" تشارلى.. هنالك رجل فى المدجنه"
كانت تشارلى مركزه انتباهها على ما تعمله بين يديها, عندما سمعت هذه الكلمات كانت شارده الذهن, وهى جاثيه على العشب محنيه الرأس تحاول
جاهده حل اربطه فردتى حذاء ابن عمتها البالغ من العمر عشره اعوام. والتى عقدها بشكل لا يحل, وا زاد من سوئها, تلك الرحله التى جعلت من هذا
الحذاء الذى كان من قبل نظيفا لامعا, حذاء قذرا ملطخا بالحول مما جعل عقد الاربطه تلك غير قابله للفكاك.
فكرت تشارلى بأسى كيف كادت عمتها جين تفتك بها وهى تقول بحده:
"ما هذا يا شارلوت؟ كنت اتوقع منك تصرفا افضل من هذا بعد ان بلغت الرابعه والعشرين وصار عليك ان تشعرى بالمسؤوليه قليلا ليمكننى الاعتماد عليك
فى احضار توماس الى المنزل بشكل اكثر لياقه"
تنهدت تشارلى بضعف وهى ترفع شعرها البنى الفاتح عن وجهها لتدسه تحت القلنسوه الواسعه التى تعتمرها, دون ان تنتبه الى ما نثرته يداها وكماها من
وحل على وجهها, انها لم تستطع ان تفهم لماذا ابوها واخته هما على طرفى نقيض الى هذا الحد, ور يتشابهان فى اى شئ.
" تشارلى, هنالك فى المدجنه الانسه مالك. ولظن ثمه من يسرق البيض"
هتفت تشارلى الان بصوت مختلف:
كانت قد يئست من فك الاربطه من بعضها, فقفزت واقفه على قدميها, واستدارت مسرعه تحدق الى حيث كان توماس يشير.
كان على بعد حلقتين منهما, عند سفح التل, بيت خشبى يحتوى على دجاجات اميلى ماكنزى بدا لعينى تشارلى هادئا ليس فيه ما يريب.
كانت تعرف جيدا مقدره ابن عمها على القيام باعمال ماكره, وسروره وهو يختلق القصص الخياليه, والقت تشارلى بنظره اتهام الى اللام الواقف بجانبها.
" انها ليست مزحه تشارلى, بل هى حقيقه و صديقنى"
" انه رجل ضخم غليظ يلبس ستره من الجلد"
فى تلك اللحظه صدرت زعقه من داخل بيت الدجاج ذاك مخترقه هدوء عصر ذلك اليوم.
ركضت تشارلى دون نا تلوى الى شئ والغضب يغلى فى داخلها.
كيف يجرؤ؟كيف يجرؤ؟كانت هذه الكلمات تعتمل فى عقلها اثناء ركضها.كيف يجرؤ اى شخص على الانسلال الى بيت الانسه ماكنزى ليسرق البيض.
لكن, ف نفس الوقت,كانت كلمات براين الهادئه التى اعتاد ان يرددها فى مثل حالتها الان( لماذا كل هذا الاضطراب؟) كانت هذه الكلمات تعود الى
ذهنها وكانها تسمعها منه الان,بل كادت تسمعه يقول:
" لماذا كل هذه الضجه لاجل عدد من الدجاجات العجفاوات التى لا تبيض الا فى الوقت الذى يناسبها ولحومها قاسيه ذات الياف لا ينفع معها الطبخ.
لكننى وعدت اميلى بان اعتنى بها. وكان كلامه هذا يغضب تشارلى.
دفعتها مشاعرها هذه وانفعالها الى الاسراع فى ركضها اكثر مما كانت تتوقع لتدرك فجاه, ودون توقع او استعداد منها, انها اذا لم تتوقف عن الركض,وبقيت
على اندفاعها هذا فلربما ستنتهى فى بيت الدجاج نفسه..اما ماذا ستكون نتيجه هذا, فهى لم تهتم بالتفكير فيه.
فجأ تجمدت الى درجخ مؤلمه.ما الذى كانت هى فى سبيله الان؟ انه رجل, وكما قال توماس,ضخم فظ,وفجأه, تلاشى بعض من غضبها تاركا اياها فريسه
بعث صوت الحركه من داخل البيت ذاك التوتر فى اعصاب تشارلى. كان هذا المنزل المشرف على النهر يبد اكثر من خمسه اميال عن اقرب منزل فى
القريه. وكم مره ادركها القلق على اميلى ماكنزى فى عزلتها هذه. حيث كانت تسكن بمفردها بعيده عن كل مساعده فيما لو احتاجت اليها. وحتى الان
مازالت تفكر الى اى مدى يمكن ان توثر عليها وعلى توماس هذه العزله.. خاصه فى هذا الوقت بالذات.
