريده لنا إذا ما اكتشف
ارتجفت روزي قليلاً , وهي تقول متوسلة والخوف في غينيها :
ـ لا تقل شيئاً , يا غارد !
ـ لا بأس ! ليس ثمة سبب يجعله يكتشف الحقيقة ما دمنا , نحن
ـ لم يخطر لي قط أنه سيفعل شيئاً كهذا , ينتقل إلى هنا . . .
ـ كفى قلقاً لهذا الأمر ! ولا تنسى أن عليك الظهور بمظهر عروس
منحته روزي ابتسامة شاحبة :
ـ هذا صحيح ! وأياً ما كان الأمر , لا سيما إذا كنا نحب بعضنا
بعضاً , فإن وجود إدوارد أو أي شخص آخر هنا , هو شيء غير
ـ غير مرغوب به على الإطلاق .
شيء ما في نظرته و نبرة صوته , جعل قلبها يخفق ووجهها يحمر
ـ الحق معك ! يجب أن أذهب إلى فراشي . إنني متعبة . . .
ـ أما أنا فسأتأخر ساعة أو نحوها علي أن أنجز بعض الأمور .
ـ هذا حسن ! تصبح على خير إذن .
تمتمت روزي ذلك بلهجة غريبة , متجنبة النظر إليه عندما فتح
كانت في منتصف الممر عندما سمعت إدوارد يناديها . انقبضت
على الفور و أخذت نفساً عميقاً قبل أن تلتفت .
سألها إدوارد ساخراً عندما وصل إليها :
ـ أذاهبة أنت للنوم في هذا الوقت المبكر ؟
استطاعت روزي , بشكل ما , أن تمنع نفسها من الرد عليه
بالطريقة التي ترغب بها وقالت بهدوء :
ـ كانت مرغريت بدو متعبة جداً أثناء العشاء , يا إدوارد ! لا بد
أن الأمر كان مرهقاً جداً لها , أعني الانتقال إلى هنا بتلك السرعة .
ـ لا عليك , إنها تحب تضخيم الأمور . هذا هو طبعها . أين
ـ لديه بعض الأمور الخاصة .
نظرة إدوارد إليها أشعرتها بمزيج من الغضب وعدم الارتياح .
ـ إنه لم يسأمك , أليس كذلك ؟ عليك أن تراقبيه , يا روزي ! إن
ـ لقد اختارني غارد زوجة له ؛ وإذا كانت لديه علاقات ماضية
فهي بالضبط من الماضي . . . يا إدوارد .
شعرت بالزهو لجوابها هذا الذي بدا أنه هز إدوارد حتماً . ثم
قالت له بلهجة ازدراء واستنكار :
ـ ما الذي تفعله هنا في هذا الطابق ؟
ـ كنت في طريقي لأحضر أشياء وضعتها في الكاراج . يجب أن
أدخل أمتعتنا بسرعة , وهذا سيستغرق ساعتين على الأقل . أتعلمين ,
يا روزي , كان عليك التفكير ملياً قبل الاندفاع إلى الزواج من غارد ؟
شعرت روزي بخفقات قلبها تتسارع , فقالت متحدية , راجية ألا
يرى في عينيها إحساساً بالذنب :
ماذا ستفعل أو تقول لو أخبرها بأنه يعرف سبب زواجها من
غارد ؟ . لماذا تركته يحاصرها بهذا الشكل في غياب غارد ؟ لماذا
ـ إنك تعلمين ماذا أعني . نعم , يمكنني أن أفهم سبب وقوعك
في غرامه . من المؤكد أن غارد يعرف كيف يعامل النساء . طبعاً لكثرة
تجاربه . . . ولكن هل سألت نفسك يا روزي لماذا تزوجك ؟
للحظة واحدة فقط , ظنت أن إدوارد تكهن بالحقيقة . وحتى لو
لم يحدث ذلك , فمن الواضح أنه يشتبه في شيء ما . سلمت روزي
بهذه الفرضية وهي تستدير على عقبيها وتتركه .
بهذا النور الخافت بدت غرفة النوم الفسيحة مريحة حميمة بشكل
مدهش . لعل السبب هو السرير !
حولت نظراتها عنه بسرعة . حسناً , لا يبدو على هذا السرير أنه
صُمم لينام عليه شخص عازب وحيداً , وإنما العكس تماماً . . .
خرجت روزي من الحمام متباطئة , وتناولت منشفة لفتها حول
جسدها . لقد أمضت وقتاً طويلاً وهي مستلقية في الحوض , متنعمة
بتلك الرفاهية البالغة , والمياه الدافئة المعطرة التي جعلتها تشعر
سارت مبتسمة إلى غرفة النوم , وإذا بها تقف فجأة وقد اختفت
ابتسامتها . تذكرت أن قميص نومها , فضلاً عن بقية ثيابها وملابسها
الداخلية ما زالت في غرفتها السابقة .
أثناء انشغالها بتجهيز هذه الغرفة , وقلقها من انقضاض إدوارد
المفاجئ عليهما , نسيت تماماً نقل أمتعتها .
نظرت إلى باب الغرفة بحيرة وهي تعض شفتها . هل يمكنها
المجازفة بالركض في الممر وهي على هذه الحال لإحضار ملابسها ,
أم عليها أن تعود وترتدي ثيابها السابقة خوفاً من أن يراها إدوارد ؟
كانت ما تزال واقفة تقلب الأمر في ذهنها , عندما انفتح الباب
حدقت فيه روزي , وهي تتأكد من التفاف المنشفة حولها
ـ أظنك قلت إنك ستمضي ساعتين في العمل !
