"بالضبط "
قالها في تردد , ثم اخذ يجول ببصره في غرفتها المتواظعة , وكانت توني تجلس في كرسيها تتطلع الى وجهها في المرآة , كأنها معجبة بجمالها .
ولاحظ داروس فجأة تصرفاتها . وشعر بشئ من الأحتقار لها , وفكّر انها مغرورة فعلا , ومرت فترة من الصمت , وقالت لنفسها :
"زواج ! لو عرف الرجل ما هو مقدم عليه لقام يركض ! "
"حسناً .... هل قررت شيئاً ؟" واتسعت عيناها الخضراوان , ثم قالت :
"في خمس دقائق فقط ؟ انه قرار مهم بالنسبة إلي ...سيد لاتيمر , إنني لا أعرف شيئا عنك؟"
وسألها بلهجة تدل على القلق والغضب :
" ما الذي تريدين معرفته عني ؟"
" حسناً... ما هي حالتك ..... يا سيد لاتيمر؟"
" حالتي!"
" أقصد هل انت ثري ؟ أقسمت دائما ألا اتزوج رجلا فقيرا . إن أي فتاة يتعين عليها ان تفكر في مواردها المالية ...أليس كذلك ؟"
كانت نظراته التي تتسم بالإزدراء ترمقها من رأسها حتى قدميها وكانت توني من ناحيتها لا تستطيع ان تكتم رغبتها في الضحك.
"أنا صاحب سفن"
وبدا وميض الفرح في العينين الخضراوين كما توقع وأردفت توني :
"إذن لا بد انك ثري فعلا , هل لديك منزل كبير!"
"نعم في اليونان"
ونظرت اليه باستغراق وتأمل .... ودمدمت قائلة :
"بعض الرجال الأثرياء يمتلكون عدة منازل ..."
بدت خيبة الأمل في صوتها , وقال لتوني في برود :
"لدي ايضا مقر إقامة صيفي في جزيرة رودس , ولكني لا أمتلك أية منازل أخرى , إنني آسف لذلك (قالها في تهكم) ولكنني قد افكر في شراء منزل آخر فيما بعد "
كان واضحا انه قال ذلك حتى يغريها بالقبول . وقالت توني أخيرا وقد قررت إظهار العجز والضعف الذي كان قد اشار اليهما في كلامه عن الفتيات الأنكليزيات :
"أشعر انه من واجبي ان استشير والدي ... فربما لا تعجبه فكرة الزواج من اجنبي وبدون رضاه"
" ورده قايين "
ورفع داروس رأسه قائلا:
"توقعت ان تكوني قادرة على اتخاذ قراراتك بنفسك . كم عمرك الآن ؟"
وعضت شفتيها واستدركت قائلة:
"23سنة ...وأعتقد انني استطيع ان اتخذ قراراتي بنفسي لكنني اعتدت ان اتشاور مع والدي في المسائل ذات الأهمية "
ونظر داروس اليها في تشكك .... ودمدمت في نبرات جافة :
" وهكذا اذا اردت الزواج واعترض والدك على اختيارك ....سترضخين لحكمه....."
ومرّة اخرى هز رأسه وشعرت توني بالغضب , لكنها استطاعت ان تقول بهدوء :
"كنت افكر في تسوية اكثر من أي شئ اخر..."
"تسوية!"
وقالت توني وكأن هذا امر مسلم به :
"انك بالتأكيد تنوي عرض تسوية!"
وزم داروس فمه وبدت عليه ملامح اليوناني الجاف بتلك الخطوط الغائرة والنظرات الجامدة و وكانت تحس ان مشاعره مشتعلة بالحنق واغضب. وفي الوقت نفسه تأمل برغم ما شعرت به من سعادة في اعماقها الا تكون قد بالغت في تقدير امكانية التعامل معه وقال:
"عندما ينتهي الزواج ستكونين قد حصلت على تعويض كاف.. وليس قبل ذلك "
وشعرت توني بالصدمة وهي تقول :
" ولكن ابي سيصر على التسوية الآن بسبب هذه الظروف الغير العادية . ذلك سيكون ضمانا لي ..." وظل صامتا ثم قال :
" ضمان من ماذا ؟"
"من المستقبل ..فقد لا أجد زوجا آخر بعد ان يتم الطلاق "
"ولكني لن أطلقك "
"لا فرق في ذلك .. الرجال لا يرغبون في امرأة تكون من قبل ...."
ورفع حاجبيه وقال بلهج جافة :
"أعتقد انه في بلدك لا يهمّ أبدا إذا كانت المرأة قد تزوجت من قبل نصف دستة من الرجال"
واحمرّ وجه توني غضبا وهي ترمقه بعينيها اللامعتين وتقول:
"لسنا نساء بلا أخلاق يا سيد لاتيمر"
"انها مسألة رأي .. في أي حال اننا نبتعد عن جوهر الموضوع"
"مسألة دفع مبلغ من المال تأتي عندما يفسخ الزواج , وسوف تحصلين على مبلغ شهري كبير وسيكون هذا كافيا الى ان تؤدي وفاة جدي الى انفصالنا "
قال ذلك بلهجة صارمة لا تدل على أي مرونة , وأجابت برقة :
" إذا فأنت لا تريد ان تقدم هذه التسوية الآن"
"لا أرغب في ذلك الآن"
وعادت بأفكارها الى والديها فأثناء تلك الساعات التي قضتها بانتظار وصول داروس شعرت بالسعادة لفكرة إرسال النقود اليهما . وكانت تعرف انها ستصاب بخيبة أمل إذا لم تستطع تحقيق خطتها , وقالت :
" في تلك الحالة لا يمكن ان يتم الزواج"
ووجهت نظرها الى أظافرها ذات الطلاء اللامع ثم نظرت في المرآة . وبدا على الرجل انه يحتقرها لمسلكها العابث , واستطردت تقول في صوت حاسم :
"وإذا لم يتم الزواج فالموقف سيعود إلى ما كان عليه عندما غادرت بيت جدك"
ثم تنهدت في عمق واضافت :
"سوف أضطر إلى طلب حماية الشرطة ولكني متأكدة أنه سوف يعتدي على عمي"
ونظر داروس اليها في حنق قائلا :
"هل توجهين انذارا الي؟"
وقالت في حدة :
"لن يكون هناك زواج بدون تسوية , انا انكليزية كما تعرف ونحن نحب ان نحصل على الأمان ...لكنك ربما لاتعرف الكثير عن الفتيات الأنكليزيات ؟"
وحدّق داروس فيها بجفاء شديد وأشاحت توني برأسها . خائفة ان تكون تمادت بعض الشئ في حديثها اليه . الأمر سيكون خطيرا لأن داروس لا يمكن ان يكون غبيا . ويجب ألا يكتشف أنها فهمت كل كلمة قالها عنها وعن اهلها . على الأقل ليس في الوقت الحاضر . |