اخيرا, التقتت الى الخلف حيث لم يستطع توماس اللحاق بها بسبب ساقيه القصيرتين. وكان الان يعبر الحقل الثانى متجها نحوها.نادته بصوت اعلى قليلا
من الهمس ولكنه بدل لها وكانه تحول فجأه, من الجو الامن الهادئ الى اخر خانق مشحون بالتوتر وكانه يتضمن تهديدا مبهما.
يا الهى, ماذا ستفعل العمه جين لو لحق بعزيزها الغالى توم اى اذى؟ وضاقت عينا تشارلى العسليتان خوفا مما قد يكون هناك, ثم صرخت مره اخرى بحده
وقد غمرها الخوف عندما فتح باب بيت الدجاج وظهر اللص.
شعرت تشارلى لاول وهله, بانه ليس من الضخامه كما صوره لها توم, وشعرت لذلك بشئ من الارتياح. ربما راه الصبى كذكل بالنسبه لحجمه الصغير. ولكنه
بدا لها هى الباغه طولها حوالى المئه وثمانيه وستين سنتمترا. معتدلا, كما انه لم يكن ضخم الجسم كذلك. ولكن انتفاخ سترته الجلديه المبطنه اعطت
جسمه مظهرا غير مظهره الطبيعى الذى كان لدنا رشيقا اكثر مما هو قوى متين. حدثت نفسها بذلك وقد خف توترها نوعا ما. وارتفعت عيناها الى وجهه
ليتوتر جيسدها الفتى الطويل من جديد وتظلم عيناها العسليتان بالقلق. كان له وجهه قوى التقاطيع عالى الوجنتين مستقيم الانف قوى الفك. وقد اسبغت
لحيته التى لم تحلق منذ يومين تقريبا. على وجه ظلا خفيفا, وذكر وجهه هذا, تشارلى بقطاع الطرق قديما, والذين كانت جريمه الواحد منهم اهم كثيرا من
مجرد سرقه بضع بيضات من بيت دجاج فى قريه.
حولت هذه الافكار عينيها الى يديه لتشاهد البرهان على اتهما ابن عمتها الصفير له والذى كان عباره عن اربع بيضات سمراء اللون قد حملها براحتيه
بحذر. وعندما ارتفعت عيناها الى وجهه بنظره اتهام شعرت بهزه فى قلبها وهى تلاحظ ان ملامحه كانت اقرب الى الرقه رغم مظاهر القوه فى تقاطيعه. مما
جعلها تتصوره ولدا صغيرا مبتهجا. ييراءه, وهو يحمل بيضات طازجه فى يده مازالت دافئه, وهزت تشارلى رأسها شاعره بالاضطراب دون ان تتمكن من
ربط هذه الصوره التى تخيلتها, بالواقع البادى امامها. ولكن,بعد لحظه, قفز فلبها بين ضلوعها بعد ان اثارت انتباهه الى وجدها حركه بسيطه منها, لترى مل
مظاهر للبهجه فى عينيه الرماديتين اللامعتين غير العاديتين يزول ويحل مكانه غضب بارد ارسل ارتعادا فى جسدها.
كان فى صوته لهجه لم تستطع تشارلى ادراك كنها بالضبط, ولكنها ليست لهجه اهالى هذه المنطقه ابدا, اذ كانت اكثر ثباتا وحده.
فوجئت هى بهجومه ذاك فى الوقت الذى لك بكن يبدو عليه اى اضطراب اى شعور بالذنب للقبض عليه متلبسا بالجرم المشهود, وجعلها ذلم تتلعثم فى
" هذه ارض خاصه ليس من حقك التواجد فيها"
كانت وقاحته وغطرسته وهو يقول هذا.مع وضعه ذاك, فوق ما امكنها احتماله, وهى ذات المزاج الحاد, فرفعت رأسها قائله وقد لمعت عيناها بالتحدى:
" ما أهدأ اعصابك. اننى اعرف طبعا ان هذه ارض خاصه. واعرف عن صاحبتها اكثر منك. بينما انت من لا يملك الحق اتواجد هنا..."
وفتح فمه ليتكلم ولكنها لم تترك له الفرصه لذلك. بل تابعت قولها:
" انك انت الذى يجب ان تفسر سبب وجودك هنا"
فاستدارت عينا ذلك اللجرل الرماديتان لحظه, ولما لم يجد فيه ما يسترعى اهتمامه, عاد ينظر الى وجه تشارلى الساخط ليقول بلهجه متعاليه:
" ولماذا يجب على ان افسر اىشئ لشخصين مشاكسين مثلكما؟"
هيجت اعصابها لهجه الازدراء فى صوته, فازداد غضبها , فتثدمت خطوه الى الامام, متجاهله محاوله توم لكنعها, وهى تقول:
" كيف تجرؤ على هذا القول الذى لا حق لك فيه. انك انت الذى تسرق"
اسكتتها كلمته هذه. بينما نظر الرجل الى البيضات التى بين يديه وهو يقول بلهجه ضاحكه زادت فى غضبها:
" اه... هذا؟ ان هذا لا يسمى شرقه"
ردت عليه بحده وقد زاد جوابه الهادئ هذا فى غضبها:
"هكذا اسميه انا. فانت قد تعديت على بيت الدجاج وسرقت هذه البيضات و....."
" اه! هل معنى هذا نكما لم تكونا تخططان لاخذ هذا البيض دون ثمن؟"
شعرت تشارلى كأنه هذا الاتهام الذى يوجهه اليها, بمثابه صدمه اصابت معدتها. فسكتت لحظه لا تستطيع الكلام, وخصوصا انها ادركت من نظره الازدراء
التى بدت فى عينيه ان ترددها هذا قد فسره وكانه اثبات هذا.
اخيرا قالت, رغم ادراكعها من ملامحه انه لم يعد يصدقها:
" كلا. ليس الامر هكذا. لقد كنا نتنزه فقط"
" تتنزهان بالتعدى على املاك الغير؟"
وفجأه, توجه نحوها, فاندفعت الى الخلف غريزيا. وقد ابتدأت ضربات قلبها تتسارع. اذ انه, عندما اصبح بجانبها, لم يبد عليه انه اصبح اقل بعثا للرهبه فى
هكذا, باقترابع منها, استطاعت ان تميز عينيه الللتين تشبهان ثلج الشتاء بلمعانهما الذى لم تستطع اهدابه السوداء الكثيفه ان تخفيه, بل بالعكس, فقد ظهر
التناقض بين ملامحه الرجوله القويه فى وجهه, وبالطريقه التى بدا فيها فمه خطا قاسيا وكذلك فكه الحازم.
" اذا كنتما تتنزهان حقا, فلماذا تدوران حول هذا المكان بالذات كالاشرار؟"
"عندنا اذن من اصحاب المكان"
انت تشارلى تبدو غاضبه, وتعلم ان غضبها سيثير كوامن مزاجه السيئ, كما يبدو, فحاولت التخفيف من حده انفعالها, ولكنها لم تستطع ان تمحو نبره التحدى
فى فى صوتها. ولسعتها كلمه( كاالاشرار)... ومع ذلك, فقد كان عليها ان تعترف بأن هذه الكلمه كانت مناسبه تماما لمظهرهما ذاك اذ كانا يرتديان سروالى
جينز رثين وكنزتين ملطختين بالوحل بسبب مغامره توم عند بركه الطاحونه مما جعل مظهرهما يبدو بعيدا عن ان يكوت محترما.
وكان فى الاثناء يضع البيض ف جيبى سترته باحتراس مع ان انتباهه قد تحول هذه اللحظه عنها. وكذلك عيناه, الا انها اخذت تصرف بأسنانها غيظا.
" وتتوقعان منى ان اصدق ان اميلى ماكنزى ممكن ان تمنح غلامين مثلكما اذنا بالتجوال فى املاكها وربما منزلها ايضا؟"
ثم رفع انظاره عن البيضات لتلتقى بانظارها, وسرعان ما شعرت بالارتباك لعده اشياء لاحزتها جعلتها تفقد شيئا من غضبها ليشحب وجهها وهى تحاول ان
تقرر, على ضوء ادراك مفاجئ اوشك ان يفقدها توازنها, التنحى جانبا لكى تستعيد هدوء اعصابها.
اول هذه الاسياء التى لاحظتها عندما وقف فى ضوء الشمس , تاركا ظل بيت الدجاج الذى كان يكتنفه, هو ان شعره لم يكن اسود كما بدا لها, بل
كستنائى داكن, يتخلله لون نحاسى جعله يبدو كأوراق الشجر فى الخريف. كما ان الضوء الباهر اوضح الهلالات القاتمه التى تحيط بعينيه مما انباها عن
عدم اخذه الكفايه من النوم. ومهما يكن السبب فى ذلك, فقد اضاف هذا الى ملامحه القويه بلحيته النابته تأثيرا مشابها لما يتركه مظهر غجرى سيئ السمعه,
فى النفس. ولا يمكن للانسان ان يثق به مطلقا. ولكن, فى نفس الوقت فى اعماق ذاكرتها. كان ثمه شعور بعدم الارتياح... اين سبق ورأت هذا الرجل من
قبل؟ ولكنها لم تستطع ان تتذكر اين.
ثانى هذه الاشياء. ان الستره الجلديه التى كان يرتديها, مع انها كانت باليه, كان يبدو عليها انها كانت يوما ما, من جلد ثمين جدا, مما يعنى ان هذا
الرجل, رغم مظهره الحالى, كان يوما ما رجلا غنيا, الا اذا كان قد اشترى هذه الستره من سوق للثياب القديمه.
لكن الاهم من ذلك كله هو ان يصفهما بالغلامين مما يظهر ان سروال الجينز والكنزه الكحليه اللذين ترتديهما قد اخفيا كل مظهر للانوثه فى جسدها, هذا
بالاضافه الى القلنسوه الكبيره التى تخفى شعرها الاشقر الذى يصب الى كتفيها, وكذلك وجهها الخالى من ايه زينه على الاطلاق ما عدا مسحوق مرطب
للبشره, كل ذلك جعلها تبدو له غلاما, وربما الاخ الاكبر لتوم.
وتبعا لوضعها الحالى, واحتمال التهديد من قبل هذا الرجل اذا هو ادرك انها ليست غلطته وهذه تشعر بالارتياح. ولكنها, بدلا من ذلك, شعرت بطعنه فى
كبرياء انوثتها لوصفه المزرى ذاك لها ولكنها سرعان ما تخلت عن افكارها هذه ليحل محلها ادراك اكثر اهميه, وهو انه ذكر اسم اميلى ماكنزى بكل الفه.
وبدا لها للحظه , انه لن يجيبها عن سؤالها, اذ نظر اليها وقد ظهر عليه وكانه وجد سؤالها هذا وقحا لا موجب له, ولكنه مالبث ان هز كتفيه دون اكتراث وهو
قال ذلك بتعال لا يتضمن فقط انها تتدخل بهذا السؤال , فى ما لا يعنيها, بل وكأنه مرفوض انها لا بد سمعت باسمه من قبل... وكان هذا صحيحا كما
اعترفت تشارلى لنفسها وهى تخفى شعورها العدائى لدى سماعها باسمه.
" اهو عجبا! انت اذن ابن الاخ الكريه؟"
لا شك فى ان العمه جين كانت تشتد فى تعنيفها لو هى سمعته يتلفظ بمثل هذا الكلام الانى دون زجر منها. ولكن قلبها لم يكن ليطيعها فى زجره. وخصوصا
وهو يعبر, بكلماته هذه, عما فى نفسها هلا, وفى الواقع ان توم كان قد كون رأيه غير الحسن فى هذا الرجل من تعليقاتها هى التى كانت تلقيها جزافا, لانه
مثلها هى, لم يكن قد راّه ابدا من قبل, وانما العمه ماكنزى قد ارتها صورا له. بالطبع, وهذا يفسر شعورها بانها ربما سبق ورأته من قبل, ولكنه فى الصور كان
يبدو احدث سنا لا يشبه ابدا هذا الرجل ذا الوجه القاسى المشاكس. وشعرت تشارلى بما يشبه الغثيان وهى تفكر فى مدى الحب والزهو اللذين كانا يظهران
فى ملامح السيده العجوز وهى تريها هذه الصور الغاليه.
" فى الواقع, ابن بنت الاخ"
ولم يظهر صوته اى استياء كم كلمات توم الصغيره ولكن تأثير ذلك ظهر فى الغضب الذى ساد ملامحه. وتابع:
" ان اميلى ماكنزى هى اخت جدى"
فكرت تشارلى بازدراء فى انه يؤكد قرابته الان.. اى عندما وجد فى ذلك مصلحه له. ومن المؤسف انه لم يفعل ذلك من قبل عندما كان لهذا الامر اهميه
لم تستطع تشارلى ان تكتم رنه الغضب فى صوتها وهى تقول:
ولكنها ندمت لما قالته حالما افلتت الكلمات من شفتيها. وذلك حينما رأت وجه بول يشحب من الغضب وسألها بحده:
فكرت تشارلى فى نفسها ان من لا يعرف حقيقته يظن انها ذات اهميه حقا لديه, ولكنها هى تعلم كل شئ. اذ طالما امضت الساعات مع الانسه اميلى ماكنزى
تستمع الى احاديثها عنه اذ كان عزيزا عليها جدا. وكانت تعدد لها كل كل جائزه تلقاها. وكيف سافر الى ما وراء البحار, مرسلا اليها بطاقات من كل انحاء
العالم, انما نادرا ما كان يرسل رسائل كامله وهذا كان يعنى لها الكثير. فقط بعض الماحظات يخطها بسرعه... حتى هذه قطعها عنها فى المده الاخيره.
وسادت القسوه ملامح تشارلى وهى تتذكر كل هذا رغم جهودها فى تمالك مشاعرها, ولكن الازدراء بان على شفتيها وهى تقول:
وكان صوتها ينضج بالغضب والاشمئزاز اللذين كانت تشعر بهما. ذلك انها, فى مناسبات كثيره فى الاشهر الماضيه. كانت ترى وجه اميلى ماكنزى يشرق كلما
سمعت وقع خطوات ساعى البريد. لتغمرها, بعد ذلك بخيبه امل عميققه اذ تدرك ان حفيد اخيها الحبيب ما زال يهملها. وتابعت تقول:
" ولكنها ما زالت مريضه جدا كما كانت فى الثلاثه اشهر الاخيره"
قالت ذلك بحده ودمها يغلى من الغضب. وكان قد سمح لها عده رات فقط بزياره مخدومتها العجوز بينما كانت هذه تكافح للشفاء من النوبه التى انتابتها
والتى كادت تقتلها ولم تكن هى لتحتمل النظر الى تيلك العينين الزرقاوين الباهتتين وهما تملئان بالدمع عندما لا تجد هى مناصا من الاعرتاف بعد تلقى
اجوابه رسائلها التى كانت قد ارسلتها تخبر بها بول ساريزن عن مرض عمته.
لقد ارسلت الى هذا الرجل خمس رسائل, اثنتين منها الى عنوان منزله فى لندن. والقيه بولسطه كتب الصحيفه التى يعمل فيها. وبهذه الطريقه, استطاعت
تشارلى ان تضمن وصول الرسائل الى جهه فى العالم يكون فيها ولم يدركها اليأس من تلقى جواب منه الا بعد الرساله الاخيره التى لم يجب عليها حتى
ببطاقه او باقه ورود تصل الى جانب سرير اميلى ماكنزى, معترفه بان ما سبق وقاله برايان كان صحيحا وهو ان بول ساريزن لا يهتم مثقال ذره بحب عمته له,
قال ساريزن بصوت يشوبه الغضب والبرود:
تراجعت هى خطوه الى الخلف وقد جف حلقها. بينما تابع هو قائلا:
" لم هذا التدخل فى شؤون الاخرين, وامورهم التى لا خصك, بينما لم اعرف بعد اسمك ولا طبيعه عملك هنا؟"
كانت على وشك ان تقول شارلوت, ولكن الخوف الذى سبق وتملكها, قبل ان, من ان يعرف هذا الرجل الخطر انها فتاه, هذا الخوف عاد اليها لتتمسك
باللقب الذى يطلقه عليها الجميع ما عدا عمتها والانسه اميلى اللتين كانتا تدعو انها باسمها الكامل, وتابعت تشير الى الصبى:
" وماذا تفعلان هنا, يا تشارلى نيوتن؟"
انستها الخطوات الثلاثه التى خطاها نحوها, حقيقه انه ظن انهما اخون وان اسمهما واحد هو نيوتن. وقالت والكلمات تخرج من فمها بشبه حشريه:
" لقد كنا... كنا نتنزه, ثم.."
" ولانكما تعلمان ان الانسه ماكنزى فى المستشفى, فقد جئتما لتسرقا البيض"
فقالت وهى تنكر التهمه بعنف:
" كلا...ز لم نكن نقوم بمثل هذا ال...."
لكنه لم يسمح لها بان تنهى كلامها, فقال:
" ان وجودى هنا لابد افسد عليكما هذه اللعبه. حسنا, اعلما ان ايامكما التى كنتما تسرقان فيها البيض قد انتهت. ربما كانت الانسه ماكنزى فى المستشفى,
ولكن هذا لا يعنى ان تكون املاكها مباحه للصوص الصغار امثالكما"
" كلا, بل اسمعها انتما, مادامت عمتى فى المستشفى فانا المسؤول هنا, وانا انذركما بانكما ستندمان اذا ما وجدت مره اخرى ايا منكما فى ارضى هذه"
قالت دون ان تبالى بسماعه لها:
" لن يكون ندمنا اكثر معا هو الان"
لقد كانت كلماته تحرقها, وكذلك عجرفته وهو يقول ( ارضى) مما اضافت وقودا الى نار غضبها.
امسكت تشارلى بيد توم وسارت خطوات نحو الطريق وهى تعلم ان ايه كلمه اخرى منها ستزيد الامر سوءا رغم تحرقها الى ان تخبر هذا الرجل القاسى
اقلب رأيها فيه. وكادت تدير ظهرها الى السياج الذى يحيط بارض مخدومتها, عندما تراءى لها وجه هذه كما راته لاخر مره, شاحبا نحيلا ممتقعا لا يكاد
يختلف عن الوساده التى كان رأسها ملقى عليها , وغلى دمها من الغضب مما جعلها تتخلى عن الحذر, فعادت تحوم حول المكان مره اخرى قائله له:
" لكننى اريد ان اخبرك شيئا, ايها السيد, اننى المسؤوله هنا. انها ليست ارضك يا ساريزون ولن تكون ابدا اذا كان ثمه عداله فى هذا العالم, انك لست ابن
الاخ الوحيد عندها. فهناك برايان موتون ايضا. وهو, فى رأيى, له نفس الحق الذى لك انت, ان لك يكن اكثر, بالنسبه الى املاك عمتك"
لاحظت ان كلامها لم يعجبه, وتملكها موجه من الخوف وهى ترى برود الثلج فى عينيه وقد ازداد تقلص وجهه. كما ان الغضب جعل وجهه وكأنما قد من
الصوان. وتذكرت ما قاله برايان مره عن الكراهيه المتبادله بينه وبين ابن خالته هذا, ولكن نظراتها الى وجه بول ساريزن جعلتها تدرك انه لم يقدر هذا الامر
وكان المنطق والحذر ينطلبان من تشارلى ان تسكت مكتفيه بما قالته, ولكن حده طبعها جعلتها تفقد اعصابها فلم تستطع مقاومه رغبتها فى ان تلقى فى وجه
الرجل الغاضب امامها باخر ما فى جعبتها, فتابعت قائله:
" كان عليك ان تفكر فى امالك فى الارث قبل ان تهجر عمتك بهذا الشكل. وانا متأكده من انك ستدرك فداحه غلطتك هذه عندما ترى عمتك وقد
فضلت عليك اقرباءها الاقل انانيه منك"
لم تنتظر لترى نتيجه هجومها الاخير هذا. اذ انها تذكرت اخسرا مسؤوليتها عن سلامه توم, هذا اضافه الى سلامتها هى. وهكذا قررت انها قالت ما يزيد عن
الكفايه فقبضت على يد ابن عمتها الصغير, وانطلقا معا دون ان تكلف نفسها هناء القاء نظره خلفها على حفيد اخ اميلى ماكنزى الكريه ذاك والذى حدثت
نفسها بأنه سيبقى فى ذاكرتها ابدا كأحد ابغض الاشخاص الذين قابلتهم. الى كقضاء واجب ليس الا, امله ان يذهب اليوم بعد الظهر الى المستشفى لاثبات
وجوده, ثم يخرج عند انقضاء موعد الزياره الى حيث لن ترى وجهه مره اخرى, ذلك انمقابله واحده لبول ساريزن هى اكثر من كافيه بالنسبه اليها.