ـ هذا صحيح ! لكم إدوارد كـــــان هــنــــاك بتعليقاته الساخـــرة حول
العرسان والعرائس المهجورات . . .
ـ نعم . يبدو أن لديه بعض الأمتعة التي يريد نقلها إلى الطابق
العلوي هذه الليلة . لماذا ؟
ـ نسيت نقل حاجياتي من غرفتي القديمة .
هز غارد كتفيه بعدم اهتمام :
ـ يمكنك نقلها عند الصباح . إذا قال لك شيئاً قولي له إنك لم
تجدي وقتاً لنقلها قبل الزفاف .
ـ لا , إنك لم تفهمي قصدي , ليس . . . ليس لدي شيء . . لا
شيء مطلقاً ! ملابسي الداخلية , قميص نومي , كل ذلك ما زال في
غرفتي القديمة ! وكذلك الحقيبة التي أحضرتها من بروكسل .
قالت ذلك بانفعال , ثم هدأت قليلاً أمام نظرة غار الباردة
ـ نسيت كل شيء عندما فوجئت بحضور إدوارد , ثم انشغلت
بعد ذلك بإعداد هذه الغرفة . علي أن أذهب وأحضرها .
ـ لكن علي أن أحضر قميص نوم ! ليس لدي ما أنام به ! أنت
ذلك أنها سبق وأفرغت , مع السيدة فرينتون , الحقيبة التي
أحضرها غارد من شقته وفيها بعض الملابس . آنذاك , قال لهما
ساخراً إنه لم يتوقع منهما القيام بذلك , قال لها الآن :
ـ العروس يا روزي , لا تترك غرفة عريسها لتذهب وتحضر
قميص نوم ! ثم إن هذا العمل لا حكمة فيه بالنسبة إلى وضعنا
الحالي , خصوصاً وأن إدوارد ما زال يجول في أنحاء البيت . أظن أن
عليك , لهذه الليلة على الأقل , أن تنامي . كما أنت . . .
أخذت روزي تحدق فيه , ثم قالت بصوت مختنق :
ـ تستطيعين طبعاً ! فأنا أفعل هذا على الدوام .
أخذت تنقل نظراتها بذعر بينه وبين السرير الضخم .
ـ لن أنام إلى جانبك في هذا السرير إلا إذا كان أحدنا . . بل
نحن الاثنين , مرتدين ثياباً !
أخذت تحدق فيه باضطراب . ما الذي يعنيه بقوله ( ما المانع ) ؟
أليس الأمر واضحاً ؟ قالت باستنكار :
ـ أحقاً ؟ يخيل إلي أن لديك فكرة غريبة جداً عن الزواج , يا
روزي ! أؤكد لك أن هذا هو المناسب بالضبط .
سكت وأخذ ينظر إليها فيما الخجل يلهب جسدها من الرأس
حتى القدمين . ثم قال ممازحاً :
ـ ما هذا , يا روزي ؟ أتخافين من أن تفقدي السيطرة على نفسك
كانت تعلم أنه يمزح وبدلاً من الشعور بالارتياح لمحاولته
تلطيف الجو , شعرت بشيء من الانقباض .
ابتلعت ريقها بصعوبة وأزعجتها مشاعر لا تجرؤ على تسميتها .
لم تعرف ماذا تقول , وبدلاً من ذلك تناولت وسادة وقذفت بها
تلقى الوسادة بيديه وهو يضحك منها استخفافاً , ويقول :
ـ حسناً ! إذا كنت تصرين على التصرف كطفلة , يا روزي . . .
وتحرك بسرعة لم تترك لها مجالاً للهرب وهو يرفعها عن الأرض
مبعداً إياها عنه قليلاً , ضاحكاً منها وهي ترفس بقديمها احتجاجاً ,
استجاب لطلبها ضاحكاً . وعندما ترك خصرها ومست أصابع
قدميها الأرض , شعرت بالمنشفة تنزلق عن جسدها .
عندما أخذت تكافح بذعر لالتقاطها , سمعت غارد يقول بهدوء :
ـ ربما أنت على حق يا روزي ! لعل النوم جنباً إلى جنب ليس
بالفكرة الجيدة . ولكن مع الأسف , ليس لدينا خيار آخر . ليس لأي
منا خيار آخر , ولهذا ليس أمامنا سوى القبول بالواقع . وهذا السرير
اللعين كبير بما يكفي لأن ينفرد كل منا بنفسه .
لا عجب من غضب غارد منها بهذا الشكل , كما أخذت روزي
تفكر وهو يدخل الحمام , تاركاً إياها تتكور تحت الأغطية . لو أنها لم
تكن غبية بذلك الشكل فتنسى نقل ملابسها . . .
اختنقت بالدموع وبردت قدماها . لماذا هي بلهاء عديمة الحنكة ,
ما جعلها تحدث كل تلك الضجة لأجل قميص نومها ؟ كان واضحاً
من الطريقة التي تصرف بها غارد أنه لا يريد إرغامها على شيء .
ولكن , أليس هذا ما ينبغي أن يكون , وما تريده هي ؟ أخذت
تحدث نفسها بذلك وهي تبتعد إلى حافة السرير البارد ثم تغمض
عينيها محاولة تجاهل الأصوات القادمة من الحمام .
يبدو أن غارد , بعكسها , اختار الدوش . ارتجفت من تصوراتها
لكنها لم تكن تريده . . إنها لا تريده طبعاً . . . حتى إنه لا
وتناولت واحدة من الوسائد الزائدة تضعها فوق أذنيها , مانعة
الأصوات التي تعذبها , القادمة من الحمام . . .
: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :